فصلنامه مطالعات سیاست خارجی تهران
 

علاقات السعودية مع الکيان الصهيوني بدءاً من التاريخ، مروراً بالأرضيات و وصولاً إلي التطبيع

سعدالله زارعي

الملخّص

 يأتي الإعلان عن العلاقات السعودية الإسرائيلية كتابع لانكشاف دور الرياض المخرب في المعادلات الإقليمية. ورغم أن رجال السعودية كانوا دائما يلعبون دوراً في أغلب الأزمات الأمنية  والسياسية في العالم الاسلامي  إلاّ أن المحافظة علی سمعة السعودية ودورها المركزي في العالم الإسلامي كان يفرض عليهم أن يمثلوا دور الوسطية في الصراعات الجارية في العالم الإسلامي، وبخاصة الصراعات في الدول ذات الأغلبية السنية. ولذلك كانت السعودية تعتبر مكاناً لحل النزاعات بين التيارات الفلسطينية أو المصرية او السودانية بغض النظر عن ألاعيبها الخفية لتقوية تيار ضد آخر.

وبعد ظهور تطورات مهمة في الدول العربية منذ أواخر ٢٠١٠ والتي حصلت خارج إطار الإراده السعودية، وإرادة الأنظمة المشابهة لها في العالم العربي، تركت السعودية التي أخذت تشعر بالتهديد الجادّ جانب الوسطيه لتتحول الی طرف أمني في النزاعات. ومما يدل علی ذلك التدخلات الأمنية السعودية في مصر في عهد مرسي أو في ليبيا والبحرين واليمن.

إن إنکشاف  العلاقات مع الكيان الصهيوني يعبر في الحقيقة  عن وسيله للتعويض عن الضعف الذي أصيب به حكام السعودية من جراء فقد الإدارة الأمیريكية و الدوائر الغربية تأثيرها علی احتواء الحراك الشعبي في دول المنطقة.

وعلی هذا الأساس بالذات، قام حكام تل أبيب بمناورة التطبيع مع عواصم الدول العربية كحل لمشكلة  شعور الغرب وغيره بضعف اسرائيل في المنطقة، ولذلك أكدوا تعرية علاقتهم التاريخية مع السعودية وبعض الدول المسلمة في شرق أفريقا.

 

الكلمات الأساسیة: السعودية،الكيان الصهيوني، التطبيع، التكتلات الإقليمية.

المقدمة

 وفقا للوثائق القویة الموجودة، یکاد لا یشکّ باحث في أن استلام آل سعود للسلطة فی مطلع القرن العشرین و حكمها لبلد مترامي الأطراف یتمتّع بموقع إستراتیجي، قد جاء بخطّة أجنبیة ترمي إلی هدفین. الأول: القضاء علی الإمبراطوریة الوحیدة للمسلمین والثاني: التمهید لامبراطوریة یهودیة تعزّز مکانة الغرب في العالم الإسلامي. ثمّة علاقة مباشرة بین استیلاء آل سعود علی نجد ومن ثمّ شبه الجزیرة العربیة وبین السیاسات البریطانیة التي کانت تهدف الی القضاء علی الإمبراطوریة العثمانیة. قبل الحرب العالمیة الأولی کانت بریطانیا تطمح الی بسط نفوذها في غرب آسیا الا أن الإمبراطوریة العثمانیة و علیالرغم من الضعف الذي کان قد أصابها، استطاعت أن تستغلّ النظرة المتشائمة للمسلمین تجاه بریطانیا وتجعلهم یحبطون محاولاتها للاستیلاء علی العالم الإسلامي. حاولت بریطانیا في بادئ الأمر إقناع الإمبراطور العثماني السلطان عبدالحمید بأن یساعدها علی تنفیذ مشاریعها في العراق وفلسطین إلا أنّ هذه المحاولات قد باءت بالفشل إذ وقف السلطان عبدالحمید معارضا لاستقلال العراق أو بعبارة أخری عارض إضفاء الطابع القانوني علی استیلاء بریطانیا علی جزء من المناطق الخاضعة للإمبراطوریة العثمانیة کما أنه لم یوافق علی تنفیذ المشروع البریطاني في فلسطین والذي کان یهدف الی السماح للوکالة الیهودیة بالنشاط في فلسطین. لذا فالتجأت بریطانیا الی حلّ آخر وهو إثارة الشغب في الدول العربیة، فلکي تحقق هذا الهدف دخلت في مفاوضات مع حکّام نجد أفرزت إعراب آل سعود عن استعدادهم للانفصال عن الدولة العثمانیة ووعدهم بالمساعدة علی اقامة الیهود المهاجرین في فلسطین. وفي المقابل قدّمت بریطانیا لآل سعود مساعدات عسکریة و مالیة مکّنتهم من السیطرة الکاملة علی منطقة نجد والتي تشکّل الیوم غالب منطقة الریاض ومنطقة القصیم و منطقة حائل واستمرّت هذه المساعدات حتی استطاع آل سعود أن یبسطوا سیطرتهم علی جمیع الأجزاء الشرقیة والجنوبیة والغربیة والشمالیة لشبه الجزیرة.  و وفق الوثائق التي خلّفها حکّام نجد فإنّ آل سعود هم الذین أضفوا الشرعیة علی إحتلال الیهود للأراضي الفلسطینیة وسهّلوا ذلک بحجة أنهم مشرّدون ویستحقّون من المسلمین الشفقة والإعانة مما ساعد بریطانیا علی أن توهِم للعالم بأن المسلمین إتّفقوا مع المجتمع الدولي علی إقامة الیهود الأجانب في فلسطین. هذا مع العلم بأن فلسطین ومنذ بدایة العشرینیات من القرن ال ١٨ کانت تحت الانتداب البریطاني حیث وقّعت بریطانیا وباسم الشعب الفلسطیني اتفاقا مع الوکالة الیهودیة لنقل الیهود الی فلسطین وتسلیحهم بذریعة حمایتهم من هجمات المعارضین العرب. إنّ الجنرال "النبي" الذي کان قد تمّ تعیینه حاکما لفلسطین، کُلّف بإعادة الأراضي الفلسطینية إلی سکانها العرب بعد انقضاء مدة الانتداب و ذلک وفقا للقوانين العرفية والحقوق الدولیة ومن الجدیر بالذکر أنّ الفلسطینیین المسلمین کانوا یشکلون غالبیة سکان هذا البلد في ذلک الوقت فیما کان کلّ من المسیحیین والیهود في المرکز الثاني والثالث من حیث العدد. ولکن حینما حان الیوم الأخیر للإنتداب سمحت بریطانیا للوکالة الیهودیة بأن تعلن عن إقامة الدولة الیهودیة في فلسطین.

