فصلنامه مطالعات سیاست خارجی تهران
 

معاهدة كامب ديفيد 2015 بين الولايات المتحدة و دول مجلس تعاون الخليج الفارسي و مكانتها في الإستراتيجية الأمريكية للشرق الأوسط

الدکتور محمد جمشيدي

الملخّص

 صحيح أن التصور السائد حول السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط يؤشر الى ضعف التدابير الأمريكية قبال التطورات والتحولات الإقليمية، الا أن ذلك لا يكشف بداهة عن تخليها عن المنطقة. فقد أدّى الانفلات الامني الذي ضرب الشرق الاوسط الى أن يواجة النظام الشرق أوسطي أزمة خطيرة في حقيقة الأمر، ومن هنا سعت الادارة الامريكية استغلال هذه المرحلة المتأزمة والنظام الذي هو في طور التشكّل لسوقه وهيكلته بالاتجاه الذي يخدم المصالح الامريكية. فالمسألة الأساسية هنا تكمن في ضرورة رصد التحرّك الامريكي ومعرفة طبيعة قراءة واشنطن للاحداث، لتعريضها لمشرط النقد والتحليل بدقة وإمعان كبيرين.

علماً أنّ معاهدة كامب ديفيد 2015م التي تم الاتفاق عليها بين الأمريكان ودول مجلس تعاون الخليج الفارسي تعدّ إحدى الخطوات الاستراتيجية للولايات المتحدة التي ينبغي أن تسلط عليها الأضواء وأن تتم دراستها بشكل جيد، وهذا ما نسعى لمعالجته في هذا المقال وذلك من خلال تسليط الأضواء على الجوانب النظرية والاستراتيجية التي ساهمت في تحقيقها.

إن الصبغة الأصلية التي تطبع المعاهدة تتمثل في اعتبار إيران، عنصر التهديد المشترك لأطراف المعاهدة؛ الأمر الذي يحدد طبيعة توقعات أمريكا للنظام المطلوب في المنطقة وخاصة من زاوية العداء للجمهورية الاسلامية.

 

الکلمات الأساسية: الشرقالاوسط، السياسة الخارجية الامريكية، معاهدة كامب ديفيد، أوباما

المقدمة

 تمثل الرؤية والإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط إحدى المسائل الأساسية التي شغلت أذهان العديد من الباحثين والمفكرين المختصين بشأن العلاقات الدولية. فمن ناحية نرى التطورات المتسارعة والتصعيد في العنف وانعدام الأمن وتمدده إلى مناطق أخرى من العالم، تتطلب اتخاذ إجراء سريعة، ومن ناحية أخرى يبدو جلياً للعيان العجز أو الفشل الذي يواجهه الغرب في رسم وتفعيل استراتيجية نشطة ومتماسكة الاطراف. وبطبيعة الحال، تكون المحورية في مثل هكذا ظروف للانتقال نحو التفكير بإدارة الأمن، بدلا من خلق الأمن، ولكن من الضروري أيضا الالتفات الى أن هذه المهمة تحتاج الى القيام بسلسلة من الاجراءات وتخطي الكثير من العقبات التي تعترض طريق العمل. ومن المؤكد أن النظام القديم الذي كان يحكم الشرق الأوسط يعاني من فوضى عارمة، وأما النظام الجديد فلم يتشكل بعد. كما أن من أساسيات الاستراتيجية الأمريكية تاسيس نظام شرق أوسطي ينبعث من تلك التراكمات ومن عمق الانفلات الامني المتفشي، وأنّ الاتفاق النووي المعروف بـ (برجام) يمثل أحد أسس هذا النظام، بمعنى حصر قدرات لاعبي الشرق الاوسط عامة واللاعب الإيراني خاصة في مستوياتها المتعارفة والمعقولة وعدم السماح بتخطيها؛ حيث يرى الأمريكان استغلال تلك القدرات يساعد في تصعيد وتيره التحرك الجيوسياسي الإيراني. فعلى المستوى الاستراتيجي للاتفاق النووي تعني الحفاظ على المستوى الطبيعي للعبة، لتتمكن من التفرغ لمعالجة القضايا الاخرى المثارة في نظام الشرق الأوسط. وتمثل اتفاقية كامب ديفيد الجديدة خطوة امركية جديدة في تشكل النظام الشرق أوسطي الجديد؛ وذلك لان الاستراتيجية الامريكية تقوم على هيكلة وتجميع القوى المشتتة ورسم الأدوار للجهات الفاعلة. والجدير بالالتفات أن النظام الجديد بمفهومه الاستراتيجي ينطلق من مقولة إيران فوبيا أو التهديد الإيراني؛ لذا يسعى الساسة الأمريكان من وراء إنشاء هذا النظام التصدي للخطر الإيراني المزعوم. ومن هنا يتمحور هذا المقال إلى دراسة جوانب القضية على المستوى الاستراتيجي، بدءاً برصد أبعاد الاستراتيجية الامريكية وموقفها من التطورات الراهنة في الشرق الأوسط، مرورا بدراسة تأثير الاتفاق النووي [برجام Brjam] على السياسة الأمريكية في المنطقة، ومكانته في أولويات الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الاوسط، مع التركيز على معاهدة كامب ديفيد 2015 م الموقعة بين العرب والأمريكان. صحيح أن المعاهدة جاءت لاسترضاء العرب وتطييب خواطرهم في أعقاب الاتفاق النووي المبرم مع إيران، الا أنها وفي حد ذاتها لا تخلو من أهمية ستراتيجية؛ ومن هنا تسعى الدراسة الحالية لتسليط الأضواء حول أبعاد تلك المعاهدة ورصد حيثياتها.

ألف: الرؤية الامريكية للشرق الاوسط بعد الصحوة الاسلامية

 عادة ما يصار إلى اعتماد نظرية الواقعية لدراسة الشرق الأوسط والتطورات السياسية قبل الصحوة الإسلامية، والتي تتمحور حول دور الحكومات ونوع العلاقات بينها، لتقييم الساحة ورصد التطورات الحاصلة في المنطقة.

 ومن هذا المنطلق تستند آليه الثبات والاستقرار والتوازن إلى موازين القوى في الشرق الأوسط بالأخذ بنظر الاعتبار طبيعة توازن القوى والقدرات العسكرية لتلك الحكومات، فيما يغيب- الى حد ما- عن تلك الاستراتيجية عامل الاستقرار الداخلي للنظم وطبيعة النظام العسكري والسياسي الحاكم في البلاد، إلا أن انطلاق الصحوة الاسلامية غيّر المعادلة وقلب الموازين لصالح منح الأولوية لرصد الواقع الداخلي وطبيعة علاقة الحاكم بالشعب، على حساب العلاقة السياسية بين الدول.

