فصلنامه مطالعات سیاست خارجی تهران
 

خطة فاشلة لأمريكا لتصفية القضية الفلسطينية

أبعادصفقة القرن؛

د.مهدي هنرمند زاده


الخلاصة
منذ اغتصاب أرض فلسطين من قبل الكيان الصهيوني و  تأسيس دولة إسرائيل، طرحت مشاريع مختلفة من قبل جهات عديدة، بالأخص  رؤساء الولايات المتحدة، لحل الصراع الفلسطيني - الصهيوني، العربي - الإسرائيلي. لقد سعى الكيان الصهيوني دائماً من خلال طرح فكرة «وطن بديل» للفلسطينيين إلى الحؤول دون قيام دولة فلسطينية على أراضي الضفة الغربية و  قطاع غزة. مع تبلور إعلان المبادئ الذي أطلق عليه فيما بعد اتفاق أوسلو تمّ الاعتراف بشكل رسمي بمشروع حل الدولتين على الأراضي الفلسطينية، و  ألغيت جميع المشاريع الأخرى بما فيها مشروع الوطن البديل من قائمة الحلول الإقليمية و  الدولية. طبعاً كان هذا بمثابة تنازل من الفلسطينيين و قبولهم بالحد الأدني من الحقوق الوطنية في مقابل التخلّي عن أكثر من نصف مساحة أرض فلسطين التاريخية. و  بسبب فشل الإدارات الأمريكية المتعاقبة في تطبيق المشاريع القائمة على حل الدولتين، فقد تجمّدت مفاوضات السلام عملياً على مدى العقدين الأخيرين، بعد أن وصلت إلى طريق مسدود. في أواخر عهد باراك أوباما، طرحت فكرة جديدة تتمثّل في مبادلة جزء من الأراضي في الضفة الغربية في مقابل جزء من صحراء سيناء، لكنّ هذه الفكرة لم تنل الاهتمام الكافي نظراً لعدم وضوح أبعادها و  تفاصيلها من جهة، و  بسبب توتّر العلاقة بين أوباما و نتانياهو حول مسألة استمرار بناء المستوطنات من جهة ثانية. بعد وصول إدارة ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة، وضع الرئيس الأمريكي الجديد هذه الفكرة قيد التنفيذ و في إطار غاية في التطرّف أطلق عليه مصطلح «صفقة القرن»، بعد أن أعلن القدس عاصمة للكيان الصهيوني.
لقد مضى على طرح هذه الصفقة حوالى عام و نصف العام و  مع ذلك لم تتّضح بعد أبعادها و معالمها بشكل جلي، إلّا أنّ التسريبات التي خرجت من بعض المسؤولين العرب و الفلسطينيين حول المحاور الرئيسية لهذه الصفقة تتيح لنا أن ندخل في تحليل أبعادها و أهدافها و نتائجها. 

 

الكلمات الأساسية: صفقة القرن، دونالد ترامب، فلسطين، الكيان الصهيوني.

 

 

مقدمة:
دأب رؤساء الولايات المتحدة في مراحل مختلفة خلال ولايتهم الرئاسية على أن تكون إحدى مهامهم في البيت الأبيض هي البحث عن حل للصراع بين العرب و الكيان الصهيوني، و قد قدّم كل منهم مشروعاً أو مبادرة للدفع بالمفاوضات بين الفلسطينيين و الإسرائيليين. و قد حظي هذا الملف باهتمام أكبر من قبل الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ تبلور العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة و الكيان الصهيوني في عهد الرئيس نيكسون و الدور البارز الذي لعبه وزير خارجيته آنذاك هنري كيسنجر إزاء الصراع العربي الإسرائيلي بعد حرب تشرين/ أكتوبر عام 1973 م1 (جفري، 2010 م). إذن، منذ تلك الحقبة فما بعد، صارت الإدارات الأمريكية المتعاقبة تنظر إلى إسرائيل كحليف استراتيجي لضمان مصالحها في الشرق الأوسط، و شريك استراتيجي فيما يتعلّق بنزاعات الحرب الباردة. في عهد الرئيس جيمي كارتر اقترنت العلاقات بين الولايات المتحدة و الكيان الصهيوني بدور الوساطة في مفاوضات السلام في الشرق الأوسط و التي انتهت إلى إبرام معاهدة السلام في كامب ديفيد. ثم جاء دور رونالد ريغان الذي اعتبر إسرائيل الحليف القوي للولايات المتحدة في مقابل حلفاء الاتحاد السوفيتي من الدول العربية في المنطقة، و قد توّجت هذه العلاقة بعقد «اتفاقية التعاون الاستراتيجي» في عام 1981 م  (المصدر نفسه، 2010 م). مع وصول جورج بوش الأب إلى البيت الأبيض، تعزّزت النظرة إلى إسرائيل و بخاصة التزاماتها إزاء ضمان أمن إسرائيل و إيلاء أهمية أكبر للتعاون العسكري بين البلدين. و أصبحت العلاقات الاستراتيجية و الأمنية بين الطرفين في عهد بل كلنتون أكثر عمقاً و قوة، و تمّ توسيع التعاون المشترك في مجال نشر منظومة الدرع الصاروخي المضادة للصواريخ البالستية. ربما أمكن القول بأنّ كلنتون كان أكثر التزاماً ممّن سبقه من الرؤساء الأمريكان في مسألة ضمان أمن الكيان الصهيوني في سياق مفاوضات السلام في الشرق الأوسط. و زاد موضوع محاربة الإرهاب (كردّ فعل على حوادث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر) و القضاء على أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط أثناء ولاية جورج بوش الإبن زاد العلاقات الاستراتيجية بين أمريكا و إسرائيل عمقاً و قوة. و في هذا السياق لابد أن نقول: إنّ جزءاً مهماً من التزام الولايات المتحدة في إطار العلاقات الاستراتيجية المبرمة مع الكيان الصهيوني هو حصول تقدّم في مفاوضات السلام بين طرفي الصراع في الشرق الأوسط، لذا فإنّ تصلّب الصهاينة في تلك المفاوضات، لم يكن بمثابة معارضة للمساعي الأمريكية في هذا المجال، و إنّما كان خطوة تكتيكية للمحافظة على اليد الطولي في تلك المفاوضات ضمن معادلات مختلفة و مشاريع متنوعة. في الحقيقة لا يوجد أيّ خلاف نظري بين الولايات المتحدة و إسرائيل حول ضمان الحدّ الأقصي من الأمن للأخيرة و فرض القيود الاستراتيجية على العرب و الفلسطينيين في مواجهتها، فكلاهما يسير ضمن استراتيجية موحدة في هذا الخصوص. على هذا الأساس، كان الهدف المشترك لجميع المشاريع المطروحة من قبل الإدارات الأمريكية لحل الصراع الفلسطيني الصهيوني إنهاءه بما يضمن ترسيخ أسس الكيان الصهيوني و سيادته على جزء كبير من أرض فلسطين التاريخية، مع منح بعض الحقوق للفلسطينيين من قبيل تأسيس الدولة الفلسطينية (بأدنى حدّ من الصلاحيات اللازمة لتطبيق السيادة و ضمان الأمن) لكي يتماشوا مع المشاريع الاستسلامية المتداولة. وفق هذه الرؤية، فإنّ مشروع حلّ الدولتين الذي تبلور خلال عدّة محطات عديدة من المفاوضات لاسيما تلك التي عقدت بعد التوقيع على اتفاقيات أوسلو2 كان بصدد خلق ظروف متساوية لضمان حقوق الفلسطينيين ومنها حقّهم في تأسيس دولتهم المستقلة، على الرغم من الشرط الذي فرضه الطرفان الأمريكي و الإسرائيلي و وافق الطرف الفلسطيني عليه عملياً، و هو عدم امتلاك الدولة الفلسطينية المزمعة لجيش مستقل