فصلنامه مطالعات سیاست خارجی تهران
 

أطياف الحركات السياسية الكردية في سوريا ومطالبها

عُمر الأوسي
سياسي كردي، ممثل مدينة القامشلي في البرلمان

عُمر الأوسي سياسي كردي من مواليد عام 1958م في مدينة القامشلي الكردية، حاصل على شهادة البكلوريوس في الهندسة الكيميائية، كان أوسي ناشطاً سياسياً كردياً سورياً على مدار العقود الثلاثة الماضية؛ الا أنه وخلافاً للكثير من السياسيين الكرد اختار التعاطي مع دمشق ممثلاً لأهالي القامشلي في البرلمان. وقد طرح طيلة الفترة المنصرمة الكثير من المقترحات على الرئيس السوري بشار الأسد وذلك بهدف حل المشاكل الكردية في سوريا وإيماناً منه بأن على الأكراد التعامل والحوار مع دمشق من أجل التغلب على التحديات القائمة. وقد شارك عمر الأوسي دائماًً كأحد أعضاء الوفد الحكومي السوري المشارك في محادثات جنيف وأنشأ مجموعة تسمى المبادرة الوطنية للأكراد السوريين، حيث قسم الساحة الكردية إلى ثلاثة أطياف؛ الطيف الاول تلك المجموعة التي تؤمن بالفكر القومي الديمقراطي، استنادا إلى الآراء الفكرية لعبد الله أوجلان، و من أبرز أحزاب هذا الطيف والأكثر أهمية هو الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري (P.Y.D)، ويدعو هذا الطيف إلى فيدرالية موسعة في شمال سوريا لا تقتصر على الكرد فقط، وإنما تشمل أيضاً كلاً من العرب والآشوريين والتركمان. أما الطيف الثاني والذي يعرف بالبرلمان الوطني الكردي في سوريا (ENKS) ، ومن أبرز أحزاب هذه الطيف الحزب الديمقراطي (الباراتي)، وتحمل هذه المجموعة الثانية توجهات تقترب من توجهات مسعود الالبارزاني وترتبط بعلاقات خاصة مع المعارضة السورية، وتدعو هي الأخرى إلى إقامة فيدرالية كردية. يعتقد الأوسي بأنه يجب أن يكون لدى كلتا المجموعتين فهم واقعي ورؤية أوضح للواقع الكردي السوري، وأن يؤمنوا بالمقولة المعروفة بأن"وضع الحجر الكبير في المقلاع علامة عدم إرادة رمية". أما الطيف الثالث المعارضة الداخلية في دمشق، والتي يعد الأوسي واحداً منها، فهي التي تطالب بإصلاح الدستور السوري، والاهتمام بمطالب الكرد، وتؤمن بأنه يجب وفقاً للسياقات الدستورية الاعتراف بالوجود الكردي وأصالتهم كمكون ثانٍ من مكونات الشعب السوري، وتأمين حقوقهم الثقافية والسياسية إلى جانب الاعتراف باللغة الكردية.
أجرت فصلية فصلية دراسات السياسة الخارجية لطهران حواراً مفصلاً مع السيد الأوسي تعرضت خلاله لعدد مهم من الأسئلة جديرة باهتمام المراقبين.


الكلمات الأساسية: سورية، تركية، بشارالأسد، حقوق الأكراد، الدستور السوري

 

 

