فصلنامه مطالعات سیاست خارجی تهران
 

وعود الغرب في أفغانستان في فترة ما بعد طالبان «دراسة تقييمية»

الدكتور مجتبى نوروزي

دكتوراه في الدراسات الإقليمية من جامعة طهران، و النائب السابق لرئيس الملحقية الثقافية في سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في كابل

الخلاصة
بعد حملات الحادي عشر من سبتمبر̸ أيلول قبل سبعة عشر عاماً و  ما أعقبها من غزو التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لأفغانستان، هبّت نسائم الأمل على مختلف شرائح الشعب الأفغاني للخروج من دوامة الحروب التي شهدتها البلاد و  الخلاص من مآسيها. أحد العوامل التي ساهمت في تبلور هذا الأمل الوعود التي أطلقها المسؤولون في الولايات المتحدة جزافاًً. الآن، و  بعد مضي فترة طويلة نسبياً، قمنا بإلقاء نظرة تقييمية على هذه الوعود لنرى ما الذي تحقّق منها على أرض الواقع في ضوء المؤشرات و  الإحصاءات المتوفرة، و  تبيّن لنا من خلال هذه النظرة أنّ المقدار المتحقّق من هذه الوعود لا يعادل شيئاً يعتدّ به بالمقارنة مع حجم المزاعم و  الادّعاءات و  الأموال و  الآمال التي علّقها الشعب الأفغاني على تلك الوعود.
و لهذا الفشل طبعاً أسبابه و  جذوره العديدة من بينها عدم معرفة الأمريكان الدقيقة بالمجتمع الأفغاني و  السياسات التكتيكية قصيرة النفس التي اتبعتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة في التعاطي مع الشؤون الأفغانية و  الافتقاد إلى توازن منطقي بين متطلبات الشعب الأفغاني و  بين الاهتمامات الحقيقية للساسة الأمريكان. 

الكلمات الأساسية: أفغانستان ما بعد طالبان، و عود الغرب، الولايات المتحدة الأمريكية

 

