فصلنامه مطالعات سیاست خارجی تهران
 

حسابات و سياسات الأحزاب الكردية في سورية خلال الأزمة «تقييم موضوعي»

أحمد سليمان
زعيم الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سورية.

ولد أحمد سليمان في عام 1961 م في مدينة عامودا الكردية بشمال سورية. وحصل على شهادته الجامعية في فرع الجيولوجيا، وعمل في شركة النفط السورية. في عام 1978 م أصبح عضواً في مجلس قيادة الحزب الديمقراطي التقدمي، و دخل عضوية المكتب السياسي للحزب منذ عام 1999 م. في عام 2012 م أصبح رئيس المجلس الوطني الكردي. لعب دوراً مهماً في عام 2013 م بوصفه الناطق باسم الهيئة العليا للأكراد لحل الخلافات بين المجلس الوطني و الأحزاب الكردية السورية القريبة من حزب العمال الكردستاني (K.K.P) لأحمد سليمان انتقادات حول أداء التيار السياسي في سورية مستذكراً بحسرة: لو أنّنا في بداية اندلاع الأزمة في سورية بدأنا محادثات مع نظام بشار الأسد و فتحنا حواراً مع الحكومة بدلاًً من تأييد مواقف الائتلاف السوري المعارض، لربما كنّا عملنا ليس فقط على حل مشاكل الأكراد بل على حل جزء كبير من معضلات هذا البلد.
الكلمات الأساسية: سورية، الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سورية.، حزب الاتحاد الديمقراطي(P.Y.D)،البيشمركه روژ، الدعاة الشعب (YPG)

 

فصلية طهران: ما هو موقع الأكراد في التركيبة السياسية و الاجتماعية السورية في القرن العشرين، و ما هي التحولات التي طرأت في هذا المجال في العقود الأخيرة؟
*أحمد سليمان: إنّ تحليل وضع الأكراد في سورية في القرن العشرين، له علاقة وثيقة بوقائع ما بعد الحرب العالمية الأولى، و معاهدة سايكس بيكو. بعد تأسيس سورية، كان البلد يرزح تحت نير الاستعمار الفرنسي، و بطبيعة الحال، فإنّ الأكراد أيضاً، كسائر المكونات السورية، لم‌يكونوا بوضع أفضل و قد حاربوا الاستعمار الفرنسي. كان لهذا المكوّن دور إيجابي في عصر القائد الكردي المسلم "صلاح الدين الأيوبي"، و في فترة الكفاح ضدّ المستعمرين المحتلين الفرنسيين أيضاً وقف الأكراد إلى جانب العرب، و كان لهم دور حاسم و مهم، من خلال تشكيلهم حركات نضالية محلية عديدة لمحاربة الفرنسيين. كان لأسرة أحمد باراوي وهي من الأسر الكردية المهمة و العريقة في دمشق أو بلاد الشام، في محلة تسمى تار الأكراد، دور مهم في الكفاح ضدّ الفرنسيين. و يعدّ إبراهيم هنانو من الشخصيات الكردية البارزة التي خاضت هذا الكفاح في جبل الزاوية و إدلب. و في منطقة عامودا أيضاً حمل الأكراد السلاح ضدّ المستعمر الفرنسي و تعرّضوا لقصف الطائرات الفرنسية. كما كان لهم نفس الدور في مناطق أخرى، و في نفس الوقت هناك من العرب و الأكراد من تعاون مع المستعمرين الفرنسيين ، بيد أنّ أغلب الأسر و العشائر و الوجوه الكردية المعروفة قاتلت الفرنسيين. أول رئيس للجمهورية السورية هو محمد علي العابد كان من القومية الكردية. في عهد الدولة العثمانية كان للأكراد وضع جيد و مؤثّر في دمشق و حلب، و لكن بقية المناطق الكردية مثل عفرين و كوباني و الجزيرة لم‌تشهد تنمية اقتصادية أو اجتماعية تُذكر، و ظلّ المجتمع الكردي في هذه المناطق يغلب عليه الطابع القروي و الزراعي. 
بعد حصول سورية على الاستقلال، كان وضع الأكراد جيداً نوعاًما، و لكن بعد مشروع الوحدة بين سورية و مصر و تعزيز أفكار القومية العربية و ظهور حزب البعث تدريجياً، بدأ موقع الأكراد بالتدهور و التراجع، و صاروا يعيشون حالة من الإقصاء و التهميش، لدرجة أنّ وجودهم تعرّض للإلغاء، و أصبحوا يعاملون كأجانب و غرباء في بلدهم. بعد فترة ازدادت وتيرة هذه السياسة الإلغائية تدريجياً، و راح بعض المسؤولين الأمنيين في سورية يطرحون مشاريع هدفها إلغاء المكوّن الكردي من التركيبة السكانية لسورية، و من بين هؤلاء محمد طلب هلال الذي قدّم مشروعاً مدوّناً مؤلفاً من 12 مادة اقترح فيه طرد الأكراد من سورية، و ممارسة ضغوط اقتصادية و سياسية على مناطق تواجدهم. بعد فشل مشروع الوحدة و انفصال سورية عن مصر، عاودت الضغوط من جديد على الأكراد، و أولى التدابير التي اتخذت في هذا السياق مصادرة و إبطال الجنسية السورية لـ 150 ألف مواطن سوري كردي في منطقة الجزيرة، و قد استغرق الأمر خمسين سنة ليستعيد الأكراد جنسيتهم السورية حين أمر الرئيس بشار  الأسد بمنح الجنسية لحوالي 600 ألف مواطن سوري في بداية الأزمة. 
قد يصعب على الكثير فهم هذه المعاناة و أن يجسّد في مخيّلته بصورة موضوعية و جلية حجم الآلام و المصاعب التي تحمّلها الأكراد في سورية، خصوصاً إذا عرفنا بأنّ عدم امتلاك الأكراد للجنسية أو بطاقة الهوية الشخصية يعني أنّه كان عليهم استصدار إذن رسمي من الشرطة للسفر من محافظة إلى أخرى، و حرمانهم من إنجاز المعاملات الرسمية.
بعد أن تمكّن حزب البعث من تثبيت أركان سلطته في سورية في عقد السبعينات من القرن الماضي، قام بمصادرة أكثر من عشرة كيلومترات من الأراضي الزراعية للأكراد في منطقة الجزيرة الحدودية بين تركية و سورية و منحها للمزارعين العرب في محافظة الرقة و باقي المناطق الأخرى، بحجة إيجاد شريط حدودي من المساحات الخضراء، و قامت الحكومة بإحداث تغييرات ديموغرافية جذرية في المنطقة. في تلك الفترة لم‌يكن بمقدور أيّ كردي الحصول على وظيفة حكومية في دمشق، أو الانتماء إلى القوات المسلحة، ناهيك عن العديد من المشاكل التي كان يعاني منها الأكراد. بعد مجيء الرئيس حافظ الأسد على رأس السلطة في سورية في عام 1970م، لم‌تحدث تغييرات جوهرية في أوضاع الأكراد في سورية، و لكن للإنصاف نقول، إنّه مهّد السبيل لانخراط الأكراد في بعض النشاطات الاقتصادية و السياسية، و شهدت الأجواء العامة شيئاً من الانفتاح، لكنّه مع ذلك لم‌يقدّم حلولاً جذرية لرفع المظلومية عن الأكراد و الاستجابة لمطاليبهم.


