فصلنامه مطالعات سیاست خارجی تهران
 

مقابلة خاصة مع الأدميرال علي شمخاني

الممثل الخاص لسماحة قائد الثورة الإسلامية (دام ظله الوارف) وأمين مجلس الأمن القومي الأعلى في إيران


تنويه:
علي شمخاني هو أمين أرفع هيئة سياسية أمنية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية أعني "مجلس الأمن القومي الأعلى" الذي يضطلع بمهام رسم الخطوط العامة للسياسات، و له دور حاسم في وضع الاستراتيجيات الدفاعية و الأمنية و السياسية للبلاد. وكذلك اتّخاذ القرارات الاستراتيجية الخطيرة التي لها مساس بالمعادلات الداخلية و الأمنية و السياسة الخارجية لنظام الجمهورية الإسلامية، و التي تصبح بحكم القوانين النافذة بعد مصادقة سماحة قائد الثورة عليها. بالإضافة إلى عضويته في هذا المجلس بوصفه واحداً من مُمثٍّليْن اثنين لقائد الثورة، فإنّ شمخاني هو أمين المجلس وفقاً لمرسوم رئيس الجمهورية. من هنا، فإنّه يلعب دوراً تنسيقياً بين الأجهزة السياسية و الأمنية و العسكرية في القضايا الغامضة و المعقدة. و يعدّ مُنَظّراً ذا نهج مميّز يمزج العلم بالتجربة و ينظر إلى تطورات العالم بواقعية و منطق، ليقدّم الحلول المناسبة من أجل اجتياز التحديات. يرى الأميرال علي شمخاني أنّ النهج السياسي الذي تسير عليه الولايات المتحدة المتمثّل في دعمها اللامنطقي لـ‌ تل‌أبيب ناجم عن المخاوف الأمنية التي يستشعرها البيت الأبيض على مستقبل الكيان الصهيوني، و يعتقد أنّ الحوادث الراهنة في منطقة غرب آسيا دليل على عمق الأزمات الأمنية المتصاعدة التي تعاني منها إسرائيل. و في معرض إشارته إلى جهوزية المقاومة الفلسطينية أكثر من أيّ و قت مضى للدفاع عن القضية الفلسطينية على الصعيد العسكري و القدرة الصاروخية، يؤكّد على أنّ الكيان الصهيوني لم‌يعد قادراًً على التغطية على عجزه و ضعفه إزاء صواريخ المقاومة. و يتحدّث شمخاني عن السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية فيبيّن أنّها تقوم على مبدأ إقامة أفضل العلاقات مع البلدان كافة، و التعاطي الإيجابي مع المنظمات الدولية و من بينها منظمة الأمم المتحدة. و يؤكّد على أنّ هذه الإيجابية في التعاطي ساعدت على تغيير مواقف دول المنطقة إلى حدّ كبير إزاء الجمهورية الإسلامية الإيرانية، و رفعت من مكانة البلاد في المنطقة. بعد ذلك يستعرض فوائد التعاطي الإيجابي مع دول الجوار مؤكّداً على أنّ الحوار معها هو الخيار الأفضل لتجاوز التحديات الأمنية التي تواجهها المنطقة. و يشدّد الأدميرال شمخاني على أنّ نوايا الجمهورية الإسلامية الإيرانية كانت صادقة دوماً في مدّ جسور المحبة و الصداقة مع هذه الدول، و لم تسع يوماًً إلى اختراق البلدان الأخرى. و هنا يوجّه أمين مجلس الأمن القومي الأعلى انتقادات إلى الولايات المتحدة على خروجها من الاتفاق النووي الإيراني مبيّناً أنّه بسبب تخلّي الولايات المتحدة عن الاتفاق دخلت تطورات الحوادث مرحلة جديدة. و يضيف شمخاني بأنّ ترامب يعتقد أنّ ضغوطاته الاقتصادية قادرة على فرض مطاليبه اللامعقولة و المجحفة على الشعب الإيراني، و يذكّر بأنّ الولايات المتحدة حالياً لا تستطيع حتى إجبار دول العالم المهمة على تطبيق عقوباته على الجمهورية الإسلامية الإيرانية. و يضيف: إنّ الشعب الإيراني الذي استطاع بوعيه و اقتداره أن يتغلّب على جميع التحديات و المشاكل التي وضعتها إدارة البيت الأبيض في طريقه طيلة أربعة عقود، لقادر في هذه المرحلة أيضاً على دحر المؤامرة الأمريكية بالاعتماد على قدراته الذاتية.
لقد تسنّى لفصلية "طهران" لدراسات السياسات الخارجية أن تجري مقابلة خاصة مع الأدميرال شمخاني لتناقش معه ضمن حوار صريح أهم الأسئلة المطروحة في مجال السياسة الخارجية و القضايا الراهنة في منطقة غرب آسيا. و الفصلية إذ تشكره على إتاحة هذه الفرصة، تعرض على القارئ الكريم نصّ المقابلة.

رئيس التحرير: من المعلوم أنّ دينامية و نجاح السياسة الخارجية لأيّ بلد في العالم تقاس بقدرة الدبلوماسية في ذلك البلد على إدارة التطورات، و تحقيق مصالحه أو دفع التهديدات عنه، الآن و بعد مضي أربعين سنة على انتصار الثورة الإسلامية في إيران، كيف تقيّمون مكانة الجمهورية الإسلامية الإيرانية و علاقاتها السياسية بالقوى الإقليمية و الدولية؟
شمخاني: لقد وضع الدستور أسس السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية  الإيرانية و المتمثّلة بالعزّة و الاستقلال و صيانة الأمن و المصالح القومية، و طبعاً الدفاع عن المستضعفين و المحرومين، و التصدّي لهيمنة المستكبرين في العالم، لذا نستطيع القول بأنّ الأسس الجوهرية التي تقوم عليها السياسة الخارجية لإيران أسس تقدمية و فاعلة و مفيدة و تنطوي على قدرات كامنة عظيمة للتعاطي و التعاون مع أطراف واسعة من المجتمع الدولي، و بالأخص البلدان الإسلامية و الدول المستقلة في المنطقة و العالم. أضف إلى ذلك رؤى و تعاليم الإمام الخميني الراحل، كأهم منظّر في حقل السياسة الإسلامية في عصرنا، التي ترسم معالم الطريق لسياستنا الخارجية. و في الوقت الراهن فإنّ أوامر و توجيهات سماحة قائد الثورة هي التي تحدّد النهج العام للسياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية  الإيرانية في جميع الحقول، و منها حقل السياسة الخارجية، و تتكئ هذه التوجيهات إلى ثلاثة أركان رئيسية هي العزّة و الحكمة و المصلحة، و قد شكلت هذه الأركان المعيار الرئيسي في فترة ما بعد الثورة الإسلامية لجميع الصداقات و العداوات على الصُعُد الإقليمية و الدولية. إذن، بناءً على ما ذُكر، فإنّ المبادئ المذكورة في دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية و تعاليم الإمام الراحل (رحمه الله) و توجيهات سماحة مرشد الثورة تفتح أمامنا آفاقاً واسعة في جميع الأبعاد لاتّخاذ القرارات و رسم الأطر العامة، و انتهاج السياسات المنشودة على صعيد السياسة الخارجية و العلاقات مع البلدان الأخرى و المحافل الدولية.