تمرّ هذه الأيام ذكرى دخول القوات الغربية بقيادة الولايات المتحدة العاصمة كابل بعد طرد قوات طالبان منها قبل سبعة عشرة سنة أي في الحادي عشر من ديسمبر̸ كانون الأول 2001 م. خلال هذه الفترة الطويلة نسبياً مرّت سياسات و مقاربات القوات الأجنبية بتغيرات و منعرجات كثيرة. ومهما كان الأمر، يبدو أنّه قد حان الوقت لنلقي نظرة على الوعود التي أطلقها الغرب للمجتمع الأفغاني لنر ما الذي تحقّق منها بالفعل على أرض الواقع.
لقد زرعت هذه الوعود آمالاً عريضة في نفوس أفراد المجتمع الأفغاني المنهك من الحرب و انعدام الأمن و التطرّف. لذلك سوف نسعى في هذه الورقة إلقاء نظرة على الوعود الغربية و نقيّم المقدار المتحقّق منها:
أ) القضاء على طالبان و إرساء الأمن و الحريات الاجتماعية:
 أول الوعود التي أطلقها كبار المسؤولين الغربيين في الأيام و الأشهر الأولى التي أعقبت حوادث الحادي عشر من سبتمبر̸ أيلول القضاء على جماعة طالبان الحليف الرئيسي لتنظيم القاعدة و استئصالها من المجتمع الأفغاني. و قد طرح الخبراء و المختصّون بقضايا أفغانستان منذ البداية علامات استفهام حول إمكان تحقّق تلك الوعود. و كانت علامة الاستفهام الكبرى تحوم، بادئ ذي بدء، حول مسألة تعريف حركة طالبان. إذ لم يقدّم الغربيون تعريفاً محدّداً و صحيحاً عن هذه الحركة، فشاعت في ذلك الوقت ثلاثة تعريفات على الأقل عن هذه الظاهرة. أولاً، طالبان كهوية متداولة و سائدة في شريحة من المجتمع التقليدي الأفغاني لطالما وضعت مسألة تطبيق السنن و التقاليد الدينية و القبلية كأولوية في حياتها الاجتماعية. ثانياً، طالبان كجماعة تحكم إمارة أفغانستان الإسلامية بزعامة الملا محمد عمر و لها إطار محدّد تقريباً، و أخيراً طالبان كأي جماعة معارضة ترفع لواء المعارضة و العداء ضدّ الحكومة المركزية في أفغانستان المدعومة من قبل القوات الغربية. و لكن بعد فترة الحيرة الأولى و ضياع البوصلة يبدو أنّ الأمريكان اختاروا التعريف الثالث من أجل تحقيق هدف آخر، أعني، بناء الدولة - الذي سيأتيك تفصيله لاحقاً في هذه الورقة - ليتمكنوا تحت هذه الذريعة رهن الأهداف المذكورة بتحقّق هذه الفكرة. و قد تسبّب لهم ذلك بمتاعب جمّة اضطرّتهم إلى طرح تعاريف جديدة متعدّدة في وثائقهم الرسمية لظاهرة طالبان. 
تعود صورة طالبان البشعة و الكريهة في أوساط شرائح كبيرة في المجتمع الأفغاني إلى عوامل بعينها أكثر من أي شيء آخر، هذه العوامل هي النظرة القومية للجماعة إلى السياسة و الحكم، و ممارساتها الوحشية و العنيفة باسم الدين و القيود التي كانت تفرضها على الحريات الاجتماعية، و لا سيّما فيما يتعلّق بالمرأة. و قد أدّت هذه العوامل إلى مساندة قطاعات عديدة من المجتمع الأفغاني لممارسات قوات التحالف الدولي في أفغانستان بقيادة الولايات المتحدة، علّها تظفر بأجواء تسودها الحريات الاجتماعية بعد القضاء على طالبان و استتباب الأمن في ربوع البلاد. 
بعد سنتين من سقوط حكم طالبان على يد التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، سافرت لجنة من سفراء الناتو إلى أفغانستان لتقييم ما بدا أنّه نصر غربي تحقّق هناك. و منذ إعلان الحرب على الإرهاب في عام 2001 م و طبقاً لما صرّح به مسؤولان أمنيان رفيعان كانت مهمتهما دراسة التقارير، فقد ذكرت و كالات الاستخبارات الأمريكية أنّه تمّ القضاء على طالبان بحيث لن تشكّل بعد الآن أيّ تهديد. بيد أنّ هذه التقارير و الحسابات الخاطئة كانت جزءاً من نموذج التقييم و اتخاذ القرارات التي أبعدت الجيش الأمريكي عمّا يطلق عليه «حرباً نبيلة»1 (أخطاء في الحسابات مثل فرار أسامة بن لادن و مساعديه و لجوء أعضاء طالبان إلى باكستان). و مع تفاقم الأوضاع في أفغانستان ارتأى دونالد رامسفيلد و سائر المسؤولين في الإدارة إلى تغيير اتجاه مسار الأحداث فبادروا إلى تشجيع حلفائهم الأوروبيين على إرسال قوات عسكرية إلى أفغانستان، و قد أعلن عن أهداف كبرى و مشاريع عظيمة اندرجت في إطار قرار إعادة إعمار هذا البلد. و في ضوء ذلك، وعد الرئيس بوش أفغانستان بـ «خطة مارشال»2 في عام 2007 م حيث كانت واشنطن تنفق ما معدله 3.4 مليار دولار سنوياً لإعادة إعمار أفغانستان و ذلك طبقاً لبيانات مركز بحوث الكونغرس3. كما زعم البيت الأبيض زيادة عدد القوات في أفغانستان. ولكن أحد كبار القادة العسكريين الأمريكان صرّح بأنّه في الوقت الذي تمّ فيه رفع عدد القوات العسكرية في عام 2006 م، فإنّه دُهش عندما علم أنّ عدد الخبراء الزراعيين الحكوميين للولايات المتحدة في أفغانستان لم يكن يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة أو اليدين، البلد الذي تشكّل الزراعة 80 في المئة من اقتصاده. و كذلك كان الكونغرس قد صادق على مشروع لدعم المشاغل الصغيرة بقيمة 300 مليون دولار، و لكن لم يتمّ تأمين تخصيصاته أبداً. في نفس السياق، و بسبب القرارات الخاطئة، يعتقد المسؤولون الأمريكان أنّ ما كانوا يبحثون عنه في أفغانستان عبارة عن سوء تقدير و تحليل خاطئ. هذا، و قد صرّح جيمس دوبينز المبعوث الخاص السابق لإدارة أوباما في شؤون أفغانستان: "كان التصوّر العام أنّ الأفغان يمقتون الأجانب بينما سوف يرحب العراقيون بهم". على أيّ حال، و بعد شهور من الجدل و النزاع العقيم للقيام بتدابير أعظم في أفغانستان، تلقى دوبينز في أبريل̸ نيسان 2002م مكالمة غير متوقعة، حيث قال إنّ جورج بوش كان ينوي الإعلان عن وعود أمريكية لإعادة إعمار أفغانستان. و عليه، سافر بوش في 17 أبريل̸ نيسان إلى إحدى المؤسسات العسكرية في فيرجينيا، و ألقى هناك كلمة جاء فيها: "مارشال كان يعلم أنّ النصر العسكري على الأعداء في الحرب العالمية الثانية ينبغي أن يُدعم بنصر أخلاقي يؤدّي إلى حياة أفضل لأفراد البشرية"، و أضاف: "إنّ مبادرة مارشال كانت مصباحاً أنارت هذا الطريق، و ينبغي لنا أن نسير على ضوئها". بشكل عام يمكن القول بأنّ مشروع جورج بوش في بناء الأمة كان متواضعاً و سطحياً. و لكن يجب أن نعلم بأنّ الأفغان كانوا قد جرّبوا في السابق هذا الشعور بالإهمال و الترك، على سبيل المثال، من قبل إدارة بوش الأب و ذلك بعد جلاء الاتحاد السوفيتي في عام 1989 م، و لذلك وعد أن يتجنّب الإصابة بأعراض «النجاح المبكر» ليعقب ذلك سنوات من التخبط العشوائي و من ثم الهزيمة النهائية. و أضاف: "لا نريد أن نكرّر نفس الخطأ" "إنّنا