فصلية طهران: نتمنى منكم إلقاء إطلالة- كمقدمة للحوار- على الواقع الكردي السوري سياسياً وثقافياً وجغرافياً مع بيان أبرز قضايا الشعب الكردي التي يدعو لها. 
* عُمر الأوسي: يعد الكرد شريحة مهمة من شرائح الشعب السوري وجزءاً لا يتجزأ عن التاريخ والجغرافية لهذا البلد. وعلى العكس من بعض الادعاءات فإن الأكراد السوريين ليسوا من المهاجرين وإنما يمثلون إحدى القوميات الاصيلة في البلاد. فقد خرج من بين ظهرانيهم الكثير من الشخصيات الكبيرة التي واجهت الاحتلال الفرنسي وأبدوا بطولات رائعة على هذا الصعيد، فقد لعب السيد يوسف العظمة - وزير الحربية للحكومة العربية في سوريا آنذاك- دوراً بارزاً في القتال ضد الغزاة خلال الفترة التي احتلت فيها فرنسا الأراضي السورية. ولا يزال البعض من أفراد أسرة العظمة يعيش في دمشق وقد لعب العظمة دوراً مهماً كشخصية وطنية في تاريخ سوريا المعاصرة، عندما نازل الفرنسيين في معركة ميسلون غرب دمشق ولم‌يكن معه سوى 300 من مقاتليه وبإمكانات محدودة جداً، فقد كان يخشى أن يسجل التاريخ بأن المحتل الفرنسي بقيادة الجنرال هني غورو دخل العاصمة دمشق دون مقاومة من الشعب والجيش السوريين، وظل مقاوماً حتى سقط شهيداً في تلك المعركة. والشخصية الكردية السورية البارزة الأخرى هي السيد "إبراهيم هنانو" والذي يعد من أبرز الشخصيات الكوردية السورية في منطقة جبال الزاوية وجبال كرمنج وكان أحد قادة الثورة السورية ضد الاحتلال الفرنسي. الشخصية الكردية الثالثة "محمد علي العابد" و هو أول رئيس للجمهورية السورية، كذلك شهدت أربعينيات وخمسينيات القرن المنصرم بروز عدد من السياسيين الكرد السوريين. كذلك برز في مجال العلوم الدينية والأدب العربي والأنشطة الثقافية والفنية شخصيات كردية لعبت هي الأخرى دوراً مهماً في تاريخ سوريا المعاصرة.
قدمت هذه المقدمة لأقول إن الكُرد جزء من الهيكل السياسي والاجتماعي والتاريخي لسوريا، وقد لعبوا دوراً مهماً في تاريخ الحضارة والتنمية الفكرية، وكانوا دائماً نشطين وديناميكيين في المجالات الاقتصادية والسياسية والفكرية والعسكرية. 
في عام 1957م أسس الكرد حزبهم الأول في سوريا والذي يحمل اسم "الحزب الديمقراطي الكردي السوري"، وفي عام 1962م وأثناء انفصال سوريا عن مصر والذي عرف باسم عصر الانفصال، شنّ هجوم عربي مدمر على الكرد السوريين وكانت نتيجة تلك الحملة فقدان الكثير من الكرد السوريين الهوية والحقوق المدنية (حق المواطنة)، ما أدى الى أن يواجه الكرد في تلك البرهة الكثير من المشاكل والتي استمرت حتى وقت قريب، بل وحتى عام 2011م وبداية الأزمة السورية، ولكن ومن حسن الحظ أن الرئيس السوري بشار الأسد وقف عام 2011م بوجه هذه المعاملة الحادة بحيث تمكن أكثر من مأئة ألف كردي في سوريا من الحصول على الجنسية السورية.
يمكننا القول وفقاً لاحصائية عامّة، أنه يوجد في سوريا ما يقرب من 3 ملايين كردي يعيش الجزء الأكبر منهم في مدن وقرى شرق الفرات وفي الجزيرة، فيما يعيش مليون منهم في منطقة نهر دجلة في ديرك وعنديور وتاربيسي وقامشلي، وعاموادا وسركاني، أو رأس العين إلى عين العرب أو كوباني، ويوجد مليون شخص في غرب الفرات وعفرين، كما ويعيش مليون كردي في العاصمة دمشق نفسها. الكثير منهم ينتمون إلى نفس العائلات الكردية التي ذهبت إلى دمشق مع صلاح الدين الأيوبي، وليس خفياً عليكم أن صلاح الدين الأيوبي كان قائداً كردياً وكان الكثير من قواته من الأكراد أنفسهم، وهم الذين نسميهم نحن الكرد الشاميين، والبعض من الذين يعيشون في دمشق هم نفس أؤلئك الذين جاءوا مع صلاح الدين الأيوبي إلى هذه المدينة، فيما يمثل الجزء الآخر من الكرد الدمشقيين تلك الفئات الكردية التي انتقلت من القامشلي وكوباني وغيرهما من المناطق إلى دمشق لأجل العمل وممارسة الأنشطة الإدارية، فيما يعيش حوالي مئتي ألف كردي في حلب وفي مناطق الشيخ مقصود والأشرفية، وكلهم يتكلمون باللغة الكردية (كورمانجي)، وقد نزح عدد كبير من هؤلاء الأكراد الى العاصمة دمشق ومازالوا يتكلمون بلغتهم الكردية، لكن ولسوء الحظ قد نسي حوالي 80٪ من الكرد الشاميين اللغة الكردية وما عادوا يتكلمون إلا اللغة العربية ولكنهم مع ذلك لعبوا دوراً مهماً في الدعوة إلى تلبية المطالب الكردية وسائر المجالات السياسية.
على أي حال، لايوجد وللأسف في بنود الدستور السوري ومواده ما يشير إلى الاعتراف بوجود الأكراد وانتمائهم إلى سوريا. 
هناك مشكلة أخرى من مشاكلنا كأكراد سوريين، وهي أننا نفتقر إلى جغرافية موحدة، فقد مزقت اتفاقية سايكس بيكو ولوزان المنطقة ورسمت بطريقة تفصل بين المناطق الكردية وجعل هذا الخط السوري المناطق الكردية موزعة على الثلاث مناطق معروفة هي: الجزيرة، كوباني وعفرين، وهي مناطق مفصولة ومعزولة عن بعضها. هذا من جانب ومن جانب آخر يوجد جزء مهم من الأكراد في دمشق، ونتيجة لذلك، فإن الأكراد وبسبب هذا الوضع الجغرافي، وعلى الرغم من أنهم يأتون مقارنة من حيث عدد السكان بالمرتبة الرابعة بعد الأكراد الموجودين في كل من تركيا وإيران وإقليم كردستان، إلا أن توزعهم على عدة مناطق وعدم اندماجهم في جغرافية موحدة أدى غالباً إلى تجاهل مشاكلهم وعدم الاكتراث بهم بشكل كافٍ.


