فصلنامه مطالعات سیاست خارجی تهران
 

الجذور التاريخية للتحديات القائمة بين الأحزاب الكردية و العربية في سورية

ابراهيم برو
زعيم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني

"إبراهيم برو" زعيم حزب الاتحاد الكردستاني و الرئيس السابق لـ «المجلس الوطني الكردي في سورية»، ولد في مدينة عامودا الكردية في محافظة الحسكة السورية عام 1965 م. عمل في شبابه في إدارة سكك الحديد بحلب، ثم انخرط لاحقاً في النشاطات السياسية و أصبح زعيم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني (يكيتي). أثناء اندلاع الأزمة في سورية في السنوات الأخيرة ، اصطف برو إلى جانب المعارضين لنظام الرئيس السوري بشار الأسد على غرار زعماء سائر الأحزاب الكردية السورية الأعضاء في المجلس الوطني، و بدأ نشاطاته ضد النظام في مدن أسطنبول و أنقرة و أربيل في إقليم كردستان العراق، و شارك لمرات عديدة برفقة وفد هيئة المعارضة السورية في مفاوضات جنيف و سوتشي. إبراهيم برو كسياسي كردي سوري قريب من الخط السياسي لمسعود الالبارزاني، و من المنتقدين للتيارات و الأحزاب السياسية الكردية السورية الموالية لحزب العمال الكردستاني (K.K.P) يعتقد "إبراهيم برو" أنّ الـ (K.K.P)تيار متفرّد بقراره، لم يتواصل مع أي من الأحزاب الكردية و يحمل أفكاراً و أيديولوجيا شمولية. يؤكّد برو أن ليس لأكراد سورية مشاكل أو خلافات مع الحكومة التركية، و هو في نفس الوقت، يحلم بتحقيق طموحات 20 مليون مواطن كردي في تركية. و يعتقد برو أيضاً أنّه لا يجوز تحويل كردستان سورية إلى ساحة صراع و حرب بين تركية و حزب العمال الكردستاني (K.K.P) أجرت فصلية طهران لدراسات السياسة الخارجية حواراً صريحاً مع السيد برو حلّل من خلاله مسار العلاقات الكردية الكردية، و جذور التحديات القائمة بين الأحزاب الكردية و العربية في سورية، إليك عزيزي القارئ نصّ الحوار.
الكلمات الأساسية:حزب الاتحاد الكردستاني، المجلس الوطني الكردي في سورية، ENKS سوريا، (K.K.P)،البيشمركه‌روژ

 

فصلية طهران: إلى أيّ مدى ترتبط أوضاع الأكراد في سورية في القرن الحادي و العشرين على الصعيدين التاريخي و السياسي بالحوادث التاريخية في القرن العشرين، و ما هي التحولات التي طرأت عليها؟
*إبراهيم برو:من المعلوم أنّه قبل عهد الإمبراطورية العثمانية، لم‌تكن هناك حدود إدارية تفصل أكراد سورية عن أكراد تركية، و لا حتى أيّ حدود طبيعية  كالجبال أو الوديان أو الأنهار. في بداية القرن العشرين و خلال فترة تأسيس خط السكك الحديدية المعروف بـ أكسبرس الشرق أو قطار الشرق السريع للربط بين بغداد و برلين، تمّ تأسيس الخط المذكور في هذه المنطقة في الأعوام من 1909 إلى 1915 م، و قد اعتُمد هذا الخط فيما بعد أساساً لترسيم الحدود الفاصلة بين أكراد سورية و تركية، و الحدود بين الدولتين التركية و السورية، و لهذا تجد الأكراد يستخدمون في لغتهم الكردية عبارة ما وراء الخط و ما قبل الخط، و هذه الحوادث بالإضافة إلى معاهدة سايكس بيكو و التحولات التي حصلت بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، هي التي رسمت ملامح مستقبل الأكراد في سورية و تركية. و المثير في الموضوع أنّ هذه الحدود لم‌ترسم بين تركية و سورية بل خُطّت عملياً بين تركية و فرنسا باعتبار أنّ سورية كانت إحدى مستعمرات الدولة الفرنسية في ذلك الوقت. و هكذا وجدت الكثير من القبائل و العشائر و الأسر و القرى الكردية نفسها فجأة و بصورة غير طبيعية منقسمة إلى ما وراء سكة الحديد و ما قبلها. فبقي قسم منهم في تركية، بينما صار القسم الآخر في سورية تحت مظلة الانتداب الفرنسي. و أجد من الضروري هنا أن أذكر ملاحظة تاريخية و هي، إنّ الأكراد في تلك المرحلة التاريخية لم‌يكونوا موزعين في المناطق الكردية المعروفة اليوم في شمال سورية و شرق و غرب الفرات، بل إنّ كثافة سكانية كردية لا بأس بها كانت تقطن في بعض المدن العربية أيضاً مثل حماة و حلب و حتى العاصمة دمشق نفسها. قسم من هذه الكثافة السكانية كان من الأكراد الذين جاؤوا مع القائد صلاح الدين الأيوبي إلى دمشق في حقب تاريخية سابقة، و قسم منهم هاجر من المناطق الكردية الواقعة في جنوب و جنوب شرق تركية (شمال سورية حالياً) صوب مدينتي دمشق و حلب لأغراض التجارة أو بقصد العمل في ولايات الإمبراطورية العثمانية. الأكراد الذين استوطنوا المدن العربية السورية و كانت لهم جذور تاريخية و سياسية و اجتماعية، كان قسم لا بأس منهم من التجار و الناشطين في أسواق مدن حلب و دمشق و حماه، فيما كان قسم آخر منهم من عمال الدولة العثمانية: الولاة و القادة و ذوو المناصب السياسية و العسكرية المحلية الذين جاؤوا إلى هذه المناطق، فأصبحت لهم مكانة و شأناً، ثم انبروا في فترة لاحقة لمواجهة الفرنسيين فتضامنوا مع العرب من أجل طرد المستعمرين من سورية، و تبرز من بينهم وجوه عسكرية و قادة أكفاء. لم‌تكن المشكلة الكردية في سورية في تلك المرحلة موضع اهتمام و عناية، و لم‌يكن أحد يعتقد أنّ الأكراد أيضاً يشكّلون قومية مستقلة، و يتحدّثون