فصلنامه مطالعات سیاست خارجی تهران
 

البحرين؛ الصراعات الداخلية و الأزمات الكبرى

عباس أبو صفوان

باحث بحريني و خبير في الشؤون السياسية، يقيم في لندن

تلميح
لم يكن من قبيل الصدفة أن تجتمع حوادث من قبيل التصدّي العنيف للمعتصمين أمام منزل آية الله الشيخ عيسى قاسم و مقتل خمسة مواطنين بحرينيين جراء ذلك، و صدور حكم بالسجن المؤبد بحقّ زعيم جمعية الوفاق البحرينية، و إنّما كانت نتيجة خطة مدروسة و معدّة سلفاً و مدعومة من قبل القوى الإقليمية و الدولية. فمن ناحية اتّخذت الولايات المتحدة مواقف منحازة و داعمة للنظام القمعي في المنامة بذريعة مساندة شيعة البحرين لمحور المقاومة بزعامة إيران، و من ناحية ثانية، فإنّ نفوذ حكّام العربية السعودية و تأثيرهم على مجريات الأمور و مفاصل السلطة في البحرين ألقى في روعهم أنّ انتصار المعارضة البحرينية يعني بداية انحسار أواليات نفوذهم في هذا البلد، و لذلك سخّروا جميع قدراتهم لقمع الاحتجاجات الداخلية في البحرين و تثبيت النظام الذي تزعزعت أركانه. و يتوقّع استمرار صدور الأحكام بالسجن لمدد طويلة و قمع المحتجين بأساليب عنيفة و إخماد المطاليب العامة للجماهير بدعم و إسناد من القوى الإقليمية، فالنظام البحريني غير قادر على تحقيق نصر عسكري أو إجبار المعارضين على النزول عند شروطه، و من ناحية أخرى، فإنّه يتوجّب على هذا النظام، علاوة على تكلفة الاحتجاجات السياسية، أن يدفع تكلفة الصراعات الإقليمية و الدولية أيضاً. 
الكلمات الأساسية: البحرين، السعودية، إيران، الولايات المتحدة.

 

 

مدخل 
يفترض أن أضواء خضراء خليجية منحت إلى السلطة الحاكمة في البحرين للنيل من الحركة الإصلاحية العميقة الجذور في البلاد، التي دشنت في فبراير ٢٠١١ فصلاً جديداً من فصول نضالها، مازال مستمراً. مع ذلك، مازالت السلطات البحرينية تشعر بحاجتها إلى الغطاء الأمريكي والسعودي في الخطوات التي تتخذها ضد مفاصل المعارضة.
ولم يكن أمراً اعتباطياً، ان تشن الأجهزة الأمنية، في مايو/ أيار ٢٠١٧، حملة عنيفة للفتك بالمعتصمين قبال منزل آية الله الشيخ عيسى قاسم، المرجع الديني الأعلى في البحرين، وقتل خمسة من المواطنين، تزامنا مع اجتماع الملك البحريني مع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في الرياض.1
وكذا، ليس مصادفة أن يتم النطق بالحكم على زعيم جمعية "الوفاق" الشيخ علي سلمان وقياديين آخرين (علي الأسود، الشيخ حسن سلطان)، بالسجن مدى الحياة، في الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني ٢٠١٨، في الوقت عينه الذي يلتقي فيه الملك حمد بنظيره السعودي سلمان بن عبدالعزيز في الرياض.
ويمكن للمراقب القول بأن السعودية، وصراعاتها الإقليمية، وتحالفاتها الدولية، ورؤيتها لدورها المستقبلي، ومنزلة البحرين في ذلك، في قلب القرار القاضي بإدانة مزدوجة لكل من: ١. المعارضة البحرينية، ٢. ومسئولين كبار في دولة قطر، بتهمة التآمر على السلطات الخليفية.
ويعد النطق بالحكم المؤبد على قائد المعارضة البحرينية، الصادر من محكمة استئنافية في المنامة، في الرابع من نوفمبر ٢٠١٨، نموذجاً للتأثيرات المتبادلة، المتحركة والمتشابكة، المحلية والإقليمية والدولية، في المسألة البحرينية. وهنا محاولة لتحليل هذا الحدث ضمن عدة عناوين :