فصلية طهران: باعتباركم سياسياً كردياً سورياً ونائباً في مجلس الشعب السوري، فلاشك إنكم قد التقيتم برئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وكبار المسؤولين في النظام السياسي السوري، ماهي الرؤية التي يحلمونها تجاه الكرد وقضاياهم؟ وكيف يتعاملون مع الكرد والمطالب الكردية؟ وعلى وجه الخصوص السيّد بشار الأسد، وما هي رؤيته للقضية الكردية؟
* عمر الأوسي: أعتقد أن هذا سؤال مهم جداً، يجب أن أقول بوضوح أنني قابلت الرئيس بشار الأسد عدّة مرّات وتحدثت معه وقدمت له مقترحات مكتوبة حول القضية الكردية، مضافاً إلى ما أراه ضرورياً لتحليل ومعالجة القضية الكردية كما وتحدثت معه بالتفصيل عن كيفية حلّ مشاكل الأكراد في سوريا والسبل والتدابير والحلول التي يجب اعتمادها، لكن ولسوء الحظ لم‌أحصل على الجواب حتى الساعة. إن الرئيس منفتح قلباً وعقلاً على قضايا ومطالب الكرد، وأتذكر جيداً أنه في بداية الأزمة السورية أرسل طائرة إلى القامشلي ودعا قادة وممثلي 12 من الحركات والأحزاب السياسية الكردية للمجيء إلى دمشق وتقديم مطالبهم وتصوراتهم، وكل ظني أن السيد بشار الأسد كان يروم إجراء إصلاحات مهمة وإيلاء اهتمام جدي للمطالب الكردية، ولسوء الحظ لم‌يستجب القادة الأكراد وقاطعوا الدعوة، وكان هذا خطأً تاريخياً؛ إذ كان يجب عليهم الإستجابة والقدوم للقاء الرئيس، ولكن لسوء الحظ كانت بعض الأحزاب الكردية قدانضمت إلى المعارضة السورية، وكانوا يعتقدون بأن بشار الأسد سيرحل وأن النظام السياسي السوري في طريقه إلى السقوط، ولكنهم جميعاً أدركوا فيما بعد أنهم كانوا مخطئين وبالتأكيد هم الآن نادمون على ضياع الفرصة.


فصلية طهران: تحدثتم عن حقيقة أن السيد بشار الأسد أرسل طائرة إلى القامشلي في الأيام الأولى للأزمة السورية داعياً الأحزاب الكردية لمناقشة دمشق والتفاوض معها، لكنهم رفضوا دعوة الأسد، وقد سمعنا هذا في لقاءات لنا مع بعض الأحزاب الكردية الأخرى، حيث أكدوا لنا ذلك أيضاً، وان بعضهم يأسف لقرار ذلك اليوم، لكن في الوقت نفسه هناك سياسيون آخرون يرون بأن الطائرة تمّ إرسالها إلى القامشلي بعد فوات الأوان وكان على بشار الأسد التفاوض مع الأكراد قبل بضع سنوات. ما هو رايكم؟
* عمر الأوسي: هناك مثل عربي يقول: " إن تصل متأخراً خير من أن لاتصل أبداً". ولكن دعني أكن واضحاً وشفافاً وجريئاً لأقول بأنّ البعض من هؤلاء السادة الذين يجعلون من أنفسهم قادة للكرد كان مستعداً للتفاوض سرّاً مع المسؤولين الأمنيين في المخابرات والاستخبارات السورية والذهاب إلى هناك والتحدث معهم، ولكن عندما بعث الرئيس طائرة خاصّة طالباً منهم ذلك رفضوا بلا أدنى تأمل وببساطة ذلك الطلب. ماذا يعني ذلك؟ يجب أن نكون واضحين وصادقين مع الشعب الكردي وألّا نسعى إلى تحقيق نتائج وإمتيازات واهية وغير مجدية. بادئ ذي بدء، يجب على الكرد في سوريا حل نزاعاتهم الداخلية وتحقيق الوحدة والتضامن والاتفاق على نمط ومجموعة من المطالب الموضوعية والمعقولة التي يمكن للحكومة أن تستجيب لها وتنفذها. فإذا ذهبنا إلى دمشق فريقاً واحداً وقدمنا طلباً واضحاً ومشتركاً لها وجلسنا على طاولة المفاوضات معها، فحينئذ يمكننا التوصل إلى نتيجة مرضية وتحقيق نتائج إيجابية. علينا أن نتحلى بقدر من الذكاء وأن نتخذ القرارات الصحيحة وأن ندافع عن حقوقنا ومطالبنا بطريقة موضوعية، فإذا وجدت الحكومة السورية أننا نحمل رؤية مشتركة للكرد وأن قادتنا مجمعون على قضية واحدة وهدف وطموح مشترك فعندها لاتجد دمشق بدّاً من الرضوخ والاستجابة لمطالبنا وإعطائنا حقوقنا المشروعة. لكن لسوء الحظ، وكما ترى، لسنا متحدين، ولا تزال التوترات والتجاذبات الداخلية مستمرة بيننا، وأن البعض منا على استعداد للقاء سرّاً مع مسؤولي الاستخبارات والمخابرات في سوريا، ولكنه يرفض اللقاء والتحاور العلني وبشكل واضح، ومع ذلك تراه كثير التبجح بضرورة استقلالية الكرد.
إذا واصلنا الخلاف الداخلي وغنّى كل واحد منّا على ليلاه، فمن غير المستبعد أن يخترق أعداؤنا منطقة شرق الفرات، وأن تصيبنا هذه الكارثة وتخرجنا من أرضنا. إذا قرأت التاريخ سترى أن الأتراك بوصفهم تورانيين وعثمانيين عندما يدخلون إلى منطقة ما يلقون رحلهم الدائم ويعززون بقاءهم فيها ولم‌يخرجوا منها. أنظر على سبيل المثال شمال قبرص، واحتلال ميناء الإسكندرونة، واحتلال مدينة عفرين الكردية، حيث نراهم الآن يسعون إلى تعزيز وتدريس اللغة التركية للقضاء على اللغتين الكردية والعربية هناك.