لغة خاصة، و بالتالي ينبغي النظر إليهم كأحد المكونات الرئيسية للشعب السوري. لم‌تكن هذه القضية مطروحة للنقاش في تلك المرحلة التاريخية، لا سيّما في فترة تواشج الروابط و الأواصر السياسية و التاريخية بين سورية و مصر، فاكتسبت فكرة القومية العربية بشكل مفاجئ زخماً كبيراً، و كان تعاظم هذه الأيديولوجية يلحق ضرراً بالأكراد، ممّا مهّد لأن يتّخذ العرب مواقف معادية للقومية الكردية. و العجيب في الأمر أنّ الأكراد تعرّضوا لضغوط و معاناة شديدة بسبب تعزيز أفكار القومية العربية خلال السنوات من 1958 إلى 1961 م أي في الفترة التي شهدت الوحدة الاندماجية بين سورية و مصر و كان جمال عبد الناصر يرأس دولة الوحدة، و استمرّت هذه الضغوط بالتصاعد حتى بعد فشل مشروع الوحدة و انفصال سورية عن مصر، على سبيل المثال، شهدت المناطق الكردية في الجزيرة شرق الفرات في عام 1962 م أي بعد عام على الانفصال عملية مصادرة الجنسية السورية من حوالي مأئة ألف مواطن كردي سوري، و كان يقال لهم أنّهم أجانب و مهاجرون و لاينتمون إلى الأرض السورية أو الشعب السوري. في الأشهر الأخيرة التي سبقت المرحلة التاريخية لانفصال سورية عن مصر، قدّم أحد المسؤولين العسكريين و الأمنيين في مصر خطة أعلن فيها أنّه يشعر طبقاً لمشاهداته الميدانية بأنّ الوجود الكردي على الحدود التركية السورية ينذر بخطر جدي في المستقبل، و لا بدّ من إقامة حزام عربي يعمل على تغيير الأوضاع الديموغرافية في المنطقة، و كان يراد من نقل الأسر العربية إلى هذا الحزام المزمع، و وقف التوسع في المناطق الكردية في شمال سورية، خلق أوضاع جديدة لا يشكّل الأكراد في ظلّها تهديداً للدولة السورية. و استمرّت هذه السياسة و أخذت الخطة المذكورة أبعاداً أكثر جدية حتى بعد فشل الوحدة و وقوع الانفصال بين سورية و مصر. و الملفت أنّ الخطة أشارت إلى بعض التفاصيل الدقيقة، منها  مثلاً أنّ جماعة الماموستا (لقب يطلق على رجال الدين الأكراد من أهل السنّة) و الشيوخ الأكراد في المنطقة هم من بين المروّجين لفكرة الاحتفاظ بالثقافة و اللغة و الهوية الكردية، و لا بدّ من إقصائهم و التعتيم على دورهم. و ممّا يثير الدهشة أنّ بعض المستنيرين العرب من أمثال ميشيل عفلق و زكي الأرسوزي ممّن درسوا في أوروبا و اطلعوا عن كثب على الانفتاح الفكري و السياسي فيها، عندما رجعوا إلى أوطانهم، بدلاًمن أن ينقلوا التجربة الأوروبية إلى مجتمعاتهم و يتحدّثوا عمّا شاهدوه من علم و تقدّم و تنمية و ديمقراطية هناك، حملوا معهم الأيديولوجية النازية الألمانية و الفاشية الإيطالية، و كانت قراءتهم للقومية العربية متطابقة مع نفس القراءة العنصرية للنازيين، و في هذا الخضم، كان الأكراد هم الضحية، و دفعوا الثمن الأكبر لهذه الأفكار و الأيديولوجيا المستوردة مقارنة بغيرهم من المكونات. وبدءاً من استلام البعثيين للسلطة، ازداد الضغط على الأكراد في سورية، و حتى بعد استلام حافظ الأسد السلطة في عام 1970 م، لم‌تنفّذ أيّ إصلاحات، و ظلّت معاناة الأكراد مستمرة على نفس المنوال السابق. و لم‌تتغيّر أوضاعهم حتى بعد أن خلّف بشار الأسد والده في الحكم عام 2000م، في وقت استبشر الكثير بأنّ الرئيس الشاب ربما سيشرع بإصلاحات سياسية واسعة، و لكن خابت آمالهم بعد أحداث عام 2004 م في أثناء مسابقة كرة القدم التي جرت بين مدينة قاميشلو الكردية و دير الزور العربية، فعمدت عناصر المخابرات إلى ضرب الأكراد و العرب بعضهم ببعض، و مارس النظام قمعاً شديداً قُتل على أثره أكثر من 30 شاباً كردياً ممّا أدّى إلى اندلاع احتجاجات كردية ضدّ النظام. ولكن سرعان ما أخمدت و عادت الأوضاع السياسية للأكراد إلى ما كانت عليه في السابق.
فصلية طهران: يبدو أنّ تاريخ سورية لم‌يسجّل أيّ حوادث عن مواجهات بين الأكراد و العرب، و لا حدوث اختلافات بين الطرفين، فالطرفان كانا إلى جانب بعضهما البعض حتى في أدقّ المراحل التاريخية حسّاسيةً مثل مرحلة المواجهة مع الفرنسيين. لذا، فبعض المحللين بالاستناد إلى هذه الحقيقة التاريخية يستنتجون بأنّ تبنّي الأفكار العنصرية و القومية العربية و التنكّر للوجود الكردي في سورية، هو أحد النتاجات الفكرية المستوردة و المرتبطة بمرحلة انتشار الأفكار القومية و اشتدادها في أواسط القرن العشرين ، و لا علاقة له بسورية، إلى أيّ مدى توافقون على هذا الطرح؟
*إبراهيم برو:نعم هذا صحيح على الصعيد الاجتماعي، إذ لم‌تحدث مواجهة أو حرب بين العرب و الأكراد في سورية، و بداية نشأة الأفكار القومية العربية و صيغتها المتطرّفة أي الشوفينية، تعود إلى مصر في مرحلة الرئيس جمال عبد الناصر. و لكن في نفس الوقت، يجب أن نضع في الحسبان هذه الحقيقة و هي، إنّه بعد تأسيس حزب البعث في سورية على يد ميشيل عفلق و زكي الأرسوزي و آخرين، تمّ تقنين هذا الفكر، و في مراحل لاحقة، إلغاء الوجود الكردي في سورية، و ذلك في إطار سياسة رسمية حكومية، و قد انعكست هذه السياسة حتى على النظام التربوي و المدارس حين كان  الأكراد، للأسف، يُنعتون بأنّهم غرباء و أعداء و انفصاليون و أجانب. 