أولاً، إعلان الحكم بالمؤبد في ظروف إقليمية خاصة 
أدين الشيخ علي سلمان، زعيم كبرى تيارات المعارضة، "بالتخابر مع دولة قطر، وتسليمها أسراراً عسكرية"2، في وقت تموج فيه المنطقة بأحداث كبرى، تلح في إعادة طرح الأسئلة عن نجاعة الخيارات التي ينتهجها المسؤولون الخليجيون، ومآلاتها المستقبلية. 
ولا يستبعد أن تكون الضغوط التي تعرضت لها السعودية من جراء اغتيال جمال خاشقجي من أسباب إصدار الحكم بالمؤبد على زعيم جمعية الوفاق و قياديين آخرين .
في الوقت الحاضر تواجه الرياض استفسارات عدة ناتجة عن سوء إدارتها لعملية اغتيال الصحافي البارز جمال خاشقجي، في القنصلية السعودية في إسطنبول والضغوط التي تتعرض لها السعودية اليوم تنجم عن سلوكها الفظيع وسوء إدارتها لهذا العمل الإجرامي، وربما كان الجرم الشنيع سيمر مرور الكرام، لو نفذ على طريقة الموساد الإسرائيلي، مثلاً، وليس على منوال أكثر فرق الاغتيال صفاقة وغباء.
لقد تحولت الغيلة، التي تمت بسبق إصرار وترصد، إلى قضية رأي عالمي، وقد ساهمت التسريبات التركية في تدوليها مساهمة ملحوظة كما أن الإعلام المعادي لترمب استثمر الجرم السعودي المشهود للنيل من الحزب الجمهوري.
وحتى مع التقدير، بأن ترامب حاول وسيواصل العمل لإيجاد مخارج لحليفه السعودي، فلايمكن النفي بأن القتل شبه العلني، في مقر دبلوماسي، لصحافي مقيم في أمريكا، يعمل في مؤسسة إعلامية أمريكية نافذة (واشنطن بوست)، قد تسبب في أسوأ عملية تلطيخ لصورة السعودية، السلبية أصلاً في الذهنية الغربية، والحذر واجب في افتراض حدوث تبعات غربية أكثر جدية تجاه الرياض والعائلة الحاكمة فيها. 
من هنا فإن إعلان حكم السجن بالمؤبد على أمين عام "الوفاق" ورفيقيه من شأنه أن يغير الأجواء السائدة في الدول العربية إلى حدما ويخفّف من الضغوط النفسية التي تعيشها السلطات السعودية.
الملاحظة اللافتة الأخرى أن هذا الحكم المفاجئ قد تحول في يونيو/ حزيران ٢٠١٨ إلى الحكم بالبراءة من قبل المحكمة الاستئنافية وقد تزامن ذلك مع الحديث الأمريكي عن تشديد العقوبات ضد صادرات النفط الإيرانية. 
وصحيح أن واشنطن أقرت، مراراً، بعدالة المطلب البحريني واعتداله، إلا أنها لا تخفي انزعاجها مما تسميه تعاطف شيعة البحرين مع محور المقاومة بقيادة إيران. وطالما نظرت الرياض وواشنطن إلى الحركة المطلبية في البحرين على أنها تتبنى أطروحات قريبة من نهج حزب الله وطهران. 
وينظر إلى البنتاغون على أنه صاحب القرار الأسمى في الحالة البحرينية بالنظر إلى اتخاذ قيادة الأسطول الخامس من المنامة مقراً له. وعادة ما يولي جنرالات المارينز أولوية لسلامة السفن، وتمكن الجنود الأمريكيين من تنفيذ مهامهم في حماية أمن إسرائيل، وضمان تدفق النفط، ومحاصرة إيران، أكثر مما تشغلهم صيحات المعذبين في سجن جو البحريني، سيء الصيت.
وليس من المغالاة أو الافتعال ربط محاكمة الشيخ علي سلمان بمشروع التطبيع الخليجي مع تل أبيب. وبموجبه تشتري السعودية والدول النفطية رضا واشنطن على حساب الجماعات الداعية لتوطين المناخ الديمقراطي.
وقد اعتاد وزير خارجية البحرين خالد بن أحمد آل خليفة مغازلة إسرائيل، ومؤخراً عبر عن تقديره لموقف رئيس الوزراء الدولة العبرية للدور السعودي، إثر زيارة قام بها نتنياهو إلى العاصمة العمانية مسقط.3 فيما يشارك وزير الاقتصاد العبري إيلي كوهين في مؤتمر معني بالمبادرات التكنولوجية في المنامة، في أحدث فصول تمتين العلاقات بين كيان الاحتلال والدول الخليجية. 4