على الرغم من جميع التحديات و الثغرات التي شابت أداء بعض المؤسسات و الأجهزة الحكومية، يمكن القول بأنّ الأداء العام للجمهورية الإسلامية الإيرانية على صعيد السياسة الخارجية منذ الثورة و حتى اليوم كان أداءً مقبولاً. لقد بُنيت هذه السياسة على مبدأ إقامة أفضل العلاقات مع جميع البلدان، و التعاطي البنّاء مع الجهات الدولية و منها منظمة الأمم المتحدة، سوىالولايات المتحدة فإنّ إقامة علاقات معها أو إجراء محادثات يعدّ خطاً أحمراً وذلك بسبب نهجها الإمبريالي و الاستعلائي في التعامل مع الدول، و ينطبق ذلك على جميع الإدارات الأمريكية منذ الثورة و حتى اليوم. و لايفوتنا أن نذكر بأنّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية تعتبر كيان الاحتلال الصهيوني كياناً غير مشروع، و بالتالي فلن توجد أيّ علاقات معه. من ناحية أخرى، تبنّت بعض دول المنطقة في العقد الأول من عمر الثورة الإسلامية الفتية سياسات غير ودية إزاء الجمهورية الإسلامية تنفيذاً للمخططات الأمريكية و تأثّراً بالطبيعة العدوانية و الوحشية لنظام صدام، بيد أنّ مبدأ التعاطي البنّاء في السياسة الإيرانية، كان له أكبر الأثر في تغيير سياسات بلدان المنطقة إلى حدّ كبير إزاء إيران، و هذا الأمر سوف يساعد بلا شك على رفع مكانة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في المنطقة.
على أثر التطورات التي شهدتها دول المنطقة منذ العام 2011 م، و القدرات التي عبّرت عنها الشعوب العربية، بدأ القلق يساور المسؤولين الأمريكان من أن يفقدوا السيطرة على أوضاع المنطقة و يفلت زمام الأمور من أيديهم، و من ناحية ثانية، أدركوا أنّ الوقوف بوجه إرادة الشعوب لن‌يكون في صالحهم، لذا ارتأوا ركوب الموجة ليضمنوا إدارة دفّة التحولات. و في هذا الإطار، تظاهروا بمساندة النهضات تحت شعار الدفاع عن الديمقراطية و الحريات و استطاعوا تغيير وجهة هذه الثورات المعادية للإمبريالية و الصهيونية، فأقدموا كخطوة أولى على التقليل من ارتباط شعار شعوب المنطقة مع التوجهات المبدئية للجمهورية الإسلامية، و في المرحلة اللاحقة خلق التوترات و الاختلافات على خلفية الانتماءات المذهبية و العرقية، فأشعلوا حرباً سنّية شيعية، ليستنفدوا قدرات الشعوب في صراعات داخلية عبثية و بثّ الفرقة، بدلاً من توظيفها لخدمة مبادئ الحرية و استقلال الشعوب و مواجهة الاحتلال و الهيمنة. من هنا واجهت الجمهورية الإسلامية الإيرانية في بداية العقد الرابع من عمر الثورة صعوبات و فتن كثيرة على صعيد السياسة الخارجية، فقررت التصدّي للفتن و الصراعات الوهمية. و انطلاقاً من هذه المبادئ جاءت الاستجابة السريعة للجمهورية الإسلامية لطلب الاستغاثة من قبل العراق و سورية لمحاربة الإرهاب و الأفكار التكفيرية على الصُعُد العسكرية و الأمنية و الدينية و الثقافية أيضاً، و هذه بدورها خلقت قدرات جديدة في حقل السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية. لا شك في أنّنا نمرّ بأدقّ مرحلة من عمر الثورة، سواء على الصعيد الدولي، أو لجهة العناصر الإقليمية فضلاً عن صعوبة الظروف الاقتصادية، ممّا يتطلّب تركيز الاهتمام على هذه العناصر إذا ما أردنا تحليل هذه الأوضاع. فالجمهورية الإسلامية في الوقت الراهن دولة قوية تعتمد على قدراتها الذاتية البرمجية الرادعة و هي قادرة على الدفاع عن مصالحها و أمنها و عن حلفائها الإقليميين.
رئيس التحرير: و ماذا عن علاقات دول الجوار بالجمهورية الإسلامية  الإيرانية، كيف تقيّمونها؟ هل ثمّة نصيحة لجهاز الدبلوماسية الإيراني في هذا المجال؟
إنّ إقامة علاقات سداها الصداقة و لحمتها الإخوة تشكّل حجر الزاوية في السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية. في الحقيقة، إنّ ضرورة التعاطي البنّاء مع دول الجوار أمر حيوي لا يقبل النقاش، فلسنا بصدد كسب النفوذ في البلدان الأخرى. إنّنا على العهد باقون و لن نتخلّى عن البلدان التي مددنا لها يد الصداقة. لطالما كانت نوايا الجمهورية الإسلامية الإيرانية صادقة في مدّ جسور المحبة و الصداقة مع دول الجوار و سائر البلدان. الحوار مع الجيران هو الخيار الأمثل لاجتياز التحديات الأمنية التي تواجهها المنطقة. ينبغي لجهاز الدبلوماسية الإيراني أن ينقل مشاعر الصداقة و الود التي تكنّها الجمهورية الإسلامية لدول الجوار من خلال زيادة نشاطه الدبلوماسي، و أن يبعث رسالة اطمئنان إليهم بأنّ قدرات الجمهورية الإسلامية سوف ترفع من المعامل الأمني لتلك الدول. و في الوقت الحاضر تشكّل دول الجوار مثل إيران و العراق و باكستان و تركية و أفغانستان ظهيراً و سنداً بعضها لبعض، و يجمعها مصير واحد مشترك. عوامل عديدة تجعل من هذه الدول  بعضها بحاجة إلى بعض ممّا يستوجب أن تصبح طبيعة العلاقة بينها أكثر من مجرد علاقة جيرة و ترتقي إلى علاقة أخوة، من هذه العوامل تقاسمها لحدود طويلة و ثقافة مشتركة. و أنا بدوري أشدّد هنا على ضرورة أن تعمل هذه الدول على توثيق أواصر التعاون الاقتصادي و الثقافي و الأمني فيما بينها، فلا يخفى إنّ زيادة التعاون بين هذه الدول المتجاورة في مجال مكافحة الإرهاب سوف تكون له نتائج طيبة و واعدة. فانظر مثلاً إلى انتصارات إيران و العراق و سورية على التنظيمات الإرهابية و الوقع الهائل الذي أحدثته في هذه الدول، فكيف إذا تشاركت جميع دول المنطقة هذه الجهود، فهل ستبقى فسحة أو مجال لكي تفرّخ فيه المجاميع الإرهابية و تمارس من خلاله إرهابها؟
رئيس التحرير: برأيكم ما هي العقدة الرئيسية التي تواجه السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية؟ و ما هي السبل المتاحة لتجاوزها؟