فصلية طهران: هل ثمّة تباين كبير في المطاليب السياسية للعرب و الأكراد السوريين في المعارضة السورية؟ ما الذي جعلكم، بصفتكم جزء من القوى السياسية الكردية، تقفون في خندق واحد مع المعارضة السورية؟
*إبراهيم برو:في اعتقادي أنّه منذ العام 1958 م و حتى يومنا هذا لم‌يمرّ يوم واحد على الأكراد في سورية ذاقوا فيه طعم الراحة، فهم يعيشون في ظروف قاسية و معاناة دائمة منذ ذلك التاريخ. فما فتأت الحكومة السورية تنظر إليهم كغرباء  و أجانب، و تزج بالناشطين السياسيين في السجون و المعتقلات. في عام 2011 م و خلال حوادث الاحتجاجات السلمية للشعب السوري، التحق الأكراد أيضاً بركبها و كنّا نتصوّر أنّنا كأكراد علينا المشاركة في تلك الاحتجاجات الشاملة للسوريين في سياق الربيع العربي، و أن نغتنم هذه الفرصة التاريخية لإيجاد حلول لمشاكلنا. لقد طالبنا بأن يتم الاعتراف بوجود المكوّن الكردي في الدستور السوري، و أن يُنظر إلينا كأحد المكونات الرئيسية للشعب السوري، و العمل على تغيير النظام السياسي في سورية من مركزية صارمة إلى تعددية فدرالية. بقية المعارضين السوريين أيضاً كانوا يحملون رؤى و مقاربات عديدة حول شكل النظام السياسي و مستقبل البلاد، كنّا نتفق حيناً في بعض القضايا، و نختلف في قضايا أخرى وما نزال. لقد أفرزت الأزمة السورية في بداياتها بعض الاصطفافات و التقسيمات، و رأيتم كيف أنّ حزب الاتحاد الديمقراطي ( P.Y.D ) رجّح الاصطفاف إلى جانب نظام بشار الأسد، و لم‌يتّفق معه في هذا النهج أيّ من التيارات الكردية الأخرى، فقمنا بتشكيل المجلس الوطني الكردي في سورية الذي ضمّ 16 حزباً و تشكيلاً كبيراً و صغيراً. في تلك المرحلة، أي في بداية عام 2011 م كان هدف نظام الأسد أن يلتف جميع الأكراد حوله، و قد بعث لنا برسالة للذهاب إلى دمشق و اللقاء به. غير أنّ تجاربنا السابقة و قناعاتنا السياسية صوّرت لنا بأنّ النظام لا يفتش عن توافقات عملية مع الأكراد، بل هدفه جذبنا إلى معسكره فقط، و انتزاعنا من جبهة المعارضين. لقد أردنا قبل اللقاء به و بدء المحادثات معه أن يطلعنا على أيّ مستوى تريد الحكومة السورية التفاوض مع الأكراد، و هل هي مستعدة للقبول بمطاليبنا أم لا؟ و لكن تبيّن لنا فيما بعد أنّ الحكومة غرضها هو إرسال رسالة و دعوتنا إلى دمشق فقط لا غير. 
فصلية طهران: من كان يستلم هذه الرسائل؟ هل كانت الدعوات تُرسل إليكم من قبل الحكومة السورية بصفة رسمية؟
*إبراهيم برو:لا، ليس بصفة رسمية، بل كانت الحكومة السورية في عام 2011 م تستعين ببعض الشخصيات المستقلة و السياسيين الأكراد و من خلالهم توجه الدعوة لجميع الزعماء السياسيين الأكراد للحضور إلى دمشق و التباحث مع النظام. رسالة النظام كانت تتلخص في هذه الكلمات: «ضعوا أيديكم في أيدينا لنضع حداً للحرب و التوترات و المشاكل الراهنة. أنتم الأكراد إخوتنا، بعد انتهاء المشاكل، سوف نجلس و نتفاوض.» هذه المبادرة حصلت في وقت لم‌تكن الأزمة قد اشتدّت بعد، و جبهة النصرة لم‌تكن قد أطلت برأسها و لم‌تكن هناك حرب أو داعش أو أيّ من هذه الأمور، لكنّ النظام لم‌تكن لديه رغبة جدية في التفاوض معنا. و بدورنا لم‌نكن نثق به، و لا أمل لنا في إمكانية الحصول عبر هذه المفاوضات على شيء ملموس في خضم تلك الظروف. وتشير الظروف الراهنة في سورية إلى أنّنا نخطئ الحكم على النظام، فنحن نرى أنّ حزب الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D ) وقف إلى جانب النظام السوري طيلة ثماني سنوات من الحرب و كان داعماً لبشار الأسد بكل الأشكال، و حارساً لمنابع النفط و المياه و القمح و الحدود، و مع ذلك ما يزال النظام غير مستعد لأن يضمّن الدستور السوري إشارة إلى المكوّن الكردي. لهذا السبب فضّلنا البقاء في صفوف المعارضة، و المشاركة في المفاوضات الدولية. لقد شاركت شخصياً لمرات عديدة في مفاوضات جنيف، و لكن لم‌أر لحد الآن موقفاً إيجابياً من النظام السوري إزاء الأكراد.
فصلية طهران: ما هي رؤية الائتلاف السوري المعارض؟ هل ينظر بإيجابية إلى المطاليب و الطموحات الكردية؟
*إبراهيم برو:ليس كل أعضاء الائتلاف السوري المعارض على رأي واحد من المطاليب الكردية. البعض منهم يحمل مقاربة إسلامية متطرّفة، و البعض الآخر يتبنّى نزعة قومية عربية، و منهم من يؤمن بأفكار ديمقراطية. قبل عامين اجتمعنا في العاصمة السعودية الرياض للتباحث حول سبل تغيير النظام في سورية، و ضرورة أن يتناول الدستور السوري الجديد جميع مكونات الشعب السوري، كما تمّت الإشارة إلى المكوّن الكردي و حقوقه. لقد تحدّثنا في كل هذه الأمور مع جميع التيارات المعارضة للحكومة السورية و توصّلنا إلى توافقات بشأنها، لكنّا لم‌نتوصّل إلى توافق بشأن موضوع الفدرالية. لقد طرح الائتلاف السوري المعارض مسألة أن يدار النظام السياسي المستقبلي في سورية بأسلوب الحكم الإداري اللامركزي. و مطلبنا بالتحديد كان اللامركزية السياسية، أن تكون للمحافظات برلمانات محلية خاصة بها، و أن تنحصر صلاحيات النظام الجديد في الخدمات و القضايا الجزئية. 