فصلية طهران: هل لكل الحركات السياسية الكردية رؤية موحدة حول العلاقة مع دمشق والمطالب الكردية؟
* عمر الأوسي: كلا، إذا أردنا تصنيف الحركات والاحزاب الكردية بطريقة واضحة وشفافة، فيجب أن نقول أن هناك ثلاثة تيارات كردية مختلفة تقتسم الساحة الكردية السورية: الأول ويتشكل من الأصدقاء والإخوة الذين يحملون أفكاراً قومية ديمقراطية وينطلقون في تصوراتهم من آراء السيد عبدالله أوجلان. ومن أبرز أحزاب هذا الطيف حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري (P.Y.D) ، وجناحه العسكري الموسوم بوحدات الدفاع عن الشعب  (YPG)  وقد أنشأ بمساعدة العرب والمسيحيين هيئة أوسع تسمى مجلس سوريا الديمقراطي، ولهم جناح عسكري مشترك يسمى قوات سوريا الديمقراطية (HSD). يدعو هذا الطيف إلى إنشاء فيدرالية واسعة في شمال سوريا لا تختص بالكرد، بل تشمل كلاً من العرب والآشوريين والتركمان أيضاً. ولكني أرى من الصعب جداً تحقيق ذلك لأن الفيدرالية لا تنسجم مع الظروف الجغرافية والسياسية والديموغرافية السورية؛ الطيف الثاني وهو ما يعرف بالمجلس الوطني الكردي في سوريا (ENKS) ، ومن أبرز الأحزاب المنضوية تحته حزب الباراتي (الديمقراطي) والذي هو قريب في إفكاره من فكر السيد مسعود الالبارزاني ويرتبط أيضاً بالمعارضة السورية، ويطالب هذا الطيف بإقامة فيدرالية كردية، ولكني أعتقد بأنه يجب أن يكون لدى كلا الطيفين تصور وفهم أوضح لوضع وموقف الأكراد في سوريا وقد قيل في المثل السائد "وضع الحجر الكبير في المقلاع علامة عدم إرادة رمية"؛ أما الطيف الثالث فيمثل المعارضة الداخلية الموجودة في دمشق، والتي أمثل واحداً من رجالها، وتطالب بضرورة إصلاح الدستور السوري وأخذ مطالب الكرد بنظر الاعتبار، ونعتقد بأنه ينبغي في سياق الدستور أن يعترف بوجود الأكراد وأصالتهم كمكون ثانٍ من مكونات الشعب السوري والاعتراف بحقوقهم الثقافية والسياسية ومنها اللغة الكردية.
توجد الآن خلافات بين هذه الأطياف الثلاثة، ويوجد في موازاة ذلك من أعضاء حزب البعث السوري وبعض المسؤولين السوريين غير راضين عن قضايا الكرد ومطالبهم، ولايريدون أن‌يذعنوا بالحقوق الكردية وينظرون الى ادارة البلاد اجتماعياً وسياسياً نظرة قومية، ويرون أن الساسة الكرد إنما يرفعون من سقف هذه المطالب العالية والمبالغ فيها والتعجيزية - حسب زعمهم- لربط الأكراد بالولايات المتحدة وإسرائيل.
من هنا أرى أنه يجب على أصدقائنا في حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الديمقراطي باعتبارهم يمثلان الثقل الأكبر في الأحزاب الكردية أن يتحلوا برؤية واقعية وعملانية، والتفاوض مع الحكومة المركزية في سوريا ومحاولة حل القضايا عن طريق الحوار. لقد تحدثت مع وزير الخارجية السيد وليد المعلم ونائبه فيصل المقداد وغيرهم من المسؤولين السوريين، وقلت لهم إن أفضل الطرق السليمة للتعامل مع تهديدات تركيا هي أن تتفاوض دمشق بجدية مع الإخوة الأكراد وحل المشكلة من الداخل. ومن الضروري لنا جميعاً أن نتذكر بأن تركيا لديها رؤية تقليدية سياسية للاحتلال وترى انطلاقاً من وثائقها القديمة الموسومة "بالعهد الوطني" بأن الأراضي الواقعة ما بين البحر الأبيض إلى شرق الفرات ونهر دجلة هي من توابع الدولة التركية!، وعليه يجب ألا نسمح بتكرار سيناريو عفرين.