 في هذه الفترة أي من عام ١٩٣١ حیث کان آل سعود قد استولوا علی کامل أراضي شبه الجزیرة العربیة إلی عام ١٩٤٨، لم یغضّ النظام السعودي الطرف عن الفظائع التي ارتکبتها بریطانیا و الوکالة الیهودیة فحسب وإنما مهّدت باسم المسلمین لإقامة الیهود المهاجرین الذین کانت تتم حمایتهم من منظمات شبه عسکریة مخیفة مثل "الهاغاناه" في الأراضي الفلسطینية وذلک بحجة إقرار الأمن وملء الفراغ القانوني، الأمر الذي شکل عائقا أمام المسلمين فی الدفاع عن حقوق الفلسطینیین. بعد إقامة الدولة الیهودیة في فلسطین تظاهر آل سعود بأنهم یعارضون تهوید فلسطین إلا أنهم في واقع الأمر لم یخطوا أي خطوة جادة في سبیل القضاء علی هذه الدولة و أحد الأدلة المثبتة لهذا الکلام هو أن أول من اقترح التسویة الفلسطینیة الإسرائیلیة في الفترة مابین ١٩٤٨ و ١٩٨٢ هو الملک فهد الذی کان حینها متبوّئا لمنصب ولایة العهد ولم یتوقف الأمر عند هذا بل تجاوزه إلی عدم تعاون الملک فهد مع الجیوش العربیة لتحریر فلسطین من الکیان الصهیوني. یذکر أنّ الملک قام بفرض عقوبات نفطیة علی الغرب ولمدة قصیرة و ذلک بعد أن ألحق الجیش المصري ضربات قاصمة بإسرائیل عام ١٩٧٣. إن اغتیال ملک السعودیة فیصل بن عبدالعزیز عام ١٩٧٥ علی ید أحد الأمراء السعودیین یکشف عن أن فرض العقوبة النفطیة علی الغرب لم یأتي بقرار من النظام السعودي وإنما کان قرارا انفرد الملک فيصل باتخاذه. منذ عام ١٩٨٢ إلی یومنا هذا والسعودیة تساهم في جمیع مشاریع التسویة العربیة والغربیة مع الکیان الصهیوني بما فیها اتفاقیة أسلو ومدرید اللتین تم توقیع کل منهما عام ١٩٩١ و عام ١٩٩٣ و مؤتمرات السلام و... وفضلا عن ذلک فإنّ هناك وثائق هامة تثبت بأن الحروب التي شُنّت ضد أبناء غزّة العزّل بدءا من حرب ال ٢٢ یوما مرورا بحرب ال ٨ أیام و ال ٥١ یوما وصولا الی حرب ال ٣٣ یوما و التي شُنّت ضد الشعب اللبناني، قد جاءت کلها بطلب وتمویل من السعودیة. عندما تعرّضت إسرائیل للعتب والضغوط جرّاء المجازر التي ارتکبتها خلال الحرب ال ٥١ يوما بحق الشعب الفلسطینی لاسیما المذابح التي اقترفتها في مخیم أونروا للنازحین، أعلن أحد کبار المسئولین الاسرائلیین بدفع السعودیة جمیع نفقات الحرب الی الجیش الإسرائیلي. هذا بالإضافة إلی أن السعودیة قد بذلت قصاری جهودها من أجل إسقاط الحکومة السوریة وذلک بعد الأزمة السوریة عام ٢٠١١ علما بأن الحکومة السوریة کانت تُعتبر الحکومة الوحیدة التي تتحدّی وجود إسرائیل واقتدارها الزائف لذا فإن إسقاطها لم یکن بمصلحة أیّ من جیرانها العرب وغیر العرب حتی باستثناء الکیان الصهیوني.

التطابق السیاسي أوسیاسة التطابق

 من الأمور التي تؤخذ بعین الاعتبار في تکوین الأنظمة التي تملک طبائع مغایرة أو متنافرة ولکنها في نفس الوقت تلتقي في بعض القضایا الاستراتیجیة، هي الظروف البیئیة. ومن ثمّ فإنّ بعض الخبراء في علم الجغرافیا یعتقدون بنظریة "الجبر الجیوسیاسي" والتي تقول بإنّ ما یدفع بالدول لإنشاء العلاقات السیاسیة مع بعضها هي التحدیات المشترکة ولیس المصالح المشترکة.من هنا یتضح سبب لجوء کل من السعودیة وإسرائیل إلی بعض الدول العظمی إذ إنّ النظام السعودي والکیان الصهیوني واجها منذ نشوءهما أحداث ومواقف جعلتهما یشعران بالضعف، فلکي یحافظا علی بقائهما أضطرا للجوء إلی القوی العظمی وبناء علاقات معها.

 لقد تمّ إنشاء النظام السعودي الحالي عام ١٩٣١ وذلک بعد تخطّی صراعات داخلیة وخارجیة عدیدة وذلک بفضل جهود القیادة البریطانیة في شبه الجزیرة العربیة الجنرال لورنس.

 وبعدما تمّ إنشاء النظام السعودي واجه آل سعود ثلاث موجات. أولها الموجة الشیوعیة والتي نشأت فور انتهاء الحرب العالمیة الثانیة  واستطاعت أن تؤثّر علی بعض الدولیة العربیة والثانیة هي الموجة التي أثارها الرئیس المصري جمال عبد الناصر في الخمسینیات من القرن التاسع عشر ما أسفر عن إسقاط النظام العراقي واللیبي والجزائري والیمني والسوري.

