فصلنامه مطالعات سیاست خارجی تهران
 

کلمة رئیس التحریر

تُعدّ الحرب والدبلوماسیة نهجین معروفین علی مستوی العلاقات الدولیة، حیث تمّ اعتماد کلّ منهما علی مدی مائة سنة مضت في مختلف النزاعات التي جرت بین الدّول؛ ومن المعروف أنه کلّما دخلت الجهود الدبلوماسیة نفقاً مظلماً جاء دور الحرب لتفرض نفسها علی العلاقات الثنائیة أو متعددة الأطراف بین الدول. وإذا ما کانت القوات العسکریة لتلک الدول متکافئة بحیث تعذّر تغلّب الواحدة علی الأخری تتّجه الأنظار نحو طاولة المفاوضات ولا یخفی أنّ کثیرا من الدول تدعو الی التفاوض مع الاستمرار في نشاطاتها العسکریة ضد الطرف الآخر، بغیة تضییق الخناق علیه وبالتالي تحقیق المزید من الانجازات السیاسیة.

 وقد یحدث عکس ذلک أي تقوم الدولة التي تری ظروفها المیدانیة متأزمة باستخدام ورقة التفاوض بغیة تحقیق التفوّق المیداني. ویظهر من هذا کله وجود علاقة معقدة بین الحرب والتفاهم، بحیث لا یُعلم اذا کانت الحرب من أجل التفاهم أم التفاهم من أجل الحرب.

 في الحقیقة انّ تبلور نظام جدید للعلاقات الدولية بعد الحرب العالمیة الثانیة وکذلک تأسیس مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لم یساهما بأي حال من الأحوال في تحسین إدارة الأزمات الإقلیمیة والدولیة وکذلك في تقدیم الحل الدبلوماسي علی الحل العسکري

 مع ذلک فقد حدث توازن بين القوى العظمى وحلفائها علی مدی عقود بفعل الحرب الباردة إلّا أن الولایات المتحدة الأمریکیة عملت في هذه الفترة (فترة الحرب الباردة) ومن خلال محاولة القضاء علی الاتحاد السوفیتي وإنهاء الحرب الباردة علی تأسیس نظام جدید للعلاقات الدبلوماسیة یرتکز علی السیطرة الأمریکیة ویجعل من أمریکا القطب الوحید في العالم ولکن الحلم الأمریکي في تأسیس نظام أحادي القطب قد تبخّر وذلک بفضل قوی إقلیمیة مؤثّرة ظهرت في أنحاء العالم وتسببت في حدوث تعدیلات جذریة في مجال السیاسة و الاقتصاد الدوليین فبالتالي لم یبق أمام أمریکا إلا أن تشعل حروبا تمکّنها من اثبات تفوّقها المطلق علی العالم. في هذه الفترة سعت أمریکا لتکون صاحبة الید العلیا في المعادلات العسکریة حتی تتمکن من استخدام عنصري التفاوض والدبلوماسیة في سبیل تحقيق انجازاتها المنشودة .فعلی سبیل المثال إنّ أحد أهم أسباب اندلاع الحرب في أفغانستان والعراق هو أن أمریکا کانت تروم استعراض عضلاتها علی مستوی العلاقات الدبلوماسیة.

 ولكن هذا النهج الأمریکي لیس فقط لم یؤد إلی هیمنتها المطلقة علی العالم فحسب، وإنما جعل القوی الفتیة تتخذ إستراتیجیات مغایرة أو متضاربة مع الولایات المتحدة وذلك من أجل الترويج لعدم الاستقرار العالمی وکذلک العمل على جعل الفوضی تسود العلاقات الإقلیمیة والدولیة. وقد جرت هذه الحالة في أرجاء العالم بصور مختلفة منها ظهور القوی الإقتصادیة العظمی في شرق آسیا، النزاع علی بحر الصین الجنوبي، قیاس الوزن الإستراتیجي في مجالات مختلفة کالدرع الصاروخي لحلف شمال الأطلسي، التحدیات الأمنیة في أوروبا و تنازع أمریکا وأوروبا والناتو مع روسیا علی أوکرانیا وذلک في شرق أوروبا والإقلیم الأوراسي، تنامي الاتجاهات المتطرفة والإرهابیة و تعرض الحدود الجغرافیة للدول للخطر، استمرار التحدیات بشأن القضیة الفلسطینیة في غرب آسیا وکذلک شمال أفریقیا و....

