فصلنامه مطالعات سیاست خارجی تهران
 

القواعد الهيكلية والعواقب الإستراتيجية لخروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي

ابراهيم متقي
أستاد جامعة طهران.

الملخّص

 يمكن اعتبار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي نتاجاً للضرورات الجيوسياسية وملمح من ملامح الثقافة الاستراتيجية لإنجلترا.

ساهمت حالة التضامن المكوني الإنجليزي في التاثير على السياسة العامة لبريطانيا والتي تمثل نموذج التعاضد للبلدان المتحدة والائتلافات المتداخلة والقائمة على محوريّة القوة. لقد تركت مواضيع من قبيل الهجرة والتحولات الاقتصادية الدائمة، وسياسة الوحدة التي انتهجها الاتحاد الأوروبي، وكذا الحرب على الإرهاب أثرها على السياسات الإقليمية وعلى نموذج الاستراتيجية التي تنتهجها بريطانيا. ويمكن اعتبار الكلفة المتصاعدة للأزمات الاقتصادية والأمنية الجديدة في أوربا سببا رئيسيا لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

تميز الدافع الذي أدى بـ ألمانيا وفرنسا الى تأسيس الاتحاد الأوروبي أنه اصطبغ بصبغة استراتيجية وأمنية. هذا في حين كانت بريطانيا تستلهم- ومنذ القرن التاسع عشر- نموذج التوازن بين القوى متأثرة بما توصل اليه مؤتمر فينا. وبديهي أن البلد الذي يؤمن بنظرية التوازن بين القوى، لايميل عادة الانتماء الى الكيانات المدغمة ذات الأهداف الواسعة. ولهذا ورغم تشكيل المؤسسات الحقوقية، والسياسية، والإقتصادية والإجتماعية في الاتحاد الأوروبي الا أن مواطني بريطانيا والكثير من النخب السياسية البريطانية سعت بشكل دائم في إيجاد الأرضية اللازمة الساهمة في مغادرة الاتحاد الأوروبي. وبنفس المستوى الذي سيؤدي فيه خروج إنجلترا من الاتحاد الأوروبي من تأثير على المواضيع الإقليمية في الشرق الأوسط، سيكون لهذا الخروج القابلية في نفس الوقت على ترك فراغ وإبهام استراتيجي في الساحة الأوروبية.

ويؤكد السؤال الرئيسي للمقال على ماهية المجالات الثقافية والاجتماعية والسياسية والاستراتيجية التي سيتركها خروج إنجلترا من الاتحاد الأوروبي، وكذا الأمور التي سيتمتع بها من جهة أخرى في المجال الإقليمي والدولي؟ ويفترض المقال أن انجلترا وبما تمتاز به من مختصات كجزيرة ترغب في الميل صوب الاطلسي ولا يمكن للهوية الانجليزية أن تدغم في الهوية الأوروبية. وقد استفدنا في هذا الإطار وكبيان لهذا المقال الى الاستفادة من نهج المدرسة الانجليزية والمدرسة الويلزية. فهكذا مناهج تختلف عن الأفكار الوظيفية، والوظيفية الجديدة، والتقارب الذي يعني الاندماج.

 

الکلمات الأساسیۀ: الاتحاد الأوروبي، بريكست، الأمن الإقليمي، موازنة القوة، بناء الأمن الاستراتيجي.

 

المقدمة

 لقد راودت فكرة تاسيس الاتحاد الأوروبي كحلم جميل اذهان الفلاسفة والمنظرين السياسيين في القرن التاسع عشر ويمكن اعتبار تكوينة الولايات المتحدة وتنظيم الدستور الفدرالي كعوامل اخرى ساهمت في رفع مستوى الدفع بالدول الأوروبية نحو تكوين عملية الاتحاد والاندماج. ولم تمنع الحرب العالمية الاولى والثانية من تكوين منحى التعاون والائتلاف بين هذه الدول

 وقد تاثرت فكرة الاتحاد الأوروبي قبل كل شئ بالدافع السياسي لدى شخصيات من قبيل روبرت شومان وزير خارجية فرنسا الذي تأثر بشكل واضح بافكار جون مونه وقد طرح روبرت شومان تصوره ضمن ما عرف باعلان شومان وذلك ضمن مقترحه لتأسيس مجتمع الفحم والفولاذ في التاسع من مايو سنة 1950. ومثلت نهاية الحرب الباردة وانهيار جدار برين سنة 1989م نقطة انطلاق جديد في المجال الاجتماعي والتاريخي للحياة السياسية في أوروبا.

 امتاز الخروج الانجليزي من الاتحاد الاوروبي بوجود قواعد اجتماعية وثقافية وايدولوجية. فالحقيقة تثبت أن الوجودات الأقوى في أوروبا من قبيل انجلترا والمانيا وفرنسا لم يكن الاتحاد الأوروبي ليمثل لها واردا اقتصاديا وحسب بل العكس فهي تنفق اقتصاديا عليه. فيما الثقافة السياسية والاقتصادية لانجلترا بشكل لا يميل الى الاستثمار الغامض في ظروف الازمات. وقد أبرزت التجربة التاريخية الانجليزية هذا المنحى الى الاستعانة بامکانیات الاستعانة الذاتية لإيجاد الأمن. بداهة ان لا تكون عملية إيجاد الائتلافات أولوية استراتيجية لانجلترا في ظروف الأزمات. فانخفاض المداخيل الاقتصادية في السنوات الاخيرة للحرب العالمية الاولى تعدّ من جملة العوامل التي تؤدي الى ضرورة المحاسبة الاستراتيجية في أفكار الزعماء والفئات الاجتماعية الانجليزية لاتخاذ مواقف سياسية واقتصادية وأمنيّة.

 الحقيقة هي أن انجلترا لم تكن ميّالة أبدا وبشكل شامل للانصهار في بوتقة الاتحاد الأوروبي. فهكذا منحى إنما هو ناشئ من الهوية الانجليزية بدلا من الهوية الأوروبية. ولم تواجه بريطانيا أبدا ومنذ سنة 1066م خطراً امنيا واسعا يهدد أمنها ووحدة أراضيها ولهذا كان دور انجلترا في الاتحد الأوروبي يختلف مع المكانة التي تعيشها سائر الدول الأوروبية.

 تركزت النظرة الأوروبية على ظروف من قبيل الدعم الذاتي والمؤثرات الاجتماعية والاقتصادية وصناعة الأمن. وبما أن انجلترا كانت وخلال السنوات التي تلت الحرب العالمية الأولى جزءاً من الدائرة الأمنية للولايات المتحدة الأمريكا فلم تكن هناك رغبة تذكر للتعاون الاستراتيجي مع سائر البلدان الأوروبية. فالمحور الرئيسي للأمن والاستراتيجية الانجليزية إنما يتاتّى من خلال الإمكانات التي تحقق لها اندماجا بـ [الحلف] الأطلسي، وبهذا يمكن القول إن خروج إنجلترا من الاتحاد الأوروبي ينبغي أن يدرج ضمن هكذا منحى. كما أن بريطانيا ستحتاج الى تعميق تعاونها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة ليكون باستطاعتها تحقيق الإمكانات الضرورية لحفظ أمنها واستراتيجيتها.

 إن الرسوم البيانية في هذا المقال تظهر سعي انجلترا عادة الى تعميق علاقاتها بالدول الأوروبية. كما يمكن اعتبار تعميق العلاقات الاقتصادية مع أوربا كعنوان لجزء من المصالح الاقتصادية التي تحصل عليها. ضمن هذا المجال يمكن القول بان إنجلترا لم تكن لها رغبة تذكر للإئتلافات الاستراتيجية مع أوروبا، ويمكن اعتبار المثالية التي ذهب اليها الاتحاد الأوروبي السبب الرئيس لهكذا واقع.

 إن الاولوية الانجليزية تؤكد على صناعة الأمن وتقوية الذات قبل التأكيد على نظرية المحورية الأوروبية. كما أن الرؤية الأمنية البريطانية تتحقق أيضاً في التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية.

 لقد سببت الكلفة العامة للاتحاد الأوروبي مشاكل كبيرة لاقتصادات المانيا وفرنسا. ولايمكن حفظ التركيبة الأمنية للإقتصاد الإنجليزي من خلال اتفاقية «شنغن» و»اليورو». وتسعى انجلترا لتنظيم تكوينتها الامنية والاقتصادية مع بقية الدول الأوروبية وفق خصائص البلد المنفك اقتصادياً وأمنيا.

 ولهذا تعمد المجاميع المتشددة في انجلترا وبشكل حثيث على إيجاد أرضية مناسبة للإئتلاف مع امريكا. والإئتلاف مع امريكا يعني نهاية العلاقات المتشابكة مع الاتحاد الأوروبي. ورغم أن التعاون الإقليمي و الاستراتيجي بين انجلترا وبعض الدول الأوروبية الأخرى سيستمر ضمن إطار حلف شمال الأطلسي، وبعض المؤسسات الدولية الأخرى، ولكن الواقع هو أن إنجلترا ليست ميّالة لتوسيع العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية مع دول أوروبا.

 فمثل هذه العلاقات وبدلا من أن تدرّ نفعاً اقتصاديا واستراتيجيا على بريطانيا، تساهم بشكل عكسي حيث تتسبب في رفع التكاليف. هذا في حين لاتسمح التكوينة الاقتصادية، والحالة الاجتماعية لـ إنجلترا بتقبل كلفات اجتماعية واقتصادية لإتلافها مع أوروبا. وقد أظهر تاريخ العلاقات الدولية أنه متى ما ارتفعت التكاليف الاقتصادية البريطانية لأنماط من قبيل بناء الأمن الإقليمي، فإن التغيير وإعادة السلوك في المناهج الاستراتيجية ستكون هي الحاكمة في هذا البلد.

 إن فهم الأسباب الرئيسية لانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بحاجة الى معرفة الحقائق الهيكلية والاجتماعية التي ساهمت في إيجاد الأرضية اللازمة لتشكيل الاتحاد الأوروبي. لقد كانت ماهية نموذج التواصل الإنجليزي مع المؤسسات التي أنشأت الأسس اللازمة لتكوين الاتحاد الأوروبي مقيدة وغير فاعلة. وقد يكون بالإمكان الوصول الى نتيجة مؤداها أن أهميّة الإئتلاف مع الاتحاد الأوروبي تكمن أهميتها من خلال ما تدرّه من علاقات إقتصادية وأمن استراتيجي أكبر.

 فلو أن هذه العلاقات كانت ستؤدي إلى زيادة التكاليف الاقتصادية والأمنية على بريطانيا، فمن الطبيعي أن ترافقها نماذج قائمة على التغيير التنظيمي والتجديد حينئذ. والحقيقة هي أن سنوات الحرب الباردة التي شهدت وضع أساس لبنات الاتحاد الأوروبي، لم تشهد مشاركة انجلترا الا بشكل محدود مع المؤسسات ذات المحورية الأوروبية. كما أن انجلترا وفي السنوات التي تلت تشكيل الاتحاد الأوروبي بقيت محافظة على جزء من هويتها الاجتماعية والأمنيّة والاستراتيجية.

 ولهذا فخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إنما استند على الضرورات الاجتماعية والاحتياجات الاقتصادية، فتشكيلات العمل الاستراتيجي والتجارب التاريخية ذات العلاقة إنما ترتبط بالسنوات التي حكمت فيها حالة توازن القوى في أوروبا والنظام الدولي. ففي ظل هكذا ظروف، سيكون من الطبيعي أن عدم وجود رغبة لإنجلترا في تعميق واستمرار التعاون القائم على المسؤولية الاقتصادية والأمنية مع الاتحاد الأوروبي. وقد أظهرت تجربة العمل الاستراتيجي البريطاني أن العمل الأمني متى ما ارتبط مع التكاليف الإقتصادية والاستراتيجية فإن الزعماء والفئات الاجتماعية تُعرض عن الرغبة في متابعة واستمرارية مثل هذا النمط.