 استطاعت السعودیة ومن خلال الاتّکال علی بریطانیا وأمریکا أن تنجوا بنفسها من هاتین الموجتین ولکن الموجة الثالثة والتي ثارت عبر الثورة الاسلامیة الایرانیة عام ١٩٧٩ ترکت أثرا عمیقا علی الدول العربیة بما فیها السعودیة حیث لم یغني الاتکال علی أمریکا عن السعودیة شیئا. و من منجزات الثورة الاسلامیة الأخری هي أنّ القضیة الفلسطینیة التي کانت في صمیم مبادئ الثورة الاسلامیة أخذت هي الأخری صبغة اسلامیة وثوریة و ذلک بعد أن أدارت مصر و الأردن ظهرهما لهذه القضیة. أمّا النظام السعودی فلم یکن یمثّل لا الإسلام ولا الثورة فبالتالي عمل هذا النظام الخیث الذي کانت له علاقات سریة مع الکیان الصهیوني علی استخدام جمیع طاقاتها و کذلک طاقات المنظمات الإقلیمیة التابعة لها کجامعة الدول العربیة و منظمة المؤتمر الاسلامي في سبیل عرقلة تحریر فلسطین و ذلک عبر اقتراح التسوية الفلسطینیة الإسرائیلیة، إلا أن جمیع هذه الجهود باءت بالفشل.وتزامنت هذه الهزائم المتکرّرة التي منیت بها مبادرات التسویة العربیة الغربیة مع تقرّب السعودیة الی إسرائیل شیئا فشیئا حیث بلغ هذا التقرّب مبلغا یمکن أن نعبّرعنه الیوم "بالتطابق السیاسي" و في المقابل واجه الکیان الصهیوني الذي تمّ إنشاؤه بعد ١٧ سنة علی تأسیس السعودیة و ذلک بجهود بریطانیة و أمریکیة، واجه منذ نشوءها أزمة إقلیمیة، من مظاهرها الحروب التي اندلعت بینها وبین الدول العربیة البارزة في أعوام ١٩٤٨ و ١٩٥٦ و ١٩٦٧ و ١٩٧٣.

 یُذکر أن الکیان الصهیوني أیضا لم یسلم من الموجات الثلاثة المذکورة (الموجة الشیوعیة والاشتراکیة والاسلامية) حیث لجأت الی نفس ما لجأت إلیه السعودیة للحفاظ علی بقائها، فضلا عن أنها حاولت و من خلال الإتکال علی أمریکا أن تحتوي الموجة الیساریة العربیة و قد نجحت فعلا في تحقیق هذا الهدف. أمّا الموجة الاشتراکیة العربیة بقیادة جمال عبدالناصر فقد اضطرّت إسرائیل أن تدخل معها في حرب طاحنة انتهت بانتصار إسرائیل وکانت الإتفاقیات التي تمّ توقیعها کاتفاقیة کامب دیفید والتي وُقّعت بین اسرائیل و مصر و کذلک معاهدة وادي عربة بین اسرائیل والأردن، بمثابة نقطة النهایة للموجة الاشتراکیة.

 

ولکن انتصار الثورة الاسلامیة

 علی أعقاب تغلّب اسرائیل علی الحرکة الاشتراکیة، جعل اسرائیل فی أزمة اذ عملت الثورة الاسلامیة علی توسیع الرقعة الجغرافیة للمقاومة لتشمل العالم الاسلامي برمته من جهة و من جهة أخری تعاملت مع الغرب تعامل الند بالند و ذلک لضمان بقائها ودیمومتها أولا و تحدّي الداعمین الأجانب لهذا الکیان الغاصب ثانیا. ومن ثمّ فإنّ تل أبیب لم تعد قادرة علی الاعتماد علی الدعم الغربي للتخلص من هذه الموجة الاسلامیة فلم یبق أمامها خیار للتغلب علی هذه الموجة سوی انشاء العلاقات مع الدول العربیة وتنمیتها وکان لدیها غرضان من وراء هذه العلاقات. الغرض الأول هو التعاون الأمني والاستخباراتي مع الأنظمة العربیة التي تتخوف مما يسمى التحدیات الحیویة الناجمة عن الثورة الاسلامیة الایرانیة والغرض الثاني هو الاستعانة بالدول العربیة من أجل وضع حد لمشروع تحریر فلسطین. قبل الثورة الاسلامیة الایرانیة کانت إسرائیل تشعل حربا مع الدول العربیة کل عشر سنوات وتوطّد بذلك أرکانها وتتعاظم، ولکن بعد انتصار هذه الثورة المبارکة أوقفت اسرائیل هذه الحروب و بادرت بالاتفاق مع الدول العربیة وذلک لاستغلال المناخ المؤاتي الذي یتوفّر لها بسبب هذا الاتفاق.

 وفي عام ١٩٨٢ وبینما کانت الدول العربیة تعیش صمتا مطبقا اذا باسرائیل شنّت هجوما علی لبنان وسیطرت من خلاله علی الأراضي اللبنانیة وصولا إلی بیروت الا أنها وبعد ١٤ سنة من الاحتلال أضطرّت للانسحاب دون أن یکون قد بقي شبر واحد من الأراضی اللبنانیة تحت سیطرتها وبالتزامن مع ذلک رأت الدول العربیة نفسها أمام مفترق صعب حیث احتارت بین الاسلام الشیعي والاسلام السني مما أدی إلی نشوء منظمات اسلامیة و ثوریة من أمثال حماس والجهاد الاسلامي في فلسطین من جهة و تهمیش ایدئولوجیا الیسار العربي و الاشتراكية أي الموجة الأولی والثانیة من جهة أخری.

 في هذه الأثناء لم تجد اسرائیل أمامها إلا أن تستمدّ العون من الدول العربیة لذا فبدأت بتعزیز علاقاتها مع القاهرة والعمان والدوحة و... الی درجة أنّ بعض هذه الدول لم تتورّع عن تقدیم الدعم لإسرائیل في الحروب التي شنّتها ضد الفلسطینیین وسکان غزة والضفة الغربیة.

 فنستنتج مما تقدم أنه کما أن السعودیة سعیت جاهدة لمطابقة سیاساتها مع الکیان الصهیوني بغیة التخلص مما یسمی تحدّیات الثورة الاسلامیة کذلک رأت اسرائیل أنّ التریاق الوحید لإبطال مفعول سمّ الثورة الاسلامیة حسب تعبیرها هو هذا التطابق السیاسي.