فصلية طهران: لقد انتقلت الأزمة السورية اليوم إلى مرحلة أخرى، و لم‌تعد كما كانت في ذروة تسلّط داعش و سائر الجماعات الإرهابية المتطرّفة، و هي تتجه نحو استتباب الأمن و الاستقرار في سورية شيئاً فشيئاً. يعتقد بعض المحلّلين أنّ بشار الأسد في هذه المرحلة ربما لا يعنيه كثيراً تلبية مطاليب المعارضين السوريين، لأنّه لم‌يعد بحاجة إليهم أصلاً، ناهيك عن أنّه يرى أنّ حسابات المعارضين خلال الأزمة السورية كانت خاطئة، و يقال أنّكم في المجلس الوطني الكردي كانت لكم نفس تلك الحسابات. فالمعارضة كانت تضع في حسبانها سقوط النظام السياسي في سورية في غضون ستّة أشهر على أكثر تقدير، و أنّ نظاماً آخر سيحلّ محلّه، و سوف تتسلّم قوى المعارضة إدارة قسماً من الوزارات و تستحوذ على بعض المناصب في الدولة. ماذا كانت رؤيتكم حول قرارات و مقاربات المجلس الوطني الكردي السوري في المراحل و المحطات الأولى من شروع الأزمة؟ هل توافقون أنكم كسائر أعضاء الائتلاف السوري المعارض ارتكبتم أخطاء في الحسابات، أم لا؟
*إبراهيم برو:في بداية الأزمة أي بين الأعوام 2011 و  2013 م لم‌نكن وحدنا من كان ضحية خطأ حساباته، بل كل السياسيين في العالم بمن فيهم رؤساء الولايات المتحدة و فرنسا كانوا على قناعة بأنّ نظام الأسد آيل للسقوط. الحسابات في ذلك الوقت كانت على أساس أوضاع البلدان العربية الأخرى. لكنّنا اليوم توصّلنا إلى أنّ الدعم القوي الروسي و الإيراني هو الذي حال دون سقوط النظام السياسي في سورية. في الحقيقة، في الأشهر الستّة الأولى من الأزمة، في الوقت الذي لم‌تكن الحرب و الإرهاب و داعش و هذه الأمور قد ظهرت بعد، كانت الاحتجاجات الشعبية كفيلة بإسقاط النظام، بيد أنّ داعمي الرئيس الأسد هرعوا لنجدته و منعوا سقوطه، فحتى المسؤولين الروس و الإيرانيين أنفسهم لاينكرون هذه الحقيقة، فلولا دعمهم و مساعدتهم لأزيح بشار الأسد عن السلطة. إذن، قوة الداعمين للأسد هي التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم من أوضاع، و أنّ ثمانين في المأئة من الأراضي السورية تخضع لسيطرة الدولة المركزية السورية. 
فصلية طهران: ماذا على الائتلاف السوري المعارض أن يفعل في مثل هذه الأوضاع؟ هل يستمر في التفاوض؟ أم يلتزم موقف المتفرّج اضطراراً؟
*إبراهيم برو:كنّا نعلم منذ اليوم الأول، أنّ أسلوب الحل العسكري لا يمكن أن يحلّ مشاكل سورية، و تحدّثنا مراراً في هذا الموضوع، ما كنّا نصبو إليه هو أن تظلّ الحركة الاحتجاجية الثورية الشعبية محافظة على سلميّتها، و تبتعد عن عن أيّ مظهر من مظاهر العنف. و لكن رأيتم إلى أين وصلت الأمور. مئات الآلاف من الأشخاص قُتلوا و عشرات الآلاف ألقي بهم في غياهب السجون، و تم تهجير نصف الشعب السوري. نعتقد أنّ الحكومة المركزية السورية هي المسؤولى بالدرجة الأساس عمّا آلت إليه الأوضاع. إنّنا نشهد اليوم، أنّ الحكومة السورية استطاعت أن تستعيد معظم سلطتها، و تسترجع سيطرتها على الجزء الأعظم من الأراضي السورية. و لكن لا ينبغي أن نغض الطرف عن حقيقة أنّ ثمّة إرادة أو رؤية عالمية مشتركة تريد إحداث تغيير سياسي في سورية. لقد اتّخذ النظام الدولي قرارات في هذا الشأن، و المفاوضات ما تزال مستمرة، و نحن بدورنا ندعم استمرار مفاوضات جنيف واحد و القرارات التي صدرت عنها. يجب أن يطرأ تحوّل على النظام السياسي في سورية، و تتمّ كتابة دستور جديد، و يستتب الأمن و الاستقرار في البلاد ليتمكّن الشعب من العودة إلى دياره. لا ينتظرنّ أحد بعد كل الذي حدث من قتل و دمار و تشريد أن تعود سورية مرة أخرى إلى المربع الأول و أن تتواصل المسيرة السياسية و الاجتماعية التي كانت قائمة قبل اندلاع الأزمة عام 2011 م. لا يمكن لأحد أن يقبل بهذا الوضع، و لا مفرّ بالتالي من إجراء التحولات و الإصلاحات. لا بدّ من إجراء تغييرات جدية و حقيقية، و أن يضمن الدستور السوري الجديد الموقع السياسي و كذلك المشاركة السياسية لجميع المكونات الإثنية و الطوائف.

فصلية طهران: ما هو تصوّركم عن الانتخابات السورية و أوضاع المناطق الكردية؟
*إبراهيم برو:لا ينبغي إجراء الانتخابات بشكل مفاجئ و بنفس الطريقة أو السياق السابق. يجب على النظام الدولي أن يطرح أفكاراً في هذا المجال، و يتّخذ التدابير اللازمة، و بعد أن تضع الحرب أوزارها بشكل كامل و استتباب الأمن و الاستقرار و عودة الناس إلى ديارها، و محاكمة الأشخاص الذين تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء من الشعب، حينئذ سوف نصل إلى مرحلة يتسنّى فيها انتقال السلطة. في غير هذه الحالة، إذا أجريت الانتخابات في ظلّ الأوضاع الراهنة و بنفس الآليات و الميكانزمات السابقة، سيضطرّ الناس للتصويت لصالح الحكومة الحالية. إذن، فالانتخابات عبارة عن مفصل أو محطة تحتاج قبل ذلك إلى اجتياز عملية أو خطوات واضحة، و لا ينبغي إجراؤها بشكل ارتجالي و مستعجل.  