 وقد تمخّض هذا التطرف الممنهج والأنشطة الإرهابیة عن أزمة أمنیة في أنحاء أوروبا و أفریقیا وأمریکا وآسیا حیث تحول غرب آسيا وشمال أفریقیا إلی مرتع لإنتاج واستقطاب وتدریب وتنظیم العناصر الإرهابیة مما حفزّ أمریکا وحلفاءها علی استخدام هذه المنظمات الإرهابیة القائمة في الدول الاسلامیة کأداة لزعزعة الاستقرار وإحداث البلبلة فیها، وذلک من أجل تسيير أهدافها في قلب العالم الإسلامي. لذا فقد خطّط القصر الأبیض لإحداث بلبلة مدروسة لكي تتمكن من توجيه الفوضی السائدة في المنطقة بما یخدم مصالحها الكلية وفی هذا الإطار یأتي دعمها للجماعات والمنظمات الإرهابیة المختلفة في سوریا والتي تسمّیها "المعارضة المعتدلة" هذا وفي نفس الوقت وبالاعتماد علی معاییر مزدوجة، تصف المنظمات المتطرفة الناشطة في أوروبا و أمریکا بالإرهابیة وتحول دون امتداد نفوذها إلی حدود أوروبا.

 وفي هذه الأثناء نلاحظ أن بعض الدول مثل السعودیة وترکیا تضع وبشکل علني التدخل العسکري في شؤون جیرانها علی رأس أولویاتها وتحاول بالتزامن مع ذلک أن تغطي علی هزائمها علی الصعید الإقلیمي عبر المشارکة الفاعلة في المجال الدبلوماسي.

 هذا فضلاً عن أن هذه الدول تعمل وتحت غطاء التمهید لتوصّل التیارات الداخلیة إلی الاتفاق و تخطّي التحدیات فيها، علی نزع السلاح من أنصار الله في الیمن وکذلک إرغام الرئیس السوري علی التنحّي عن السلطة،

 إلا أن هذه المنهجیات لم تسمح بعد بإجراء حوارات وطنیة جادة في الدول التي تعیش الأزمة.

 إنّ إلحاح اللاعبین السیاسیین علی تحقیق مصالحهم بدلاً من الإهتمام بإعادة الأمن والاستقرار إلی الدول المصابة بالأزمة، قد جعل للتحولات مستقبلاً معقّداً و غامضاً و مثیراً للقلق وللأسف الشدید قد لحقت أضرار فادحة بالدول والمجتمعات الإسلامیة نتیجة لأفعال هؤلاء اللاعبین السیاسیین وسیاساتهم ذات الطبقات المتعددة و فضلا عن هذه الأضرار المادیة والبشرية فانّ هذه الأفعال قد أفشلت خطّة تحول دول المنطقة ما أسفر عن التداعیات التالیة:

 - حدوث اضطراب في النظام القائم وکذلک موازین القوی في المنطقة، حیث أصحبت إمکانیة تغییر الحدود الجغرافیة قائمة أکثر من أي وقت مضی وذلك بسبب تدخل الدول الغربیة في إنشاء النظام البدیل.

 - إضعاف سیادة دول المنطقة، الإضرار بسلطة الأنظمة السیاسیة، تجرید الجیوش و المؤسسات الأمنیة لدول المنطقة من طاقاتها، عدم تمتع المنظمات القتالية في هذه الدول بالقوة الرادعة اللازمة لمواجهة التحدیات الخارجیة و بالتحدید الکیان الصهیوني، عدم إمکانیة المراهنة علی الجیش العراقي في مواجهة التحدیات الداخلیة و الخارجیة وذلک بعد انحلاله وإعادة بنائه، استنزاف الجیش السوري جراء حروب واشتباکات متواصلة دامت خمس سنوات،الفتّ في عضد الجیش الترکي الذي کان یعتبر من أقوی الجیوش علی الصعید الإقلیمي وذلک من خلال محاولة الإنقلاب الفاشلة الأخیرة، انشغال الجیش المصري بالمنافسات السیاسیة في الداخل و بمواجهة الإرهاب الممنهج في الخارج لاسيما سيناء و بالتالي فقدان القوة الرادعة لدیه.

 - تحوّل الإرهاب والتطرف إلی خطر کبیر و شامل یهدد دول المنطقة و غیرها من الدول و التعامل المزدوج للأمم المتحدة التي تدّعي بأنها تحارب الإرهاب مع هذه الظاهرة الخطرة واستغلالها کأداة لاستنزاف الدول المعارضة لإستراتیجیاتها العامة في المنطقة.

