فصلنامه مطالعات سیاست خارجی تهران
 

طاولة مستديرية حول الشأن السعودي مع لفيف من الخبراء

المشارکون في الندوة كل من السادة، الدكتور متقي، الدكتور هاديان، الدكتور مرندي، الدكتور جمشيدي، حجة‌الاسلام والمسلمين الشیخ محمّد زاهدي

المقدمة

 شهدت العلاقات السعودية الإيرانية ومنذ انطلاق الثورة الاسلامية تحولا ماهويا. ففي الوقت الذي كان فيه البلدان- قبيل الثورة- يمثلان قطبين كبيرين وحليفين رئيسيين للمعسكر الغربي يجمعها الولاء لذلك المعسكر في المنطقة وتنفيذ خططه الرامية لكبح جماح المعسكر الشرقي، وكانا على وئام تام إلا في بعض الحالات التي لا تخرج عن كونها اختلاف من أجل لعب أدوار كبرى ضمن نفس المعسكر. ولكن مع بزوغ فجر الثورة الاسلامية وانتصارها وتغيّر طبيعة السياسة الخارجية الإيرانية تبعا لذلك، تدهورت طبيعة العلاقة بين البلدين وانقلبت رأساً على عقب.

ويمكن القول إنّ العلاقة بين البلدين نحت- تقريبا- منحى التضاد طيلة 37 عاما من عمر الجمهورية الاسلامية. وبطبيعة الحال، شهدت العلاقة في فترات مختلفة نوعا من التطورات من الناحيتين الكمية والكيفية (تبعا لميول وتوجهات بعض اللاعبين الاساسيين في رسم الخارطة السياسية في كلا البلدين).

وعلى الرغم من أنّ الحكومة السعودية بقيت تنظر بريبة الى جارتها أعني الجمهورية الاسلامية والتطوّر الهائل الذي شهدته على المستويين الايدلوجي والسياسي والنجاح الذي تحقق في الساحة الإيرانية، فقد اعتبرته نجاحاً لخصم قد يهدد وجودها ومستقبلها السياسي، إلا أنها بقيت خلال العقود الماضية تتحاشى- قبل المرحلة الاخيرة- الدخول مع الجمهورية في مواجهة ساخنة ومباشرة إذا ما استثنينا بعض الحوادث النادرة من قبيل الهجوم على الحجيج الإيراني سنة 1987م، وتفضيل المواجهة غير المباشرة من جهة و خارج ساحات حدود الدولتين من جهة أخرى، خاصة بعد تقدم النفوذ الإيراني في المنطقة في القرن الميلادي الجديد.

وقد تمثلت المواجهة السابقة في مجموعة من التحرّكات التي اعتمدها الساسة السعوديون للتصدّي للجمهورية الاسلامية من قبيل: دعم النظام البعثي في عدوانه السافر ضد إيران، والهجوم المباشر على أنصار الله في اليمن، دعم الجماعات التكفيرية لزعزعة الحكومة التي يقودها الشيعة في بغداد، وتسخير الأحزاب السياسية المنضوية تحت عباءتها واستخدامها في تضعيف الدور الريادي لحزب الله في لبنان، ودعم واسناد المواقف الامريكية المخاصمة للثورة كالحصار الاقتصادي وإغراق السوق بفائض من النفط الخام و.....

ومع ذلك كله، الشيء الذي يميز السياسة الخارجية الحالية للبلدين عمّا سبق ويجعل من الضروري دراستها هو حدوث تطورات ومتغييرات كبيرة في شكل الصراع من جانب الحكومة السعودية، وخصوصا في العام الماضي، بنحو خرجت فيه السعودية من المجاملات الدبلوماسية في تعاطيها مع الجمهورية الاسلامية تاركة السياسة الخارجية المحافظة في المعادلة الثنائية بين البلدين خلف ظهرها لتستبدلها بسياسة هجومية عدوانية.

والقضية الضرورية الآن، تكمن في دراسة دور ومديات السياسة الخارجية السعودية، خصوصا علاقة المملكة مع الجانب الامريكي إنطلاقا من هذا التوجه السعودي الجديد، وتسيلط الاضواء على القضية من خلال اثارة العديد من الاسئلة والاشكاليات، من قبيل: هل أن التوجّه السعودي يمثل ردة فعل للسياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في الفترة الأخيرة؟ أم هل القضية تمثل إنعكاسا طبييعا للتوافق الإيراني النووي مع الامريكان الموسوم بـ (Brjam) والذي قد ترى فيه السعودية ما يهدد مصالحها؟ وهل للاتفاق المذكور دور في حثّ السعودية على اتخاذ سياسة مستقلة انطلاقا من خشيتها من تبدّل السياسة الامريكية بعد الاتفاق المذكور؟ بل هل يمكن للسعودية أن تنتهج سياسة مستقلة في مواجهة إيران بعيدا عن الاملاءات الامريكية؟ أم أنها تتحرك ضمن الفلك الامريكي وبما يتماشى مع سياسة واشنطن المخاصمة للجمهورية الاسلامية؟ أم أنها تضاد التحرّك الامريكي إقليمياً؟

هذا ما حاولت فصلية الابحاث والدراسات السياسية، تسليط الأضواء عليه ومعرفة أبعاد وزوايا المسألة من خلال مناقشات الطاولة المستديرة مع كلّ من السادة: الدكتور متقي، الدكتور هاديان، الدكتور مرندي، الدكتور جمشيدي، حجّة الاسلام والمسلمين زاهدي، وهذا ما نضعه أمام القارئ الكريم.

الدكتور هاديان: في البدء أود الاشارة إلى قضيتين تتعلقان بالموضوع- وقد اشرت اليهما سابقا في طيّات ما نشرته واثناء بعض الحوارات التي عقدتها- الأولى: إنني لا ارتضي الرواية التي تثار غالبا في أوساطنا الاكاديمية والسياسية والتي تتدعي أننا ننافس السعودية، بل اعتقد العكس هو الصحيح، وأنّ المملكة العربية هي التي تقف منّا موقف المنافس والمعارض. وفي الحقيقة نحن في الجمهورية الاسلامية لا ننظر أساساً الى السعودية كعنصر تهديد لنا. فقبل خمس سنوات قلت في كلمة لي: إن السعودية تسعى بكل ما اوتيت من قوّة وتقوم بحركات مختلفة عسى أنْ نعترف بها كخصم له وزنه وندرجها في عداد المراكز التي تهدد أمننا القومي، فنحن الى ما قبيل العام الماضي لم نكن نرى في السعودية تهديدا لنا، ولم ندرجها في مصاف المراكز الكبرى التي تهددنا كالامريكان أو الاسرائيليين او الفوضى الاقليمية والنظام العالمي الجديد ولم نضعها في عداد هؤلاء. ولكن على الجانب الآخر نرى السعودية تضع إيران على رأس التهديدات التي تستشعر بها، فاذا ما اراد الساسة السعوديون عدّ المراكز التي تهدد سياستهم الخارجية فانهم لا يترددون في ادراج اسم الجمهورية الاسلامية في مقدمة قائمة الدول التي يشعرون بخطرها، ولا يشعرون بالخطر من أي لاعب آخر حتى على مستوى الكيان الاسرائيلي او الولايات المتحدة الامريكية.

 وتترتب على هذا الإدراك والفهم السياسي نتيجة مهمة وجوهرية مفادها أننا إذا لم نكن نعتبر المملكة تمثل تهديدا حقيقيا لنا ولم ندرجها ضمن الاولويات فمن الطبيعي لم نولها أهمية عند رسم سياساتنا الدفاعية والأمنية والاستخباراتية ولم نضع الخطط الاحترازية الناتجة عن الأخذ بنظر الاعتبار ذلك التهديد المحتمل.

 النقطة الثانية التي أودُّ التأكيد عليها كمقدمة تتعلق بما يروج له في ادبياتنا السياسية وتحليلنا للاحداث الاقليمية ومفادها أن الصراع الإيراني السعودي هو صراع مذهبي شيعي سنّي، وأنّ مشاكل المنطقة تحمل طابعا ايدلوجيا مذهبيا نابعاً من الصراع الإيراني السعودي. إذ مما لاريب فيه بطلان هذه الرؤية.

 الحقيقة هي أننا إذا قمنا بتحليل سياستنا الخارجية، سوف نرى أن الجمهورية الاسلامية اعتمدت معيارين يحكمان سياستها الخارجية ويوجهان بوصلتها تماما، هما:

 الف: البعد الثوري؛ وبالخصوص الموقف الثوري قبال العدوان الاسرائيلي وسياسة الهيمنة والتوسع الامريكية.

 ب: المعيار الثاني كون تلك الدولة أو الحركة التي يراد التعاطي معها هل تندرج ضمن اعداء الثورة أو اصدقائها أو على الأقل كونها تنتهج منهج الحياد أم لا.

 والذي أراه أن هذين المعيارين هما اللذان يحكمان السلوك السياسي للخارجية الإيرانية عمليا. فعلى سبيل المثال لو أخذنا الحرب الآذربايجانية الأرمنية نموذجا سوف نجد أنه بالرغم من غلبة المذهب الشيعي في آذربايجان إلا أن ذلك لم يمنع إيران من الاصطفاف- تقريبا- الى جانب أرمنستان، لماذا؟ لكون الحكومة الاذربايجانية ليست ثورية من جهة ولانها على وفاق مع السياستين الاسرائيلية والامريكية من جهة أخرى، في مقابل أرمنستان التي هي اكثر استقلالية من جارتها آذربايجان، ومن هنا لم نقف الى جانب الحكومة الآذربايجانية.

 ولنأخذ حزب الله وحركة أمل اللبنانيين نموذجا آخر حيث لم نقف الى جانب حركة أمل بمستوى وقوفنا الى جانب حزب الله رغم أن الحركتين شيعتا الانتماء تماماً. لماذا؟ لاننا وجدنا حزب الله أكثر ثورية بوجه التعنّت الاسرائيلي وسياسة الهيمنة الامريكية؛ وهكذا ترى الثورية والصداقة هي التي حكمت ساسيتنا مع كل من هوغو تشافيز و إيفو مورالس، ولنأخذ حركة حماس السنية نموذجا آخر حيث وقفنا إلى جنبها ودعمنا تحركها رغم الاختلاف المذهبي من جهة ورغم أنّها لم تكن بذلك الصديق لنا وإنّما يكفي كونها ثورية ولم تكن عدوا لنا.

 إذن يمكن قراءة سلوك السياسة الخارجية الإيرانية في أطار هذين المعيارين، ولنفسّر التحرّك الإيراني بنحو أفضل، لا على أساس معيارية التشيّع والتسنن، وهذا أمر مهم جدا لتحليل سلوك إيران في الخارج، لان السعودية قادرة على سرد المقولتين المذكورتين. وهنا يقع السؤال: لماذا تقوم السعودية باشاعة وتحليل تلك المقولتين؟ إنّما تقوم بذلك لعلمها الراسخ بان الاكثرية الاسلامية هي من اتباع المذاهب السنية، الأمر الذي يوفر لها وبسهولة تحشيد أكبر عدد ممكن من القوّات، فضلا عن استغلال المحفزات المذهبية كوسيلة ترفع من مستوى استعداد ابناء الطائفة السنية لقبول القيادة السعودية لتلك الجبهة.