فصلية طهران: الآن وقد شارفت الحرب في سوريا على الانتهاء تقريباً، وباتت البلاد تشهد بصورة نسبية نوعاً من الثبات والاستقرار الأمني في أجزاء كثيرة من سوريا، وصار الحديث يدور حول العملية السياسية، وأنه يجب على سوريا إلى جانب إعادة إعمار ما هدمته الحرب، التفكير في الإصلاحات السياسية. في رأيكم إلى أي مدى يمكننا وفي سياق الإصلاح السياسي أن نرى تغييرات جدية في سوريا؟.
* عمر الأوسي: لاشك أنّ حزب البعث في سوريا حزب قوي وذو جذور تاريخية، وأنا شخصياً لا أعتقد أنه في إطار الإصلاح والتغيير السياسي، سيصار ألى خيار مثالي من قبيل حل حزب البعث. لكن بلا شك، يحتاج هذا الحزب إلى إجراء تغييرات وإصلاحات جوهرية. يجب فتح الأبواب أمام الأحزاب والمجموعات الاجتماعية والسياسية والعرقية والدينية المختلفة في سوريا للاستفادة من إمكاناتها وقدراتها الذاتية وتقديم مطالبهم. وبالتأكيد نحن بحاجة إلى إجراء إصلاح واسع النطاق، وعلى وجه الخصوص يجب أن يكون هناك مواجهة صارمة ضد الفساد، كذلك يجب تأمين الحريات الفردية والاجتماعية، والأخذ بيد السوريين نحو الديمقراطية. كما أعتقد جازماً بأن النهج السلفي الإسلامي ورؤية جماعة الإخوان المسلمين لا تصلح لادارة الحكم في سوريا ولا يمكن للسوريين القبول بها. لذلك، يجب أن يفتح النظام الحالي الطريق أمام الإصلاح، وإعادة كتابة الدستور بطريقة معقولة، وعلى حزب البعث أن يسمح للأحزاب وغيرها من التيارات العمل معه كشركاء في السلطة والمشاركة في الهيكل السياسي للبلاد وإدارة النظام السياسي السوري بطريقة علمانية وديمقراطية.


فصلية طهران: ما هو تقييمك للنظام الانتخابي السوري؟ يعتقد بعض المعارضين والنقاد أن الرئيس السوري "بشار الأسد" قد حرم المعارضة في الخارج إبّان الانتخابات الرئاسية السابقة من تقديم مرشحيها للانتخابات، وأن هناك حاجة ماسّة إلى تغيير جدي في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بما في ذلك الدعوة إلى إمكانية المراقبة الدولية للعملية الانتخابية، وكذلك دعوة بشار الأسد إلى عدم الترشح في الانتخابات المقبلة. ما رأيك في هذا؟
* عمر الأوسي: لا نرى - كشعب سوري- بشار الأسد رئيساً للبلاد فحسب، بل إنه يمثل القائد الذي يحمل لواء الحرب ضد الإرهاب، تلك حقيقة لا يمكن إنكارها. بشار الأسد هو رمز وحدة سوريا، وإذا ما غاب بشار (لاقدر الله) عن الساحة السياسية فستضيع وحدة البلاد وتتفكك عرى الوطن. لكن في خصوص الانتخابات، تجدر الإشارة إلى أنه في عام 2020م، ستنتهي فترة ولاية مجلس الشعب السوري الحالية والتي تبلغ مدتها أربع سنوات، ويجب إجراء انتخابات برلمانية، كذلك ستجري الانتخابات الرئاسية في عام 2021م، وللمعارضين أن يقولوا ما يريدون، لكن للشعب السوري أيضاً الحق في المشاركة في الانتخابات والتصويت لمن يختاره، والمراقبة الدولية ليست بالأمر المستهجن والمذموم.
من المحتمل أن تحدث تغييرات في آلية العمل البرلماني، وبالتالي سيؤدي إلى إجراء تغييرات في التشكيلة الوزارية، و أما بالنسبة للانتخابات الرئاسية فسيكون لبشار الأسد بالتأكيد حق الترشح، وتوقعي الشخصي أنه سينتخب من قبل غالبية الشعب.

 