 ثم ان الملامح الرئيسية لمنطقة الشرق الأوسط من وجهة نظر الامريكان تكمن في العناصر التالية:

 

1. أهمية الجماهير كلاعب رئيسي في الساحة

 من أهم التطورات التي حصلت في إطار الثورات التي شهدها العام 2011م انها صيرّت الشعب لاعبا رئيسيا وسياسياً كبيراً في الساحة، فقد شهد المتابعون للشأن السياسي في تلك الفترة حضوراً فعالا ومشاركة نشطة وغير مسبوقة لكافة طبقات الشعب، ولم ينحصر الأمر في الطبقة الوسطى من سكان المدن كما كان متعارفا، ففي الوقت الذي كان المحلل الواقعي يراهن قبل الاحداث على التركيز على دور الحكومات والتفاعلات الحاصلة بينهما لتقييم التطورات في المنطقة، صار ينظر الى دخول هذه العنصر الجديد في الساحة السياسية كأحد التحولات الاستراتيجية في كافة المعادلات. وقد صرح الرئيس الامريكي باراك أوباما في أهم خطاب له في خصوص الثورات في المنطقة والذي ألقاه في قاعدة وزارة الخارجية الامريكية، بان الحركة الشعبوية «Populism» تمثل مصدر تهديد كبير للامريكان قائلا: إن التحولات الكبير التي شهدتها المنطقة ستؤدي في نهاية المطاف الى استفحال الحالة الشعبوية، وسيؤول الأمر إلى اعتناق الملايين من الجماهير لسياسة خاصة، خلافا لما كان سائدا من اقتصار الامر على طبقة خاصة من القادة والمفكرين... ومما لاريب فيه أنّ الولايات المتحددة تسعى ومنذ عقود لتامين مصالحها الأساسية من قبيل: محاربة الإرهاب، والحد من انتشار الاسلحة النووية، وضمان التجارة الحرّة، وأمن المنقطة فضلا عن تعزيز الأمن الاسرائيلي والسعي الى تحقيق السلام العربي الإسرائيلي... ومع ذلك لابد من الإذعان بحقيقة جليّة وهي أنّ اعتماد تلك الاستراتيجية الممحضة لتأمين تلك الاهداف لن تشبع الأمعاء الخاوية ولن تمنح الشعوب حرية التعبير عن الرأي، فضلا عن انجرارها لزعزعة الثقة بالسياسات والمصالح الأمريكية في الأوساط الشعبية (Obama, May 19, 2011).

 ومع مرور الوقت واتضاح آفاق التطورات الإقليمية، ارتفع بنحو كبير منسوب الاعتقاد بالدور الشعبي وبطريقة تتخطى القنوات الدبلوماسية، حتى أن تقارير الاستخبارات الأمريكية في عام 2012م، وبما فيها تقارير استخبارات الجيش الأميركي نفسه- الذي يعد من أهم المراكز في واشنطن لادارة التحولات في المنطقة- قد صرحت بما لا لبس فيه بأن: السباق يتمحور حول جذب وإقناع الناس كعامل رئيسي في تشكيل الحكومات حديثا في شمال أفريقيا والصراع الحالي في الساحتين السورية واليمنية. (DIA, 2012: 11- 12).

 لم تكن الحركة الجماهيرية الشعبية هي التي أعجزت إدارة الولايات المتحدة في حقيقة الأمر، فلم تكن ظاهرة الإعجاز من خلال التنبؤ بانطلاقة الثورات في الشرق الأوسط وحسب، بل كان التعجيز عن إدراك كُنه تلك الحركات وعمقها وإمكانية انتشارها إلى دول أخرى؛ وذلك بسبب كون المخابرات الامريكية قد ركزت في الأحداث التي أعقبت الحادي عشر من سبتمبر على الحلقة الإدارية والدائرة الرسمية للبلدان فقط كعامل تهديد، متجاهلة بذلك مجموعة اتجاهات المعارضة داخل المجتمعات، فلم تكن على معرفة مباشرة بها (Ignatius, 2011).

 ومن هنا قام رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ ديان فينستين بتوبيخ عمل المخابرات الأمريكية مصرحا بفشل جهاز الاستخبارات الامريكية بالتنبؤ بتلك الأحداث فضلا عن إدارة التطورات في مصر، ومصرحا: بأن ما يتوفر لدى وكالة المخابرات المركزية من معلومات حول الثورات والحركات الشعبية في كل من مصر واليمن والبحرين وليبيا لا يتجاوز الاخبار التي تنشرها الصحف في يومياتها (Rogin, 2011) هذا فضلا عن تضارب موقف الحكومة الامريكية في خصوص الثورة المصرية والذي أصبح مثار نقد الباحثين والمفكرين الاستراتيجيين. ومن هنا اقتضت هذه المسالة أنْ يغير الساسة الامريكان منهجهم ويعتمدوا سياسة مماشاة الجماهير وعدم التصادم مع الحركات الشعبية كركن أساسي من أركان سياستهم الخارجية في الشرق الأوسط. يقول الرئيس الامريكي بهذا الخصوص: ستشهد منطقة الشرق الأوسط في العقد القادم مجموعة من المتغيرات، فعلينا الابتعاد عن الصراعات والفوضى في أي موطن نرى فيه أن الشعوب تميل الى اعتماد السلم وتتحرك نحو معالجة القضايا وحلّ النزاعات عن طريق القنوات الدبلوماسية، بل ينبغي أن نستجيب لهذا المنطق وأن نكون مستعدين للتعامل معهم (Obama, September 24, 2013)."

 

2. الميزة الرئيسية في المنطقة، الحذر وانعدام الثقة

 من أسرع الانعكاسات للحركة الجماهيرة في المتغريرات الاقليمية على المصالح الامريكية ظهور حالة من القلق وانعدام الثقة،1 لسيولة الحركة وعدم القدرة على التنبؤ بالمتغيرات المستقبلية. ومع الاذعان بعدم وقوف الأنظمة والمخابرات الأجنبية خلف تلك الحركات الاجتماعية ، ولكن في الوقت نفسه ينبغي الأخذ بنظر الاعتبار أن الواقع انتهى الى حقيقة أن الحكومات التي انبثقت من رحم تلك الثورات لم تكن لتعبّر بالضرورة عن أهداف تلك التطورات، بل ان التحول أساساً كان أهم جوهريا من النتيجة. فالباحث يرصد وبوضوح أن هذا التغيير لا يحمل أي تعهد قبال التيارات السياسية الرئيسية والفاعلة في الساحة. وقد أدركت واشطن جيدا هذا الفهم للمتغيرات الذي يمنح الأصالة لتلك الظاهرة. يعتقد «ميشيل فلور نوي» وكيل صنّاع القرار في وزارة الدفاع الامريكية في الدورة الاولى لرئاسة أوباما، ضرورة أن ننظر الى الصحوة العربية الاخيرة كديباجة كتاب ضخم جدا، ومن المرجح أنّ تستغرق هذه الاحداث عدة أجيال إن لم نقل نحتاج لعدة عقود من الوقت لتتمظهر وتبين بشكل كامل. لذلك علينا أنّ ننظر الى القضية نظرة استراتيجية طويلة الأمد، فضلا عن توقع حوادث معقدة وعدم الافراط في التفاؤل. (Flournoy, 2013: 13).

 فحتى أجهزة الاستخبارات الأميركية قد ذهبت إلى القول هي الاخرى ومن خلال التركيز على التهديدات التي تعرضت لها المصالح الأمريكية واشتداد العداء لأمريكا، وانطلاق الصحوة الإسلامية وقتل الدبلوماسيين الامريكان في ليبيا واتساع رقعة الاراضي الخارجة عن سلطة الدول، بأنّه: وعلى الرغم من أن بعض الدول كانت قد حققت نحوا من التطورات باتجاه الحكم الديمقراطي، ولكن معظمها يعاني من انعدام التفاؤل بالمستقبل، واتساع العنف، والتقهقر السياسي. فان تقويض الحكومات والاطاحة بالنظام الحاكم قاد الى ظهور نزاعات عرقية وصدامات دينية. فأدى هذا التحول السياسي الى فوز الاسلاميين من خلال صناديق الاقتراع، ومن المرجح أن تعزز تلك الاحزاب الاسلامية في كل من تونس والمغرب ومصر مكانتها في الساحة السياسية خلال السنوات المقبلة وتحجز لها موطئ قدم في تلك الساحات. وأن نجاح الحكومات في الفترة الانتقالية يعتمد في جزء منها على مدى نجاحها في دمج هذه العناصر الفاعلة في الحياة السياسية الوطنية أو إدغام- أو إقصاء- الطبقة السياسية والعسكرية السابقة والزعامات القبلية التي كانت جزءا من النظام السابق والمستفيدة منه. ومن المرجح أيضا أن يؤدي فشل تلك التحولات في تلبية طموحات الجماهيرة للسماح ببروز الاضطرابات وزيادة الرغبة في حلول غير متعارفة واعتماد منطق القوة أو التطرف (Worldwide Threat Assessment , 2013: 14).

  وقد أدى هذا الفهم في الحقيقة الى انحسار ما يسمى بمفهوم الربيع العربي ليخلي مكانه لصالح مفردة الصحوة العربية الذي بات هو الرائج، حتى أن الرئيس الامريكي أوباما وفي خطابه الذي القاه عام 2013م في الجمعية العامة للامم المتحدة شبّه تلك التحولات بالمتشنجة2 التي عمَّت المنطقة (Obama, 24 September, 2013).

 ثم إنّ حالة عدم الاطمئنان أدت في نهاية المطاف الى تشوش الصورة أمام الامريكان وعدم وضوح الرؤية في تحديد معالم الدور الامريكي وانعدام الاستراتيجية الواحدة قبال التحولات الاقليمية، واعتماد سلوكيات ترقيعية ومعالجات آحادية تخصّ كل ازمة على حدة، الامر الذي أدى الى ارتفاع عقيرة الكثير من الساسة ومراكز الدراسات الاستراتيجية في البلاد بذم وتوبيخ هذا التوجه والانتقاص من التحرك الامريكي غير المدروس، فقد ورد في خطاب الرئيس: إن التدخل الامريكي والتوسط بين الفرقاء الداخليين لبعض البلدان وضع الولايات المتحدة موضع التوبيخ، بل الاتهام بالتآمر، وفي الوقت نفسه نتهم بسبب التقصير بالتهاون في معالجة مشاكل المسلمين في المنطقة... فقد تعرضت أمريكا لهجوم مشترك من قبل جميع أطراف النزاع الداخلي في مصر، وتزامن ذلك مع اتهامات بهندسة الاحداث في مصر والوقوف خلف الاخوان المسلمين (Obama, 24 September, 2013). ان انعدام الثقة هذا ادى الى محدودية القدرات الامريكية وفي الوقت نفسه الى ارتفاع وتيرة اللغة الناقدة لطبيعة سياسة واشنطن في المنطقة، الامر الذي عكس تماما ضعف أمريكا في إدارة المتغيرات في الشرق الأوسط، ووضعنا ضمن مقولة «البصمة بالحد الادنى»3 و«القيادة من خلف الستار»4، في المعركة الليبية والتي تتطلب استراتيجية جديدة تتمظهر بمقولة «الاستدارة نحو القارة الاسيوية5

 

3. الفجوة بين الدفاعات الأمريكية والبيئة الأمنية الجديدة

 حاولت واشنطن منذ تولي الرئيس أوباما للسلطة في عام 2009م تقليص الحروب في منطقة الشرق الأوسط. وكانت بصدد التحرك باسلوب جديد للتصدي لإيران من خلال اعتماد مزيج من المقولات التقليدية وغير التقليدية وكبح جماح القوة الإيرانية، وتطمين حلفاء الامريكان في المنطقة، من قبيل: تعزيز نظام الدفاع الصاروخي الإقليمي، وربط النظام الراداري بالنظام الراداري الاسرائيلي، وتحديث القدرات العسكرية العربية من خلال تزويدها بالأسلحة التقليدية الضخمة، بما في ذلك الاعلان عن إبرام صفة ضخمة لبيع الاسلحة المتطورة الى السعودية تقدر بستين مليار دولار، وفي الوقت نفسه السعي لايجاد تحالف دولي لكبح جماح القدرات الإيرانية من خلال فرض الحصار عليها وحظر تصدير مواردها التقليدية (UNSCR 1929, June 9, 2010: para. 8)، فضلا عن زيادة نوعية قوة تدمير الأسلحة التقليدية، وتأكيد الإرادة السياسية لاستقرار الأسلحة النووية التكتيكية والاستراتيجية في المنطقة، وتعزيز التفوق الاستراتيجي لاسرائيل في المنطقة (Shapiro, July 16, 2010). ولذا سعت الادارة الامريكية وبمحورية إيران فوفيا والتهديد الإيراني للمنطقة، باستخدام شتى الوسائل العسكرية التقليدية وغير التقليدية، بل والتهديد باستخدام الاسلحة غير التقليدية ضد إيران، لتشكل ضمانات أمنية سلبية (NPR, 2010)، من أجل تجييش وتعزيز الانظمة المضادة لإيران في المنطقة. ولكن الصحوة الإسلامية التي انطلقت في المنطقة قلبت المعادلة وصيّرت الانتشار العسكري الامريكي في المنطقة بلا طائل أساسا، وذلك لتشكل تهديد جديد غير متكافئ في المنطقة. فاذا كانت الانظار قبل الصحوة الاسلامية متّجهة صوب القوة الإيرانية التقليدية فالتهديد اليوم وبعد الصحوة الاسلامية انتقل الى نفس شوارع وأزقة البلدان العربية الحليفة مع الامريكان. ولذلك فإنّ مصدر التهديد والخطر وصنفه قد تغير بنحو جعلت التحركات والترتيبات العسكرية الامريكية في المنطقة بلا جدوى. والأهم من ذلك أنّ اعتماد الحرب كآلية لمعالجة الازمة سينعكس سلبا على كل من المصالح الأمريكية والوضع الهش في المنطقة. (Lynch, 2011).