وأن تكون منزوعة السلاح. نفس هذه القضية كانت مطروحة بالنسبة لقرار الدولة الفلسطينية بشأن مواطنيها القاطنين في المخيمات، فالكيان الصهيوني لم يوافق مطلقاً على تشكيل دولة فلسطينية تقترن بعودة كاملة للاجئين الفلسطينيين. في الحقيقة إنّ حل الدولتين الذي وافق عليه اليسار الإسرائيلي بزعامة إسحاق رابين و بوساطة بل كلنتون قوبل برفض من قبل شريحة واسعة من المجتمع الصهيوني، و هو ما أدّي إلى أن يدفع رابين حياته ثمناً لمشروع حل الدولتين. طبعاً لايفوتنا أن نذكر بأنّه طبقاً لاتفاقيات أوسلو، لم يقدّم اسحاق رابين أيّ تعهّد للفلسطينيين بشأن تأسيس الدولة الفلسطينية، و أنّ مجرّد قبوله بقيام تشكيلات السلطة الفلسطينية في اتفاقية أوسلو كخطوة على طريق تشكيل الدولة الفلسطينية جوبهت بانتقادات شديدة من قبل اليمين الإسرائيلي المعارض. بعد ذلك، و خلال الفترة الممتدة من 1993 إلى 1999 م جرت مفاوضات و حصلت توافقات عديدة بين الطرفين الفلسطيني و الإسرائيلي بإشراف مباشر من الولايات المتحدة طبقاً لاتفاقيات اوسلو، إلّا أنّه لم يلاحظ وجود أي رغبة حقيقية و نوايا صادقة لدي الكيان الصهيوني لإقامة سلام حقيقي في المنطقة مبني على مبدأ انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة و العودة إلى حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967 م. في هذا السياق، تفرّدت الحكومة الأردنية بنهج مستقل عن باقي البلدان العربية عندما عقدت معاهدة سلام منفصلة مع الكيان الصهيوني فيما بات يعرف بمعاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية في وادي عربة، و أقامت معه علاقات سياسية كما فعلت مصر من قبل. و بذلك تعطّل هذا المسار في عام 2000 م بعد فوز آرئيل شارون في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية عام 1999 م و أصبح رئيساً لوزراء الدولة العبرية فاشتعلت حوادث انتفاضة المسجد الأقصى و لم تسفر المفاوضات النهائيةعن نتيجة.
تكمن أسباب فشل حلّ الدولتين في نوايا الكيان الصهيوني من مشاركته في مفاوضات السلام. فعندما وافقت منظمة التحرير الفلسطينية على القرارات المرقمة 181، 242، 338 الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة و مجلس الأمن الدولي، أغضت الطرف عن مطالباتها بتحرير كامل أرض فلسطين التاريخية (أي من النهر إلى البحر)، و حصرت هذه المطالبات في قطاع غزة و الضفة الغربية (بما في ذلك القدس الشرقية)، وكانت مشاركة الوفد الفلسطيني في مفاوضات السلام في مدريد و المفاوضات السرية في أوسلو (والتي جرّت إلى إبرام اتفاقية أوسلو)، بمثابة قبول منظمة التحرير الفلسطينية بالحدّ الأدني من الحقوق الفلسطينية في مقابل التنازل عن أكثر من نصف أرض فلسطين التاريخية. هذا في حين أنّ مشاركة الكيان الصهيوني في مفاوضات السلام كانت عملية تكتيكية للتقليل من الضغوط الدولية و التحكم في مسار تطبيق قرارات المنظمة الدولية. و مع ذلك فإنّ حظوظ النجاح لحل الدولتين كانت معدومة و الجهود في هذا المسار لم تكن مثمرة، و ذلك لتناقضه (حل الدولتين) مع الاستراتيجية التوسعية و الاحتلالية للكيان الصهيوني، فضلاً عن إنّه يعدّ تهديداً للكيان الصهيوني في ضوء الظروف المحيطة بأرض فلسطين التاريخية إن لجهة عوامل الجغرافيا و انعدام العمق الاستراتيجي أو لجهة التهديد الذي يمثّله التغيير الديموغرافي العربي بالنسبة لإسرائيل، الأمر الذي يفسّر السقوف العالية التي كان الصهاينة يطرحونها في صراعهم مع الفلسطينيين، من بينها أن تكون القدس بشطريها الشرقي و الغربي عاصمة موحدة و أبدية لإسرائيل، و إلغاء حقّ عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، و تأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة، و تقديم وطن بديل للفلسطينيين.
صحيح أنّه مع إبرام اتفاقيات أوسلو في 1993 و  1995 م تمّ الاعتراف رسمياً بحل الدولتين لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، و شطب سائر الحلول الأخرى منها حل الوطن البديل للفلسطينيين من قائمة الحلول الإقليمية و الدولية، إلّا أنّ انسداد الأفق و توقّف مفاوضات  السلام أثناء ولاية جورج بوش الإبن و أوباما، دفع الولايات المتحدة إلى التفتيش عن حلول بديلة. بيد أنّ الضغوط التي مارستها إدارة أوباما على الكيان الصهيوني للتوقف عن بناء المستوطنات في الضفة الغربية و التي ُعدّت خطوة على طريق حلحلة مفاوضات الصلح، لم تلق الردّ المناسب من قبل دولة إسرائيل (الوقت، 2016 م) و لم تسفر آخر المحاولات لحمل إسرائيل على الدخول بجدية في المفاوضات المذكورة على أساس القبول بحلّ الدولتين و العودة إلى حدود الرابع من يونيو/ حزيران 1967 م لم تسفر عن أي نتيجة تذكر. لقد توصّلت الإدارة الأمريكية حتى قبل وصول ترامب إلى البيت الأبيض إلى أنّ عملية السلام الراهنة لن تفضي إلى شيء ملموس، لأنّ الطرف الإسرائيلي غير مستعد لتقديم أيّ تنازلات. لذا ينبغي فتح ثغرة أو إحداث اختراق في مسار المفاوضات عبر تقديم مبادرة جديدة تأخذ في الاعتبار تقديم الفلسطينيين مزيداً من التنازلات. من هذا المنطلق، طرحت لأول مرة في السنة الأخيرة من عهد الرئيس أوباما فكرة مبادلة جزء من أراضي الضفة الغربية ببعض الأراضي في سيناء بمصر، و إلغاء حق العودة للقسم الأعظم من اللاجئين في إطار كونفدرالية أردنية فلسطينية، و لكن ظلّت هذه الخطة طيّ الكتمان نظراً للحساسيات و الاعتراضات التي أثارتها آنذاك. بعد إعلان فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية، تم طرح النسخة المتطرّفة لهذا المشروع دفعة واحدة على البلدان العربية، و أنيط بالسعودية الدور الأكبر لتنفيذه. مع ذلك أحجم المسؤولون في إدارة ترامب عن الإعلان عن الأبعاد الكاملة للمشروع الذي أطلق عليه اسم «صفقة القرن»، و لكن دون أن يحجبوا بعض فقراته و ذلك لاستمزاج ردود أفعال البلدان العربية و الرأي العام في المنطقة، فضلاً عن الفصائل المختلفة في داخل فلسطين (المدهون، 2017 م). إذن، فالمعلومات المتوفرة عن مشروع ترامب أو صفقة القرن مبنية على معطيات أفصح عنها المسؤولون في البلدان العربية من بينها مصر و الأردن لا سيّما بعد اجتماع القادة العرب مع ترامب في الرياض بالسعودية.