في مقابل استراتيجية الحكومة السعودية هذه، نرى إيران ومنذ انطلاقة الثورة قد ركزت على عنوان الثورة الإسلامية، فلم نجد لا في المانشيتات ولا في كلمات قادة الثورة ومرشدها التأكيد على البعد المذهبي (الشيعي) إلا نادراً، و بطبيعة الحال إنّ هذا النهج يعتبر مبررا ومنطقيا اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار كون الشيعة أقلية في العالم الإسلامي.

 ثم إنّه يجب أن نعتبر السعودية تهديدا، ولكن ذلك لا يعني- طبعا- أن لا تربطنا معها علاقات جيدة أو نوصد الباب أمام عجلة التحرّك الدبلوماسي. نعم، لو فرض علينا التهديد فلابد من حمل المسألة على محمل الجد، ولابد من ماهية الاسلوب الامثل الذي نعتمده: فهل نسعى لاصلاح البنية التحتية في النظام السعودي وتغييرها؟ وماذا نفعل في اليمن؟ وماهي طبيعة الحركة الدبلوماسية المعتمدة؟ وما يجب علينا القيام به في بناء التحالفات و.....

 وباختصار: ما نريد التأكيد عليه في هذه المقدمة إننا وللاسف ما زلنا لم ننظر الى السعودية كتهديد ولا نتعامل معها كعنصر يزعزع أمننا القومي، لا لشيء إلا لاننا جعلنا المعيار في التهديد عظم حجم الجهة المهددة فما كان بحجم التهديد الامريكي اذعنا به والا فلا.

مدير الحوار: على كلّ حال السؤال المطروح الآن لماذا مالت السعودية في السنين الاخيرة وخاصة في الأشهر التسعة القريبة الى لغة التصعيد ورفعت من وتيرة المواجهة؟ وبعبارة أخرى ما هي العوامل والتحولات التي حدت بالمملكة كي تنحى هذا المنحى التصعيدي العنيف قبال الجمهورية الاسلامية؟ وما هو موقفنا إن لم نكن متورطين في المسالة؛ لان الشيء الواضح أن السعودية تميل نحو التصعيد، ونحن باقون في مقام المتسائل والباحث عن الاسباب والعلل التي تقف وراء ذلك؟

الدكتور مرندي: دعني في البدء اسجل ملاحظتي على ما تفضل به الدكتور هاديان، فانا اعتقد بأن المواجهة مع المملكة العربية السعودية، على الأقل إذا نظرنا إلى أدبيات سني الثمانينات من القرن المنصرم لم تكن قليلة كما قد يتصور، وخاصة اذا أخذنا بنظر الاعتبار تصريحات وأدبيات حملة راية الاصلاح اليوم والمعروفة (بالحركة الخضراء)، حيث كانت لهم في تلك البرهة الزمنية تصريحات عنيفة جدا ضد المملكة، بل حتى الإمام الراحل استخدم أحيانا ادبيات خشنة جداً ضدهم.

 وفي المقابل اسقط الحكام السعوديون إحدى طائراتنا المقاتلة، وسمحوا للقوات العراقية الغازية بالتحليق في سماء المملكة وتمكين الطائرات العراقية من تدمير منشآتنا النفطية عن طريق المرور بجزيرة سيري للاخلال بصادراتنا النفطية، وعليه لم يكن الموقف السعودي موقفا ناعما، بل كان أكثر عنفا و أشدّ خشونة. نعم، أنا اوافق مقولة أننا لا نتنافس مع السعودية، ولكن المؤسف أنه قد اشيع مقولة «جناحا الاسلام» تعني التكافؤ وحتى مع وجود المنافسة أيضا التكافؤ هو الحاكم. وعلى كل حال اعتقد - صوابا أو خطأ- نحن واجهنا وتنافسنا وكانت لهم في المقابل ردّة فعل شديدة ضدنا.

 أنا لست بصدد إدانة الجمهورية الاسلامية وتوجيه سهام النقد ضدها، بل اعبر عن قراءتي الخاصة للقضية، فعلى سبيل المثال إنما وقفنا الى جانب حزب الله في لبنان لان منظمة أمل كانت منظمة علمانية، وموقفنا هذا تم بواسطة اناس هم اليوم اصحبوا من المناوئين للثورة كالشيخ صبحي الطفيلي الذي يعد من خصوم حزب الله اليوم. إنما وقفنا الى جانب حزب الله لمواقفه الثورية وكذا بالنسبة الى حماس وحركة فتح انما وقفنا الى جنب حماس لانها انتهجت نهج الجهاد.

الدكتور هاديان: إنّ كلام الدكتور الاخير يؤيد ما ذهبت إليه من أن المعايير في سياستنا الخارجية «الثورية» لا التشیع والانتماء المذهبي، فاننا لم نكن يوما بصدد اعتماد المذهبية منهجا ولذلك نرفض التعاطي مع السیاسي الشيعي اذا اختار العلمانية أو الارتجاع منهجا له.

حجّةالاسلام زاهدي: أويد ما ذهب اليه الدكتور هاديان، إذ لم تكن الجمهورية الاسلامية يوما ما بصدد المنافسة مع السعودية، بل كانت استراتيجية الثورة ومنذ انطلاقتها قائمة على التصدي للهيمنة الامريكية، بل لم يكن الموقف الایرانی من أساسه، ضد إسرائيل بما هي اسرائيل وانما لكون النظام الصهيوني يمثل أحد اذناب القطب الأمريكي في المنطقة أولا ولفقدانه للشرعية الدولية ثانیاٌ، فاذا كان الموقف من اسرائيل هكذا فكيف بالمملكة العربية السعودية!. واذا ما أخذنا بنظر الاعتبار التأكيدات المكررة في كلمات الإمام الخميني (ره) وباقي کبار المسؤولين في البلاد على ضرورة تعزيز الوحدة الاسلامية، فمن الطبيعي جداً أن لا تكون الجمهورية الاسلامية بوارد التنافس أو خلق بيئة صراع مع الدول الإسلامية الأخرى. ولکن فی الوقت نفسه لا یمکن تجاهل حقيقة موضوعية وهي أن نجاح الثورة الإسلامية بنفسه هدد مصالح العديد من الحكومات الإقليمية، وبطبيعة الحال فأن تلك الدولة التي باتت تشعر بالخطر يهدد وجودها سعت بكل ما أوتيت من قوة للتصدي لخطر الثورة، فضلا عن ذلك آن الإدارة الامريكية لما شعرت هي الاخرى بتقويض مصالحها في المنطقة وبشكل خطير من قبل الجمهورية الاسلامية عمدت- بطبيعة الحال- لاستخدام كل الأدوات والآليات التي تساعدها في التصدّي للثورة الإسلامية بما فيها المملكة العربية السعودية.

 ومما لاريب فيه إننا وطيلة السبع والثلاثين عاما المنصرمة من عمر الثورة قد شهدنا- رغم المواقف السعودية العنيفة التي اشار الى بعضها الدكتور هاديان، ورغم المواجهة التي اثارها حكام المملكة في اكثر من موطن- أنّ الجمهورية بقيت متمسكة بالاستراتيجية الوحدوية التي أكد عليها الإمام الخميني(ره) معتمدة في كل ذلك سياسة ضبط النفس والتحلي بالصبر تجاه التحركات السعودية، بل یمکن القول بانّ تلك السياسة قد أضرّت في كثير من الاحيان بالاسس الاقتصادية وكانت لها مردودات سلبية شديدة على سياساتنا الإقليمية، إلا أن الجمهورية الاسلامية أدركت وبحق أن أي صراع ينشب بين الدول الاسلامية ولاسيما مثل المملكة العربية السعودية لن يكون الرابح فيها الا إسرائيل والولايات المتحدة الامريكية، ومن هنا اعتمدت سياسة ضبط النفس والنأي عن أي مواجهة في المنطقة.

الدكتور جمشيدي: أولا من وجهة نظري، أن المملكة العربية السعودية لديها سياسة خارجية جديدة متغيراتها الفاعلة اوسع من القضية الإيرانية، وبعبارة أخرى أن السعودية رسمت لنفسها دورا جديدا قد يکون للقضية الإيرانية الحظ الاوفر فيه. لكني لا أرى السياسة الخارجية السعودية متحمسة للوقوف بوجه إيران فقط، فعلى سبيل المثال عندما نرى أن الجزائر تنحو صوب القاهرة، او تدخل في صراع مع الامريكان، فهذا يشير إلى أن نهجا واستراتيجية جديدة قد حصلت في المنطقة وقد يكون 70 بالمائة منه مرتبطا بإيران.

 ثانياً: إذا أردنا الخروج بنتيجة موضوعية من وراء بحث ماهية وطبيعة السياسة السعودية التي هي محور بحثنا هنا وفي هذه الطاولة المستديرة فلابد من التركيز على توازن القوى. فقد شاهدنا في العقدين الاخيرين أن السعودية والدول العربية المشاطئة للخليج الفارسي، قد عززت من قدراتها التسليحية بشكل ملحوظ وبطريقة لم يسبق لها مثيل، بل تعززت ترسانتهم من الاسلحة بحد يفوق الخطر الذي تشعر به تلك الدول، حتى أنّ القضية اصبحت تزعج الاسرائيليين الذين اصبحوا يشعرون باختلال الموازنة وقرب انتفاء مقولة التفوّق النوعي الإسرائيلي. ومن الواضح أن هناك مقولة مفادها أن تغيّر القوى وتعزز الترسانة العسكرية ينعكس على طبيعة السلوكيات ونوعية الاهداف، حيث تتغير وفقا لذلك التطور في موازين القوى، وهذه حقيقة عملية لاريب فيها. ومن هنا أرى أن الموضوعية تتطلب من الجمهورية الاسلامية أن تنظر الى حجم التسليح وعظم الصفقات العسكرية التي ابرمتها السعودية بعشرات المليارات وخلال فترة وجيزة وخلال سنة أو في إطار زمني محدد وقريب جداً، وأن ذلك لا يخلو من آثار وأهداف وضع الساسة السعوديون ذلك في منويات سياستهم المستقبلية، ولم يقتصر الامر على السعودية بل نرى عدوى التسابق التسليحي سرت الى الامارات المتحدة التي عقدت هي الاخرى صفقات ضخمة لشراء طائرات حربية متطورة، ومما لاريب أن لذلك التحرك تبعات وآثار علينا. وعليه فنحن اليوم في صدام مع السعودية وغدا قد نصطدم مع الامارات و... وبعبارة أخرى: صرف التطور العسكري يبعث على زيادة الطموح وغرور السلطة واختلاق الاعداء. وهذه رؤية واقعية لها ما يؤيدها فها نحن نشهد كيف اصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة لاعبا إقليميا يرسل رجاله وقواته الى كل من ليبيا ومصر واليمن!! وهذه نتيجة طبيعية ومباشرة للشعور بزيادة القوة العسكرية التي وفرتها لها كل من أمريكا وأوروبا.