 

عملية إنشاء وتطوير مؤسسات الاتحاد الأوروبي

يعتبر الاتحاد الأوروبي منظمة ذات جذورِ فكرية قائمة على التقارب والوظيفيّة. وتؤكد النظرة الوظيفيّة على أن ترابط الاحتياجات الاقتصادية للبلدان، سيجعلها تدع الفوضوية وتعمل على بيان أهدافها من خلال آليات تحقق لها منافعها الجديدة. هذا في حين لم يراود هذا النهج أذهان الزعماء البريطانيين من حيث المكانة التحليلية والنظرية.

انطلقت فكرة إنشاء الاتحاد الاوروبي من أذهان المفكرين. فالنظرية الاقتصادية والسياسية التي وصل اليها الباحثون الفريسيون كانت السبب الرئيسي في تكوين بيان شومان سنة 1950م. فلقد شغلت فكرة أوروبا الواحدة أذهان المفكرين والسياسيين الأوروبيين منذ زمن بعيد، لكن الأرضية لتحقق هذه الفكرة لم تر النور إلا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. كان على رأس أولويات الحكومات الأوروبية لمرحلة ما بعد الحرب المرزية، في إعادة البناء الاقتصادي، ولجم التطرف القومي والحاجة إلى الأمن في مواجهة تهديدات الحرب الباردة.

 مثّل تأسيس مجتمع الفحم الحجري والصلب في أوروبا (ECSC) سنة 1951 م استجابة لمثل هذه الحاجة. وكانت ألمانيا الغربية تعتمد على التجارة مع بقية أوروبا، وكان هذا سببا لتيسير إعادة إعمار هذا البلد اقتصادياً، فضلا عن إبعاد الخطر الشيوعي عنه، كما كان يطمئن فرنسا مما كانت تخشاه من سلطة صناعية اتصفت بها المانيا. وكانت الخطوة الثانية سنة 1957م في التوقيع على معاهدة روما حيث تم إنشاء سوق مشترك يمكّن رأس المال، والبضائع، والأفراد من التردد بشكل حر.

  وفي عقدي السبعينات والثمانينات من القرن العشرين بدأت ست دول أوروبية ومنها بريطانيا العمل على ايجاد اتحاد أوروبي. وقد فرضت المتغيرات التي عاشتها تلك الفترة من قبيل التزلزل الإقتصادي الذي نتج عن تعطّل نظام بريتون وودز، وأزمة الطاقة على الأوروبيين مزيداً من التعاون للسيطرة على مقدراتهم، بحيث نضجت فكرة أن السوق الواحد لا يمكن أن يتحقق بدون أن تكون هناك عملة أوروبية واحدة.

 ووفقا لهذه المتطلبات تهيأت الأرضية اللازمة للتصديق على معاهدة ماستريخت سنة 1991م. ووفقا للضرورات اللأمنية والمتطلبات الاقتصادية، أُنشئ الاتحاد الأوروبي استنادا للأركان الثلاثة للمجتمع الأوروبي وهي: السياسة المشتركة الخارجية والأمنية (CFSP) والداخلية والعدل. وفي منتصف 1990م ومع انضمام ثلاثة بلدان أخرى، ارتفع عدد أعضاء الاتحاد إلى 15 عضوا. لكن الاتحاد الأوروبي ونتيجة للمصالح المختلفة للدول الأعضاء الكبرى فشل في تحقيق سياسة خارجية ودفاعية مشتركة، رغم ذلك تم تحقيق بعض التقدم في القضاء على الرقابة على الحدود، وفي عام 1995 دخلت معاهدة شنغن حيز التنفيذ. كذلك وتماشيا مع الوحدة النقدية، اعتمد اليورو عملة موحدة لأوربا سنة 1999 وعمم بصورة رسمية في الأول من يناير 2002 باعتباره عملة للاتحاد الأوروبي.

 وفي العام 2004، انضمت الى الاتحاد الأوربي 10 بلدان من أوروبا الشرقية، ليرتفع مع ذلك عدد الدول الأعضاء إلى 25 عضواً. وفي العامين 2007 وعام 2013، انضمت ثلاث دول أخرى من أوروبا الشرقية الى الاتحاد ليرتفع عدد الأعضاء إلى 28 بلد. وقد ساهمت زيادة عدد الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في خلق المزيد من المشاكل والقيود الاقتصادية بالنسبة لـ بريطانيا، بحيث انخفض جزء كبير من الدافع الاستراتيجي لإنجلترا في الحصول على دور في منطقة البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي في عام 1947، وفي العام 2016 وضع على جدول أعماله الحدّ من التحالفات الاستراتيجية مع الدول الأوروبية لتحقيق حالة التقارب.

 

1- الأسباب والمؤثرات في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي

 النموذج البريطاني للسياسة الاقتصادية والأمنية ينبع من حقيقة أن دول البلدان التالية: إنجلترا وويلز واسكتلندا وإيرلندا هي من تشكل مملكة متحدة يطلق عليها بريطانيا العظمى. إن جزءا من أزمات الاختلاف في المملكة المتحدة إنما هو نتاج للاختلافات في مجال التنمية الاقتصادية والحقوق المدنية والمشاركة السياسية. وفي ظلّ ظروف كهذه، فإن منحى ائتلاف انجلترا في الاتحاد الأوروبي خلق زيادة في التوقعات من قبل الدول المكونة للمملكة المتحدة.

 رغم أن مكونات اللغة والدين والقانون في أربعة أجزاء من بريطانيا مختلفة، إلا أن بريطانيا، تمثل المحور الرئيسيّ للسيطرة السياسية وتوزيع القوة الاقتصادية. فمنهجية إضفاء الطابع الديموقراطي على النظام السياسي البريطاني، لم تترك تأثيرا كبيرا في مجال المصالح الوطنية وكذا نموذج صنع القرار الاستراتيجي في المملكة المتحدة. يمكن اعتبار عدم وجود دستور مكتوب في بريطانيا سببا في تيسير الحياة السياسية فيها. فالملاحظ في هذه العملية، تمتاز وثائق من قبيل الماجنا كارتا، والفواتير القانونية، والميثاق الحقوقي والقانون والنظام الأساسي وستمنستر بأهمية كبيرة في صناعة القرارات والسياسات.

 

1-2 دور الثقافة السياسية والاجتماعية في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي

 فالحقيقة أن البريطانيين، وفي الكثير من المراحل التاريخية كانوا يفتقدون الشعور والإحساس بأوروبيتهم. رغم أن المملكة المتحدة وتماشيا مع بقية البلدان الأوروبية الأخرى تشارك في الأحداث الرياضية الأوروبية، ولكن الشعور الداخلي للمواطنين البريطانيين لايتناسق مع واقع الإئتلاف مع الاتحاد الأوروبي. انضمت بريطانيا الى السوق الأوروبية المشتركة في عام 1973. لم يقرب انضمام بريطانيا للاتحاد الاوروبي، إنجلترا إلى شركائها القاريين وحسب، بل ساهم في إيجاد الأرضية المناسبة للتنسيق بشأن القضايا الأخرى بما في ذلك السياسة والحكومة والبرلمان واتخاذ القرارات مع سائر الدول الأوروبية .

 رغم أن عهد حكومة توني بلير، شهد نشوء أرضية مناسبة لمشاركة بريطانية في الاتحاد الأوروبي، ولكن هذه العملية جوبهت بمعارضة شديدة وواسعة من قبل الأحزاب المحافظة. لقد عملت المجاميع المعارضة للوحدة مع اوروبا على إعادة التموضع البريطاني الجديد للخروج من الإتحاد الأوروبي. والحقيقة هي أن الرأي العام البريطاني من أكثر الأمم في أوروبا لا مبالاةً بقبول مناهج وملامح التقارب التي يعيشها الاتحاد الأوروبي.

 على الرغم من أن المملكة المتحدة تعدّ جزءاً من منظومة الدول الأوروبية، ولكن الملاحظ هو أنها دائما ما تختلف مع الوحدات السياسية الأخرى من أوروبا جغرافيا، ونفسياً وسياسياً. في هذه العملية، مازالت حكومة توني بلير متهمة بالتفريط بجزء من الحكم البريطاني لصالح أوروبا. أظهر الاستفتاء الذي أجري في يوليو 2016 أن العناصر الثقافية والهوية تمتاز بفترة حياة أطول مقارنة بنهج النخبة والزعامات السياسية. على الرغم من أن بريطانيا تعتبر دولة أوروبية، ولكنها في الحقيقة لم تعمد الى ترسيخ الفكر السياسي أو النظرية الاستراتيجية التي يؤمن بها الاتحاد الاوروبي في أذهان مواطنيها.

 في السنوات التي تلت الحرب الباردة، تحولت كيفية مشاركة بريطانيا في أوروبا الى قضية مهمة في السياسة البريطانية. بل يمكن القول بان السياسات الأوروبية لـ تاتشر وتوني بلير، كانت العامل الرئيس في التقليل من مكانتهما الاجتماعية والسياسية في انجلترا. على الرغم من أن جون ميجور حاول في تصميم نموذج لدور سياسي أكثر اعتدالا للعب دور في الائتلاف مع أوروبا، لكن التقسيمات داخل حزب المحافظين ونمط استجابة الفئات الاجتماعية لعبت جميعها دوراً هاما في إيجاد حالة من عدم الثقة السياسية بهؤلاء الاشخاص.

 وكان ديفيد كاميرون هو أيضا وفي العديد من القضايا يميل الى النهج المحافظ، لكنه لم يستطع أن يقاوم موجة غلاة المحافظين، رغم وجود بعض الشرائح الداعمة لعلاقات أوسع مع أوروبا، لأن هذه الشرائح لاتمتلك المكانة المحورية للتأثير على الرأي العام. وما أن تواجه الحكومة البرلمانية البريطانية مسائل من قبيل كيفية الالتحاق بالاتحاد الأوروبي أو عبور الاتحاد الأوروبي حتى تعمد الى التلويح بالذهاب إلى تطبيق آليات الاستفتاء.

 وقد أظهراستفتاء يوليو 2016 على الانفصال عن الاتحاد الأوروبي أن البنية التحتية الاجتماعية وطبيعة القرار السياسي البريطاني تميل الى التشدد، وهي أمنية المنحى وتود العودة إلى هويتها الإنجليزية. رغم ما لرئيس الوزراء البريطاني من سلطة لها دور حاسم في صياغة السياسات والبت في القرارات الاستراتيجية، لكن ديفيد كاميرون لم يستطع مقاومة إرادة الشعب وفضّل الاستقالة من منصب رئاسة الوزراء أثناء عملية تنفيذ وابلاغ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مستعيرا الأدب النقدي المحدودة والناعم.

 

2-2. دور المؤثرات الأمنية في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي

 يعتبر المحور الرئيسي لتنظيم الاتحاد الأوروبي بناء الأمن. وبناء الأمن في القرن الـ 21 يمتاز باهمية [كبيرة] لأن فقدان الأمن يحدث أزمات اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية جديدة للدول الأوروبية. تمثل المواضيع ذات الصلة بالجريمة المنظمة والإرهاب المشكلة الأمنية الأكبر بالنسبة للبلدان الأوروبية. إن دولة مثل تركيا لم تدخل حتى الان نادي الدول الاوروبية المسيحية ترى الاتحاد الأوروبي مجموعة سياسية ذات هوية محددة تلتزم نهجا تمييزيا.