المشاورات السياسية الأمريكية
منذ الشهور الأولى لتولّي ترامب مهامه في البيت الأبيض، طُرح مشروع رئيس الولايات المتحدة لإنهاء الصراع الفلسطيني الصهيوني و تحقيق السلام في الشرق الأوسط. و خلال الاتصالات الهاتفية للمسؤولين الأمريكان مع نظرائهم في البلدان العربية، كانت تترسّم الأفكار الرئيسية لمشروع ترامب شيئاً فشيئاً تحت مسمّى «صفقة القرن». لم يكشف المسؤولون و المقرّبون لترامب بشكل كامل عن تفاصيل الصفقة المذكورة للعرب و الفلسطينيين، إلّا أنّهم أطلعوا حكومات السعودية و مصر و الأردن على أهم الأبعاد و المحاور في الصفقة، و بدورهم أطلع هؤلاء مسؤولي السلطة الفلسطينية و أبا مازن شخصياً بتفاصيل الصفقة (المصدر نفسه، 2017 م). في الحقيقة، لقد أراد الأمريكان من خلال طرح الأفكار العامة و المحاور الرئيسية للصفقة المذكورة أن يجسّوا نبض الدول العربية و الرأي العام في الأمتين الإسلامية و العربية، و أن يستشرفوا ما قد تثيره الصفقة من حساسيات و تحديات محتملة، لغرض سدّ ثغراتها و إدخال التعديلات اللازمة عليها. على هذا الأساس، فإنّ انكشاف أبعاد خطة ترامب أو صفقة القرن بالنسبة للعالمين الإسلامي و العربي، و على الأخص العناصر الفاعلة في جبهة المقاومة لهو أمر ضروري، إذ من غير الممكن إبداء ردّ فعل قوي و مؤثّر قبل معرفة تلك الأبعاد. ربما كان صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين (عريقات، يناير̸ كانون الثاني 2018 م) أول من أماط اللثام عن بعض خفايا صفقة القرن نظراً لصلاته الوثيقة بالمسؤولين المصريين لأنّ الأمريكان كانوا قد فاتحوا مصر قبل ذلك، و من ثمّ العربية السعودية، بالمحاور الرئيسية للصفقة بوصفهما الداعمتين الرئيسيتين لها. في أول رحلة خارجية له كرئيس للولايات المتحدة في يونيو/ حزيران 2017 م، عرض ترامب الفكرة بصورة عامة على اجتماع الزعماء العرب في السعودية، و بين أنّه ينبغي التمهيد لتنفيذ الصفقة عبر تطبيع علاقات الدول العربية مع إسرائيل (السناوي، مايو/ أيار 2017م). و من بين المحاور الرئيسية في محادثات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع ترامب خلال زيارته الأولى إلى الولايات المتحدة (مشرق نيوز، مارس/ آذار 2017 م) مناقشة دور الحكومة السعودية في تسهيل تطبيق صفقة القرن، إذ إنّ ترامب ينظر باهتمام إلى دور السعودية في هذا الموضوع، إن لجهة تخصيص الأموال اللازمة لتطبيق هذا المشروع، أو ريادة السعودية في مسألة تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني. لو تأمّلنا مشروع ترامب لحل الصراع العربي الصهيوني لوجدناه يشتمل على بعدين، بعد عربي يتضمن قضية تطبيع العلاقات السياسية بين البلدان العربية و الكيان الصهيوني كحاجة استراتيجية لدولة إسرائيل، و التي كانت، على الدوام، في صدر اهتمامات المسؤولين في الولايات المتحدة و هذا الكيان. البعد الثاني، حلّ القضية الفلسطينية، فعدا عن كون الدور السياسي للدول العربية حاسماً و مصيرياً، فإنّ مسألة توفير الأموال و التخصيصات اللازمة لتطبيق عملية السلام أيضاً أمر مهم و أساسي، من حيث أنّ مشروع ترامب هذا يحتاج إلى أموال طائلة لا سيما في الجزء المتعلق بعملية تبادل الأراضي، و بالطبع، فالسعودية ستكون من الممولين الرئيسيين للمشروع من وجهة نظر الولايات المتحدة. بعد المشاورات المكثفة التي أجرتها إدارة ترامب مع عدد من الدول العربية و الكيان الصهيوني في هذا الموضوع، تبين أنّ ترامب و في إطار تطبيق مشروعه للحل يسعي، بدايةً، إلى نزع فتيل أهم القضايا الخلافية (التي لطالما شكلت العائق أمام تحقيق السلام طيلة مفاوضات الصلح التي أجريت بعد حرب 1967 م) من دائرة الاتفاق الفلسطيني الإسرائيلي و يتّخذ بشأنها قرارات مباشرة. من البديهي في هذه الحالة، و بالنظر إلى طبيعة العلاقات الاستراتيجية التي تربط الولايات المتحدة بإسرائيل، فإنّ الأمر المتوقّع كان أن تنسجم قرارات ترامب لتحديد مصير القضايا الخلافية بحسمها من جانب واحد و بصورة نهائية لصالح الأهداف التوسيعة الإسرائيلية. و طبعاً من أهم القضايا الخلافية التي وضع ترامب يده عليها هي مشكلتي سيادة القدس و عودة اللاجئين إلى أرض فلسطين التاريخية. بالنسبة للقدس فقد أعلن اعترافه بها كعاصمة لإسرائيل و قام بنقل سفارة الولايات المتحدة إليها، ضارباً عرض الحائط جميع قرارات الأمم المتحدة و مجلس الأمن و جميع الاتفاقيات السابقة بما فيها اتفاقيات أوسلو (سبوتنيك، ديسمبر/ كانون الأول 2017 م). و بذلك يكون ترامب قد حدّد سلفاً و بصورة عملية مسار الاتفاق بين الطرفين حول مصير القدس الشريف، و أخرج هذه المسألة من دائرة التفاوض. الخطوة التالية (وهي قيد المتابعة من قبل الأمريكان حتى زمان كتابة هذا المقال) هي تشكيكه في موضوع عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم التاريخي، و أوّل إجراء ذي صلة اتّخذه هو قطع المساعدات الأمريكية في هذا المجال، حيث أعلنت نيكي هيلي سفيرة الولايات المتحدة في المنظمة الدولية أنّ الأرقام المعلنة من قبل الجهات الرسمية في الأمم المتحدة حول أعداد اللاجئين الفلسطينيين غير حقيقية و مبالغ فيها. إذن، يمكن القول بأنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ألغى جميع الامتيازات الدنيا للفلسطينيين الموجودة في حلّ الدولتين كخطوة أولى على طريق تطبيق مشروعه المسمّى صفقة القرن. فهو يعلم علم اليقين بأنّ الأنظمة العربية تمّ إنهاكها في السنوات الأخيرة، و هي تواجه تحديات و أزمات داخلية كثيرة، لذا، فهي بحاجة إلى دعم الولايات المتحدة، و على هذا الأساس، يريد ركوب هذه الحاجة الاستراتيجية للعرب و توظيفها باتجاه فرض تصوراته فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. الامتياز الثاني الذي اختلقه الأمريكان لفرض مشاريعهم الإقليمية على بلدان غرب آسيا في الأعوام السابقة هو الإيرانوفوبيا، فقد زرعوا وهماً في أذهان البلدان العربية بأنّ الجمهورية الإسلامية تشكل تهديداً لدول المنطقة العربية. و المؤسف أنّ الأمريكان و الصهاينة حقّقا نجاحاً نسبياً في مشروع الإيرانوفوبيا ما سهّل عملية التقارب بين العرب و إسرائيل في مواجهة إيران تحت عنوان «التهديد المشترك»، لذلك نجد أنّ ضرورة التقارب مع الكيان الصهيوني تحوّلت إلى استراتيجية دفاعية و أمنية اعتمدتها بعض البلدان العربية مثل