شمخاني: العقدة الأكبر التي تواجه السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية هي عداوة الولايات المتحدة. إذ لم تبرح هذه الدولة تناصب الشعب الإيراني العداء و تضع العصى في دولاب تقدّمه طيلة السنوات الماضية من عمر الثورة الإسلامية. فالجمهورية الإسلامية تطمح لأن تتبوّأ إيران الموقع الأفضل في المنطقة، و تحقيق هذا الطموح ليس بالأمر البعيد المنال، لكن تقف دونه صعاب و تحديات جمّة. فعلى صعيد السياسة الخارجية، هناك مواجهة استراتيجية بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية و بعض المعايير التي تتمثّلها الولايات المتحدة من قبيل روح التسلّط و الهيمنة، و الاحتلال و التدخل في مصائر الشعوب و مساندة المعتدين، فالاعتبارات و المُثُل الثورية التي تؤمن بها إيران لا تنسجم و هذه المعايير في النظام العالمي. فمن ناحية، وجود روح التحرّر المعادية للإمبريالية و رفض الخضوع للقوى الكبرى الأجنبية، و من ناحية ثانية، الخلافات و المشاكل التي تعكّر صفو العلاقة بين إيران و دول المنطقة لدواعي الصراع المحتدم على توزيع النفوذ و السلطة في المنطقة، كل ذلك خلق تحديات و عوائق أمام إيران على صعيد السياسة الخارجية. لم يكن تخلّي الولايات المتحدة عن أهم معاهدة دولية في العصر الحديث «الاتفاق النووي الإيراني» تعبيراً عن المصالح الأمريكية، بل كان انطلاقاً من مواقف ترامب و فريق إدارته في البيت الأبيض المعادية لإيران. بيد أنّ خروج ترامب من هذا الاتفاق لا يعني نفاد جميع الفرص أمام الجمهورية الإسلامية، فهذا البلد ما يزال قادراً بالاتكاء على قدراته الذاتية على اجتياز هذه المرحلة عبر طريق واحد فقط و هو تعزيز قوة البلاد و إمكاناتها الوطنية، إذ ما انفك سماحة قائد الثورة يؤكّد لسنوات طويلة على تعزيز «القدرة الوطنية» و «القدرة الاقتصادية للبلاد» و «تطويرالإنتاج». فإذا أردنا حلّ المشاكل في ميادين أخرى، لا بدّ من رفع و تعزيز قدرات الاقتصاد الوطني.
بالإضافة إلى التصرّفات العدائية للولايات المتحدة ، فإنّ استجابة بعض دول المنطقة لتوجهات البيت الأبيض المعادية لإيران و الانخراط في لعبة الإيرانوفوبيا تعدّ تحدياً آخر من بين التحديات التي تؤرّق السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية. ممّا يؤسف له أنّ زعماء بعض دول المنطقة جعلوا من نظرية المؤامرة منطلقاً لتصوّراتهم إزاء إيران، و طبعاً فإنّ هذا التصوّر يصبّ في مصلحة الكيان الصهيوني تماماً، مع التخلّي بشكل كامل عن سياسة دعم الفلسطينيين المضطهدين.
رئيس التحرير: ماذا تهدف الولايات المتحدة من وراء الترويج لسياسة الإيرانوفوبيا في المنطقة؟
شمخاني: يمتلك الأمريكان قدرة هائلة على ممارسة الحرب النفسية و التمويه. فهم يصفون تدخلاتهم الكارثية بالمساعدة على إحياء الديمقراطية و تطبيق حقوق الإنسان، في حين ينظرون إلى التواجد الاستشاري و الأمني الإيراني على أنّه تدخل في شؤون الدول الأخرى. تدخلاتهم الثقافية التي تعمل على تدمير الهوية الإسلامية هي بمثابة تطوير للقيم الليبرالية و الديمقراطية، فيما التوجهات التقريبية و الوحدوية الإيرانية في البلدان الإسلامية تعدّ تصديراً للثورة من وجهة نظرهم أو نشراً للتشيّع. إنّهم، للأسف، يحاولون عبر الإيرانوفوبيا بثّ الفرقة و التشتّت بين دول المنطقة، و الظهور بمظهر المنقذ.
رئيس التحرير: كيف ترون الآثار المترتبة على الانسحاب الأمريكي من خطة العمل الشاملة المشتركة (أو الاتفاق النووي) (بما في ذلك الفرص أو التهديدات) على الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟ ما هي حجّتهم في الخروج من الخطة المذكورة؟ لماذا لم تقنع الحجج التي ساقتها إدارة ترامب باقي الدول؟
شمخاني: إنّ نظرة الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى خطة العمل الشاملة المشتركة نظرة أداتية أي إنّها تمثّل وسيلة. إنّنا انخرطنا في مفاوضات الملف النووي من أجل رفع العوائق التي تعترض تقدّم البلاد و تطوّرها، و توصّلنا من خلال خطة العمل تلك إلى اتفاقات تتعلق بالحفاظ على مصالح إيران، و بعد كل هذا، جاءت إدارة ترامب لتعلن أنّ الاتفاق النووي هو اتفاق كارثي و انسحبت منه بصورة أحادية، و قدّمت ثلاثة أسباب لتبرير خروجها من الاتفاق هي: السبب الأول، إنّ الاتفاق يطلق يد إيران على الصعيد النووي، و لا يتوفّر على ضمانات و تعهدات نووية كافية ملزمة للجانب الإيراني، السبب الثاني يتعلّق بموضوع النشاط الصاروخي الإيراني، حيث تذرّعوا بأنّ الاتفاق لا يحتوي على آليات رادعة تحدّ من قدرة البرنامج الصاروخي الإيراني، و كان ضمن مساعيهم الجادة التهويل من شأن هذا البرنامج و خطورته، أمّا السبب الثالث فهو التهديد المزعوم الذي تشكّله سياسات إيران الإقليمية. فانخراط إيران في الحرب ضدّ داعش في العراق و سورية، و الحؤول دون سفك دماء الأبرياء في المنطقة، و مدّ يد العون للحكومات الشرعية هي من وجهة نظرهم سياسات تهدّد الأمن في المنطقة، لكنّهم يلتزمون الصمت إزاء المذابح التي ترتكب بحق الشعب اليمني المضطهد، و الغارات الجوية للمقاتلات السعودية على السوق و الباص الذي كان يحمل تلاميذ المدارس. و بذلك، استخدموا السياسات الإقليمية الإيرانية كذريعة للانسحاب من الاتفاق النووي ليتنصّلوا من التزاماتهم المنصوص عليها في الاتفاق المذكور. لقد قدّم المسؤولون الإيرانيون ما يكفي من الإيضاحات و التبريرات حول هذه القضايا. بالنسبة للموضوع الأول، لقد التزمنا بالاتفاق النووي و عملنا بما يمليه علينا من التزامات و حقوق، و قد أكّدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقارير عديدة على التزام إيران بتعهداتها الواردة في الاتفاق النووي. أما ما يتعلّق بالبرنامج الصاروخي، قلناها مراراً بأنّنا لن نساوم أبداً فيما يخصّ القدرات الدفاعية لبلادنا، و لن‌نسمح لأحد بالتدخل في هذه المسألة. طبعاً لقد قدّمنا إيضاحات في هذا الخصوص و أكّدنا بأنّ قدراتنا الصاروخية تنطوي على جانب دفاعي و ردعي بحت. و عن انخراط إيران في محاربة الإرهاب فقد أعلن العراق و سورية مراراً و تكراراً أنّ إيران دخلت هذين البلدين لمحاربة داعش بناءً على طلب رسمي من حكومتيهما الشرعيتين. و كل الأطراف بما فيها الولايات المتحدة تعلم علم اليقين أنّه لولا تدخّل إيران لمحاربة الإرهابيين، لما كان هناك احتمال لهزيمة داعش أو جبهة النصرة أو القاعدة، و قد تحدّث إلينا الأوروبيون أيضاً في هذا الشأن و صرّحوا في مناسبات عديدة أنّه لولا التدخل السريع لإيران لتعذّر الانتصار على داعش. إذن، في ضوء ما قلنا، فإنّ الأسباب الثلاثة المذكورة كانت مجرّد ذريعة للسيد ترامب للانسحاب من الاتفاق النووي.