 ومن ناحية أخرى، فإن بحث ميزان القوى، يقتضي القول بانّه وفي الوقت الذي نرى مؤشر قوتنا في تصاعد ملحوظ في المنطقة، نرى في الوقت نفسه مؤشر القوى لدى الدول الاخرى يشير الى نفس الاتجاه التصاعدي، لكن مع فارق في جنس القوة؛ وهذا يعني أن تلك الدول إذا ما كانت قد طورت قوتها العسكرية على المستوى الاستراتيجي، فنحن ايضا رفعنا من قدراتنا ولكن باسلوب غير متماثل، فعلى سبيل المثال نحن نملك من العمق والنفوذ في الشرق الاوسط ما لم تملكه السعودية رغم ما توفر لديها من ترسانة تسليحية كبيرة وامتلاكها من تقنيات وأجهزة متطورة تؤهلها للخوض في حرب نظامية مع دولة أخرى، إلا أنّ تلك الترسانة تبقى عاجزة عن توفير الأمن في البلاد أو اسقاط نظام حكم الرئيس بشار الاسد مثلا أو تعزيز منافع المملكة في كل من مصر وليبيا، فاذن ما يملكونه من قوة يختلف ماهية عمّا نملكه.

 وهذا ما يؤكد عليه الامريكان ويهمسون به في آذن الحكام العرب دائما من أن استراتيجية إيران في المنطقة هي (LOW COST– LOW TEC [منخفضة الكتلفة]) فلا يمكن مواجهة إيران بهذه الاساليب التقليدية وتنصحهم بتغيير اسلوب المواجهة معها. وقد خلق ذلك أزمة للمملكة العربية السعودية، فهي من جهة زادت في قدراتها التسليحية كخطوة أولى ومن جهة ثانية وكخطوة ثانية تمددت في أكثر من ساحة كلاعب اساسي في المنطقة، ولكنها لم تجن ثماراً ملموسة لذلك التحرك الا بشكل محدود جدا، لماذا؟ لان طبيعة ما أعدّته لا ينسجم مع نوعية الأهداف والتحديات التي تريد معالجتها، وفي المقابل نرى الجمهورية الاسلامية تعتمد قوى من جنس آخر أكثر فعالية في معالجة القضايا المثارة. إذن هذا أحد مبررات البحث في زيادة ميزان القوى وبالتبع دراسة توازن القوى في المنطقة.

 المبحث الثاني التحولات الجيوسياسية التي أرى ضرورة أن ترصد من ثلاثة أو أربع دوائر:

الدائرة الاولى: صعود القوة الشيعية بعد سقوط صدام، فقد شهدت الساحة بعد عام 2005م و2006م تصاعدا في قوة الشيعة، وكانت هذه هي أول أشارة تلقتها السعودية لتغيير ميزان القوى. فالعراق الذي عاش طيلة قرون متمادية تحت سلطة الحكومات السنية، انتقل فجأة- الى جانب إيران التي يحكمها نظام اسلامي- الى يد الساسة الشيعة ووقع تحت أمر حكومة شيعية. وكانت هذه- كما اسلفنا- هي الإشارة الأولى التي أشعرت المملكة العربية السعودية بالخطر، وهذا يعود بطبيعة الحال الى ثلاث عشرة سنة مضت، لكن مع فارق کبیر بين المرحلتين حيث كان الامريكان يعتمدون في تلك البرهة سياسة عدوانية هجومية، أما اليوم فقد بدأ التوجه الامريكي يميل نحو تخفيف تلك اللهجة، بل أخذوا يصرحون بانهم ليسوا بصدد اعتماد تلك السياسة الهجومية، مفضلين الاعتماد على أسلوب الحرب غير المباشرة والقتال بالوكالة و...

 وباختصار، كانت المملكة العربية السعودية في ذلك الوقت تتحرك بدعم وإسناد أمريكي واضح، في حين تغيّرت المعادلة اليوم ولم تعد السعودية تحظى بمثل ذلك الاسناد.

 الدائرة الثانية: التطوّرات الجيوسياسية نتيجة الصحوة الإسلامية، والتي أسقطت عروش حلفاء السعودية التقليديين والحكومات الجائرة وازدياد مؤشر الخطر الذي بات يهدد كيان الانظمة الملكية. فقد بتنا اليوم نشاهد انهيار الحكومات التي تقوم على النظام الرئاسي أو تواجه الانهيار الداخلي، في حين بقيت الملكيات لم يتغير منها شيء. وكانت هذه إشارة أخرى ثقيلة جدا بالنسبة للمملكة العربية السعودية جعلتها تعيد التفكير في حساباتها السابقة وتفكر باسلوب جديد للملمة وضع المنطقة وإعادة هيكلتها، وهذا لن يتحقق جزما ولن يتسنى لها تحقيقة إذا ما اعتمدت السياسة الخارجية المحافظة السابقة. والجدير بالذكر هنا أنه لما اختلف السعوديون مع الامريكان حول مصر ومصير الرئيس مبارك وابدوا انزعاجهم من الموقف الامريكي اصطف الاسرائيلي الى جانب السعودية فكان موقفهم منسجما تماما مع موقف الرياض، وهذا مؤشر آخر على التقارب الاستراتيجي بين المملكة واسرائيل.

 الدائرة الثالثة: التطوّرات الجيوسياسية "بالاستدارة نحو آسيا"، شهدت الاستراتيجية الأمريكية تطورا جديدا تمثل بتوجيه البوصلة باتجاه شرق آسيا، و وضع تلك المنطقة في سلم الاولويات، وترك إدارة مصالحها في غرب آسيا و تأمين منافعها على كاهل الشركاء الإقليميين أنفسهم. وهذا التطور والاستدارة الجديدة تعدّ مؤشرا ثالثاً تلقته المملكة العربية السعودية، وانها تلقت رسالة مفادها بأن الأمريكان لن يلعبوا دوراً مباشراً في المنطقة، وعليها أن تنزل بنفسها الى الساحة، وبطبيعة الحال، فإن هكذا قناعة لدى الساسة السعوديين هي بالذات سياسة الامريكان.

 الدائرة الرابعة: التطورات الجيوسياسية المتعلقة بالاتفاق النووي (برجام). أعتقد أن الاتفاق النووي [برجام] ليس له موضوعية بما هو هو، وذلك لان السعوديين وحكام مجلس التعاون يدركون ماهية الاتفاق جيداً، فضلا عن تطمين الامريكان لهم بأن الغاية من الاتفاق اتخاذه أداة لكبح جماح التحرك الإيراني والحد من تطورها العسكري. ومع ذلك، أرى أن المملكة العربية السعودية قلقة مما يعقب الاتفاق وأنها تخشى أن تستعيد إيران نشاطها وقوتها سواء المالية او التسليحة مستغلة ظروف ما بعد الاتفاق، خاصة وأنها ترى أن الجمهورية الاسلامية إنما اذعنت بالاتفاق لأن موقفها ضعيف، ولذلك يتساءل السعوديون عن دور إيران الاقليمي، وما هي طبيعة علاقتها مع الامريكان و... . من هنا يكتسب التهديد الإيراني للسعودية موضوعية ويكون مبررا من وجهة نظر الساسة السعوديين، علما أنّ الامريكان يوافقونهم الرأي ويتفهمون القلق السعودي. لذا ركز ساسة واشنطن على نقطة محورية لسياستهم لما بعد الـ «برجام» متمثلة بنظرية (اللعبة القلقة او الفوضى) بمعنى زعزعة أمن المنطقة، وهذا ما ورد صريحا في الوثيقة التي أبرمت بين المسؤولين الأمريكان ومسؤولي الدول العربية المشاطئة للخليج الفارسي في كامب ديفيد سنة 2015م كفصل مشترك.

 لذلك أعتقد أن ما نراه من طبيعة السياسة التنافسية السعودية (حتى مع غض النظر عن سياسة الجيل الجديد من الحكام السعوديين) يقع في إطار التطورات والهيكلية الجيوسياسية الجديدة في المنطقة، وهذا هو الذي يمكن أن يكون العامل المؤثر في المنطقة والموجّه لطبيعة السلوك السعودي في المنطقة.

الدكتور متقي: تمتلك السعودية ومنذ سبعينيات القرن المنصرف بنية تحتية تؤهلها لتلعب دوراٌ هاماٌ في المنطقة وتجعل منها لاعباً إقليميا مهماً، من قبيل المساحة الجغرافية الشاسعة، المكانة الجيوسياسية، وعلاقتها المتشعبة الاطراف مع دول العالم العربي، والعائدات النفطية الضخمة، ووجود الكعبة المشرفة ولعب السعوديين دور حماية الحرمين الشريفين، كل ذلك عزز من مكانتها وبرّز من وجودها في المنطقة بنحو لا يمكن التغاضي عنه.

 ومن الطبيعي أنّ بلدا لديه تلك الخصائص ويتوفر على هذه المؤهلات سوف يلعب دوراً إقيليما وتكون له أهداف تتناسب مع حجمه الطبيعي.

 علما أن جذور التنافس والتضاد بين إيران والسعودية لا ترجع إلى عهد الجمهورية الاسلامية، بل شهدت الساحة ذلك التضاد والمواجهة منذ سبعينات القرن الماضي، فكلما ارادت حكومة الشاة أن تعلب دورا ما في المنطقة أو تحركت إقليميا، ألقت السعودية بثقلها واستعملت كافة ما لديها من أدوات ردع لتحجيم الدور الإيراني؛ يساعدها في ذلك مكانتها في المحيط العربي وتناغم سياستها مع سائر توجهات الحكومات العربية.

 حتى هجوم صدام حسين العسكري على إيران كان يتطلب تنسيقا دقيقا وفهما واضحا للموقف السعودي من الحدث. خلافا لما قد نتصور بأنّ صداما قام بالهجوم على إيران بين ليلة وضحاها ومن دون أي تنسيق مسبق مع سائر الدول، بل الصحيح أن صداما وقبل اشتعال فتيل الحرب قد نسق مع المملكة العربية السعودية ومع القوى المعارضة للنظام كمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية.

 وأنا اعتقد أن البعثيين قاموا باشعال حرب بالوكالة على إيران، الا انها لم تكن حربا بالوكالة مباشرة بل بواسطة وجود وسيط هو السعودية.

 تؤشر القوالب الوجودية للسعودية إلى طبيعة التهديد السعودي تجاه إيران؛ وذلك لان إيران اذا تمكنت من الحفاظ على قوتها وتماسكها فسوف يكون لها دور إقليمي مهم. فعندما انطلقت الثورة في إيران كانت السلطات السعودية مسرورة جداً؛ لايمانها بأنّ الثورة السياسية تخلق بالتبع ازمات اجتماعية مما ينعكس سلبا على مكانة إيران وقوتها الاقليمية، وأن تثبيت مكانة الثورة يخفض من مكانة إيران في المنطقة.