العربية السعودية، و قد نجح المخطط المشترك الأمريكي الإسرائيلي إلى حدّ بعيد في تحقيق هدفه، و هو ما هيأ أجواء مثالية لتطبيق خطة ترامب على صعيد الصراعات و التحديات التي تواجهها المنطقة. على الرغم من ذلك، فقد اعتبر الشريك الفلسطيني أبو مازن رئيس السلطة الفلسطينية صفقة القرن متطرّفة جداً و أحادية و لا تؤمّن الحدود الدنيا من حقوق الشعب الفلسطيني، ذلك أنّ أصل دخول الفلسطينيين في المشاريع الاستسلامية مع الكيان الصهيوني كان بناءً على حل الدولتين و ضمان الحدود الدنيا من الحقوق في مسألة القدس و اللاجئين و تأسيس الدولة الفلسطينية على أراضي الضفة الغربية و قطاع غزة، في حين أنّ الخطة الجديدة تسلب الفلسطينيين كل هذه الحقوق، و إلّا فمن مِنَ الفلسطينيين و العرب و المجتمع الدولي لا يعرف أنّ جماعة محمود عباس في حركة فتح و السلطة الفلسطينية هي الجهة الفلسطينية الأكثر مرونة لفرض المشاريع الأمريكية الإسرائيلية من خلالها على الشعب الفلسطيني. لذلك أعلن أبو مازن عدم استعداده قبول النسخة المتطرّفة لصفقة القرن التي تتجاهل مسألة القدس و تريد مبادلة أراضي الضفة الغربية بصحراء سيناء، و في هذا السياق، تندرج الزيارات المتكررة لمبعوثي الرئيس الأمريكي ترامب جاريد كوشنير و جيسون غرينبلات إلى المنطقة اللذين أجريا محادثات مكثفة مع السعوديين بقيادة محمد بن سلمان، مؤكّدين عليه ضرورة أن تزيد السعودية ضغوطها على أبي‌مازن ليوافق على الصفقة. و تنفيذاً لهذه المهمة المناطة، استدعت العربية السعودية أبامازن إلى الرياض مرتين في نهاية  2017 م و أوائل 2018 م و طلبت منه الموافقة على المبادئ العامة في خطة ترامب. و في آخر محاولاته الدبلوماسية قام جاريد كوشنير و جيسون -رينبلات برحلة إلى بلدان غرب آسيا في شهر يونيو̸ حزيران من هذا العام زارا خلالها العربية السعودية و قطر و الأردن و مصر و الأراضي الفلسطينية المحتلة، و بذلا جهوداً جديدة لإحراز تقدّم في صفقة القرن. و تبيّن خلال هذه الجولة من المحادثات الأمريكية العربية بأنّ امتناع أبي‌مازن عن القبول بالجوانب المتطرّفة في خطة ترامب و إعلان الأخير اعترافه بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني قد ترك تأثيره على تعاطي الحكومات العربية مع الصفقة المذكورة، حيث أبدى العرب تحفظات شديدة عليها، عدا ذلك، لم تُظهر لامصر و لا الأردن أيّ رغبة في تطبيق الصفقة نظراً للتكاليف الباهضة المترتّبة عليها و التي تطال جوانب السيادة و المصالح القومية لكلا البلدين، و هو ما دفع المسؤولين في إدارة ترامب إلى إطلاق إشارات تفيد بتأجيل الإعلان الرسمي عن الصفقة عاماً واحداً، رغبةً من الأمريكان في حلّ التحديات القائمة قبل الكشف المبكر عن تفاصيل صفقة القرن و إعطاء الذرائع لإفشالها سريعاً.
تفاصيل صفقة القرن
إعلان القدس عاصمة للكيان الصهيوني
كان احتلال القدس الشرقية في حرب الخامس من يونيو̸ حزيران 1967 م و ضمّها إلى الأراضي المحتلة عام 1948م بمثابة انعطافة عظمى في تطبيق الحلم الصهيوني فيما يخصّ قضية القدس الشريف، و من أعظم الحوادث الاستراتيجية تأثيراً في الأوضاع الجيوسياسة  لمنطقة غرب آسيا. ففي حرب الأيام الستّة عام 1967 م استطاع الجيش الإسرائيلي أن يهزم جيوش كل من مصر و الأردن و سورية، و أن يحتل الصهاينة صحراء سيناء و قطاع غزة و جزءاً من مهماً الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية و مرتفعات الجولان. و في أعقاب ذلك أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قراراً برقم 242 طالب فيه جميع الدول المتحاربة -في الشرق الأوسط- إنهاء جميع إدعاءات أو حالات الحرب و احترام الاعتراف بسيادة و وحدة أراضي كل دولة في المنطقة و الاعتراف بالحدود و انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة. طبعاً من خلال تحليل فحوى قرار مجلس الأمن رقم 242 نجد أنّه يشمل ضمنياً اعتراف الدول العربية بإسرائيل. مهما يكن من أمر، فإنّ حرب يونيو̸ حزيران عام 1967 م أضفت صبغة عملية على مطالبات الكيان الصهيوني في القدس الشرقية، و عزّزت من الخطوط الحمراء لإسرائيل في هذا الشأن، بحيث أصبحت مدينة القدس بشطريها الشرقي و الغربي (تحت مسمّى أورشليم) منذ ذلك التاريخ فما بعد عاصمة الكيان الصهيوني و أنّ الانسحاب منها خط أحمر يمسّ المصالح العليا للشعب اليهودي. هذا في حين أنّ العديد من الاتفاقيات الموقّعة بين الفلسطينيين و الصهاينة من بينها اتفاقيات أوسلو و خارطة الطريق قد حذّرت الكيان الصهيوني من مغبّة اتّخاذ تدابير من طرف واحد و خاصة بناء المستوطنات في القدس. و أكّدت على ضرورة عقد مفاوضات ثنائية بين الجانبين الفلسطيني و الإسرائيلي للبتّ بمصير القدس. بالإضافة إلى ذلك فإنّ مراجعة مواقف مختلف البلدان و المسؤولين في المنظمة الدولية و الاتحاد الأوروبي ... و غيرهم، تؤكّد كلّها على وجوب أن تؤدّي أيّ مفاوضات إلى تأسيس دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية و إقامة سلام دائم بين الطرفين. و هذه الوعود هي التي أوحت إلى ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية بأنّ الصلح مع الكيان الصهيوني بعد مفاوضات السلام في مدريد و ما أعقبها من مفاوضات سرية في أوسلو و قبول الطرف الفلسطيني بالحدود الدنيا و التنازل عن الكثير من حقوق الشعب الفلسطيني سيؤدّي في نهاية المطاف إلى أن ينعم الشعب الفلسطيني بدولته الفلسطينية المستقلة و عاصمتها القدس الشرقية. و قد انسحب هذا التصور على المسؤولين في السلطة الفلسطينية في عهد الرئيس أبي مازن أيضاً و شكّل أساس جميع مفاوضات السلام التي عقدت حتى اليوم. مع إعلان دونالد ترامب القدس عاصمة للكيان الصهيوني كخطوة أولى و نقل السفارة الأمريكية إلى القدس كخطوة ثانية، تبخّرت كل التصورات و الأحلام حول حلّ مشكلة القدس في إطار مفاوضات السلام، و تعزّز موقف الكيان الصهيوني في اعتبار القدس عاصمة للوطن اليهودي. و تجلّت هذه القضية بشكل أوضح عندما حدّدت الولايات المتحدة منطقة أبوديس و هي عبارة عن عدد من القرى خارج مدينة القدس كتعويض للطرف الفلسطيني عن مدينة القدس في إطار صفقة القرن. و على هذا، تكون الخطوة الأولى في صفقة القرن قد أنجزت في القدس، و أنّ الرئيس الأمريكي قد أغلق عملياً باب التفاوض و التوافق حول إحدى أهم محاور الصراع العربي الصهيوني. 
الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل  
لا توجد معلومات مؤكّدة في صفقة القرن عن وجود فقرة تتضمن «تشكيل دولة يهودية في الأراضي الفلسطينية»3 بيد أنّ الدعم اللامحدود للرئيس الأمريكي المتمثّل في مشروعه (صفقة القرن) و الإجراءات التي اتّخذها فيما يخصّ قضية القدس، تعدّ من وجهة نظر المسؤولين في الكيان الصهيوني و لا سيّما الجناح اليميني المتطرّف فرصة لا تعوّض بالنسبة لإسرائيل، و راحوا يوظّفونها لصالحهم إلى أقصى مدى في مجال ترسيخ الدولة القومية اليهودية، لهذا أقدم اليمين المتطرّف في الحكومة و الكنيست الصهيوني بمعية حزب الليكود و حزب البيت اليهودي على تشريع قانون يهودية الدولة، و بالفعل تمّ التصويت على مشروع القانون بتاريخ 18 - 6 - 2018م  و صودق عليه بعد حصوله على 62 صوتاً. إذن، لابدّ من القول بأنّ تأسيس الدولة القومية اليهودية في الأراضي المحتلة هو أحد المحاور التي ضمّنها الصهاينة بدعم من الإدارة الأمريكية كشرط مسبق في صفقة القرن و فرضوها على الفلسطينيين. و هذا يعني أنّ غموضاً خطيراً سوف يحفّ بمصير مليون و 800 ألف عربي فلسطيني يسكنون الأراضي المحتلة عام 1948 م، فهم في أحسن الأحوال لن يكونوا أكثر من مواطنين من الدرجة الثانية، و بمقدور الكيان الصهيوني، لأيّ ذريعة شاء، أن يطرد جزءاً من هذا العدد خارج الأراضي الخاصة باليهود.
إلغاء حقّ العودة للاجئين
لقد تسبّبت حربا 1948 م و  1967 م في إطلاق موجتي نزوح رئيسيتين و تشريد الفلسطينيين. و طبقاً لتعريف منظمة الأمم المتحدة، فإنّ اللاجئين أو المشرّدين الفلسطينيين هم الذين كانوا يعيشون في فلسطين في شهر يونيو̸ حزيران 1946م و شهر مايو̸ أيار 1948 م ثم اضطروا إلى النزوح عن ديارهم بسبب اندلاع الحرب في عام 1948 م. بناءً على هذا التعريف، فإنّ إطلاق مصطلح اللاجئين الفلسطينيين يشمل أبناء هؤلاء الناس أيضاً. و بدورها قامت منظمة الأمم المتحدة بتأسيس وكالة غوث و تشغيل اللاجئين المعروفة اختصاراً باسم أونروا (UNRWA) و ذلك لغرض تقديم المساعدات للاجئي النكبة في سنة 1948 م. و وفقاً للأرقام المعلنة من قبل الأونروا فإنّ عدد اللاجئين الفلسطينيين ارتفع من 711 ألف لاجئ في عام 1950 م إلى 4.7 مليون لاجئ في عام 2010 م، و قد أعلنت الوكالة المذكورة أنّها غطّت احتياجات أكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني مع نهاية العام 2014 م.
إنّ موضوع عودة اللاجئين هو موضوع الشعب الفلسطيني و أحد أهم التحديات في مفاوضات الصلح. في إعلان المبادئ في أوسلو أوكلت القضايا المتعلقة باللاجئين إلى المرحلة النهائية من عملية السلام، و لم تنصّ على أيّ قاعدة أو آلية لحلّ هذه المشكلة، هذا في حين أنّ الطرف الفلسطيني كانت لديه قناعة تامة بأنّ إسرائيل لن تكون مستعدة بأي شكل لبحث هذا الموضوع في المستقبل. و مع ذلك لم يتخلّ الفلسطينيون في مواقفهم الإعلامية عن التمسّك بحقّهم في العودة إلى أرضهم طبقاً لما تنصّ عليه قرارات الأمم المتحدة، فيما الكيان الصهيوني كان يعلن دائماً معارضته الصريحة لهذه العودة، لأنّه ينظر إلى هذه القضية من زاوية استراتيجية تمسّ أمنه القومي و وجوده، فعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم تعني حدوث تغيير في التركيبة الديموغرافية للمنطقة لغير صالح إسرائيل. و هنا تبرز ملاحظات عديدة تتعلق بموضوع حق العودة للاجئين الفلسطينيين في إطار مشروع صفقة القرن نوردها كما يلي:
الملاحظة الأولى، حول حل قضية اللاجئين الفلسطينيين طبقاً لهذه الصفقة حيث تنصّ على أنّ هذا الموضوع يجب أن يحلّ في إطار تأسيس الدولة الفلسطينية، إذ يُنظر إليه كمشكلة فلسطينية لا كقضية ذات صلة بالسلام بين الفلسطينيين و الصهاينة. بمعنى، على الدولة الفلسطينية المحتملة أن تقوم بإدارة أزمة عودة اللاجئين إلى حدود الأراضي التي ستقع تحت إدارتها، بما لا يرتّب أيّ التزامات على الكيان الصهيوني. و في هذا السياق تلحّ الإشارة إلى أنّ قطاع غزة سيكون عاصمة الدولة الفلسطينية طبقاً لخطة ترامب و على أساس مبادلة الأراضي بصحراء سيناء، و بالإمكان توطين المشرّدين أو اللاجئين الفلسطينيين في هذه الأراضي، على أبعد تقدير، بما يعني، انتفاء حقّهم في العودة إلى أراضي عام 1948 أو حتى أراضي الضفة الغربية. 
الملاحظة الثانية: احتمال منح المشرّدين أو اللاجئين الفلسطينيين جنسية بلدان الشتات أو المهجر، و على هذا الأساس، يتم حثّ بلدان مثل الأردن و لبنان و سورية و حتى مصر منح جنسيّتها للاجئين الفلسطينيين المتواجدين على أراضيها، بما يعني ذوبان الهوية الفلسطينية في هويات جديدة أردنية و لبنانية و سورية و مصرية ...إلخ.