موجودون، إنّنا ثابتون، إنّنا أشداء. إنّنا باقون حتى ننجز مهمتنا". على أثر خطاب بوش ارتفع مستوى الآمال و التوقعات في أفغانستان، و تعزّز موقع الرئيس الأفغاني كرزاي. على الرغم من ذلك، و على حدّ تعبير بعض المسؤولين الحكوميين الذين شاركوا في هذا النقاش "كان يساور بعض كبار المسؤولين من بينهم رامسفليد، القلق من أن تصبح أفغانستان مستنقعاً، و أن ليس بوسع الولايات المتحدة سوى تحقيق نجاح محدود في هذا البلد." لكنّ الحقيقة هي أنّ حجم المساعدات شهد تراجعاً في المستقبل. و على الرغم من وعود بوش في فيرجينيا، يمكن القول إنّه لم يعلن في الأشهر التي تلت خطابه في أبريل̸ نيسان عن أيّ برنامج أو خطة حكومية دقيقة لإعمار أفغانستان. و بحسب اعتقاد المسؤولين السابقين، فإنّ هذا الركود يكشف عن الصراعات المحتدمة وراء الكواليس داخل الإدارة و بما يتعلق بدور الولايات المتحدة في إرساء الاستقرار في بلد أُسقطت حكومته. و على حدّ تعبير المسؤولين "بعد سقوط طالبان في ديسمبر/ كانون الأول 2001 م ناقش السيد باول و السيدة رايس خلال اجتماعات سرية قضية أفغانستان و توصّلا إلى نتيجة مفادها، إذا تخلّت الولايات المتحدة عن أفغانستان فسوف يشوّه ذلك صورتها في العالم". على هذا الأساس عُقد اجتماع في فبراير/ شباط 2002 م في غرفة العمليات4 المشكلة في البيت الأبيض، اقترح خلاله السيد باول التحاق القوات الأمريكية بقوات حفظ السلام الأممية في كابل، و تقديم الدعم للرئيس حامد كرزاي لتوسيع نطاق نفوذه إلى خارج حدود العاصمة. و بعد نقاشات مستفيضة في هذا الموضوع تبودلت خلالها وجهات النظر، تمّ التوصّل في نهاية المطاف إلى قرار تضمّن إرسال الولايات المتحدة قوة عسكرية قوامها 8000 فرد إلى أفغانستان مهمتها البحث عن أعضاء حركة طالبان و تنظيم القاعدة و التعاون من أجل حفظ السلام أو إعادة الإعمار. على هذا النحو، بادر المسؤولون في الإدارة الأمريكية إلى وضع خطة غير منظّمة للأفغان كسياسة بديلة من أجل تحقيق الأمن في هذا البلد. طبقاً لهذه الخطة قامت الولايات المتحدة بتدريب جيش مؤلف من 70 ألف عنصر، كما قامت اليابان بنزع أسلحة 100 ألف مقاتل غير عسكري؛ في حين تكفلت بريطانيا بوضع برنامج لمكافحة المواد المخدرة؛ و عملت إيطاليا على إحداث تغييرات في السلطة القضائية؛ فيما أقدمت ألمانيا على تدريب شرطة محلية قوامها 62000 عنصر. و قد تبيّن بوضوح أن لا أحد يخضع لسلطة شاملة و جامعة، و برزت، بالنتيجة، مشاكل جمّة أمام جهود الولايات المتحدة في أفغانستان، بحيث بعد مضي ستّة عشر شهراً على خطاب بوش في عام 2002 م ، كان تحت تصرّف وكالة التنمية الدولية الأمريكية، الذراع الأصلي للتنمية الخارجية للولايات المتحدة، سبعة موظفين متفرغين و  35 موظفاً تعاقدياً متفرغاً يعملون في أفغانستان، بالإضافة إلى 61 وظيفة حكومية شاغرة في الوكالة، أي على حدّ تعبير سيد طيب جواد5، السفير الأسبق لأفغانستان لدى واشنطن "مشروع بناء الدولة هذا كان قليل الأهمية و سطحياً و عشوائياً و ترقيعياً." (David Rohde, David E. Sanger, 2007) 
و على الرغم من طرد مقاتلي طالبان من المدن الأفغانية الكبري في الأشهر الأولى من الحرب، إلّا أنّه يبدو أنّهم احتفظوا بحضورهم و نفوذهم و سلطتهم في أجزاء مهمة من البلاد، بحيث اضطرت القوات الأمريكية إلى شنّ عملية "آناكوندا"6 ضدّ مقاتلي هذه الحركة في شهر مارس/ آذار 2002 م. و من ناحية ثانية، كان الرئيس بوش قد وعد بإعادة إعمار أفغانستان لكنّه في الفترة من 2001 إلى 2009 م لم يدفع سوى 38 مليون دولار، ويعزى السبب إلى اهتمامه بشنّ حرب على العراق. (Amadeo, 2018) و كان ذلك، طبقاً لاعتراف الكثير من الخبراء و المحلّلين، أحد أهم الأسباب وراء فشل الولايات المتحدة و حلفائها في تحقيق وعودهم الأولى في أفغانستان. 
بعد انتهاء ولاية بوش و استلام أوباما مقاليد الإدارة الأمريكية انتعشت الآمال من جديد بإنهاء الاقتتال الداخلي بين الحكومة المركزية من ناحية و الجماعات المنضوية تحت لواء طالبان من ناحية ثانية، و بالنتيجة، تعزّزت احتمالات تحقيق الأمن و الاستقرار في أفغانستان، ذلك أنّ أوباما و طيلة حملاته الانتخابية للرئاسة الأمريكية في عام 2008 م كان يروّج بأنّ حرب أفغانستان هي "حرب الضرورة"7 أو حرب دعت إليها الضرورة و مهمة في نفس الوقت و لا بدّ من إتمامها، على عكس الخطأ الذي ارتُكب في "حرب الاختيار"8 في العراق التي كان يدعو إلى إنهائها بأسرع وقت.  أي إنّ موقفه هذا بوصفه الرئيس الأمريكي الجديد كان يعني أن تركز أمريكا قصارى جهودها على الحرب في أفغانستان و أن تسلك نهجاً أكثر دقة و تصميماً. و لكن بعيداً عن البراعة الخطابية التي تمتّع بها الرئيس أوباما أثناء الحملات الانتخابية الرئاسية عام 2008 م فقد واجهت إدارته منذ اللحظات الأولى لتشكيلها معضلات و تعقيدات شبيهة بتلك التي اصطدمت بها إدارة سلفه بوش جعلتها تدور في حلقة مفرغة. الأمر الذي دفع بالولايات المتحدة إلى حصر تركيزها على مسألة محاربة الإرهاب، و التنصّل، بالتالي، من الوعود التي قُدّمت للشعب الأفغاني لتحقيق طموحاته و آماله. كما أنّ الشكوك العميقة التي كانت تساور إدارة أوباما حول قضية بناء الشعب في أفغانستان جعلتها تقلب ظهر المجن لهذا القرار لتفشل مرة أخرى في استغلال هذه الفرصة. لا شكّ في أنّ الوعود التي قطعتها إدارة بوش على نفسها فيما تستطيع أن تنجزه في أفغانستان و كذلك وعودها في تحقيق الأهداف و تهيئة المستلزمات التمهيدية لمساعدة هذا البلد، خلقت توقعات و آمالاً عريضة في هذا البلد لم تنجح الولايات المتحدة في نهاية المطاف في تحقيق أيّ منها (Felbab-Brown, 2017: 15-16). 
وتنفيذاً لوعده، أرسل الرئيس أوباما في أبريل̸ نيسان 2009 م قوة مؤلفة من 17000 عنصراً إلى أفغانستان. بالإضافة إلى وعده بإرسال قوة أخرى من 30000 عنصر في ديسمبر̸ كانون الأول. و كانت استراتيجية أوباما تتمثّل في تركيز الحملات على مقاتلي طالبان و القاعدة الذين نشطوا من جديد على الحدود الباكستانية، و لتحقيق هذا الهدف أضاف تخصيصات مالية مقدارها 59.5 مليار دولار إلى ميزانية بوش للسنة المالية 2009م. كما وعد أوباما بسحب جميع قواته من أفغانستان حتى عام 2011 م. (Amadeo, 2018). و قد بدا تحقيق هذا الوعد غير منطقي حتى في تلك الفترة، و اليوم أيضاً لا يوجد أفق واضح لتحقيقه. 