والحق أقول، إنّنا دخلنا مرحلة جديدة بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق المذكور، حيث يعتقد ترامب أنّ ضغوطاته الاقتصادية قادرة على فرض مطاليبه اللامعقولة و المجحفة على الشعب الإيراني، و لكن عليه أن يعلم بأنّ الشعب الإيراني شعب مقتدر يمتلك قدرات هائلة لاجتياز هذه المرحلة. إنّنا لن نتنازل عن كرامتنا و كبريائنا أمام غطرسة ترامب و إملاءاته، هذه رسالة الحكومة الإيرانية إلى البيت الأبيض، لن تكون العقوبات وسيلة لبدء مفاوضات جديدة على القضايا التي تم الاتفاق بشأنها، لقد سقطت الولايات المتحدة في امتحان الملف النووي، ما جعل إيران تفقد الثقة في الإدارة الأمريكية في أيّ مجال آخر، و عليه لا جدوى من التفاوض مع الولايات المتحدة. و من غير المسموح لنا أن نضيّع فرص الشعب الإيراني في عمليات لا طائل من ورائها. إنّ شعبنا الذي استطاع أن يفشل جميع مخططات البيت الأبيض طوال العقود الأربعة الماضية، لقادر على إفشال المؤامرة الأمريكية في الوقت الراهن أيضاً بالاعتماد على قدراته الذاتية. لا شك في أنّ نقض الولايات المتحدة للاتفاق النووي فتح أبواب الفوضى أمام النظام العالمي، و هو قد أضرّ بسمعة و مكانة الولايات المتحدة في المجتمع الدولي أكثر من إضراره بالجمهورية الإسلامية الإيرانية. إنّ سياسة السمسرة والمتاجرة التي يتبعها ترامب في المحافل الدولية جرّت مكانة بلاده إلى الحضيض، و استبعد أن يستطيع المسؤولون الأمريكان أن يجتازوا بسهولة التحديات التي خلقها هذا الخطأ التاريخي الذي ارتكبه ترامب.
رئيس التحرير: إلى أيّ مدى سوف تؤثّر رؤية ترامب في هذا الموضوع على مواقف شركائه الأوروبيين؟ كيف تنظرون إلى مآلات القضية؟
شمخاني: موقف الدول الأوروبية بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي هو أنّ لإيران الحق في الردّ بالمثل على الإجراء الأمريكي، لكنّهم طلبوا منّا ألّانفعل ذلك و أن نتمسّك بالاتفاق. و وعدوا بأن يرتّبوا الأوضاع الاقتصادية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، غير أنّنا طبعاً لم نأخذ كلامهم على محمل الجدّ، و مع ذلك نزلنا عند طلبهم لكي نعطي فرصة لأوروبا إن‌كانت تستطيع فعلاً اتّخاذ قرارات مستقلة عن الولايات المتحدة، لقد أردنا أن نبقى على طريق الدبلوماسية و الحوار مفتوحاً، و بالنسبة لموضوع الاتفاق النووي لابد من القول بأنّنا لم و لن نكون المبادرين إلى نقض الاتفاق أبداً، لكنّ خطوة ترامب هذه أدّت إلى زيادة قدرات الجمهورية الإسلامية الإيرانية في المجالات الدبلوماسية، و إذا كانت أوروبا متردّدة في تحمّل تكاليف المحافظة على الاتفاق النووي، فعليها أن تعلم أنّ إيران لن‌تنتظر الردّ الأوروبي إلى الأبد. إنّ تصوّرنا العملي حول الموقف الأوروبي هو أنّ أوروبا غير مستعدة أن ترفع سقف المخاطرة أمام الولايات المتحدة، و من هذا المنطلق نسعى إلى حل مشاكلنا بالاعتماد على أنفسنا و الاتكاء على قدراتنا الذاتية. و في المقابل لاينبغي لهم أن يتوقّعوا أن نتخلّى عن الحقوق و الفرص التي أتاحها لنا الاتفاق النووي في الردّ بالمثل.