فصلية طهران: تحدثتم عن مخاطر دخول تركيا إلى شرق الفرات وأشرتم إلى تاريخ التورانيين والعثمانيين. دعنا نستفهم عن العلاقات الحالية والمستقبلية بين أنقرة ودمشق. تعلمون أنه في السنوات الأخيرة، اقترح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وبمشورة من الرئيس الروسي فلادمير بوتين أن تقوم كل من تركيا وسوريا ببناء علاقة على أسس ومحتوى اتفاقية أضنة الأمنية، والتطبيع والتعاون بين البلدين. يرجى التحدث عن هذا الاتفاق؟ وهل يمكن لوثيقة التعاون الأمني "أضنة" أن تتحول إلى نقطة إنطلاق جديدة في تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق؟
* عمر الأوسي: أولاً، لقد مر عشرون عاماً على توقيع اتفاقية أضنة، حيث تم توقيعها في عام 1998م، و ثانياً، نص أضنة ليس وثيقة تعاون واتفاق رسمي بين الحكومتين التركية والسورية، وإنه مجرد بروتوكول مشترك بين جهازي المخابرات والأمن في أنقرة ودمشق، فعليه لا يمكن أن يكون الأساس لتطبيع العلاقات وتنمية الأواصر بين البلدين. إنها مجرد بروتوكول عادٍ بين جهاز المخابرات التركية ونظيره السوري، ولم‌تتم الموافقة عليه من قبل حكومتي وبرلماني البلدين، فهي لا ترقى تماماً إلى كونها وثيقة قانونية وحكومية وسياسية شاملة. فقد تمّ التوقيع على البروتوكول من أجل التعاون بين أجهزة المخابرات في البلدين، في حين نرى أن تركيا نفسها قد خرقت عشرات المرّات الأمن السوري وانتهكت سيادة سوريا، مما يدل على أنها لا ترى نفسها ملزمة بالتقيد ببروتوكول أمني بسيط،  فقد احتلت تركيا الآن بصورة غير قانونية وغير شرعية كُلاً من جرابلس، الباب، الراعي، عفرين وأدلب ودخلت الأراضي السورية بقواتها الخاصة. في ظل هذه الظروف، كيف يمكن لتركيا الحديث عن التعاون الأمني والاستخباراتي وتطبيع العلاقات بين البلدين؟ ماذا يعني التعاون عندما تتجاهل تركيا السيادة السورية؟ لذلك، ردت وزارة الخارجية السورية على الجانب التركي بشكل منطقي، وأعلنت موافقتها على العودة إلى اتفاق أضنة، ولكن الشرط الأول والأهم هو أن تسحب تركيا قواتها المحتلة من بلدنا وتحترم سيادتنا السياسية. أنا شخصياً أرى من هذا المنظور أن الحلفاء الروس يتطلعون إلى التقريب بين تركيا وسوريا، ولكن يتعين على روسيا أن تذعن بحقيقة أن تحقيق ذلك يعد مستحيلاً ما لم‌ينسحب المحتل التركي من الاراضي السورية.
 لطالما سمعتم المقولة المشهورة بأنه لا يوجد أصدقاء وأعداء دائمون في عالم السياسة، ولاريب أن هذه القضية لها عواقب وخيمة على الأكراد، فعلى سبيل المثال، تختلف الدول حول الكثير من القضايا، ولكن يمكنها الاتفاق عندما يتعلق الأمر بقضية الأكراد، الآن، إذا حصل أردوغان على ضوء أخضر من دونالد ترامب لدخول شرق الفرات، فحينئذ سوف يلقون الحديث عن اتفاق أضنة وراء ظهورهم ويصبح من المستحيل أن تسمع نغمة العودة إلى هذه الاتفاقية. أكرر القول مرّة أخرى بأن اتفاقية أضنة ليست وثيقة تعاون سياسي بين دولتين، وإذا كانت تركيا مصممة جداً وتمتلك إرادة راسخة بتطبيع العلاقات مع سوريا، يجب عليها أولاً سحب قواتها من سوريا.


فصلية طهران: تتحدث تركيا إلى جانب الحديث عن اتفاقية أضنة والدعوة إلى عودة العلاقات مع دمشق، عن ضرورة إنشاء منطقة آمنة وإيجاد شريط أمني، معتقدة بأنه يجب إنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا تقع تحت سيطرة الجيش التركي. ما رأيكم في هذه الخطة؟
* عمر الأوسي: الآن توجد في الحسكة والقامشلي قوات عسكرية تحت قيادة الحكومة السورية ويمكنها بالتأكيد الحفاظ على أمن تلك المناطق بالتعاون مع الأكراد. ومن هنا أعتقد أن الطريقة الأمثل والأكثر منطقية والمطلوبة لإنشاء منطقة آمنة والحفاظ على استقرار المناطق الشمالية السورية، وخاصة شرق الفرات، هي أن يقوم الأكراد بالتفاوض مع الحكومة السورية والتوصل إلى اتفاق دائم للسيطرة على تلك المناطق. أطلب من زملائي في المجلس السوري الديمقراطي وقوات سوريا الديمقراطية التفاوض مع الحكومة، وأن يتقبلوا الحقيقة بأن شرق الفرات هو جزء من الأراضي والجغرافيا السياسية في سوريا، وأن الحكومة لها الحق في أن تكون قواتها مستقرة هناك، وأن رفع العلم السوري في تلك المناطق، وتأمين تلك المناطق بشكل جيد في إطار التعاون مع كل من الحكومة السورية وروسيا وإيران.وإلّا سيكون خطر دخول القوات التركية الغازية قائماً.