وبالتزامن مع الوعود الانتخابية لأوباما، أرسل النيتو قوات جديدة إلى أفغانستان بدءاً من العام 2008 م، و ذلك بعد اجتماع عقد في مطلع شهر أبريل̸ نيسان من السنة المذكورة في بوخارست حضرته اثنتا عشرة دولة عضو في حلف النيتو، قُطعت خلاله وعود جديدة بإرسال قوات إضافية إلى هذا البلد. و تضمّن بعض هذه الوعود تقديم المساعدة في إعادة الإعمار بدلاً من إرسال قوات عسكرية، و البعض الآخر كان تكراراً لوعود سابقة. و فيما يلي نستعرض الوعود الرئيسية التي قطعت في اجتماع بوخارست:

1- وعدت فرنسا بإرسال 1000 عنصر. فوج واحد يتألف من حوالى 700 عنصر، بالإضافة إلى 200 عنصر من القوات الخاصة شكّلوا في السابق جزءاً من عمليات التحرير. في أواخر سبتمبر̸ أيلول 2008 م استطاع الرئيس الفرنسي الأسبق ساركوزي الحصول على موافقة الجمعية الوطنية الفرنسية على هذه المهمة و ذلك بعد مقتل عشرة جنود فرنسيين في شهر أغسطس̸ آب من نفس السنة.
2- كما تعهدت بولندا مرة أخرى بالالتزام بإعلانها في فبراير̸ شباط 2008 م بإرسال 400 عنصر إضافي إلى قوتها العاملة في أفغانستان البالغة 1200 عنصر.
3- النرويج أيضاً وعدت وبحماس شديد أن تضيف 200 عنصر إلى قوتها العاملة في شمال أفغانستان.
4- وعدت الدنمارك بإرسال حوالي 600 عنصر إضافي لمواصلة مهمتهم في جنوب أفغانستان.
5- تعهدت جورجيا بإرسال 500 عنصر إضافي إلى أفغانستان.
6- تعهدت كرواتيا بمضاعفة عديد قواتها في أفغانستان الذي يتراوح بين 200 إلى 300 عنصر.
7- تعهدت جمهورية التشيك بإرسال 120 عنصر إضافي.
8- و وعدت كل من اليونان و رومانيا بإرسال عدد إضافي غير معلوم من المدربين لتدريب قوات الأمن الأفغانية.
9- كما تعهدت نيوزيلندة بزيادة مشروطة لقواتها العسكرية في فريق الإعمار في ولاية باميان.
10- وعدت أذربيجان أن تزيد قواتها العاملة في أفغانستان 45 عنصراً إضافياً.
11- في فبراير̸ شباط 2008 م رفضت أستراليا إرسال قوات إضافية إلى قواتها الموجودة في أفغانستان و التي كانت تخوض معارك ضارية في ولاية أرزجان؛ و لكن في المقابل وافقت على زيادة مساعداتها غير العسكرية في مجال تدريب قوات الشرطة و القضاة، و إنشاء طرق جديدة و مستشفيات و مدارس.
12- في شهر مايو̸ أيار 2008 م، أعلنت إيطاليا عن استعدادها إرسال بعض قواتها إلى مناطق الجنوب التي تشهد معارك ضارية. 
13- أما بريطانيا فقد تعهدت بزيادة عديد قواتها في أفغانستان من 7800 عنصر إلى حوالى8100 عنصر. و على الرغم من أنّ هذه القوات كانت متواجدة في ولاية هلمند، إلّا أنّ القوات الإضافية كانت تتكفل، بشكل رئيسي، بتدريب قوات الأمن الأفغانية.
14- لطالما امتنعت ألمانيا عن تلبية طلب الولايات المتحدة بإرسال قوات إلى جنوب أفغانستان، لكنّها هذه المرة أعلنت أنّها ستزيد من عدد قواتها في أفغانستان من 3500 إلى 4500 عنصر.
15- كما وعدت سنغافورة بإرسال 20 عنصر عسكري للقيام بمهمات تتعلق بالتنمية في ولاية أرزجان.
من الوعود التي لم تر النور، إرسال 3200 مدرب كانت قوات الأمن الأفغانية بحاجة إليهم، و قد شكّل 1000 عنصر من الـ 3200 عناصر المارينز الذين أرسلوا إلى أفغانستان في مارس̸ آذار 2008 م مدربين لسدّ هذا النقص (Katzman, 2008: 30-2). 
فيما يتعلق بوعود تحقيق الحريات الاجتماعية، و خاصة للنساء نقول، بعد إزاحة طالبان عن السلطة في أواخر 2001 م، كان يحدو شريحة واسعة من النساء الأفغانيات الأمل بتحسّن أوضاع المرأة. فسقوط طالبان و الوعود الجديدة بالسلام و الحكم الرشيد المشروع بعثت الآمال في نفوس النساء و الفتيات الأفغانيات بحصولهن عاجلاً على حقوقهن و التمتّع بمزيد من الحريات، و كان اللاعبون الدوليون في أنحاء العالم يعدون الفتيات و النساء الأفغانيات بتعويضهن عن حياة الحرمان و المعاناة التي عشنها خلال السنوات الماضية، هذا في حين أنّ الحكومة المركزية الأفغانية لم تكن قادرة بعد على صيانة حقوقهن، خاصة خارج حدود العاصمة. إنّ إخفاق المجتمع الدولي في تحقيق الوعود التي قطعها للنساء في أفغانستان كان يهدّد حلم الديمقراطية في فترة ما بعد طالبان. و بالنتيجة، فقد الكثير من النساء الأمل بمسيرة إعادة الإعمار و السلام في بلادهن التي بدأت بعد سقوط طالبان و اتفاقية بون في ديسمبر̸ كانون الأول 2001م (Human Rights Watch, 2002: 4).
إذن كما نلاحظ، فشلت الولايات المتحدة في تحقيق أول و أهم حزمة ثلاثية من وعودها، بحيث أنّ تحقيق الأمن ما يزال من أخطر التحدّيات في أفغانستان. فهناك ما يقرب من 21 تنظيم و فصيل مقاتل من قبيل حركة طالبان و شبكة حقاني و داعش و القاعدة ... إلخ كلّها تنشط في الرقعة الجغرافية الممتدة من أفغانستان إلى باكستان. و طبقاً للتقديرات العسكرية، يسيطر المقاتلون على 14 في المئة من المساحة الكلية للبلاد، و  30 في المئة عبارة عن ساحة للصراع و القتال. مع ذلك، فإنّ الحملات الأخيرة و الدراسات المستقلة تشكّك في هذه الأرقام و تضع أمامها علامة استفهام كبيرة، لا سيّما و أنّ تصاعد وتيرة الأعمال الإرهابية في الفترة الأخيرة و بشكل مفاجي بدّد كل الآمال و الأحلام بحدوث انفراج في مسيرة السلام المتمثلة في اتفاق وقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أيام في شهر يونيو̸ حزيران و جلسة المحادثات التي عقدت بين أعضاء من طالبان و بعض المسؤولين الأمريكيين في شهر يوليو̸ تموز. تشير الإحصاءات إلى ارتفاع عدد القتلى المدنيين جراء العمليات الإرهابية إلى 2789 شخصاً في الأشهر التسعة الأولى من عام 2018 م بالمقارنة بنفس الفترة من عام 2017م التي كانت 2666 شخصاً، أي ارتفع العدد بمعدل 5 في المئة. و شكّلت الهجمات الانتحارية و غير الانتحارية التي استخدمت فيها القنابل أو المواد المتفجرة محلية الصنع السبب الرئيسي وراء الضحايا المدنيين، حيث حصدت نصف هؤلاء الضحايا تقريباً، و كان المدنيون الذين يقطنون في ولايات ننجرهار و كابل و هلمند و غزني و فارياب أكثر المتضرّرين من تأثيرات الحرب و العنف مقارنة بسائر المناطق الأخرى في البلاد.
في مجال الحريات الاجتماعية أيضاً ما تزال الأفكار و المعتقدات التقليدية في المجتمع الأفغاني تصارع القيم التي يروّج لها الغرب، و تشكّل هذه المحاولات شرخاً اجتماعياً آخر يضاف إلى الشروخ الاجتماعية الأخرى التي يعانيها المجتمع الأفغاني على صعيد العرق و اللغة و الدين و الأجيال ... إلخ، لذا صار هذا المجتمع يشكّك في إمكان تحقّق تلك الوعود في الحريات الاجتماعية. 