رئيس التحرير: في ضوء السياسة الأحادية للإدارة الأمريكية و تركيز سائر القوى على نظام عالمي متعدد الأقطاب، ما هي استراتيجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية لتعزيز هذا النظام و التعاطي مع قوى كبرى مثل روسية و الصين؟
شمخاني: بعد انتهاء الحرب الباردة سعت الولايات المتحدة إلى إقامة نظام أحادي القطب يدور في فلكها، و قد ألقت هذه السياسة بظلالها على مجموعة الاستراتيجيات و الخطوات المتّخذة من قبل البيت الأبيض، و لكن عملياً لم يصب مسار التطورات العالمية في صالح إيجاد هذا النظام، إذ إنّ ظهور قوى ناهضة مثل الصين و إحياء جزء من القوة الاستراتيجية الروسية على صعيد الدبلوماسية الدولية جعل النظام أحادي القطب محض خيال بالنسبة للولايات المتحدة. إنّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية قوة مهمة في منطقة غرب آسيا وقد عقدت العزم على مواجهة السياسات العامة الأمريكية في المنطقة، و أحرزت نجاحات كثيرة في هذا المجال. و بناءً عليه، فإنّ وجود إيران قوية في المنطقة هو بمثابة تحدٍّ خطير لبسط الولايات المتحدة نفوذها في غرب آسيا. لقد خلقت التطورات التي شهدتها الأرض السورية و تبلور حلف ثلاثي إيراني روسي سوري لمحاربة الإرهاب بشكل مؤثر و فاعل قدرات مهمة في هذا الإطار. من هنا نقول إنّ العالم يتحرّك نحو عالم متعدد الأقطاب، و إنّ للجمهورية الإسلامية في منطقة غرب آسيا دور مؤثّر للغاية في هذه المسيرة. لقد ابتليت الولايات المتحدة في الوقت الراهن بسياسات و تصرّفات ترامب المتعرّجة التي لا يمكن التنبؤ بها، و التي أثارت انتقادات كثيرة من قبل النخب الأمريكية، فقد تحوّلت سياسات ترامب إلى مغامرات على الصُعُد الدولية، من هنا نقول بأنّ هذه السياسات نفسها سوف تقدّم دفعة كبيرة للتحرّك نحو عالم متعدد الأقطاب و ابتعاد العالم عن الولايات المتحدة. إنّنا لا نرى في نقل السفارة الأمريكية إلى القدس سوى مغامرة سياسية، هذه المغامرة صيّرت من الولايات المتحدة رمزاً للدولة المارقة، و من علائم هذا المروق دعمها للإرهاب في العراق و سورية و سائر النقاط في منطقتنا. أضف إلى ذلك مغامراته الاقتصادية المتمثلة في حرب التعرفات الجمركية الراهنة مع الصين و تركية و الاتحاد الأوروبي كلّ ذلك جزء من سياسات أحادية للبيت الأبيض تعرّض مصالح الشعب الأمريكي للخطر. و مواصلةً لهذه السياسات أساء ترامب إلى المعاهدات و المنظمات الدولية مثل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، و تجاهل جميع معايير القانون الدولي الإنساني بشكل مطلق بتقديمه الدعم للممارسات اللاإنسانية للعربية السعودية و الكيان الصهيوني ضدّ الشعبين اليمني و الفلسطيني. بهذا يتكشّف لنا جلياً بأنّ الولايات المتحدة أٌصبحت دولة مثيرة للمتاعب بالنسبة لجميع دول العالم و المنطقة.
رئيس التحرير: ما هو تفسيركم لبدايات نشأة الجماعات الإرهابية، و كيف تسير جهود مكافحة الإرهاب في المنطقة؟
شمخاني: الإرهاب ظاهرة مصطنعة و غير أصيلة في منطقتنا، سعت بعض القوى مثل الولايات المتحدة بنحوٍ أو بآخرعبر هذه الظاهرة إلى إدارة تحولات المنطقة و الحؤول دون ظهور تيارات خارجة عن السيطرة، سواء من خلال تأسيسها أو توسيع مدياتها و أبعادها أو في إدارة هذه الظاهرة، و قد أعلنت السيدة كلينتون في مذكراتها صراحة أنّهم هم من أوجدوا داعش. نعم، لقد كان للولايات المتحدة في بعض الحالات دور مباشر في تأسيس الجماعات الإرهابية، و في حالات أخرى كان نمو ظاهرة الإرهاب و توسّعها عبارة عن ردّة فعل على السياسات الأمريكية في المنطقة. فممّا لا شكّ فيه أنّ احتلال الولايات المتحدة لأفغانستان و العراق في العقدين الأخيرين و زرعها الفوضى و الاضطرابات في سورية هو الذي دفع عملياً الشباب إلى الالتحاق بالجماعات الإرهابية. إنّ النهج الخاطئ للولايات المتحدة المتمثّل في إضعاف الحكومات الشرعية في المنطقة هو الذي استقطب الإرهابيين و شذّاذ الآفاق من أقصى نقاط العالم إلى العراق و سورية و تشكيلهم لعشرات الفصائل المسلحة المتطرّفة مثل داعش و جبهة النصرة. إنّ التعاطي التكتيكي و الأداتي للقوى الكبرى مع الإرهاب كان هو الخطأ الاستراتيجي الأكبر في العقود الأخيرة و الذي أدّى في نهاية المطاف إلى انتشار الإرهاب. إذا ما تتبعنا تاريخ نشأة و نشاط معظم التيارات الإرهابية سنجد عليها بصمات وكالات المخابرات لبعض الدول الكبرى. لا يمكن للولايات المتحدة بسجلها الحافل بتأسيس الجماعات الإرهابية و دعمها أن تستخدم محاربة الإرهاب شعاراً لها. كيف لها أن تزعم محاربة الإرهاب و هي التي زرعت بذرة داعش، كما أنّ لبعض دول المنطقة دور في مساعدة الجماعات المتطرفة على توسيع نفوذها عبر الفكر الأيديولوجي العقائدي. فالتقارير التي تتحدث عن دور العربية السعودية في أخطر النشاطات الإرهابية في المنطقة ليست بالقليلة و العالم شاهد على هذه القضية. إنّنا في الجمهورية الإسلامية الإيرانية باعتبارنا من بين دول الصف الأول في محاربة الإرهاب نرحب بحضور جميع الدول للمساهمة في رفع خطر الإرهاب.
