فصلنامه مطالعات سیاست خارجی تهران
 

حزب الاتحاد الديمقراطي و النظام السوري؛ تحالف أم تقابل

صالح مسلم

زعيم سابق لحزب الاتحاد الديمقراطي لشعوب كردستان في سورية(P.Y.D).

ولد صالح مسلم في إحدى القرى الكردية في ضواحي مدينة كوباني السورية عام 1951م. أنهى مرحلة الدراسة الثانوية و سافر إلى تركية لمواصلة دراسته الجامعية، فالتحق بجامعة أسطنبول فرع الهندسة الكيميائية. تخرّج منها في عام ۱۹۷۷ م. ثم سافر إلى العربية السعودية للعمل في منشآت الصناعات النفطية والبتروكيمياوية، و مكث في هذا البلد سنوات طويلة. نشرت وكالة الاستخبارات التركية صوراً يظهر فيها صالح مسلم وهو يتناول الطعام مع عبدالله أوجالان في سورية و لبنان في فترة الشباب و الكهولة، وتبيّن الصور أنّ صالح مسلّم كانت تربطه بزعيم الـK.K.P علاقة صداقة قديمة. بعد الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 م قام حزب العمال الكردستاني (K.K.P)بتأسيس عدّة أحزاب جديدة تابعة له، منها حزب الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D) و الذي يُعرف في وسائل إعلام المنطقة باسم «حزب الاتحاد الديمقراطي لأكراد سورية»، وقد انتخب صالح مسلم رئيساً له في عام 2010 م، و استمرّ رئيساً للحزب حتى عام 2018 م. في انتخابات المؤتمر الحزبي السابع للحزب لم‌يسمح لرفاقه بتجديد ولايته للمرة الثالثة، واكتفى بمسؤولية إدارة الشعبة الدبلوماسية في الحزب. أعضاء أسرة صالح مسلم أيضاً منخرطون في السياسة. فزوجته و اسمها عائشة أفندي من مسؤولي التشكيلات السياسية والتنفيذية لحزب الاتحاد الديمقراطي في شمال سورية. لصالح ابن، اسمه شيروان، استشهد في عام 2013 م أثناء إحدى المعارك التي خاضها مع تنظيم النصرة الإرهابية في تل أبيض. خلال استعراضه لتاريخ الأكراد في سورية، يقول *صالح مسلم: إنّ جماعة الإخوان المسلمين في سورية كانت تسعى إلى إزاحة البعثيين عن السلطة لتحلّ محلّهم. فهذه الجماعة، من وجهة نظره، لم‌تكن تقاتل من أجل تحقيق الحرية و الديمقراطية وإنّما للاستيلاء على السلطة. منذ وقت بعيد و هذه الجماعة تناصب الأكراد العداء. ومن هنا أكّد صالح مسلم في إحدى تصريحاته قائلاً: لسنا مستعدين لموالاة النظام، وليس لدينا رغبة في التحالف مع جماعة الإخوان المسلمين، بل سنختار الطريق الثالث. بحسب اعتقاده إنّ المعارضين السوريين المنضوين تحت ما يسمى ائتلاف المعارضة السورية ويمارسون نشاطهم في أسطنبول بدعمٍ من تركية، ليس لهم أيّ سلطة أو نفوذ على الأرض. 
لقد حاورت مجلة طهران لدراسات السياسة الخارجية السيد صالح مسلّم وطرحت عليه بعض الأسئلة لتستبين وجهات نظره حول أوضاع أكراد سورية وحزب الاتحاد الديمقراطي
الكلمات الأساسية:حزب الاتحاد الديمقراطي، سوريا، عبدالله أوجالان، (K.K.P)، أمريكا

 

فصلية طهران: هل تتفضلوا بإعطائنا صورة إجمالية شاملة عن أوضاع الأكراد في سورية؟
*صالح مسلم: منذ انتهاء الانتداب الفرنسي و حصول سورية على الاستقلال و جلاء القوات الفرنسية عنها في عام 1946م لم‌يكن النظام السياسي و التنفيذي في هذا البلد يعترف بوجود المكوّن الكردي. صحيح أنّ الأكراد حصلوا بين عامي 1959 إلى 1962م على مناصب عليا في الدولة السورية مثل رئاسة الجمهورية و رئاسة الوزراء، إلّا أنّ وجودهم كأكراد لم‌يكن معترفاً به من قبل أي أحد أو جهة، و لطالما تمّ تجاهل هويتهم القومية و الثقافية و التنكّر التام لمطاليبهم. من بين أهم المشاكل التي يعانيها الأكراد في سورية عدم إشارة الدستور السوري لا من قريب و لا من بعيد إلى المكون الكردي، و الدولة أيضاً لم‌تكن مستعدة أن تنظر إلى الأكراد كأحد المكونات الرئيسية للشعب السوري. بعد الاستقلال بدأت الأوضاع تسوء و الخناق يضيق أكثر فأكثر على أكراد سورية بعد ترسيخ أيديولوجية القومية العربية المتطرفة، و من ثم لاحقاً تصدّر المقاربة القومية المتشدّدة لحكومة البعث. 
إنّ تأسيس الحكومة على أساس فكرة الدولة - الأمة، و إيلاء القومية العربية الأهمية القصوى كقومية وحيدة أدّى إلى تجاهل الوجود الكردي. في عام 1962 م شهدت سورية وضع و تنفيذ سياسة "التعريب" على الحدود التركية السورية و المناطق الكردية شرق الفرات و غربه، و كان الهدف هو محاولة إحداث تغيير ديموغرافي في تلك المناطق. في نفس السنة، قامت الحكومة السورية بمصادرة بطاقة الهوية الشخصية لحوالي مأئة ألف من أكراد سورية، و إبلاغهم بأنّهم ليسوا سوريين، بل مهاجرين أجانب. قبل ذلك و بالتحديد في عام 1957 م كان الهدف الرئيسي من تطبيق برنامج الإصلاح الزراعي في سورية في خضم مشروع الوحدة السياسية بين مصر و سورية هو الاستيلاء على أراضي المزارعين الأكراد. ثم لاحقاً أي بعد عام 1963 م عندما استولى البعثيون على مقاليد السلطة بصورة كاملة لم‌يعترضوا لا هم و لا باقي التيارات الأخرى كتيار الإخوان المسلمين مثلاً على سياسة ممارسة الضغوط على الأكراد و طمس هويتهم، و تحوّلت سياسة تهميش الأكراد و إقصائهم و الضغط عليهم و محاولة محو هويتهم و وجودهم إلى منهج سياسي راسخ. 