ب) إعادة إعمار أفغانستان:
 كما أشرنا قبل ذلك، لقد أدرك المسؤولون الغربيون استحالة تحقيق الحزمة الأولى من وعودهم من دون إعادة إعمار البنى التحتية في أفغانستان، لذا،  أطلقوا منذ الأيام الأولى وعوداً كثيرة لإعادة إعمار هذا البلد الذي مزقته الحروب الأهلية طيلة ثلاثة عقود، فزرعوا آمالاً و طموحات عريضة في نفوس الشعب. 
وشملت الوعود التي قطعها جورج بوش على سبيل المثال في إطار خطة مارشال لأفغانستان النقاط التالية: 1- تشكيل قوات أمنية محلية، و على حدّ تعبير بوش "إنّ السلام سوف يتحقّق من خلال المساعدة على تدريب القوات الأفغانية و تطوير الجيش الوطني" 2- النهوض بالبنى التحتية و الخدمات و كما قال بوش "إنّنا في أفغانستان سوف نعمل بجدّ: سوف نطهّر البلاد من الألغام، سوف نعمّر الطرق، و سوف نحسّن الرعاية الصحية" 3- استحداث اقتصاد قانوني، و في هذا المجال أيضاً قال: " سوف نعمل على تحقيق التنمية الاقتصادية التي تكفل الأمن الغذائي للشعب دونما حاجة إلى تأمين الطلب العالمي على المواد المخدرة". 4- بناء الدولة، و أيضاً حسب مقولة بوش: "سوف نصنع السلام من خلال مساعدة أفغانستان على تطوير حكومة مستقرة و راسخة".  (Lawrence, 2011)
قبيل سقوط حكم طالبان في أوائل نوفمبر̸ تشرين الثاني 2001 م، أعلن جورج بوش على منبر الأمم المتحدة قائلاً "عندما نُسقط حكم طالبان، فإنّ الولايات المتحدة سوف تساعد الشعب الأفغاني على إعادة إعمار بلاده ليلتحق بالركب العالمي" . في أكتوبر̸ تشرين الأول 2002 م، تعهّد بوش أيضاً بشكل قاطع أن يحقّق "مستقبل ملؤه التقدّم و الاستقرار للشعب الأفغاني". لكنّ الولايات المتحدة و حلفاءها عجزوا عن الوفاء بوعودهم التي قطعوها للشعب الأفغاني. (Adriana Lins de Albuquerque, Micheal O'Hanlon, 2004) 
ليس الأمريكان وحدهم الذين قطعوا الوعود للشعب الأفغاني بل دول كثيرة في العالم أعطت وعوداً خلال المؤتمرات الدولية التي عقدت حتى الآن بتقديم مساعدات و قروض لمساعدة هذا البلد. 
كان الزعماء الأفغان قد صرّحوا في عام 2002 م بأنّ أفغانستان بحاجة إلى 27.5 مليار دولار لإعادة الإعمار خلال السنوات من 2002 إلى 2010 م. و قدّمت الولايات المتحدة وعداً خلال مؤتمرات المانحين في طوكيو (2002 م) و برلين (أبريل̸ نيسان 2004 م) و كابل (أبريل̸ نيسان 2005 م) و لندن (فبراير̸ شباط 2006 م) بتقديم منحة قدرها 30 مليار دولار لإعادة إعمار أفغانستان، و شكّلت المساهمات و الإعانات غير الأمريكية نصف هذه التعهدات. مع‌ذلك، لم‌يُستلم شيء من جميع الوعود غير الأمريكية بالمساعدة. كانت اتفاقية أفغانستان تعتمد على آراء و توجهات الزعماء الأفغان، و قد قضت بأن تقوم الجهات المانحة بتوزيع نسبة كبيرة من المعونات لإعادة الإعمار بصورة غير مباشرة عبر الحكومة الأفغانية. و لكن طبقاً لتصريح وزير المالية الذي أدلى به في أبريل̸ نيسان 2007 م، أنّ حوالى 3.8 مليار دولار فقط من المبالغ المخصصة تمّ توزيعها عن طريق الحكومة الأفغانية. و في 12 يونيو̸ حزيران 2008 م أعلنت الحكومة الأفغانية رسمياً في مؤتمر باريس عن استراتيجية التنمية الوطنية لأفغانستان، وطالبت المانحين الدوليين بالمساهمة بمبلغ 50.1 مليار دولار يُنفق للفترة من 2009 م إلى 2014 م. 14 مليار دولار منه لإعادة إعمار البنى التحتية مثل المطارات و طرق سكك الحديد. و 14 مليار دولار أخرى لاستحداث قوى الأمن الوطني الأفغاني ، و حوالي 4.5 مليار دولار لتطوير الزراعة و الأرياف. على أيّ حال، و بالنظر إلى افتقاد الحكومة الأفغانية النسبي للشفافية و النزاهة، تعهد المانحون بتقديم مبلغ 21 مليار دولار؛ و وعدت الولايات المتحدة أن تساهم بـ 10.2 مليار دولار من إجمالي المبلغ المذكور. أما عن سائر التعهدات المالية في هذا النطاق، فيمكن الإشارة إلى الحالات التالية: بنك التنمية الآسيوي 1.3 مليار دولار، البنك الدولي 1.1 مليار دولار؛ بريطانيا 1.2 مليار دولار؛ فرنسا 165 مليون دولار؛ اليابان 550 مليون دولار؛ ألمانيا 600 مليون دولار و الاتحاد الأوروبي 770 مليون دولار (Katzman, 2008: 54-55).
على أيّ حال، و بعد مرور أربعة عقود من الحروب المستمرة، ما تزال أفغانستان تواجه تحديات اقتصادية و تنموية كبرى لا يمكن معالجتها بالمساعدات الإنسانية. و يعيش حوالي 39 في المئة من السكان تحت خط الفقر، و هناك عشرة ملايين أفغاني يحظون بالحدّ الأدنى من الخدمات الصحية الضرورية أو آنّهم محرومون منها نهائياً، و هناك حوالى 3.5 مليون طفل متسربون من المدارس. كما يعدّ معدل وفيات الأطفال ضمن أعلى المعدلات في العالم، أي 70 حالة وفاة من كل 1000 ولادة. كما تعتبر أفغانستان إحدى آخر دولتين في العالم لم يبرحهما مرض شلل الأطفال. و يعاني حوالى 1.9 مليون شخص من فقر شديد في الأمن الغذائي بسبب انعدام أو محدودية الحصول على فرص عمل دائمة، كما يكابد حوالي 40 في المئة من مجموع الأطفال تحت سن الخامسة في أفغانستان من مشكلات في النمو. بهذا نلاحظ أنّه على الرغم من وفرة الوعود و التعهدات المقدّمة من قبل مختلف الدول، فإنّه و لعوامل عدّة لم يتحقّق التقدّم المنشود في هذا المجال الذي يتناسب و حجم تلك الوعود و التوقعات و الآمال التي خلقتها. من أهم هذه العوامل الفساد المستشري في مفاصل الدولة، عدم وفاء الدول المختلفة بتعهداتها، و الافتقار إلى استراتيجية و خطة موحدة لإعادة الإعمار بسبب تشتّت الجهود الدولية و اتّباع كل دولة سياسة خاصة بها تنسجم مع توجهاتها و ما ترتأيه. 