الملاحظة الثالثة: العملية الاستباقية لإدارة ترامب في انحلال مسألة اللاجئين قبل الإعلان الرسمي عن مشروع صفقة القرن. فقد أعلنت وزارة الخارجيةالأمريكية في الثلاثين من شهر أغسطس̸ آب الماضي قطع دعمها المالي عن وكالة الأونروا التي تقدّم المساعدات للاجئين الفلسطينيين. إذ صرّحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية هيذر نويرت إنّ نموذج عمل الوكالة و إدارة شؤونها المالية عملية معيبة بشكل لا يمكن إصلاحه، و لهذا فإنّ الإدارة الأمريكية راجعت المسألة بحرص و خلصت إلى أنّ الولايات المتحدة لن تقدّم مساهمات إضافية للأونروا. و أضافت المتحدثة قائلة: إنّ الزيادة المضطردة في أعداد الأفراد الذين تتوفر فيهم الشروط لتلقّي المساعدات جعل استمرار هذه العملية أمراً مستحيلاً. و من جانبها صرّحت وكالة الأونروا بأنّها تقدّم المساعدة لخمسة ملايين لاجئ فلسطيني موزّعين على البلدان الأردن و لبنان و سورية و الضفة الغربية و قطاع غزة. لذا يتبيّن لنا من هذه الخطوة أنّ إدارة ترامب، و كما فعلتها في مسألة إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، تروم قبل الإعلان الرسمي عن مشروع صفقة القرن اتّخاذ قرارات من طرف واحد لصالح إسرائيل في موضوع اللاجئين الفلسطينيين لتخرج هذا الموضوع أيضاً من دائرة التفاهمات النهائية و مفاوضات السلام.
مبادلة أراضي الضفة ببعض الأراضي في صحراء سيناء 
لعلّ أهم محور في خطة ترامب المسماة صفقة القرن، مسألة مبادلة أراضي الضفة الغربية ببعض أراضي صحراء سيناء، حتى أنّها أصبحت تُعرف في الأدبيات السياسية الراهنة بـ‌صفقة القرن حول موضوع مبادلة أراضي الضفة الغربية بصحراء سيناء. و يرتبط هذا الموضوع بالمستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية لنهر الأردن. فالكيان الصهيوني قام على مدى العقود الأخيرة ببناء مستوطنات على مساحة واسعة من الضفة الغربية (المنطقةج) منتهكاً بذلك حدود الرابع من حزيران عام 1967 م و ذلك خلافاً للقرارات الدولية و جميع الاتفاقيات الثنائية التي أبرمها مع الفلسطينيين بما في ذلك إعلان المبادئ. و تعد مسألة بناء المستوطنات من أهم القضايا الخلافية بين الفلسطينيين و الصهاينة، من حيث أنّ الطرف الفلسطيني يشهد في كل يوم ابتلاع الكيان الصهيوني لحصته من أرض فلسطين التاريخية. و دأبت المنظمة الدولية و مختلف بلدان العالم بل و حتى بعض الإدارات الأمريكية على حثّ الكيان الصهيوني على التوقّف عن بناء المستوطنات، منتقدين جعل هذه المسألة عقبة في طريق مفاوضات السلام. و كادت الانتقادات الحادة لأوباما حول بناء إسرائيل للمستوطنات في الضفة الغربية تثير أزمة في العلاقة بين واشنطن و تل أبيب. فأوباما كان يعتقد أنّ مواصلة بناء المستوطنات سوف يقضي، بالنتيجة، على حلّ الدولتين، و يؤدّي إلى انتشار التطرّف في الجانب الفلسطيني، و يزيد من التهديدات طويلة الأمد ضدّ إسرائيل. بينما تؤمن حكومة نتنياهو اليمينية إيماناً راسخاً بأنّ بناء المستوطنات هو من أجل زيادة عمق الحدود الإسرائيلية. في هذا السياق سعى ترامب من خلال خطته ترسيخ وضع المستوطنات القائمة في الكيان الصهيوني، إلى طرح مسألة اقتطاع 10 في المئة من أراضي الضفة الغربية و ضمّها إلى الأراضي المحتلة. و بموجب هذا الاقتراح فإنّ المستوطنات الموجودة في الضفة الغربية يتم اقتطاعها بنسبة أقصاها 10 في المئة من أراضي الضفة الغربية و من ثمّ ضمّها إلى الأراضي المحتلة في عام 1948 م على أن يتم التعويض عنها بأراضٍ من صحراء سيناء و دمجها بقطاع غزة و منحها للفلسطينيين. و بحسب المعلومات المتوفرة، فإنّ شريطاً بطول 24 كم و عرض 30 كم على امتداد ساحل البحر الأبيض المتوسط من مدينة رفح حتى العريش و قسم من الأراضي الواقعة غرب معبر «كرم أبو سالم» بمساحة تبلغ 720 كم مربع تلحق بقطاع غزة ليتم فيها إسكان جزء من الشعب الفلسطيني بمن فيهم اللاجئين، و يتم تشكيل دولة فلسطينية على هذه الأراضي. و الملاحظ من الجزء الفلسطيني في صفقة القرن أنّه يركّز بشكل أكبر على قطاع غزة، و أنّ سيادة الدولة الفلسطينية (إذا كان مسموحاً لنا إطلاق مصطلح السيادة نظراً للشروط التي تقوّض الصلاحيات الممنوحة في مجال الأمن الخارجي و عدم وجود جيش وطني لهذه الدولة) على الضفة الغربية منتفية. تفيد بعض المعلومات الإعلامية أنّه من المقرّر أن تتكفّل العربية السعودية و الإمارات المتحدة بنفقات بناء الوحدات السكنية و ما شابه في هذا الميناء المزمع استحداثه.
حل مشكلة الضفة الغربية بإقامة كونفدرالية مع الأردن
من أكثر الحلول المطروحة للمشكلة الفلسطينية تطرّفاً و انحيازاً منذ اغتصاب الكيان الصهيوني فلسطين و حتى اليوم الخطة القائلة بإقامة فدرالية أو كونفدرالية أردنية فلسطينية. لقد طُرحت هذه الخطة من قبل الكيان الصهيوني نفسه، و هي تخفي وراءها أهدافاً توسعية، فضلاً عن أنّها لا تحظ بتأييد أي طرف عالمي. فقد عارضت الخطة الدول العربية، من بينها الأردن، و امتنعت عن الترويج لها و تبديلها إلى فكرة صالحة و مقبولة على الساحة الدولية لحل الصراع العربي الصهيوني. 
وفي حينها، اعتبر الملك الأردني السابق حسين أنّ هذا الحل يهدف إلى تقويض الهوية المستقلة للأردن، و طبعاً الحؤول دون تأسيس الدولة الفلسطينية، ولذلك بذل كل ما في وسعه لمنع تحوّل هذه الفكرة إلى آلية مقبولة لحل الصراع. و في الحقيقة، إنّ خطة ترامب في جزئها المتعلّق بالضفة الغربية مأخوذة من هذا الحل، حيث أنّ هدفها هو منع قيام دولة فلسطينية على أراضي الضفة الغربية. و طبقاً للخطة، فإنّ البقية المتبقية من أراضي الضفة الغربية (عدا القدس و 10 في المئة من الأراضي الخاصة بالمستوطنات) يتم إدارتها ضمن كونفدرالية مع الأردن، و يقوم الجيش الصهيوني بالانسحاب من القطاعين أ ، ب، و جزء من قطاع ج، و لكن مع بقائه على امتداد نهر الأردن و الجبال التي تتوسط الضفة ليتكفّل بمهمة حفظ الأمن في هذه المناطق في الحالات الطارئة.