في عام 1974 م أي في عهد الرئيس حافظ الأسد، وصلت سياسة محو الهوية الكردية و المساعي الخاصة باستحداث حزام عربي حدودي في شمال سورية ذروتها، و لا نبالغ إذا قلنا بأنّ الأكراد في هذا البلد لم‌يذوقوا طعم الراحة و الاستقرار يوماً واحداً. كانوا دائماً معرّضين للسجن و التعذيب و الحرمان و الاستغلال. و استمرّت هذه الأوضاع حتى عام 2004 م فترة انطلاق الانتفاضة الشعبية في مدينة القامشلي الكردية. و ترتبط هذه الحادثة بعلاقة تاريخية و سياسية خاصة بقضايا العراق، ذلك عندما غزا الأمريكان العراق في عام 2003 م، و كان للأحزاب الكردية دور فاعل في تغيير النظام السياسي، و أصبحت لهم حصة و سلطة  شعرت الحكومة السورية بالقلق مخافة أن يحذو أكراد سورية  حذو أكراد العراق، و قد برهنت حوادث القامشلي في عام 2004 م على أنّ الحكومة كانت مستعدّة مسبقاً لقمع تلك الانتفاضة. و قُتل في تلك الحوادث عشرة أشخاص و اعتقل مئات و ربما الآلاف، و استمرّت هذه الأوضاع حتى بداية اندلاع الأزمة السورية في عام 2011 م. 
لم‌نفتأ نمارس نشاطاتنا السياسية منذ عام 2004 م، و في عام 2011 م كنّا نعتقد بأنّ ما يشهده الشرق الأوسط في تلك الفترة هو ربيع الشعوب و ليس الربيع العربي، و على هذا الأساس، اندفعنا في هذا الاتجاه و قمنا بتنظيم الشعب الكردي و رصّ صفوف قيادته، حتى وصلت موجة التحولات إلى سورية أيضاً كما توقّعنا. و لكن كنّا نعي هذه الحقيقة و هي إنّ ما حصل في سورية لم‌يكن مجرّد نضال من أجل الحرية و الديمقراطية، ذلك أنّ البعض كان يسعى إلى إسقاط النظام ليستولي هو على السلطة. و انتبهنا إلى أنّ تيار الإخوان المسلمين في سورية يسعى إلى إزاحة البعثيين ليحلّ محّله. كنّا نعلم جيداً أنّهم لايعترفون بوجود الأكراد، و كانوا و ما يزالوا يحملون عداوات و ضغائن تجاهنا منذ زمن بعيد. لذلك لم‌نتحالف مع النظام و في نفس الوقت لم‌تكن لدينا الرغبة في التحالف مع الإخوان المسلمين، بل اخترنا طريقاً ثالثاً. 
كنّا نعلم جيداً وضع نظام الأسد و أنّ سقوطه سوف يستغرق سنتين على الأقل. لذلك بادرنا نحن الأكراد إلى تنظيم قوتنا السياسية و التنفيذية و العسكرية، و قلنا لشعبنا بأنّه لن يحمينا أحد و لا بدّ أن نحمي أنفسنا بأنفسنا، و بطبيعة الحال، من يقدّم لنا المال و السلاح ينتظر منّا أن نقدّم له خدمات لقاءها، و بناءً عليه، يجب أن نعتمد على قواتنا و قدراتنا الذاتية فقط، و بالفعل أثبتت حوادث الأعوام الثمانية الأخيرة أنّنا كنّا على حق، و اخترنا الطريق الصحيح. 
فصلية طهران: لقد قيل أنّه في بداية اندلاع الأزمة السورية كان ثمة اتفاق غير مكتوب بينكم و بين نظام الرئيس الأسد يقضي بأن تتولّوا إدارة المناطق الكردية بصورة رسمية، و أنّ الحكومة السورية قد فوّضتكم السيطرة على تلك المناطق و إدارتها. إلى أي مدى يتطابق هذا القول مع الحقيقة؟
*صالح مسلم: كلا لا صحة لهذا الخبر، و لم‌يحصل مثل هذا الاتفاق بيننا و بين النظام. الأمر على نحوٍ مختلف، و الحقيقة هي أنّ النظام السوري في تلك الفترة كان قد استحدث بعض التشكيلات و الوحدات في المناطق الكردية بعضها عسكري و دفاعي و أمني، و بعضها الآخر تنفيذي. فالعناصر التي كانت تطلق على نفسها جيش التحرير السوري كانت تهاجم قوات الأسد باستمرار، فأدّى ذلك إلى خلق مشاكل لنا في المدن و المناطق الكردية. لقد أعلنوا بكل صراحة أنّهم يستهدفون بتلك الحملات النظام السوري فقط و ليس الأكراد. و لكن، على أيّ حال، كانوا يخلقون لنا مشاكل، و لهذا السبب آثرنا أن نبعد قوات النظام عن مناطقنا. بدأنا بتنفيذ هذه الخطة في مدينتي كوباني و عفرين أولاً، و من ثم توسّعنا فيها لتشمل المدن والأرياف في منطقة الجزيرة شرق الفرات، و في بعض المناطق اشتبكت قواتنا مع قوات الأسد. 
في الاشتباكات التي حصلت بيننا و بين القوات الحكومية في منطقة الجزيرة، استعان النظام بالمروحيات العسكرية، و استشهد على أثر ذلك عدد من رفاقنا، كذلك قُتل بعض عناصر النظام. في الحقيقة، كنّا نميّز بين المؤسسات الأمنية و الإدارية، على سبيل المثال، كنّا نطالب المؤسسات الأمنية بالمغادرة، و عندما لا تستجيب و تختار المقاومة، كنّا نخرجها من مناطقنا بالقوة. أما بالنسبة للدوائر و المؤسسات الخدمية مثل دوائر الماء و الطرق و الهاتف و ما شابه التي كانت تقدّم خدمات للمواطنين، فلم‌يكن لنا شأن بها، بل بالعكس، كنّا نرغب في أن تواصل عملها. 
