فصلنامه مطالعات سیاست خارجی تهران
 

تحليل العواقب المترتبة جرّاء إعادة إنتاج داعش في سورية

السيد محمد جواد قربي

طالب في مرحلة الماجستير فرع الفكر السياسي في معهد دراسات الإمام الخميني (رحمه الله) ghorbi68@yahoo.com

 

الخلاصة

شكّل ظهور تنظيم داعش الإرهابي و  تعاظم قدراته إحدى الأزمات الأمنية لبلدان غرب آسيا و  منطقة الخليج الفارسي، بحيث أنّ نشاطاته الإرهابية و  الجهادية وضعت أمن المنطقة في مهب الريح.
و خطورة المشكلة المتعلقة بالتيارات التكفيرية الإرهابية تكمن في أنّ بؤرة نشاطاتها تقع في النطاق الاستراتيجي لحلفاء إيران، و هذه النقطة بالذات هي التي زادت من أهمية رصد إيران لتحركات هذا التنظيم و المراقبة المستمرة لمسار تحوّلاته. من ناحية أخرى، لما كانت سورية تشكّل العمق الاستراتيجي لإيران، فقد ترتّب على أزمتها المتمثّلة بصراعها مع التيارات التكفيرية و الإرهابية تداعيات أمنية على الجمهورية الإسلامية الإيرانية. من هنا، تناقش الورقة الحالية بأسلوب تحليلي وصفي و بالاستناد إلى الدراسات التوثيقية تأثير عودة الحياة إلى تنظيم داعش و ممارساته التكفيرية في الأراضي السورية على الأمن القومي الإيراني. تشير بعض النتائج التي ظهرت إلى السطح أنّ الأزمة السورية تركت تأثيراتها على النظام و الأمن الإقليميين، و إنّ عوامل من قبيل خلق ظروف الأمن المناسبة للكيان الصهيوني، و نفوذ الجماعات الداعمة للإرهاب في المنطقة، و تطوّر التسليحات العسكرية في النطاق الاستراتيجي لإيران، و إضعاف تيار المقاومة، و محاولات المساس بهيبة إِيران و سمعتها في المنطقة و العالم، و  الحضور العسكري الأمريكي في الدول المجاورة لإيران، و خلق نموذج منافس لنموذج الديمقراطية الدينية، و إضعاف القدرة الأيديولوجية لإيران ... و  غير ذلك من إفرازات الأزمة السورية، كلّها تشكّل تهديداً للأمن القومي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في حال استجمع تنظيم داعش الإرهابي قواه و أعاد تنظيم صفوفه.

الكلمات الأساسية: الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الأمن الإقليمي، تنظيم داعش التكفيري - الإرهابي، سورية، محور المقاومة، الديمقراطية الدينية.

 

 
الخطوط العامة للورقة
مقدمة
 
يشكّل تنظيم داعش التكفيري الإرهابي النسخة الأحدث للتنظيمات الإرهابية التي ظهرت في منطقة غرب آسيا، و قد أصبح مصدراً لهواجس و قلق دول المنطقة و الدول الغربية على حدّ سواء. فالعمليات الإرهابية و التوسعية لهذا التنظيم في سورية عرّضت أمن المنطقة لتهديد خطير، ممّا جعل زمام الأمور يفلت من يد الحكومة السورية و بالتالي فقدانها السيطرة على أجزاء واسعة من البلاد. تنظيم داعش عبارة عن جماعة أصولية تزعم أنّها تتصرّف على منهاج النبوة و وفقاً للأصول الإسلامية، و قد أثارت ممارساتها موجة جديدة من الإسلاموفوبيا في جميع أنحاء العالم. في الوقت نفسه، ساهمت استراتيجية الولايات المتحدة و القوى الغربية في منطقة غرب آسيا المتمثلة في ضمان أمن إسرائيل في المنطقة، و دعم الحكومات الصديقة، و محاربة نفوذ المذهب الشيعي، و احتكار سوق السلاح... و غير ذلك ساهمت في عدم الرغبة الحقيقية للولايات المتحدة في كبح جماح تنظيم داعش، ناهيك عن أنّ ضعف الحكومات المركزية و القلاقل و تعدد مراكز القرار الناجم عن الثورات العربية و النزاعات الطائفية ساعد على تبديل تنظيم داعش التكفيري إلى تيار غاية في الخطورة على مسرح السياسة غير الرسمية في منطقة غرب آسيا (شهبازي،1394: 1) الأمر الذي ترك تأثيرات سلبية على النظام و الاستقرار و الأمن في المنطقة.
إنّ اشتعال شرارة الاحتجاجات في سورية في مارس̸ آذار 2011 م بعيد انطلاق دومينو الثورات العربية و إن كان يعبّر عن مطاليب شعبية إلّا أنّ تلك الاحتجاجات أغرقت المشهد السياسي السوري في بحر الاضطرابات و القلاقل متأثّرة بالدعم و التدخل الخارجيين. فما أن بدأت الأزمة السياسية في سورية، حتى انبرى اللاعبون الإقليميون طبقاً للينبغيات و المحذورات التي تحكمهم، و انسجاماً مع مقتضيات الأصول الواقعية البراغماتية الحاكمة في السياسة الخارجية، انبروا إلى تأمين مصالحهم القومية في حدودها القصوى و بمختلف الأبعاد عبر لعب كل منهم دور في الأزمة، حيث أدّى التنافس و تناقض المصالح و تعارض توجهات القوى الإقليمية إلى إضفاء مزيد من التعقيد على المشهد و تأزيم التحولات و تفاقمها و إطالة أمد الأزمة. و علاوة على تشابك الأزمة و اكتظاظها أكثر من ذي قبل، انفلتت الصراعات من عقالها و استعر أوارها (نجات،1392: 2-1). فبدأت شظايا الصراعات الداخلية تنتشر في جميع الاتجاهات لتحرق معظم المناطق السورية، و لم يلتهم هذا الحريق الأمن و الاستقرار و البنى التحتية في البلاد و حسب، و إنّما أنهك الدولة السورية فانعكست الآثار السلبية لذلك على علاقاتها الإقليمية لا سيّما على حلفائها الإقليميين أيضاً، فمن جهة أدّى تفاقم الأزمة و تمدّدها السريع في جميع أنحاء البلاد و عدم التعاطي الصحيح معها نتيجة عدم الفهم الصحيح لجوهرها أو للعوامل الرئيسية الكامنة وراء السخط الشعبي على الحكومة المركزية، و من جهة ثانية ساهم تدخّل بعض الدول و القوى الإقليمية في الأزمة و استخدام نفوذها باتجاه توسيع نطاقها في تهيئة ظروف مواتية للمعارضة الداخلية لتشكيل فصائل مسلحة في معظم المدن السورية، و دخول الجماعات الأجنبية المتطرّفة على خط الأزمة كتنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية في العراق و الشام (داعش)، فبدا أنّ البلد يدخل في نفق مظلم بفعل هذه التطورات، و اشتدّت حدّة الصراعات الداخلية بين هذه الفصائل و بين الحكومة المركزية من جهة، و بين الفصائل فيما بينها من جهة ثانية. 
الآن و بعد مضي عدّة سنوات على اندلاع الأزمة السورية، تبدو أوضاع البلد أكثر تعقيداً، و لم تشهد أيّ تحسّن، و قد انسحب تأثيرها السيء على جميع المكونات و الطوائف هناك، أمّا على الصعيد الخارجي لا سيّما السياسة الخارجية السورية فقد تراجعت كثيراً قدرة سورية في التأثير على العلاقات الإقليمية، كما انعكس اشتداد الأزمة و تفاقمها بشكل كبير على أمن البلدان الإقليمية الحليفة لسورية مثل الجمهورية الإسلامية الإيرانية، خاصة على صعيد تعزيز محور المقاومة (بورحسن، 1394). و في ضوء هذه المعطيات نقول، إنّ الأزمة السورية قد أثّرت على الأمن القومي الإيراني في مختلف الأبعاد السياسية و الاقتصادية و العسكرية عبر زيادة عدم الاستقرار و التوترات العرقية و الطائفية في المنطقة. على هذا الأساس، فإنّ تركيز الجمهورية الإسلامية الإيرانية على النتائج و التبعات الأمنية المترتبة على الأزمة السورية و نشاطات تنظيم داعش الإرهابي في هذا البلد يأخذ الحيّز الأكبر من الاهتمام، و استناداً إلى هذه الضرورة، حاولنا في هذه الورقة بأسلوب تحليلي وصفي و بالاستناد إلى الأبحاث المكتبية أن نجيب عن السؤال: ما أهمية استعادة تنظيم داعش الإرهابي لقوته في سورية و ما التأثير الذي سيتركه هذا الحدث على الأمن القومي للجمهورية الإسلامية الإيرانية؟ 
انتظمت الورقة الحالية بحسب الترتيب التالي: في الفصل الأول، عملنة مفاهيم البحث و استعراض للجغرافية السياسية السورية استناداً إلى نظرية الأمن الموسّع. في الفصل الثاني نتناول بالبحث و التحليل العلمي التأثير الأمني للأزمة السورية على الأمن القومي الإيراني. و لأجل تحقيق الأهداف المنشودة في الورقة ارتأينا مراجعة بعض الرسائل الجامعية و المصادر و المقالات ذات الصلة بالأزمة السورية.
أهمية الورقة
لم تفتأ التيارات السلفية من كل الصنوف و المشارب ترفع شعار محاربة الشرك و البدع كوسيلة لمواجهة الشيعة و على الأخص نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، و هي بذلك تستلهم من أيديولوجيتها التكفيرية التي تمتد جذورها إلى مدرسة ابن تيمية الحراني و محمد بن عبد الوهاب و أفكارهما و معتقداتهما. على صعيد آخر، فإنّ مناصبة بعض الدول العربية و الغربية إيران العداء و دعمها لجماعات مثل تنظيم داعش أدّى إلى تمدّد هذه التيارات و تعاظم دورها في منطقة الشرق الأوسط. (بزشك،1394: 8-7) و تمارس هذه الجماعات التكفيرية نشاطاتها على مقربة من الحدود الإيرانية و في النطاق الاستراتيجي لأصدقاء إيران، و على رأسهم سورية التي تعدّ أحد أهم الحلفاء الاستراتيجيين لإيران في المنطقة. و يلعب هذا البلد دوراً حيوياً في ربط إيران استراتيجياً بالبحر المتوسط و الشرق الأوسط. و لهذا السبب نجد أنّ نظرة إيران إلى التطورات السورية نابعة من مصالحها و هي مختلفة عن سائر أرجاء العالم العربي. بعبارة أخرى، لقد دعمت إيران مطالب الإصلاح في سورية في إطار الحكم القائم و بما لا يؤدّي إلى إضعاف قدرات هذا البلد و أمنه القومي في مواجهة تنظيم داعش و الكيان الصهيوني. و من شأن ذلك تحكيم مشروعية حكومة الرئيس بشار الأسد ليؤدّي بالمآل إلى المحافظة على الاتحاد التقليدي بين إيران و سورية. من البديهي أن يكون لإيران سياسة واقعية براغماتية قائمة على تأمين مصالحها الاستراتيجية، و أن تتّخذ مواقفها على أساس المعطيات و الوقائع الموجودة في المجتمع السوري. و يبدو أنّ الاتحاد القائم بين البلدين و الذي فرضته الأوضاع الخاصة التي تحكم العلاقات بين إيران و سورية و حزب الله في المواجهة مع الكيان الصهيوني سوف تستمر حتى في ظروف القبول ببعض نتائج التطورات الجارية في سورية. (بارسا،1390: 156). لذا، في ضوء هذا الاتحاد الاستراتيجي الذي يربط البلدين، من المعلوم أنّ حدوث أيّ تخلخل أمني أو تغيير في النظام السياسي في هذا البلد يمكن أن يهدّد المصالح القومية الإيرانية، و في حال هيمنة تنظيم داعش على مقاليد الأمور في سورية، فبالإضافة إلى فقدان أحد الحلفاء الاستراتيجيين لإيران في المنطقة، فإنّ آثار ذلك سوف تنعكس على إضعاف محور المقاومة و تجويف العمق الاستراتيجي للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ممّا سيجرّ إلى سيادة النهج السلفي في منطقة غرب آسيا في مواجهة الإسلام الشيعي. لذلك نقول بأهمية متابعة و رصد التحولات في سورية بالنسبة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، و إنّ اتباع سياسة اللامبالاة إزاءها سوف يعرّض منظومة السياسة الخارجية لأخطاء استراتيجية على صعيد العلاقات الدولية و تكون إحدى نتائجها إضعاف القوة الناعمة للجمهورية الإسلامية و زيادة وتيرة التهديدات السياسية و الثقافية بالنسبة لإيران.
 