فصلية طهران: في بداية اندلاع الأزمة السورية بادرتم مع 16 حزب و تنظيم سياسي كردي إلى تأسيس «المجلس الوطني الكردي في سورية» (ENKS). و قبل الأزمة كان حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري (P.Y.D) قد أعلن عن تأسيسه في جبال قنديل و تحالف مع التنظيمات التابعة له تحت جبهة عريضة عنوانها «الجبهة الديمقراطية» (TEVDEM). و لكن سرعان ما دبّت الخلافات بين التنظيمين المذكورين، في حينها بذل الكاكا مسعود الالبارزاني رئيس إقليم كردستان العراق مساعي للوساطة بينكم، و لإنهاء الخلافات قمتم بتشكيل المجلس الأعلى. و لكن يبدو أنّ تلك الجهود لم‌تحقّق غاياتها المرجوة، فالمشاكل و الخلافات ما تزال قائمة. ما هو أصل الخلاف بينكم؟
*إبراهيم برو:من المعلوم أنّ حزب الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D.) هو أحد المكونات الرئيسية و من التنظيمات الفرعية لحزب العمال (P.K.K.). ليس لحزب العمال (P.K.K.) أيّ تاريخ للتعاون أبداً مع بقية الأحزاب و التنظيمات الكردية في أيّ بقعة من أجزاء كردستان، و كان على طول الخط عبارة عن تيار متفرد بقراره، لا تربطه علاقة تواصل أو توافق مع أيّ من الأحزاب الكردية، و لا يتشارك مع أيّ جهة، و يمتاز بأيديولوجية خاصة و فكر شمولي لا يرضى بأقل من الاستحواذ على السلطة بشكل تام وإلّا أن يفسد كل شيء. كان هذا هو النهج الفكري و السياسي لحزب العمال ( P.K.K) منذ البداية و حتى اليوم. بين عام 2013 و  2014 م التقينا بحزب الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D.) و تحاورنا معه بعد جهود الوساطة التي بذلها السيد مسعود الالبارزاني، و أسفرت تلك اللقاءات عن عدّة توافقات للتعاون، غير أنّ هذا الحزب لم‌يلتزم و لا حتى ببند واحد من تلك التوافقات، كان دائماً يتنصّل من جميع الالتزامات و التوافقات. و قد تقرّر طبقاً لتلك التوافقات أن نتشارك القرار و المواقف في المجالات الثلاثة السياسية و التنفيذية و العسكرية، لكنّ حزب العمال (P.K.K.) لم‌يشركنا في أيّ منها، و كان يسعى إلى التفرّد بالسلطة و القرار بشكل كامل، و همّه الوحيد أن تكون له الريادة و الصدارة. مسألة أخرى مهمة هي، أنّنا كنا معارضين للحكومة السورية، بينما لم‌يكن حزب الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D.) و حزب العمال (P.K.K.) ضمن هذا الخط، لا بل إنّهما كانا يتعاونان معه في شتى المجالات، و كأنّ الثورة الكردية السورية، كما أوحت سياسة هذين الحزبين لأكراد سورية، تصبو إلى تحقيق هدف واحد فقط ألا و هو محاربة الحكومة التركية. لكنّها طبعاً كذبة كبيرة. فمن غير المعقول أبداً، أن يجد الأكراد أنفسهم في بلد في مواجهة بلد آخر و في حالة حرب معه. مثلاً، ليس من المعقول أن يهبّ أكراد العراق لحمل السلاح ضدّ حكومة أنقرة دفاعاً عن أكراد تركية. في بداية الأزمة السورية كاد حزب الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D.) أن يتصدّى للاحتجاجات الشعبية في المناطق الكردية و أن يطلق النار على المواطنين الأكراد. و كانت حجّته في ذلك أن نقتل نحن المواطنون بعضنا البعض و نضبط الأمن و الاستقرار في مناطقنا أفضل من أن تقوم حكومة الأسد بهذه المهمة. لكنّنا اليوم نقول لحزب الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D.):  لقد أردتم أن تضحوا بالأكراد من أجل مصالحكم لكيلا تحاربوا نظام الأسد، أما اليوم فقد دخلتم في صراع مع الدولة التركية و هي أقوى بأضعاف من الدولة السورية. أيّ منطق هذا الذي يتسبّب بحربٍ كهذه. دعوني أقول لكم بكل صراحة، هذه السياسة لا تعني إلّا شيئاً واحداً و هو الاتجار بدم الأكراد. حزب الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D.) لا يفكّر إلّا بالتضحية بالأكراد من أجل الطموحات الأيديولوجية لحزب العمال (P.K.K.). حتى الآن تمّت التضحية بآلاف الشباب الأكراد في المناطق غير الكردية في سورية لأجل أن يكسب حزب العمال (P.K.K.) ودّ الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي، أملاً في أن يتمّ شطبه من لائحة الإرهاب العالمي بحجة محاربته للإرهاب. لكنّ اسم حزب العمال (P.K.K.) بقي على لائحة الإرهاب العالمي، للأسف، على الرغم من التضحية بآلاف الشباب الأكراد في الرقة و منبج و دير الزور و مناطق أخرى، و استعدائه الناس في هذه المناطق. لذا، فمن الطبيعي أن لا نتوافق مع هذا التيار السياسي و طريقة تفكيره.