 المتحصل من خلال تلك الاستنتاجات أن الأمريكان لا يمتلكون استراتيجية ايجابية بشأن تطورات الصحوة الإسلامية، ولا جرم أنهم توصلوا الى قناعة راسخة بان التطورات في المنطقة "بحاجة الى المزيد من الوقت"، ومن جهة أخرى أذعنوا بضرورة خوض هذا المسار المليء بالتوتر والمعترك الذي يكتنفه الكثير من الصعاب، وأن الطريقة المثلى في التعاطي مع هذه المشكلة تتأتى من خلال إذكاء الصراع الداخلي في العالم الإسلامي لا سيما تاجيج النزاعات الدينية والمذهبية. إذ لا سبيل امام الامريكان الا السيطرة على التهديدات وإدارة الازمة الناجمة عن الصحوة الاسلامية والشرق الأوسط المليء "بانعدام الثقة". علما أنّ التجربة الناجحة للجمهورية الإسلامية في بسط نفوذها وقدراتها في المنطقة بعد انتهاء الحرب العراقية، وخاصة حرب الـ 33 يوما وحرب الـ 22 يوما، قد أقلقت الجانب الامريكي من الصحوة الاسلامية وبدأ يخشى من تحول الثورة الاسلامية الى نموذج يحتذى، وان تصبح جمهورية إيران الإسلامية القوة المهيمنة الإقليمية في المنطقة. ونظرا لمحدودية القدرات الأمريكية على المستويين الداخلي والإقليمي يكون خيار الحرب خياراً مكلفا ماديا ومن جهة أخرى مدمراً للوضع الهشّ في الشرق الاوسط. وقد دعت هذه الاستراتيجية الساسة اللأمريكان الى التحول من لغة التهديد العسكري والتلويح بقرقعة السلاح الى التركيز المتزايد على خيارات تشديد العقوبات الاقتصادية والسياسية لاحتواء إيران والحد من قوتها المتنامية.

 

ب: مبادئ الاستراتيجية الأميركية الجديدة في الشرق الأوسط

 يكشف المحيط الاستراتيجي الذي تمّ الحديث عنه أن القوة الامريكية لاتتناسب مع البيئة الأمنية الجديدة ولاسيما التهديدات الناشئة في منطقة الشرق الاوسط. وبعبارة أخرى: خرجت القوة الامريكية من حالة التوازن فاللازم عليها أن تعود الى مقولة التعادل وتوازن القوى؛ لانّ استمرار التحولات الراهنة في العالم، وعدم تطابق القدرات الامريكية مع تطورات البيئة الاستراتيجية الناشئة حديثا ستكون له عواقب استراتيجية سلبية وخطيرة على أمريكا والدور الذي تلعبه في الساحة الدولية. وتتمظهر تلك الاستراتيجية بمجموعة من المفاهيم الرئيسية، منها:

 1. اعادة تعريف مفهومي التوازن والتهديد؛ يرى أصحاب هذه الاتجاه بان البيئة الدولية ليس تهديدا مطلقا كما قد يتصور، وإنما بيئة التهديد متلائمة، والموارد التي عادة ما تستخدم في التحديات الخارجية بحيث يمكن استخدامها لتلبية احتياجات الاستهلاك المحلي (Zenko, 2012). بل حتى الارهاب والعنف لا يمكن النظر إليه كنعصر تهديد؛ لأن عدد الوفيات الناجمة عن الارهاب من عام 1960م وحتى السنين الاخيرة، لم يتجاوز عدد الوفيات الناجمة عن سوانح السير، او الحساسية الشديدة الناتجة من الفول السوداني (Mearsheimer, 2011). وعلى فرض كونها عناصر تهديد فإن العواقب المترتبة عليها لم تكن بهذا المستوى من الخطورة على الامن الأمريكي (JCS, 2015: 4). والهدف من هذا العمل، إعادة بناء أسس القوة الأميركية في مواجهة احتمال ظهور منافس استراتيجي.

 2. منهج السلطة واستعمال العنف: لم تنظر الاستراتيجية الامريكية الجديدة الى القوة من زاوية العسكرة فقط، بل أخذ هذا المفهوم يتسع ليشمل مجالات اخرى، فمن غير المنطقي التركيز على تعزيز الجانب العسكري فيه ، بل لابد من تعزيز مصاديق القوة الاخرى كالاقتصاد والدبلوماسية و... وفي الوقت نفسه من الممكن اذا اقتضت الحاجة التوسل باستخدام القوة في اكثر من زاوية. ومن هذا المنطلق يجب على الامريكان التحلي بالصبر وضبط النفس الاستراتيجي حتى في مواجهة التحديات والتهديدات في عالمنا المعاصر الذي يعج بالفوضى. (NSS, 2015: IV).

 3. التمييز بين الحروب الطوعية والضرورية: تؤكد الاستراتيجية الامريكية الجديدة على أنه يجب على واشنطن أن تغيّر من استراتيجتها القائمة على الاطاحة بالحكومات من خلال العمل العسكري الاحادي الجانب، أو تحت ذريعة حماية حقوق الانسان، الامر الذي يوفر لواشنطن فرصة تخفيض ميزانيتها العسكرية الضخمة، فضلا عن تحسين سمعتها وتجميل صورتها في المحافل الدولية وتمكينها من صرف مواردها في مواطن أخرى كشرق آسيا بدلا من الشرق الأوسط. وعلى الساسة الامريكان الاهتمام بالحروب الضرورية والمفروضة عليها كالحرب الافغانية والابتعاد عن التدخل في الحروب الطوعية كحرب العراق.