التصعيد في البحرين ضد المعارضة، باتهامها بإقامة علاقة مجرمة مع قطر، تزامن مع تكثيف الهجمات، بمعدل أعلى خمس مرات مقارنة بشهر مضى، ضد جبهة الحديدة في اليمن5، مع ملاحظة أن واشنطن تصنف جماعة أنصار الله، علناً، و"الوفاق"، بقدر أكبر من الخفوت، على أنهما فصيلين مواليين لنهج ولاية الفقيه، وهو تبويب يفهم منه استحقاق العقاب.
ويصعب النظر إلى الدعوات الأمريكية لوضع حد للحرب ضد اليمن، على أنها تبدّل في موقف واشنطن إزاء الحالة في صنعاء، الأرجح أن تلك المطالبات شبيهة بدعوة سلطات المنامة إلى مراعاة معايير حقوق الانسان عند الفتك بالمعارضين.
وفي الصورة الأشمل، تعتبر دول "الناتو العربي"، قمع القوى المدرجة في خانة طهران أمراً مشروعاً، للعمل ـ كما تقول ـ على تفادي انضمام المنامة إلى الساحات التي سجلت فيها الجماعات المفترضة ضمن حلف لطهران انتصارات ملحوظة، مثل العراق ولبنان وسوريا واليمن.
ثانياً، الضغط على المناضلين البحرينيين و المعارضة القطرية
يتضمن الحكم بالسجن مدى الحياة ضد ثلاثة من قياديي "الوفاق" تصعيداً ضد الدوحة. ويدعو منطوق الحكم إلى التحضير لمحاكمة ثلاثة شخصيات أعضاء في الأسرة الحاكمة القطرية، وهم: رئيس وزراء قطر الأسبق حمد بن جاسم آل ثاني، ومستشار أمير قطر السابق حمد بن خليفة العطية ، ورئيس مجلس إدارة شبكة الجزيرة حمد بن ثامر آل‌ثاني، باعتبارهم مسئولين عن إدارة عملية التخابر المدعاة، والهادفة إلى "ارتكاب أعمال عدائية ضد البحرين، والإضرار بمصالحها القومية، والتوصل إلى معلومات حساسة تمس أمن وسلامة البلاد"، بحسب ما قالت النيابة العامة البحرينية. 6 
وبالعودة إلى جذور الاتهامات بالتخابر بين قطر و"الوفاق"، نلاحظ أنها أعلنت من طرف الجهات البحرينية في نوفمبر/ تشرين الثاني ٢٠١٧، بعد عدة أشهر من قطع الثلاثي الخليجي: الرياض، أبوظبي، المنامة، العلاقات مع الدوحة في يونيو/ حزيران من ذلك العام، على الرغم من الاتصالات التي جرى تجريمها تعود إلى مارس/ آذار ٢٠١١.
ويقول الشيخ علي سلمان، في إجابته على تحقيقات النيابة العامة عن دواعي المكالمة اليتيمة بينه وبين رئيس الوزراء القطري، إن الاتصالات تمت بصفة المسئول القطري "عضواً في وفد مجلس التعاون الذي زار البحرين في تلك الفترة، للمساعدة في إيجاد حل للأزمة القائمة آنذاك. في وقت المكالمة لم تكن قطر في حالة عداء للبحرين، وكان حمد بن جاسم عضواً في وفد رباعي لمجلس التعاون، وكان من الطبيعي أن أتلقّى وأستجيب لهذه المكالمة منهم. إن هذه الوساطة والمكالمة مسبوغة وملحوقة بعلم جلالة الملك وولي العهد الذي كان على اتصال مباشر مع (مساعد وزيرة الخارجية الأسبق) السيد فيلتمان. هذه هي المكالمة الوحيدة التي تلقيتها من حمد بن جاسم ولم أتلقّ بعدها مكالمة أخرى ولا بعدها في حياتي ولم ألتقِ به ولا مرة واحدة".7 ومعروف إن تلك الاتصالات انتهت مع تدخل السعودية في البحرين عسكرياً.
لذا، فإن من نافلة القول الإشارة إلى أن الدوافع السياسية للمحاكمة جلية. ولم يكن الحكم الأخير إلا مثالاً جديداً على التصعيد ضد قطر والمعارضة، مع أنهما لا يتشابهان، إلا لجهة عداء آل خليفة إليهما. 