 

تاریخ علاقات السعودیة  مع الکیان الصهیوني

 ثمة صلة مباشرة بین علاقات السعودیة مع الکیان الصهیوني وبین ما جری فيالقرن العشرین من انهیار الامبراطوریة العثمانیة المسلمة ومن ثم انشاء الکیان الصهیوني الیهودي في فلسطین والدلیل علی ذلک هو التالي: بعد الحرب العالمیة الأولی قامت بریطانیا و فرنسا باقتسام الأراضي الخاضعة لسیطرة الدولة العثمانیة وذلک عقب نشوء حرکة قومیة في بعض ممالك الدولة العثمانیة بتحريض من بریطانیا ویذکر أنّ أول من أطلق هذه الحرکة حاکم مکة والمدینة حسین بن علي الهاشمي وذلک بتشجيع بريطاني. وقد جاء في رسالة کتبها السير آرثر هنري مکماهون إلی الشریف حسین: «نحن نعلن وبکل صراحة بأنّ المملکة البریطانیة ترحّب بانتقال الخلافة إلی عربي أصیل ینحدر من آل بیت الرسول» وبالتزامن مع هذه الرسالة کُلّف جون فیلبي الذي کان یُعرف في السعودیة بالشیخ عبدالله بأن یطلع آل سعود الذین کانوا یحکمون حینها منطقة نجد علی الخطّة. ومن هنا یمکن القول بأنّ تاریخ نشوء نظام آل سعود علی ید عبدالعزیز آل سعود ينضوي في إطار تاریخ الاستعمار البریطاني للمنطقة فإنّ بریطانیا التي تسبّبت في نشوء معارك دمویة بین جیش الشریف حسین والجیش العثماني بقیادة الفخري بدأت بتسلیح آل سعود بغیة القضاء علی الدولة العثمانیة وفي الأخیر استطاع وکیل بریطانیا کابتن ولیم شکسبیر عام ١٩١٣ أن یوظّف أبا الملک سلمان "عبدالعزیز" لیکون أداة بید بریطانیا. درّب شکسبیر جنودا وهابیین ونظّم جیشا عُرف بالإخوان واللافات في الأمر أنه قُتل شکسبیر مع سکرتیره بینما کان یقود جیش عبد العزیز الوهابي بتأریخ ٢٥ ینایر ١٩١٥ في حرب الجراب ضد حلفاء العثمانیین آل الرشید. وقبل هذه الحرب بقلیل تمّ توقیع معاهدة بین عبد العزیز و سربرسي کاکس أطلِق علیها اسم "دارین" أو"القطیف " والتزمت بریطانیا بموجبها أن تدعم آل سعود عبر إنفاق خمسین ألف لیرة علیهم سنویا وأن تسلّح الجیش الوهابي وتعید بناءه وذلک نظرا لنتیجة حرب الجراب. أمّاالبنود الأخری لهذه المعاهدة فکانت تنصّ علی وجوب تنسیق السعودیة مع بریطانیا قبل إنشاء أي علاقة خارجیة مع الدول الأخری وأن یلتزم عبدالعزیز بن سعود بعدم الإعتداء علی أي من الأراضي الخاضعة لسیطرة بریطانیا، مما کان یعتبر تصدیقا علی هیمنة الکفار علی الأراضي الاسلامیة بما فیها فلسطین. «لقد ذکر أول رئیس للجمهوریة في الکیان الصهیوني حاییم وایزمن في ذکریاته ملاحظة جدیرة بالاهتمام حیث قال :لقد خاطبني رئیس الوزراء في المملکة المتحدة ونستون تشرشل قائلا: «أرید أن أطلعک علی أنني قد أعددت خطّة سیتمّ تنفیذها بعد الحرب العالمیة الثانیة وهي أن نجعل من عبدالعزیز بن سعود سیّد الشرق وأعظم ملک فيه شریطة أن یکون علی اتّفاق وتنسیق معنا ومتی ما تمّ تنفیذ هذه الخطة علیکم أن تأخذوا منه کل ما یمکن أخذه ولاشکّ أنني سأساعدکم في هذا الأمر. حاولوا جاهدین أن یبقی هذا الأمر سرّا وأنا سأبلّغ الرئیس الأمریکي بهذه الخطّة فطالما أسعی أنا مع روزوفلت لتحقیق هذه الخطّة فلن یستطیع أحد أن یعرقل تنفیذها.» من الجدیر بالذکر أنه قبل تنفیذ هذه الخطة بسنوات أجری العقید إدوارد لورنس الذي عُرف فیما بعد بلورنس العرب، لقاءا مع والي مکة "الشریف حسین"وکذلک الملكين الأولين لكل من العراق والأردن" الملك فيصل" و "الملك عبدالله" (وهم لم يكونوا حينها من الملوك ) ووعدهم بملك الحجاز والعراق والأردن مقابل قیامهم ضد الدولة العثمانیة. فوافق الجميع علي ذلك بمن فیهم الشریف حسین وأولاده الذین حاربوا العثمانیین جنبا إلی جنب مع العقید لورنس البریطاني من دون أن یکونوا علی علم بإتفاق ثلاث دول في السّر علی اقتسام منطقة الهلال الخصیب وذلک ضمن اتفاقیة سُمّیت سایسس بیکو. إنّ لورنس الذي کان مواظبا علی لبس الزي العربي (الدشداشة) والتکلم باللغة العربیة، وعد نیابة عن رئیس المستعمرات البریطاني تشرشل الذي کان مقیما في القاهرة، الشریف حسین بالخلافة العربیة والاسلامیة وعبدالله بحکم الأردن وفلسطین و فیصل بحکم العراق. وفي حملة سیناء استطاع الجنرال ألنبي البریطاني انتزاع فلسطین والأردن من الجنود العثمانیین وفي الجبهة الجنوبیة أیضا تمت السیطرة علی کوت العمارة وبغداد حيث وقعت هاتان المدینتان بید بریطانیا وقوات لورنس وفیصل المشترکة. وفي نهایة المطاف أضطرّ الجیش العثماني للتراجع إلی القسطنطنیة (إسطنبول) ما أدی إلی سیطرة بریطانیا علی مدینة دمشق أیضا.

 الشیء الذي یلفت النظر هنا هو أن الهجمات التي شنّها آل سعود بالتعاون مع بریطانیا کانت موجهة ضد القبائل العربیة المسلمة.إذ إن إصدار تصریح بلفور کان مرهونا بتأجیج صراعات بین المسلمین وقد أسلفنا أن تواجد الجنود البریطانیین کان منحصرا في بعض الأجزاء من العراق والکویت والیمن أمّا الحجاز فکان یحترق بنیران حرب خطّط لها الإستعمار من أجل ضرب المسلمین بعضهم ببعض ولایخفی أن العالم الإسلامي لا یزال یشهد هذا التدخّل من قبل المستعمرین في شؤون البلدان الإسلامیة.