رئيس التحرير: كيف تفسّرون ضرورة انخراط الجمهورية الإسلامية الإيرانية في تحولات المنطقة و محاربة الإرهاب؟ هل ينمّ هذا الانخراط عن فطنة و ذكاء؟
شمخاني: لا شكّ في أنّ السياسات الإقليمية لإيران هي الورقة الرابحة في ضمان أمننا القومي و المصالح الراسخة لبلدان المنطقة. إنّنا ننظر إلى أمننا القومي في إطار المصالح طويلة الأمد لبلدان المنطقة و بسط الأمن فيها. من هذا المنطلق نرفض التدخل في شؤونها الداخلية، و طبعاً، في المقابل لا نسمح لأحد بالتدخل في شؤوننا الداخلية. لقد ذهبنا إلى العراق و سورية لمحاربة داعش و النصرة بطلب من حكومتي البلدين، و على الصعيد الداخلي لابد أن نقول: لم‌يعد ممكناً اليوم فصل قضايا السياسة الخارجية و الأمن الدولي عن القضايا الداخلية و الأمن القومي، فكل منهما يؤثّر على الآخر. فالسياسة الإقليمية لإيران هي امتداد للسياسة الداخلية و تقوم على مبدأ زيادة معامل الأمن القومي. من هنا نجد أنّ انخراط إيران في خضم التطورات الإقليمية كان عملاً ينمّ عن درجة كبيرة من الوعي و الذكاء، و عنصراً مؤثراً في إنتاج القوة لإيران و البلدان المجاورة على السواء. بل حتى المملكة العربية السعودية التي تشعر بأنّ سياسة إيران الإقليمية في محاربة الإرهاب تتعارض مع مصالحها لو نظرت إلى الموضوع من زاوية أشمل و أوسع لأدركت أنّ محاربة إيران و معها محور المقاومة للإرهابيين هو في صالحها بصورة عامة. صحيح أنّ هذا البلد كان له دور في إنتاج الفكر المتطرّف، لكنّه هو أيضاً يخشى من أن يلتف حبل هذه الظاهرة المحلية حول عنقه يوماً ما، و من هذا المنطلق نقول إنّ القضاء على داعش بالتوازي مع التصدّي الفكري لأفكاره المتطرّفة يضمن استراتيجياً أمن السعودية و مصالحها أيضاً، لا ينبغي لهم أن يتوجّسوا من هذا النهج لمحور المقاومة و يحسبوه في غير صالحهم. من الممكن تجاوز الماضي و العمل سوية لتأمين مصالح و أمن جميع بلدان المنطقة شرط أن يتوفّروا على الإرادة و العزم. قلناها سابقاً و نعيد القول الآن إنّنا لا نسعى إلى إسقاط حكم آل سعود، لأنّ البديل لن يكون حكومة ديمقراطية وفق المعايير المنشودة في العالم الإسلامي، و إنّما انتشار الفوضى و التطرّف. أنظر إلى اليمن مثلاً، كنّا دائماً نحثّ الأطراف الداخلية و حركة أنصار الله على المشاركة في الحوار الوطني على الرغم من الأخطاء التي يرتكبها الطرف الآخر. طبعاً، يجب على الجميع أن يعلم استحالة قلب الأوضاع على الشعب اليمني و أنصار الله عبر التدخل العسكري و قصف المقاتلات الأمريكية المستأجرة و المعلومات الاستخباراتية للكيان الصهيوني، حيث برهن الشعب اليمني خلال ثلاث سنوات و تسعة أشهر من عمر هذه الحرب أنّه لن يركع أمام الإملاءات و التدخلات الخارجية. إنّ المبادرة التي اقترحتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية لحل أزمة اليمن كانت مبادرة شاملة تضمنت تسهيل وقف إطلاق النار و الشروع بإرسال مساعدات إنسانية و بدء حوار بين الأطراف اليمنية. لقد تمّ تداول تفاصيل هذه المبادرة مع بعض الدول الأوروبية، و نأمل أن تشكّل أساساً جيداً من أجل التوصّل إلى حل سياسي.
بصورة عامة، يجب القول إنّ مبادرات الجمهورية الإسلامية بالنسبة لجميع المشاكل و التحديات التي تواجه المنطقة سواء في فلسطين أو في سورية أو في البحرين و كذلك في اليمن تعتمد مبدأ الرجوع إلى الديمقراطية و صندوق الرأي. منذ سنوات و الجمهورية الإسلامية تدعو إلى الاحتكام إلى آراء الشعب في فلسطين بمن فيهم المسلمين و المسيحيين و اليهود ليقرّروا مصير أرض فلسطين التاريخية بدلاًً من اللجوء إلى فرض الحلول على الشعب الفلسطيني و التي لم يسفر أيّ منها عن نتيجة تذكر. لقد طرحنا هذه الفكرة في بداية اندلاع الأزمة في سورية و قلنا بدلاً من تصدير الإرهاب إلى سورية و اعتماد الحلول المفروضة على هذا البلد، يجب أن نهيّئ الظروف المناسبة لكي يعبّر الشعب السوري عن رأيه بحرية، و أكّدنا بأنّ فوهات البنادق لا تصنع الديمقراطية، لكنّ الأمريكان و حلفاءهم الغربيين قاموا بتسليح المجموعات غير الشرعية و الإرهابيين من أجل زرع الديمقراطية حسب زعمهم، هذه هي الأخطاء التي ارتكبها هؤلاء. في البحرين أيضاً يتمثّل الحلّ في المعادلة القائلة إنّ كل فرد يعبّر عن رأي واحد، و بالتالي، لا ينبغي الخشية من صناديق الاقتراع و تطبيق الديمقراطية، لأنّه يصبّ في صالح أمن المنطقة.
رئيس التحرير: ما هي برأيكم الأهداف التي يسعى ترامب إلى تحقيقها من وراء طرحه لما يُعرف بـ صفقة القرن؟ ما هي آفاق هذه الصفقة؟ 
شمخاني: في الوقت الذي كان فيه الشعب الفلسطيني يعاني من اضطهاد مضاعف و كان الكيان الصهيوني يشدّد من ضغوطه على هذا الشعب، و كان الكنيست الصهيوني يصادق على قانون الاستيطان في مختلف الأراضي الفلسطينية و كان الصهاينة المتطرّفون يهدّدون القدس و الضفة الغربية بأنحاء متعددة، أقول في خضم هذه الأوضاع، قام الرئيس الأمريكي ترامب بخطوة أحادية تمثّلت في إعلانه نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، و طرحه لما عُرف بـ صفقة القرن، و التي تتضمن محو الهوية الفلسطينية تحت ذرائع شتى، و توطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول المجاورة لفلسطين بدلاً من عودتهم إلى ديارهم و وطنهم التاريخي. باعتقادنا إنّ هذه الصفقة ولدت ميتة، و لا توجد هناك فرص لتطبيقها، و سوف تتجمّد بوتيرة أسرع من بقية المشاريع الاستسلامية السابقة لما تتضمنه من تناقضات كثيرة. فكما حصل بالنسبة لقضية نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، تحوّلت إلى خطوة معادية على عكس الأهداف التي كان يروم إلى تحقيقها البيت الأبيض، إلى خطوة معادية لسيادة إسرائيل، و عبّرت دول عدّة بما فيها الدول الأوروبية الحليفة للولايات المتحدة عن ردود أفعال سلبية تجاه الخطوة، فإنّ فشل صفقة القرن أيضاً أمر جليّ و واضح للعيان. صحيح إنّ بعض الدول المجاورة لفلسطين أبدت تحفّظاً في رفض الصفقة المذكورة، و لكن لدينا معلومات موثقة بأنّ المسؤولين في تلك الدول يعارضونها بشدّة و يعتقدون أنّ الولايات المتحدة تريد أن تحمّل دول المنطقة  تكاليف توسّع الكيان الصهيوني و تعويض الأخير عن أزمة المشروعية التي يعاني منها. و طبعاً بالنسبة للنظام السعودي فإنّ له قصة أخرى، مع الأسف، فهو يحاول أن يغطّي على ضعفه الداخلي و أزماته المختلفة في الخارج، لذلك يجد نفسه مضطراً لتأييد خطة ترامب المتعلقة بالقضية الفلسطينية. إنّ النهج السلوكي للولايات المتحدة في تقديم الدعم اللامحدود لـ تل أبيب ناجم عن الهواجس الأمنية بالبيت الأبيض إزاء مستقبل الكيان الصهيوني. لقد كشفت الأحداث الراهنة في منطقة غرب آسيا عن عمق الأزمات الأمنية التي تعانيها إسرائيل و أنّ المقاومة الفلسطينية أصبحت أكثر جهوزية و استعداداً من أيّ وقت مضى على الصعيد العسكري و القوة الصاروخية، و باتت قادرة على أداء دورها في الدفاع عن القضية الفلسطينية. لذا، لم يعد الكيان الصهيوني قادراً على كتمان ضعفه و قلقه بشأن صواريخ المقاومة. و على الرئيس الأمريكي أن يعلم بأنّ المناضلين الفلسطينيين قادرون على تحويل ما يسمّى بـ صفقة القرن إلى أكبر هزيمة في تاريخ الولايات المتحدة و إسرائيل، فحتى الفصائل الفلسطينية التي وقفت على باب المشاريع الاستسلامية الأمريكية لسنوات طوال تستجدي الحدود الدنيا من الحقوق لتشكيل السلطة الفلسطينية صارت تدرك اليوم أنّ مقاومة الاحتلال هي السبيل الوحيد لإحقاق حقوق الشعب الفلسطيني.