 ولإظهار السياق الاجتماعي والاستراتيجي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في الأدب السياسي والدولي يعتمد مفهوم بريكسيت. وقد ذكر هذا المفهوم لتوضيح احتمال انسحاب انجلترا من الاتحاد الأوروبي في السنوات الاولى للقرن الـ 21 وما تلاها. وقد تحقق المفهوم أخيرا في يوليو سنة 2016م كحقيقة سياسية جديدة. وتظهر الحقيقة أعلاه أن المجتمع والنخبة البريطانية، ليست على استعداد للعب دور سياسي في دائرة الاتحاد الأوربي .

 فالمقاربة الأمنية البريطانية لديها اختلافات واضحة مع نماذج الأداء الاستراتيجي في البلدان الأوروبية. ويجمع الكثير من المحللين الأمنيين والاقتصاديين في أوروبا على الاعتقاد بأن البريطانيين والأوروبيين لايتفقون مع بعضهم البعض على ثقافة استراتيجية وأمنية مشتركة. تظهر أنماط الأداء الأوروبي والبريطاني في السنوات التي تلت الحرب الباردة والأزمات الإقليمية من قبيل الأزمة في العراق عام 2003 أن المملكة المتحدة أسرع مساهمة في ديناميات أمنية أمريكية مقارنة بمشاركة سائر البلدان الأوروبية.

 فالملامح الإدراكية والأداء الأمني البريطاني بشكل يجعل على جدول أعماله استخدام السياسات القسرية عند مواجهة أعداء فعليين أو محتملين، بدل انتهاج آليات التشجيع والترغيب. وبعبارة أخرى، فالإنجليز والى جانب الولايات المتحدة، يقدمون العصا على الجزرة ويميلون الى علائم من الحتمية والقطعية الامنية في المعادلات الإقليمية. وتجدر الإشارة إلى وجود بعض الأدلة على تطبيق القوة الناعمة في هذه العملية. وقد تشاهد القوة الناعمة التي يذهب اليها جوزيف ناي وريتشارد هاس في فكر المدرسة الإنجليزية للعلاقات الدولية.

 وتجدر الإشارة إلى عدم تطور أفكار التكامل الأوروبي والتي تمثل في الأساس نماذج استراتيجية ونظريات العلاقات الدولية للمدرسة الإنجليزية والمدرسة الويلزية أبدا. إن فكرة التكامل الأوروبي وقبل أن تكون مرتبطة بـ إنجلترا الجزيرة كانت متأثرة بالمداخل الفكرية والأفكار السياسية لمنظرين استراتيجيين روس والمان وفرنسيين. وبهذا ، يمكن تسليط الضوء على دور العوامل الجيوسياسية في تشكيل المؤسسات السياسية أو الانسحاب من هذه الهيئات.

 لقد تركت الأزمة الأمنية أثرها في الشرق الأوسط على نمط تعامل الدول الأوروبية مع مسألة الهجرة. فبعض الجماعات اليمينية في بلدان الاتحاد الأوروبي من قبيل بريطانيا وفرنسا وألمانيا لديها نهج قومي وتعارض أي سياسات تدعم الهجرة. يمكن اعتبار الانتخابات البرلمانية في أوربا وفوز الأحزاب المتطرفة في فرنسا وانجلترا والدنمارك ونجاحها النسبي في العديد من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى علامة على تراجع الدول الأوروبية والتي تعتقد بأن الاتحاد الأوروبي يمثل عقبة في طريق الازدهار والأمن لمواطنيها.

 ويمكن اعتبار التحولات السياسية والاقتصادية في اليونان التحذير الأخير لإنجلترا للخروج من الاتحاد الأوروبي. فرغم دفع المانيا وفرنسا القسم الأكبر من تكلفة إعمار اليونان اقتصاديا لكن الواقع يقول بأن هذا الموضوع ترك تاثيره على الاقتصاد والأمن الجماعي لجميع الدول الأوروبية . لكن الفئات الاجتماعية والقادة المحافظين في انجلترا يرون أن كل بلد ينبغي ان يتحمل نتاج فعله الاستراتيجي.

 ووفقا لهكذا رؤية فإن أي ازمة اقتصادية تقع في بلد ما لا ينبغي أن تصدّر مشاكلها الاجتماعية والأمنية الى سائر البلدان. واحدة من أهم الأحداث في هذا الصدد فوز الحزب اليساري سيريزا بقيادة الكسيس تسيبراس في الانتخابات اليونانية بـ كانون الثاني عام 2015، .وقد حدث هذا بعد حالة من اليأس عاشته الجماهير من غالبية الأحزاب اليونانية كالحزب الاشتراكي اليوناني (باسوك) وحزب الديمقراطية الجديدة منذ بداية الأزمة الاقتصادية. وكان حزب سيريزا اليساري ولكسب تأييد الرأي العام قد أعلن عن معارضته لبرامج التقشف.

 وكان السبب الذي أدّى الى اعتماد هذا النهج من قبل الحزب الاشتراكي اليوناني هو آماله بمواصلة تقديم الدعم الاقتصادي الأوروبي لمواجهة الأزمات الأمنية في اليونان. وفي هذه المطاف، وفضلا عن طلب تخفيف عبء الديون المترتبة على اليونان من قبل الاتحاد الأوروبي، أشار الكسيس تسيبراس زعيم الحزب الى ضعف البنية الاقتصادية لهذا البلد بسبب التهرب الضريبي والفساد فضلا عن عجز في الميزانية الحكومية لعقد من الزمن، وارتفاع نسبة الدين في هذا البلد بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، مطالبا الاتحاد الاوروبي بقروض جديدة لليونان.

 وقد تم تنسيق هذا النهج مع الأفكار والأشكال المفاهيمية البريطانية. كما ساهمت الأزمة الاقتصادية في اليونان وسريانها صوب بلدان أخرى في جنوب أوروبا، إلى زيادة المخاوف الاقتصادية والامنية في بريطانيا. في عام 2010، تعمقت الأزمة الاقتصادية في اليونان وبعض الدول الأخرى الواقعة جنوب أوروبا، لتصل نسبة الدين العام لهذا البلد نسبة للناتج المحلي الإجمالي إلى 146 في المائة. لذلك بادر الاتحاد الأوروبي الى تقديم مساعدات دعمٍ لهذه الدول كي تتجاوز الأزمات الاقتصادية.

 لقد أوقفت المملكة المتحدة سنة 1947 إدارة الشأن السياسي ودعم ملك اليونان، وذلك في الفترة التي عانت اليونان خلالها من أزمة اقتصادية واجتماعية. والحقيقة هي أن بريطانيا غير مستعدة لدفع الأثمان الاقتصادية والأمنية مقابل إنجازات محدودة. لقد منحت الدول التي تعاني من أزمات اقتصادية حزمة مساعدات مالية قدرها 110 مليار يورو فى مقابل تدابير التقشف والاصلاحات الهيكلية وخصخصة أصول الدولة. وفي وقت لاحق، وضعت الحزمة الثانية بمبلع يقدر بـ 130 مليار يورو عام 2011، في أيدي اليونانيين.

 وكانت بريطانيا تدرك أن فرض التكاليف الاقتصادية لدول من قبيل اليونان واسبانيا والبرتغال على الاقتصاد والمجتمع البريطاني، سيكون له تبعات استراتيجية خطيرة. لذلك لم يبدي أيّ رغبة في الدخول في المواضيع المكلفة وذات الطبيعة الغامضة. في تلك المرحلة، جرت العديد من البحوث في هذا الصدد وكانت تكمن في التساؤل عن السبب الرئيس لحدوث المشاكل الاقتصادية في اليونان؟ هذا في حين كان الألمان يعتقدون أن ديون اليونان تجاوزت قدراتها.

 فمن الطبيعي أن بريطانيا وبسبب الظروف الاقتصادية الخاصة كانت ضد منح مثل هذه الأمور [القروض]. ويؤكد بعض المسؤولين الاقتصاديين والاستراتيجيين البريطانيين على أن الإقراض الألماني لبعض الدول كاليونان جرّ لها منفعة اقتصادية وساهم في زيادة صادراتها. وكانت السلطات الاقتصادية والأمنية الاجتماعية البريطانية تدرك أن السياسات التقشفية التي يتبعها الإتحاد الأوروبي في قبال منح مساعدات مالية لليونان، لايمكنها أن تؤدي الى نتائج مؤثرة للأمن الاقتصادي لسائر الدول الأوروبية ومنها بريطانيا.

 لقد كان لإبقاء اليونان في الهيكل الاقتصادي والسياسي للاتحاد الأوروبي والعالم الغربي، تكاليف اقتصادية وأمنية باهضة. ويمكن اعتبار عقيدة ترومان وخطة مارشال سنة 1947، ردّة فعل لمساهمة الولايات المتحدة الأمريكية في إنقاذ اقتصاد الدول الأوروبية من قبيل اليونان واسبانيا وايطاليا. لقد أدت الأزمات الأمنية وعلاقتها بالتكاليف الاقتصادية البريطانية الى انسحاب بريطانيا لحماية الأمن السياسي والهيكلي لليونان..

 ويمكن اعتبار انقلاب الجنرالات سنة 1947، مثالا للدور الذي كانت تبحثه الولايات المتحدة الامريكية لإيجاد الأمن بدون مشاركة اقتصادية واستراتيجية للولايات المتحدة. والحقيقة هي أن بريطانيا دائما ما اتبعت منهجية ذات طبيعة معقدة هذا من جانب ومن جانب آخر فإن جزءاً كبيراً من التكاليف الائتمانية والاقتصادية للعمل الاستراتيجي البريطاني بعهدة الدول التي تقع في محورها. وفي هذا المطاف، يمكن الإشارة إلى الدور البريطاني في الانقلاب العسكري [الذي حدث في إيران] بتاريخ 18/ 8/ 1952م والذي تحملت الكم الملحوظ من تكاليفه الاعتبارية والأمنية حكومة الولايات المتحدة الأمريكية.

2-3. دور العوامل الاقتصادية في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي

 على الرغم من أن العوامل السياسية والقانونية كانت قد لعبت دورا هاما في الواقع الذي أدّى الى انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلا أن العوامل الاقتصادية كانت مهمة، وقد لعبت دورا مؤثرا ومصيريا في هذا المجال. الأهم من ذلك، أن الإيرادات الاقتصادية لبريطانيا انخفظت في السنوات التي تلت تشكيل الموجة الثانية من الثورة الصناعية مما أثّر ذلك على الوضع الاستراتيجي لبريطانيا. فمن الطبيعي أنه إذا كانت هناك بوادر لأزمة ما، فإن كل بلد يحاول استخدام ما يتوفر لديه من آليات ونماذج تقدم أكثر فائض اقتصادي واستراتيجي، ليحقق أكبر فائض اقتصادي واستراتيجي للبنى الاقتصادية والاستراتيجية للبلدان التي تكون في فلكه.

 يمكن اعتبار الأزمات الاقتصادية لبلدان الإتحاد الأوروبي من بين العوامل التي تعزز فكرة الانسحاب التدريجي وتقوية الفكرة القائلة بأن الهيكل الاقتصادي والاستراتيجي لبريطانيا يختلف وسائر البلدان الأخرى في الاتحاد الأوروبي. لقد بدأت الأزمة الاقتصادية في منطقة اليورو سنة 2010م، من خلال ما طرأ من دين هائل على دول من قبيل اليونان وايرلندا والبرتغال. وكانت بريطانيا تعارض دفع التكاليف المالية لتحقيق التوازن المالي، والمصرفي، والاستراتيجي بين دول الاتحاد الأوروبي.