تقدیم المساعدات الخاصة من قبل آل سعود للکیان الصهیوني من أجل الاحتلال

 عندما بلغ خطر احتلال الوکالة الیهودیة لفلسطین مبلغ الجد أبدی المسلمون ولاسیما الفلسطینیون العرب ردود أفعال عارمة حیث أطلقوا حرکات فاعلة ومؤثرة کحرکة القرویین بقیادة عزّالدین القسّام أما السعودیة فکانت تحاول تهدئة الأجواء السائدة علی المسلمین وتطمینهم وذلک لرفع العقبات التی کانت أمام إقامة الدولة الیهودیة. في هذه الأثناء کلّف الملک عبدالعزیز ابنه فیصل الذي تربّع فيما بعد علی عرش الملک بأن یجري لقاءا مع القادة الفلسطینیین في مدینة قدس ویطمئنهم علی أن خطوات الزعماء العرب ستکون کفیلة بحل مشکلة الفلسطینین یقول فیصل: «حین أرسلني أبي عبدالعزیز لتنفیذ هذه المهمة شعرت بالفرح لسببین. الأول زیارة مسجد الأقصی و أداء الصلاة في بیت المقدس والثاني اللقاء مع الثوار وتبشیرهم بأن جهودهم لن تذهب سدی وأن ثورتهم ستنجح في إثارة اهتمام صدیقیتنا بریطانیا العظمی فقد أکّد أبي الذي یعیر اهتماما کبیرا بالقضیة الفلسطینیة علی أن آمال الشعب الفلسطیني لن تتبخّر. فانطلاقا مما لمسته لدی بریطانیا من صدق النیة أستطیع أن أقسم لکم بالله أن بریطانیا صادقة في وعودها التي قطعتها علی نفسها وستکون مصمّمة علی حل مشکلة فلسطین.» تزامنا مع ما کان یجري في الحجاز تمت إثارة أجواء نفسیة معقدة في فلسطین وذلك من أجل تعوید الناس علی تواجد الصهاینة في العالم الإسلامي وکذلک ایهامهم بأن تواجد الیهود في فلسطین سیکون لصالح العرب والمسلمین علی حد سواء و کمثال علی هذه الخطوات المشؤومة التي لا حصر لها يمكن أن نشیر إلی الکتاب الذي ألّفه الدکتور یوسف کلاونز تحت عنوان "کلمة الحق والسلام في خوف العرب من الصهیونیة" وقد تمت ترجمة هذا الکتاب إلی العربیة علی ید «نسيم أفندي ملول" (١٨٩٢-١٩٥٩) ونشرته مطبعة الجریدة نفسها في مدینة قدس. كان الدکتور نسیم أفندي ملول قطبا من أقطاب الصهیونیة العالمیة و رئیس جمعيتي "النهضة الإسرائیلة" و"الإخوة الیهود"في القاهرة وکذلک صاحب الجریدة الصهیونیة التي تحمل عنوان"السلام". لقد کانت المهمة الرئیسیة للدکتور ملول هي تهیئة الرأي العام لتقبل تواجد الصهاینة في البلدان الإسلامیة وقد أشار الدکتور کلاونز في کتابه إلی أنه یفترض علی الفلسطینیین أن لا یتخوّفوا من النهضة الصهیونیة بل ینبغي علیهم أن یتفائلوا خیرا بهجرة الیهود إلی فلسطین و ذلک لما يجلبه اليهود معه من الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية فقصاری القول أنّ ما فعله "الدکتور ملول" و زملائه هو کان عبارة عن حركة ثقافیة عظیمة في فلسطین والقاهرة تهدف إلی تصویر أکبر خطر علی العالم الإسلامي علی أنه أکبر فرصة تاریخیة متاحة للمسلمین. ومن هنا یتّضح سبب عدم مبالاة زعماء السعودیة بمقتل الفلسطینیین بینما کان ذلک يجرح مشاعر المسلمين. یشیر رجل یدعی "جان فیلبي" وهو من مهّد لسفر "سمحا إیرلخ" إلی الریاض عام ١٩٤٥ م إلی إحدی ذکریاته ویقول: كان إیرلخ أحد أعضاء الکتائب الإرهابیة التي تعمل علی قتل الفلسطینیین وکان یشرف علیها مناحم بیجن لذا فنظرا إلی هذا السجلّ الأسود لإیرلخ کان من الطبیعي أن یصبح فيما بعد أحد کبار المسئولین في إسرائیل. کان أحد أهداف ایرلخ من سفره إلی الریاض أن یستوضح الملک عبدالعزیز عن سبب وعده بمساعدة الفلسطینیین و تقدیم الدعم العسکري لهم إذ کانت هذه الوعود التي قطعها الملک عبدالعزيز علی نفسه بمثابة مخالفة لالتزامات آل سعود تجاه بریطانیا. ففي اللقاء الذي أجري بینهما بیّن الملک عبدالعزیز خطّة حکومته من خلال جملة واضحة وهي: «لا تنتظروا منا أن نتحدّث مع العرب عمّا نقدّمه من دعم ومساندة للدولة الیهودیة» لقد کتب أحد المحرّرین لصحیفة "الشعب" المصرية شارل أیوب في مقال له نتائج دراسته لحکومة آل سعود الذین امتدّ تربعهم علی عرش الحکم نحو ثمانین سنة و استند في مقاله الی نصّ معروف کتبه مؤسس المملکة العربیة السعودیة عبدالعزیز بخط یده وقال: الیوم یرید آل سعود أن یدافعوا عن العروبة وهم قد إرتکبوا جریمة تجاهل فلسطین وتقدیمها للیهود علی طبق من ذهب فهل یوجد حتی عربي واحد یجاري آل سعود في اقتراف هذه الجریمة النکراء.؟!» لقد استمرت جرائم آل سعود وجهودهم لتوطید أرکان الکیان الصهیوني إلی درجة أنه کتب الملک فیصل في ال ٢٧ دیسمبر عام ١٩٦٦ (أي قبل سنة من اندلاع حرب ال ٦ أیام بین العرب وإسرائیل) رسالة إلی "لیندون جانسون" و وصف فیها دولة مصر بأنها العدو الأکبر للسعودیة وأمریکا ثمّ اقترح علی أمریکا أن تساند إسرائیل من أجل شنّ هجوم خاطف ضد مصر واستهداف منشآتها الحیویة معتبرا أنّ الهدف من هذا الهجوم هو إلهاء مصر بإسرائیل لفترة طویلة واستنزافها وقال: ستسبّب هذه الخطوات أن لا تسعی مصر وراء الوحدة العربیة ثم أکدّ فیصل بن عبدالعزیز أنّ الهدف الثاني هو سوریا وقال: یجب أن لا تسلم سوریا من هذا الهجوم مع اقتطاع جزء من أراضیها کي لا تتفرّغ هي الأخری فتندفع لسد الفراغ بعد سقوط مصر. من الجدیر بالذکر أن هذه الوثائق قد تمّ نشرها عام ١٩٩٥ نقلا عن کتاب "عقود من الخیبة" للکاتب حمدان حمدان صفحة ٤٨٩ إلی ٤٩١. في عام ١٩٦٧ اندلعت حرب تعرف بحرب ال ٦ أیام حیث استطاع الکیان الصهیوني و بفضل الدعم المالي والعسکري الذي قدّمته أمریکا له، أن تحتل أجزاء من مصر و سوریا و الأردن فضلا عن احتلال غزة والضفة الغربیة.