رئيس التحرير: لطالما أولت الإدارات الأمريكية المتعاقبة أهمية خاصة لمسألة تحقيق إجماع عالمي، وخاصة في أوساط الشركاء الأوربيين، من أجل دفع سياساتها المتعلقة بالقضية الفلسطينية و تطبيق مختلف المشاريع و المبادرات لحل الصراع الدائر بين العرب و الكيان الصهيوني. و كان الأمريكان ينظرون إلى مسألة تأييد الدول العربية للمشاريع الاستسلامية كمبدأ جوهري، إلى أن جاء ترامب و نسف هذه القاعدة، فهو ليس فقط لا يأبه لإجماع أو تأييد الآخرين لمشاريعه، بل إنّه بخطواته هذه دفع الآخرين و منهم الأوروبيين إلى اتّخاذ سياسات مخالفة لتوجهاته في هذا القضية. فهزيمة الولايات المتحدة في التصويت الذي جرى في الجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروعها المعادي لحركة حماس لدليل بارز على كلامنا. ما هو تقييمكم للمسألة؟
شمخاني: نعم كما تفضلتم، حرصت الولايات المتحدة دائماً على مبدأ رئيسي و هو تحقيق الإجماع و التجييش من أجل تنفيذ مشاريعها، و هذا ناجم عن نهاية العالم ثنائي القطب، و أنّ الولايات المتحدة لم تعد قادرة على تحويل العالم إلى أحادي القطب، بناءً على هذا، سعت الإدارات الأمريكية المتعاقبة إلى كسب تأييد شركائها و تحقيق إجماع دولي ليتسنّى لها عن هذا الطريق السيطرة على أيّ معارضة للسياسة الخارجية الأمريكية و تحجيمها. لم يعد هذا المبدأ في الوقت الراهن يشغل اهتمام ترامب، فهو يقارن مجال السياسة الخارجية مع السيادة الداخلية للحكومة الأمريكية في امتلاكها القوة النافذة لتطبيق سياساتها الداخلية، هذا في حين أنّ بلدان العالم، بمن فيهم حلفاء الولايات المتحدة الغربيين يرفضون مقاربة ترامب هذه. و ما زاد الطين البلة أنّ حسابات ترامب على صعيد السياسة الخارجية نابعة من نظرة تجارية بحتة تأخذ بعين الاعتبار حجم الربح و الخسارة، و من هنا تسمّت خطته بشأن حلّ القضية الفلسطينية بـ صفقة القرن، و تفاصيل هذه الخطة أيضاً تعبّر عن صفقات تجارية، لذا تشكّل هذه المقاربة التحدي الأكبر في طريق حصول الإجماع و خلق توافق بين الشركاء الغربيين و الإقليميين للولايات المتحدة كما كان معهوداً في المراحل السابقة، و لقد لمسنا ذلك إلى حدّ بعيد في المشروع الأمريكي المعادي للفلسطينيين الذي طُرح للتصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة. فرفض المشروع كان بمثابة هزيمة كبرى للهيمنة الأمريكية على المجتمع الدولي. لم‌تسفر الجهود التي بذلتها الإدارة الأمريكية قبل التصويت على مشروع القرار بما في ذلك التهديدات التي وجهتها لدول العالم من أنّ عدم التصويت لصالح القرار سيعني أنّها راعية للإرهاب، أقول لم تسفر هذه الجهود عن أيّ نتيجة لصالح تمرير مشروع القرار. لقد كان وقع هذه الهزيمة ثقيلاً على الكيان الصهيوني لدرجة أنّ مندوب هذا الكيان وجّه إهانة إلى الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة.
رئيس التحرير: كيف تقيّمون استراتيجياً مسار الحروب العديدة التي شنّها الكيان الصهيوني ضدّ المقاومة منذ حروب الـ 33 و 22 و 51 يوماً و انتهاءً بالحرب الأخيرة؟
شمخاني: لو تأمّلنا تلك الحروب من منظار استراتيجي سنجد أنّ الكيان الصهيوني ليس فقط لم يحقّق أيّاً من أهدافه في جميع تلك الحروب و المتمثلة في تدمير فصائل المقاومة، بل إنّ المقاومة الإسلامية بعد كل عدوان كانت تحمّله واقعاً استراتيجياً جديداً. ففي عدوانه الأخير على قطاع غزة لم يستطع هذا الكيان الصمود يوماً واحداً أمام القوة الصاروخية للمقاومة، فاضطر إلى طلب العون من مصر و بقية الأطراف لترتيب وقف لإطلاق النار، فقبلت المقاومة من موقع القوة و الاقتدار على وقف إطلاق الصواريخ في وقت كانت الكابينة الإسرائيلية غارقة في حالة من الانقسام و الاضطراب، و هذا يعني من الناحية العسكرية تنامي قوة الردع للمقاومة بشكل ملفت. و الحقيقة إنّ المقاومة عبر تطوير قوتها الصاروخية، إن لجهة دقة التصويب أو لمديات الصواريخ، استطاعت أن تثير انتباه المنظّرين الاستراتيجيين العسكريين الصهاينة، فهم لم يتوقّعوا أبداً مثل هذا الردّ القاطع و المدروس من حركة حماس و الجهاد الإسلامي.