 مثّل هذا التوجه أحدث حالة ارتفاع البطالة وعجز الموازنة والركود الاقتصادي في إسبانيا وإيطاليا وفرنسا، ويمكن اعتبار الأزمة الأمنية سنة 2012 جرس انذار من قبل جماعات هامشية اقتصادية واجتماعية لتقديم المواضيع الاقتصادية البلدية في انكلترا. كما ويمكن اعتبار الأمن والازدهار كملمحين رئيسيين للمنهجية التي اتخذتها القوى المحافظة البريطانية في عملية الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. ويشعر المسؤولون والمواطنون البريطانيون بأن استمرار التعاون مع الإتحاد الأوروبي سيؤدي إلى حدوث مشاكل اقتصادية وأمنية جديدة لكلا الجانبين.

 والحقيقة هي أن إنجلتزا لا يوجد لديها علاقات لافتة مع قيم أوروبا الليبرالية. حيث تفضل بريطانيا الاستعانة بآليات من قبيل تقوية الذات، وإدارة القوة والسيطرة على الأحداث للعمل على استقرار الوضع السياسي. نالت الحقوق الأساسية في معاهدة لشبونة درجة القطعية في الأول من ديسمبر سنة 2009 م. يعتبر الإعلان الذي تمت المصادقة عليه كوثيقة لمشاركة الدول الأوروبية كمجموعة القرابة والتي كان ينبغي لها أن تمتاز بنهج ونمط مشترك فيما يتعلق بالمواضيع الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية والاستراتيجية للعالم.

 الرأي العام البريطاني يلاحظ أن القادة المنتخبين ديمقراطيا يمتازون بنهج يميل الى التفكير الخيري ويتصرفون وفقا للقواعد السياسية. ولهذا فإن سبب خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبى لم يؤدي إلى ظهور التقاطعات الاجتماعية أو التناكفات السياسية بين التنفيذيين. وكانت استقالة ديفيد كاميرون ووصول السيدة «تيريزا ماي» الى منصب رئيس الوزراء في إنجلترا والتي تعهدت بتنظيم انسحاب بريطانيا من الإتحاد الأوروبي كمهمة رئيسية بالنسبة لها، قد تمت وفق طبيعة ديمقراطية ودون أيّ إثارة اجتماعية خارجة عن السيطرة.

 يمكن اعتبار البرغماتية، والتقنية، والتكتيك والاستراتيجية السمة الرئيسية للحكام، والمجتمع والمؤسسات السياسية في المملكة المتحدة. ففي هذا المنحى، لا يقوم المجتمع ولا المؤسسات الانجليزية بردّة فعل الا فيما يتعلق بقضايا الفساد المالي والانتخابي أو إساءة استعمال السلطة. ويمكن اعتبار البراغماتية المحور الرئيسي للسياسة، القوة، والمثال لبناء الأمن بالنسبة للزعامات السياسية في إنجلترا. ومن ملامح البراغماتية الاستراتيجية يشار الى انفصال بريطانيا عن الاتحاد الاوروبى.

 لقد كانت المنهجية التي حدثت منذ سنة 2003 وما تلاها جزءا من الأدب السياسي والحوار الاستراتيجي مع قادة الأحزاب البريطانية، والقادة التنفيذيين، وفي يوليو سنة 2016 بلغت الأمور مرحلة التصميم أو إعادة بناء السياسات السابقة. ترتبط مغادرة البريطانيين للاتحاد الأوروبي، مع الحقائق السياسية والاستراتيجية لإنجلترا، فبنفس الملامح التي يمكن مشاهدتها من خلال ازدواجية المحافظين والليبراليين للتكوينة السياسة البريطانية يمكن أيضا ملاحظة سياسة مزدوجة أوروبية وأطلسية كجزء من مجال السياسة الخارجية والأمنية لبريطانيا.

 وتشير الاحصاءات إلى أنّ الاتحاد الاوروبى اذا ما رافقته المشاركة الأوروبية لإنجلترا، فستكون له قوة اقتصادية وتجارية ملحوظة. إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيؤثر على مناهج السيطرة على الأبعاد الأخلاق البيئية كما سيؤثر على مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري. وفي ظروف ما بعد الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي ستفقد عبارة «قوتنا في وحدتنا» بريقها ومصداقيتها بشكل تدريجي.

 من أسباب الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في بعض بلدان الإتحاد الأوروبي، ضعف البنية التحتية في عملية الإندماج وإيجاد التضامن الاستراتيجي. تضئل رغبة بريطانيا في الاستثمار الاستراتيجي في المناطق ذات التكاليف الإقتصادية والإجتماعية والأمنية التي لا يمكن التنبؤ. فلقد عرضت الإنجازات الناتجة عن التكامل الإقليمي، الذي كان الأكثر نجاحا من نوعه في العالم للتساؤل. لقد ساهم منح الاتحاد الأوروبي الحزم المالية لإنقاذ البلدان المثقلة بالديون والمشروط بتبني سياسات تقشفية لخفض العجز في الميزانية هذه الحكومة في خلق عدم رضا وسخط كبير بين الناس.

 يشير الرسم البياني رقم 1 الى مستوى العلاقات الاقتصادية بين المملكة المتحدة والنتائج في عملية التعاون المتبادل مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة. وفقا للمخطط البياني رقم 1 يمكن أن نخلص إلى أن التعاون الاقتصادي البريطاني مع الدول الأوروبية يفوق من حيث الفائض الاقتصادي مستوى علاقاتها مع الدول الصناعية في العالم مثل اليابان والهند الولايات المتحدة. لهذا، يمكن أن نخلص إلى أن السبب الرئيسي لانفصال بريطانيا عن الاتحاد الاوروبى لم يكن ذا ماهية اقتصادية محضة، بل هو اقتصادي مرتبط بالعوامل الثقافية، والاجتماعية والاستراتيجية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الرسم البياني رقم 1 يظهر العلاقة الاقتصادية بين المملكة المتحدة والنتائج في عملية التعاون المتبادل مع الدول الصناعية

 

 ساهمت الأزمة الاقتصادية في أوروبا، بنمو التوترات الاجتماعية الناتجة عن التغيير في النماذج السلوكية لإنجلترا وجعلته واقعا لا مفر منه. وكان ينبغي أن تتحمل الدول المتطورة في الاتحاد الأوروبي من قبيل إنجلترا الجزء الكبير من تكاليف إيجاد التوازن في اقتصاديات بلدان مختلفة من قبيبل اسبانيا والبرتغال واليونان وايطاليا. فهذه الحالة وفضلا عما أحدثته من فجوة بين بلدان الشمال التي تمتاز بوضع اقتصادي أكثر ملاءمة والبلدان المنكوبة في جنوب أوروبا، كانت قد أدّت إلى أن يواجه واقع التكامل وعملية تحسين مكانة وموجودية الاتحاد الأوروبي بصفته حكومة فوق وطنية وحكومة ما بعد الحداثة مخاطر جديّة.

فبريطانيا قلقة بشأن أوضاعها الاقتصادية للرد على إشكاليات مواطنيها والمؤسسات الإقليمية فالأزمة الاقتصادية في أوروبا كانت قد رفعت تكاليف انجلترا في دعم البلدان ذات الإقتصادات المتزلزلة. وبما أن بريطانيا كانت مثالا للعلق الذي يعيش عادة على امتصاص الآخرين في عملية تمويل تكاليفه الاستراتيجية، لذلك بدا طبيعيا أن السلطات والشارع البريطاني ليس على استعداد لاستمرار انخراطه ضمن الاتحاد الأوروبي.

 لقد كان التعاون الاقتصادي البريطاني عميقا مع تلك المجموعة الواسعة من الدول الأوروبية ذات السجل التاريخي من العلاقات السياسية والاقتصادية. وبطبيعة الحال، سوف يستمر هذا المستوى من العلاقات في المستقبل القريب. على الرغم من أن المملكة المتحدة خرجت من الاتحاد الأوروبي، ولكن يمكن الاستنتاج بأن الاتحاد الأوروبي يعتبر بريطانيا حليفاً في المجال الاستراتيجي

 كما سيقيم مع هذا البلد علاقات على أساس «الحكومة كاملة الوداد».

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الرسم البياني رقم 2 مستوى التعاون الاقتصادي البريطاني مع دول الاتحاد الأوروبي.

 

ساهمت الأزمات الاقتصادية في بعض بلدان الاتحاد الاوروبي، في نمو الظاهرة الانفصالية في بعض الدول الأوروبية من قبيل إسبانيا وبريطانيا. كما ساهم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في تقديم صورة ضعف للقدرات والامكانيات التي تتمتع بها المؤسسات الإقليمية المرتكزة على التقارب الاستراتيجي من حيث التركيب والوظيفة. وبشكل عام يمكن ملاحظة أن الأزمة الاقتصادية في أوروبا، كانت قد طوّرت ونمّت شعبية الحركات المتطرفة في دول الاتحاد الأوروبي.

 

2- دور المؤثرات السياسية الدولية في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبی

 ينعكس دور السياسية الدولية ومكونات القدرة وديناميات الفاعلين على البيئة التنافسية. وان واقع السياسة الدولية يؤشر الى علامات التعاون والمشاركة وتنافس اللاعبين الذين تجمعهم أهداف مشتركة أو متعارضة. ففي دائر السياسة العالمية يلعب كل بلدا دورا ينسجم مع أهدافه وطموحاته ومقتضيات أمنه القومي. فاذا كانت الفوضوية وحكم الغوغاء تمثل إحدى أصول الواقع السياسي الدولي، فمن الطبيعي انها ستؤول الى منطق استحكام ردة الفعل القائمة على أساس المصلحة الوطنية.

 أي استراتيجية تتخذ القرار بناء على مقتضيات المصالح الوطنية، السلطة الوطنية والأمن الوطني والوحدات السياسية، هذه العملية وليدة ظروف خاصة ولا يمكن لاي دولة بما فيها بريطانيا أن توفر الارضية اللازمة لمواصلة التعاون غير المثمر او المحفوف بالمخاطر مع الاتحاد الأوروبي أو مع اي بلد أوروبي آخر. إن السلوك الاقتصادي والأمني البريطاني قائم على أساس ضرورات السياسة الدولية.

 لعبت بريطانا دور محورٍ في التوازنات الدولية في الحقبة التي كانت طابع السياسة العالمية أوروبي الصبغة. ويمكن رصد مؤشرات لهذا النمط في الاعوام التي تلت عزز فيها الامريكان من قدرتهم ومكانتهم القيادية في السياسة الدولية. والحقيقة أن العلاقات الامريكية البريطانية الاوربية في السياسة الدولية تشكّلت على أساس من التعاون والمنافسة.

 وربما لا توجد منطقة شهدت التنافس الأمني في السياسة الدولية كدول حوض الأطلسي. وان كانت العلاقات بين الامريكان والدول الأوروبية تمظهرت بمظهر التعاون الاستراتيجي، الا أن الواقع الملموس يؤشر الى استحالة غياب المنافسة بين اللاعبين. إنطلاقا من هذه المقولة يمكن الخروج بنتيجة مؤداها: إن جزءاً كبيراً من التفاعل بين الجهات الفاعلة في السياسة الدولية يقوم بناء على مؤشرات من التعاون والتنافس والصراع الاستراتيجي.

 والحقيقة هي أن الدول الغربية تحاول التركيز على أدبيات الشراكة جزئيا لمواجهة التهديدات الاقليمية والدولية. ويؤكد منظروا العلاقات الدولية على قضية التعاون الاستراتيجي بين الدول التي تجمعها مصالح مشتركة أو التي تواجه مخاطر مشتركة. وطبيعة ولون السياسة الدولية لا تؤشر الى وجود مصالح مشتركة بين الامريكان والأوروبيين في القضايا الدولية فقط، بل هناك مخاطر مشتركة تواجه الطرفين.