ج) محاربة المواد المخدرة:
 تعدّ عمليات إنتاج و تهريب المواد المخدرة خلال العقود الماضية إحدى العوامل الرئيسية وراء الفساد في الاقتصاد الوطني الأفغاني، و الذي فتح الباب أمام تعاظم حضور الجماعات المسلحة غير الشرعية في الخارطة الجغرافية لهذا البلد. و من هنا، تضمنت الوعود الأولى للغرب بذل أقصى الجهود لمحاربة هذه الآفة باعتبارها أسّ البلاء و مصدر الكثير من المعضلات التي تعصف بأفغانستان، و تحت عنوان "الشعوب الرائدة" و في إطار المهمة الخاصة بالمساعدات الدولية لأفغانستان عبر دولة مسؤولة معينة لإعادة الإعمار في منطقة خاصة أُوكلت مهمة محاربة المواد المخدرة إلى بريطانيا في عام 2002م. على هذا الأساس، و طيلة فصل زراعة الخشخاش خلال السنة الزراعية 2002 - 2003 م خُصّص مبلغ 71.75 مليون دولار لهذا البرنامج، حيث وعدت بريطانيا بموجبه منح كل مزارع 350 دولار في مقابل إتلاف جريب واحد من أرضه المزروعة بالخشخاش. غير أنّ هذه السياسة جوبهت منذ بداية انطلاقها بمشاكل عدّة ليس آخرها الفساد و المخاطر الأخلاقية، و بالتالي، توقّف العمل بها في غضون أقل من سنة.(Felbab-Brown V. , 2016: 6). 
وعدا هذه المعاناة و الصعوبات التي حفّت بالمشكلة، هناك تحليل جاد دفع الغربيين إلى الانصراف عن حلّها يتمثّل في أنّه ما دام الطلب العالمي على المواد المخدرة قائماً فإنّ إلغاء زراعة هذه المواد في أفغانستان يعني انتقال زراعتها من هذا البلد إلى مناطق أخرى في العالم، و قد يضع ذلك مخاطر و تحديات أعظم أمام أوروبا الغربية و الولايات المتحدة. 