منهج الورقة
الورقة الحالية من نمط الدراسات الأحادية نحاول من خلالها الإجابة عن السؤال: ما أهمية استعادة تنظيم داعش الإرهابي لقوته في سورية و ما التأثير الذي سيتركه هذا الحدث على الأمن القومي للجمهورية الإسلامية الإيرانية؟ من هذا المنطلق، و نظراً لطبيعة موضوع البحث تمّت الاستعانة بأسلوب تحليلي وصفي و الاستفادة من الدراسات المكتبية و التوثيقية. و لأجل تدوين إطار مفهومي و دراسة تأثير التحولات في سورية على إيران قمنا بمراجعة الكتب و المقالات و الرسائل الجامعية ذات الصلة بالتحولات السورية و ظاهرة داعش في منطقة الشرق الأوسط.
مقاربة جيوسياسية؛ مدخل إلى موقع سورية و داعش
في السياسة الجغرافية أو الجيوبوليتيك، يؤخذ بنظر الاعتبار دور عوامل المحيط الجغرافي على علاقات الدول. لا شك في أنّ المحيط الإقليمي بمختلف أبعاده يشكّل أحد المتغيرات المؤثرة على تبلور التوجه العام للسياسة الخارجية و كذلك المباحث الاستراتيجية و السياسة الدفاعية لكل بلد. إنّ دور كل بلد اليوم على صعيد السياسة العالمية يخضع لتأثير عوامل جيوسياسية، بحيث أنّ أمن ذلك البلد و اقتداره يتبع بشكل كبير العامل الجيوسياسي و الموقع الجغرافي . و تمتلك إيران وضعاً جيوسياسياً فريداً نظراً لموقعها الجغرافي المتميز. و هذا الموقع حوّل إيران إلى بلد عالمي وأتاح لها دائماً لعب دور بارز في المعادلات العالمية (خوجم،1392؛ خليلي،1390). و لطالما شكّلت خصوصية موقع إيران إطاراً مناسباً لحدوث توترات سياسية و عسكرية و تعريض الأمن القومي للخطر. في الماضي، حظي العامل الجيوسياسي لإيران باهتمام خاص لعدّة عوامل منها توفرها على المواد الخام أو موقعها كنقطة عبور، و لكن بعد انتصار الثورة الإسلامية تحوّلت إيران إلى العدو الأقوى للولايات المتحدة في المنطقة لتصبح مصالح هذه الأخيرة هدفاً للحملات الإعلامية الإيرانية، فصار ينتاب الغرب شعور بالتهديد من عوامل جديدة في الجيوبوليتيك الإيراني، من أهمها العوامل العقائدية و الأيديولوجية و على رأسها الجيوسياسية الإسلامية الشيعية. على صعيد الموقع الجغرافي تقع إيران في وسط العالم الإسلامي و تعدّ قلب التشيّع النابض، و إذا ما أضفنا عوامل و عناصر جيوسياسية أخرى مهمة مثل الطاقة الجيوسياسية، والحضور الجيوسياسي، وهيمنة الموقع الجيوسياسي، فإنّها تحظى بلا شك بموقع غاية في الحساسية و الأهمية، ممّا جعل من التحولات الإيرانية في قلب اهتمامات القوى العالمية و بلدان المنطقة. و إذا نظرنا من زاوية العامل الجيوسياسي، سنجد أنّ إيران تجاور جغرافياً قوى مهمة مثل روسيا و تحاذي منطقة نفوذ الولايات المتحدة (الضفة الجنوبية من الخليج الفارسي). و من الطبيعي أن يرفع هذا الموقع المحاذي للمصالح الحيوية للقوى الكبرى من مكانة البلاد في تعاطي هذه القوى فيما بينها. فلإيران حدود برية و مائية مع خمسة عشر بلداً، و هي تستحوذ جيوسياسياً على ما يقرب من نصف احتياطيات الطاقة العالمية في حوض الخليج الفارسي. و حساسية هذا الموقع الجيوسياسي، دفع القوى الكبرى إلى الحؤول دون تعزيز موقع إيران و دورها (خوجم،1392: 73؛ ايزدي و  خلفي،1390: 47-48) هذا، عدا عن أنّ سورية تشكّل العمق الاستراتيجي للجمهورية الإسلامية الإيرانية و العامل الجيوسياسي للمقاومة. لهذا السبب فإنّ حضور داعش في النطاق الاستراتيجي لإيران أعني في دول الإقليم و المجاورة لإيران يعدّ تهديداً جيوسياسياً و هو ما سنفصّل الحديث عنه.
 
1-2. العامل الجيوسياسي الاستراتيجي لسورية 
تحتل سورية موقعاً فريداً في منطقة غرب آسيا، إذ تعتبر حلقة وصل بين القارات الثلاث أوروبا و آسيا و أفريقيا. كما أنّها بإطلالتها على الضفة الشرقية للبحر المتوسط و ساحلها الذي  يمتد لنحو 109 كيلومترات تحظى من الناحية الاستراتيجية بأهمية خاصة بالنسبة لدول المنطقة، خصوصاً و أنّها تقوم بتأمين الاحتياجات النفطية لبعض بلدان المنطقة عبر أنبوب النفط الذي يمتد إلى ميناء بانياس، ما يتيح لها لعب دور مهم في معادلات المنطقة (علي زاده،1387). أضف إلى ذلك أهمية سورية على خارطة الشرق الأوسط من الناحية الاستراتيجية، إذ يحدّها من الشمال جار غير عربي هو تركيا، و من الجنوب الكيان الصهيوني و الأراضي الفلسطينية المحتلة. و نظراً للدور المهم لهذا البلد في كل من لبنان و العراق و فلسطين، فإنّه يعدّ لاعباً رئيسياً في المنطقة. شهدت أهمية سورية على صعيد المنطقة تحوّلاً في العقود الماضية، و ازدادت هذه الأهمية بعد تأسيس الكيان الصهيوني و احتلال فلسطين و الحرب العربية الإسرائيلية. كما لعبت سورية دوراً خاصاً في فترة الحرب الباردة بسبب تحالفها مع الاتحاد السوفيتي، و حتى بعد انهيار هذا الأخير، استمرت أهميتها كما في السابق، بل و ازدادت أكثر و أكثر بسبب غزو العراق للكويت و دخول سورية الحرب ضدّ العراق لطرد قوات صدام من الكويت، و أعقب ذلك مشاركتها في محادثات السلام لتؤكّد مرة أخرى على أن أهميتها ذاتية غير نابعة من تحالفها مع الاتحاد السوفيتي كما كان متصوّراً. خلال العقد الماضي مورست ضغوط كبيرة على سورية لإجبارها على التوقيع على معاهدة سلام مع الكيان الصهيوني لكنّها طرحت شروطها للسلام و رفضت التخلّي عن المناطق المحتلة، و من خلال انتهاج سياسة خاصة استطاعت أن تخلق تحديات كبيرة للولايات المتحدة و الكيان الصهيوني في لبنان و العراق. بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري مرّت سورية بأزمة كبرى، و لكن حتى هذه الأزمة لم تفلح في تركيعها و التراجع عن مواقفها إزاء عملية السلام في الشرق الأوسط، ما جعل منها رقماً صعباً و ضاعف من أهميتها كطرف رئيسي في صراع الشرق الأوسط. 
بعد اندلاع الاحتجاجات في سورية في 2011 م خلقت هذه الأوضاع غير المستقرة ظروفاً خاصة لسورية و للجمهورية الإسلامية الإيرانية على حدّ سواء. و أظهر موقف إيران المختلف إزاء القلاقل في سورية قياساً ببقية التحولات التي تشهدها المنطقة نوعاً من التقابل و تناقض المصالح بين الجمهورية الإسلامية و بين العالم الغربي. فإيران لم تكن ترغب في حدوث أيّ تغيير في الأوضاع بسورية لكونها حلقة الوصل التي تربطها بالمقاومة و حزب الله في لبنان، ناهيك عن أنّها تمثّل عمقها الاستراتيجي. بالإضافة إلى عوامل أخرى رسّخت من دعائم الاتحاد الاستراتيجي بين البلدين مثل الموقع الجيوسياسي و الجيواستراتيجي لسورية، و مجاورتها لتركية و الكيان الصهيوني و العراق و لبنان، كونها حلقة الوصل بين إيران و لبنان، و دعم سورية لتيار المقاومة الإسلامية، و الوشائج الدينية و التاريخية التي تربط البلدين، و دعم سورية للمقاومة الإسلامية و دورها في معادلة ردع الكيان الصهيوني، و دعم سورية لإيران في الملف النووي. في الحقيقة، إنّ العلاقة بين إيران و سورية تجد معناها في إطار المثلث الإيراني السوري اللبناني (حاجي ميرزا،1392 :84-82) مع ذلك لابدّ من الانتباه إلى أنّ شعبية الجماعات السلفية و المتطرّفة بعد اندلاع الأزمة السورية ارتفعت كثيراً لدرجة أنّه خلال فترة قصيرة فرّخت مئات الجماعات و الفصائل الصغيرة و الكبيرة التي كانت تتلقى دعماً مالياً من العربية السعودية و تسهيلات كبيرة من تركية و أسلحة من الغرب كانت تصل إلى أيدي القادة الميدانيين في سورية عبر البلدان العربية. (صفدري،1396: 37)
 
2-2. تنظيم داعش الإرهابي التكفيري 
من الناحية التاريخية يعدّ تنظيم الدولة الإسلامية في العراق و الشام المعروف اختصاراً بـ داعش هو أحد الفروع المهمة للجماعات الأصولية السلفية التكفيرية. (جلالي و  ابراهيمي،1393: 4) و دأب هذا التنظيم السنّي المتطرّف على طرح قراءة راديكالية عن الإسلام تروّج للعنف الديني (Bozorgmehri,2016: 9) و يعود تاريخ ظهور هذا التنظيم إلى سنوات الغزو الأمريكي للعراق، إذ استطاع عبر القيام بسلسلة من العمليات العسكرية في العراق و سورية أن يحتل أجزاءً واسعة من هذين البلدين المسلمين. و تحوّل هذا التنظيم إلى أزمة كبرى و تراجيديا حقيقية في العالم بعد نشره صوراً و أفلاماً على نطاق واسع توثق فظائعه و مذابحه المروعة و إعداماته بأساليب مبتكرة و مرعبة (عباسي،1395: 1). و منذ الساعات الأولى لظهور داعش في سورية أثار لغطاً و ضجة كبيرة حول نشأته و ممارساته و أهدافه و علاقاته. يعتقد البعض أنّ داعش هو أحد فروع تنظيم القاعدة في سورية. بينما يرى البعض الآخر أنّه تنظيم مستقل يسعى إلى تأسيس دولة إسلامية، و يؤكّد فريق ثالث أنّه من صنع النظام السوري قلباً و قالباً أراد من خلاله القضاء على الجماعات المعارضة. و كيف كان، فتنظيم الدولة الإسلامية في العراق و الشام عبارة عن فصيل إرهابي مسلح تشكّل على أساس أيديولوجية الجماعة السلفية، و يهدف إلى تأسيس دولة إسلامية في العراق و سورية و الأردن و فلسطين على منهاج النبوة كما يزعم و وفق معتقداته الخاصة (نساج و  آخرون،1394: 42-39) يعتقد متسلّفو الدواعش إنّ أي عقيدة ترتبط بالتصوف و العرفان و الشيعة باطلة و لا بدّ من محاربتها. و من زاوية أوسع، يؤكّد على مسألة إحياء نهج الخلافة و يقدم سببين رئيسيين للتسلّف: الأول، خلوص الفكر الإسلامي مع التركيز على ضرورة أن تستعيد الأمة مجد الإسلام و عظمته من جديد ليكون الحَكَم في الأزمات الدينية و الدنيوية. السبب الثاني، تقدّم الأمة الإسلامية يجب أن يمرّ عبر الإصلاح الديني و الأخلاقي. و على أيّ حال، فإنّ أحد الأهداف الرئيسية التي أعلن عنها تنظيم داعش بوصفه تياراً سنّياً متطرّفاً هو إضعاف الخطاب الشيعي و إلغائه في سورية، و هو ما يفسّر نبذ الشيعة العلويين له (رضائيان،1394: 62). و لا بدّ أن نسلّم بأنّ فكر التيار التكفيري لداعش يشكّل تهديداً للفكر الشيعي، و في حال توسّعه و تمدّده فسوف يترك بلا شكّ آثاراً خطيرة على الأمن القومي للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ممّا يعني أنّ تغيير و إصلاح التصورات و الرؤى و العوامل الثقافية و الأيديولوجية، بالإضافة إلى خروج الأجانب من المنطقة، و الوصول إلى فهم مشترك و إلى تذاوت بين المتطرّفين و المعارضين بمساعدة بلدان المنطقة كل ذلك سوف يكون له تأثير إيجابي على تحسين الأوضاع (ترك زاده،1394).إنّ الرقعة الجغرافية التي استطاع تنظيم داعش أن يبسط نفوذه في رحابها خلال السنوات الماضية هي مناطق غرب و وسط العراق و شرق و شمال سورية، حيث تقطن مكونات من الشعب تستطيع أن تتكيّف مع أفكار داعش و تتماهى مع عقائده، أضف إلى ذلك أنّها تعيش في مناطق نفطية غنية يتيح لها إنفاق أموال طائلة لنشر هذه العقائد، و قد استغلّ داعش هذه الأموال السهلة أقصى استغلال. و بالإضافة إلى كل ما تقدّم، فإنّ الخريطة الجغرافية لدولة الخلافة الإسلامية كما تصوّرها تنظيم داعش عبارة عن خارطة العالم الإسلامي و التي تقع بالضبط في قلب العالم (عباسي،1393: 105). و لكن بفضل الجهود التي بذلتها إيران بالتعاون مع حلفائها السوريين تم استرداد معظم الرقعة الجغرافية التي استولى عليها التنظيم، و بذلك فقدت هذه الجماعة الإرهابية مركز خلافتها، و أصبح تنظيم داعش في الوقت الراهن مجرّد فصيل مسلح متطرّف و بلا أرض محدّدة. و لنا أن نتساءل: لو كانت إيران في ظلّ هذا الوضع الجيوسياسي قد تخلت عن دعم نظام الرئيس بشار الأسد في سورية، فما هي الضمانة من أنّ الحكومة الجديدة التي تستلم مقاليد السلطة في دمشق سوف تواصل علاقاتها الاستراتيجية و الجيوسياسية مع إيران؟ إذن، من مصلحة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الوقت الحاضر أن تنقذ حكومة دمشق من هذه الأزمة، و تحافظ على الموقع الاستراتيجي لسورية (Goodarzi,2013: 50).
الإرهاب و الأمن: مقاربة نظرية 
ينظر إلى الإرهاب كأحد التهديدات للأمن القومي (عبدالله خاني،1386)؛ لذلك يتم التعاطي معه كظاهرة استراتيجية و من أجل تحقيق الأهداف و التأثير على الأمن القومي للدول، يقوم بتبنّي استراتيجية من ثلاثة أشواط عملياتية (خلق الفوضى النفسية و زرع الرعب في قلوب الناس، و تشجيع النظام الحاكم على المساءلة، و انتقال الشرعية) و إدارة أجواء تواصلية و تصادمية مع الشعب و النظام السياسي الحاكم بغية تحقيق أهدافه السياسية (معصومي و  ساعي،1391: 37). و يقترن الإرهاب الحديث بأشكال و صور ما بعد حداثية مثل الهوية و الدين و العولمة، و لا تستوعبه المفاهيم التقليدية مثل الاستبداد و النفعية و القومية (Laqueur,1996: 24-36) 
 