 عندما دعاء الاسكندر الاول في العام 1819م الى التحالف المقدس، لم يرحب البريطانيون بذلك؛ وذلك ناتج عن طبيعة وهيكلية السياسة البريطانية في الساحة الدولية. وقد دافع الساسة البريطانيون في السنوات التي تلت مؤتمر فيينا الذي انعقد عام 1815م عن نمط التوازنات في الساحتين الأوروبية والعالمية، ويمكن القول بان هذا النهج مثل جزءا من السياسة الأمنية والاستراتيجية لبريطانيا في عام 2016، أي بعد 200 عاما على مؤتمر فيينا والدعوة الى الحلف المقدس.

 كانت السياسة الاقتصادية والامنية البريطانية تقوم ومنذ القرن التاسع عشر على اساس عنصري التفوق العسكري والموازنة الدولية. ولاريب أن نمط التعاون يكلف الميزانية البريطانية في حقلي السياسة والامن ثمنا باهضا. في هذه العملية، انعكست الأزمة الاقتصادية في أوروبا وبشكل واضح على كل الدول الأوروبية الأربع، البرتغال واسبانيا وايرلندا واليونان. وكان اليونان في مقدمة تلك البلدان حيث تأثرت تأثرا عميقا بتلك الازمة لاسباب خاصة بها.

 لم يكن البريطانيون- انطلاقا من سياسة توازن القوى في السياسة الدولية- ميالين الى تشكيل تحالفات داخل المجموعة الأوروبية من شأنها أن تعزز الدور الريادي الاقتصادي والأمني لبعض الدول الأوروبية كفرنسا وآلمانيا وتمنحهما مكانة استراتيجية كبيرة في اتخاذ القرار. وقد واجهت امريكا سنة 2008 م في عهد حكومة جورج بوش الابن أزمة اقتصادية وبالرغم من تمكن حكومة أوباما من السيطرة الى حدّ ما على تلك الازمة وتحقيق نمو اقتصادي بنسبة واحد بالمائة الا أن الازمة بدأت بالانتشار رويدا روديا حتى شملت الاتحاد الأوروبی.

 وقد شهدت الساحة السياسية الاوربية ومنذ عام 2014 م المزيد من التقلبات من الصعود والهبوط. فما زال الاتحاد الاروبي يعيش الازمة الاقتصادية بسبب غياب السياسة المالية الموحدة والمستقلة فضلا عن الاختلاف في المستوى الاقتصادي للدول الأعضاء. وقد يكون الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي ردة فعل على التكاليف الاقتصادية والاجتماعية التي تقع على كاهل بريطانيا لدعم الاتحاد الأوروبي. ثم إن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية البريطانية تركت أثرها على نمط الانعدام الامني والاجتماعي والاقتصادي عام 2012.

 

الازمة الاقتصادية البريطانية تتحول وبفترة قياسية الى انفلات أمني.

 د. عمدت السلطات السياسية البريطانية للسيطرة على الازمة الاقتصادية وانعكاساتها الاجتماعية والاقتصادية إلى الإستعانة بنمط التعامل المتشدد. ومن الطبيعي أنه وفي مثل هذه الظروف لا يمكن لبريطانيا أن تلعب دور اللاعب المؤمّن للميزانية اللازمة، وتأمين مستلزمات التكاليف اللازمة لمعالجة الازمة الاجتماعية في سائر الدول الأوروبية. ثم إن الافكار الاجتماعية، والنهج الدولي الذي اعتمده البريطانيون في الساحة السياسية العالمية واعتماد منهج التوازنات طيلة الحقب التاريخية المختلفة، يمنع بمجموعه من مواصلة مشاركة بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.

 ثم إن الدعم الذي قدمته دول الاتحاد الأوروبی للاقتصاد اليوناني والبرتغالي والاسباني والايرلندي، وضع على كاهل البريطانية تكاليف باهضة جديدة، ولم يكن المجتمع البريطاني ولا الطبقة السياسية على استعداد لدفع تلك الضريبة لتعزيز الأمن والاستقرار الاقتصادي والسياسي للبلدان الأخرى. وبنحو عام لا يوجد أي نوع من الانسجام بين منهج القوة والتوازنات ومنهج التحالفات والسير تحت خيمة الاتحاد الأوروبی. ومن العوامل التي حتمت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبی تكمن في الاختلافات الفكری والسياسي والاستراتيجية البريطانية مع سائر دول الاتحاد عامة والالمان خاصة. ثم ان الرسم البياني رقم 3 يكشف مدى تأثير انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبی في مجال الاستثمار وجلب رؤوس الاموال، والشؤون المالية والنقدية والمصرفية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الرسم البياني رقم 3 - أثار ومؤشرات الانسحاب البريطاني من الاتحاد الاوربي على الميزانية المالية والنشاطات النقدية والمصرفية

 

 تحاول بلدان أوروبا الغربية إزاحة روسيا من معادلة الأمن الأوروبي، ومن هنا لايبدي الروس حماساً كبيراً للمشاركة الاستراتيجية في الاتحاد الأوروبی. كذلك انعكس التضاد الجيوسياسي الروسي الالماني في أوائل القرن العشرين على نمط العلاقات الخارجية للبلدان في القرن الحادي والعشرين. ثم ان النظرة الروسية لبعض البلدان الأوروبية كاليونان تحمل طابعا جيوسياسيا، ومن هنا أعلن الرئيس الروسي فلادمير بوتين عن استعداد الروسي لتزويد أثينا 15 مليارد دولار بلا شروط لانعاش الاقتصاد اليوناني.

 والواقع أن بعض الدول الاوربية الكبرى بذلت مبالغ طائلة لتامين استمرارية التحالف الاستراتيجي للاتحاد الاوربي. في حين لم تبد بريطانيا أدنى ميل لتحمل هكذا عبء مالي. وفي جانب آخر من القضية نرى كلّا من الألمان والفرنسيين قلقين من فوز حزب اليسار اليوناني واحتمال تقاربه مع الروس، وقد سرت تلك الخشية الى الساسة الامريكان، كذلك صرحت السيدة ميركل في خطاب لها في بلجيكا بان خروج اليونان من الاتحاد الأوروبی يحوّل تلك المؤسسة الاقليمية الى جنهم وسيقودها الى الانهيار. والجدير بالذكر أن ديون أثنا للاتحاد الأوروبی والمؤسسات المالية التابعة بلغت الان ما يقرب من 143مليار دولار.

 

3-1. تأثير انسحاب بريطانيا على الاستراتيجية الأمنية العالمية

 يشترك العالم الغربي برؤى مشتركة تتعلق بالقضايا السياسية والاقتصادي والأمنية. وقد سعت تلك البلدان في حقب مختلفة لارساء ومتابعة قضاياهم الاستراتيجية من خلال  اعتماد منهجية تقوم على التعاون الشمولي والمنافسة المحدودة. وقد ذهب بعض المحلليين الى القول بان أسس العلاقات البريطانية الأوروبیۀ قائمة على اساس الضرورات الثقافية.

 وهناك من يؤكد على تسلیط الاضواء على دور المركب الجيوسياسي، في حين يؤكد فريق ثالث على دور القادة السياسيين في المواقف الاستراتيجية. ولاريب أنّ كل واحد من هذه العوامل والمؤشرات الثلاثة يشير الى فارق مشهود بين نمط التفكير والرؤية البريطانية وبين سائر بلدان الاتحاد الأوروبی المتعلقة بالقضايا الاستراتيجية.

 ويرى لفيف من المنظرين أن بريطانيا تمتلك القدرة لتوفير الارضية اللازمة لتشكيل تحالف جديد يضم العديد من الدول الأوروبية. ويشهد تاريخ العلاقات الدولية على دور بريطانيا الدائم في دعم الدول الأوروبیۀ الصغيرة. ومن هنا يثار السؤال التالي: هل بريطانيا قادرة على تشكيل تحالفات جديدة في القارة الأوروبية؟ يمكن رصد الاجابة في الرسم البيان رقم 4 والذي يمكن ان يعكس صورة عن طبيعة العلاقات المستقبلية بين الانجليز وسائر الدول الأوروبية الصغيرة إقليميا وعالمياً.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الرسم البياني 4- يعكس صورة العلاقات الانجليزية مع الدول الاوربية الصغيرة المستقبلية والتعاون الاستراتيجي

 

 لايمكن الوصول الى معرفة حقيقة القضايا الاستراتيجية الامريكية والبريطانية و الأوروبية و دول الشرق الاوسط ما لم نعرف طبيعة تفكيرهم ورؤيتهم للعالم. وفي هذا المجال يحاول فريق من المحافظين البريطانيين دراسة مواطن الاختلاف والتمايز بين كل من السياسة الخارجية والأمنية البريطانية والأوروبية بالنسبة الى الشرط الأوسط. ترى بريطانية العالم وفق النظرية الهوبزية التي لا ترى عبثية الاعتماد على القوانين والمقررات العالمية. وأن أي نمو اقتصادي رهين بالاتكاء على الجانب الأمني والدفاعي والقوى العسكرية.

 كما اطبق المتنورون الانجليز تقريباً على أنّ البريطانيين والأوروبيين لا يسهمون في ثقافة استراتيجية مشتركة. وقد أظهر رسم كاريكاتير أوروبي [انميشن] امريكا على انها دولة تحكمها ثقافة الموت. ولاريب ان سياسة العنف الامريكي هو وليد شرعي للعناصر الطبيعية والاجتماعية والثقافية، تلك العناصر التي تضرب بجذورها في أعماق تاريخ الذهنية البريطانية. ومن الطبيعي أن هكذا توجه سوف يترك أثره على نمط العلاقة بين بريطانيا و الاتحاد الأوروبی حول القضايا الاستراتيجية.

 

3-2. تأثير خروج بريطانيا على القضايا الامنية لمنطقة الشرق الاوسط

 يمثل منهج الموازنة المحور الاساسي للسياسية البريطانية الامنية في الشرق الاوسط. ويمكن وضع كل ايران والسعودية وتركيا ومصر واسرائيل في زمرة اللاعبين الاساسيين في سياسة بريطانيا الامنية في الشرق الاوسط. ويمكن القول أنّ السعودية تلعب- مقطعيا- دورا مؤثرا ومصيريا يفوق دور سائر اللاعبين العرب في التصدي لايران. فقد تكفّلت السعودية في سبعينيات القرن المنصرم لعب دور الموازن مع ايران في القضايا الامنية التي شهدتها منطقة الخليج الفارسي.

 وقد واصل الإنجليز نمط الموازنة في خصوص قضايا المنطقة في الأعوام التي تلت انتصار الثورة الاسلامية لغرض الحدّ من الموجة التي أعقبت الثورة. وهنا يمكن القول بأنّ حصيلة العملية منهجية ضرورة الموازنات الاقليمية الذي اعتمده الانجليز أدى في نهاية المطاف الى تعزيز الدور الاستراتيجي السعودي في الشرق الاوسط. فقد لعبت السعودية وبمعية العراق سنة 1980م دور الموازن مع ايران في الخليج الفارسي. ويمكن اعتبار الدولتين المذكورتين من أبرز اللاعبين الذين لعبو دورا إقليميا كبيراً في تنفيذ الاستراتيجية الامنية الامركية في الشرق الاوسط للحدّ من الدور الجيوسياسي الإيراني في المنطقة.