 4. إعادة تعريف مقولتي الأهداف الاستراتيجية وأدوات وآليات السياسة الخارجية: وفقا لهذه الآلية يجب على الامريكان بدلا من التركيز كثيرا على الشرق الأوسط، توجيه البوصلة صوب المحافظة على توازن القوى في قارة آسيا، ودفع عجلة الاقتصاد في أمريكا الشمالية، والاكتفاء الذاتي من الطاقة، وتعزيز الاستجابات الجماعية للتحديات العالمية، فضلا عن التركيز على الوسائل العسكرية. كما ينبغي الإهتمام في الأدوات والقدرات الاقتصادية والدبلوماسية و.... و في غضون ذلك، يصنف نشر القوّات البرية على وجه الخصوص لإعادة بناء مجتمعات البلدان ضمن دائرة اللامنطق والعبثية، فيجب على أمريكا السعي لتفعيل السلوكية القائمة على القوى الرئيسية، فتكون المحورية في هذا الغضون للتعامل 7 المدعوم بالقوّة. (Friedman, 2015; Koh, 2010).

 5. التعددية الاستراتيجية: ويعني هذا الاصل في الاستراتيجية الامريكية الجديدة، أن دولة واحدة وحدها لا يمكن أن تعالج جميع تحديات القرن ال21، حتى لو كانت بحجم الولايات المتحدة الامريكية، ولكن في نفس الوقت لا يمكن لأي مجهود أن ينجح في معالجة المشاكل المثارة من دون المشاركة الأمريكية؛ لذا فالحوار والتعاون على أساس "المصالح المشتركة والاحترام المتبادل"، وخاصة بين القوى الكبرى هو الاسلوب الانجع لتخطي المشاكل العالمية (Obama, 2010; Obama, 2009). ولعل في التقارب الروسي الامريكي في المرحلة الاولى من حكم الرئيس أوباما أوضح شاهد على هذه المسالة. ومن هنا، ما هو مهم بالنسبة الى استراتيجية إعادة التوازن هو الحفاظ على سلطة امريكا وريادتها في ضبط وادارة النظام الجديد.

 

ج: مكانة الاتفاق النووي ( (Brjam في الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط

 لم تكن المحادثات النووية بين إيران ومجموعة 5+1 متمحضة في خصوص القضايا النووية، وذلك لان أمريكا وحلفاءها يعتقدون أن قدرات إيران النووية ما هي الا آلة استراتيجية للنفوذ في الجغرافيا السياسية في المنطقة، يمكنه بسهولة تغيير ميزان القوى لصالح إيران في الشرق الأوسط؛ لذا يحمل الاتفاق النووي مع إيران طابعا جيوسياسياً. ومن ناحية أخرى وعلى الرغم من أن نوع الاستراتيجية الأميركية في الفترة الانتقالية طوارئيٌ، ولكنه في الوقت نفسه يتمحور حول المواجهة مع إيران. حيث يرى الامريكان أن الهدف الاساسي وراء اتفاقية فيينا الحد من امتلاك إيران للاسلحة النووية القادرة على تحقيقها، لكنه لا يعني القضاء على كل التهديدات الإيرانية. ومن هنا وجدنا وتيرة التصعيد قد ارتفعت ضد إيران بعد ابرام الاتفاق تحت ذريعة كونها (عامل زعزعة للاستقرار في المنطقة) فمن الموضوعية-حسب الرؤية الامريكية- الاستمرار في التصدي لكبح جماحها.

 فضلا عن ذلك تعتقد واشنطن أنّ تفهّم إيران لسياسة أمريكا الإقليمية بعد الاتفاق النووي هي الكفيلة بان تمنح الاتفاق النووي الاستقرار والثبات أو تسلبها عنه. وبعبارة أخرى السلوك الامريكي الاقليمي هو المهم جدا وان السؤال المحوري الذي يثير قلق المفكرين الاستراتيجيين الامريكان هو: هل ستفسر إيران الاتفاق النووري على أنّه يمثل خطوة تمهيدية أمريكية للانسحاب من المنطقة أم لا؟

 لهذا، نرى أنّ الساسة والمفكرين الامريكان يؤكدون على التزام الولايات المتحدة المستمر لتعزيز وجودها العسكري في المنطقة كإشارة مهمة يلوحون من خلالها إلى الساسة الإيرانيين.

 وفقا لذلك، يستند الأمريكان لاستراتيجية التعامل المزدوج، فمن جهة يتم التركيز على التصدي المشترك لكبح قدراتها النووية وتوظيف واستخدام القدرات الإقليمية بشكل منهجي، ومن ناحية أخرى يعمدون الى التفاعل مع حلفائهم وشركائهم في المنطقة لتعزيز ترسانتهم العسكرية لخلق حالة من توازن القوى في المنطقة لتامين مصالحهم في المنطقة، فضلا عن تقوية إرادة الحلفاء والرفع من معنوياتهم للتعامل مع سياسات إيران الإقليمية، ويقع التصدي لحركات المقاومة الموالية لإيران في سلّم تلك الاوليات، وزعزعة العلاقات مع الجمهورية الاسلامية وتقويض بناء قدراتها العسكرية غير المتكافئة، ورسم خطة لتحقيق تلك الاهداف من خلال الممارسات التالية:

1. إجبار إيران على الدخول في محادثات اقليمية مع الجانب الامريكي.

2. تشديد العقوبات التي يقرها الكونغرس الامريكي ضد السياسات والممارسات الإقليمية الإيرانية.

3. تعزيز القوة العسكرية والأمنية لإسرائيل، لا سيما من خلال التفوق العسكري النوعي للترسانة الاسرائيلية.

4. تعزيز التعاون الأمني مع الحكومات العربية الواقعة على ضفاف الخليج الفارسي.

5. مواصلة الضغط ووضع القيود على برنامجي إيران النووي والأنشطة الصاروخية.

 هذه النقطة المحورية التي تظفي على اتفاق كامب ديفيد اهميته الخاصة. وبعبارة أخرى: إنّ معاهدة كامب ديفيد الجديدة تعدّ إحدى التغييرات الجيوسياسية الناتجة في الشرق الأوسط، وردّا أميريكا على المتغيرات الحاصلة والسيالة في المنطقة.