ثالثاً، الخلافات الحدودية التي مهّدت لاستفحال الأزمة
وصعدت البحرين تجاه الدوحة بعقدها مؤتمر "حكم آل خليفة في شبه جزيرة قطر، التاريخ والسيادة"، في يونيو/ حزيران ٢٠١٨. ويلوح المؤتمر بتفجير ملف الحدود الملغوم من جديد، رغم أن محكمة العدل الدولية كانت قد حسمت الخلاف القطري البحريني في ٢٠٠١، بإقرار تبعية جزر حوار إلى المنامة، والزبارة إلى قطر، وفقاً للتقسيم الذي اعتمده المستعمر البريطاني.8
وأوصي المؤتمر غير المسبوق "إلى تشكيل لجنة متخصصة لكشف جرائم الاحتلال الغاشم لآل ثاني في المناطق السيادية البحرينية أمام المحافل الدولية، واتخاذ الخطوات الإجرائية والقانونية لإعادة من هجّرهم حكام آل ثاني قسراً من الزبارة عام 1937م".9 
رابعاً، علاقات الحكومة البحرينية مع المواطنين السنة
ويذكر التصعيد الراهن ضد قطر من خلال استثمار تواصل مسئولين قطريين، في وضح النهار، مع المعارضة، في ٢٠١١، بما جرى في ٢٠١٤، حين فجرت المنامة ملف هجرة السنة البحرينيين إلى الدوحة، تزامنا مع الأزمة الخليجية في طبعتها الأولى.10 حينها لم يكن الشيخ علي سلمان معتقلاً. (اعتقل الشيخ علي سلمان للمرة الأولى في ديسمبر ٢٠١٤، وحكم عليه بالسجن أربع سنوات، كان يفترض أن ينهي محكوميته في ديسمبر ٢٠١٨، لكن الحكم الأخير يلوح ببقائه قيد الاعتقال لسنوات طويلة قادمة).
ويؤرق موضوع الهجرة السنية السلطة البحرينية، لأنه يبرز علاقاتها المتوترة مع "عمقها" السني المتمثل في العوائل التي ساهمت في غزو آل خليفة لجزر البحرين، فيما تمضي حكومة البحرين وفي سبيل التمويه على نقص الشرعية لديها في عمليات تجنيس واسعة النطاق تقدر أرقامها حالياً بنحو ٢١٪ من السكان، وكذا المضي في سحب الجنسيات من المواطنين الشيعة الأصليين وزيادة تهجيرهم. 11
وتعتبر العوائل البحرينية المهاجرة الانتقال بين دول الخليج أمراً مشروعاً، باعتبار هذه المنظومة - وفق أدبياتها الرسمية والتاريخية - كياناً واحداً. وتبرر حكومة قطر موقفها بمنح بعض الأسر المهاجرة الجنسية بأنه "استعادة للجنسية" القطرية، لكن حكومة البحرين تعتبر الهجرة "إغواء وإغراء قطري للمواطنين البحرينيين"12.
وكمراقب أفضل تسمية الظاهرة بالهجرة، التي تعود جذورها إلى تناقص مكانة الأسر المهاجرة، في ضوء احتكار أل خليفة القرار السياسي والاقتصادي، فضلاً عن عمليات التجنيس التي تطيح بالمكانة التقليدية لهذه الأسر في المؤسسة العسكرية. 
وتضم العوائل المهاجرة عوائل معروفة، مثل المهندي، السويدي، المسلم، المناعي، والكواري. ويعتبر صلاح الجلاهمة أول معتقل بحريني على خلفية اكتسابه الجنسية القطرية وتخليه عن البحرينية، واتهم بالتحريض على نظام الحكم13، وهي التهم ذاتها التي توجه إلى المعارضين غالباً. وعبرت جماعات سنية موالية عن امتعاضها من اعتقال الجلاهمة، ودعت إلى تبرئته والافراج عنه، مشددة على "أن لكل فرد أن يختار محل إقامته ومعيشته وحله وترحاله وجنسيته". 14
وينظر إلى الجلاهمة باعتبارها إحدى ثلاث قبائل (الصباح، آل خليفة، الجلاهمة) حكمت الكويت في القرن السابع عشر، قبل أن ينتقل آل خليفة والجلاهمة إلى قطر، ثم البحرين في ١٧٨٣، وباتت الجلاهمة حالياً تشتكي التهميش. 
ولا يظهر أن حكومة البحرين قامت بمراجعة سياساتها التي أدت إلى الهجرة السنية، ولجأت بدلاً من ذلك إلى ضربة أمنية بتهديد العوائل المهاجرة، واعتقال البعض. لكن في خطوة لافتة قامت، في نوفمبر ٢٠١٤، أي بعد نحو شهرين من اعتقال صلاح الجلاهمة، بتعيين اللواء الركن يوسف بن أحمد بن حسين الجلاهمة وزيراً لشؤون الدفاع.
خامساً، مرد الخلافات البحرينية القطرية