 

تطبیع العلاقات

 لیس تطبیع العلاقات بین السعودیة واسرائیل موضوعاً جدیداً، بل تعود جذوره الی عهد رئیس الجمهوریة الأمیریکي فرانکلین روزفلت عام ١٩٤٥ حیث التقی "روزفلت" مع مؤسّس المملکة العربیة السعودیة عبدالعزیز بن عبدالرحمن فتمخّض اللقاء عن مقایضة بین الطرفین وهي أن تعطي السعودیة نفطها مقابل أن تضمن بریطانیا

 للسعودیة حمایة أمنها القومي وفضلا عن ذلک فقد شرح روزفلت للملک السعودي تفاصیل مشروعه لإقامة الدولة الیهودیة في فلسطین مشیرا إلی ضرورة الدعم السعودي لتنفیذ هذا المشروع.

لقد تحدّث رشید علي وهو خبیر في الشؤون العربیة عن طریقة هیمنة آل سعود علی جزیرة العرب بفضل دعم المستعمرین الغربیین کما شرح سبب إطلاق اسم السعودیة علی هذه الجزیرة ثمّ أشار رشید علی إلی العلاقات السریة والمعلنة بین السعودیة وقوات الاحتلال قائلا: لقد تحدث مقال تمّ نشره بجریدة یدیعوت أحرونت في شهر أکتوبر من عام ٢٠٠٦ عن اللقاء السري الذي أجري بین الملک السعودي السابق عبدالله بن عبدالعزیز ورئیس الوزراء الإسرائیلي إلا أن الجریدة لم تبح بطبیعة هذا اللقاء ومکانه لذا فمن الطبیعي أن تنفي السعودیة وجود هذا اللقاء.

 ویذکر أنّ أول من کشف وبصفة رسمیة عن علاقات السعودیة مع الکیان الصهیوني هو الملک فیصل وذلک فی عام ١٩٦٦ حیث التقی فیصل بالرئیس الإسرائیلي المقبور شمعون شازار في مطار لشبونة في البرتغال وذلک بذریعة الهبوط الاضطراری للطائرة السعودیة. وقد ألحق هذا اللقاء ضربة قاسیة بالفلسطینین والعرب في ذلک الوقت. بعد أن قُتل الملک فيصل عام ١٩٧٥، أخذ الملک خالد یسیر علی نهجه في مواصلة العلاقات مع الکیان الصهیوني حیث قال في أوائل استلامه للسلطة في لقاء مع جریدة واشنطن بوست: «نحن علی استعداد تام للاعتراف بإسرائیل کدولة رسمیة شريطة أن تعالج خلافاتها مع فلسطين وجيرانها.» أما في عهد الملک فهدد الذي خلف الملک خالد أقيمت علاقات السعودیة مع إسرائیل علی رکیزتین: الأولی التدخل الرسمي والجاد في الملفّ الفلسطیني أو بعبارة أخرى تسريع وتيرة محادثات السلام بین العرب وإسرائیل والثانیة تعزیز العلاقات الأمنية والعسکریة مع الجیش وجهاز المخابرات الإسرائلیین فتعززت فعلا هذه العلاقات إلی درجة أن الإعلام السعودي رفض بثّ الصور المتعلقة بالشعب اللبناني المظلوم إبان الهجوم الاسرائیلي علی لبنان. في عام ١٩٨١ وفي خطوة مفاجئة وغير متوقعة تقدّم ولي العهد السعودي باقتراح لتسویة النزاع بین العرب وإسرائیل.حیث أدّی هذا الإقتراح الذي عُرف بین العرب "بمبادرة فهد للسلام" إلی تنازل السعودیة عن سیاستها المعلنة والقاضیة بمعارضة وجود إسرائیل ومن ثم اعلانها بأنّ القضیة الفلسطینیة هي السبب الرئیس لحدوث الصراع بین العرب وإسرائیل.

 کانت مبادرة الملک فهدد للسلام متضمنة لثماني نقاط تناولت ستة منها طرق تسویة القضیة الفلسطینیة و نقطتان منها مسئلة التراجع عن مرتفعات الجولان کما أکدّت المبادرة علی أنه اذا أعربت إسرائیل عن استعدادها للتراجع إلی حدود ماقبل ١٩٦٧ وإقامة دولة فلسطینیة مستقلة عاصمتها القدس فحینئذ ستستطیع دول المنطقة أن تعیش في أمن وسلام.

 فعلی ضوء ما قلنا یتبیّن أنّ السعودیة كانت تنظر إلی الکیان الصهیوني طوال هذه السنوات علی أنه شعب یحق له أن یعیش في بلد مستقل وإن تسبّب ذلک في تجرید السکان الأصلیین لذلك البلد من حقوقهم. وفي نفس السیاق نشر عالم النفس الکویتي "نایف المطوع" وبطلب من السعودیة قصصا مصوّرة کثیرة محاولا من خلالها أن یخلق لدی الأطفال انطباعا ایجابیا تجاه إسرائیل وأن یجعلهم ینسون المجازر التي کانت و مازالت تُرتکب بحق الأطفال الأبریاء في غزة. ویذکر أن نشر هذه القصص قد تمّ بدعم من وزارة الخارجیة الأمریکیة حیث قدّر کلّ من باراك أوباما و هيلاري كلينتون في ضيافة رسمية فی القصر الأبیض جهود "نایف مطوع" في کتابة تلک القصص.