فصلية طهران: اسمحوا لنا أن ننتقل بالحديث إلى الموضوع التركي. على مدى السنوات الأخيرة شنّت الحكومة التركية العديد من الحملات على الأكراد في سورية، و قامت باحتلال مدينة عفرين الكردية في غرب الفرات، وقامت القوات التركية، أضافة إلى ذلك، بالتواجد في أماكن أخرى، و ما انفكت الحكومة التركية تهدّد بشنّ حملة وشيكة على شرق الفرات. لقد أعلن وزير الدفاع التركي "الجنرال خلوصي آكار" أنّ حوالي 4500 شخص قُتلوا أثناء الهجوم على مدينة عفرين، أما حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري الذي يتعرّض لحملة من قبل الحكومة التركية، فقد وجّه انتقادات إلى المجلس الوطني الكردي السوري متسائلاً لماذا لم‌يتّخذ الأخير موقفاً مناهضاً لتركية، بل يتصرّف كفصيل سياسي خاضع لأوامر تركية؟ بماذا تردّون على هذه الانتقادات بوصفكم الرئيس السابق للمجلس الوطني الكردي السوري؟
*إبراهيم برو:إنّنا في المجلس الوطني الكردي السوري نعمل كجزء من المعارضة السورية. بينما يحاول حزب العمال (P.K.K.) بالتواطؤ مع حزب الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D.) تشويه سمعتنا من خلال الدعاية الإعلامية المضادة، و شنّ حملة افتراءات و اتهامات لا تستند إلى أساس واقعي. يأتي حضور المجلس الوطني الكردي السوري في تركية بوصفه جزءاً من المعارضة السورية، و هناك عدد من رفاقنا يتواجدون في إقليم كردستان العراق. قبل مجيئنا إلى هذه المناطق، كنّا نمارس نشاطاتنا في شمال سورية، و قد اضطررنا لترك مناطقنا و ديارنا لا خوفاً من مداهمات الشرطة و القوات الموالية لنظام الأسد، بل خوفاً من تهديدات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري ضدّنا. لقد أقدموا عدّة مرات على حرق مكاتب أحزابنا، و تهجيرنا من بيوتنا، و سجن رفاقنا و أصدقائنا، أنا نفسي تعرّضت للاعتقال و السجن مرات عديدة، و لم‌يسمح لنا مطلقاً بممارسة النشاط السياسي و الحزبي، و لذلك اضطررنا لترك ديارنا. حالياً يعيش أكثر من 500 ألف مواطن كردي سوري في تركية و ما يقارب من 400 ألف كردي سوري في إقليم كردستان، و قد نزح جزء كبير من هؤلاء عن مناطقهم و ديارهم بسبب سياسات حزب الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D.). 
كما ذكرت، نعتبر أنفسنا جزءاً من الائتلاف السوري المعارض، و طبقاً لتوزيع الأدوار و الترتيبات الخاصة، فقد تقرّر أن يتواجد ثلاثة من الزعماء و المسؤولين في المجلس الوطني الكردي السوري، كممثلين عن المجلس في ائتلاف المعارضة السورية في أسطنبول. إنّنا نتعرّض للضغوط من ناحيتين، من ناحية الشرطة و المؤسسات الأمنية في الحكومة السورية، و من ناحية بني جلدتنا في حزب الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D.). فقد قام الحزب حتى اليوم باغتيال عدد من الناشطين السياسيين الأكراد، و اعتقال عدد آخر و زجّهم في السجون، و للتغطية على هذه الجرائم و الممارسات التعسفية، شنّوا حملة دعائية تمويهية و اتهامنا بأنّنا عملاء لتركية. و لكن كل هذا الكلام عارٍ عن الصحة، أقولها بصراحة و شفافية، إنّنا كأكراد سوريين لا توجد بيننا و بين الحكومة التركية أيّ مشاكل أو اختلافات، و في نفس الوقت نتمنى أن تتحقّق مطاليب عشرين مليون كردي في تركية، كما نعمل جاهدين على عدم تحويل كردستان السورية إلى مسرح أو ميدان للصراع بين تركية و بين حزب العمال الكردستاني (P.K.K.). لا أعرف إن كنتم تتذكرون بأنّنا قد سعينا و بمشاركة جميع الحركات و الأحزاب السياسية الكردية في المنطقة إلى عقد مؤتمر وطني عام للأكراد في مدينة أربيل، و في تلك الفترة أجرينا محادثات و مشاورات مكثفة حول الموضوع. أذكر جيداً أنّ حزب العمال (P.K.K.) لم‌يقدّم في تلك الاجتماعات أيّ خطط أو مطاليب واضحة ليس لأكراد المنطقة فقط بل و لأكراد تركية أيضاً. كنّا نطرح عليهم سؤالاً: ما هي مطاليبكم بالنسبة لأكراد تركية؟ الفدرالية أم الحكم الذاتي؟ النظام اللامركزي أم صيغة أخرى؟ كانوا يجيبون: لا نريد غير الديمقراطية. و كنت أقول لهم مراراً: و هو أيضاً مطلب جميع الفصائل السياسية في تركية؟! أطرح هذه المسائل لأبين لكم بأنّ هؤلاء الذين لا يملكون أيّ برنامج أو أهداف واضحة للأكراد يتّهموننا بالعمالة لتركية.
فصلية طهران: أريد أن أتمثّل بقضية أخرى و هي، كيف تعاطيتم مع قضية عفرين، و الهجوم التركي على هذه المدينة؟ هل لكم موقف خاص من هذه القضية؟
*إبراهيم برو:ما قلناه في هذا السياق هو أنّه لا ينبغي لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري (P.Y.D.) اتخاذ مواقف متصلّبة و متعنتة إزاء الحكومة التركية، بما يؤدّي إلى استفزازها. لقد استدعينا أمثلة من ذاكرة التاريخ و قلنا لهم بأنّ الملا مصطفى الالبارزاني اضطر إلى إيقاف مسيرة الثورة بعد اتفاق الجزائر في عام 1975 م بين شاه إيران و صدام حسين، لأنّه توصّل إلى قناعة بأنّ الحركة الكردية تمرّ بمرحلة ضعف، و أنّ مواصلة الثورة لن يحقّق لها النصر، لذا اتّخذ قراراً حقن بموجبه دماء الأكراد في ذلك الوقت. في عام 1982 م عندما هدّدت إسرائيل بتدمير لبنان على رؤوس الفلسطينيين، اضطرّ ياسر عرفات إلى نقل مقاتليه إلى تونس. فلماذا ينبغي لحزب الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D.) أن يتّخذ موقفاً متعنّتاً و يتحصّن في مدينة عفرين الصغيرة ليؤدّي إلى تدمير المدينة على رؤوس الأكراد؟ كان بإمكانهم الانسحاب من عفرين أو اتّخاذ تدابير أخرى. لقد رأينا كيف تصرّفت الأحزاب الكردية التي كانت تصفق و تهتف من بعيد مطالبة الـ (P.Y.D.) بالصمود و المقاومة أمام الهجوم التركي في عفرين، و ماذا كانت النتيجة. على أيّ حال، إنّ موقفنا السياسي في المجلس الوطني الكردي السوري يتلخص في أنّه يجب على جميع الدول التي لها حضور في سورية أن تسحب قواتها من هذا البلد، و يشمل هذا الولايات المتحدة و روسية و تركية و إيران و جميع القوات الأخرى، و أن لا نسمح بتحويل كردستان سورية إلى ميدان للصراع بين تركية و حزب العمال (P.K.K.) . إنّ موقف حزب الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D.) ليس معادياً لتركية كما يزعم، فهو مستعد أن يبرم اتفاقاً مع تركية و يكون شرطياً للحدود التركية في مقابل حفنة من المال. لكنّه يشن حملة دعائية و يتظاهر أمام الرأي العام الكردي السوري أنّه صامد بوجه تركية و يحاربها، و كل هذه مزاعم عارية عن الصحة، فهو لم‌يطلق حتى الآن طلقة واحدة باتجاه تركية.