وتبدو اتهامات حكومة البحرين المتواترة ضد قطر لا تستند إلا إلى خلافات تاريخية بين العائلتين .
 وبمراجعة موقف الدوحة من اعتصامات دوار اللؤلؤة، في فبراير/ شباط ومارس/ آذار ٢٠١١، نجده لا يختلف - عموماً- عن مواقف الدول الخليجية الخمس الأخرى، إلا في الدرجة. فقد دعت الدوحة، بعد اجتماعات لمجلس التعاون، للحفاظ على استقرار البحرين، وصوتت لصالح الزج بقوات عسكرية سعودية وإماراتية في الجزر الصغيرة.  
ولم تدعم الدوحة الحراك البحريني كما فعلت مع الحراكات العربية الأخرى، وصحيح أن علاقاتها مع المعارضين محدودة، لكنها تحظى بموقع أثيرلدى الإخوان المسلمين في البحرين، ونظرياً كان يمكنها تشجيعهم على الانخراط في المطلب الإصلاحي، أو أن تقف على الحياد، بيد أن قطر ومعها الإخوان المسلمون وزعيمها الروحي الدكتور يوسف القرضاوي نددوا بانتفاضة اللؤلؤة وشجعوا قمعها. 
وقد دفع الإخوان المسلمون البحرينيون ثمن علاقتهم الطيبة بالدوحة وعداء الإمارات لهم، بالتضييق السياسي على نشاطهم، وازاحتهم مع مواقع رئيسية في مجلس الوزراء البحريني.
وتقول قطر إن الاتهامات لها بالتخابر مع المعارضة يتم "لصالح حسابات سياسية ثبت أنها ضيقة الأفق ولا تليق بالدول»، كما جاء في بيان لوزارة الخارجية القطرية على خليفة الحكم بالمؤبد على الشيخ علي سلمان. واستنكرت الدوحة "الزجّ باسمها في خلافات البحرين الداخلية"، ودعت المنامة إلى "أن تتعامل مع الرأي العام المحلي لديها والرأي العام الخليجي والدولي بقدرٍ أكبر من الجدية والمسؤولية وعدم اللجوء إلى تسييس القضاء".15
ولا يحوز الشيعة البحرينيين نفوذاً في الجيش، ولا يبدو منطقياً أن تطلب الدوحة من شخصيات معارضة لا تربطهم بالدوحة علاقة سياسية، ولا صلة إيديولوجية، تزويدها بمعلومات عن أماكن لا أثر لهم فيها. 
سادساً، رد الفعل الغربي
على الأرجح فإن المواقف الغربية الصادرة من بريطانيا، فرنسا، الاتحاد الأوروبي، وأمريكا، والمعبرة عن القلق بصدور حكم الحبس بالمؤبد، لن تضع الحكومة البحرينية أمام مسئوليتها في توفير محاكمة نزيهة عند إعادة النظر في القضية في محكمة التمييز.
وتبدو البيانات الغربية باهتة، ولم تسجل إدانة لقرار المحكمة، بل قلقاً، كما يبدو ملفتاً عدم دعوة العواصم الغربية المنامة للإفراج عن الشيخ علي سلمان، أو حتى توفير محاكمة نزيهة للمتهمين. 
في الحالة الفرنسية أشار البيان إلى أهمية "التزام البحرين الكامل باحترام حقوق الإنسان والسماح بالأداء السياسي الشامل والتمثيلي والتعددي في البحرين"16. وظهر موقفاً أمريكي أكثر رخاوة، فقد صدر بيان واشنطن بعد أربعة أيام من الحكم بالمؤبد، واكتفى بالقول بأن واشنطن ستواصل التباحث مع حكومة المنامة للدفاع "عن الحريات الأساسية وحقوق الإنسان".17
التصريحان الفرنسي والأمريكي يبدوان نسخة طبق الأصل تقريباً من البيان البريطاني، الذي صدر بعد ساعات من إدانة قياديي "الوفاق"، على لسان وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط أليستر بيرت، ولم يتجاوز موقف لندن التعبير عن القلق ومواصلة "تشجيع حكومة البحرين على الوفاء بالتزاماتها الدولية والمحلية المتعلقة بحقوق الإنسان" 18.
وكان بيرت في المنامة قبل نحو أسبوعين من صدور الحكم، مشاركاً في جلسات حوار المنامة، ما يدفع معارضون لانتقاد الموقف البريطاني ويعتبرونه داعماً للقمع الرسمي.
على أن موقف الاتحاد الأوروبي كان أكثر انتقاداً للحكم بالسجن مدى الحياة ضد الشيخ علي سلمان، إذ اعتبره "خطوة إلى مزيد من المواجهة والاستقطاب في البلاد، ما سيقوض فرص إجراء نقاش سياسي شامل" 19.