د) تدريب و تأهيل قوات الأمن الأفغانية: 
تقدّم الكلام في هذه الورقة، أنّه بالإضافة إلى الولايات المتحدة التي تعدّ القوة الرئيسية المتواجدة في أفغانستان في فترة ما بعد طالبان، هناك دول أخرى قدّمت تعهدات في هذا المجال من أهمها ألمانيا. في عام 2002 م و بناءً على طلب الحكومة المؤقتة في أفغانستان و منظمة الأمم المتحدة، تعهدت ألمانيا بأن تتكفل بمسؤولية التنسيق الدولي لغرض إعادة تأسيس و تأهيل قوات الشرطة الأفغانية. بناءً عليه قررت الحكومة الاتحادية في ألمانيا خلال المؤتمر الثاني للدول المانحة الذي عقد في برلين في الثالث عشر من مارس̸ آذار 2002 م استحداث مكتب لمشروع إعادة تأسيس و تأهيل قوات الشرطة الأفغانية، يدورنشاطه حول محور الاتفاقية التي أبرمت في الخامس عشر من مارس̸ آذار 2002 م بين وزارة الداخلية الألمانية و وزارة الداخلية في الحكومة الأفغانية المؤقتة ، و تضمّنت الاتفاقية المذكورة تقديم مساعدت في مجال تدريب و تجهيز قوات الشرطة الأفغانية  (Feilke, 2010: 7).
في الحقيقة، لا ننكر أنّه قد تحقّق بعض التقدّم في هذا المجال بفضل الجهود الكبيرة المبذولة لا سيّما من قبل القادة الأمنيين في قوات الأمن الأفغانية، إلّا أنّه ما يزال هناك شوط طويل يفصل أوضاع هذه القوات عن مستوى الطموح المنشود المتمثّل في تحقيق الأمن للمواطنين في البلاد. 
ه) بناء الدولة- الأمة في أفغانستان:
 لا بدّ من القول بأنّ بيت القصيد للأهداف و الوعود المقطوعة هو محاولة الوصول إلى المرحلة المنشودة من تأسيس الدولة - الأمة في أفغانستان، و اجتثاث جذور الكثير من الصراعات و التناحرات في هذا البلد. و يمكن القول بأنّ اعتماد الأمريكان النموذج الأمريكي في بناء الدولة - الأمة القائم على بلورة و تطوير حكومة مركزية قوية و الوصول عن هذا الطريق إلى أمة موحدة في أفغانستان هو العامل الرئيسي في عدم الوفاء بالوعود المقطوعة، ذلك أنّ الوقائع التاريخية و الاجتماعية في هذا البلد لم تكن تتوفر على الاستعدادات اللازمة لتطبيق مثل هذا النموذج، لكنّ الأمريكان لم يأخذوا هذه الوقائع على محمل الجدّ لا سيّما الهوة القومية و أزمة الهوية الوطنية القائمة و أصرّوا على متابعة مقاربتهم.