مؤشر تحوّل الإرهاب الدافع نموذج التحليل التنظيم الاستراتيجية التكتيك الأهداف السلاح الضحايا
دولي (قديم) جديد (منفعة) أداتي تسلسل تراتبي، درجتين، البلد الابتزاز الجماعي القتل، احتجاز الرهائن، اختطاف الطائرات الأمن القومي (عسكري، سياسي) أُسلوب متعارف محدود، انتقائي، سياسي
عالمي (جديد) ما بعد حداثي (الهوية) تنظيمي شبكي، درجة و احدة، عالمي الإثارة العمليات الانتحارية الأمن الوطني (عام، بنى تحتية) مذابح جماعية، تدمير جماعي كثرة، قلة، أكثرية صامتة
 
 
جدول بالفوارق بين الإرهاب التقليدي و الإرهاب الحديث (المصدر: بورسعيد،8831:761)
 
يمتلك تنظيم داعش الإرهابي أيضاً خصائص الإرهاب الجديد، و لهذا يمكن أن نطلق عليه الإرهاب الديني الجديد حيث يلعب الدين فيه دوراً رئيسياً. أسلوب الإرهابيين الجدد هو أسلوب انتحاري مع ارتكاب عمليات قتل مروعة، و يستند هذا الأسلوب إلى الميول و المزاعم و النشاطات الدينية، و لعدد قليل منهم إلى فكرة الخلود بعد الموت. يختار الإرهابيون الجدد ضحاياهم عشوائياً لا على التعيين، و هيكلهم التنظيمي هو شبكي لا أمري باستخدام وسائل متعدّدة و حديثة من قبيل العالم الافتراضي من أجل تحقيق أهدافهم. كما لا يحصر هؤلاء نشاطاتهم في نطاق بلدانهم بل يعتمد نهجهم على الحدود المفتوحة المخترقة.
وتطبع الإرهاب الديني الجديد (كتنظيم داعش الإرهابي) ثلاث خصائص هي التركيز على جغرافية الشرق الأوسط، و القراءة الأصولية للدين، و الدور المؤثر للدول الغربية في خلق الإرهاب الجديد و توسيعه. 
يطلق الإرهابيون الجدد تهديداتهم ضدّ البشرية جمعاء بصرف النظر عن الديانة أو الجنسية، و هم يضعون فكرة الدولة - الأمة أمام تحديات كبرى تتعلّق بفكرة التشبّع الإقليمي (Territorial Saturation) و الاستقرار السياسي. كما أنّ النظام الدولي معرّض للتهديد بسبب تهديد أعضائه، بل و أبعد من ذلك، حيث يسعى الإرهابيون الجدد إلى وضع مشروع جديد للنظام الدولي، مشروع أكثر عدالة بحسب زعمهم (رضايي و  حشمتي،1395: 67-66). و يؤكّد تنظيم داعش التكفيري الذي يمثّل رمزاً للإرهاب الديني الجديد على خلق الهوية الذاتية و التصدّي للهويات المنافسة.
إنّنا لو أردنا أن نحيل مفهوم التطرّف السلفي التكفيري (داعش) و الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط على نظريات التيار الرئيسي، فسيكون تحليلاً قاصراً و عقيماً. و في هذا السياق، يعتقد الواقعيون أنّ ظهور تنظيم داعش كان نتيجة طبيعية لضعف الحكومة المركزية في العراق و سورية، أما لماذا لا نشهد ظهور مثل هذه التنظيمات في باقي الدول التي تتّسم حكوماتها المركزية بالضعف؟ فهو ما يعجز الواقعيون عن تقديم تفسير مناسب له. لا يمكن أن نعزو ظهور داعش إلى ضعف الحكومة في العراق أو سائر دول منطقة الشرق الأوسط و حسب، بل يجب أن نأخذ بالاعتبار العقائد و الأفكار غير المادية أيضاً، و هذا ما يحملنا على التفتيش عن آراء و نظريات مركبة أو وسطية في تحليل هذه الظاهرة. من بين هذه النظريات القادرة على تفسير ظاهرة الإرهاب و ظهور داعش في منطقة الشرق الأوسط، النظرية البنائية (constructivism)، و هي خليط من الأفكار العقلانية و الانعكاسية، و هي الأكثر مناسبة لتفسير هذه الظاهرة باتقان أكبر. لا تنفي النظرية البنائية دور ضعف الحكومة المركزية كعامل مؤثر في ظهور داعش، لكنّها في الوقت نفسه لا تغفل العوامل الهوياتية و الثقافية، من هنا تسعى إلى تقديم تحليل يأخذ بالاعتبار كلا العاملين معاً.
يعتقد داعش بوجوب الاعتراف بالهوية القائمة على الشريعة الجهادية كقيمة معيارية، و أن يتقوّم نظام المجتمع و تركيبة السلطة فيه بهذا العامل و لا غير. و لا يخفى أنّ هذه المقولة في حدّ ذاتها تشكّل مصدراً للأزمات، إذ إنّها بمثابة الإطار أو الحاضنة لجزء خطير من القدرة الشبكية و التنظيمية للمتطرفين. فالإيمان بوحدة المصير و المستقبل، و الأيديولوجية المتطرّفة، و الإسلام السياسي الراديكالي العالمي، و التصور المشترك و المتشابه للأوضاع السائدة، و الانتماء إلى الشبكات الدولية المرتبطة بالقواعد الشعبية، و الاستقلال المالي و المادي، كلّ هذه تشكّل العناصر الهوياتية المهمة للمتطرفين الدواعش. و في ضوء تأكيد النظرية البنائية على عناصر الهوية و المعتقدات و المعرفة المشتركة و العمل المتبادل فيما يتعلّق بتحليل سلوك الفاعلين، فإنّ ظاهرة التطرّف عند داعش تعود في المقام الأول إلى البنية الاجتماعية التي تعدّ من أكثر العوامل رسوخاً في تبلور هذه الظاهرة. فهذه البنى الاجتماعية تضع الفاعلين في وضع خاص و هي التي ترسم طبيعة علاقاتهم سواء أكانت ذات طبيعة تشاركية أم تخاصمية. و على هذا، فالعامل الرئيسي وراء ظهور داعش و انتشار الإرهاب في الشرق الأوسط هو أزمة الهوية و محاولات الجماعات المتطرّفة الرامية إلى تغيير هويات الحكومات عبر التأثير على معتقداتها لجهة تشكيل هوية جديدة (يزداني و نجاد زنديه،1393: 166-165). و لما كانت الأفكار الهوياتية المتطرّفة ذات تأثير خطير على العمليات الإرهابية (ايزدي،1393: 178؛ و European Commission, 2006)، فيلزم هنا أن نشير إلى أنّ الجوهر الحقيقي لعمليات داعش الإرهابية هي التصورات المعيارية و الهوياتية التي باستعدائها الهويات السائدة في منطقة الشرق الأوسط، و بالأخصّ الهوية الشيعية الإيرانية، أفرزت صراعاً و تعاملاً أمنياً - سياسياً بين داعش من جهة و بين إيران و الدول المتحالفة معها من جهة ثانية، و قد ترك هذا الصدام الهوياتي آثاره الخطيرة على الأمن الإقليمي. و في ضوء كل ما تقدّم فإنّ داعش يعدّ ظاهرة مزعزعة للأمن ابتليت بها منطقة الشرق الأوسط، و أنّه، طبقاً لآراء مدرسة كوبنهاغن، يهدّد مختلف الأبعاد العسكرية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و البيئية لإيران و بلدان المنطقة (إسماعيل ­زاده و  أحمدي، 1395 :129). فعلى أساس نظرية الأمن الإقليمي و مقاربة مدرسة كوبنهاغن الأمنية، يعزى البعد الخارجي للأمن القومي إلى التهديدات التي تواجه الحكومة من وراء الحدود؛ و لهذه التهديدات أبعاد سياسية (العزلة و ممارسة الضغوط السياسية) و عسكرية (شنّ حملة عسكرية أو التهديد بشنّها) و اقتصادية (فرض العقوبات الاقتصادية)، و من ناحية ثانية، ظهر ثمة ترابط مثير بين مختلف مستويات الأمن القومي و الإقليمي و الدولي. فعلى الصعيد الدولي ظهر مستوى جديد من العلاقات الأمنية، هو بالأساس مستوى عالمي. في هذا المستوى، يتجاوز مفهوم مصالح البلدان الأطر الشخصية و الوطنية الضيقة، ليتّخذ بعداً إقليمياً و دولياً؛ بحيث يغطّي جميع الوحدات السياسية في آنٍ معاً. من هذه الزاوية، يصبح العالم جسداً واحداً، ترتبط أجزاؤه ضمن بوتقة شبكة واحدة معقدة. و يكون هذا الترابط في القضايا الأمنية على المستوى الإقليمي أكثر جديةً، ذلك لأنّ حجم التعاطي السياسي و الاقتصادي و الثقافي و الجغرافي على مستوى منطقة معينة واسع جداً لدرجة أنّ اندلاع أيّ أزمة في أيّ بلد من بلدان المنطقة قد يؤثّر بسرعة على بقية بلدان المنطقة. لهذا السبب فإنّ ظهور تنظيم داعش الإرهابي و انتشاره هو بمثابة فصل آخر أضيف إلى الفصول الأمنية الإقليمية. و الأزمات الأمنية بالطبع لا تؤثّر بتهديد البلدان عسكرياً فقط، و إنّما يمكنها أن تؤثّر بطرق متنوعة للغاية. فظهور تنظيم داعش في سورية عدا عن كونه تهديداً عسكرياً موصوفاً، فهو أيضاً تهديد لمسألة صيانة الوفاق القومي لبلدان المنطقة و على الأمن النفسي للمجتمعات الإسلامية، و ديمومة هيمنة الغرب عبر ارتباط الأمن الإقليمي بالأمن الدولي و غير ذلك.
مع تعزيز العلاقات في السنوات الأخيرة في إطار محور المقاومة و التواصل الجيوسياسي بين طهران و بيروت الذي يضمّ أيضاً بغداد و دمشق، تعزّز الموقع الاستراتيجي لهذا المحور أكثر من ذي قبل.  
في ظلّ هذه الأوضاع أصبح خطر النهوض بجبهة المقاومة إلى ذروة غير مسبوقة يؤرّق نظام الهيمنة العالمي و يشكّل بالنسبة له أزمة جدية. من هنا جاءت فكرة اصطناع أزمة داعش و ما أعقبها من تدخل غربي في سورية، من أجل إزاحة التهديد الإيراني و إضعاف الجبهة الداخلية لمحور المقاومة. 
و إذا ما دققنا النظر في الوضع الأمني للمنطقة سوف نجد أنفسنا أمام أزمة مصطنعة و مدروسة و مخطط لها من قبل الغرب و داعش ضدّ محور المقاومة. مبدئياً، إنّ فكرة تجزئة سورية إلى كانتونات مستقلة سوف تؤدّي إلى إضعاف هذا البلد بشكل عام حتى لا تقوم قائمة لأي بلد في منطقة غرب آسيا يفكّر في الصمود بوجه الكيان الصهيوني و التصدّي لمصالح الغرب (مرادي، 1395: 2-1). لذا، يمكن أن نلاحظ من خلال استنتاج سريع أنّ الصراعات الطائفية في سورية ولدت مع ظهور التيارات الفكرية التكفيرية المتفرعة عن القاعدة و التي تلاعبت بقواعد الولاء و العداء في المنطقة، و وضعت منطقة آسيا الوسطى أيضاً أمام تهديد حقيقي و خطير نظراً لتوفّرها على عناصر مساعدة في هذا المجال، ثقافية و اجتماعية و سياسية بل و حتى اقتصادية، بالتالي فإنّ هذا التهديد المشترك و إمكان انتقال العدوى من الشرق الأوسط إلى هذه المنطقة بسبب القرب الجغرافي (وكذلك القرب من إحدى البؤر الرئيسية للأصولية، أعني أفغانستان) و وجود حواضن مناسبة، يضع أمام بلدان المنطقة ظروفاً مثالية من أجل توسيع التعاون الأمني فيما بينها، و بالمآل، التقارب أكثر فأكثر في إطار الحتمية الأمنية. و بالنسبة للجمهورية الإسلامية الإيرانية فمع كونها لا تقع ضمن النطاق الأمني لمنطقة آسيا الوسطى، و لكن مع ذلك يمكن أن نناقش دورها كدولة حائلة و كذلك قوة إقليمية كبيرة. و نظراً لضعف التحريات الأمنية في منطقة آسيا الوسطى لا يمكن أن نطلق مصطلح الرابطة الأمنية الإقليمية في آسيا الوسطى بل شبه رابطة أمنية (رحيمي و  جواهري، 1395: 588).
 