لقد طردنا من المدن البعثيين و العناصر الأمنية و العسكرية فقط. لذا، لم‌يكن ثمّة شيء اسمه اتفاق سري أو غير مكتوب بيننا و بين الحكومة السورية. ما حدث هو تنظيم و اشتباك و مقاومة. على الرغم من طرد قوات الأسد من مناطقنا، إلّا أنّ ذلك لم‌يمنع لاحقاً المعارضين السوريين المدعومين من تركية من وقف حملاتهم ضدّنا، ثم بعد ذلك دخلت على الخط الفصائل المتطرّفة و الإرهابية مثل جبهة النصرة و جبهة تحرير الشام و غيرهم، و منذ ذلك الحين و حتى اليوم نحن في حالة حرب معهم. و لكن أقولها مرة أخرى بصورة قاطعة لا لبس فيها، لم‌يكن هناك أيّ اتفاق بيننا و بين النظام على إدارة المناطق الكردية. 
ربما يكون قادة النظام قد صرّحوا أن لا عداء بيننا و بين الأكراد، فهذا موقفهم و قرارهم على أيّ حال، و لا شأن لنا به. ما يتعلّق بنا هو أنّنا قمنا بطرد تلك القوات من مناطقنا و تولّينا بأنفسنا الدفاع عن مدننا و قرانا. 
فصلية طهران: أشرتم في بداية الحديث إلى أنّكم في بداية الأزمة السورية قررتم كقوات كردية عدم الاصطفاف إلى جانب النظام السوري و لا إلى جانب المعارضين للأسد، و أسميتم خياركم بالطريق الثالث. هل لكم أن توضّحوا هذه النقطة بشكل أكبر. ما الذي دفعكم لاتخاذ مثل هذا القرار؟ كيف تبلورت فكرة هذا الموقف السياسي، و لماذا لم‌تقفوا مع أحد طرفي الصراع؟
*صالح مسلم:  في تلك الفترة كنت زعيماً لحزب الاتحاد الديمقراطي، و كنا دائماً نتناقش حول هذه المسألة و نتبادل الأفكار. لم‌نصل إلى هذا الاستنتاج في لحظة واحدة أو يوم واحد. منذ أن اندلعت الحوادث و القلاقل من تونس، كانت لنا تنبؤات حول القضية السورية، و كنّا نقول لو أنّ ربيع الشعوب وصل إلى سورية، ماذا سيكون موقفنا نحن الأكراد؟ هل علينا دعم النظام؟ أم الاصطفاف إلى جانب المعارضة؟ ما أريد قوله هو أنّنا كنّا مستعدين من الناحية السياسية لمواجهة هذا السؤال الكبير و توصلنا إلى هذه الاستنتاجات و هي، الوقوف إلى جانب أيّ طرف لن يكون في صالحنا. و تبلورت لدينا قناعة خلال القلاقل و الاضطرابات التي عمّت سورية في تلك الفترة، أنّ مساعي المعارضة لإسقاط النظام لاتنطلق من دوافع ترسيخ أسس الديمقراطية و السلام و حقوق المواطنة، و إنّما هي محاولة لاحتواش السلطة فحسب، و كان ذلك بسبب معرفتنا الجيدة بأفرادها، و كما بيّنت آنفاً، فإنّ تنبؤاتنا كانت تشير إلى أنّهم في حال استيلائهم على الحكم، فإنّهم، بالقطع، لن يكونوا لنا أفضل من النظام الحالي، إذ سيكرّرون نفس السلوك و السياسات السابقة.
لقد التقينا بهم مرات عديدة و تحادثنا معهم و سألناهم بكل صراحة و وضوح، باعتباركم أهم قوى المعارضة السورية و تهدفون إلى إسقاط النظام، ما هي رؤيتكم بالنسبة لمشاكلنا و مطاليبنا نحن الأكراد؟ لو تسنّى لكم استلام السلطة، ما طبيعة السياسة التي سوف تنتهجونها مع الأكراد؟ و كان جوابهم دائماً هو دعونا أولاً نسقط النظام و نستولي على السلطة و من ثم نتحدث في هذه الموضوعات. لم‌نستغرب منهم هذا الجواب فقد تعوّد الأكراد سماع ذلك. واستلهمنا من التاريخ الدروس و العبر، لطالما سمعنا في الماضي مثل هذه الإجابات و التبريرات، و خاصة في فترة الكفاح من أجل الاستقلال عندما اصطف الأكراد إلى جانب العرب في مواجهة الفرنسيين، و بعد أن استتبت لهم الأمور تنصّلوا عن الاعتراف بالمكون الكردي.
فصلية طهران: في سورية لا يتمركز الأكراد في رقعة جغرافية معينة و واحدة، كما هو الحال في إيران و العراق و تركية. ففي شمال سورية توجد ثلاث مناطق ذات كثافة سكانية كردية هي عفرين و كوباني و الجزيرة و هي متباعدة و غير قريبة و لايتصل بعضها ببعض. ماذا يعني لكم إيجاد فواصل عربية بين المناطق الكردية الثلاث على صعيد القضايا السياسية و الاجتماعية و العسكرية؟
*صالح مسلم: لا بدّ أن ننظر إلى التشتّت الجغرافي للأكراد في هذه المناطق على أساس الخارطة الجغرافية للمناطق الكردية في تركية، لأنّ الحدود الحالية التي تفصل أكراد سورية عن بني قومهم في تركية ليست حدوداً طبيعية، بل حدود الاستعمار، حيث قام المستعمرون الفرنسيون و الإنجليز بترسيمها بعد الحرب العالمية الأولى و انحلال الإمبراطورية العثمانية ضمن ما يعرف بمعاهدة سايكس بيكو، و بذلك أصبحت المناطق الحدودية على ما هي عليه اليوم. طبعاً، في الفترات اللاحقة، و في ذروة سلطة حزب البعث في النظام السياسي السوري، دأب البعثيون على إحداث تغييرات ديموغرافية، خصوصاً من خلال تكريس سياسة محو الكرد و إيجاد شريط سكاني عربي على الحدود المشتركة. على سبيل المثال، في منطقة "گِركي سپي" الكردية التي غيّر العرب اسمها إلى تل أبيض، لم‌يكن يسمح للأكراد، بأيّ نحو، تملّك الأراضي، و لذلك كانوا لا يملكون أراضي زراعية في هذه المنطقة، لأنهم كانوا يخططون لتكون تلك المناطق نقطة فصل تشق المناطق الكردية من الوسط، و لم‌يكن للأكراد الحق في كسب إقامة دائمة في تلك المنطقة. وكان غير مسموحاً لهم بشراء الدور أو بنائها في "گِركي سپي". في غرب الفرات أيضاً كان الأكراد في عفرين و جرابلس إلى جانب التركمان، ثم جيء بالعرب لاحقاً إلى هذه المناطق بغية إحداث تغيير ديموغرافي. 