خلاصة البحث: 
لعل الوعود الأولى التي قطعها المسؤولون الغربيون و أكّدوا عليها مراراً و تكراراً في الأيام الأولى من تواجدهم في العاصمة الأفغانية هي حزمة الوعود الثلاثية و المتضمنة إسقاط طالبان و إرساء أسس الأمن و الاستقرار في البلاد و تنمية الحريات الاجتماعية. و قد يبدو للوهلة الأولى أنّها أهداف ليس من العسير الوصول إليها. و لكن مع مضي الوقت أدرك المسؤولون في الولايات المتحدة أنّه يتعذّر تحقيق هذه الوعود من دون استكمال مسيرة بناء الدولة - الأمة في أفغانستان، و بذلك أصبح هذا المشروع دليل عمل لبرامجهم و خططهم، إلّا أنّهم أخطأوا البوصلة عندما تبنّوا النموذج الأمريكي في بناء الدولة، و من أجل تطوير قدرات الحكومة المركزية أضافوا وعوداً ثلاثة أخرى إلى وعودهم السابقة تمثّلت في إعادة إعمار أفغانستان، و محاربة المواد المخدرة، و تدريب و تأهيل قوات الأمن الأفغانية. اليوم و بعد مضي سبعة عشر عاماً، هناك بعض النجاحات النسبية المتحقّقة في عدد من الميادين، و لكن في المقابل هناك ميادين أخرى تراجعت الأوضاع فيها بما هو أسوأ ممّا كانت عليه في أيّام حكم طالبان. و لكن إجمالاً يمكن القول بأنّ النجاحات المتحققة لم تفلح في كسب رضا المجتمع الأفغاني، و لا تبرّر الكلفة الباهضة التي دُفعت من أجلها. و يمكن أن نعزو العامل الرئيسي في هذا الفشل إلى افتقاد الأمريكان لمعرفة عميقة و دقيقة بالمجتمع الأفغاني، و السياسات التكتيكية قصيرة النفس في التعاطي مع المشاكل الأفغانية، و الافتقاد إلى توازن منطقي بين متطلبات الشعب الأفغاني و بين الاهتمامات الحقيقية للساسة الأمريكان، و طبعاً مناقشة كل من هذه النقاط يتطلّب فسحة من المجال لا يسمح به المقام. 

الحاشية)
1 “The good war”
2 “Marshall Plan”
3 Congressional Research Service
4 Situation Room
5 Said T. Jawad
6 Anaconda
7 “war of necessity”
8  “war of choice”

 

 

المصادر:

Adriana Lins de Albuquerque, Micheal O'Hanlon. (2004, oct 18). post taliban regime needs international commitment.بالاقتباس من The Irirsh Times: https://www.irishtimes.com/opinion/post-taliban-regime-needs-international-commitment-1.1162462
Amadeo, K. (2018, Aug 29). Afghanistan War Cost, Timeline and Economic Impact .بالاقتباس من The Balance: https://www.thebalance.com/cost-of-afghanistan-war-timeline-economic-impact-4122493
David Rohde, David E. Sanger. (2007, Aug 12). How a ‘Good War’ in Afghanistan Went Bad.بالاقتباس من The New York Times: https://www.nytimes.com/2007/08/12/world/asia/12afghan.html
Feilke, M. (2010). German Experiences in Police Building in Afghanistan. GRIPS.
Felbab-Brown, V. (2016). No Easy Exit: Drugs and Counternarcotics Policies in Afghanistan. Washington DC: The Brookings Institution.
Felbab-Brown, V. (2017). Afghanistan Affectations How to Break Political-Criminal Alliances in Contexts of Transition. Tokyo: UNU-CPR.
Katzman, K. (2008). Afghanistan: Post-War Governance, Security, and U.S. Policy. Washington DC: CRS.
Lawrence, Q. (2011, september 2). In Afghanistan, Reviewing A Decade Of Promises.بالاقتباس من National Public Radio: https://www.npr.org/2011/09/02/140119641/in-afghanistan-reviewing-a-decade-of-promises
Watch, H. R. (2002). “We Want to Live As Humans”: Repression of Women and Girls in Western Afghanistan. Human Rights Watch.

 


قراءة: 797