 وعليه، إنّ المملكة السعودية لما كانت في المنطقة اللغز التي تتوفر على إمكانات ومكانة جغرافية حساسة، كل ذلك صيّر منها المنافس الاساسي لإيران، وتمثل بقيادتها للجماعات العربية في المنطقة فضلا عن هيكلة وقيادة مجلس تعاون دول الخليج الفارسي وتطوير مراحل التعاون والتنسيق بين دول المجلس، كل ذلك يتم بشكل رئيسي من قبل المملكة العربية السعودية.

 وهنا يثار السؤال التالي: ما الذي جرى حتى بات البعض من النخبة منّا يستشعر أكثر بالتهديد السعودي؟

 إن الجواب يعود الى رصد حقيقة مهمة وهي أنه وقبيل سقوط صدام حسين كان العراق يلعب من الناحية الجغرافية دور الجيوسياسي بين إيران والسعودية، حيث يوجد عراق سني ينتهج استراتيجية تحجيم دور الشيعة من جهة وتقييد التحرّك القومي الإيراني من جهة أخرى. علما أنني لا اقصد بمفهوم القومية التعريف المتداول عندنا للقومية، وانما أعني به مفهوم القومية الذي جاء في تعريف ريتشارد كاتم والمؤلف من البعدين الإيراني والمذهبي، اللذين يمثلان عامل انسجام هيكلي على مرّ العصور التاريخية المختلفة.

 في هذا الاطار، نجد من المفردات التي طالما طرحت في الساحة ورددها الاعلام السعودي مفردة (إيران الصفوية)، وهذا المعنى يشمل سلسلة من الخصائص السلوكية لبعض العلماء الإيرانيين التي تعكس بطبيعتها شكل من أشكال إيران الصفوية. ولا ريب أن إيران الصفوية- وحسب تعبير الدكتور هاديان- لم تكن يوما مهاجمة بل اختارت الدفاع دائماً. فضلا عن ذلك أن المبرّز اليوم في ساحة المنازلة هو القوالب الثقافية لإيران الصفوية أكثر من القالب السياسي لإيران الصفوية، بمعنى أن إيران الصفوية اختارت المقاومة والدفاع في فترات مختلفة من عمرها.

 ومن هنا جعل سقوط الحكومة العراقية بقيادة صدام حسين وتسنم الحكم من قبل السياسيين الشيعة المملكة المملكة العربية السعودية تواجه ظاهرة جديدة فرضت عليها إحداث تغيير جذري في نظرتها السياسة الخارجية تمثلت بالتحرّك الإيراني الإقليمي. وإنما وقع الحراك الإقليمي لإيران في العراق حينما حصل هناك فراغ في السلطة وتمكنت إيران من سدّ الخلل في جزء من السياسة الرسمية في العراق، وفي المرحلة اللاحقة تمددت القوّة الإيرانية من العراق إلى بلدان أخرى في المنطقة. في هذه الظروف وجدت السعودية في ردة فعل شاملة.

 إن انماط العدوان السعودي ضدنا لا ترجع الى عام 2016م وإنما تعود الى عام 2006م، وهذا ما لم يدركه- للأسف- المسؤولون المتصدون لسياستنا الخارجية في ذلك الوقت، أتذكر عندما نشرت وثائق ويكيليكس، جاء في احدى الوثائق المتعلقة بالاجتماع الذي عقده وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في واشنطن مع نائب وزيرة الخارجية وليام بيرنز، أن الوزير السعودي طلب من الامريكان سحق رأس الافعى يعني بذلك إيران، وهذه الوثيقة تكشف عن رؤية السعودية الداعية الى ازالة النظام الاسلامي من الأساس. فما هو الموقف الإيراني؟ كانت إيران اختارت السكوت، بل لم تتحرك حتى على مستوى استدعاء السفير السعودي في طهران الى وزارة الخارجية، ليتحدثوا معه بلغة ناعمة ويطلبوا منه بلين أن يبين موقفه من تلك الوثائق. وان اقصى ما صرح به السيّد أحمدي نجاد: نحن نريد التعايش مع جيراننا الا أن الغرباء لا يريدون لنا هذا التعايش! وهذا مؤشر على غياب الرؤية الاستراتيجية لدى السلطة التنفيذية والتي ما زالت مستمرة منذ عام 2006م وحتى اليوم ونحن في العام 2016م.

 إن التهديد موجود وأعتقد أنّ الرؤية التي كان يحملها الإمام الخميني (ره) قبال السعودية كانت رؤية استراتيجية. نعم، لا يغيب عن بالنا أن السنوات التي اعقبت احتلال العراق للكويت (1990-1993م) كانت وبسبب انفلات قوّة من المركز وتمردها على بيت الطاعة، قد شهدت إعادة بعض الدول العربية النظر في علاقاتها مع الجمهورية الاسلامية بما فيها السعودية. وأن البنية التحتية لمقولة (إيران والسعودية جناحا الاسلام) تعود للفكر السياسي وليد تلك البرهة الزمنية، والذي أرى فيه تخطيّا لنهج الامام (ره) وتشكل تحت ضغط الظروف الموضوعية للمنطقة.

 وبعبارة أخرى: كان يملك معرفة ماهوية ولكننا حللناها في اطار التحليل الوجودي. يعني أنّ طبيعة السياسة الخارجية السعودية والعناصر المكونة لها لم تتبدل تجاه إيران، وإنما الضرورات فرضت على الخارجية السعودية أن تنحى منحى سلوكيا آخر وتتعامل مع إيران تعاملا بنّاء وتعيد النظر في علاقتها معنا وفقا لتلك الضرورة.

 وللاسف أن السعودية عادت في الاعوام التي تلت سنة 2013م لاعتماد ما كنت تنتهجه عام 1991م، يعني أن نظرتنا التفاؤلية تجاة المملكة ترجع الى تلك البرهة التي كانت السعودية محكومة بضرورات الظروف الموضوعية لتلك الحقبة الزمنية، ولكن ما بعد عام 2011م تغير الموقف السعودي وبسبب الوضع الإقليمي ليسير بالضد من الجمهورية الاسلامية.

 أعتقد أن الشيء الأكثر أهمية ليس التهديد نفسه، وإنما الشعور وادراك التهديد. إن احساسنا بخطر التهديد السعودي يعود الى شهر مارس 2015م وبعد غزو السعودية لليمن، هناك ادركنا مدى جدية اللعبة السعودية وكم هي خطيرة.

 وعلى هذا الاساس أنا أرى مدى تاثير المتغير النخبوي في السعودية على العلاقات، إلا أنّ النخبة الجديدة تتحرك في نفس الفضاء الذي تحركت فيه النخب السابقة. فعلى سبيل المثال ما كان يطرحه تركي الفيصل في السنين الماضية سرّاً وفي الدوائر الخفية، أخذ يطرح في ادبيات السياسة السعودية وفي المجال الأمني والاستراتيجي للمملكة بكل شفافية وبلا مواربة، بل لم يجد الرجل غضاضة في المشاركة في مؤتمر يعقده المنافقون المناؤون لإيران والتصريح هناك بضرورة اسقاط النظام في إيران. وعليه فانّ تركي الفيصل لم يتغير وإنما الذي تغيّر هو فضاء السياسة الخارجية السعودية. إن التوجه السعودي نحو داعش والمنافقين بسبب التشابه بين الجماعتين. فان التشابه بين حركة مجاهدي خلق (المنافقون) وحركة داعش يكمن في نمط السلوك القائم على العنف وإشاعة الارهاب في الشرق الاوسط وهذا ما تغذيه المملكة السعودية، وهذه هي النكتة المتعلقة بالمتغيرات الدخيلة في السياسة الخارجية للسعودية ودور غرف الفكر ومراكز الدراسات السعودية التي تنتجها في الخارج وخاصة في الولايات المتحدة الامريكية.

 إنّ مسالة تقارب مراكز الابحاث الاستراتيجية وغرف الفكر العربي الاسرائيلي نقلت المواجهة مع إيران من المواجهة بين دوليتين الى المواجهة بين جبهتين. ولعل هذه الفكرة هي لبّ وعصارة كلامي كله، فإنّ السعودية استطاعت تحويل فضاء المواجهة من المواجهة بين دولتين الى المواجهة بين جبهتين، حيث يقف في الجبهة المضادة كل من الدول العربية مع اسرائيل فضلا عن القوميين العلمانيين كالرئيس السيسي.

الدكتور هاديان: أعود إلى وجهة نظري التي أثرتها في بداية حديثي وخلاصتها أن سياسيينا قبل الثورة وما بعدها ما كانوا ينظرون الى السعودية كتهديد للبلاد، وأنّها في نظر هؤلاء أصغر من أن تدرج في عداد مراكز التهديد، فلم يتعاملوا مع القضية بجد، بل نظروا للسعودية كخادم وذيل للامريكان. والحال أنّ السعودية اليوم توفّرت على ما يؤهلها لتكون قوة في المنطقة ففضلا عن الرصيد المالي الضخم، فالسعودية تمتلك مساحة جغرافية شاسعة وموقعا جيوسياسيا مع قدرتها على تشكيل تحالفات، فضلا عن قدرتها على تكوين ترسانة كبيرة من الاسلحة من خلال الصفات الضخمة التي عقدتها مع شركات التسليح العالمية ومنها الدرع الصاروخية و... كل ذلك يقرّبها من أن تشكل قوة إقليمية كبيرة.

 من ناحية أخرى نرى الوهابية التي ولدت من رحم المملكة العربية السعودية هي الاخرى خلقت حالة من الذعر في نفوس الكثير المسلمين شمل حتى تلك الدول البعيدة عن مركز انطلاقتها، وهذا ما لمسته في سفري الى ماليزيا وأندونيسا، حيث وجدت الذعر منها متفشيا في الاوساط حتى في مراكز التسويق حيث الكل قلق ويخشى من تاثيرات تلك الحركة، مما يعكس بروز القدرة الناعمة السعودية.

 ولنعد مرّة أخرى لمناقشة الموضوع الاصلي لنرى أيَّ عمل قمنا به موجه ضد المملكة العربية السعودية؟ لم نقم بعمل يذكر قبال السعودية، في الوقت الذي يمكن أن أضع فيه أمام القارئ قائمة بالتحركات السعودية ضدنا ومن دون أي تكلفة مالية تبذل قبالها، وقد قمت باعداد مسرد لتلك التجاوزات بلغت أكثر من ثلاثين حالة.

اختلف هنا مع جناب الدكتور جمشيدي وسأتعرض لذلك ضمن مجموعة من النقاط.

 أوّلا: نقطة الضعف السعودية أنها فشلت في إنشاء دولة عصرية، حيث تدار البلاد هناك من قبل جيش من الامراء والاشراف كشركة تدرّ بالارباح عليهم ويتقاسمون ريعها بينهم. بمعنى عدم وجود دولة حديثة قادرة على اختراق المجتمع وانجاز مهام وحدود الدولة على أحسن وجه. وعليه فنقطة ضعف السعودية تكمن في ماهية تلك الحكومة التي يغيب فيها دور الشعب شأنها شأن الكثير من دول المنطقة.