سابعاً، تأبيد المشكل البحريني
حتى مع الاتفاق بأن "الوفاق" المعارضة تدفع أثمان: ١. الخلاف البحريني القطري، ٢. والتنافس السعودي الإيراني، ٣. والاشتباك بين واشنطن وطهران، فإن الصحيح أيضاً أن القوى المعارضة تسدد أكلاف مطالباتها السياسية، المرفوضة من قبل الحكم الخليفي والجوار الخليجي. 
وسبق للشيخ علي سلمان أن اعتبر إعلان القضاء البحريني أحكام المؤبد ضد قادة معارضين، مثل زعيم "تيار الوفاء" عبدالوهاب حسين وزعيم "حركة حق" حسن مشيمع يعني تأبيد المسألة البحرينية، ويصدق ذلك بشكل جلي على بقاء الرجل الأول في "الوفاق" في المعتقل.
وترفض السلطات البحرينية، منذ ٢٠١١، دعوات المصالحة التي تكررها القيادات المعارضة. ومؤخراً، لم تؤدِ التحركات التي قادها العلامة السيد عبدالله الغريفي إلى نتائج إيجابية. ومنذ ديسمبر ٢٠١٧، عقد الغريفي، الذي يعد الرجل الثاني في التراتبية الدينية في البلاد بعد آية الله عيسىقاسم، سلسلة اجتماعات مع رئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة، لم تغير من أجواء "الحرب الشاملة" التي يقودها القصر الملكي ضد المعارضة وحاضنتها الشعبية.
ويتكرر خطأ شائع في بعض أجهزة الإعلام، بأن رئيس الوزراء يملك مفاتيح الحل، لكن الشواهد الجلية تؤكد أن الرجل الثمانيني يفتقر إلى صلاحيات صلبة، وهو الأمر الذي فصلت فيه في كتابي، "بنية الاستبداد غي البحرين: دراسة في توازنات النفوذ في العائلة الحاكمة".20
ويتحكم القصر بأجنحته المتعددة في القرار السياسي. فيما تعزز موقع ولي العهد سلمان بن حمد آل خليفة في إدارة السياسات وتنفيذها مع تنامي تحالفاته مع وليي عهدي الرياض وأبوظبي.
وتوفر المنح المالية السخية من دول الخليج المجاورة دعماً كبيراً للمنامة لمواجهة أزمتها المالية. لكنها تقلص، في الوقت عينه، استقلال خيارات المنامة، الضيقة أصلاً بحكم هيمنة السعودية على ثلاثة ارباع الإنتاج النفطي. (تنتج البحرين نحو ١٩٥ ألف برميل من النفط يومياً، ١٥٠ ألفاً منها تأتي من حقل أبوسعفة المشترك مع السعودية)
ومن الملفت، أن القرار ضد "الوفاق" وقيادتها يصدر والبحرين تستعد لإجراء انتخابات نيابية وبلدية. وأشاعت بعض الأطراف إن الحكومة بصدد تبريد الساحة قبيل الانتخابات المقررة في ٢٤ نوفمبر ٢٠١٨، بيد أن السلطات تواصل قمع المعارضين، وإصدار أحكام الإعدام، ومنع القوى السياسية من المشاركة في الانتخابات. 
ويقدر إن جهود الحكومة ستتواصل في ظل عدم قدرتها على تحويل نصرها العسكري المفترض إلى نصر سياسي بإخضاع المعارضة لشروط اللعبة الحكومية. 