 

د: مكانة اتفاق كامب ديفيد الاستراتيجي ضمن الاستراتيجية الامريكية الإقليمية

 انعقدت قمة كامب ديفيد بين رئيس الولايات المتحدة ومجلس التعاون لدول الخليج الفارسي فی 14 مايو 2015م، وقد أعلن عن نتائج الاجتماع في بيان مشترك مرفق بملحق. علما أن الوثيقة المرفقة رغم ما توفرت عليه من تكرار لنفس ما جاء في البيان، الا أنها توفرت على المزيد من التوضيح حول مفاد الاتفاق المذكور.

 ورغم أن الاجتماع عقد في أعقاب الاتفاق النووي في لوزان وبمبادرة من الولايات المتحدة، ولتطيب خواطر العرب وإطلاعهم على مفاد الاتفاق المبرم مع إيران، لكن المعاهدة في الواقع تمثّل بيئة استراتيجية جديدة في المنطقة. ومع ذلك، فإن المشكلة الأساسية هي أنه رغم وجود الاختلافات بين أمريكا والعرب تجاه قضايا الشرق الأوسط، إلا أن المعاهدة تبقى مشيرة الى التوافق الاستراتيجي والتنسيق العملياتي بين الجانبين.. ولفهم هذه المسألة، تجدر الإشارة إلى أن العرب يخالفون سياسة حكومة أوباما في الشرق الاوسط فضلا عن المسالة النووية في ثلاث مسائل جوهيرية، هي:

 1. الإعلان عن استراتيجية التحوّل الأمريكي باتجاه في آسيا(2012) ، والتي انعكست سلبا على طبيعة الاهتمام الامريكي بقضايا الشرق الأوسط العربي وقللت من بريقها، الامر الذي جعل العرب يقارنون بين هذا الموقف الامريكي وبين الانسحاب البريطاني من شرق السويس في عام  .1968

 2. ترى ادارة أوباما أن الخطر الاساسي الذي يهدد الحكومات العربية يكمن في الخطر الداخلي وليس التهديد الخارجي وخاصة من الجانب الإيراني.

 3. الاتفاق الإيراني النووي المحتمل، فضلا عن احتمال تاثيره على أولويات السياسة الخارجية للولايات المتحدة في المنطقة، قد يمنح إيران فرصة جديدة و يساعدها من خلال استغلال فرصة رفع العقوبات عنها للوصول إلى مصادر جديدة تؤدي لتعزيز قوتها المالية وبالنتيجة تعزيز مكانتها الاقليمية. والمتحصل أن الحكومات العربية لطالما سعت دائما ومنذ انطلاقة الصحوة الإسلامية لحشر أمريكا وإشراكها بقوة في الصراعات الإقليمية، من قبيل مسالة السلاح الكيماوي السوري سنة 2013م وانتشار داعش في المنطقة صيف 2014م، التي تمثل مؤشرات على المزيد من الجهود العربية وبمحورية المملكة العربية السعويدة لإثارة المشاكل الأمنية في المنطقة لـ جرّ القوات الامريكية الى هذا المعترك. صحيح أن قمة كامب ديفيد جاءت بمبادرة تقدمت بها إدارة الرئيس الامريكي أوباما ولكن الحكام العرب المشاركين استثمروا ذلك لتحقيق بعض الاهداف من قبيل:

 1. التزام الولايات المتحدة بتعزيز الأمن الإقليمي العربي، بحسب التعريف العربي للأمن، وتوسيع هيكليته، وقد يدوّن على شكل اتفاقية أمنية وتحالف رسمي نظير منظمة حلف شمال الأطلسي؛ لإن العرب يرون أن التهديد الرئيسي يكمن في التحديات الخارجية دون المشاكل الداخلية، فالخارج هو المصدر الذي يهدد السلامة الإقليمية ويزعزع أمن الدول الإقليمية حسب زعمهم.

 2. ينبغي أن يكون أي تعامل محتمل مع إيران داخلا في إطار العلاقات العربية مع أمريكا وأن يكون منوطا بتغيير السلوك الإيراني في المنطقة.

 3. ينبغي أن لا يؤدي الاتفاق الإيراني النووي [برجام] وما يعقبه من خفض محتمل للعقوبات المفروضة إلى تعزيز قوّة إيران الإقليمية، على مستوى الممارسة والمناورة.

 وعلى الرغم من أهمية كافة البنود وترابطها مع بعضها البعض، لكن معاهدة كامب ديفيد - ووفقا للفقرة الرابعة من القسم السابق- تدرج ضمن تعزيز التعاون الأمني مع الحكومات العربية لدول الخليج الفارسي. يتمحور نص وثيقة كامب ديفيد (2015) على الفقرات الرئيسية التالية:

* الالتزام بالردع الجماعي لأيّ تهديدات خارجية تتعرض لها الدول العربية.

* زيادة التعاون الأمني لمحاربة الإرهاب، من قبيل: زيادة المناورات العسكرية والتدريب والتعاون بين قوات العمليات الخاصة، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وأمن الحدود وهيكلة وتنسيق التعاون الحدودي والبحري و هيكلة التنسيق حول الدفاع الصاروخي في الخليج الفارسي.

* تعزيز القدرات الدفاعية: تسريع نقل الاسلحة المتطورة والضرورية والاستجابة السريعة للدفاع عن المحيط العربي ضد الصواريخ الباليستية، بما في ذلك نظام الإنذار المبكر.

* السعي لإنهاء النزاعات المسلحة في المنطقة بما فيها النزاع السوري.

* الالتزام بتعزيز القدرات العربية للتمكن من الوقوف بوجه القوة الإيرانية من خلال: تعزيز قدرة العرب على التعامل مع أنشطة إيران، والتعرف على هذه الدول ذات الصلاحية المتوفرة لاقتناء الاسلحة من قبل الجانب الامريكي.

 وهكذا، فقد رسمت أمريكا وحلفاؤها في المنطقة خطة سريعة لإجبار إيران على الدخول في محادثات اقليمية بالصيغة التي يرتضيها الامريكان، والتصعيد الخطير من قبل الكونغرس لفرض عقوبات على سياسات إيران الإقليمية، ودعوة إيران إلى تغيير لهجتها وموقفها من حركات المقاومة في المنطقة وتخفيف لهجة العداء ضد اسرائيل، فضلا عن تعزيز القدرات العسكرية والامنية لكل من اسرائيل و الحكومات العربية في الخليج الفارسي. والقضية الأكثر إلحاحا هنا تكمن في تعزيز التفوّق العربي الإسرائيلي ضد إيران، وخصوصا قطع التواصل بين إيران وحزب الله، من خلال استمرار العقوبات المالية والمصرفية، وتفعيل معاهدة كامب ديفيد. ومن ناحية أخرى يجدر الالتفات الى لغة الاتفاق والالتزام الذي تكفّل به الجانب الأمريكي في اطار المعاهدة، وذلك:

* ورد في البيان والملحق المرفق به، تعريف العلاقة بين الامريكان ودول مجلس التعاون لدول الخليج الفارسي على أنها علاقة بين شريكين وليس حليفين، ومما لاريب أن مستوى العلاقة وبالتالي التزامات أميركا لشركائها العرب أقل بكثير فيما اذا قورنت بمديات التزاماتها لحلفائها في حلف شمال الاطلسي.