 المسألة الأخرى التي تواجهها السعودية تكمن في النمو السكاني ونشوء جيل متعلم، وظهور مطالبات جديدة يعجز النظام السابق عن تلبيتها، وهذا ما أدركته الحكومة السعودية نفسها، وأخذت تشعر بأن هذه القضايا تمثل الخاصرة الرخوة بالنسبة لها. لكن عماد حديثي يقوم على النقطتين أو الثلاث نقاط التي سأتعرض لها.

 المسألة الأولى: إننا تحولنا بالنسبة للنظام السعودي إلى عدو مريح ((CONVENIENT ENEMY، وبعبارة أخرى تحولنا الى عدو غير متعب وبلا كلفة، حيث تستطيع السعودية متى شاءت القاء التبعة علينا في أي حدث يقع في المنطقة، وتعبئة الجماهير ضدنا، ولا ينفع صراخنا لاننا كلما رفعنا اصواتنا وصرخنا بأنْ لا شأن لنا معكم وأننا نرغب باقامة علاقات ودية مع جيراننا لن نجد آذانا صاغية تسمع كلأمنا، والسبب في ذلك يعود الى كون السعودية ترى أن العوائد التي تجنيها من خصومتها لعدو مريح تفوق حالة الصلح معه.

 فاذا أردنا للسعودية أن تغيّر نظرتها الاستراتيجية اتجاهنا فلابد من العمل لرفع تكلفة عدائها لنا بأن نقوم بخطوات تجعل العداء السعودي لإيران باهض الثمن بالنسبة إلى الخزانة السعودية.

 المسألة الثانية: وهي مهمة جداً، مفادها أنّ السعودية رغم الإمكانات التي سردناها آنفا إلا أنها ربطت مصير أمنها القومي بمصادر خارجية، وهي اليوم تستغل مجلس تعاون الخليج الفارسي للمواجهة معنا. ومما لاريب فيه أن عدد نفوس المملكة أقل بكثير من عدد نفوس العراق إبّان غزو صدام لاراضي الجمهورية الاسلامية، لكنها من ناحية الإمكانات تفوق بمراتب إمكانات العراق في زمن حكم صدام حسين. فهي من الناحية العسكرية تتوفر على ترسانة من الاسلحة المتطورة، وعليه فهي تمتلك من الإمكانات ما يمكنها من خلق توازنات مع إيران، لكنها لم تفعل، لماذا؟ لانها استعانت ولتأمين أمنها القومي بقوى خارجية واعتمدت في ذلك على الجانب الامريكي خاصة.

 و رغم تأكيد الامريكان الدائم على عدم إمكانية إعادة العلاقة مع إيران الى مسارها الطبيعي وأنّ حليفهم الوحيد في المنطقة هو المملكة العربية السعودية. إلا أن ذلك لم يطمئن الجانب السعودي خشية أن تسلك واشنطن سلوكا آخر مخالفا لما تبوح به علنا. وذلك لان السعودية ربطت اغلى ما لديها بالسياسة الامريكية، ومن الطبيعي أن يقلق السعوديون من السلوك الامريكي في قضية تمس أمنهم القومي بالصميم.

 ولا تختص هذه المعضلة بالسعودية بل هي صادقة بحق كل من يربط مصير أمنه القومي بقوى خارجية (سواء في ذلك الافراد أم الجماعات)؛ لانه لم يعتمد على الذات في تلك المهمة الحيوية والمصيرية. أنظر الى النظام الاسرائيلي فعلى الرغم من تمكنه من إدارة شؤون ستة ملايين انسان وعلاقته الوثيقة والعالية بالنظام الامريكي، إلا أنه غير مستعد لوضع ملفه الأمني تحت رحمة واشنطن ورفض بقوة توكيل تلك المهمة للامريكان.

 ونحن في إيران أيضا على الرغم من نقاط الضعف لدينا، إلا أننا لم نسمح بخروج هذه المهمة من أيدي ابنائنا والاعتماد على أنفسنا، وهو مؤشر صحي وعلامة على الثقة العالية بالنفس؛ إذ لم نستعن بمصادر خارجية ووقفنا على أقدأمنا.

 أما بالنسبة الى توازن القوى (OFFSHORE BALANCING) فيجب القول إنها مشروع السياسة الامريكية لا السعودية، فقد سعى الامريكان لخلق توازن قوى من خلال تشكيل مجلس التعاون، وقد اعتمدت واشنطن هذه السياسة في ثلاث نقاط من العالم؛ الاولى في شرق آسيا لمواجهة القوة الصينية، ومن خلال الاستعانة بكل من اليابان واستراليا والهند وكوريا الجنوبية. وأما الثانية فقد استعانت خلالها بدول حلف الناتو لخلق حالة من التوازن مع روسيا، والثالثة في قبال إيران من خلال تسخير مجلس التعاون الخليجي.

 وتجدر الاشارة هنا- جنبا الى جنب مع هذا التحليل- إلى وجود حركتين لا تخلوان من انعكاس وتاثير على التطورات الاقليمية في منطقة الشرق الأوسط والخليج الفارسي. ففي الشرق الاوسط كانت هناك حالة من اللا توازن في حين شهد الخليج الفارسي حالة من التوازن، وقد تغيرت الحالتان معا. حيث تغيرت الحالة في الخليج الفارسي من خلال احتلال الامريكان للعراق الذي كان يمثل عنصر توازن بين إيران والسعودية لصالح إيران، بحيث جعلنا نتصرف في الخليج الفارسي كقوة عظمى. لكن الامريكان يرون ضرورة إعادة الأمور الى سابق عهدها وينبغي إحداث توازن في المنطقة.

 أمّا في الشرق الاوسط فكانت الكفّة لصالح الاسرائيليين لا يجاريهم أحد، فكانوا يتصرفون كدولة عظمى متى شاءت حركت قواتها وأطلقت العنان لأسراب طائراتها في التحليق في سماء أيّ بلد شاءت، إلا أن التطور الصاروخي وبرنامجنا النووي قلبا المعادلة من حالة اللاتوازن الى التوازن.

 وما تفضل به الدكتور متقي صائب جداً، إذ معرفة واستشعار التهديد أفضل من الوجود الواقعي للتهديد نفسه، يعني استشعار الطرف الآخر للتهديد أشد تأثيراً من نفس التهديد.

 فهناك قضية بدأت تأخذ مكانتها في العقل الجماهيري في المنطقة مفادها حصول حالة التوازن بين إيران واسرائيل، والحال أن الواقع لا يؤيد ذلك، إذ التقارير تشير الى امتلاك اسرائيل 200 رأس نووي، في حين أن الجمهورية الاسلامية لم تتجاوز بَعدُ نسبة الثلاثة بالمائة من التخصيب وهي في طور الوصول الى نسبة العشرين بالمائة، وبطبيعة الحال، إن الفارق بين القوتين لا يزال بعيداً جداً، ولكن نفس الاذعان بالتهديد وأنّ المنطقة تشهد توازنا في القوى بين إيران وإسرائيل أمر باهض الكلفة لإسرائيل جداً.

 ولذا يسعى الأمريكان لإعادة الامور الى نصابها السابق، بأن تخلق موازنة في الخليج الفارسي من جهة ويسلب التوازن عن منطقة الشرق الاوسط من جهة أخرى بحيث تكون إسرائيل القوة العظمى في المنطقة وبلا منازع. فإذن توازن القوى مشروع أمريكي وليس وليد بنات الفكر السعودي. حيث تتمركز السياسية السعودية على الحفاظ على الذات والبقاء على قيد الحياة، وفي الحقيقة إنّ هذه السياسة السعودية لا تنسجم مع تلك الطاقات التي توفرت لها.

الدكتور متقي: ولكنكم اذعنتم بأن السعودية قوة إقليمية.

الدكتور هاديان: نعم، قلت إنها تملك الإمكانات، ولم أقل إن سياستها الخارجية متمحضة لمواجهتنا والخصومة معنا، بل ما زلت أصرّ على أننا في طليعة التهديدات التي تشعر بها السعودية، وأن الهمَّ والرؤية السعودية قائمان على التصدي لنا وكبح التهديد الإيراني، ولكن هذا ليس كلّ شيء في السياسة الخارجية [للمملكة].

 وعلى كلّ حال لا زلت لم إمتلك صورة كاملة المعالم لفرضية كون السعودية تخطط لتكون قوى اقليمية أو أن تحدث طفرة في مكانتها الإقليمة، وإنما أراها دولة ما زلت تعيش الانفعال وأن سياستها قائمة على ردّة الفعل السلبي.

الدكتور جمشيدي: الانفعالية وردة الفعل لا تعني انتفاء البرنامج السياسي المحدد.

الدكتور هاديان: نعم، ولكن لا يعني الوقوف بوجه التهديد الإيراني أو كبح جماح التوسع مثلا أن ذلك يمثل سياسة منسجمة المعالم. على العكس من السياسة الامريكية فهي منسجمة الاطراف. أما التمنّيات فاعتقد أن غاية منى السعوديين تمزيق النسيج الإيراني وتفتيت وحدة البلاد.

الدكتور جمشيدي: الأمريكان يملكون نفس الهدف.

الدكتور هاديان: كلا، أمريكيا تسعى لتغيير النظام في إيران فقط.

الدكتور جمشيدي: فعلا، أي تغيير للنظام يحصل اليوم يعني تفتيت البلاد وتمزقها.

الدكتور هاديان: لو سلمنا بأنّ ذلك يعني تفتيت الوحدة الإيرانية، فهذا يختلف عن ذاك الذي يريد أن يغير النظام، وإن كنت شخصياً اعتقد أنّ السياسة الامريكية في إدارة أوباما تسعى لتغيير السلوك الإيراني. نعم، قد يتمنى الرجل أن يستيقظ غداً على وقع اخبار حدوث انقلاب في إيران وتبدّل النظام الحاكم فيها، ولكنه لمّا ايقن بأن ذلك الحلم لا يعدو كونه سراباً عدل الى اعتماد سياسة تتجه نحو ما هو ممكن والمتمثل بتغيير السلوك الإيراني. نعم، التوجّه الاسرائيلي يسعى لتغيير النظام في إيران، ومن هنا تراها تقوم بتحشيد كل ادوات الضغط على الحكومة الامريكية لتوجيه بوصلتها باتجاه اسقاط النظام، وأما السعودية فغايتها تفكيك عُرى الوحدة وتفكيك البلاد.

مدير الحوار: أفهم من كلامكم بأن السياسة الخارجية السعودية إنفعالية، وأنها لاتملك هدفا محددا قبال إيران، فهي في مقابل التطور والتحول في قدراتنا في المنطقة ترصد الحالة فمتى أحدثت إيران فعلا ما، تقوم هي بردة فعل لتحول دون تحققه.