 ما ذکرناه هو غیض من فیض المعاناة التي یتجرعها الفلسطینیون من قتل الأطفال الأبریاء و... وأما ما یشکّل أهمیّة أکبر من کل ذلک هو الدور الذي لعبه حکام العرب ولاسیما آل سعود حیث کانوا یرفعون شعارات رنانة ترضي الرأي العام في المجتمع الاسلامي إلا أن هذه الشعارات لم ترتقي في یوم من الأیام إلی عمل بنّاء بل کان کله التدمیر والتخریب.

 

مبادرة الملک عبدالله

 أطلق الملک السعودي السابق عبدالله بن عبدالعزیز عام ٢٠٠٧ أي بعد عقدین من مبادرة الملک فهد، مبادرة أخری للتسویة العربیة الإسرائیلیة لم تکن تختلف عن مبادرة الملک فهد إلاّ في بعض الأمور البسیطة. فقد کانت لهجة مبادرة الملک عبدالله أکثر مروئة من سابقتها وفضلا عن ذلک فإنّ مبادرة الملک فهد کانت تنص علی وجوب دفع الغرامة علی اللاجئین بدلا من منح حق العودة لهم فما یفرّق هذا البند من المبادرة عن سابقتها هي التسامح في حلّ مشکلة اللاجئین حیث تکفي موافقة إسرائیل وحدها لعودة اللاجئین دون أن تکون هناك حاجة إلی التزام بجمیع بنود قرار الأمم المتحدة رقم ١٩٤. ولکن مبادرة الملک عبدالله والتي تمت الموافقة علیها في الاجتماع الذي أقیم ببیروت کانت تتضمن إجراءات صارمة بخصوص عودة اللاجئین اذ کانت تنص علی ضرورة حل مشکلة اللاجئین وفقا لقرارالأمم المتحدة رقم ١٩٤. إنّ مبادرة الملک عبدالله أخذت التطورات التي جرت بین العرب وإسرائیل بعین الاعتبار کما نصت علی ضرورة حسم النزاع وتوقیع اتفاقیة التسویة مع اسرائیل وتطبیع العلاقات معها في اطار سلام شامل بخلاف مبادرة الملک فهد التي کانت تؤکد علی أنه یمکن لدول المنطقة أن تعیش في أمن وسلام.

 

إخراج العلاقات من السر إلی العلن

 إنّ إقامة العلاقات في السر کانت استراتیجیة إتفقت علیها تل أبیب والریاض حیث کانت السلطات البریطانیة والأمریکیة رفیعة المستوی مثل ونستون تشرشل وروزفلت قد خططت لها قبل ما یقارب عقدا من تأسیس الکیان الصهیوني بصفة رسمیة. وفي السنوات الأخیرة من حکم الملک فيصل و ربما بدافع التغطیة علی العقوبة النفطیة التي فرضها الملک فيصل علی الغرب والکیان الصهیوني، أخرجت السعودیة علاقاتها مع إسرائیل من السر إلی العلن کما تنحّت عن الدفاع عن حقوق الفلسطینین إلا أن هذه العلاقات لم تبلغ مبلغ تبادل السفراء أو إجراء لقاءات رسمیة بین سلطات النظامین أمام عدسات الکامیرات وذلک لخوف السعودیین من ذلک.

 وقد بدأت المحادثات بین فلسطین والکیان الصهیوني عقب إتفاقیتي أسلو و مدرید حیث أوفد النظام السعودي عددا من المبعوثین من أجل المشارکة في هذه المحادثات التي أجریت برئاسة مسؤول الاستخبارات السعودیة بندر بن سلطان. وعلی هامش هذه المحادثات متعددة الأطراف أجریت لقاءات خاصة بین کبار المسؤولین الإسرائیلیین و بندر بن سلطان حیث تم نشر بعض ما جری فیها. أثناء حرب ال ٣٣ یوما أجری بندر بن سلطان لقاءا مع ایهود أولمرت و بالتزامن مع ذلک و فی خطوة مفاجئة للصحافة العربیة أجری الموقع السعودي "ایلاف" مقابلة مع أحد الضباط الأمراء الإسرائیلیین الأمر الذي اعتبره الخبراء في الشؤون الاقلیمیة خطوة هامة في إنشاء العلاقات الدبلوماسیة. و فضلا عن ذلک فقد تم نشر تفاصیل لقاء أحد کبارالمسؤولین السعودیین "ترکي فیصل"مع رئیس هیئة الأرکان العامة للجیش الإسرائیلي اللواء موشیه یعلون.

 علی هامش مؤتمر میونیخ حیث وصفت الصحافة الإسرائیلة اللقاء بالودّي للغایة ثم کشفت عن خبر اعتزام تل أبیب لإرسال بعثة دبلوماسیة رفیعة المستوی إلی الریاض.

 في شهر مایو عام ٢٠١٦ التقی ترکي فیصل في معهد واشنطن لسیاسة الشرق الأدنی مع المستشار السابق لبنیامین نتنیاهو "یعقوب عمیدور" حیث قال الأخیر: «نری في الوقت الراهن وفي ظل الجامعة العربیة الجدیدة فرصا جدیدة لتوقیع اتفاقات هامة في مجال الأمن والطاقة»

 قبل هذا اللقاء بسنة کشف أحد المسؤولین الإسرائیلین عن تدریب الجیش الإسرائیلي  لخمسمائة ضابط سعودي وذلک في قاعدة  "بولونیوم" الواقعة في میناء حیفا. ویذکر أنّ هذا الخبر قد نشره معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبیب فی منتصف شهر فبرایر من عام ٢٠١٦ مؤکدا علی أن مستشاري الأمن القومي لرئیس الوزراء الإسرائیلي قد وقّعوا اتفاقیات هامّة مع سلطات الأمن السعودیة وذلک من أجل تدریب القواة الخاصة وکذلک تزوید السعودیة بالمنظومات التقنیة المتطورة. و بعد هذا الإتفاق بالذات بثّ الإعلام الإسرائیلي خبر موافقة النظامین علی إنشاء علاقات رسمیة وفتح السفارات في الریاض و تل أبیب مشیرا إلی أن السعودیة أکثر استعجالا من إسرائیل في إقامة هذه العلاقات. وبالتزامن مع ذلک كتب الصحفی الشهیر "وحام العنزی" من خلال حسابه الشخصي علی تویتر: «علی الأرجح سیکون اللواء "أنور عشقي" هو أول سفیر سعودي لدی إسرائیل».