 وقد حاولت بريطانيا لتشكيل عملية تقوم على سياسة القسر. والتأكيد على الضروريات كالتحالف مع الأحادية الأميركية في القضايا الاقليمية والدولية، وقد تركت تلك المؤشرات أثرها على العلاقة البريطانية الأوروبية في الشرق الاوسط. ويمكن إخضاع مؤشرات الاختلافات للدراسة والتحليل لمعرفة دورها في قضايا الشرق الاوسط والتطورات الموجودة هناك، الأمر الذي يكشف رغبة بريطانية كبيرة نحو اعتماد المزيد من القوة في قضايا الشرق الأوسط.

 وقد لعبت السعودية إبّان حرب الخليج الفارسي الثانية التي حدثت سنة 1991م الى جنب كل من سوريا ومصر وسائر الحلفاء دوراً فاعلا كحليف للامريكان في حربهم ضد صدام حسين. كذلك لعب كل من السعودية والاردن ومصر والامارات العربية المتحدة دورا بارزا سنة 2003م عندما احتل الامريكان العراق، ظنا منهم أنهم يحافظون على بقاء التوازنات في منطقة الخليج الفارسي، حيث ترى تلك البلدان ان اي فراغ للسلطة في العراق سيؤدي الى زيادة قوة ايران الجيوسياسية.

ومع حلول العام 2006م طرحت كل مصر والبحرين والامارات العربية المتحدة والاردن وبقيادة السعودية نظرية الهلال الشيعي. وتعتبر السعودية  خط المواجهة الاول مع ايران في الشرق الاوسط والخليج الفارسي. ولاريب أن الامريكان وفي مثل هذه الظروف ينسّقون أهدافهم الاستراتيجية مع المملكة العربية السعودية، والتي يقع في طليعتها التصدي لايران كهدف استراتيجي أمني يجعل الامريكان يدعمون التوجه السعودي هذا. وقد اشارت السيدة "سوزان رايس" ممثلة امريكا في الأمم المتحدة الى نظرية المواجهة مع ايران باستخدام دول الجوار كالسعودية، وتعدّ نظرية المواجهة في المدار الجيوسياسي المحور الأصلي لسياسة أمن الولايات المتحدة، والتي انجرت بدورها لمنح السعودية دوراً محورياً في المواجهة مع ايران.

 جميع العوامل المذكورة أعلاه تبين أن استراتيجية الأمن البريطانية في التعامل مع السعودية تمثل جزئياً الضرورة الاستراتيجية  للولايات المتحدة الامريكية في الشرق الأوسط. والحال أن طبيعة تعامل البلدان الاوربية مع كل السعودية والبحرين وسورية ولبنان يختلف مع طبيعة التعاطي الامريكي معها. فقد سعت الدول الأوروبية لإدراج خطة عمل على جدول عملها توفر الارضية اللازمة للعب دور استراتيجي مؤسسي تعادلي في منطقة الشرق الاوسط. ولم تحظ التركيبة السياسية ونمط التحرك السعودي والبحريني بتأييد ودعم من قبل جميع البلدان الأوروبية.

 

4. تأثير انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في الأزمات الأمنية الإقليمية

 أي نموذج من العمل السياسي والتحرك الأمني سيترك آثاره على المستويين الإقليمي والدولي. والواقع السياسي العالمي يؤشر الى امتلاك البريطانيين تجربة غنية وخبرات واسعة تمكنهم من الحصول على موطئ قدم ولعب دور فاعل في الأزمات الإقليمية والدولية. علما أن نموذج العلاقات البريطانية الإيرانية داخل إطار الاتحاد الأوروبي سيختلف بوضوح مع الآليات الدبلوماسية والأمنية البريطانية بعنوانها دولة جزيرية ذات تحمل اهدافا دولية.

 ومن هنا يمكن الجزم بان انسحاب الانجليز من الاتحاد الأوروبي سيترك أثره على الازمة الاقليمية عامة والشرق الأوسط والخليج الفارسي خاصة. كذلك يمكن القول بأن الشرق الاوسط يمثل إقليميا مصلحة مشتركة واستراتيجية للمعسكر الغربي، ومن جهة أخرى لكل بلد من تلك البلدان رؤية متفاوته عن رؤية البلد الاخر تجاه الشرق الاوسط بسبب طبيعة النهج والمواقف المختلفة لتلك البلدان واستراتيجياتها.

 ويمكن إدراج الخلافات في النهج المتبع لدى كل من الأمريكان والبريطانييين والأوروبيين حول قضايا الشرق الأوسط ضمن المسائل التي تعكس التجربة الاستراتيجية لتلك البلدان في إدارة البيئة الإقليمية. ثم إن الواقع الملموس يشير إلى أن الرؤية الامريكية والأوروبية مختلفة في خصوص القضايا والمسائل الشرق اوسطية من قبيل لبنان وسورية والعراق بل وايران، وأن بريطانيا عاجزة عن تكييف سياساتها الامنية والاستراتيجية مع قوالب وأنماط العمل السياسي والأمني الأوروبي؛ إذ لكل دولة من الدول العظمى الغربية تضع معالجة وترسم خططا بشأن قضايا بلدان الشرق الأوسط مختلفة عن ما تضعه مثيلاتا من الدول الغربية.

 فالأدوار التي تلعبها آلمانيا وفرنسا وبريطانيا والاتحاد الاوربي في الازمة الاقليمية من قبيل معالجة النزاعات الدولية وحلّ ملف إيران النووي والازمة السورية مختلفة ويفتقر الى وجود رؤية موحدة، مما يعكس الاختلاف في الاستراتيجيات لدى تلك البلدان حول القضايا الجارية في الشرق الأوسط والسياسات الدولية. والحقيقة أن النمط البريطاني للعمل يميل في كثير من الحالات الى التحالف مع الولايات المتحدة.

 

4-1. تاثير الانسحاب البريطاني على مستقبل الأزمة السورية

 يمنح التحالف الامني والاستراتيجي البريطاني مع الولايات المتحدة المزيد من الحرية للبريطانيين في التحرك الاستراتيجي على المستويين الامني والسياسي. ويمكن رصد نظير ذلك في العلاقات الضرورية الاستراتيجية بين الامريكان والاوروبيين حول قضايا الخليج الفارسي، مما يشير بأن قضايا الشرق الأوسط متغيرة ماهوياً وغير مستقرة من النظرة التحليلية وطبيعة المواقف، والسبب في ذلك يعود الى تغير طبيعية التشكيلات الأمنية والسلطوية في الشرق الاوسط.

 إن أسس وقواعد التفكير البريطاني والاوربي قائمة على التحول فی الاستراتيجيات الأمنية في المناطق والتي تنشأ دائما خلال الأزمات المكونيّة والإقليمية. وبعبارة أخرى: كلّ تحول استراتيجي أمني يحصل في بريطانيا فهو وليد لطبيعة لمواقف وتحركات اللاعبين على المستويين الاقليمي والعالمي. فقد عمدت السعودية ومنذ عام 1932م لربط مكانتها وتثبيتها في إطار السياسة والاقتصاد والاستراتيجية الأمريكية. وقد سعى الساسة السعوديون استغلال تلك الظروف لإيجاد شبكات علاقات مع جماعات الضغط [اللوبي] وصناع القرار السياسي والامني الامريكي، لتتمكن السعودية باعتبارها من أكبر المصدرين للطاقة في العالم من شقّ طريقها الى دائرة التاثير السياسي والاستراتيجي هناك.

 بل يمكن الادعاء بأن السعودية والكيان الاسرائيلي ومنذ العام 1948م وحتى الساعة يقعان في طليعة دول الشرق الاوسط التي حظيت بدعم أمريكي دائم على المستويين الامني والسياسي، ويعكس هذا النهج أساسا طبيعة العلاقة الاستراتيجية الأمريكية والأوروبية في كل من الخليج الفارسي والشرق الأوسط. كما تعكس تلك النظرة السيطرة على البنية التحتية للاقتصاد الذي يمثل المحور الأصلي لتلك الرؤية والنهج التحليلي في العلاقات بين البلدين.

 

4-2. التنافس البريطاني مع فرنسا وألمانيا على توجهات الأمن الإقليمي

 يمكن رصد مؤشرات الاختلاف السياسي والأمني بين كل من البريطانيين والاوروبيين في طبيعة السلوك الاقليمي الفرنسي والألماني. فقد حاول الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند في اجتماع مجموعة الثمانية في كامب ديفيد الايحاء بأن عملية جديدة لسياسة الدفاع والأمن الفرنسي والاقتصادي في طور التشكل. هذا فضلا عن اختلاف نهج أولاند فيما يتعلق بقضايا الأمن في سورية والحوار النووي مع خمسة زائد واحد مع موقف الرئيس السابق "ساركوزي". فقد عرض أولاند المنهج الفرنسي الجديد في اجتماع "كامب ديفيد"، وقد حاول الايحاء بأن الازمة الاقتصادية في اوربا وتوسّع الصراعات الامنية في الشرق الاوسط وليدة تبعية "ساركوزي" لسياسة الولايات المتحدة الامريكية.

 تختلف السیاسة الاشتراكية التقليدية الفرنسية تماما مع السياسة الأمنية البريطانية. وفي هذه الخصوص نجد النمط الساركوزي يختلف مع سائر القادة الفرنسيين مثل "فرانسوا أولاند"، وشيراك وميتران، حيث يؤمن ساركوزي بأن توسيع التعاون مع الامريكان يساعد في توفير الارضية اللازمة ليحظى الفرنسيون بمكانة جيوسياسية في المحيط الفرنسي، وقد تمظهر هذا التوجه في المشاركة العسكرية الفرنسية في مواجهة الرئيس الليبي معمر القذافي.

 ثم إن الثقافة الاجتماعية والاولويات السياسية الفرنسية والبريطانية في كيفية معالجة وحل أزمات المنطقة هي الاخرى مختلفة، حيث يرى الاشتراكيون الفرنسيون أن الاتجاه العام للدولة يجب أن ينحى منحى اقتصاديا صرفا، وأنّ النمو والتطور الاقتصادي سينعكس إيجابا على الوضع الامني ويوفر الارضية المناسبة أمام فرنسا للتطور الامني. ثم إن سياسة "ساركوزي" لم تمكنه من تأمين دعم الجماعات الاجتماعية أثناء ترشحه لرئاسة الجمهورية في الدورة الثانية، ولو كان الرجل قد اختار منهجا يختلف عن ديناميات الولايات المتحدة لكان قد ضمن لنفسه دعم ولكانت نتيجة الانتخابات أفضل ما هي عليه.

 وقد انعكس النهج الفرنسي الجديد في اجتماع شيكاغو، فقد حظي التوجه الامني لـ "أولاند" في شيكاغو بأهمية إستراتيجية تفوق نهجه الاقتصادي في "كامب ديفيد"، حيث أكد "أولاند" في شيكاغو على أن فرنسا ستقوم بسحب قواتها من أفغانستان نهاية العام 2012م، ولاريب أن التصريح ومن هكذا منطلق يعكس رفض فرنسا للتبعية للنهج العدائي الذي تعتمده الادارتان الأمريكية والبريطانية واعتماد القوة لمعالجة القضايا العالمية.

 كما يؤشر هذا النهج الى أن الامريكان والبريطانيين سيضطرون في نهاية المطاف لتغيير سياستهم الأمنية المستقبلية باتجاه الميل نحو اعتماد التوجهات الأحادية الجانب.  فكلما أظهرت الدول الأوروبية، وخاصة ألمانيا وفرنسا تراجعا في مستوى التعاون مع الامريكان وأنها أقل استعدادا للتعاون معهم في هذا المضمار، حينئذ وفي تلك الظروف يضطر الامريكان إلى تغييرسياستهم الأمنية واعتماد سياسة أمنية أُحادية الجانب. فيما أثبتت التجربة أنه كلما اختار الامريكان اعتماد سياسة أمنية آحادية الجانب في معالجة القضايا والازمات الدولية والاقليمية، تجد البريطانيين يسيرون في نفس الاتجاه الداعم للامريكان، وهو نهج يخالف الأولويات الأمنية والاستراتيجية الاوربية.