فصلية طهران:  إذا لم‌يطلق طلقة واحدة باتجاه تركية، إذاً لماذا تهاجمه تركية و تهدّد باحتلال جميع المناطق الواقعة شرق الفرات؟ 
*إبراهيم برو:تقف وراء التهديدات التركية مقاصد سياسية. إنّ حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري يتصرّف بشكل مغاير لكي يتظاهر بأنّ حزب العمال (P.K.K.) بصدد خلق كيان أو وطن ، و تأسيس دولة مستقلة في شمال سورية، و طبعاً هذا يثير حساسية تركية. قبل فترة وجيزة، أصدرت الولايات المتحدة بياناً أعلنت فيه عن رصد جائزة كبيرة مقدارها 12 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات عن مكان اختباء ثلاثة من زعماء حزب العمال (P.K.K.) أو معلومات تؤدّي إلى الوصول إليهم و اعتقالهم أو قتلهم  و هؤلاء هم (جميل بايك، دوران كالكان و  مراد كارايلان)، فماذا كان ردّ فعل حزب الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D.)؟ لقد ردّ بإصدار بيان أدان فيه هذه الخطوة الأمريكية، و أعلن دعمه للزعماء الثلاثة، و قام بتسيير مسيرات في مدن كردستان سورية تأييداً للزعماء المذكورين. أي، أثبت للعالم بكل بساطة و دون مواربة صحة مزاعم تركية، و أنّ من له حضور في شمال سورية هو حزب العمال (P.K.K.) و ليس حزب الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D.)! حتى الأمس القريب كانت الولايات المتحدة تقول لتركية: إنّكم على صواب بشأن تصنيف حزب العمال (P.K.K.) كمنظمة إرهابية و لكنكم مخطئون بشأن حزب الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D.) فهو ليس كذلك، فهناك فرق بين الاثنين. ماذا كانت النتيجة؟ النتيجة هي أنّ تصرفات حزب الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D.) أعطت ذريعة لتركية لكي تبيّن للولايات المتحدة بأنّها كانت مخطئة في تقييمها، فلا فرق بين حزب الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D.) و حزب العمال (P.K.K.). لهذا السبب نجد تغيّراً تدريجياً في مواقف الولايات المتحدة إزاء الـ (P.Y.D.). 
في عام 2014 م قال لنا الأمريكان: سنتّخذ خطوات تجعل حزب الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D.) يغيّر نهجه السياسي و التنظيمي تدريجياً. نعم، سندفعهم إلى التغيير و الابتعاد عن طهران و دمشق، و الاقتراب أكثر فأكثر من أنقرة و الأكراد و المعارضين السوريين. لكنّ الولايات المتحدة في الحقيقة فشلت في مساعيها، فما يزال حزب الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D.) جزءاً من حزب العمال (P.K.K.)، و يتناطح مع تركية و يتبع سياسات تقدّم لتركية الذرائع لكي تقول للغرب: من حيث أنّ حزب العمال (P.K.K.) ما يزال على لائحة الإرهاب، فإذاً، أملك كامل الحق في شنّ الحملات عليهم في مواضعهم بشمال سورية للمحافظة على الأمن القومي التركي. و ليس بعيداً أن تتذرع تركية بهذه الذرائع لتهجم في المستقبل على كوباني و المناطق الكردية في الجزيرة شرق الفرات.  
فصلية طهران: أنتم في المجلس الوطني الكردي السوري (ENKS) تمرّون في الوقت الحاضر بظروف استثنائية. فمن ناحية، تعارضون حكومة بشار الأسد، و تصطفون إلى جانب المعارضة السورية، و من ناحية ثانية، ليس لديكم علاقات مع حزب الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D.)، بل توترات و مشاكل، كما كان لكم حضور في المفاوضات و الحوارات الدبلوماسية ذات الصلة بالأزمة السورية في جنيف و سوتشي و أماكن أخرى، إذ حضر ممثلون عنكم في تلك المفاوضات ضمن وفد المعارضة السورية، و أجريتم لقاءات مع المسؤولين الأمريكان و الروس. في ظلّ هذه الأوضاع، أين تتوقعون أن يكون موقعكم في المستقبل في التركيبة السياسية الخاصة بالمناطق الكردية السورية؟ و إلى أين ستنتهي خلافاتكم و توتراتكم مع الحكومة السورية و  حزب الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D.)؟
*إبراهيم برو:في الحقيقة، إنّ خلافنا الرئيسي مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري هو أن يحصروا أنفسهم في إطار القضايا السياسية و الجغرافية الكردية السورية، و يعيدوا النظر في سياساتهم بشكل جوهري. أمّا إذا أرادوا أن ينقادوا، كما في السابق، لسياسات حزب العمال (P.K.K.) و ينفذّوا تعليمات زعماء هذا الحزب على طول الخط، فذلك بلا شك سيعود بالضرر على أكراد سورية، و يؤثّر سلباً على جميع المعادلات السياسية لأحزاب الشمال السوري. و ما لم‌يعيدوا النظر في مواقفهم السياسية و آليات اتخاذ القرار، فأعتقد أنّ التوصل إلى اتفاق معهم أمر جدّ صعب. و دعني أقولها بصراحة و بلا مواربة، لا أحد اليوم يعرف بما ستؤول إليه الأمور في سورية، و إلى أين ستنتهي بنا هذه الأزمة، و ماذا ستكون عليه أوضاع المعارضين السوريين، و تبعاً لكل هذه القضايا، لا أحد يعرف إلى أين ستؤول أوضاع الأكراد. و في مثل هذه الحالة، و لما كانت جميع القضايا المرتبطة بسورية تحيط بها هالة من الغموض، فمن حقّنا كناشطين سياسيين أكراد أن ندافع عن مصالح الشعب الكردي، و نسعى لتحقيقها. في ظلّ هذه الأوضاع، فإنّني أعتقد بوجوب أن نتفق مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري على المبادئ السياسية، و هذا يعتمد بالدرجة الأولى على أن يبادروا إلى تغيير رؤيتهم، و تنظيم قراراتهم السياسية و سلوكياتهم و خطواتهم على إيقاع مصالح الشعب الكردي السوري، و ليس على أساس أهواء و رغبات زعماء حزب العمال (P.K.K.) المتواجدين في جبال قنديل. إنّنا سوريون، و وفاؤنا و إخلاصنا لمصالح الشعب السوري و لأكراد سورية، و نؤمن أنّ في استطاعتنا التعاون فيما بيننا من خلال توظيف قدراتنا السياسية و الحزبية. و بالنسبة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري (P.Y.D.) فالمطلوب منه قبل كل شيء أن يقوم ببناء جسور الثقة. هل تعلمون كم مرة توصلنا إلى اتفاق معهم و أردنا أن نمارس نشاطاتنا في المناطق الكردية في الشمال السوري، لكنّهم في كل مرة كانوا يضعون العصي في الدواليب. عليهم أولاً أن يغيّروا نظرتهم و يبنوا أجواء الثقة. لقد تباحثنا مع هذا الحزب مرات عديدة و لكن دون نتيجة تذكر، لماذا؟ لأنّهم ينظرون إلى الآخرين كأدوات لاستغلالهم لمصالحهم الخاصة، و لا يسمحون لأحد أن يمارس بشكل حقيقي و مستقل نشاطه السياسي، أو يشارك في التركيبة السياسية و التنفيذية. لذلك توصّلنا إلى هذه القناعة و هي، من أجل العودة إلى المفاوضات مع حزب الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D.) و التوصّل إلى اتفاق جديد يجب أن يتمّ ذلك بحضور وسيط و مراقب للاتفاق. و بناءً عليه، إذا تدخّل بلد ما أو جهة مقتدرة بيننا كوسيط و مراقب، حينئذ سوف يتسنّى لنا التفاوض معه و إبرام اتفاق ثنائي. في غير هذه الحالة، سيكون التعاون و المشاركة مع هذا الحزب فاقداً لأيّ ضمانات تنفيذية.
فصلية طهران:  كما تعلمون أنّ جزءاً من الشباب و الجنود الأكراد السوريين فرّوا إلى إقليم كردستان العراق، ليتم تنظيمهم و تسليحهم هناك تحت اسم «قوات بيشمركة روژ». و أرادوا عدّة مرات الدخول إلى المناطق الكردية في الشمال السوري لكنّ حزب الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D.) رفض و أعلن أنّ الجناح المسلح للحزب أعني وحدات حماية الشعب (y.p.g) وحدها لها الحق في التواجد في هذه المنطقة، و لا يمكن لوحدات بيشمركة روژ التواجد في شمال سورية إلّا بعد أن تضع نفسها تحت تصرّف الوحدات المذكورة. و يبدو أنّ هذه المسألة شبيهة بالخلافات الموجودة بين قوات البيشمركة في إقليم كردستان العراق. ما هو رأيكم بهذا الاختلاف في وجهات النظر؟ كيف تقيّمون المسألة؟
*إبراهيم برو:تتلخص وجهة نظرنا في أنّه بعد خروج القوات الأمريكية من المناطق الكردية في شمال سورية سيتولّد فراغ دفاعي و أمني هناك، و سيحتاج الأكراد إلى عناصر قتالية أكثر للدفاع عن مناطقهم. إنّنا نؤمن بضرورة تشكيل كيان سياسي و تنفيذي و دفاعي جديد في منطقة شرق الفرات، قوة دفاعية جديدة تتمثّل فيها جميع المكونات و الفصائل السياسية، و يكون لوحدات بيشمركة روژ بوصفها إحدى المكونات الدفاعية الرئيسية في منطقة شمال سورية حضور مسلح. بعبارة أوضح، ما نريده هو أن نعيد النظر مرة أخرى ليس في القضايا الدفاعية فحسب، و إنّما في القضايا السياسية و التنفيذية أيضاً. في الوقت الحاضر يوجد كيان سياسي و تنفيذي مستقل و تركيبة عسكرية و دفاعية في شمال سورية، تخضع بجميع مفاصلها لسيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري. إنّنا نطالب بحلّ هذه المنظومة، لتحلّ محلها منظومة جديدة، تتشارك في إدارتها إلى جانب حزب الاتحاد الديمقراطي، الأحزاب المنضوية تحت مظلة المجلس الوطني الكردي السوري، و أن نكون إلى جانب بعضنا البعض في جميع القضايا السياسية و التنفيذية، و تكون جميع القوى المسلحة الكردية بمثابة الذراع الدفاعي و العسكري للأكراد. يمكن لهذه الصيغة أن تضمن الدفاع عن أمن الأكراد، و أن تحول دون إلحاق الضرر بجيران سورية، و بشكل عام يمكن أن تحقق الأمن و الاستقرار في المنطقة. 
لا بدّ لنا أن نتشاور في تلك المناطق مع الجهات المعنية بالأمر مثل الولايات المتحدة و روسية و تركية و إقليم كردستان العراق و الآخرين، و أن تتشكّل جميع تشكيلاتنا السياسية و التنفيذية توافقياً، و أن لا يكون هناك أيّ تهديد لأيّ جهة. صياغة مثل هذه المعادلة يمكن أن تبعث برسائل اطمئنان إلى تركيا و العراق و إقليم كردستان، و في نفس الوقت لا تجعل أي طرف يشعر بعدم الأمان. و لكن كما ترون فإنّ حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري هو الجهة الوحيدة المتواجدة في تلك المناطق والذي لا يُعرف طبيعة ارتباطه السياسي بالحكومة المركزية في دمشق. هدف هؤلاء هو التعاون مع الحكومة السورية، و في نفس الوقت استمرار تواصلهم مع الولايات المتحدة، و الحقيقة هي أنّ الأخيرة لا ترغب بأيّ نحوٍ كان أن تعود القوات الموالية لبشار الأسد إلى المناطق الكردية في شمال سورية، و إخضاعها لسيطرتها من جديد. يجب أن يتشكل في تلك المناطق كيان جديد، لا يكون لحزب العمال (P.K.K.) حضور فيها، و أن تنتظم الأمور هناك على النحو الذي ذكرت بحيث نضمن المشاركة السياسية لجميع الفصائل السياسية و المكونات الإثنية، و أن نتكاتف و نتعاون على حلّ المشاكل الموجودة.
فصلية طهران: لكم جزيل الشكر على مشاركتنا هذا الحوار.


قراءة: 837