فصلية طهران:  في بداية الأزمة السورية، كانت المعارضة السورية بصدد إسقاط النظام السياسي في سورية في غضون أسابيع قليلة، لكنّنا نرى أنّ هذا النظام صامد منذ 2011م و حتى الآن، و هو الآن دخل مرحلة جديدة تتّسم بالأمن و الاستقرار. في ضوء الظروف الراهنة، و إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار بقاء النظام الحالي، ما هي مطاليبكم و أهدافكم بالنسبة لموقع الأكراد في النظام السياسي و الاجتماعي؟
*صالح مسلم: كانت المعارضة تعتقد بأنّ النظام سوف يسقط خلال فترة قصيرة. و لم‌يكن هذا رأينا، كنّا نقول بأنّه باقٍ لسنتين على الأقل. كنّا نعلم جيداً أنّه توجد في سورية عدّة أجهزة استخباراتية و أمنية تعمل بصورة موازية، و أنّ عدد العناصر الأمنية السرية لايقلّ عن عدد أفراد الجيش السوري، ربما وصل عددهم 150 ألف عنصر. إنّ النظام السوري نظام قمعي لا يثق بمواطنيه و يخشى سقوطه لذلك يتصرّف دائماً من منطلق الإدارة البوليسية و القبضة الحديدية. كنّا نعلم بأنّ هذه المنظومة الأمنية المؤلفة من 150 ألف عنصر، و تفويض السلطة و المقدرات العسكرية في البلاد للطائفة العلوية سوف يؤدّي إلى تعاملهم مع الأوضاع بجدية و صرامة تصل إلى حدّ الاستماتة من أجل البقاء، و أنّ المسألة مسألة حياة أو موت بالنسبة لهم، و لن يسمحوا بسقوط النظام. بالتأكيد هذه ليست كلّ القضية، لا بدّ أيضاً من الأخذ بالاعتبار دور الداعمين لسورية، لا سيّما روسية و إيران و حزب الله الذين نزلوا إلى الساحة و منعوا سقوط النظام. 
أما عن مستقبل سورية فلا بدّ أن نقول، لا أحد يعلم بعد كيف سيكون عليه مستقبل سورية، و ماذا سيحصل. و لكن ما هو واضح أنّ المعارضين السوريين الذين يسمّون أنفسهم الائتلاف السوري المعارض و القابعين في أسطنبول و يمارسون نشاطهم بدعم من الحكومة التركية، يفتقدون لأيّ سلطة أو نفوذ ميداني على الأرض، و لم‌يبق حضور لأيّ قوة على الأرض السورية سوى القوات الجهادية و السلفية التي لا تملك أيّ خطة أو استراتيجية واضحة و محددة لمستقبل سورية، و هي بعد تحمل أيديولوجيا متطرّفة و خطيرة، و القوة الأخرى التي تمتلك حضوراً على الأرض السورية و تدافع عن المدن السورية هي قواتنا. في ظلّ هذه الظروف حيث الهوة واسعة و التناقض كبير بين معارضي الخارج و الفصائل الجهادية و السلفية، فإنّه ليس بمقدورهم طرح أيّ استراتيجية أو برنامج واضح لإدارة سورية. الكل يزعم أنّه يسعى وراء سورية ديمقراطية، و لكن كيف السبيل إلى تحقيق هذا الهدف، لا أحد منهم يعرف. فالمعارضة السورية تعتمد على القوى الأجنبية، و إذا قطع عنها الدعم فلن يبق أحد منها على الساحة. في هذه الأثناء، تمارس تركية دوراً خطيراً، فمن خلال استغلالها للأوضاع القائمة، تقوم بتوظيف جميع الفصائل و الجماعات المعارضة أملاً في تغيير النظام في سورية. أما ما الذي سيحصل، و ما هي مطاليب الأكراد و طموحاتهم بالنسبة لموقعهم في النظام السياسي القادم، فنقول، حالياً لا تملك المعارضة  السورية مشروعاً واضحاً لمستقبل سورية، لقد شوّهوا القضايا السياسية السورية بصورة كوميدية و مأساوية و ليس في جعبتهم أيّ خطة مدروسة و دقيقة. نحن الجهة الوحيدة التي تملك برنامجاً و استراتيجية دقيقة لمستقبل سورية. نحن في قوات سورية الديمقراطية، و مزيج الأكراد و العرب و سائر المكونات الإثنية و الثقافية و الدينية نقف في صف واحد إلى جانب بعضنا البعض، و نطالب بتأسيس نظام سياسي ديمقراطي. تصوّرنا هو أنّنا نملك المشروع أو خارطة الطريق الأكثر موضوعية و واقعية لمستقبل سورية. نحن نؤمن بأنّ السبيل الوحيد لإصلاح النظام السياسي و التنفيذي في سورية هو استحداث نظام سياسي لامركزي في سورية، بعيد عن المركزية الصارمة، أن يستلم مقاليد الأمور نظام سياسي غير شمولي.
في هذه اللحظة أيضاً نجد جميع الناشطين السياسيين المعارضين لنظام الأسد يكررون القول بأنّه لا ينبغي أن تعود سورية إلى الأوضاع السياسية و الاجتماعية التي كانت سائدة قبل اندلاع الأزمة في عام 2011 م، أوضاع القمع و الديكتاتورية، و لكن ليس بمقدور أيّ منهم أن يبيّن بوضوح و بالتحديد ما هو شكل النظام الذي ينبغي أن يقود سورية في المستقبل؟ نحن فقط الذين أعلنّا بوضوح ضرورة قيام نظام لا مركزي في البلاد. ما نريده هو نظام سياسي لامركزي.