1-معطيات البحث؛ العواقب الأمنية المترتبة على الجمهورية الإسلامية الإيرانية إذا استعاد داعش قدراته في سورية
يقترن نشاط إيران في الأزمة السورية بفرص و تهديدات بالنسبة للأمن القومي الإيراني في آنٍ معاً، و تؤثّر هذه التطوّرات على جوانب مختلفة من الأمن القومي للبلاد على صُعُد الأرض و المجتمع و النظام السياسي. ما يعني أنّ سقوط الحكم في سورية سوف يكون بمثابة ضربة استراتيجية خطيرة لإيران، وإنّ تغيير النظام في هذا البلد بوصفه الحليف الأهم و الأقرب لإيران سيؤثّر سلباً على قدرات هذه الأخيرة لجهة استعراض قوتها في شرق البحر المتوسط (أسدي،1391). ومن المعلوم أنّ انعدام الاستقرار في سورية و إضعاف هذا البلد نتيجة للصراعات الداخلية و ظهور داعش من جديد في هذه البلاد ستكون له تبعات على فاعلية دورها ضمن محور المقاومة، و ستؤدّي هذه الأزمة إلى تشديد التوترات العرقية و الطائفية في المنطقة، و إلى بروز اختلاف استراتيجي بين إيران و العديد من اللاعبين الإقليميين مثل تركية و العربية السعودية. في الوقت نفسه، إنّ تركيز إيران على الأزمة السورية سوف يشغلها عن الاهتمام بشكل جاد بالفرص الناجمة عن ظهور الحركات الشعبية و الصحوة الإسلامية في الشرق الأوسط و شمال أفريقيا.
كما ستزيد الأزمة من أوار الصراعات في المنطقة، و إلى تقليل الرغبة في التعاون وكذلك إلى تأجيج الخلافات و المنازعات بين اللاعبين المؤثّرين في هذه الأزمة. فقد شهدت علاقات الجمهورية الإسلامية الإيرانية بكل من تركية و قطر فتوراً واضحاً بفعل تداعيات الأزمة في سورية، التي انعكست أيضاً على تشديد النزاعات بين إيران و بلدان الخليج الفارسي مثل العربية السعودية، و وصل فتور العلاقة إلى حلفاء إيران أيضاً مثل حركة حماس، حيث وصل مستوى العلاقات بين الطرفين إلى أدنى المستويات. كتحليل أولي، يبدو أنّ تغيير النظام في سورية سيؤدّي إلى انحسار نفوذ إيران في شرق البحر المتوسط و على تأثيرها على القضايا في لبنان و فلسطين و حتى العراق. إنّ تأثير سقوط نظام الأسد لن ينعكس على نفوذ إيران في الجغرافيا السياسية العربية و حسب، و إنّما قد يؤدّي أيضاً إلى تقليص الدعم العسكري السوري لحزب الله، بالإضافة إلى إحداث تغيير في موازين القوى الإقليمية لصالح منافسي إيران الإقليميين مثل العربية السعودية و تركية. 
في المقابل، إذا استطاعت الحكومة الحالية أن تستعيد قدرتها كما في السابق، و تتجاوز الأزمة الراهنة و ترميها وراء ظهرها، فسيكون ذلك بمثابة نصر مهم تحقّقه إيران في المعادلات الاستراتيجية الإقليمية. إنّ النظام السوري بمجرّد تعافيه من الأزمة و خروجه من حالة الطوارئ الأمنية، سوف يسعى إلى اتّخاذ ما يلزم للانتقام من كل الأطراف التي تدخلت لإشعال الأزمة السورية. علاوة على ذلك سوف يؤلّب المشاعر المعادية للأمريكان و الصهاينة، ممّا سيعمّق من قدرات محور المقاومة الذي ينطوي على أهمية حيوية بالنسبة لإيران (حداد بور، 1395: 460 - 458). 
وعلى الرغم من ذلك، كان دأب الجمهورية الإسلامية في تعاطيه مع الأزمة السورية دعم المطالب المشروعة للشعب السوري، و التأكيد على ضرورة إجراء إصلاحات مع وجوب الحفاظ على الدولة الوطنية السورية، و تقديم المساندة الشاملة لهذا البلد على جميع الصُعُد. و في هذا السياق تندرج المساعي الشاملة التي قدّمتها إيران للجيش السوري بإرسال المساعدات و المستشارين الفنيين لتبقى الحكومة السورية على رأس السلطة (Ftlon & Halliday,2013: 10-13). 
في ضوء الشواهد و المعطيات المتوفرة يمكن القول بأنّ تنظيم داعش بعد هزائمه الميدانية المتلاحقة في سورية و العراق، لن يبادر بعد الآن، على الأرجح، إلى تركيز قواته في منطقة جغرافية معينة، و إنّما سيعمل على توسيع حضوره في أماكن عديدة طبقاً لاستراتيجية «الأذرع المتعددة»، و الاعتماد على العناصر المحلية في مناطق العمليات. فهذه الاستراتيجية تحتّم على داعش أن يلجأ إلى أذرع عملياتية متعددة و توظيفها في مناطق عديدة، و تنفيذ عمليات في بلدان مختلفة. و استناداً إلى الاحتمالات المطروحة يُتوقع أن يستميت هذا التنظيم لتسجيل حضور أمني في ميادين جديدة. (مرتضى،1396: 64)
بعبارة أوضح، إنّ سورية ما بعد داعش سوف تشهد تغيير تركيبة الجماعات التكفيرية من عسكرية إلى أمنية. و لتفسير هذا السيناريو لا بد أن نعترف أنّه في بداية اندلاع الأزمة الداخلية و تصاعد التوتّر في سورية نجحت الجماعات الإرهابية و بالأخص تنظيم داعش إلى حدّ بعيد في زيادة نفوذها و دائرة سيطرتها في هذا البلد، لكنّ مشكلة الحرب الداخلية و الصراع في سورية تمثّلت في انخراط دمشق في «محور المقاومة» الذي يضمّ بالإضافة إليها كل من طهران و روسية و الصين و العراق و فصائل المقاومة اللبنانية و اليمنية و الفلسطينية، في مواجهة الطرف الآخر الذي يشكّل «محور الاستسلام» و يضمّ العربية السعودية و الإمارات و البحرين و مصر، بالإضافة إلى دول أخرى من خارج المنطقة مثل الولايات المتحدة، و كانت لهذا المحور أهداف مناقضة تماماً للمحور الأول، و اتّخذت المشكلة السورية و محاربة الإرهاب الداعشي أبعاداً أكبر من حجمها بكثير، و أوسع من مجرّد حرب بين أطراف داخلية، بل يمكن تشبيهها بحرب عالمية بالوكالة، فقد تحاربت جميع الدول على الأرض السورية، إن عن طريق الحرب النظامية على أرض الميدان، أو عبر تنفيذ العمليات الإرهابية في سائر بلدان العالم المنخرطة في هذا الصراع. لذلك، إذا أردنا أن نعرف ما إذا كان مفهوم «ما بعد داعش» سيبقى أم لا، فيجب أن لا نغفل عن نقطة مهمة و هي، إنّ إرهاب هذا التنظيم ليس صناعة محلية أو سورية و لا حتى شرق أوسطية، بل إنّه تنظيم ذو طبيعة عالمية، و يسوقنا هذا إلى أنّ الانتصارات التي حقّقتها القوى الشعبية و محور المقاومة سواء في العراق أم في سورية ستضع داعش على منحدر انحسار تأثيره و نفوذه بوصفه دولة الخلافة المزعومة، أما هل ستقضي على هذا التأثير من الأساس، فهو احتمال بعيد جداً، فالسيناريو القادم سيأتي متلبّساً بلباس أمني على شكل زيادة العمليات الإرهابية و الحملات الصاروخية و القذائف و اغتيال الشخصيات السياسية و الوطنية و الدينية البارزة، و زيادة عمليات احتجاز الرهائن ... و غير ذلك في منطقة الشرق الأوسط و لا سيّما في سورية. و يبدو كذلك أنّ تمركز داعش في فترة ما بعد داعش سوف يقتصر، في الغالب، في المناطق السنية المعروفة بتطرّفها و راديكاليتها في سورية و العراق و بشكل غير منتظم (بخشايشي أردستاني،1396: 13). و على الصعيد الدولي، يحاول الغرب بقيادة الولايات المتحدة عن طريق حلفائه الإقليميين تقديم الدعم لداعش ليبرّر وجوده العسكري في المنطقة، و في الوقت نفسه، يزيد من ضغوطه السياسية و العسكرية على محور المقاومة. بعبارة أخرى، إنّ الولايات المتحدة تحدوها الرغبة في استعادة داعش لقدراته التي فقدها في سورية، و هو ما يفسّر تخصيصاتها المالية و العسكرية و إرسالها المستشارين العسكريين إلى الجماعات التكفيرية. في ضوء ما تقدّم، نواصل هذه الدراسة الأحادية عن احتمالات ظهور داعش من جديد على الساحة في سورية و عواقب ذلك على الجمهورية الإسلامية الإيرانية:
 