 - الاحتلال والاستیلاء التعسفي وغیر المسؤول علی مساحات واسعة من الأراضي العراقیة وکذلک الأجزاء الشرقیة والشمالیة لسوریا وجزء هام من الشریط الساحلي النفطي للیبیا من قبل ما تسمي نفسها الدولة الاسلامیة و قیامها بالعملیات الإرهابیة و في محیط هذا الشریط الساحلي والنشاطات الهدامة في المناطق البعیدة عنه.

 تواجد مجموعات إرهابیة أخری تحت مسمیات جدیدة في الأراضي السوریة کجبهة النصرة التي کانت ولاتزال تحاول أن تخفف الضغوط السیاسیة والعسکریة عنها بغیة إقامة دولة مستقلة في سوریا.

 - مبادرة بعض دول المنطقة کالسعودیة وترکیا إلی تطبیع العلاقات مع الکیان الصهیوني في العلن بدلاً من الوقوف مع الشعب الفلسطیني والدفاع عن حقوقه، حلّ أخطار موهومة کالمدّ الشیعي و إیران الصفویة محل التحدیات الرئیسیة للعالم العربي والإسلامي المتمثلة في الکیان الصهیوني التوسعي.

 -تغییب القضیة الفلسطینیة من سلم أولویات العالم العربي والإسلامي وتضخیم تحدیاتهما الداخلیة کالتنافسات العرقیة والطائفیة .

 -اتاحة مجال أوسع لأمریکا وحلفائها الغربیین للترویج لموجة الإسلاموفوبیا وبالتالي التقلیل من جاذبیة الإسلام ووضع حدّ للإقبال علیه.

 علی ضوء ما تقدّم تطرح أسئلة نفسها وهی: إلی أین ستؤول هذه الفتن المفتعلة وأعمال العنف والعداء التي دامت سنوات طوال؟

 هل الحوار والتفاوض یستطیعان أن یفتحا آفاقا جدیدة تساعد علی التوصل إلی الأمن والسلام علما بأنّ استمرار الحرب والعنف لن یثمر سوی الوبال والدمار؟

 هل أن إعادة الأمن والاستقرار إلی دول المنطقة تصبّ في مصلحة الأطراف الفاعلة علی مستوی العالم لیجعلهم یتعاونون مع دول المنطقة من أجل تخطي الأزمة فیما إذا رضيت بالحوار؟

فیم تکمن مصالح الشعوب والدول الاسلامیة؟

 أی من السیناریوهات تخدم مصالح الکیان الصهیوني وأمنها أکثر ؟

 هل ثمة إجماع بین الدول الغربیة والأوروبیة علی هذه المسئلة ؟

 هل أن الأطراف الفاعلة دولیا تهدف من وراء دراسة الجوانب المختلفة لهذه المعادلة إلی إحراز التفوق الإستراتیجي علی دول المنطقة أم أنها ترمي من خلال مشارکتها الفعالة في هذا المجال إلی تعزیز موقعها في مناطق أخری؟

 ماهو الدور الذي تلعبه السیاسات الإقتصادیة في الصراعات ولم کل هذا السعي لزیادة تصدیر المعدات العسکریة إلی الدول التي تعاني الصراعات؟

 وهناك عشرات الأسئلة ومواضع اللبس الأخری التي لا یسعنا المجال لطرحها هنا

 وفي الختام یجدر بالذکر أنه تسعی هذه النشرة الفصلیة التي تحمل عنوان" دراسات السیاسة الخارجیة لطهران" وبعد الإستعانة بالله والاستفادة من خبراء محنّکین و أساتذة الجامعات الکرام،إلی توفیر ظروف مؤاتیة للفهم العمیق والإستراتیجي للقضایا الدولیة فضلا عن محاولتها للإرتقاء بعملیة التحلیل والتقییم للقضایا الهامة علی صعید السیاسیة الخارجیة والأمن القومي حیث یتم ذلک من خلال الدراسة الإستراتیجیة لموازین القوی علی مستوی المنطقة والعالم وتقدیم تقدیرات دقیقة و واقعیة بشأن التطورات الإقلیمیة والدولیة المقبلة كما أن هذه النشرة ترحّب بنصائح المفکرین وتوجیهاتهم الحكيمة والتي تساعد علی تحسین النوعیة وتعمیق الآراء العلمیة والأغراض البحثیة.

لذا نوجه دعوة إلی جمیع الأساتذة والخبراء والمنظرین الکرام لمساعدتنا في هذا العمل.


قراءة: 911