تطبيع العلاقات بين العرب و الكيان الصهيوني
منذ تأسيسه و حتى اليوم و الكيان الصهيوني يعاني من أزمة المشروعية، فالكثير من البلدان الإسلامية و لا سيّما البلدان العربية المجاورة لإسرائيل لا تعترف بهذا الكيان، عدا طبعاً مصر و الأردن اللتين تربطهما اتفاقيات سلام ثنائية مع الكيان الصهيوني، و استطاعتا بموجبها إقامة علاقات دبلوماسية في حدودها الدنيا، و طيلة العقود التي تلت حرب يونيو̸ حزيران 1967 ظلّت البلدان العربية الأخرى تربط مسألة التطبيع مع الكيان الصهيوني بإنهاء احتلاله للأراضي العربية المحتلة و انسحابه إلى ما وراء خط الرابع من يونيو̸ حزيران 1967م و إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية. و بالنسبة لمصر و الأردن أيضاً تبرز هذه الملاحظة الجديرة بالتأمل و هي، صحيح أنّ التوقيع على اتفاقيات كامب ديفيد (1978 م) و  وادي عربه (1994م)، أدّى إلى اعتراف الدولتين بالكيان الصهيوني، لكنّ الاتفاقيتين لم تؤدّيا إلى تطبيع علاقات البلدين مع الكيان المذكور، إذ ما زالت حالة العداء الاستراتيجي بين مصر و الأردن ضمن التحالف العربي المعادي للصهاينة، و تشكّل هذه القضية، بالإضافة إلى أبعادها السياسية، واحدة من أهم التحديات الأمنية للكيان الصهيوني. فعدم الاعتراف بدولة إسرائيل من قبل جيرانها العرب أبقى التهديدات الأمنية للصهاينة بمستوى الإنذار، خصوصاً قبيل وقوع التحولات المتعلقة بالصحوة الإسلامية «أو ما يسمّى أحداث الربيع العربي». ربما يكون حرف مسار ثورات شعوب المنطقة و  تغيير الأولويات بالنسبة للحكومات العربية قد جعل من قضية فلسطين و الصراع مع العدو الصهيوني قضية ثانوية، إلّا أنّ تطبيع العلاقات مع الدول العربية في المنطقة ما يزال يشكّل إحدى القضايا الاستراتيجية للكيان الصهيوني، و أنّ خطة ترامب على الصعيد الإقليمي تمّ تصميمها لتعالج هذا المطلب الاستراتيجي للكيان، لذا، فهي بصدد إقناع الدول العربية ليس فقط في أن تتخلى عن شروطها لتطبيع العلاقات معه، بل أن تعمل على تسهيل التطبيق الكامل لصفقة القرن عبر تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني على مختلف الصُعُد. فإرساء حكم آل سلمان في العربية السعودية، و حاجة ولي العهد الجديد إلى دعم الولايات المتحدة هيّأت فرصة مناسبة لتطبيق خطة ترامب، إذ من خلال مراجعة السياسة الخارجية للحكومة السعودية في السنوات الأخيرة، نتبيّن أنّ ابن سلمان مستعد لتقديم تنازلات أكبر للولايات المتحدة و إسرائيل فيما يخصّ القضية الفلسطينية من أجل ترسيخ موقعه و إزاحة منافسيه عن طريقه. و قد تجلّت هذه المسألة بشكل أوضح في إطار توسيع التعاون الأمني بين السعودية و الكيان الصهيوني، بحيث لم يعد أي من الطرفين، السعودية أو الكيان الصهيوني، يخفي وجود مثل هذه العلاقات. وفي ضوء هذه المعطيات يمكن القول إنّ عملية التطبيع جارية على قدم و ساق من قبل الدول العربية، و أنّ هذا الجزء من خطة ترامب أيضاً، كما حدث مع مسألة القدس و اللاجئين، يسير حسب ما هو مخطّط له قبيل الإعلان الرسمي لصفقة القرن.
ج- أهداف مشروع صفقة القرن 
إنهاء الصراع بين العرب و الكيان الصهيوني، و إخراج قضية فلسطين من قائمة الأولويات العربية و الإسلامية. كما أوضحنا، فإنّ أحد محاور خطة ترامب لتصفية القضية الفلسطينية و إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، تطبيع علاقات البلدان العربية مع الكيان الصهيوني، و اعترافها رسمياً بمشروعية وجود هذا الكيان، لذا، فإنّ منح المشروعية الإقليمية له و تجاوزه لتحدّي المشروعية في علاقاته مع جيرانه يعدّ خطوة مهمة على طريق تعزيز الأمن الاستراتيجي لإسرائيل، و ترسيخ وجودها. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ إنهاء حالة العداء بين العرب و الكيان الصهيوني، سوف يخرج تلقائياً قضية فلسطين من دائرة الأولويات العربية، و ينقل هذا الكيان من موقع العدو القطعي للبلدان العربية و الإسلامية إلى دولة شريكة في العلاقات الإقليمية.
تغيير اتجاه البوصلة من الكيان الصهيوني نحو إيران بوصفها تهديداً رئيسياً للبلدان العربية، و استهداف محور المقاومة من خلال التعاون المشترك بين الدول العربية و الكيان الصهيوني. إنّ المخطط الغربي الصهيوني القاضي بخلق حالة من العداء بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية و الدول العربية و تشديدها، و تنفيذ مشروع الإيرانوفوبيا، قد حقّق نجاحاً نسبياً. ففي ضوء إدارة أمريكا لهذا المخطط ، أصبح يُنظر إلى إيران على أنّها تهديد مشترك للعرب و إسرائيل، و صار عدد كبير من الحكومات العربية يتبنّى هذه الفكرة و يؤمن بها. لقد استطاع الأمريكان أن يلقوا هذا التصوّر الاستراتيجي في روع المسؤولين السعوديين و الحكومات السائرة في فلكهم، و هو أنّ إيران تمثّل التهديد الأول و الأخطر من بين كل التهديدات في المنطقة. و على الدول العربية و الكيان الصهيوني إذا أرادوا التغلّب على هذا التهديد المشترك، أن يتركوا عداواتهم و خلافاتهم جانباً، و ينبروا ضمن شراكة استراتيجية لمواجهة الجمهورية الإسلامية و محورالمقاومة. إذن فالهدف الآخر من خطة ترامب خلق تقارب عربي صهيوني و عقد شراكة استراتيجية بينهما لمواجه التهديد المتمثّل في الجمهورية الإسلامية و محور المقاومة. 
آثار و نتائج مشروع صفقة القرن
الآثار و النتائج القانونية
انتفاء الإجراءات القانونية التي ترتّبت بموجب قرارات مجلس الأمن و الاتفاقيات الثنائية في حال القبول بصفقة القرن و تطبيقها، و الإجراء القانوني المترتّب على قرارات مجلس الأمن الدولي مثل القرارين 242 و  338 الذي يدعو إلى ضرورة انسحاب الكيان الصهيوني من الأراضي المحتلة و العودة إلى حدود عام 1967 م، و ترتيب وضع قانوني جديد في الأراضي الفلسطينية فيما يخصّ الصراع الفلسطيني الصهيوني. ناهيك عن انتفاء الإجراءات القانونية الخاصة بالاتفاقيات السابقة مثل اتفاقيات أوسلو و اتفاقية غزه - أريحا، و لن يستطيع الطرف الفلسطيني بعد الآن أن يطالب بالحقوق المعترف بها في هذه الاتفاقيات. و تتجلّى أهمية و خطورة هذا الوضع بشكل أكبر إذا ما علمنا بأنّ الكيان الصهيوني قد استنفد تقريباً تطبيق جميع البنود و المبادئ التي في صالحه في الاتفاقيات السابقة، و أبقى التي في صالح الطرف الفلسطيني مجمّدة. لذا، فإنّ خلق مسار قانوني جديد في الملف الفلسطيني بمعزل عن تاريخ الشعب الفلسطيني هو من النتائج المؤكدة لتطبيق خطة ترامب أو ما يسمى صفقة القرن. 