.4-1. إتاحة الفرصة للكيان الصهيوني 
أحد الأهداف الاستراتيجية الأمنية المهمة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، المحافظة على أمن الكيان الصهيوني و استمرار بقائه كحليف استراتيجي. و تعدّ سورية إحدى العقبات الرئيسية في طريق تحقيق هذا الهدف كونها البلد العربي الوحيد الذي لم يبرم حتى الآن معاهدة سلام مع الكيان الصهيوني، و تربطه بإيران الثورة علاقات جيدة، و بفضل هذه العلاقات تبلورت خلية المقاومة الإسلامية ضد هذا الكيان. و بناءً على هذه المعطيات، تسعى الولايات المتحدة في إطار مساعيها لتحقيق السلام المنشود في الشرق الأوسط تعزيزعلاقات الكيان الصهيوني مع الدول العربية و الجهر بها، لتكبح جماح تأثير سورية عن هذا الطريق، و في الوقت نفسه، تضع عقبة كأداء أمام التطور الاستراتيجي لإيران في المنطقة. فالولايات المتحدة تعتقد أنّه في حال نجاح هذا السيناريو في سورية، و تغيير السلطة السياسية هناك، فلن يكون هناك مفر أمام سائر اللاعبين الفاعلين في المنطقة سوى اللحاق بركب السياسات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط (ذوقي و  آخرون،1390: 197) و تأسيساً على هذه النقطة يمكن تلخيص أهداف القوى الكبرى من وراء دعمها لداعش في سورية في النقاط التالية:
رفع معامل الأمن بالنسبة للكيان الصهيوني عبر استمرار الأزمة؛ إجبار سورية على وقف دعمها لمحور المقاومة؛ و إعادة النظر في علاقاتها الاستراتيجية مع إيران؛ إحداث تغيير أساسي في المنظومة السياسية السورية من خلال صعود عناصر مرتبطة بالغرب و بسط هيمنته عبر سلاح الديمقراطية (ذكي و  آخرون،1395: 582-579) أو بعبارة أكثر تفصيلاً؛
«إنّ تيار المقاومة بمحورية الجمهورية الإسلامية الإيرانية يمتلك خصوصيتين مهمتين، مقاومة نظام الهيمنة الإمبريالي، و مقاومة سياسات العدوان و الاحتلال للكيان الصهيوني. و هاتان الخصوصيتان المهمّتان من جملة الأركان التي يقوم عليها خطاب الثورة الإسلامية التي ما فتأت بعد انتصارها تصرّ على تشكيل جبهة عريضة من الشعوب المسلمة في المنطقة ضمن محور المقاومة، و منذ ذلك الحين حتى اليوم نشهد انتصارات متلاحقة لهذه الشعوب في الحروب النظامية و العقوبات الاقتصادية و الضغوط السياسية التي فرضها نظام الهيمنة الإمبريالي عليها. و لكن ظهور تنظيمات مثل داعش في الوقت الحاضر، التي عقدت العزم على مواجهة محور المقاومة، ساعد على تشتيت جهد المقاومة و تضييع قدراتها. و لا شك في أنّ العمليات العسكرية و الأمنية لداعش في سورية و العراق و إثارته الفتن و القلاقل في لبنان و تهديده المستمر لإيران لا يصب إلّا في مصلحة محور الاستسلام. إنّ تركيز داعش نشاطاته في بلدان محور المقاومة و انصرافها عن سائر البلدان الإسلامية التي تقوم على بنى سياسية غير مشروعة و ترتبط بعلاقات قوية مع أعداء الإسلام، و إلغاء هذه الجماعات مسألة محاربة الكيان الصهيوني من قائمة أولوياتها يكشف بجلاء عن الهدف الأصلي و الخفيّ لداعش في مواجهة خطاب المقاومة. و من هنا يمكن أن نستنتج أنّ داعش عبارة عن وسيلة ضغط لأمريكا و الدول المناهضة لمحور المقاومة في المنطقة.» (زارعان ،1393: 84).
إذن، الاستراتيجية الرئيسية للتيار السلفي و داعش في بلدان كسورية و العراق هي إمحاء العامل الجيوسياسي لإيران لصالح إسرائيل عبر تسخين الصراعات الطائفية، إذ تساهم وسائل الإعلام العربية في معاضدة هذه الاستراتيجية من خلال توجيه أصابع الاتهام إلى الشيعة في العراق و تصفهم بأنّهم يجسّدون الحضور الحقيقي لإيران في العراق؛ و في حال استطاع هذا التيار بالتعاون مع باقي اللاعبين الإقليميين و الدوليين تحقيق أهدافه في سورية، فمن المؤكد سوف يتعرّض الأمن القومي الإيراني للتهديد جراء عدم الاستقرار السياسي  في هذا النطاق الجيوسياسي (رضايي،1394: 1258)  و لمنع حدوث هذا الأمر، ما فتأت السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية تعمل بفاعلية و دينامية ودون كلل، و قد قامت بالخطوات التالية أدناه لأجل القضاء على تنظيم داعش الإرهابي أو لجم نشاطاته؛
زيادة التقارب بين إيران و حزب الله لمواجهة زحف داعش في سورية، و زيادة أعداد المستشارين و تقديم المساعدات للجيش السوري للتصدّي لداعش، و المحافظة على المشاهد و البقاع المقدسة في سورية، و إجراء مشاورات واسعة مع روسية و الصين لتقديم الدعم لبشار الأسد في مواجهة داعش، الالتحاق بالتحالف المناهض لداعش في سورية و الذي يشمل كل من روسية و العراق و سورية و حزب الله، و السماح للمقاتلات الروسية بعبور المجال الجوي الإيراني لشنّ ضربات صاروخية على داعش، و الانضمام إلى المحادثات السياسية الخاصة بحلّ الأزمة السورية في فيينا بعد الانتهاء من الاتفاق النووي (سنايي و  كاويان بور،1395: 158). و كيف كان، فإنّه في حال حدوث تغيير في النظام السياسي في سورية، و نجاح داعش في استعادة قدراته في هذا البلد، فإنّ تداعيات ذلك سوف تهدد الأمن السياسي في إيران، و ما يترتّب على ذلك من إضعاف القوة الناعمة لإيران في بلدان المنطقة، و فقدان إيران المنطقة الحائلة بينها و بين الكيان الصهيوني، و هو ما يعرّض محور المقاومة لتهديد خطير.
4-2. شبهات التيار السلفي ضدّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية و علاقات المواجهة
العامل المشترك الذي يجمع جميع الأطياف و التيارات السلفية على اختلافها هو حساسيتها تجاه الهوية الشيعية و أدبياتها، مع اختلاف قليل عند تياراتها المعتدلة التي تعتبر الشيعة مسلمين منحرفين و أهل بدع يشنّون أحياناً حملات وتهديدات ضدّ المجتمعات السنّية، أمّا التيارات السلفية التي تجنح إلى التطرّف فتعتقد أنّ التشيّع مذهب مختلق. هذه الصورة المعادية لإيران و التشيّع التي تستلهم من الرموز الثقافية تجد تعبيرها يومياً في سورية. فالاستقطاب الحاصل و القراءة الطائفية للتحولات السياسية الجارية في المنطقة التي تغتذي على الشرخ الموجود بين الشيعة و السنّة، كلها تستلهم من الإلقاءات الفكرية التي تشكّل امتداداً لنهج أيديولوجي تاريخي قديم. و تعدّ هذه الإلقاءات من أهم المحفزات للجماعات السلفية لشنّ حملات ضدّ إيران، و بالتالي، زرع الشك و الريبة في نفوس السلفيين تجاه طبيعة السياسة الخارجية الإيرانية فتجعلهم يتقبّلون أفظع الافتراءات و التهم ضدّ إيران منها تحالف إيران مع الكفّار ضدّ أهل السنّة، كما تلقي باللائمة على إيران و تعتبرها مسؤولة عن أفول الدور التاريخي للعرب و انحطاط مكانة بلدانهم مثل سورية و العراق. في ضوء هذه الإلقاءات، فإنّ من بين الاحتمالات الثلاثة المواجهة، المنافسة، التعاون، يبقى الاحتمالين الأولين هما الأرجحان لدراسة علاقة السلفيين بالجمهورية الإسلامية الإيرانية. بعبارة أوضح، نظراً للخصوصية الذهنية المذكورة عن الجماعات التكفيرية الإرهابية فإنّ صفة التنازع و التصادم هي الأكثر تلازماً لهذه الجماعات في علاقتها مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية (سيد نجاد، 1389: 108). هذا في حين أنّ نظام الجمهورية الإسلامية خلق العديد من الفرص للتقريب و الوحدة بين الشيعة و السنّة، و أنّ ثورة الشعب الإيراني سمّيت الثورة الإسلامية و ليس الثورة الشيعية. و في الحقيقة إنّ داعش خلق أوضاعاً في الشرق الأوسط رسمت للعالم صورة جديدة للتطرّف، مشوّهاً بذلك الوجه الناصع للإسلام على صعيد المفاهيم الحضارية و الدينية. و لمّا كان معظم أفراد تنظيم داعش من أهل السنّة الذين يحملون عداءً شديداً لشيعة سورية، فقد كان لهم تأثير على العلاقة بين المذاهب السنية و بين الشيعة، و استطاعوا أن يشوّهوا الوحدة الإقليمية و يحدثوا شرخاً فيها (محمدي،1394). و من البديهي أن تزيد ممارسات داعش في سورية و سائر المناطق الأخرى من علوّ جدار عدم الثقة حول السياسة الخارجية الإيرانية في المنطقة و يأتي ذلك كنتيجة طبيعية للحملات الدعائية و الإعلامية التي أطلقها هذا التنظيم في  المجتمعات الإسلامية بشأن نظرة إيران إزاء أهل السنّة. و في الوقت نفسه، يحاول تنظيم داعش بعد تثبيت أوضاعه من جديد في سورية أن يثني الدول المتعاطفة مع السياسات الإيرانية عن دعم إيران و التواصل معها و أن يقدّم نفسه كحليف متحد و صادق عبر رسم صورة قاتمة عن أداء الجمهورية الإسلامية الإيرانية تجاه المجتمعات الإسلامية، و تشويه مقاصدها و طبيعة سياساتها و خطواتها المتّخذة.
 
4-3.خلق أمريكا الأعذار لمحاربة الإرهاب و زيادة عديد القوات العسكرية الأجنبية في المنطقة 
لا شكّ في أنّ ممارسات داعش الإرهابية في المنطقة أعطت الذريعة للولايات المتحدة لزيادة عديد قواتها العسكرية في المنطقة، و تقوية نفوذها العسكري في العالم الإسلامي بذريعة محاربة الإرهاب (بهمن،1392: 169). في هذا السياق، يعتقد كيفن سوليفان إنّ العمليات الإرهابية لداعش في سورية و البلدان الإسلامية و تفاقم حالة انعدام الأمن يبرّر بالتأكيد تواجد قوات الدول الأجنبية كالولايات المتحدة لمحاربة الإرهاب في المنطقة (Sullivan,2014: 9). و يبدو أنّ مصالح القوى العالمية و الولايات المتحدة في منطقة الخليج الفارسي و غرب آسيا تكمن في استمرار حالة عدم الاستقرار و انعدام الأمن في المنطقة، لأنّ الفراغ الأمني يعطي مبرّراً للقوى العالمية للتواجد في المنطقة. و كلما اشتدّ انعدام الأمن، زادت الحاجة و بالتالي التبعية للغرب. هذا عدا عن كون مبيعات الأسلحة تعدّ التجارة الأكثر ربحاً في العالم، حيث تضمن للقوى العالمية الحصول على ثروة دائمة، و توفر التحديات الأمنية التي تشهدها المنطقة كنتيجة لممارسات داعش فرصة كبرى لمصانع الأسلحة في القوى العظمى و الحصول على مصادر للثروة لا تنضب (مبيني و  طالعي،1394: 76).
ولا جرم في أنّ هذا المسار يضرّ بشكل مباشر بمصالح البلدان الإسلامية و سيادتها الوطنية. خصوصاً إذا ما علمنا أنّ الاستراتيجية العسكرية و الدفاعية الجديدة للولايات المتحدة بعد التطورات التي شهدتها البلدان العربية تتمثّل في زيادة عدد القواعد العسكرية في النطاق الاستراتيجي للجمهورية الإسلامية الإيرانية، لشعور الغرب بالتهديد من تعاظم نفوذ إيران و دورها في المعادلات الإقليمية، فهو من خلال زيادة عديد قواته العسكرية في الدول المحيطة بإيران يسعى إلى سدّ الطريق بوجه هذه الأخيرة للانتفاع من النظام الإقليمي الجديد، و بالطبع فإنّ تطورات المشهد السوري هي إحدى القضايا التي تقدّم هذه الذريعة للولايات المتحدة.
4-4. زيادة نفوذ حماة الإرهاب و سباق التسلح في النطاق الاستراتيجي للجمهورية الإسلامية الإيرانية
إنّ العلاقة المباشرة للتيارات المتطرّفة بالمراكز السلفية الوهابية و حضورها في ميادين القتال في سورية ربما يؤدّي إلى زيادة نفوذ رعاة الإرهاب الدوليين على مستوى المنطقة و النطاق الاستراتيجي المحيط بإيران (بهمن،1392: 167). و يعترف باري بوزان أنّ بلدان الشمال تستغل، كمصدر لتقوية نفوذها، تبعية بلدان العالم الثالث و تسابقها للحصول على السلاح، كما تمارس ضغوطاً اقتصادية و أمنية كبيرة على هذه البلدان لحملها على مطابقة تسليحاتها مع معاييرالتكنولوجيا العسكرية الحديثة المتوفرة لدى بلدان الشمال. و طبعاً هذا العامل يجعل من بلدان العالم الثالث ضعيفة و عرضة للأذى بشكل مطرد إزاء التطورات التي تقع في نطاقها الأمني المحيط بها، و هو أمر نابع من السباق التسليحي. إنّ تخلخل ميزان القوى و الاضطراب في النظام الإقليمي، و ارتفاع منسوب التوترات العرقية و الطائفية، و استمرار سيناريو إيرانوفوبيا في المنطقة كل ذلك دفع بالسباق التسليحي بين بلدان المنطقة إلى ذروته، و اتضّح ذلك جلياً خلال محاولات الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي نشر منظومة صواريخ باتريوت (منظومة الدرع الصاروخي) على الحدود التركية السورية، فأثار هذا التصرّف حفيظة المسؤولين الروس و ردّوا على هذا الإجراء بتقديم منظومة صواريخ اس 300 للحكومة السورية. إن استمرار دول المنطقة بتحديث أسلحتها بآخر ما توصلت إليه التكنولوجية العالمية، بالإضافة إلى مساهمته في تفاقم المشاكل الاقتصادية في المنطقة و ابتلاع جزء كبير من الميزانيات القومية، قد يعمل على زيادة التوترات في المنطقة و رفع مستوى الصراعات القومية و القبلية، و ربما يحيي المطالبات القديمة بالأراضي و النزاعات الحدودية بين بعض بلدان المنطقة التي زرعها الاستعمار في أيام ترسيم الحدود السياسية، فتتوسّع بذلك آفاق عدم الاستقرار و تزداد احتمالات نشوب النزاعات العسكرية في المنطقة. و كرد فعل على مسار التطورات الإقليمية في السنوات الأخيرة و العمليات الإرهابية لداعش، سعت دول المنطقة إلى زيادة إمكاناتها و قدراتها للتغلّب على التحديات الأمنية و ذلك عبر طرح مقاربات أمنية مختلفة. لكنّها تكلّفت نفقات باهضة جراء ذلك، بحيث تفوقت النفقات التسليحية و العسكرية لدول المنطقة كالسعودية و عمان و الكويت و البحرين حتى على نفقات الكيان الصهيوني التسليحية (مرادي و  شهرام ­نيا،1394: 145 - 144).
إذن، تسبّبت الأزمة في سورية و بلدان المنطقة بتقوية نفوذ الدول الراعية للإرهاب، و في الوقت نفسه، شجّعت محاولات دول المنطقة على تطوير قدراتها التسليحية على إطلاق سباق للتسلح في منطقة الشرق الأوسط و النطاق الاستراتيجي المحيط بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، و بالتالي فإنّ أيّ نزاع قومي أو طائفي يمكن أن يمهّد لكارثة عسكرية في المنطقة، بما يشكّل تهديداً خطيراً للأمن العسكري الإيراني. على أنّ سباق التسلّح على مستوى المنطقة و المحاولات الحثيثة لدول جوار إيران لتطوير قدراتها العسكرية و شراء الأسلحة المتقدمة من الغرب سيدفع الجمهورية الإسلامية الإيرانية في المقابل إلى زيادة نفقاتها التسليحية و العسكرية و ذلك لخلق عامل ردع و الحفاظ على توازن قوتها الإقليمية، و أن توظّف قدرات مالية و بشرية أكبر لصيانة حدودها، لأنّ تزوّد الدول المحيطة بإيران بأحدث الأسلحة و حصول الجماعات الإرهابية المتمركزة في المناطق الحدودية على السلاح بسهولة بعد إعادة تثبيت تنظيم داعش عسكرياً يمكن أن يشكّل خطراً كبيراً يهدّد أمن الحدود المحيطة بإيران، و هو ما يتطلّب من المسؤولين الإيرانيين مضاعفة الجهود لتعزيز القدرات التسليحية العسكرية و ضبط النواحي الحدودية الرخوة أمنياً. و بالتالي، صرف الوقت و النفقات الباهضة من أجل إرساء أمن الحدود و المحافظة على عامل الردع.
 