فصلية طهران: في عام 2018م تفاوض الأكراد مع الحكومة السورية مرتين، و في أحدى الجولات دعت سلطات دمشق الأكراد إلى توفير الأرضية المناسبة لإجراء انتخابات مجالس المحافظات في المناطق الكردية، لكنهم رفضوا العرض ولم‌يسمحوا بإجراء تلك الانتخابات. كيف تقيمون قرار الهيئات السياسية والتنفيذية الكردية بمنع إجراء انتخابات مجالس المحافظات؟
* عمر الأوسي: أعتقد أن القرار كان خاطئاً، كان من الضروري السماح بإجراء الانتخابات. ومن هنا أتمنى من كل أصدقائي وإخواني في جميع الأحزاب والجماعات السياسية الكردية، إعادة النظر ومراجعة جميع المواقف السياسية التي اعتمدوها سابقاً، وأن لا نضع جميع البيض في السلة الأمريكية والتعويل عليها، فلا ينبغي لنا أن نأمل في الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا خيراً. إنهم بالتأكيد يسعون إلى خداع الأكراد ومن الضروري أن يكون طريقنا السياسي وطنياً وتواصل مع الحكومة المركزية في سوريا. فأي قرار خاطئ نتخذه سوف يلحق الضرر بالأكراد السوريين ويؤدي إلى نتائج كارثية، فلا ينبغي لنا أن نكرر خطأ عفرين وأن ندع أراضينا أن تدنس من قبل الأجانب. يجب أن نتحدث مع حكومتنا، وأن نتفاوض معها بشأن مختلف القضايا وأن نسمح للحكومة أن تكون حاضرة في شرق الفرات في المجال العسكري والإداري والتنظيمي، وبالطبع، يجب على الحكومة اتخاذ خطوات جادة وإيلاء حقوق ومطالب الأكراد إهتماماً خاصّاً. في رأيي الأكراد السوريون لا يبحثون عن الانفصال ويريدون المطالبة بحقوقهم في إطار هذا البلد، ولا ينبغي أن ينسى الأكراد التاريخ، وأن جميع الحركات الكردية في العراق وإيران وتركيا كانت مراراً وتكراراً ضحية التحالف الأنجلوسكسوني والسياسات الأمريكية البريطانية، ولا ينبغي السماح لهم بتكرار مآسي التاريخ، فان فرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر والدول العربية في المنطقة وغيرها لا تفعل أي شيء لصالح قضيتنا، وعليه يجب أن نتفاوض ونتحاور مع الحكومة السورية للوصول إلى إتفاق يضمن أمن واستقرار ديارنا.


فصلية طهران: كان زعيم حزب العمال الكردستاني  (P.K.K)  عبد الله أوجلان حاضراً في سوريا ولبنان لمدة طويلة بما يقرب من عقدين، وخلال عهد حكم الراحل حافظ الأسد أتيحت لأوجلان الفرصة للانخراط في أنشطة سياسية وتنظيمية وتعليمية، ولكن في وقت لاحق، خرج أوجلان من سوريا في عام 1998م على ما يبدو، في ذلك الوقت عقدتم أيضاً اجتماعات مع أوجلان وكنتم على اتصال معه، هل لك أن توضح لنا موقف الحكومة السورية من أوجلان؟
* عمر الأوسي: أنا لست متحدثاً باسم الحكومة السورية، وقد انتقدت عدّة مرّات القرارات الخاطئة للحكومة السورية، لكني كمواطن كردي انطلق في كلامي من الوجدان والضمير الإنساني ووجهة نظر عادلة حول تقييم أداء الحكومة السورية فيما يتعلق بالحركات الكردية، فيجب عليّ أن أقول أن جميع الحركات الكردية كانت مدعومة من سوريا. كانت سوريا موطنا لست وثلاثين حركة تحرير عربية وكردية، ولم‌يتسبب الراحل حافظ الأسد بإيذاء أحزاب وحركات الحركة الكردية جزماً، بل قام بحمايتها جميعاً، إنطلاقا من الزعيم الكردي الديموقراطي الكردي مسعود البرزاني مروراً بزعيم الاتحاد الوطني الكردستاني جلال الطالباني والسيد عبد الله أوجلان زعم حزب العمال التركي (P.K.K) ، كلهم كانوا في سوريا ولديهم مساحة كبيرة من الحرية في العمل والنشاط السياسي، ولاشك أن الإنصاف يقتضي أن لا ينسى الأكراد تلك الفترة وأن يحكّموا ضمائرهم، وأن يتذكروا أن قادة الحركات الكردية في سوريا كانوا يتمعتون بمساحة من العمل وحرية التحرك جيدة. الآن، إذا سألتم السيد مسعود البرزاني، والمقربين من جلال طالباني، وأعضاء مجلس قيادة حزب العمال الكردستاني  (P.K.K) الموجودين في جبال قنديل، عن موقف الراحل حافظ الأسد، فلاشك سوف يذكرونه بإيجابية و يثنون على دعمه وإسناده لهم.
لقد تعرض الأكراد في تركيا للقتل والإبادة والسجن والتعذيب، وكذا عانى الأكراد في العراق من المذابح والمحن، بينما تعرض الأكراد في إيران إبّان الشاهين البهلويين الأب و الإبن مراراً وتكراراً للهجوم على ديارهم، ولم‌يحدث ذلك في سوريا.
أما بالنسبة لعبدالله أوجلان، فقد كانت المؤامرة الدولية التي تشكلت في عام 1998م ضده تتجاوز بقوتها وقدرتها قدرة سوريا ولم‌يكن بوسع دمشق تحملها، ولم‌تستطع سوريا مقاومة تلك الظروف فاضطرت إلى أن تطلب من أوجلان مغادرة البلاد، وكما رأيتم، فقد قبضت عليه وكالة المخابرات المركزية والموساد وتم تسليمه إلى تركيا، وما زال منذ 20 عاماً يقضي عقوبة السجن في جزيرة "إمرالي". وأضيف هنا وبفخر إنني كنت قريباً منه في تلك الفترة ليس كعضو في حزب العمال الكردستاني الذي يرأسه، ولكن كصديق، وقد ناقشنا مراراً وتكراراً القضايا الاستراتيجية.
أما بالنسبة لمواقف الراحل حافظ الأسد ونجله الرئيس السوري الحالي بشار الأسد السياسية، فلابّد لي من القول إنهما لايحملان نظرة قومية وليسا معاديين للأكراد، وأنهما منفتحان على القضايا الكردية، وعلينا نحن الأكراد انتهاز الفرصة واستثمار الموقف بذكاء والإيمان بأن الحكومة السورية تلبي مطالبنا إذا اعتمدنا منهج الحوار والتفاوض مع الحكومة المركزية في دمشق. أنا شخصياً أمارس دوري كعضو في مجلس الشعب السوري ولم‌أنضم إلى المعارضة، وفي الواقع ما زلت أعمل كسياسي ضمن المعارضة الداخلية وفي إطار الدستور والقانون، وقد واجهت من الحكومة والنظام السياسي العديد من المواقف التي قد تكون مخيبة للآمال، لكنني واصلت العمل ولم‌أعبأ بها وما انحنيت أمامها؛ لأنني أعرف النهج الإيجابي والواعد للرئيس بشار الأسد، وسأواصل العمل.