الآثار القانونية المترتبة على عدم عودة اللاجئين
تترتب على مسألة انتفاء عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى الوطن الأم سلسلة من الآثار ذات الصلة بقضايا القانون الدولي الخاص بهؤلاء الأفراد و قضايا القانون الدولي الإقليمي. كما أنّ عدم رغبة الحكومات المضيفة للاجئين الفلسطينيين بالموافقة على حضورهم الدائم في بلدانها قد يكون في حدّ ذاته عاملاً في فقدان قسم من اللاجئين جنسيتهم الفلسطينية و ألّا يحصلوا، في المقابل، على الجنسية الجديدة، فيصبحوا في ما يسمّى وضع انعدام الجنسية. و لا يخفى ما لهذه المسألة من عواقب وخيمة على المشرّدين الفلسطينيين، من ناحية، و على أمن المنطقة و العالم من ناحية ثانية. ذلك لأنّ مستوى التزامات البلدان إزاء المشرّدين، كما هو معلوم، أقل بكثير منه إزاء مواطنيها الرسميين.
انصهار الهوية الفلسطينية في هويات البلدان المضيفة للاجئين و المهاجرين
ذكرنا في القسم المتعلق بأبعاد مشروع صفقة القرن، أنّ إعطاء الجنسية، على الأقل، لقسم من اللاجئين الفلسطينيين في بلدان الشتات هو من بين المحاور التي تشتمل عليها خطة ترامب لتصفية القضية الفلسطينية. إذ من المعلوم أنّ هذه العملية سوف تعمل على صهر الهوية الفلسطينية في الهويات الأردنية و اللبنانية و السورية و المصرية .. إلخ.
الآثار و الانعكاسات الاستراتيجية
تبلور منظومة جديدة من التقارب الاستراتيجي بين العرب و إسرائيل في منطقة غرب آسيا.
كما تقدّم، لاتقتصر خطة ترامب على تصفية القضية الفلسطينية و إحلال السلام بين الفلسطينيين و الصهاينة فحسب، و إنّما لها أبعاد أوسع مدىً تهدف إلى خلق نظام إقليمي جديد بمشاركة الجناحين الحليفين للولايات المتحدة في المنطقة (أعني إسرائيل و البلدان العربية). لذا فأحد أهم النتائج المترتبة على احتمال تطبيق تلك الخطة حدوث تغييرات في خارطة التحالفات، و تبعاً لذلك، حدوث تغييرات في موازين القوى الإقليمية لصالح أعداء محور المقاومة. في الحقيقة، إنّ هذه المسألة تعدّ النتيجة الأخطر استراتيجياً في صفقة القرن التي يفكّر فيها واضعوها، و لهذا السبب نقول، على الرغم من جميع التحديات و الثغرات و نقاط الضعف و التناقضات التي تنطوي عليها خطة ترامب، إلّا أنّ الذي رفع من نسب نجاحها، رغبة الأطراف الرئيسية في الخطة في إحداث تغييرات في موازين القوى في المنطقة بالضدّ من الجمهورية الإسلامية الإيرانية و محور المقاومة. 
تغيير الأولويات الإسلامية و العربية
من المعلوم، أنّ الدول الإسلامية و الأمة الإسلامية تنظر نظرة خاصة إلى مواقف و آراء العربية السعودية و العرب السائرين في ركابها فيما يخصّ بقضية الصراع مع الكيان الصهيوني المحتل، ما يعني أنّ أيّ تغيير في تلك المواقف العربية في المواجهة المصيرية مع إسرائيل سوف ينعكس بشكل مباشر على المواقف و الأولويات الرئيسية للعالم الإسلامي، فتتراجع أولوياته بالنسبة للقدس الشريف و المسجد الأقصى.
تبلور إجماع سياسي دولي ضدّ محور المقاومة
بعد تصفية القضية الفلسطينية و التخلّي عن مهمة تحرير القدس الشريف فلن يبق، بطبيعة الحال، أيّ معنى، من وجهة نظر المجتمع الدولي و بلدان العالم، لاستمرار حركات المقاومة التي كان أصل وجودها و ما يزال هو تطهير الأراضي المحتلة من دنس الأعداء، و عليه، إذا أرادت هذه الحركات المقاومة أن تواصل كفاحها المسلح ضدّ الكيان الصهيوني، فلا شكّ في أنّ المحافل الإقليمية و الدولية لن تتسامح معها، و لن يبعد أن يتبلور إجماع سياسي و دولي للقضاء عليها تحت مبرّر الإرهاب.

الحاشية
1-  في تلك الحقبة شهد العالم تحولاً في رؤية الساسة الأمريكان إزاء إسرائيل، إذ لأول مرة تقدّم الولايات المتحدة تعهداً مكتوباً إلى إسرائيل بالدفاع عن أمنها في صراعها مع العرب، و في مقابل ذلك تبدي إسرائيل مرونة في مفاوضاتها حول انسحابها من شبه جزيرة سيناء. 
2-  يطلق مصطلح اتفاقيات أوسلو على المعاهدتين اللتين أبرمتا بين الكيان الصهيوني و منظمة التحرير الفلسطينية، و التي فتحت الطريق أمام عملية السلام بين إسرائيل و فلسطين، و هيّأت لظروف تأسيس تشكيلات السلطة المحلية الفلسطينية. أبرمت اتفاقية أوسلو 1 في عام 1993 م، و اتفاقية أوسلو 2 في عام 1995 م، حيث و قّعها كل من ياسر عرفات و اسحاق رابين، و كان الرئيس الأمريكي بل كلنتون بمثابة الوسيط الشاهد على كلتا الاتفاقيتين.
3-   طبقاً لما أعلنه صائب عريقات حول محاور بنود صفقة القرن، فإنّ دول العالم سوف تعترف بدولة إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي.

 

المصادر: 

جعفري، علي أكبر، منافع استراتژيك مشترك و  اتحاد آمريكا - اسرائيل، ص 54، معهد الدراسات الاستراتيجية٬ 2010 م.
مشرق نيوز، مارس̸ آذار 2017 م، توافق شيخ نشينها با ترامپ با طرح موسوم به «معامله قرن». https://www.mashreghnews.ir/news/857324
سبوتنيك، ديسمبر̸ كانون الأول 2017 م، https://af.sputniknews.com/world/201712061883963
alwAght, 1395,  http://alwaght.com/fa/News/75847
mohammad ebrahim almadhoun, 2017, http://www.aljazeera.net/knowledgegate%2Fopinions%2F2017%2F6%2F14%2F%D8%B5%D9%81%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D9%86
Saeb Erekat, Jan 2018, http://mubasher.aljazeera.net/news/%D8%B5%D8%A7%D8%A6%D8%A8-%D8%B9%D8%B1%D9%8A%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D9%8A%D9%83%D8%B4%D9%81-%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%B5%D9%8A%D9%84-%D8%B5%D9%81%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D9%8A%D8%A9
Abdullah al-Snawi, May 2017, https://al-akhbar.com/Arab/231094


قراءة: 923