 يفضل الفرنسيون في عهد أولاند ترجيح عدم مسايرة التوجه الامريكي العدائي المتمثل باعتماد القوة العسكرية، على العكس من التوجه البريطاني الداعم للامريكان بنحو غير محدود لمعالجة الأزمات الاقليمية. ويميل النهج الفرنسي في الفترة الحالية الى اعتماد سياسة التعاون الإقليمي لمواجهة التهديدات التي هي في الغالب ذات طبيعة برمجية. فقد اعتبر الرئيس "جاك شيراك" في العقد الماضي، أنّ المسألة تتعلق بأزمة المعنى في فرنسا وغيرها من بلدان أوروبا. وتعني أزمة المعنى بأنه من غير الموضوعي أن تسير فرنسا ودول أوروبية أخرى في ركب السياسات العدوانية للولايات المتحدة في مناطق جغرافية مختلفة من العالم.

 التحول في السياسة الامنية للرئيس اولاند يعكس رؤيته وموقفه فيما يتعلق بمنطقة الخليجالفارسی والشرق الأوسط. حيث لم ير أولاند في دول من قبيل إيران تهديداً أسياسيا لأوربا، ومن هنا اختار خلافا لساركوزي نهجا ً أكثر اعتدالا في التعاطي معها، تمثل ذلك في الخطوة الاولى التي قام بها "اولاند" عندما قام بتغيير مندوب فرنسا في المفاوضات الجارية حينها بين ايران ومجموعة خمسة زائد واحد. ومن شأن هذه الخطوة أنها تؤشر الى عدم رغبة هولاند في لعب دور المهاجم في السياسة الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط. وكانت فرنسا تميل دائما للعب دور متوازن في الازمات المثارة في المناطق، فيما نشاهد ديفيد "كاميرون" و "تيريزا ماي" يميلان بسبب أنماط التعاطي والتفكير الاستراتيجي المعتمد عندهم الى انتهاج موقف مختلف مع الدول الكبرى في أوروبا بما فيها فرنسا وألمانيا وسائر دول الاتحاد الاوربي حول القضايا الأمنية الإقليمية.

 

5. مستقبل الأزمات الاقليمية مع انسحاب بريطانيا من الاتحاد الاوربي

 يمكن ملاحظة مؤشرات التنافس والتعامل البريطاني والاوربي في الشرق الاوسط من خلال طبيعة تشكيلات القوة والأمن. فقد سعت كل واحدة من الدول الاوروبية لتعكس هويتها القومية والاقليمية في مضمار السياسة العالمية. وبعبارة أخرى: إن الراصد لطبيعة التحرك الاوربي في المنطقة يرى أن كل الدول الاوربية تسعى من خلال سياستها الخارجية لتسويق ثقافتها الاجتماعية والانسانية الى بلدان الشرق الاوسط، وهذا الامر يختلف اختلافا جوهريا مع طبيعة النمط البريطاني القائم على الاهتمام بالبعدين الامني والعسكري في التعاطي مع القضايا المثارة.

 وهناك رغبة أوروبية كبيرة لمعالجة الازمة السورية عن طريق العملية الاجتماعية، حيث يرفضون اتساع رقعة نفوذ الجماعات السلفية والاتجاهات الاصولية الموالية للسعودية في سوريا. ومن جهة أخرى دعمت الدول الاوروبية مقترح المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في سوريا، فضلا عن اعتقاد الدول الاوربية وفي مقدمتهم فرنسا وألمانيا بأن وقف اطلاق النار يعد بمثابة الخطوة الاولى في حل قضايا الجغرافية السورية. في المقابل تقف بريطانيا والولايات المتحدة الامريكية في الجهة المقابلة واعتماد "نموذج التدخّل الفعّال" القائم على استخدام آليات القوة العسكرية في إدارة الأزمة السورية بشكل عام.

 ولاريب أن هذا المنهج يعني فسيح المجال أمام بريطانيا وإطلاق يدها بالتعاون مع الولايات المتحدة للتدخل في الأزمات الإقليمية. في هذه العملية. تصرّ الدول الأوروبية على ضرورة حلّ الأزمة السورية مرحلياً. فاذا كان وقف اطلاق النار يمثل الخطوة الدولية الاولى، فحينئذ وفي مثل تلك الظروف سوف تتوفر الأرضية اللازمة لدخول قوات حفظ السلام الى سوريا. ومن هنا اختلفت الرؤية الأوروبيّة عن الموقف الامريكي وانتقدوا تصعيد العنف في هذا البلد.

 ثم إن الدخول السعودي إلى قضايا الأمن الإقليمي زاد في تعقيد معادلة القوة والصراع في الشرق الأوسط. ولابد من النظر الى تشكيل جماعة داعش كحلقة من حلقات مواصلة سياسات الهوية والأمن والاستراتيجية العربية السعودية في مقابل القوى التي تدعمها إيران. فضلا عن أن تحرك داعش في العراق له جذور تاريخية، حيث سعت العربية السعودية لاستغلال شتى السبل والآليات المساعدة في تقسيم العراق. ثم أيّ عمل يؤدي الى تغيير التركيبة في منطقة الشرق الأوسط، سيترك أثره على الإرهاب والهجرة إلى أوروبا.

 واذا كانت جماعات الهوية ستستفيد من آليات وطبيعة التحرك الارهابي المحيط الجغرافي كالشرق الاوسط، فإنّ الواقع يؤكد بأن القضية لن تنحصر في دائرة ضيقة بل ستنتقل آثارها التخريبية الاجتماعية والسياسية الى خارج الحدود الاقليمية. ولاريب أن متطلبات الدول المتجاوبة في اوروبا يكون ذا معنى عندما تقوم تلك الدول بتغيير نمط تعاملها وسياستها الخارجية مع الدول الراعية للارهاب تجعلها تعيد النظر في مواقفها. في مثل هذه الحالة، تكون إعادة بناء العلاقات ونمط السياسة الخارجية الفرنسية أكثر فاعلية في الحدّ من انتشار الارهاب من اعتماد آليات الرقابة وتقييد حقوق المواطنة.

 ثم إن توسيع نطاق الأزمة السياسية في الشرق الأوسط وبالخصوص على مستوى الجيوسياسية الايرانية ، يعدّ مطلبا ملحا وغاية استراتيجية منشودة للمملكة المتحدة. وان هذه العملية يمكن أن تتم من خلال الحرب بالوكالة أو من خلال الصراع منخفض الحدّة. وفي الحرب المنخفضة الحدّة تنخفض المشاركة المباشرة للدول العظمى في الازمة الإقليمية. واما الحرب بالوكالة فتتطلب أن يحظى اللاعبون بخيارات العمل المباشر لدعم حلفائهم.

 بدأت السعودية الحرب بالوكالة ضد ايران وستنعكس النتائج المترتبة على مثل هذه العملية في المرحلة الأولى على البلدان الأوروبية وفي المرحلة الثانية ستورط البلدان المحافظة في العالم العربي بآليات وعمليات الإرهاب. وقد سعت بريطانيا الاستفادة من الآليات المتعلقة بالموازنة الإقليمية لادارة الازمات الايدلوجية والجيوسياسية. ومن الطبيعي في مثل هذه الظروف أن دور إيران في الفضاء الإقليمي سيتضاعف وستتعزز مكانتها للعب دور اقليمي اوسع.

 والجدير بالذكر أن الدعم الأولي من الولايات المتحدة وبريطانيا للجماعات السلفية سيخلق تأثيرات واسعة النطاق. واذا كانت غاية الدول الاوربية من وراء تقديم الدعم لداعش تتمثل في تمكينها من التصدي لايران واحداث موازنة اقليمية الا أن الغرب سوف لن يكون بمأمن من النتائج الاجتماعية والمكونيّة لهذه العملية، وأنها ستترك أثرها عليه جزماً. في الظروف الحالية يعتبر داعش الهوية الجديدة التي ستلعب دورها في المستقبل السياسي لتلك البلدان الاوروبية والامريكية.

 تعتقد الدول الرئيسية في الاتحاد الأوروبي أن انتشار العنف في سوريا، قد يؤدي الى تطورات الأمنية واحتمال نشوب نزاعات كثيرة وحدوث تطورات إقليمية خطيرة. فضلا عن ذلك طبيعة التحركات الاوربية تظهر عدم استعدادها للمشاركة الواسعة مع الجماعات السلفية والاصولية السعودية العاملة في سوريا، كذلك لا تلك البلدان الى تضخيم الدور التركي في اللعبة وتعزيز دورها السياسي إقليميا.

 وتتضح بجلاء تلك الحقيقة في الأيام التي أعقبت الانقلاب العسكري في 15 يوليو 2016م وردة الفعل العنيفة التي أبداها أردوغان في التعامل مع الانقلابيين، حيث تعرض سلوك اودوغان لنقد لاذع من قبل المؤسسات الاجتماعية التابعة للاتحاد الاوربي يفوق بكثير النقد الذي وجهته المؤسسة البريطانيه له، الأمر الذي يؤشر الى أن المملكة المتحدة ما زالت تستفيد من المنهج القائم على توازن القوى والسلطة لادارة الازمات. يضاف الى ذلك ان التحول التدريجي في سياسة أردوغان تجاه القضية السورية بعد الانقلاب العسكري يكشف عن أن المملكة تلعب دورا نشطا وفاعلاً في طبيعة السلوك السياسي والعسكري والعملياتي التركي.

 وينطلق الموقف البريطاني الناقد من خشيتها من تمدد الدور التركي في المنطقة ومشاركة القادة الاتراك في رسم خارطة السياسة الاقليمية فيما اذا سمح لهم بلعب دور فاعل في الأزمة السورية وقضايا الشرق الاوسط، بينما العديد من القادة والمسؤولين التنفيذيين من دول الاتحاد الاوربي أوروبا انطلقوا في موقفهم من قلقهم تجاه حقوق الإنسان في تركيا وسائر دول المنطقة. وعليه يمكن القول بان الانسحاب البريطاني من الاتحاد الاوربي يوفر الارضية يوفر الارضية المناسبة للتعاون التركي البريطاني الفعال والمؤثر في قضايا المنطقة.

ثم إن المؤسسات الأصلية في الاتحاد الاوربي لطالما أكّدت على توجيه سهام نقدها في مجال حقوق الانسان لكل من العربية السعودية والبحرين وسوريا وإيران وتركيا. ومن أبرز مؤشرات هذا الموقف الناقد الى إيران منح جائزة "ساخاروف" لبعض المعارضين الايرانيين مؤخرا، والمؤشر الآخر البيان الذي أصدرته منسقة السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون حول وفاة مدون (وبلاك) في إيران، يمكن أن يكون جزءا من سياسة أوروبا في مجال حقوق الإنسان وعلاقات الاتحاد الاوربي مع دول الشرق الأوسط.

 بيد أن مسؤولي وزارة الخارجية البريطانية يحاولون عموماً الاستفادة من آليات مختلفة واستخدامها في قضايا حقوق الإنسان في الشرق الأوسط. ثم إن الخلافات السياسية بين البريطانيين والأوربيين فيما يتعلق بالشرق الأوسط تشير إلى أن الأوروبيين يحاولون استخدام الاستراتيجيات الاجتماعية لحل القضايا الحرجة في قضايا الشرق الأوسط، في حين لا تزال بريطانيا تعتمد منهج التركز على محورية الدولة لمعالجة القضايا السياسية الدولية في المجالات الهامة والخطيرة. ويشير الواقع الى أن الاتحاد الأوروبي يولي اهتماما ملحوظا للقضايا الاجتماعية مقارنة بالموضوعات الاستراتيجية في حل ومعالجة الضرورات الامنية للشرق الاوسط.