فصلية طهران: تعتقدون بأن المنطقة والجغرافيا والظروف الخاصة لسوريا غير مناسبة جدا لإقامة نظام سياسي فيدرالي. برأيك، هل من المستحسن أن تبقى سوريا بنفس الهيكلية السياسية الفعلية أو أن تجري تغييرات معينة؟ وما الدور الذي يجب أن يلعبه الكرد في عملية التغيير القادمة؟
* عمر الأوسي: أنا شخصياً بصفتي ممثلاً للكرد في مجلس الشعب السوري، تأملت في هذه المسألة كثيراً وكتبت مسودة مشروع وعرضتها على الرئيس، وأطلعته على فقراته، أعتقد أن أفضل طريقة لإدارة سوريا هي إدارة البلاد بطريقة اللامركزية. فاذا تمّ إعتماد هذا النوع من النظام في سوريا، فمن الضروري أن يتم الاعتراف بوجود الأكراد في دستور البلاد، وبطريقة شفافة، واحترام هويتهم وحقوقهم وكذلك مطالبهم باعتبار هم يمثلون العنصر الاجتماعي الثاني الأكثر أهمية من بين عناصر الشعب السوري، والاهتمام بحقوقهم السياسية والثقافية والاقتصادية. وبعبارة أكثر شفافية، أن يسمح للأكراد بالتمتع بحقوقهم في نظام سوري موحد تحت سلطة الحكومة السورية، بحيث يحظى الكرد بحقوقهم ويصار إلى تدريس اللغة الكردية إلى جانب اللغة العربية في المناطق الكردية، ويكون لهم مشاركة في مجلس الشعب السوري وفي الحكومة والمجالس المحلية. ويبدو لي أنه ليس من الصعب على الحكومة السورية تلبية هذا المستوى من المطالب الكردية وهي مطالبات ومبادئ قابلة للاتفاق، وأما رفع شعارات رنانة ووضع مطالب تعجيزية من قبيل تأسيس دولة كردية مستقلة أو تشكيل نظام سياسي وإداري فدرالي، فهذا غير ممكن بالنسبة لسوريا؛ لأن سوريا بلد متعدد القوميات، الأمر الذي يجعل فكرة الفيديرالية شبه مستحيلة، لأن المطالبين بهذا النوع من النظام يدعون في الحقيقة إلى تقسيم البلاد إلى عشر دويلات صغيرة. لذلك، من الضروري مواجهة مثل هذه الفكرة، وعلى الأكراد الاذعان بهذه الحقيقة، وأن المطلوب أولاً وقبل كل شيء إجراء تعديلات دستورية وتغيير نصوص القانون بحيث يتم الاعتراف بالكرد رسمياً وقانونياً، ويمنحون حق الممارسة والمشاركة في الحكم وتأمين حقوقهم ضمن نظام سياسي وتنفيذي لامركزي.


فصلية طهران: في السابق ، كان الاسم الرسمي لبلدكم "الدولة السورية"، والذي تحول فيما بعد إلى "الجمهورية العربية السورية"، ومن هنا يعتقد العديد من السياسيين الأكراد أن الاسم السوري الرسمي الحالي، لا ينسجم مع التنوع العرقي والثقافي للمجتمع السوري. ما رأيك في هذا؟
* عمر الأوسي: أحبّ بلدي كمواطن سوري، وفي الوقت نفسه أحبّ لغتي وثقافتي الكردية. لذلك، أعتقد أنه إذا تغير الاسم الرسمي للبلاد إلى "الدولة السورية" أو "الجمهورية السورية" فهذا أمر مستحسن ومن الأفضل أن يحصل ذلك. فعندما يطلق على البلاد اسم "الجمهورية العربية السورية" فهذا في الواقع يبعث رسائل مفادها تجاهل الأقوام السورية الأخرى. آمل أن تتم مناقشة هذه المسألة بجدية في سياق الدستور المستقبلي وإزالة وصف العربية، وهذا يعني أيضاً الاعتراف بوجود الآخرين وسيعود على سوريا بالخير ويكون مصدراً لتحقيق الوئام بين مكونات الشعب السوري. بالطبع، أود التأكيد مرّة أخرى على أنه يجب وفضلاً عن إعادة النظر في التسمية، الإعتراف بشفافية في نصوص الدستور بوجود القومية الكردية كمكون رئيسي ثانٍ من مكونات الشعب السوري.
فصلية طهران: شكراً لكم مرة أخرى لمشاركتكم في هذا الحوار.


قراءة: 906