4-5. إضعاف العمق الاستراتيجي و القدرة الأيديولوجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية
 
ما انفك تنظيم داعش الإرهابي يشوّه صورة إيران و يخدش سمعتها الدولية و ذلك في إطار تهديده للأمن القومي للجمهورية الإسلامية و إضعاف عمقها الاستراتيجي، حتى صار هذا التنظيم الإرهابي التكفيري يستهدف اعتبار إيران و هيبتها، محاولاً تقديم قراءة محرّفة عن مقاصدها و سياساتها الإقليمية إلى الرأي العام الدولي (جهاني،1392: 17). أضف إلى ذلك، فإنّ أحد سيناريوهات داعش في سورية قطع أوصال الهلال الشيعي (Wallsh,2013)؛ بما ينعكس سلباً على إيران و هي الدولة الشيعية الأهم في هذا الهلال و تملك قوة نفوذ عالية في المنطقة. يؤمن داعش شأنه شأن سائر الدول العربية السنية أنّ إيران تخطّط عبر خلق قطب شيعي في المنطقة إلى زيادة نفوذها و توظيفه بالضدّ من مصالح الدول السنية و داعش. فالدعم الذي تقدّمه إيران للحكومة الشيعية في العراق و حكومة الأسد في سورية و حزب الله في لبنان و حركة أنصار الله في اليمن و الأغلبية الشيعية في البحرين ...إلخ كلّ هذا الدعم يتعارض بحسب مفهوم داعش مع نشاطه و أهدافه التوسيعة في المنطقة، لذا، فهو يعمل في إطار أيديولوجيته الخبيثة و العنيفة (اعتبار الشيعة مرتدين و إعلان الجهاد المسلح ضدّهم) على إثارة المشاكل الأمنية في بعض محافظات إيران (لا سيّما المحافظات الحدودية ذات الأغلبية السنية) و إيقاف حركة التواصل بين أجزاء الهلال الشيعي في المنطقة بغية خلخلة العمق الاستراتيجي لإيران (محمديان و  ترابي،1394: 27).
ولتوسيع البحث في هذا الموضوع لا بد أن نسلّم بادئ ذي بدء بأنّ أحد أهم العوامل في تغيير معادلة القوة لمنظومة الشرق الأوسط الأمنية هو تغيير المعادلة الأيديولوجية. فانتصار الثورة الإسلامية الإيرانية كان بمثابة نقطة انقلاب في آخر تحوّل أيديولوجي لا سيّما في المنطقة المحيطة، لأنّها طبعت جوهر الصراعات الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط بالإسلام السياسي. و لما كان الإسلام السياسي ذا تيارات مختلفة و أحياناً متعارضة بعضها مع بعض، فقد توضّحت أهمية هذه القضية أكثر فأكثر من خلال هذه التطورات. في العقد الأخير ترتبت على المواجهة بين السلفيين مثل داعش و القاعدة آثار أيديولوجية على إيران: في البعد الإقليمي و العالمي، يبدو أنّ السلفية السياسية شكّلت تهديداً لجوانب من المصالح القومية للجمهورية الإسلامية منها «المكانة الأيديولوجية»، أي، إنّ أهم مزية اكتسبتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الظروف الإقليمية الراهنة، هي مكانتها الأيديولوجية في أوساط المسلمين و غير المسلمين. تعدّ هذه المكانة الإيجابية بحقّ من أهم المكتسبات التي حقّقتها الثورة الإسلامية، و التي تمنح الأمة الإسلامية، على الأقل في البعد الروحي، الوحدة السياسية. و يقيناً، إنّ دوام المكانة الأيديولوجية و سموّها رهنٌ برأب الصدع السنّي الشيعي، و العربي الفارسي، في مقابل الإسلام - الغرب، الإسلام - الصهيونية. و لعوامل رئيسية عديدة يعمل تهديد داعش على تصديع هذه المكانة و قلب المعادلة السابقة، منها، أولاً، تعريض التعايش الشيعي السني في المنطقة لتهديد خطير مبرراً ذلك بتسويغات مذهبية. ثانياً، زيادة الصدع السنّي الشيعي على حساب صدع الإسلام - الغرب. من هنا، فإنّ المقاربة السلفية تتقاطع مع توجهات القوى الغربية- الصهيونية، فهي تسعى في زيادة شقة الخلاف و الفرقة بدلاً من تبنّي النهج الوحدوي. ثالثاً، إذا ما وصل هذا الخلاف ذروته، فربما تلتقي مصالح إيران و الولايات المتحدة في المنطقة، فيتشجّع الطرفان على التعاون لاقتضاءات الحفاظ على هذه المصالح المشتركة، و في هذه الحالة تتماهى الحدود الفاصلة بين الجمهورية الإسلامية و الولايات المتحدة، لينعكس ذلك، أولاً و قبل كل شيء، سلباً على المكانة الأيديولوجية للجمهورية الإسلامية و إضعافها على الصعيد الإقليمي (سيد نجاد،1389: 114 - 112 و  بورسعيد، 1385: 842 - 841). وجه آخر يمايز الثورة الإسلامية عن سائر الحركات السياسية المعاصرة ألا و هو قدرتها الأيديولوجية، بمعنى، إنّها علاوة على تبشيرها بأيديولوجية السعادة للحركات الشعبية، لكنّها في الوقت نفسه خلقت تحدياً مصيرياً أمام استراتيجيات القوى الغربية في المنطقة. و بهذه القدرات استطاعت الثورة الإسلامية أن تصبح منطلقاً لتحولات اجتماعية -سياسية جديدة مناهضة للاستعمار الغربي، على نحوٍ صار يُنظر إليها حتى من قبل غير المسلمين على أنّها رمز للاقتدار و الفخر و المهابة في مواجهة الإمبريالية. هذه القدرة الملهمة للثورة الإسلامية فتحت أفقاً جديداً على صعيد العالم الإسلامي، فانطلقت العديد من حركات التحرّر مستلهمة خطاب الثورة و أفكارها، و استفاق العالم الإسلامي بوحي من الثورة من حالة الارتخاء و الانفعال التي كان غارقاً فيها، و بفضل الصحوة الإسلامية تحوّلت الأمة الإسلامية مع مرور الوقت إلى عمق استراتيجي للسياسة الخارجية لإيران، فارتسمت ملامح إمكانات جديدة في إطار تعاظم القدرات القومية الإيرانية. لم تتحمّل الجماعات السلفية في الشرق الأوسط، و بالأخص تنظيم داعش، تنامي النفوذ الإيراني في المجال الحيوي في ضوء ما يحمله التنظيم من أسس فكرية و مقتضياتها. مجال يتجاوز عنصر الأرض و الفيزياء ليشمل العناصر الثقافية و الأيديولوجية و يمنح الأمة الإسلامية و السياسة الخارجية الإيرانية قدرات فائقة و متعاظمة. لقد أدرك السلفيون أنّ استمرار هذه الحالة سوف يخلّ بموازين القوى في الجغرافيا السياسية للمنطقة لصالح تيار يتشاركون معه تاريخاً طويلاً من العداء و الاختلافات الأيديولوجية. لذلك يحاول داعش استغلال مسألة الصدع المذهبي و الثقافي ليعمل من هذا الطريق على الحدّ من تأثير السياسة الخارجية الإيرانية و عرقلة مسيرة تنامي نفوذها الإقليمي و العالمي (سيد نجاد، 1389: 114 - 112). يشكّل هذا الموضوع أحد السيناريوهات المحتملة لإضعاف قدرة إيران على التأثير في المنطقة و تراجع شعبيتها في المحافل الإقليمية، في حال استعاد داعش قدراته في سورية، و من الطبيعي أنّ إصلاح الضرر الذي قد يصيب صورة إيران في أذهان الرأي العام في البلدان الأخرى سوف يستغرق وقتاً طويلاً و علاقات دبلوماسية ودية على مدى سنوات مديدة لإعادة بناء جسور الثقة، و معلوم حجم الكلفة السياسية التي سوف تتحمّلها إيران جراء ذلك.
 