الدكتور هاديان: إريد أن أشير الى مفهوم محوري وحساسة في خصوص العلاقة بين السياستين الاسرائيلية والسعودية في المنطقة وتداخل مصالحهما خاصة في قبال الثورة الاسلامية، يتمثل بإعادة الأمن وزعزعة الاستقرار. لا أريد الدخول في جدال حول ما يؤول اليه مصير هذا التحرّك وما هي غايته فهل الغاية منه تغيير النظام او تجزئة البلاد او على اقل تقدير تغيير السلوك أو... . ففي عهد رئاسة السيد أحمدي نجاد نجح الامريكان في لسق حالة العسكرة بنا، وكان مؤشره الواضح في العقوبات التي فرضت علينا من قبل الأمم المتحدة. ولذا لم تكن أهم انجازات الاتفاق النووي [برجام] رفع الحظر الاقتصادي على البلاد بقدر نجاحه بكسر الجمود الأمني المتمثل بالتخيير بين التسليم أو الحرب والحظر، فقد خيرنا بين مسارين إما أن نرفع الراية البيضاء أو نتحمل ضريبة الحظر الاقتصادي.

الدكتـور متقـي: لم أرّ-حسـب مطـالعـاتي- الاستراتيجية الامريكية تتطابق مع ما صوره الدكتور هاديان حيث يرى بأنها تسعى لخلق ثنائية. بل كما أن هناك فريق من الساسة في الداخل يسعون الى الثنائية، أنتم في الخارجية تسيرون على نفس المنوال وتخلقون حالة من الثنائية.

مدير الحوار: على هذا الاساس أنتم ترون التوافق النووي [برجام] مؤثرا في تشكل السياسة الخارجية السعودية ولكن بشكل معكوس. أي أن الـ «برجام» ومنهج السياسة الخارجية الإيرانية التفاوضية مع الامريكان إنجرّا تقريبا الى اعتماد السعودية لسياسة أكثر عدوانية.

الدكتور هاديان: نعم، وهم يعولون على الانتخابات الجديدة وما تفضي اليه من فوز كلينتون أو ترامب ليقوم الرئيس الجديد باعادة النظر في القضية من الأساس.

مدير الحوار: هناك قضية أخرى، وهي أن الكل يعلم بأن عمر الحكومة الامريكية الحالية يوشك على النهاية ولم يبق سوى أربعة أشهر وأن أوباما سيغادر البيت الابيض، وأن السعوديين يراهنون على الرئيس القادم سيزيد من حدة المواجهة من إيران؛ نعم، قد يكون ترامب أشدّ حدة من كلينتون التي من المحتمل أن تختار سياسة أكثر ليونة.

 وبعبارة أخرى: إنّ السعوديين يرون بأنّ المتغيّر الحاصل في الادارة الامريكية في الاشهر الخمسة القادمة سوف يقلب المعادلة وستزداد وتيرة الضغط على إيران. فهل ترى أن لهذا الموضوع أثراً في توفير الارضية بواسطة المملكة العربية السعودية؟ بأن تقوم السعودية بحركة تجعل الرئيس الجديد يسير على نفس السكة التي اختطتها السعودية نفسها؟

الدكتور هاديان: ضع مفردة (اعادة العسكرة مجددا)، وقم بتحليل سائر السلوكيات العدائية لدول المنطقة التي واجهتنا، إنطلاقا من تلك المقولة. بمعنى إذا كنا نريد بيان السلوك الإسرائيلي أو السعودي، فيجب أن نكون قد قرأناه في هامش هذا العنوان.

الدكتور متقي: نحن في الاساس هل تجاوزنا الجانب الأمني؟ فنحن الاكثر عرضة للتهديد وهذه هي الوثائق الامريكية تؤكد أن إيران أكبر تهديد لأمن الولايات المتحدة، كالوثيقة الأمنية لعام 2015 م.

الدكتور مرندي: مع التسليم بما تفضل به الاخوة أرى أن مشلكتنا مع السعودية تكمن في أربع أو خمس مشكلات أساسية، هي:

 الاولى: منذ بدايات الثورة كان خطابنا مضاداً للخطاب السعودي، ومن هنا عمدت السعودية بعد ذلك لترويج الفكر الوهابي المتطرّف، وكما تفضل الدكتور هاديان إن أكثر المدافعين عن داعش والمؤيدين لها هم (باستثاء المملكة العربية السعودية) من ماليزيا، أي بما يعادل عشرين الى ثلاثين بالمائة. وعلى الرغم من هبوط وتيرة حدّة الخطاب العدائي بعد الغزو العراقي للكويت ولكن بقي الحقد والكراهية الوهابية على حالهما كالنار تحت الرماد.

 الأمر الآخر وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمر وما تلاها من احتلال أفغانستان وسقوط النظام العراقي، الأمر الذي أضعف موقف المملكة العربية السعودية أيضا.

 الأمر الثالث، الصحوة الاسلامية أو ما يسمّى بالربيع العربي، حيث وجدت السعودية نفسها- كما نحن، بل أشد أحيانا- في مشكلة مع الاخوان مما حدى بها لاستخدام الوهابية في المواجة ضد الاخوان المسلمين. وكلنا يتذكر أنه لما كانت الاحتجاجات قائمة في ميدان التحرير، كان الوهابيون قد ملأوا جزءاً كبيراً من الميدان رافعين الاعلام السعودية، الأمر الذي أحدث ضجة كبيرة في الشارع المصري، لماذا لم يرفع هؤلاء الناس العلم المصري؟.

 ولما حدثت الأزمة السورية تحركت السعودية لمواجهتنا من جهة ولمواصلة المواجهة مع الاخوان المسلمين من جهة أخر؛ لأنّ السعودية قامت في البدء بتقديم الدعم وبقوة لأطياف أخرى غير الإخوان.

 الدليل الآخر مسألة اليمن، تفضل الدكتور هاديان- ونعم ما تفضل به- باننا لم نقم بفعل مباشر، ولكننا وقفنا الى جانب حركة أنصار الله ودعمناهم مما فسّر في حينه من قبل السعودية بأنه تحول الى خطر يهدد وحدة الاراضي السعودية.

 صحيح أننا قمنا بالدعم الاعلامي فقط، ولكننا كنا متعاطفين معهم وهذا ما رصده السعوديون، وبالنتيجة شعرت السعودية بالحصار يطوقها من كل من الاخوان وإيران والشيعة اليمنيين.

 وقد استغلت السعودية الخطاب المعادي للشيعة والذي يضرب بجذور في اعماق تاريخ المنطقة كافضل وسيلة لمواجة إيران، كذلك استخدمت الخطاب الوهابي لمواجهة أهل السنة والاخوان. كذلك استفادت السعودية لتعزيز مكانتها وترسيخ قوتها من وجود الحرمين الشريفين (مكة والمدينة) اللذين يحظيان بتبجيل كبير من قبل المسلمين مستغلة بذلك إدارتها لهذين المكانين الشريفين.

 وأخيراً، إن تبدل الحاكم والملك يمثل متغيرا مهما في المملكة العربية السعودية ويخلق نهجا مختلفا جداً.

 أنا لا اضع السعودية بموازاة إيران، لأن المال هو العنصر الفاعل في ترسيخ قوتها، وهو صاحب الكلمة الفصل سواء في الجانب الثقافي أم العسكري، فكل ذلك قائم على وفرة المال. بل حتى دول مجلس تعاون الخليج الفارسي هي الأخرى عرضة للاصابة والضعف بشدة إ ذ مجرد تعرض منشأتها النفطية او مراكز تحلية المياة لضربة ما يطرحها أرضاً.

 اعتقد أننا دخلنا في تحدٍ مع السعودية، فإما نضطر نحن الى التراجع أمام ضغط المشاكل الاقتصادية، أو أن السعودية هي التي تضطر الى التنازل تحت تأثير التحديات الاقتصادية الناشئة من إهدار المصادر المالية والتضخم وانخفاض قيمة الريال أمام العملات الاجنبية.

مدیر الحوار: يعني أن طرفي النزاع يمارسان لعبة عضّ الاصابع حيث يرصد كل منهما منافسه ليرميه في أزمة اجتماعية نتيجة الانهيار الاقتصادي كي يجبره على التخلى عن المواجهة. وبعبارة أخرى: توظيف الازمة الاجتماعية للوصول الى نتائج سياسية ومحاصرة الخصم.

الدكتور جمشيدي: مبدئیاً هل يوجد في السعودية شيء اسمه المجتمع؟ ففي الجانب الإيراني الضغط الاجتماعي مشهود فضلا عن دوره في المتغيرات السياسية، وهنا يمكن الحديث عن عامل الضغط الاجتماعي. وأما في مجتمع لم تتشكل فيه حكومة شعبية بَعدُ، فكيف نتصور ذلك؟

الدكتور مرندي: هناك نقاط قوة تسجل لصالح السعودية نحن لا نملكها، والعكس صحيح، وهي تلعب دورا حاسم في تحديد نتيجة هذه المواجهة.

 وبصرف النظر عن الدعم الخارجي، يعد كل من الثروة الهائلة، وتمثيل السعودية لغالبية المسلمين في حالة نشوب صراع طائفي، من النقاط التي تسجّل لصالح المملكة. في المقابل نحن أيضا نمتلك نقاط قوة خاصة لا يمتلكها الطرف المقابل، منها الوفرة السكانية، عدم اعتماد الاقتصاد الإيراني على عنصر النفط، فضلا عن وجود نظام ديمقراطي، كل هذه تعد من مميزات الجمهورية الاسلامية. فانّ الديمقراطية تعزز من قدرة النظام وتمنحه بنسبة عالية المرونة قبال المتغيّرات؛ لان التحول في الانتخابات ينتقل بالضغط الاجتماعي من دائرة الاحباط إلى النمو وتحمل المسؤولية.

 اعتقد من غير الصحيح الذهاب خلف السعوديين، بل لابد من التأني و الانتظار ليأتي السعوديون إلينا؛ لماذا؟ لاننا عندما نذهب إليهم ستساق المناقشات باتجاه القضايا الداخلية من قبيل حادثة السفارة.

مدير الحوار: ما هي وجهة نظركم حول ارتباط السياسة الخارجية السعودية مع أهداف السياسة الخارجية للولايات المتحدة في المنطقة؟

الدكتور مرندي: أرى ثلاثة أمريكيات مختلفة، يختلف الجواب عن السؤال المطروح باختلافه؛

 الاول: الرأي العام الغربي، أعتقد أن الاتفاق النووي [برجام] حقق نجاحا واحدا وهو أنه تمكن لفترة ما من اخراجنا من مشهد الهلع والخوف التي اصيب بها الرأي العام الغربي، وخاصة في تلك الفترة التي اشتد فيها وجود داعش والنصرة والارهاب والمفخخات والاغتيالات والهجرة من تركيا الى الغرب ومن الغرب الى تركيا وسوريا و... فاني أرى ان الاتفاق النووي نجح بتكوين صورة ناصعة عنّا، في مقابل الصورة القاتمة والسلبية للسعودية. وتجدر الإشارة إلى أن Brjam وحده لم يعط تلك النتيجة بنفسه، وإنما جاءت النتيجة المذكورة بسبب تقارن الاحداث وتزأمنها.