 وتدلّ هذه العملية على أن المواقف الاجتماعية في حلّ أزمة الشرق الأوسط من قبل الاتحاد أوروبا يمثل هدفا سياسيا وإقليميا، والحال أن البريطانيين يفضّلون الاستفادة من التحالفات وتشكيل التكتلات العسكرية والتعاون الدبلوماسي القسري، لحل الازمات ومعالجة القضايا المطروحة. ثم ان الاختلاف الاستراتيجي بين الاوربيين والبريطانيين في كيفية معالجة قضايا الشرق الاوسط يكشف عن طبيعة الاهداف الاستراتيجية للطرفين بنحو وصفها السيد "روبرت كاغان" بانها من قبيل الفارق بين رجال المريخ ونساء كوكب الزهرة. إن هذا التفاوت يستند الى التفاوت في البنية التحتية الادراكية والقوالب لكل من بريطانيا والاتحاد الاوربي. ولاريب أن هذه الاختلافات تفوق سائر القضايا في ترك بصماتها الواضحة على طبيعة وآليات معالجة أزمة الشرق الأوسط.

 

6- تأثير انسحاب بريطانيا من الاتحاد الاوروبي على العلاقات الايرانية البريطانية

 على الرغم من أن تاريخ العلاقات الايرانية البريطانية يمتدّ الى عمق تاريخي طويل، ولكن بسبب السياسات الأمنية وأنماط التدخل الاجتماعي الإنجليزية في الشؤون الإيرانية مرّت العلاقات بمنعطفات وشهدت صعودا تارة وهبوطا أخرى. وقد حاول الانجليز في فترة عضويتهم في الاتحاد الاوربي استخدام الآليات الاجتماعية للتأثير على المجال السياسي لإيران وسياستها الاقليمية. وقد أدى جزء من الأزمة في العلاقات بين إيران وبريطانيا وتحت تأثير الاتحاد أوروبا إلى بروز تحديات أمنية كبيرة، منها قطع العلاقات الدبلوماسية بين إيران ودول الاتحاد الاوروبي عقيب قضية سلمان رشدي.

 وتحاول بريطانيا دائما حفظ وتوسعة العلاقات مع الدوائر التقليدية والمؤسسات الاجتماعية التي تمتد الى عصور تاريخية، فيما اختارت سائر الدول الاوروبية تاصيل العلاقة مع الجماعات الحديثة النشوء ودعمها. وقد حظي جزء كبير من السياسة الإعلامية والنمط الأمني البريطاني إبّان فترة الانتخابات الرئاسية عام 1392 والانتخابات البرلمانية في إيران  شهر فبرایر 2016م باهتمام الفئات الاجتماعية.

 وقد وفّر هذا النهج الارضية اللازمة لبدء دورة جديدة من المحادثات النووية. وقد لعب السيد جاك سترو وزير الخارجية البريطاني في عهد حكومة توني بلير دورا مهما في بدء الدبلوماسية النووية سنة 2013م واستمرار تلك المحادثات بين إيران ومجموعة خمسة زائد واحد. كذلك سعى السيد جاك سترو لتشكيل وتنظيم مستوى جديد من العلاقات مع إيران في إطار التعددية الدبلوماسية النووية، وتوفير البنية التحتية اللازمة لتوسيع الدبلوماسية النووية الإيرانية وتعزيز العلاقات الايرانية مع بريطانيا والاتحاد الأوروبي.

 والحقيقة لولا مبادرة جاك سترو لعودة دبلوماسية "سعدآباد" عام 2003م، لبقيت عملية بناء الثقة مع الاتحاد الاوروبي والامريكان من جهة وإيران مجهة اخرى تراوح مكانها ولأصبحت عملية شاقة وطويلة، حيث لا زالت  دول الاتحاد الاوروبي تشعر بالقلق من قضية المحرقة [الهلوكوست]، لولا ان تمكن جاك سترو من توفير الارضية اللازمة لتوسيع مجال العلاقات الدبلوماسية في إطار الثقة المتبادلة. والجدير بالذكر أن بريطانيا لديها طبيعة مزدوجة لديناميكية العلاقات مع إيران. وبطبيعة الحال، فإن رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة "تيريزا ماي" ستسعى لبذل  الجهود الرامية لاستعادة مستوى من العلاقات الجديدة مع إيران تقوم على أساس الانماط الكلاسيكية.

 يمكن أن تكون هذه العملية أساساً للتعاون المشترك في مجال الأزمات ولتوفير الأمن الإقليمي. وسيعمد الانجليز في السنوات المقبلة إلى طرح قضايا حقوق الإنسان في قالب القوة الناعمة ومسارات وسائل الإعلام. علما أن السلطات البريطانية لا تميل لتوسيع رقعة الصراعات السياسية والأمنية مع إيران. في حين نجد سائر بلدان الاتحاد الأوروبي أكثر حساسية لقضايا الحقوق المدنية وفضاء المجتمع المدني في إيران.

 على الرغم من أن الاتحاد الاوروبي يبدي حساسية أكبر في خصوص قضايا حقوق الإنسان، لكنه لا يجد مناصا عن التعامل مع ايران في مواجهة الارهاب، الارهاب الذي يمثل العنصر الرئيسي المثير لقلق الاتحاد الاوروبي، فضلا عن امتلاك إيران القدرة والأدوات اللازمة لمواجهة الارهاب التكفيري والسلفية، الامر الذي يفرض على دول الاتحاد الاوروبي التعامل مع ايران . في مثل هذه الظروف تحاول دول الاتحاد الأوروبي لمعالجة قضايا الارهاب كما سعت من قبل لمعالجة قضية الاتجار بالمخدرات ووضع هذه القضية ضمن جدول المفاوضات الدبلوماسية والاستراتيجي بين الطرفين.

 

المتحصل

 تأسس الاتحاد الاوربي بسبب الآثار المدمرة التي شهدتها الساحة الاوروبية عقيب الحربين العالميتين الاولى والثانية. فقد سعت أوروبا منذ عام 1945م فصاعدا لتوفير الارضية المناسبة للحدّ من الحروب المحتمل وقوعها في أوروبا وذلك من خلال تشكيل تحالفات دولية وتعاون إقليمي. وعلى الرغم من أن الثنائية القطبية هي العامل الرئيسي الذي تحكم بأزمة العلاقات الأوروبية، الا أن الولايات المتحدة تمكنت من تثبيت مكانتها وحشر نفسها كلاعب قوي في السياسة العالمية وفرض دورها في معالجة الازمات الاوروبية.

 وقد وقعت اتجاهات التقارب في أوروبا تحت تأثير النهج الوظيفي وتشكل الوظيفية الجديدة، ويمكن اعتبار كل واحد من هذه المناهج كجزء من الواقع الجديد في أوروبا الناشئة، وهي عملية أدت إلى تشكيل اتحاد الدول الأوروبية. وعلى الرغم من الدور المحوري الذي لعبه الانجليز في تكامل المؤسسات الاوروبية، الا أن طبيعة السياسة الخارجية والاجتماعية والثقافية الانجليزية بقيت بعيدة عن روح التحالفات الأوروبية. وفي مثل هكذا عملية يمكن أن نلمس مؤشرات من التعاون والمشاركة البريطانية مع الاتحاد الاوروبي في عملية تطوير وارتقاء المؤسسات الاوروبية.

 بيد أن الاختلافات الثقافية والسياسة الأمنية والاستراتيجية الاقتصادية البريطانية أثرت على قرارها بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي. فقد قام نمط المنهج السلوكي البريطاني على عنصر الموازنة وسياسة القوة وإدارة الازمات، ولم يستشعر المواطنون الانجليز بتاتا أنهم من ضمن القوة الاوربية الثانية. ثم إن الاتحاد الاوروبي ساعد في تعزيز وارقاء المكانة الاقتصادية والسياسية والامنية لكل من فرنسا وألمانيا، وهذا الوضع يتنافى مع نمط التوجه البريطاني مما وفر الارضية اللازمة لانسحاب بريطانيا من الاتحاد الاوروبي.

 إن انسحاب الانجليز من الاتحاد الاوروبي يمكن أن ينظر إليه باعتباره رمزاً لاستعادة سياسة القوة التي تقوم على سلوكية البلدان كلاعب رئيسي في السياسة الدولية. وهذا يعني أنه وفي السنوات التي تلت انتهاء الحرب الباردة قد لعبت السلطة والسياسة التي تركز على الدولة دورا مركزيا في التعامل مع التهديدات الإقليمية. وأن البريطانيين يرغبون باستخدام قدراتهم لإدارة الأزمات الإقليمية من دون أن يتحملوا أعباء ثقل اقتصادي واستراتيجي كبير.

ثم إن التعاون مع الولايات المتحدة الامريكية يوفر للبريطانيين الارضية للحفاظ على مكانتهم في السياسة الدولية كلاعب حليف لقوة عظمى. والحقيقة أن بريطانيا ورغم انسحابها من الاتحاد الأوروبي لكنها في الوقت نفسه حافظت على عضويتها في حلف شمال الأطلسي، الأمر الذي يعكس قناعة بريطانيا بضرورة الحلف الاطلسي، وترجيح التحالف مع الولايات المتحدة الامريكية على مواصلة الانضمام الى الاتحاد الاوروبي.

 ثم إن سلوك بريطانيا في العهد الجديد يرتكز على المشاركة الفعّالة في مراقبة وإدارة الأزمات الإقليمية، وأن هذه العملية ستعزز دور الأجهزة العسكرية والاستخباراتية البريطانية في الشرق الأوسط وتزيد من تأثيرهم في البيئة الإقليمية، وأن بريطانيا تقوم بنشاطها خارج اطار الاتحاد الاوروبي. والحقيقة هي أن الدولانية واعتماد منهج القدرة كعنصرين اساسيين للمساعدة الذاتية وبناء الأمن في الفكر البريطاني بعد الحرب الباردة هما اللذان شكلا طبيعة الفكر البريطاني بعد الحرب الباردة وانعكسا على النمط السلوكي البريطاني.

 والسلوك السياسي البريطاني في العلاقة مع إيران بعد خروجه من الاتحاد الأوروبي يحمل طبيعة مزدوجة، فمن ناحية تسعى بريطانيا لوضع إطار لنمط تعددي إقليمي لتنظيم نمط مشترك مع اوروبا وامريكا في العلاقات مع ايران وسائر دول الشرق الاوسط. ومن ناحية أخرى تتطلب ضرورة الأمن البريطانية تنظيم نموذج من العلاقة السياسية والاقتصادية والاستراتيجية المستقلة مع إيران. 

 في العملية الجديدة، نلحظ إشارات ضعيفة لمسالة حقوق الانسان في العلاقات البريطانية مع إيران وسائر دول الشرق الاوسط. ثم أنّ نمط العلاقات الثنائية يقوم على مؤشرات سياسة القوة. وفي هذا الصدد، سيتم بناء دور الدول الاقليمية في مجال إدارة الأزمات على نموذج توازن القوى. وعلى الرغم من أن نمط العلاقات الثنائية بين إيران وبريطانيا سيتطور، الا ان الانجليز في المرحلة الجديدة سيبذلون قصارى جهدهم واستخدام الآليات لتنشيط اتصالاتهم مع مؤسسات المجتمع المدني الإيرانية وتوسيع ذلك من خلال شبكات التواصل الافتراضية.


قراءة: 956