4-6.تشويه نموذج الديمقراطية الدينية للجمهورية الإسلامية الإيرانية
من بين الأهداف  التي سعى مؤسّسو تنظيم داعش إلى تحقيقها إشعال الفتنة المذهبية في المنطقة، و تقسيم منطقة الشرق الأوسط ليتم عن هذا الطريق التصدّي للقدرات المؤثرة للجمهورية الإسلامية في المنطقة، و الحؤول دون تحوّل الثورة الإسلامية و المقاومة إلى قدوة للمسلمين.
من أمثلة عداء داعش المستحكم لإيران التصريحات و البيانات المعادية لإيران على لسان زعماء التنظيم، و الممارسات الممنهجة في ارتكاب المذابح بحق الشيعة في سورية و محاولة نقلها إلى لبنان، و تدمير المساجد و المشاهد و البقاع المقدسة لدى الشيعة في سورية، و المواجهة مع جبهة المقاومة، و الدعاية الإعلامية الواسعة ضدّ المسلمين الشيعة و استباحة دمائهم. و باعتقادنا أنّ الجذور الأصلية لهذا العداء تكمن في تقديم إيران الإسلامية نموذج الإسلام الأصيل و الديمقراطية الإسلامية ويشكّل هذا عقبة كبيرة أمام تنامي التطرّف الإسلامي الرجعي الذي ينشده الغرب و مرتزقته، بالإضافة إلى أنّ دعم إيران لمحور المقاومة يعدّ الحاجز الأكبر أمام تحقيق هدف أسياد داعش، أعني، ضمان أمن الكيان الصهيوني الدائم. ومن المعلوم أنّ الضربات التي تلقاها داعش جراء دعم إيران للحكومة الشرعية في سورية، هي العامل الأهم في تحطيم الكبرياء الأجوف لهذا التنظيم الإرهابي (كاظمي،1393: 143-141). فلطالما سعى إلى تغيير «تركيبة السلطة لصالح أهل السنّة» من خلال تدمير نموذج الديمقراطية الدينية في المنطقة الذي يمثّل رمزاً لقوة الشيعة (Wagner,2015). و أول خطوة في هذا الطريق هي التصدّي للنماذج السياسية الشيعية و النظام القائم الذي يميل نحو الجمهورية الإسلامية الإيرانية. و الخطوة التالية لداعش بعد تشويه صورة النموذج السياسي للجمهورية الإسلامية، تقديم نموذجه السلفي في سورية، حيث سيسعى إلى تهيئة الأجواء هناك لإقامة حكومة إسلامية على منهاجه.
أحد الأهداف المهمة للعربية السعودية من وراء تدخلها في سورية و دعمها اللامحدود لجبهة المعارضين لبشار الأسد تقديم نموذج بديل في المنطقة يتزيّا بزيّ الفكر السلفي، حيث يكشف هذا الأمر عن وجود مواجهة أيديولوجية، المعني بها الأقلية العلوية الحاكمة في مقابل الأغلبية السنية. في الحقيقة، إنّ السعودية المبشرة بهذا الخطاب يمكن أن تصبح حاضنة لتفجير نوع من التوترات المذهبية، و معلوم ما سينطوي عليه هذا من تحديات أمنية خطيرة على الأمن الإقليمي الإيراني (كرمي،1391: 152). و فوق هذا و ذاك، فإنّ تنظيم داعش الإرهابي يريد من وراء ضرب الأمن العام للمجتمع، تهديد الأمن الوطني لسورية ليتمكن في نهاية المطاف من إقامة «بنية إسلامية راديكالية» في هذا البلد (Arango,2014) و هذه البنية السلفية في منطقة غرب آسيا تتناقض بطبيعة الحال على مستوى الخطاب مع هوية الثورة الإسلامية و قيم الجمهورية الإسلامية الإيرانية، و لو فرضنا جدلاً تحقّق هذا السيناريو، فسيتيح ذلك مستقبلاً قيام صراع في الخطاب بين النموذجين.
بصورة عامة، و في إطار ممارسة ضغوط أكبر على الإرهابيين، اتفق الأمناء العامون لمجالس الأمن القومي في إيران و روسية و سورية و العراق في الاجتماع الأمني الثامن المنعقد بموسكو و الخاص بإيجاد حلول لمشاكل الحدود بين سورية و العراق و منع تردّد الإرهابيين عبرها، و هي بلا شك خطوة مهمة في هذا الطريق. في ظلّ هذه الظروف حيث يضيق فيها الخناق على الإرهابيين، هناك عدّة سيناريوهات يمكن أن تلجأ إليها هذه الجماعات و رعاتهم الإقليميين و الدوليين.
أولاً، مع تناقص قدرات داعش في منطقة غرب آسيا (سورية و العراق)، سوف يلجأ التنظيم إلى نقل خليته المركزية إلى شرق و جنوب شرق آسيا. و تكثيف داعش لحضوره في أفغانستان هو الاحتمال الأكثر ترجيحاً. مع العلم إنّ معدل التحاق الشباب في هذه المناطق بتنظيم داعش سوف يعقّد الأوضاع و يجعلها أكثر توتراً و تعقيداً. 
ثانياً، بعد فقدانه للأراضي التي كان يحتلها في العراق و سورية، باتت «استراتيجية الذئاب المنفردة» هي الاستراتيجية المفضلة لتنظيم داعش و أصبحت رأس الحربة في عملياته الإرهابية، لا سيما في البلدان الغربية. و مع نضوب قدراته المالية و الاتصالاتية و اللوجستية، صار يلجأ إلى تفعيل خلايا منفردة مكتفية ذاتياً و غير معروفة في البلدان الغربية ليشنّ من خلالها عملياته الإرهابية بأقل الكُلف و بطرق يتعسّر التنبؤ بها. و هو ما بدأنا نشهده في أوروبا في الظروف الراهنة مراراً و تكراراً.
 ثالثاً، لا بدّ من الإشارة إلى الدول التي و منذ بدء الأزمة في سورية و العراق و حتى اليوم لم تتورّع عن القيام بأي محاولة لإشعال الفوضى في هذين البلدين، و على رأسها تركية و العربية السعودية. على الرغم من أنّ الفوز الذي حقّقه حزب العدالة و التنمية في الاستفتاء الذي أجري على الدستور الجديد في تركية كان بفارق بسيط جداً على الورق، لكنّه عملياً منح رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة جعلت منه السلطة الفعلية في البلاد، و بالطبع فالنتائج الداخلية و الخارجية المترتبة على ذلك سوف تستمر لسنوات طويلة قادمة. و قد ضاعف هذا النصر من شهية أردوغان و زعامة حزب العدالة و التنمية للتدخل في سورية، و ساعد على استعادة أنقرة لثقتها المفقودة بنفسها إلى حدّ بعيد، و كان بمثابة الضوء الأخضر الذي أطلق يد أردوغان لتنفيذ سياساته المغامرة في المنطقة. و لا بد بطبيعة الحال الوقوف عند نقطة مهمة و هي إنّ مشكلة تركية الرئيسية في سورية ليس بالضرورة حكومة بشار الأسد بل وحدات الشعب السوري، أو قل إن شئت، الأكراد في سورية. و وسط هذا الخضم، بدأت العربية السعودية تنفخ روحاً جديدة في استراتيجية الإيرانوفوبيا بعد أن شاهدت بأم عينها الفشل الذريع لمخططاتها في سورية و القضاء على الإرهابيين رويداً رويداً، و هي تحاول عبر استخدام أساليب التمويه مع بلدان المنطقة و الغرب اتهام إيران برعاية الإرهاب ، لتحقّق أهدافها من هذا الطريق. بيد أنّ تأكيد أمير قطر على ضرورة التقارب مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية و تجنّب أي توتّر مع طهران يثبت بوضوح وجود خلاف بين البلدان العربية و السعودية حول هذه القضية. من ناحية أخرى، فإنّ إدارة ترامب، و بصرف النظر عن أيّ مسألة، وجدت في تعطش السعوديين إلى التحوّل إلى القوة العسكرية الأكبر في منطقة الشرق الأوسط السبيل الأفضل لرفع مبيعاتها من السلاح إلى هذا البلد و تشغيل عجلات مصانع السلاح من جديد في الولايات المتحدة، و تحقيق أعلى الأرباح بفضل السعي المحموم لحكام الرياض لتحقيق طموحاتهم العريضة. تغيير أدوار و مواقع الجماعات الإرهابية أيضاً من بين التكتيكات التي يستخدمها رعاة هذه الجماعات. الآن و قد أصبح تقديم الدعم لداعش مكلفاً و يثير المتاعب وحفيظة الآخرين و ردود أفعالهم، تسعى العربية السعودية و تركية إلى تقوية دور فصائل أخرى مثل جبهة فتح الشام و أحرار الشام و تمكينهما من لعب دور في مستقبل سورية و استخدامهما كورقة ضغط. و  بعد سنوات من اندلاع الأزمة في سورية و تمدّد الإرهاب التكفيري في الشرق الأوسط و بقية أنحاء العالم، يبدو أنّ بصيص أمل لاستقرار نسبي يلوح في الأفق، و لكن دون أن‌يعني ذلك بأيّ حال من الأحوال التهوين من خطر داعش. لذا، على الرغم من انحدار قدرات داعش و اتّخاذها سيراً نزولياً، و ورود أخبار يومية عن تحرير مناطق كان يحتلها هذا التنظيم، مع ذلك يجب أن لا نغفل عن الحواضن التي ترعى هذه الأفكار و الجماعات. و ختاماً، لا بد أن‌نقول، ما دام معظم الحكومات العربية في الشرق الأوسط غير ديمقراطي و غير شعبي، و لا يحظى بالمشروعية و لا بالمقبولية، و ما دامت تلك الحكومات غير مستقلة في سياساتها الخارجية، و سرّ قوتها التسليحات الغربية و ليس شعوبها، فإنّ اندلاع أزمة جديدة يظلّ احتمالاً قائماً دائماً. و ما لم تحظ شعوب هذه المنطقة من العالم بحقوق المواطنة، و تنتقل من موقع الرعية إلى المواطنة، فما من أمل في أن تنعم منطقة الشرق الأوسط بتنمية مستدامة و سلام دائم. (رجبي،1396)
 
 
 
 
خلاصة البحث:
حاولنا في القسم الأول من الورقة أن نشرح الجغرافية السياسية لسورية و تنظيم داعش، و أن نبيّن نشاطات الجماعات الإرهابية في هذه المنطقة استناداً إلى الموقع الاستراتيجي و الخاص لسورية في الشرق الأوسط. فنظراً لمجاورتها أرض فلسطين، فإنّ لها موقعاً مهماً في الهلال الشيعي، و تعدّ حلقة الوصل بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية و المناضلين الفلسطينيين. و قد تعمّقت هذه العلاقة بسبب التوجّه الوطني للحكومة السورية المناهض للصهيونية. و نظراً لتحالف سورية مع إيران منذ بداية الثورة الإسلامية، و الاتحاد الاستراتيجي بين البلدين على الصُعُد السياسية و العسكرية و غيرها، فإنّ أيّ أزمة تحفّ بأحدهما ستنعكس تداعياتها الأمنية على الآخر. و في هذا السياق، كان اندلاع الأزمة في سورية و العمليات الإرهابية لتنظيم داعش هناك بمثابة تهديد للمصالح القومية لإيران. لذلك، حاولنا في هذه الورقة أن نناقش التبعات الإقليمية لهذه الأزمة على الجمهورية الإسلامية الإيرانية بسبب ارتباط الإرهاب بالأمن الإقليمي. 
في القسم الثاني من الورقة، بيّنا في ظلّ المشاهدات الميدانية و الدراسات التوثيقية أنّ استعادة تنظيم داعش الإرهابي التكفيري لقدراته من جديد في سورية، سوف تكون له تبعات ليس على منطقة وسط و غرب آسيا و حسب و إنّما على إيران أيضاً، و من بين التبعات الأمنية المستقبلية للأزمة السورية على إيران نذكر ما يلي:
إن اندلاع الأزمة السورية من جديد سوف يعمل على إضعاف تيار المقاومة، و ضمان أمن الكيان الصهيوني والولايات المتحدة إذا ما انهارت معادلة التهديد ضدّ هذا الكيان. و نظراً لانشغال الحكومة السورية بالأزمة و كيفية القضاء على داعش، فإنّ الكيان الصهيوني سيجد فرصة أكبر للتفرّغ لسياساته في فلسطين المحتلة، و سوف يستغل الأوضاع الأمنية المتوترة في المنطقة لجذب حلفاء استراتيجيين إقليميين، و في الوقت نفسه، تغيير النموذج السياسي الحاكم في سورية بمساعدة الجماعات التكفيرية، و استبداله بحكومة عميلة تتماهى مع سياساته. كما تتيح الأزمة السورية للغرب و الولايات المتحدة تسجيل حضور عسكري في البلدان المجاورة لإيران بذريعة محاربة الإرهاب، و التدخل بحرية لانتهاك السيادة الوطنية للبلدان الإسلامية، و هو ما ينطوي على مخاطر جدية بالنسبة لإيران. لقد أدّت ممارسات داعش في سورية و البلدان الأخرى إلى تكالب دول المنطقة على شراء الأسلحة و دعم منظومتها التسليحية، الأمر الذي سيدفع إيران إلى زيادة نفقاتها العسكرية من أجل تحقيق عامل الردع و الحؤول دون بروز أخطار محتملة من بعض الخصوم مثل العربية السعودية و عمان و قطر و تركية ... و غيرها، و أن تحقّق من هذا الطريق الاستعدادات اللازمة لضمان أمن حدودها. كما يسمح الوضع المتأزم في سورية للقوى الراعية للإرهاب تسجيل حضور فاعل و حر في المنطقة ، و توظيف الفرصة المتاحة لصالحها على الصعيدين السياسي و الاقتصادي. و من النتائج الأمنية الأخرى للأزمة السورية على إيران، إضعاف العمق الاستراتيجي لإيران و المساس بهيبة إيران في المنطقة، ذلك أنّ الجماعات التكفيرية تسعى من خلال تقديم صورة سلبية و مشوّهة عن إيران إلى تصوير إيران كخطر جدّي يهدّد أهل السنّة، و بالمآل تشويه نموذج الديمقراطية الدينية في إيران، و الاستعاضة عنه بنموذج الخلافة الإسلامية السنية على منهاج داعش. و في ذلك، كما هو معلوم، إضعاف للقدرة الكاريزماتية الاستراتيجية لإيران و قوتها الناعمة، ممّا يهدّد المصالح القومية الإيرانية على المدى القصير.
 