رئيس التحرير: تسعى الولايات المتحدة من خلال التذرّع بموضوع نفوذ الجمهورية الإسلامية في بلدان المنطقة إلى تشويه سمعة إيران، ماذا لديكم لتقولوه في هذا الصدد؟
شمخاني: كما ذكرنا، لقد تحمّلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية  تكاليف باهضة للدفاع عن المسلمين و الشعب الفلسطيني المضطهد، لقد بذلنا الغالي و النفيس و سنستمر من أجل الدفاع عن المضطهدين و لكن لا نفعل ذلك من أجل كسب النفوذ في أيّ بلد، فشعوب المنطقة مسلمة في غالبيتها، و إذا ما أمسكت بأزمة مصائرها فسيكون هذا أفضل إنجاز بالنسبة لنا، و الثروة الأعظم التي تضمن الأمن في المنطقة. نحن نسعى لمساعدة شعوب المنطقة لتعتمد على نفسها، و إنّ هدف الولايات المتحدة من الترويج لهذه الأوهام هو تعطيل القدرات الدفاعية للبلدان الإسلامية. لا يروق لهم أن تؤدّي مساعدات إيران للعراق و سورية إلى اجتثاث جذور الإرهاب في المنطقة، بل هدفهم أن يبقى فايروس الإرهاب في جسد منطقتنا و إن في صورته الضعيفة، ليوظّفوه ضدّ شعوب و دول المنطقة وقتما شاؤوا. إنّ تقديم الجمهورية الإسلامية المساعدات لتعزيز البنية الدفاعية السورية جاء بطلب رسمي من الحكومة الشرعية هناك، و قد سجّلت انتصارات باهرة ضدّ داعش و جبهة النصرة، أمّا سياسة الولايات المتحدة ضمن ما يعرف بالتحالف الدولي ضدّ داعش فهي سياسة مزدوجة، فما يزال هناك جيوب صغيرة لداعش تنتشر في منطقة شرق الفرات على طول الخط الممتد من الهجين إلى البوكمال، أي المنطقة الخاضعة لسيطرة الولايات المتحدة، لقد نفّذوا عشرات العمليات الاستعراضية، لكنّهم غير مستعدين لاستئصال شأفة داعش نهائياً، لأنّهم يشعرون بأنّ هذا الفايروس المضعّف أعني داعش ربما سيفيدهم في مشاريعهم المستقبلية ضدّ سورية. حقّاً إنّ سياسة أمريكا إزاء إيران سياسة متناقضة، فمن جهة يعلن رئيسها عن استعداده إجراء حوار مع إيران دون شروط مسبقة، و من جهة ثانية نجد وزير خارجيته يطرح عدداً من الشروط السخيفة خلال كلمته المعادية التي يجب على إيران أن تنفذها، من بين الشروط الإثني عشر، سبعة منها تتعلق بالقضايا الإقليمية و تواجد إيران في العراق و سورية، و في هذا دليل واضح على أنّ مشكلة أمريكا مع إيران لا تتلخص في الموضوع النووي. إنّهم يسعون إلى زعزعة صورة إيران و موقعها في محاربة الإرهاب و التطرّف، طبعاً هذا يتعارض مع إرادة حكومتي و شعبي العراق و سورية، لهذا نقول، إنّنا سنبقى إلى جانبهم في محاربة الإرهاب و إرساء الأمن ما دامت إرادة الحكومتين الشرعيتين في هذين البلدين تصبّ في هذا الاتجاه.
رئيس التحرير: لقد تركّزت مقاربات العربية السعودية على صعيد السياسة الخارجية بشكل رئيسي في السنوات القليلة الماضية على استراتيجيتين اثنتين، الأولى التقارب مع الكيان الصهيوني و الثانية الابتعاد عن الدول الإسلامية مثل إيران و قطر و تركية. ما تأثير ذلك على توازن القوى و الترتيبات الأمنية في المنطقة؟
شمخاني: لقد انعكس الضعف الداخلي و الهزائم الخارجية للعربية السعودية على سياسات هذا البلد في المعادلات الإقليمية، فحكّام هذا البلد يهدرون ثروات بلدهم لتعزيز التحالف مع الولايات المتحدة و الكيان الصهيوني، من أجل استهداف أضعف بلد عربي بأسلحتهم الغربية المتطورة. إنّ هؤلاء مستعدون باتصال هاتفي أن يدفعوا 250 مليار دولار لإعادة بناء البنية التحتية للولايات المتحدة، أو شراء أسلحة منها بقيمة 110 مليارات دولار، و لكن لا رغبة لديهم في مساعدة الشعب الفلسطيني. إنّهم يرتكبون أكبر خيانة بصمتهم و تأييدهم لما يسمى بـ صفقة القرن، طبعاً، كما أشرت آنفاً، إنّ حكّام السعودية الحاليين يشعرون أنّه لم يعد لهم من ملاذ سوى الولايات المتحدة خصوصاً في ضوء أزمة المشروعية التي يعانون منها في الداخل، و الشرخ السياسي الذي يشطر العائلة المالكة، ناهيك عن الهزائم المتتالية أمام الشعب اليمني، الأمر الذي يفسّر طاعتهم العمياء لمشاريع ترامب الإقليمية. يظنّ السعوديون أنّ كسب ودّ الكيان الصهيوني يضمن لهم دعماً و تأييداً أمريكياً أكبر، لذلك نجدهم يعطون الضوء الأخضر لطرح صفقة القرن، و لا يكتفون بذلك بل يحاولون جرّ الأطراف العربية الأخرى إلى هذه الصفقة. بشكل عام، يمكن القول أنّ دور العربية السعودية في المعادلات الإقليمية غير بنّاء، و لم يعد لهذا البلد القدرة على التأثير الاستراتيجي في التحولات الإقليمية بسبب فقدانه لقاعدته المؤثرة في أوساط الشعوب و المحافل القانونية بل و حتى بين حلفائه الغربيين، كما أنّه فقد السيطرة على إدارة التوازنات الراهنة في المنطقة لتماهيه مع أهداف الغرب و الكيان الصهيوني. إنّ الأخطاء الاستراتيجية التي يرتكبها النظام السعودي على صعيد السياسة الخارجية و تعاطيه غير البنّاء مع بلدان المنطقة ستؤدّي إلى انحسار نفوذه في قيادة العالم العربي، إذ لم تعد البلدان العربية مستعدة لتأييد السياسات الخرقاء و الخطيرة للسعوديين. يكفي أن نعلم أنّه لم يتبقّ من التحالف العريض الذي تبجّحت السعودية بتشكيله لمحاربةاليمن سوى دولة الإمارات العربية المتحدة، و حتى هذه الدولة تخوض منافسة شرسة مع السعودية، فيما انسحبت بقية الدول العربية من التحالف المزعوم رويداً رويدا و تخلّت عن السعودية، و لم تعد لها، على أرض الواقع، أيّ مشاركة في تلك الحرب. كلّ ذلك ناجم عن النهج الخاطئ للحكومة السعودية في الابتعاد عن بلدان المنطقة و التقارب مع الكيان الصهيوني اللقيط. و طبعاً الاستراتيجية الخاطئة تؤدّي إلى اتّخاذ قرارات خاطئة، و قد نتج عن هذه الأوضاع تغييرات في موازين القوى في المنطقة، و تحاول الدول المستقلة عن سياسات السعودية أن تتبع سياسة مستقلة خاصة بها علّها تترك تأثيراً على مجمل الترتيبات السياسية و الأمنية في المنطقة.
رئيس التحرير: أشكركم جزيل الشكر على هذا الحوار الصريح.


قراءة: 761