 الثاني: الحكومة الامريكيّة وصنّاع القرار هناك، فعلى الرغم من أن أوباما ملائم نوعا ما، الا أنّ الاتجاه العام لصنّاع القرار الأمريكي يميل الى السعودية لأسباب مختلفة منها الموقف من النظام الاسرائيلي والمنافع الامريكية في المنطقة فضلا عن المشكلة التاريخية المتمثلة بحادث السفارة الامريكية في طهران.

 الثالث: قيام الغرب على الاقتصاد لا الاعتقاد؛ بطبيعة الحال، فمن غير المنطقي التغاضي عن هذا العنصر فعندما تكون العلاقات بين الاقتصادين السعودي والامريكي عمقية جداً، فان العوائد النفطية الهائلة سوف تستثمر في امريكا أو تدخر هناك، فضلا عن صفقات التسليح وفتح أبواب أسواق البلدان العربية المرفهة والمشاطئة للخليج الفارسي أمام الشركات الامريكية والغربية و... كل ذلك عوامل لايمكن عدم أخذها بنظر الاعتبار في التحليل السياسي.

 وفي نهاية المطاف لايمكن انكار التاثر الاسرائيلي على صانعي القرار الأمريكان، وعليه لا أرى في الافق تغييرا جوهريا في سياسة أمريكا ضدنا في مرحلة ما بعد الاتفاق (البرجام).

حجةالاسلام والمسلمين زاهدي: اعتقد إنّ الاجابة على السؤال المطروح تتطلب العودة الى الوراء قليلا. فبعد انحلال الامبراطورية العثمانية المترامية الاطراف والتي كانت تعلب دوراً مهما في العالم، شعرت النخبة الاسلامية والعربية على المستويين المادي والمعنوي بالفراغ الذي خلفه سقوط تلك الدولة الاسلامية، واستمر ذلك الشعور حتى انطلاقة الثورة وقيام الجمهورية الاسلامية حيث تشكلت حكومة تدعو الى الله وتستند الى ركائز الدين وأصوله على يد أقلية شيعية.

 لم يهضم علماء الوهابية والسنة ذلك التحول ولم يتفهموا هذا الانتصار، وكانت المطالب الشعبية تزيد من الضغط عليهم، مما خلق عندهم تصوراً خاطئاً بأنّ الجمهورية الاسلامية تمثل مصدر خطر لعروشهم وتزعزع مكانة بعض علمائهم، وكلما تقدمت الجمهورية خطورة الى الإمام زاد ذلك من شعورهم بالغيرة تارة والحسد أخرى فضلا عن التنافس معها.

 إما اذا نظرنا الى الداخل السعودي فلم نجد شيئا اسمه الدولة أو الشعب، بل تدار البلاد ومنذ مائة عام بطريقة قبلية بدوية، وإن اقصى ما قام به عبد العزيز هو اخضاعه سائر القبائل وضمّ راياتها المختلفة تحت راية آل سعود، فضلا عن مصاهرته لكافة القبائل، وكلما أنجبت واحدة من تلك النسوة ولدا طلقها، وبهذه الطريقة تمّ ربط الامراء بتلك القبائل من جهة الأمهات.

 وباعتماده لهذا الاسلوب العشائري المحبذ تمكن عبد العزيز من فتح الآفاق بوجه آل سعود الذين كانت سطوتهم منحصرة في منطقة نجد فقط، وبالتالي تمكن من إخضاع سائر البلاد لسلطتهم والخضوع لحكمهم، إلا أنهم لم ينجحوا حتى الساعة بتكوين دولة وجماهير بالمعنى الحقيقي لهذه المفردة، ومازالت جذور تلك الاخلاقية القبيلية القائمة على الخشية من التعرّض للغزو من سائر القبائل تضرب بجذورها في اعماق عقليتهم.

 لم يتمكن آل سعود الى الآن من ترسيخ أواصر العلاقة الوطنية بين الشعب والحكومة إلى جنب العلاقات القبيلية، يضاف الى ذلك أن القانون الذي رسمه آل سعود للبلاد والخطوات التي قام بها عبد العزيز منذ عصر التأسيس وحتى الساعة قائمة على احتقار الشعب والحط من مكانته، ومن هنا كانوا يعبّرون- ولسنين قريبة- عن آل سعود بالاسرة المالكة.

 بل كانت آبار النفط- إلى ما قبل عشرين عاما- تسمّى بأسماء الامراء والذي يعكس ملكية هؤلاء الامراء لتلك الثروة الوطنية، وبالتالي يتفضلون باهداء نسبة معينة من عائدات تلك الثروة الطائلة الى الميزانية لادارة شؤون البلاد. اليوم ورغم المطالب العامة والضغوط الدولية التي اجبرتهم على إحداث انعطافة صغيرة في سياستهم تراهم يفتحون حسابا خاصا لكل أمير يولد من ابناء تلك الاسرة ويأمنون له مرتبا ثابتا منذ لحظة ولادته.

 ومن الأمور المهمة التي يرصدها المراقب، نشوء جيل جديد من التكنوقراط الذين درسوا في الغرب وأمريكا يختلف عن الجيل السابق، ولا ينسجم مع مبادئ البداوة والقبلية السائدة في البلاد، فظهرت حالة من التعارض بين الرؤيتين، وتشكّلت- على سبيل المثال- جماعة الامراء الاحرار التي تضم في عضويتها الأميرين تركي الفيصل والوليد بن طلال، وكانت انطلاقتها في عهد الملك فيصل، حينما شعرت بأن النظام السابق يمنعها حقوقها ويوصد الباب أمام وصول كل واحد منهم الى السلطة قبل أن يصل الى سن الثمانين وهي سنة متقدمة جداً.

 إن الفجوة كبيرة بين معايير الدولة في العرف العالمي وبين معايير الدولة السعودية، فعلى سبيل المثال نجد غياب مفردة الانتخابات حيث لم يؤمن آل سعود بهذا المفهوم جزماً، فلا تجد في قاموسهم السياسي والثقافي شيئا باسم الانتخاب والاقتراع، كذلك غاب عن الفكر السعودي مفردة دور الشعب وكونه مصدر السلطة في البلاد. نعم، هناك مجلس شورى يمتن الملك بتنصيب أعضائه، لا أن الشعب هو الذي يختار ممثليه بصورة مباشرة وعبر صناديق الانتخاب.

 على الجانب الآخر نرى المكانة التاريخية لإيران (قبل الاسلام وبعده) ذات تاثير فاعل في الساحة الاقليمية والدولية، والحال أن شعب الحجاز كانوا يعيشون الخمول والانزواء باستثناء الحقبة الاولى من صدر الاسلام. والعجيب أيضا أن طليعة العلماء المسلمين وروّاد العلوم الاسلامية ينحدرون من مدن بخارى وسمرقند ونيسابور واصفهان والري وشيراز والعراق والشام ومصر والاندلس و... بل بزغ نجم علماء كبار من قرى مغمورة، في حين نجد تخلفا واضحا- اذا استثنينا النبي الاكرم(ص) وأئمة الهدى(ع)- لأرض الحجار عن هذا المضمار فهي عقيمة في إنجاب علماء كبار في الساحة الاسلامية. فلم تشهد الساحة بروز عالم منهم في شتى الميادين الفقهية والفلسفية والفن والعلوم التجريبية، بل تخلفوا عن الركب حتى في مجال الحديث والرواية فلم تجد لهم دوراً، وإنما دونت مصادر الحديث الكبرى الشيعية والسنية من قبل محدثين إيرانيين كبار كالبخاري ومسلم النيسابوري والنسائي وأبي داود وابن ماجة والشيخ الطوسي وابن بابوية القمي والكليني الرازي. بل حتى اشهر المحدثين الوهابيين المعاصرين وأكثرهم نشاطا ( الشيخ ناصر الدين الألباني) لم يكن من ابناء الحجاز بل هو مواطن الباني ترعرع ونشأ في سوريا.

 فلم يكن السعوديون يمثلون رقما يحسب له حسابه، وقد اختاروا الاصطفاف إلى جانب اعداء الثورة الاسلامية بعد نجاحها عسى أن يكونوا لهم عونا في المواجهة معها، ولم تؤهلهم التركيبة السياسة بالتصدي المباشر للجمهورية الا إنهم يحسنون تحرير الشيكات للحرب بالوكالة.

 وقد تفضل جناب الدكتور هاديان بأنّ السعوديين القوا بمسؤولية تأمين الأمن القومي على كاهل الاغيار واعتمدوا في ذلك على الاجانب، وأنا أضيف هنا أن الأمر لم يقتصر على ذلك بل ربطوا حياتهم كلها بالاجنبي، وهذا ما لمسته من خلال وجودي في المملكة السعودية سنين متمادية ورأيت كيف خلق منهم الامريكان مجتمعا اتّكاليا مستهلكا اعتاد الاسراف والتبذير، واستمرء الاعتماد على الامريكان.

 بل قد سرت تلك العدوى الى الجانب العسكري أيضا، فانهم ورغم امتلاكهم لأرقى المعدات العسكرية ولكنهم يجهلون إدارتها والتحكّم بها، حيث تراهم يستأجرون طيارين للتحليق بمقاتلاتهم بمرتب شهري يصل الى 25 الف دولار، وتصوروا مدى التضحية والفداء الذي يتحلى به ذلك الطيار المستأجر وليست النائحة كالثكلى كما يقول المثل العربي!!!

 فلنلاحظ مدى نجاح السعودية في حربها التي شنتها على اليمن، فهل نلمس عملا عكسريا يشار إليه بالبنان قام به السعوديون؟! كلا، في مقابل بلد فقير يفتقر الى ابسط الإمكانات المادية والعسكرية كاليمن الذي فقد بناه التحتية الاجتماعية والاقتصادية المحدودة جداً والتي دمرها القصف السعودي. ومع ذلك نجد جماعة انصار الله الحوثيين قد تمكنوا من التمدد في الأراضي السعودية.

 إن الاداء العسكري السعودي في اليمين لم يكن بالشيء المهم رغم الترسانة الضخمة والاسلحة المتطورة التي تغص بها مستودعاتهم، ويكشف ذلك في الوقت نفسه عن غياب الذكاء اللازم لادارة المعركة.

 إنّ حكومة محافظة وكسولة لا يمكنها أن تدير معركة مباشرة معنا، نعم، هي تملك قدرة تشغيل المحاربين بالوكالة وتحرير الشيكات لمن يستعد لخوض حرب مع الجمهورية الاسلامية.

 خلاصة ما قلته: إن الهجوم السعودي الاخير لم يمكن منطلقا من الخشية على مصالحها، بل للحفاظ على البقاء. فقد بذلوا وطيلة قرابة الاربعة عقود أموالا طائلة لاسقاط النظام الاسلامي وإقصائه عن إدارة البلاد في إيران، الا أنهم اصطدموا بجدار سميك وتيقنوا في نهاية المطاف بعبثية تحركهم وأنه لاطائل من ورائه. وبالخصوص بعد الاتفاق النووي (برجام) حيث شعروا بنفاد مهتمهم الأمنية والسياسية في المنطقة، وأن اقصى ما رسمه لهم الغربيون من مهمة هو دور الداعم الاقتصادي وانهم بمثابة الصراف الآلي الذي يدفع بالاموال بطريقة تلقائية وآليه.