 
 
المصادر:
أسدي، علي أكبر (2012 م): «بحران سوريه و  تأثير آن بر بازيگران و  مسائل منطقه‌اي»، مجلة مطالعات راهبردي جهان إسلام، السنة الثالثة عشرة، العدد50، الصفحات 178 - 147.
إسماعيل زاده، ياسر و  حسن علي أحمدي (2016 م): «داعش و  أمنيت إيران با تكيه بر مكتب كپنهاگ»، مجلة پژوهشهاي راهبردي سياست، السنة الخامسة، خريف، العدد 18، الصفحات 141 - 123.
إيزدي، بيروز (2014): «جهاديون إفراطي و  أمنيت اروپا»، مجلة  روابط خارجي، السنة السادسة، شتاء، العدد 4، الصفحات 185 - 157.
إيزدي، جهانبخش (2011 م): «راهبردهاي تحقق تعامل مؤثر و  سازنده إيران در نظام بين الملل»، مجلة  رهنامه سياستگذاري، السنة الثانية، ربيع 2011 م، العدد 3، الصفحات 67 - 43.
بخشايش أردستاني، أحمد (2017 م)، «سناريوهاي تروريسم در عصر پساداعش»،  گفتگو از عبد الرحمن فتح الهي، صحيفة إيران، العدد 6551، 24 يوليو̸ تموز.
بهمن، شعيب (2013 م): «چالش ها و  پيامدهاي بحران سوريه بر و ضعيت أمنيتي أورآسيا»،  مجلة مطالعات راهبردي جهان إسلام، السنة الرابعة عشرة، شتاء، العدد 56، الصفحات 174 - 137.
بزشك، علي (2015 م): مواضع و  عملكرد جريانهاي سلفي سياسي و  سلفي جهادي در قبال جمهوري إسلامي إيران (بررسي موردي داعش و  حزب النور مصر)، رسالة ماجستير، جامعة الإمام الخميني (رحمه الله) الدولية، كلية العلوم الاجتماعية. 
بور حسن، عباس (2015 م):  بررسي تأثير بحران سوريه بر أمنيت ملي دولت جمهوري إسلامي إيران، رسالة ماجستير، جامعة تبريز، كلية الحقوق و العلوم السياسية.
بور سعيد، فرزاد (2009 م): «تحول تروريسم در روابط بين الملل»، مجلة مطالعات راهبردي، السنة الثانية عشرة، شتاء، العدد 46، الصفحات170 - 145.
بور سعيد، فرزاد (2006 م): «تروريسم نوين و  منافع ملي جمهوري إسلامي إيران»، مجلة  مطالعات راهبردي، السنة التاسعة، شتاء، العدد 34، الصفحات 855 - 821.
ترك زاده، محمود (2015 م):  گسترش انديشه داعش در أفغانستان و  تأثير آن بر أمنيت ملي إيران، رسالة ماجستير، الجامعة الإسلامية الحرة، الفرع المركزي بطهران، كلية الحقوق و العلوم السياسية.
جلالي، سعيد و  محمد نبي إبراهيمي (2014 م): أمنيت داخلي جمهوري إسلامي إيران و  تأثير و  تأثر أحزاب سلفي - تكفيري كردستان عراق و  كردستان إيران، طهران، مركز الدراسات الاستراتيجية و التعليم في وزارة الداخلية.
جهاني، محمد (2013 م): «تأثير أقليت گرايي مذهبي بر أمنيت ملي جمهوري إسلامي إيران با تاكيد بر نقش سلفيت»، مجلة آفاق أمنيت، السنة السادسة، خريف، العدد20، الصفحات43 - 5.
حاجي ميرزا، علي رضا (2013 م):  تأثير بحران سوريه بر استراتژي منطقه اي جمهوري إسلامي إيران، رسالة ماجستير، الجامعة الإسلامية الحرة، الفرع المركزي بطهران، كلية الحقوق و العلوم السياسية.
حداد بور، أمير (2016 م): «فرصت ها و  چالش هاي إيران در بحران هاي جهان إسلام با تأكيد بر بحران سوريه و  عراق»، مجموعة مقالات مؤتمر الأزمات الجيوسياسية في العالم الإسلامي، طهران، مؤسسة آينده پژوهي جهان إسلام.
خليلي، محسن (2011 م): «بايستگي هاي ژئواكونميك توسعه منطقه جنوب شرق إيران»، مجلة روابط خارجي، السنة الثالثة، شتاء، العدد الرابع، الصفحات 124 - 81.
خوجم، عبد الوهاب (2013 م): «تبيين موقعيت ژئوپليتيك إيران»، مجلة نگين إيران، السنة الحادية عشرة، ربيع، العدد 44، الصفحات 86 - 71.
ذكي، ياشار و  آخرون (2016 م): «بحران سوريه و  أهداف مداخلۀ آمريكا در اين كشور»، مجموعة مقالات مؤتمر الأزمات الجيوسياسية في العالم الإسلامي، طهران، مؤسسة آينده پژوهي جهان إسلام.
ذوقي و  آخرون (2011 م): تحليل ژئوپليتيك سوريه: بستري براي تدوين سياست خارجي إيران در خاورميانه»، مجلة سياست دفاعي، السنة العشرون، شتاء، العدد 77، الصفحات 214 - 195.
رجبي، أمير حسين (2017 م)، «سوريه و  فضاي پسا داعش»، صحيفة إطلاعات، 28 يونيو̸ حزيران.
رحيمي، أميد و  مهدي جواهري (2016 م): «بررسي نقش بنيادگرايي إسلامي در همگرايي أمنيتي منطقه اي در آسياي مركزي پس از بحران سوريه»، مجموعة مقالات مؤتمر الأزمات الجيوسياسية في العالم الإسلامي، طهران، مؤسسة آينده پژوهي جهان إسلام.
رضايان، أحد (2015 م): «پايگاه اجتماعي داعش در عراق و  آينده أمنيت ملي جمهوري إسلامي إيران»، مجلة مطالعات منطقه اي، السنة السابعة عشرة، شتاء، العدد الأول، الصفحات 79 - 53.
رضائي، رسول (2015 م): «تأثيرات ظهور گروه تروريستي داعش در خاورميانه بر أمنيت ملي جمهوري إسلامي إيران»، مجموعة مقالات مؤتمر تآلف القوميات الإيرانية، سنندج، جامعة كردستان.
رضائي، علي رضا و  أمير حشمتي (2016 م): «نئوتروريسم با تأكيد بر تروريسم مذهبي»، مجلة الحبل المتين، السنة الخامسة، ربيع، العدد14، الصفحات 68 - 46.
زارعان، احمد (2014 م): «زمينه هاي ظهور و  گسترش داعش در محيط أمنيتي غرب آسیا»، مجلة آفاق أمنيت، السنة السابعة، صيف، العدد23، الصفحات 96 - 67.
سنائي، اردشير و  مونا كاويان بور (2016 م): «ظهور داعش و  تأثير آن بر سياست خارجي جمهوري إسلامي إيران»، مجلة مطالعات روابط بين الملل، السنة التاسعة، صيف، العدد 34، الصفحات 166 - 145.
سيد نجاد، سيد باقر (1389): «سلفي‏گري در عراق و  تأثير آن بر جمهوري إسلامي ‏إيران»، مجلة مطالعات راهبردي، السنة الثالثة عشرة، ربيع، العدد 47، الصفحات 122 - 95.
شهبازي، حسين (2015 م): راهبرد آمريكا در سوريه و  عراق پس از ظهور داعش، رسالة ماجستير، الجامعة الإسلامية الحرة، الفرع المركزي بطهران، كلية الحقوق و العلوم السياسية.
صفدري، حسين (2017 م)، «پيدايش و  عملكرد مهمترين گروه هاي تكفيري تروريستي»، مجلة سياست خارجي تهران، السنة الثانية، خريف، العدد 6، صص63 - 37.
عباسي، محمد (2016 م):  گرايش جوانان غرب به داعش، رسالة ماجستير، الجامعة الإسلامية الحرة، الفرع المركزي بطهران، كلية العلوم الاجتماعية.
عباسي، محمود (2014 م): «سنخ ­شناسي داعش»، مجلة مطالعات ­­­راهبردي جهان إسلام، السنة الخامسة عشرة، صيف، العدد 58، الصفحات 120 - 93.
عبد الله خاني، علي (2007 م): تروريسم شناسي، طهران، منشورات ابرار معاصر.
علي زاده، موسى (2008 م): سوريه، طهران، مكتب الدراسات السياسية و الدولية في وزارة الخارجية.
كاظمي، أحمد (2014 م): «تروريسم تكفيري داعش و  محور مقاومت ضدصهيونيستي»، مجلة فرهنگ­ إسلامي، ديسمبر̸ كانون الأول، العدد السابع عشر، الصفحات 156 - 134.
كرمي، كامران (2012 م): «عربستان و  بحران سوريه در روند رقابت هاي ژئوپليتيكي و  ژئوكالچري»، مجلة ديپلماسي صلح عادلانه، العدد الثامن.
مبيني، زهراء و  رهبر طالعي (2015 م): «تبيين ظهور داعش و  تأثير آن بر أمنيت ملي جمهوري إسلامي إيران»، مجلة أمنيت پژوهي، السنة الرابعة عشرة، ربيع، العدد 49.
محمدي، إسلام (2015 م): تأثير بحران داعش بر همگرايي شيعه و  سني در منطقه، رسالة ماجستير، الجامعة الإسلامية الحرة، الفرع المركزي بطهران، كلية الحقوق و العلوم السياسية.
محمديان، علي و  قاسم ترابي (2015 م): «بسترها و  عوامل موثر در شكل گيري گروهك تروريستي داعش»، مجلة سياست دفاعي، شتاء، العدد 93، الصفحات 266 - 231.
مرادي، أسد الله و  أمير مسعود شهرام نيا (2015 م): « بحران سوريه و  أمنيت منطقه اي جمهوري إسلامي إيران»، مجلة پژوهشهاي راهبردي سياست، السنة الرابعة، شتاء، العدد 15، الصفحات 152 - 125.
مرادي، عبد الله (2016 م): بحران عراق و  قدرت منطقه اي جمهوري إسلامي إيران، موقع مركز الأبحاث الاستراتيجية الدفاعية.
مرتضي، محمد محمود (2017 م)، «سرنوشت داعش پس از عراق و  سوريه و  گزينه هاي پيش رو»، مجلة سياست خارجي تهران، السنة الثانية، خريف، العدد السادس، صص64 - 80.
معصومي، مجيد و احد ساعي (2012 م): «تأثير تروريسم بر أمنيت ملي جمهوري إسلامي إيران»، مجلة حقوق و  سياست، السنة الثامنة، خريف و شتاء، العدد 18، الصفحات60 - 37.
نجات، سيد علي (2013 م): نقش قدرت هاي منطقه اي در تحولات سوريه، رسالة ماجستير، طهران، جامعة العلامة طباطبايي، كلية العلوم السياسية.
نساج، حميد و  آخرون (2015 م): «شناسايي و  تأمين منابع مالي داعش»، مجلة الحبل­ المتين، السنة الرابعة، صيف، العدد الحادي عشر، الصفحات 55 - 37.
يزداني، عنايت الله و  رؤيا نجاد زنديه (2014 م): «نگاهي سازه إنگارانه به ظهور پديده تروريسم در منطقه خاورميانه با تأكيد بر پديده داعش در منطقه»، مجلة الحبل المتين، السنة الثالثة، شتاء، العدد 9، الصفحات 170 - 143.
 
 
Bozorgmehri, Majid (2016): “Roots of Daesh’s Violence: Concepts and Beliefs”, Journal of Political Thought in Islam, summer, Volume 2, Number 8.
Fulton, Will and Joseph Halliday (2013): Iranian strategy in Syria, Institute for the study of war, United States of America.
Goodarzi, Jubin (2013): “Syria and Iran Alliance Cooperation in a changing regional Enwironment”, Journal of Ortadogu Etutleri, Volume 4, Number 20.
Laqueur, Walter (1996):“Postmodern Terrorism”, Foreign Affairs, September/ October, Volume 75, Number 5.
Sullivan, Kevin (2014): “Three American Teens, Recruited Online, Are Caught Trying to Join the Islamic State”, The Washington Post, 8 December.
Wallsh, David (2013):“Syrian Alliance Strategy in the Post-Cold War Era: The Impact of Unipolarity”, The Fletcher Forum Of World Wffairs, summer, Volume 37, Number 2.
Wagner, Meg (2015):“American Aid Worker Held Hostage, May Have been Forced to Marry ISIS leader”, Daily News|location, 10 February.
Arango, Tim (2014),”Top Qaeda Leaders in Iraq Reported Killed in Raid”, The New York Times, 22 August.
European Commission (2006): Terrorist Recruitment: A Commission’s Communication Addressing the Factors Contributing to Violent, Radicalisation, Report European Commission, MEMO/05/329.
 
 
 


قراءة: 785