نعم، البعض يطرح موضوع النظام اللامركزي، و لكن ما نقصده نحن من هذا المشروع لايقتصر على اللامركزية الإدارية فقط، و إنّما يجب أن يشمل القضايا السياسية و الثقافية أيضا، و جميع مجالات الحياة للمواطنين، و أن يبتني على الإرادة الشعبية و حرية التعبير و حقوق الإنسان و الديمقراطية. ما نريد قوله هو أن لا تتّخذ جميع القرارات في دمشق، بل يجب أن تشارك جميع المحافظات و المناطق في عملية اتخاذ القرار. و أن تظلّ دمشق عاصمة البلاد، و لكن أن تكون للمناطق و المحافظات في النظام السياسي اللامركزي مجالس محلية أيضاً. حالياً اسم البلاد هو الجمهورية العربية السورية، و هو لا ينطبق على التركيبة الاجتماعية في سورية، في هذا البلد علاوة على العرب، يعيش الأكراد و التركمان و السريان و سائر القوميات و الإثنيات الأخرى، و انطباقاً مع هذا الوضع، لا بّد من تغيير الاسم إلى الجمهورية الديمقراطية السورية. و كما قلت، جميع هذه القضايا قابلة للنقاش و التفاوض، و لا نتوقع أن يتغيّر كل شيء بين ليلة و ضحاها. بإمكاننا تغيير الدستور، و أن نحتكم إلى آراء الناس في بعض القضايا و أن نجري استفتاءً بشأنها.

فصلية طهران:  ما هو مشروعكم بالنسبة للقوات المسلحة و قوات الشرطة؟ هل يجب أن يستقلّا عن سلطة العاصمة برأيكم؟
*صالح مسلم: يجب أن تكون القيادة العامة للقوات المسلحة و القوات الأمنية، لا سيّما في القضايا الدفاعية للبلاد،  محصورة في قيادة عليا عامة مشتركة، و لكن في نفس الوقت، أن يكون للمحافظات و المناطق تشكيلات شرطية و دفاعية محلية خاصة بها. يمكن أن تخضع جميع هذه التفاصيل لدراسة و نقاش صريح و شفاف. إذا أُريد إحداث تغيير و تحول، فجميع هذه الأمور غير مستثناة من النقاش و البحث. 
فصلية طهران: لطالما اتُّهم حزبكم بأنّه أحد التشكيلات التابعة لحزب العمال (P.K.K) و أنّ جميع أهدافه و قراراته تدور مدار أفكار و طموحات عبد الله أوجالان، و القرارات الحالية أيضاً تُتّخذ طبقاً لأوامر زعماء الـ (P.K.K) في جبال قنديل. ما ردّكم على هذه الاتهامات؟
*صالح مسلم: هذه اتهامات تطرحها الحكومة التركية، فهي تريد أن تستغل ذريعة إدراج حزب العمال (P.K.K) على لائحة الإرهاب، فتقوم بنسبة الأحزاب الأخرى إلى هذا الحزب لتخلق لهم مشكلة عن هذا الطريق. مع ذلك هناك بعض الوقائع السياسية و الفكرية التي تقتضي أن نسلّط الضوء عليها. لقد عاش عبد الله أوجالان لسنوات طويلة في سورية و لبنان، و كان زعيماً لحركة ثورية في هذه المنطقة لمدة عشرين سنة، و لم‌يستقطب حزبه الأكراد في تركية فحسب، و إنّما أكراداً من إيران و العراق و سورية أيضاً. و بالنسبة لحزبنا، فإنّ مؤسسه ليس أوجالان، فقد تأسّس في عام 2003 م عندما كان أوجالان يقبع في السجن،  إلّا أنّ أفكار أوجالان و رؤيته الفلسفية و السياسية ليست حكراً على حزب العمال (P.K.K) وحده، و إنّما لها انعكاسات في العالم أيضاً، فهو، على سبيل المثال، يولي أهمية لفكرة الأمة الديمقراطية بدلاً من الدولة القومية أو الدولة - الأمة. و كما أنّ الإسلام و سائر الأديان و بعض المذاهب الفكرية مثل اللينينية و الماركسية لا تحدّها حدود جغرافية، فنحن أيضاً، نتبع في أهدافنا الفكرية بعض آراء أوجالان و عقائده. و لكن القول بأنّنا نأخذ التعليمات من زعماء حزب العمال (P.K.K) في جبال قنديل، فهذا كلام عارٍ عن الصحة تماماً، و مزاعم تركية جوفاء. إنّنا لا نجسر العلاقات مع حزب العمال (P.K.K) فقط و إنّما مع جميع الأحزاب الكردية في المنطقة، و هذا حقنا الطبيعي. تركية تلجأ إلى ترويج مثل هذه القضايا لتبرير قمعها لحركتنا. و من الضروري أن أضيف هنا بأنّ حزبنا ليس حزباً كردياً خالصاً، بل يضمّ بين جناحيه جميع الأقليات الإثنية السورية الأخرى. في السابق كان عدد من شبابنا ينتمون إلى حزب العمال (P.K.K)، و كان لهم حضور في جبال إقليم كردستان، و لكن بعد اندلاع القلاقل في سورية و حملات الإرهابيين، عادوا إلى وطنهم ليدافعوا عن أسرهم و أرضهم، و هذا أيضاً أمر طبيعي. الغالبية العظمى من قواتنا من أكراد سورية، و إلى جانبهم عدد من أكراد المناطق الأخرى. و على أيّ حال، مهما فعلنا لن نستطيع أن نمنع تواصل الأكراد فيما بينهم. لقد رأيتم كيف شارك في الصمود التاريخي لكوباني، شباب أكراد من دياربكر و السليمانية و مهاباد إلى جانب شباب كوباني نفسها، و دافعوا عن المدينة بوجه الهجمة الإرهابية الداعشية، و قدّموا شهداء في هذا الطريق. في عام 1992 م كانت تركية تؤلّب الأكراد بعضهم على بعض في العراق، و ساقتهم لمحاربة حزب العمال (P.K.K)، و الآن تريد أن تعيد نفس الكرّة و تزجّنا في حرب مع هذا الحزب، و لكن أبداً، لن نستجيب لهذا الطلب، لسنا مستعدين أن نتهم حزباً كردياً بالإرهاب استجابة لرغبات الآخرين. 