* على الرغم من قناعة الأمريكان بأنّ التهديد الاخطر الذي يواجه دول الخليج الفارسي العربية يكمن في الخطر الداخلي لا التهديدات الخارجية، ومع ذلك ورد في البيان مماشاة لرغبة الدول العربية، إن المصلحة الحيوية (أي المصالح التي تكون أمريكا مستعدة لخوض الحرب بسببها) تتمثل بدعم الاستقلال السياسي لدول الخليج الفارسي ووحدة اراضيها والحفاظ عليها من التعرّض لأيّ غزو أجنبي.

* وضع قيدين لصدق مفهوم التهديد: تمثل الأول بوجود ما يهدد سلامة كافة أراضي كل دولة من الدول الأعضاء؛ والثاني يشترط بأن يكون هذا العدوان "يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة"، وهذا يعني أن الامريكان لا يتعهدون بالدفاع الا اذا كان الاعتداء على ارضي تلك الدول من دولة خارج اطار مجلس التعاون أولا وان يكون خارجا عن شرعية الامم المتحدة، فلا تلزم الوثقية الولايات المتحدة بالتدخل في حالات الدفاع عن النفس، وكنموذج واضح حرب عام 1991م التي اعقبت هجوم صدام واحتلاله لدولة الكويت والتي اشير اليها صراحة في البيان السالف.

* يقوم الرد الامريكي على التهديد على مفهوم الردع والمواجهة. وهذا يعني في الواقع التدنّي بدور واشنطن والمشاركة الامريكية في أيّ صراع محتمل من مقام القائد للتحالف والضامن لأمن الدول الاخرى، الى مستوى الشريك في الصراع المحتمل فقط.

* وفقا لذلك تتعهد أمريكا، بالمشاركة الفعلية في حالة حصول العدوان أو التهديد بالعدوان. فقد جاء صريحا في البيان في حال حصول العدوان: تكون أمريكا مستعدة مع شركائها في مجلس التعاون الخليج الفارسي بالعمل فوراً على تحديد طبيعة الموقف الجماعي والمناسب، ومنها احتمالية استخدام القوة العسكرية للدفاع عن الشركاء في مجلس التعاون الخليجي. وبتعبير آخر: يعمل الأمريكان وعلى الفور للتعاون مع الآخرين حول تحديد نوعية الدفاع المناسب، وليس بالضرورة ان يكون الدفاع عسكريا، بل يقوم على أساس الاستفادة من جميع عناصر القوة العسكرية تارة والمدنية أخرى.

 الأمر الاخر الجدير بالاهتمام أنه قد جاء في البيان صريحا أن الأدوات التي سوف تستخدم في حال نشوب مواجهة هي تلك الاسلحة المتوفرة لدى الجماعة وان تكون المواجهة جماعية ولا توجد اي اشارة الى إلزام أمريكا باستخدام اسلحتها الخاصة التقليدية منها وغير التقليدية. كذلك صرح البيان بانه يجب على دول مجلس التعاون في الخليج الفارسي التشاور مع الامريكان بخصوص الفترة التي يحتاجون اليها فيما اذا ارادوا التحرك خارج اطار حدود المجلس كما حدث في عاصفة الحزم وخصوصا اذا تطلب الامر مساعدة الجانب الامريكي.

 وبغض النظر عن نوع التهديد الذي يواجه أعضاء مجلس التعاون لدول الخليج الفارسي، فان القسم الاعظم من البيان ومرفقاته قد ركز على الشراكة بين مجلس التعاون والامريكان، من قبيل:

 - التعاون الامني، المتمثل بطمأنة دول المجلس أمنيا، والدفاع ضد الصواريخ الباليستية، المشاركة في المناورات والتدريبات العسكرية، تزويد المجلس بالاسلحة، فضلا عن الامن البحري.

والجدير هنا الاشارة الى بعض المسائل المهمة

* القبول بفكرة تشكيل قوة عسكرية عربية موحدة من قبل أمريكا ومحاولة لخلق وتعزيز القدرات الإقليمية لقوّة الرد السريع، يعني من الناحية الواقعية والعملانية اطلاق العنان لتلك القوة للتحرك في كافة المنطقة، ويوسع من صلاحيات تلك القوات في مكافحة الارهاب وحفظ السلام، وتعزيز الاستقرار، فضلا عن تشكيل قوّات خاصة.

* تعزيز الدرع الصاروخية الدفاعية، وتوحيدها، وتزويدهم بنظام للإنذار المبكر.

* اقامة العديد من المناورات المتكررة ضد التهديدات غير المتكافئة، شريطة ان تكون المناورات قائمة على التلفيق بين القوى، لا المناورات آحادية الاطراف.

* الإسراع في نقل الأسلحة المشتراة.

* مشاركة القوات العربية في الامن البحري ومكافحة القرصنة.

 - مكافحة الإرهاب، بما في ذلك المقاتلين الاجانب من الإرهابيين، وتجفيف مصادر الارهاب المالية، البنية التحتية الحيوية والأمن المعلوماتي، فضلا عن مواجهة التطرف والعنف، ومكافحة انتشار الشائعة.

 - الامن الأقليمي، بما في ذلك إيران، اليمن، العراق، ليبيا، سوريا، النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، لبنان. هنا، وبعد الفراغ من معالجة القضايا السياسية الراهنة في هذه البلدان، تم التركيز على مجموعة من المبادئ الأساسية في المنطقة، من قبيل:

* احترام سيادة الحكومات.

* التاكيد على الرؤية الجمعيّة المتمثلة بعدم جدوائية الحل العسكري في معالجة الازمات والحروب المثارة في المنطقة، والتاكيد على الحل السلمي والحوار بين اطراف النزاع كسبيل أمثل في إعادة السلم.

* احترام وحدة أراضي كافة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.

* الحاجة لحضور الحكومات ذات مشاركة واسعة في المجتمعات المتصارعة.

* حماية كافة الأقليات وحقوق الإنسان.