الحاشية

1 https://arabic.cnn.com/middle-east/2017/05/21/trump-speaks-egypt-president-bahrain-king-qatar-emir-kuwait-emir-saudi-summit
2 https://www.france24.com/ar/20181104-البحرين-الحكم-المؤبد-الزعيم-الشيعي-علي-سلمان-تهمة-التخابر-قطر
3 https://arabic.rt.com/middle_east/980281-وزير-خارجية-البحرين-يثنى-موقف-نتانياهو-قضية-خاشقجي/?fbclid=IwAR1TZyKm5d1OqApw_mEvIiqfkCS2a601JU-MD_CDFGxJNrX-5XQ8-RT7_Y0
4 http://www.aljazeera.net/news/arabic/2018/11/9/حمى-التطبيع-تتصاعد-البحرين-تدعو-وزير-الاقتصاد-الإسرائيلي-لزيارتها
5 https://www.alquds.co.uk/132-قتيلا-في-معارك-الحديدة-وفرار-نحو-نصف-م/
6 http://delmonpost.com/?p=12245
7 http://bahrainmirror.com/news/50544.html
8 https://al-akhbar.com/Opinion/244226
9 http://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1128007
10 https://thenewkhalij.news/node/5408
11 https://www.anabahraini.org
12 https://www.youtube.com/watch?v=VyoIKR_JyA8
13http://elaph.com/Web/NewsPapers/2014/9/938184.html
14 https://alfateh21feb.com/2014/09/07/بيان-حول-اعتقال-صلاح-الجلاهمة/
15 https://www.mc-doualiya.com/articles/20181105-البحرين-التخابر-الشيخ-علي-سلمان-الأزمة-الخليجية-قضاء
16 https://www.diplomatie.gouv.fr/fr/dossiers-pays/bahrein/evenements/article/bahrein-condamnation-de-m-ali-salman-declaration-du-porte-parole-adjoint-06-11
17 https://www.swissinfo.ch/ara/واشنطن-تعبر-عن-قلقها-إثر-الحكم-على-زعيم-المعارضة-في-البحرين/44529514
18 https://www.gov.uk/government/news/fco-statement-on-the-sentencing-of-sheikh-ali-salman-in-bahrain
19 http://bahrainmirror.com/news/50581.html
20 http://www.abbasbusafwan.net/arabic/?p=1084


قراءة: 843