فصلية طهران: في الماضي، كانت مدينة عفرين الكردية الواقعة في غرب الفرات تحت سيطرة الفصائل المسلحة في حزبكم، حتى جاءت تركية لتحتلها بالتعاون مع قوات الجيش الحر السوري. و قد أعلن المسؤولون الروس بعد احتلالها أنهم اقترحوا عليكم رفع العلم الرسمي للدولة السورية على المدينة لمنع الهجوم على هذه المدينة، هل تؤيّدون هذا الكلام؟ و إذا كان صحيحاً، فهل توافقون على أنّ سقوط عفرين بيد الأتراك جاء نتيجة لرفضكم المقترح الروسي و قرار حزبكم بالقتال، و أنّكم بذلك ارتكبتم خطأً فادحاً؟
*صالح مسلم: كلا، لا صحة لهذا الخبر، فهو مجرّد زعم لا يستند إلى أيّ أساس واقعي. الحقيقة هي أنّه كان هناك اتفاق سري لاحتلال عفرين، و هذا القرار لا يعود إلى روسية وحدها، بل حتى نظام الأسد كان له دور فيه، فهما لم‌يعارضا الاحتلال التركي لعفرين، و كانا يرغبان بتسليم المدينة لتركية، لتقوم الأخيرة في المقابل بسحب بعض المرتزقة التابعين لها من مدينة حمص و المناطق الأخرى. يريدون من خلال الترويج لهذه الاتهامات أن يبرّروا احتلال تركية لعفرين. 
فصلية طهران: إذن، مسألة الاقتراح الروسي برفع العلم السوري على عفرين ليس له أساس من الصحة بتاتاً؟
*صالح مسلم: كنّا أول من تقدّم و طرح اقتراح التعاون لا الروس و لا نظام الأسد. نحن الذين قدّمنا اقتراحاً مباشراً على الحكومة أن تعالوا نتعاون حتى ندافع عن عفرين. لكنّهم ردّوا باقتراح مقابل لم‌يكن مقبولاً بالنسبة لنا أبداً، اقتراحنا كان أن ندافع بصورة مشتركة عن عفرين، و لكن اقتراح دمشق كان أن يلتحق جزء من قواتنا بقوات الحكومة كجنود يخدمون تحت إمرتها، و أن يخرج الجزء الآخر من القوات مع جميع التشكيلات السياسية و التنفيذية و التنظيمية خارج المدينة، و من ثمّ نسلّمهم المدينة، ليرفعوا عليها علم الدولة السورية، ثم يشرعوا بعد ذلك بالدفاع عن عفرين. بعبارة أوضح، لقد طلب النظام منّا أن نستسلم له، فكان من الطبيعي أن نرفض. فهذا لا ينسجم مع مبادئنا الأخلاقية. كان شعارنا إمّا الحياة بحرية أو الموت بكرامة. فإذا كان علينا الاستسلام، فهذا بمثابة موت لنا، و من البديهي أن لا نوافق عليه، بل نصمد و نقاوم. و هذا ما يفسّر قرارنا بالصمود و المقاومة. الآن أيضاً، إذا اقترحوا علينا نفس الاقتراح في مناطق أخرى، سنرفض، و نفضّل المقاومة على الاستسلام. عفرين حالياً ترزح تحت الاحتلال التركي، و لكنّها قطعاً لن تظلّ كذلك، فنحن واثقون من تحريرها. لذا، فإنّنا نعتقد أنّ قرارنا الذي اتخذناه في عفرين كان صائباً و ثورياً و مشرّفاً، أمّا الانتقادات الموجهة بشأن مقدار جهوزيتنا العسكرية و الدفاعية و الحسابات العسكرية في عفرين، فهذه قضية أخرى. 
لقد شنّت تركية علينا حملة عسكرية بأحدث الأسلحة الجوية و البرية لحلف الناتو و أكثرها فتكاً، و بجيش جرار و قوي يتمتّع بدعم طائرات الانذار المبكر (الأواكس) و بجنود و تجهيزات متطورة، هذا في حين أنّ قواتنا دافعت عن المدينة بقدراتها البسيطة، و بدون أيّ دعم أو مساندة إقليمية أو عالمية، و استطعنا في تلك الظروف العصيبة الصمود لمدة 59 يوماً، و في ظنّي أنّها كانت مقاومة أسطورية خالدة، و ليس ردّ فعل قليل الأهمية. لم‌يكن بمقدور أي فصيل أو تيار أن يصمد أمام هذا الجيش القوي و هذه الحملات العسكرية الواسعة إلى هذه الدرجة. ثمة نقطة تستدعي الإشارة و هي، إنّ تقدّم الجيش التركي في عفرين و احتلاله لها حصل بغطاء جوي كثيف من المقاتلات التركية، أضف إلى ذلك أنّهم لم‌يرحموا حتى المدنيين العزّل، و عمدوا إلى قطع شبكة أنابيب المياه فظلّ الأهالي في مدينة عفرين و الذين يبلغ تعدادهم حوالي 250 ألف شخص بدون ماء، كما لم‌توفّر حملاتهم المشافي و المناطق السكنية أيضاً ، و خلقوا معاناة و أوضاعاً غاية في الصعوبة. في تلك الظروف طلبنا من النظام السوري أن يفعل شيئاً على الصعيد الدبلوماسي على الأقل، و أن يطرح الموضوع على مجلس الأمن الدولي، و يعلن صراحة أنّ إحدى مدننا تتعرّض لاحتلال أحد الجيران و ضرورة إدانة هذا العمل الوحشي، و لكن حتى هذه الخطوة لم‌يكن نظام الأسد مستعداً لاتخاذها. في هذا السياق، يبرز أمامنا الدور الروسي الجدي و المكثف في هذه القضية بحيث اعترف المسؤولون السياسيون و العسكريون الأتراك بأنّه لولا مساعدة روسية و تعاونها لما استطاعت تركية احتلال عفرين. و هذا الموقف ليس غريباً على روسية، فهي لم‌تفعل شيئاً حتى في أيام احتلال تركية للواء الأسكندرونه. وفقاً للنهج السياسي للنظام السوري، إنّ بقاء حزبه أكثر أهمية و حيوية بالنسبة له من أيّ شيء آخر، أمّا مدينة عفرين فإنّنا على يقين بأنّ القرار النهائي بشأن احتلال المدينة لم‌يكن بيد دمشق و إنّما بيد موسكو، فلعبة المصالح و التعاون الثنائي مع تركية هي التي دفعتها لتمهيد الطريق أمام الأتراك لاحتلالها. 