 وتتمثل محصلة المعاهدة في الاصول الخمسة الرئيسة التالية: مكافحة الارهاب، دمج منظومة الدفاع الصاروخي وتكاملها، الاستعداد لتدريب القوات وتعزيز كفاءتها، الاسراع بتزويد القوات بالخبرات والقدرات العسكرية المصيرية، الأمن المعلوماتي. كما تم التأكيد على القوات الخاصة والمناورات المشتركة.

 

المتحصل:

 إنّ مواد معاهدة كامب ديفيد وحدها لا تكشف عن ماهية الأهداف الاستراتيجية للاتفاقية، فالمعاهدة في حقيقة الأمر وليدة للعديد من القوى الجيوسياسية العاملة في المنطقة. وهذه المعاهدة في الواقع هي جواب أمريكي للقوى الاصيلة. وقد بذلنا جهدنا في هذا المقال لرصد المتغيرات الاستراتيجية التي أعقبت الصحوة الاسلامية في الشرق الاوسط وبالخصوص القراءة الامريكية لتلك المتغيرات، وفق منهجية متناسقة قادرة على تبيين أسباب تكوين معاهدة كامب ديفيد. وينبغي الى جانب الالتفات إلى الصورة الإقليمية الأكبر، أن يلاحظ أيضا أن معظم ما ورد في المعاهدة كان مطروحا ومفعلا بصورة موضوعية وإنما كان الغرض من الجهود المذبولة لادراجة ضمن فقرات المعاهدة هو تعميق تلك الفقرات وشموليتها.

 علماً أن الامريكان لم يقدموا أيّة وثيقة أمنية مدونة تلزم الامريكان قبال دول مجلس التعاون الخليجي بالدفاع عنهم، مماثلة لتلك التي دونتها من حلفائها الأوروبيين، ولذلك، فإن العلاقات بين الجانبين قائمة على أساس الشراكة لا التحالف. ومع ذلك، يبدو أنه في المدى المتوسط وفي حالة حصول تغيير حقيقي في العلاقات، يكون التشكل الامني في المنطقة مضادا للمصالح الإيرانية. وهذا هو أحد العوامل التي تدفع بالأمريكان إلى إدارة ملف المنطقة. وهنا يمكن القول بأن الشيء الأكثر أهمية هو معرفة مجلس التعاون لدول الخليج الفارسي وقوة الرد السريع التابعة له والتي تمثل المحور الاساسي لأمن المنطقة واللاعب الاساسي فيها فضلا عن كونها مشروع المنطقة المعدّ لمواجهة إيران. كما أن الجهود مبذولة لمحاولة فرض تشكيل منظومة إقليمية غير متجانسة، تمثل إحدى النتائج المترتبة على الصفقة. كما أن الامريكان ومن خلال اعتمادهم لسياسة التفاعل المزدوج (مع إيران والسعودية) إنما يهدفون من جهة لكبح جماح القوة الإيرانية الصاعدة وخاصة في البعد النووي، ويهدفون من ناحية اخرى ومن خلال التعامل مع العرب وخاصة السعوديين منهم إلى تعزيز قوتهم العسكرية لخلق حالة من توازن القوى في المنطقة، مما قد يؤدي إلى تشجيع الحكام العرب وحثهم على اعتماد سياسة أكثر جرأة وعدوانية تجاه إيران. وهذا يعني تماشي الامريكان جنبا إلى جنب مع الرغبات العربية وإطلاق العنان لهم في المنطقة.

 

 

 

الملاحظات

1- Uncertainty.

2- convuision

3- Light foot print

4- Leading from behinde

5- Pivot to asia

 

المصادر

- DIA (Defense Intelligence Agency) (February 16, 2012), “Annual Threat Assessment”, Senate Armed Services Committee,http://www.dia.mil/public-affairs/testimonies/2012-02-16.html

- Flournoy. Michael (2013), “Beyond the Arab Awakening: A Strategic Assessment of the Middle East”, Brookings Institution.http://www.brookings.edu/~/media/research/files/reports/2013/05/centcom

- Friedman, Thomas. 2015 (April 5). Iran and the Obama Doctrine, The New York Times. 

- Ignatius. David (February 10, 2011), In the Middle East, “a Catch-22 for the CIA”, Washington Post. http:// www.washingtonpost.com/ wp-dyn/ content/article/ 2011 /02/ 09/ AR2011020904531. html

- JCS (Joint Chief of Staff). 2015. The National Military Strategy of the United States of America 2015.

- Koh , Harold. 2010 (March 25). The Obama Administration and International Law. U.S. Department of State Annual Meeting of the American Society of International Law. http://www.state.gov/s/l/releases/remarks/139119.htm

- Mearsheimer, John. 2011 (Jan / Feb). Imperial by Design. National Interest. Number 111.

- NSS (National Security Strategy). 2015. The White House.

- Obama, Barack. 2009 (December 10). Remarks by the President at the Acceptance of the Nobel Peace Prize. The White House. https://www.whitehouse.gov/the-press-office/remarks-president-acceptance-nobel-peace-prize

- Obama, Barack. 2010 (June 4). President Obama’s Speech in Cairo: A New Beginning. The White House. https://www.whitehouse.gov/blog/NewBeginning/transcripts

- Obama. Barack (May 19, 2011), “Remarks by the President on the Middle East and North Africa

”, White House. https://www. whitehouse. gov/the-press- office/2011/05/19/remarks-president-middle-east-and-north-africa

- Obama. Barack (September 24, 2013), “Remarks by President Obama in Address to the United Nations General Assembly”, White House. http://www. whitehouse.gov/the-press-office/2013/09/24/remarks-president-obama-address-united-nations-general-assembly

- Shapiro. Andrew (July 16, 2010). “The Obama Administration’s Approach to U.S.-Israel SecurityCooperation: Preserving Israel’s Qualitative Military Edge”, Saban Center for Middle East Policy.

- UN (2010), UN Security Council Resolution 1929

- Worldwide Threat Assessment of the U.S. Intelligence Community (2013). Office of Director of National Intelligence. Available at: http://www.dni.gov/index.php

- White House (2015), “U.S.- Gulf Cooperation Council Camp David Joint Statement”, https://www. whitehouse. gov/the- press-office/2015/05/14/us- gulf-cooperation-council-camp-david-joint-statement

- White House (2015), “Annex to U.S.-Gulf Cooperation Council Camp David Joint Statemen”, https://www. whitehouse. gov/the-press- office/2015/05/14/annex-us-gulf-cooperation-council-camp-david-joint-statement

- Zenko, Micah & Michael A. Cohen. 2012 (March 14). Clear and Present Safety. Foreign Affairs. http://www. foreignaffairs. com/articles/137279/micah- zenko- and- michael-a-cohen/clear- and- present-safety


قراءة: 987