 وحسب ما کتبه «بلومبرغ» فقد التقی ثلاثة وفود سعودیین علی مدی ثلاث سنوات مضت مع وفد إسرائیلي وذلك في مدینة روما وبراغ ودلهي وفضلا عن ذلک فقد قیل بأن الجنرال "أنور عشقي" یکون علی تواصل مستمر مع "دوري غلد" وهو رئیس مکتب وزیر خارجیة الکیان الصهیوني "أويغدور لیبرمن".

 

أسباب الکشف عن العلاقات

 إن محاولة السعودیة في الکشف عن علاقاتها مع الکیان الصهیوني تأتي في سیاق حاجتها إلی تلقي مساعدات استخباراتیة وعملیاتیة من إسرائیل وذلک من إجل التغلب علی موجة الإقبال علی الإسلام إذ تعتقد الریاض بأنه لا حکومة تملک الخبرة والدافع والقدرة التي تملکهما إسرائیل في مواجهة موجات الثورة الإسلامیة الإیرانیة أو بعبارة أدق لا حيلة لدی الریاض للتخلص من موجات الثورة الإسلامیة الإیرانیة إلا إنشاء علاقات إستراتیجیة معلنة مع الكيان الصهیونی وذلک سببين الأول غیاب أي قوّة عربية قادرة علی الوقوف في وجه إیران والثاني وقوف دول کالعراق وسوریا والیمن مع إیران الأمر الذي یبدّد إمکانیة تلقّي السعودیة أي دعم فاعل سواء علی المستوی العسکري أو الاستخباراتي من الدول العربیة.

 فالکیان الصهیوني باعتباره یملک قرنا من الخبرة بدأ من إحباط الحرکات الشعبیة و المنظمات الثوریة المجاهدة و مرورا بانتصاره فی الحرب ضد الجیوش التقلیدیة وصولا إلی مواجهته علی مدی أربعة عقود للفصائل الإسلامیة في فلسطین و لبنان، فیمکن القول بأن نظامه العسکري والاستخباراتي یتیح له إمکانیة مواجهة ایران مواجهة مؤثرة وفاعلة.

 ومن جهة أخری یعتبر الکیان الصهیوني و علی مستوی المنطقة  النظام الوحید الذي هیأ نفسه مسبقا لدفع

 غرامة المخاطرة التي یقوم بها 

  هذا إلی جانب أن إسرائیل وبعد الهزائم المتکررة التي منیت بها

 کهزیمتها أمام حزب الله و حماس والجهاد الاسلامي والمنظمات ذات الصلة بهم،أصبحت تعیش ظروفا نفسیة

 متدهورة مما أتاح للسعودیة إمکانیة التمتع بدعم شامل من الکیان الصهیوني في مواجهتها لموجة الثورة

الإسلامیة الإیرانیة

 وفي المقابل کانت إسرائیل أیضا تملك رؤیة مماثلة للسعودیة حیث کانت تری أن السبیل الوحید للتغلب علی الفصائل الإسلامیة التي حاصرتها من لبنان و سوریا و غزة هو التحالف مع دولة عربیة لدیها روح المجازفة و کذلک القدرة والحافز المطلوبان من أجل مجابهة التیارات الاسلامیة سواء أکانت سنیة أم شیعیة، فلم تجد دولة بهذه السمات إلا السعودیة.

 و من الجدیر بالذکر أنّه أعلن رئیس معهد دراسات الأمن القومي الإسرائیلي "عاموس یادلین" قبل ما یقارب سنة حصیلة دراساته قائلا: «يجب أن تقف تنمیة العلاقات مع السعودیة و مصر و الأردن علی رأس الأولویات»

 و في السیاق نفسه کتبت جریدة "نیویورك تایمز" في یوم الإثنین الموافق ٢٩ أغسطس ٢٠١٦ :«لیست علاقات السعودیة مع الکیان الصهیوني في طریقها إلی التحسن فحسب وإنما ستتحوّل قریبا إلی تحالف مکشوف یکون أهم قاسم مشترك بین عضویه هو «عدم الثقة بإیران»

 ولا یخفی أن قدرات الکیان الصهیوني سواء علی المستوی السیاسي أو الأمني أو غیرهما تفوق قدرات السعودیة لذا فإن التحالف بینهما سیؤدي لا محالة إلی استیلاء إسرائیل علی السعودیة وغیرها من الدول العربیة

 سیاسةً و حکومةً واقتصادًا وأمناً.

 

المصادر والمراجع

ـ الوردي، علي (٢٠١٦)، «قصه الاشراف و ابن سعود»، کويت مکتبه نرجس

ـ کتاب حقشناس علي (٢٠١٦)، «ساختار سياسي- اجتماعي عربستان سعودي»، طهران: نشر روزجار

ـ حمدان، حمدان (١٩٩٥)، «عقود من الخیبة»، بيروت، دارالنشر

ـ شامي ـ يحيي (١٩٩٣)، «موسوعه المدن العربيه و الاسلاميه»، بيروت، طبع دارالفکر العربي

ـ صداقت، کاميار (٢٠١٦)، «قبله واحد مسلمانان»، طهران: مرکز الوثائق الثقافیة سيا

ـ صفاتاج، مجيد (٢٠٠٧)، «فرهنگ جامع فلسطين»، طهران: دارالنشر تجسم اخلاق

ـ کلوزنر، يوسف (١٩٨٤)، «کلمة الحق و السلام»، ترجمة نسيم مشلول، بيروت، دارالنشرالثقافه

ـ غودوين، ويليام (٢٠٠٤)، «عربستان سعودي»، ترجمة فاطمه شاداب، طهران: دارالنشر شمشاد

ـ محمود الاشتياني، علي (٢٠٠٢)، «شناخت عربستان»، طهران: دارالنشر مشعر

ـ النصيري، عبدالله (١٣٨٦)، «آشنايي با عربستان»، طهران: دارالنشر مشعر


قراءة: 1044