فصلية طهران: قامت الأحزاب الكردية المعارضة في شمال سورية بتأسيس تشكيل تحت عنوان «المجلس الوطني الكردي في سورية» (ENKS) يتألف من 16 حزباً كردياً سورياً صغيراً و كبيراً، و هو مقرّب على الصعيدين الفكري و السياسي من إقليم كردستان العراق، و بالتحديد الكاكا مسعود البارزاني. لهذا المجلس انتقادات تطال شخصكم مبررين ذلك بأنّكم لا تسمحون لهذه الأحزاب بممارسة أيّ نشاط سياسي في المناطق الكردية في الشمال السوري. ما هو تعليقكم على هذه الانتقادات؟ 
*صالح مسلم: بالنسبة لأسلوب النشاط السياسي و المقاربة السياسية لـ «المجلس الوطني الكردي في سورية» لا بدّ من القول بأنّه لا يمكنهم الجلوس في أسطنبول و القيام بنشاطات سياسية في كردستان سورية عن بعد. من يريد ممارسة نشاط سياسي و تقديم خدمة للناس عليه أن يأتي إلى هنا و يتواجد على أرض الميدان. لقد منح رفاقنا في الأشهر الأخيرة الرخصة لـ 22 حزباً و تشكيلاً سياسياً كردياً لممارسة النشاطات السياسية. بإمكان هؤلاء أيضاً أن يأتوا إلى كردستان سورية و يحصلوا على ترخيص مماثل. «المجلس الوطني الكردي» (KNK) أيضاً طالب جميع الأحزاب و الفصائل الكردية المجيء إلى سورية للعمل و الخدمة في كردستان سورية، لذا بإمكان هؤلاء الرفاق (في المجلس الوطني الكردي في سورية) أن يحذو حذوهم و يأتوا إلى هنا. فنحن لا نستطيع الذهاب إلى أسطنبول للقائهم، فليأتوا هم إلى هنا، و ليبذلوا ما في وسعهم، و بدورنا سنحاول اللقاء بهم و التفاوض معهم لحل جميع المشاكل و الخلافات إن وجدت عبر الحوار و التفاهم و الوصول إلى اتفاقات. لقد التقينا بهؤلاء الرفاق مرتين في أربيل و مرة في دهوك و وقّعنا على مذكرة تفاهم و تعاون، لكنّ الأتراك دقّوا إسفيناً بيننا، و لم‌يسمحوا بمواصلة هذا التعاون. 
فقد طلبت منهم عدم الاعتراف بتشكيلاتنا السياسية و التنفيذية، و تجنّب التعاون معنا، و امتثل الرفاق لهذه التعليمات التركيه و قطعوا أيّ اتصال بنا. على أيّ حال، هم أناس براغماتيون و لديهم أهداف سياسية و نضالية، و ليس لأحد أن يقف في طريق نشاطاتهم و فعالياتهم. فهذا حقّهم الطبيعي في العمل و النشاط و النضال منحه الله لهم و لا يستطيع أحد أن يسلبهم إيّاه. بإمكانهم المجيء إلى هنا متى شاؤوا، من يريد الدفاع عن أرضه و عرضه و شعبه، لا يحتاج إلى إذن و تشريفات من هذا أو ذاك، بل يقوم بما يلزم. و لكنّ الأمر المؤسف أنّنا لم‌نر أيّ خطوة عملية من جانب هؤلاء الرفاق حتى الآن، و لطالما كانوا متأثرين بأقوال الآخرين. إنّنا لم‌نغلق الطريق بوجه أحد، فأبوابنا مشرعة بوجههم و لهم أن يأتوا إلى هنا. 
فصلية طهران:  قرار الولايات المتحدة بسحب قواتها العسكرية من سورية طرح تساؤلاً حول مدى تأثير هذا القرار على أوضاع الأكراد في تلك المناطق؟ و بالتزامن مع إعلان الولايات المتحدة لقرارها، أعلنت تركية أنّها تفكّر في إنشاء منطقة عازلة على أن تكون تحت إشرافها، بدورها طالبت روسية تركية بالعودة إلى اتفاقية أضنة الموقعة بين دمشق و أنقرة لضمان أمن المنطقة. ما حجم تأثير هذه القرارات و المقاربات على مصير الأكراد في شمال سورية؟
*صالح مسلم: أولاً و قبل كل شيء يجب أن ننتبه لهذه الحقيقة و هي إنّ الهدف الأول للولايات المتحدة من مجيئها إلى المنطقة تأمين مصالحها. فعندما شكّلت مع الأوروبيين التحالف الدولي لمحاربة داعش طلبوا منّا المساعدة أيضاً، و بالفعل، وقفنا إلى جانبهم في محاربة الإرهاب لمدة أربع سنوات. و لكن من الضروري أن نشير إلى نقطة مهمة و هي، كأكراد قمنا بتشكيل قواتنا و تنظيمها و تسليحها قبل مجيء الأمريكان إلى هذه المناطق، و كنّا ندافع عنها، ما أريد قوله هو أنّ شروع نشاط منظومتنا الدفاعية ليس من ثمرات التعاون مع الولايات المتحدة. لقد أرسلنا شبابنا إلى ساحة المعركة بمجرّد أن شعرنا بتدهور الأوضاع الأمنية في المنطقة. بعد ذلك جاء الأمريكان إلى هنا و أقاموا القواعد العسكرية و زادوا من عديد قواتهم الموجودة في سورية. 
خلال الدفاع عن مدينة كوباني شاهدت القوات الأمريكية و قادتها العسكريين حجم قدراتنا العسكرية و قوة صمودنا و بسالتنا، و عرفوا جيداً مدى جديتنا و حزمنا في الدفاع عن مناطقنا. لقد تعاونوا معنا في كوباني و غيرها من المناطق، و لكن لم‌يَعِدونا و لا مرة بالدفاع عنّا، و لا نحن كنّا ننتظر أن تأخذ الولايات المتحدة أو القوى الأخرى على عاتقها مهمة الدفاع عنّا، فقد واصلنا الدفاع عن مناطقنا بالاعتماد على قدراتنا و إمكاناتنا الذاتية. 