الدكتور جمشيدي: أودّ إضافة شيء لما تفضل به كل من الدكتور هاديان وحجة الاسلام زاهدي حول استعانة الحكام في السعودية بمصادر خارجية لتأمين أمنهم القومي، وهو أن الامر كما تفضلا به، فقد كانت هذه هي السياسة المتبعة سابقا، إلا أن التحول في الاستراتيجية الاميركية إقليميا وعالميا والذي يستلزم رسم ادوار جديدة للاعبين الاقليميين بما فيهم اللاعب السعودي، سيؤدي إلى زيادة في الصراعات والعنف في المنطقة، إذ اللاعب الاقليمي عندما يخرج من حالة الجمود سيرفع من وتيرة الصراع والتوتر في المنطقة.

 وعليه، فانّ تحقيق الاستعانة بمصادر خارجية، من زاوية ضعف الدور الامريكي إقليميا يسجل لصالح المنافع الإيرانية، ولكنه في الوقت نفسه يفرض على إيران كلفة زائدة. ومن هذا المنطلق اختلف السعوديون مع ترامب، حيث قرأوا المشهد بصورة اخرى معتقدين بأن ترامب بصدد تفكيك التحالفات التقليدية، والحال أنّ المصلحة السعودية تقتضي استمرارية تلك التحالفات ولكن مع تبدل في الأدوار.

 أما بخصوص دور الاتفاق النووي (برجام) فأعتقد إنّ كلّاً من الامريكان والحكام العرب والاسرائيليين يعرفون جيدا ماهية وحقيقة الاتفاق وما هي أهم بنوده، مع الاخذ بنظر الاعتبار أن المشهد والفضاء الإعلامي يختلف مع الفضاء الأمني والاستراتيجي والسياسي. أنا اقبل بأنهم في المشهد الاعلامي سعوا في برهة زمنية للتخفيف من خطاب إيران فوبيا، وفي برهة أخرى منحوا إيران صورة الدولة الداعية الى العقلانية والمطالبة باعتماد الدبلوماسية كسبيل للمعالجة، إلا أن ذلك لا يؤمن مصالحنا وأهدافنا الاستراتيجية، لأنهم يدركون جيداً ماذا يفعلون وفي أيّ دائرة يتحركون.

 الأمر الآخر قضية كامب ديفيد 2015م والتي لم يتم التعرض لها. إن التعاون العربي الامريكي يهدف بالأساس لعسكرة إيران بعد إظهارها بمظهر العنصر المهدد للمنطقة، وفي الحقيقة إن محور الرؤية الاستراتيجية لمعاهدة كامب ديفيد تكمن في تصوير إيران على أنّها مصدر تهديد، والدعوة الى تجميع الطاقات والتعاون بشتى الوسائل لكبح جماح هذا التهديد المزعوم، وأن ترسم الاستراتيجية الأمنية إقليميا وفقا لهذا التصوّر. والأهم من ذلك كله، أن على دول الاقليم أن تعي بأنّ مراكز القرار الامريكي ترى المنطقة في طور التحول وأنها تعيش حالة انتقالية، الأمر الذي يتطلب إقامة نظام جديد يستند إلى الفكرة القائلة بأن التهديد الإيراني هو المفهوم الاستراتيجي.

 وهذا لايعني اننا فرغنا من الجانب الأمني، بل يحاولون استغلال ملفنا الأمني كورقة لتشديد الضغط علينا ضمن التحالفات.

الدكتور متقي: هناك سؤال يطرح نفسه وهو: هل عزز الـ «برجام» من أمننا القومي أم خفض ذلك؟ انا أقرأ القضية وفقا لنظرية مرشايمر من زاوية العلاقة بين القدرة والهيكلية الاقليمية والدولية. من هنا إذا أردنا تحليل الأسباب التي تقف وراء انتهاج السعودية سياسة العداء ضدنا، فلابد من البحث عن علته الرئيسية التي تكمن في أننا قد أبدينا استرخاءً وضعفا في ردّة الفعل في الحقلين السياسي والأمني. ومن الطبيعي كلما تراجعت خطوة الى الوراء زاد المنافسون في شروطهم وشددوا من مواقفهم، ولاشك أيضا أن الموقف السعودي العدائي المتصاعد ناتج من التراجع الذي أبديناه إبّان مراحل التفاوض النووي [البرجام].

الدكتور هاديان: تختلف العسكرة مع رفع مستوى الأمن أو خفضه، هؤلاء سعوا لإظهار حالة العسكرة بالنسبة لنا.

مدير الحوار: لم يكن موضوع بحثنا منصبّا بالاساس على الـ [برجام] والاتفاق النووي، وأنما محور السؤال يدور حول انعكاس الاتفاق المباشر على السياسة الخارجية السعودية وعدمه؟ فهل السعودية- وكما تفضل الدكتور متقي- رأت- كلاعب اقليمي- أن سياسة تشديد الضغط على إيران هي الانجع لابتزازها وتحصيل المزيد من التنازلات منها، فاختارت لغة التصعيد العدائي؟ أم أن القضية- كما يقول الدكتور هاديان- تكمن في أنّ السعودية رصدت الاستدارة الامريكية من دائرة المواجهة مع إيران الى دائرة الحوار بل التعاون معها، فقررت التحرّك بالاتجاه المعاكس للضغط على الامريكان للتحرك في هذا اللغز.

الدكتور هاديان: خلاصة هذه الرؤية تكمن في أن السعودية لما وجدت الفرصة الاستراتيجية انخفضت بالنسبة الينا، رأت نفسها أمام فرصة - بسبب انخفاض منسوب المواجهة- لتحقيق مصالحها، وثانيا إنها رأت في النمط السلوكي المعتمد لدينا نقطة ضعف تكمن في أننا نبدي المزيد من التنازل ونتراجع أمام عامل الضغط، لذا صعّدت من لغتها العدائية وزيادة الضغط لتقديم التنازلات لها.

 أنا أرى الواقع يشير إلى عكس ذلك، وأنّ السعودية لما رأت أننا خرجنا أو في طريقنا الى الخروج من وضع العسكرة سعت وبمعية إسرائيل من خلال تأزيم الاجواء لاعادتنا الى ذلك الفضاء السابق.

الدكتور جمشيدي: لقد ألقت السعودية- شأن الامريكان- بكل ثقلها في تشديد الحصار المفروض علينا وقد لاحقتنا في جميع الاسواق التي تتعاطى معنا مخيّرة إيّاها بين التعامل مع إيران أو المملكة، مستفيدة من نفس الاسلوب الامريكي المعتمد فيما قبل البرجام. بل لم يكن نمطها هذا فقط وانما كان اسلوبها كذلك حيث عمدت الى تشكيل تحالفات عربية اقليما وثانيا ازدواجية الاقتصاد.

الدكتور هاديان: لماذا؟ لانها رأت اننا اصبحنا في طريق الخروج من وضع العسكرة، وعليه بذلت قصارى جهدها لإبقائنا في ذلك الفضاء الأمني.

الدكتور متقي: تفضل الدكتور هاديان بأنّ الامريكان لاعب قادر على عسكرتنا او العكس، وأنا بدوري أوافقه الرأي، فإنّ قسما من الخلافات بين السعودية وإيران يعود ماهويا لطبيعة الهيكلية الدولية. فالمسالة السورية واليمنية وموقف السعودية من إيران في الساحة العراقية تعكس وبوضوح أنّ إيران والسعودية ليسا هما طرفي اللعبة، بل أن قسما منها يعود لطبيعة هيكليّة النظام العالمي. ومعنى ادعاء انتقال إيران الى دائرة غير أمنية بأنها خرجت عن كونها لاعبا منافسا للولايات المتحدة، وأنها في طريق التحول الى لاعب غير منافس ولا يشكل تحديا أمنيا لها. ولكن ليس من السهل حصول هذه الحالة.

 إن البلد الذي لا يمثل من وجهة النظر الامريكية تحديا أمنيا لهم هو ذلك البلد الذي لا يملك الأدوات اللازمة للتحدي. بينما الأحداث الجارية في المنطقة تكشف بوضوح تام أن إيران لا تملك تلك الادوات فقط بل هي قادرة على استخدامها. وبنظرة عامة اذا أردنا أن نجمع بين هذا الادعاء والواقع الميداني لابد من القول بأنّ الامريكان يقومون بإدارة الفوضى والشغب والسعوديون يقومون بتنظيمها.

مدير الحوار: يمكن اجمال خلاصة الحوار، بتأييد فرضية تاثر السياسة الخارجية السعودية خلال هجومها الاخير بالسياسة الخارجية الامريكية إقليميا. لكن الخلاف في كيفية ذلك التاثير فهناك من الاساتذة من يؤمن بوجود علاقة مباشرة بين هذين المتغيرين، يعني أن الساسة السعوديين رسموا سياستهم على أساس الدور الامريكي الاخير خصوصا مرحلة ما بعد البرجام، وحددوا حلفاءهم انطلاقا من هذا المتغير، بل دخلت السعودية في مفاوضات حول هذه القضية في بعض الاجتماعات السياسية كما في كامب ديفيد 2015م، في حال القيام بعمل عدائي هجومي ضد إيران. فيما ذهب فريق آخر من الاساتذة الى القول بأنّ هذا السلوك وإن كان مرضيا بنفسه من قبل الامريكان لتحجيم الدور الإيراني، لكنه لم يفرض على السعوديين من قبل الادارة الامريكية، بل السعودية تحركت انطلاقا من رصدها للاحداث ورؤيتها للمعادلات الإقليمية والاتفاق النووي Brjam ودوره في تحسين الوضع الأمني في إيران، فعمدت لتعويض خسارتها باختيار هذا الإجراء العدائي.

 وبغض النظر عن تاثر السياسات الامريكية الإقليمية وتأثير ذلك على شدة الصراع بين إيران والمملكة العربية السعودية وضعفه، فان أغلب الأساتذة أكدوا على محورية التضادّ ودور الفوارق الماهوية على صعيد كل من التركيبة السياسة والاجتماعية والاقتصادية للبلدين، وتاثيرها في أصل نشوب الصراع بين الدولتين من جهة وتحديد النتيجة النهائية لهذا الصراع المتمثلة بتصاعد وتيرة العداء من ناحية أخرى.

 بطبيعة الحال، يبقى موضوع نوع العلاقة الأميريكية السعودية ورؤية البيت الابيض للنتائج السياسية المترتبة على العدوان السعودي ضد إيران، بحاجة الى لقاء مفصل لتحليل أبعاد وزوايا القضية وهذا ما نتعرض لله إن شاء الله في اللقاءات القادمة، مع فائق الشكر والاتمنان للاساتذة الكرام


قراءة: 967