قبل أسبوع من إعلان دونالد ترامب عن نيته سحب القوات الأمريكية من سورية، كان المسؤولون الأمريكان يؤكّدون دائماً على مسألة بقائهم في هذا البلد، و كانوا يقولون بأنّهم لن ينسحبوا حتى يستتب الأمن و الاستقرار هناك و يتم القضاء على داعش تماماً. لكنّ ترامب أعلن عن قرار الانسحاب قبل أن يستتب الأمن و الاستقرار أو يتم القضاء على داعش، لقد برهنت هذه الخطوة على أنّ الولايات المتحدة لا تهتم إلّا بمصالحها. نحن أيضاً بطبيعة الحال نهتمّ بمصالحنا، و سنبقى في هذه المنطقة بالاستناد إلى قدراتنا الدفاعية الذاتية و دعم شعبنا لنا. إنّنا نطالب بإقامة منطقة حظر جوي في المنطقة طبقاً لقرارات الشرعية الدولية. 
في الأصل، إنّ نظرتنا للولايات المتحدة و سائر القوات الدولية الأخرى هي، أولاً، ليس للولايات المتحدة الفضل في تشكيل قواتنا الدفاعية حتى يقال بأنّ انسحابها سيجعل مناطقنا مكشوفة. فاتخاذ قرار تشكيل هذه القوات تمّ بإرادتنا، لذا سوف نواصل نشاطنا في المنطقة، ثانياً، سيأتي يوماً تنسحب فيه الولايات المتحدة و سائر الدول الأخرى مثل روسية و تركية و إيران و غيرها من سورية، و نحن لا نتكئ إلّا على قدراتنا و إرادتنا.  
لقد أشرتم في سؤالكم إلى اتفاقية أضنة، في هذا الإطار يجب أن أقول لقد تمّ التوقيع على الاتفاقية بين تركية و سورية في عام 1998م  بشكل سري و أمني، و هي ليست وثيقة موقعة بين حكومتي البلدين، أو تمّت المصادقة عليها بشكل رسمي في البرلمان أو إنّها تحظى بمشروعية دولية. كلا، ليس الأمر كذلك، إنّها لا تعدو عن كونها مذكرة للتعاون بين جهازي الاستخبارات في كلا البلدين تركية و سورية، و نظرتنا إلى اتفاقية أضنة هي أنّها دليل فاضح على ضعف الإرادة لدى الحكومة السورية و استسلامها أمام إرادة تركية و إملاءاتها في عام 1998 م. إنّنا لا ننظر إليها على أنّها اتفاقية أو و ثيقة رسمية و قانونية معتبرة. و الأمر المؤسف هو أنّه بعد التوقيع على هذه الاتفاقية أصبحت مناطق واسعة من سورية بمثابة حديقة خلفية لتركية، و كان النظام السوري غافلاً عن النشاطات التي كان جهاز الاستخبارات التركي يمارسها في سورية، لأنّه بناءً على هذه الاتفاقية شرعت تركية بالعديد من نشاطاتها في سورية من قبيل التجارة و كسب المعلومات الاستخبارية و تنظيم الشعب، و بناء المساجد، و تشكيل المراكز السرية و غيرها من النشاطات، ثم عادوا ليوظّفوا الامتيازات التي ضمنتها لهم اتفاقية أضنة لصالحهم خلال اندلاع الأزمة السورية لإرباك الأمن في البلد. من وجهة نظرنا، إنّ السبب الرئيسي وراء استمرار الحرب في سورية طيلة ثماني سنوات هو مطامح تركية و سياساتها و اتفاقية أضنة، و إذا كان يتحتّم الرجوع إلى بنود الاتفاقية مرة أخرى، فإنّه من البديهي أن نعود إلى الحرب و الأزمات و التوترات لثماني سنوات أخرى من أجل تأمين مصالح تركية. 
تعلمون أنّه بعد قرار ترامب القاضي بسحب القوات الأمريكية من سورية، طرحت تركية مرات عديدة فكرة إقامة منطقة عازلة في شمال و شرق سورية و إدارتها تحت إشراف قوات أردوغان. لكنّ هذه الفكرة لم‌تكن منسجمة مع الحقائق الموضوعية و الظروف القائمة على أرض الواقع. نحن الجهة التي لها حضور في المنطقة و تملك القدرات الدفاعية اللازمة لحماية أمنها، و نحن لا نوافق على هذا الطرح مطلقاً، و لا نسمح بأي شكل أن يكون للقوات التركية حضور في مناطقنا. و لكن إذا قرروا بشكل جدي و حقيقي إقامة منطقة عازلة، فالإطار الذي نطرحه هو أن يتم ذلك بحضور الأمم المتحدة و القوات الدولية و أن تقام مناطق مراقبة عسكرية ضمن حدود معينة. 
في السابق كان الأتراك محتلين، و الآن أيضاً يريدون من خلال الذرائع و الحجج أن يحتلوا أراضينا بالتغلغل إلى عمق 30 كم، و تطبيق خططهم في إحداث تغيير ديموغرافي في المنطقة. 
فصلية طهران:  في عام 2013 م زرتم طهران، و يبدو أنكم التقيتم ببعض المسؤولين في الجمهورية الإسلامية في إيران و تباحثم معهم بشأن القضايا ذات الصلة بالملف السوري و أكراد سورية. هل هناك إمكانية باستمرار هذه الحوارات و اللقاءات بينكم و بين المسؤولين الإيرانيين؟
*صالح مسلم: نعم، زرت إيران مرة واحدة، و تباحثت مع المسؤولين حول بعض القضايا الخاصة بسورية. لقد طلب منّا المسؤولون الإيرانيون إقامة علاقات طبيعية مع نظام الأسد و أن نمدّ جسور التعاون مع دمشق. في ذلك الوقت قلنا للإيرانيين و نكرّر كلامنا الآن، إذا أرادوا أن نقيم علاقة مع الحكومة السورية على أساس التعاون و التفاهم و التواصل المستمر، فهذا يستلزم شرطاً مسبقاً هو، أن يغيّر النظام نظرته و سلوكه. فما لم‌يغيّر النظام نظرته حيال المشاكل و المطاليب الكردية، لا يمكن الحديث عن أيّ تعاون و تواصل فيما بيننا. 
إذا كانوا ملتزمين بمبدأ الديمقراطية، عليهم أن يهتموا بحقوق الأكراد و مطاليبهم و كذلك الأقليات، إنّنا مستعدون دائماً للحوار و التواصل، و إذا أرادت إيران أن تقدّم خدمة للشعب السورية، فإنّ أكبر خدمة تقدمها للجميع هي أن تطلب من الحكومة السورية تغيير نظرتها و أن لا تتجاهل مطاليبنا.
فصلية طهران: لكم جزيل الشكر على مشاركتنا هذا الحوار.


قراءة: 774