فصلية طهران: يعتقد بعض الزعماء الأكراد أنّه في الوقت الذي شارك الأكراد و العرب معاً في التصدّي للفرنسيين في منتصف القرن العشرين و ساهموا مع العرب في تحقيق الاستقلال، إلّا أنّهم لم‌يقطفوا ثمار الاستقلال لاحقاً، و لم‌ينالوا حصتهم في النظام السياسي، و لم‌يُنظر إليهم في أيّ دور بالعملية السياسية، و نفس هذا الاحتمال وارد في المرحلة الراهنة و هو بعد أن حققت حكومة بشار الأسد الأمن و الاستقرار التام، فإنّها لن‌تلتفت لمطاليب الأكراد و طموحاتهم. إلى مدى تؤيّدون هذا الاحتمال؟
*أحمد سليمان: في الحقيقة، إنّنا كسياسيين أكراد سوريين نعاني من مشكلة جدية لها علاقة مباشرة بسياسات الحكومة السورية. تتمثّل هذه المشكلة في أنّ الحكومة السورية و طيلة عقود من الزمن كانت تؤلّب الرأي العام السوري ضدّ الأكراد بغير وجه حق، و كانت تصوّر الأكراد بأنّهم يمثّلون تهديداً كامناً للبلد. و الائتلاف السوري المعارض، بطبيعة الحال، هو جزء من هذا الرأي العام و الشعب، و لو قيّض له استلام مقاليد الحكم في سورية، فنفس هذا الشعب سوف يدعمه و يدافع عنه، لذا، فالذي يجب أن يتغيّر هو العقلية التاريخية الخاطئة. على الحكومة السورية و الشعب السوري و كذلك الائتلاف السوري المعارض أن يصلوا إلى هذه النتيجة و هي أنّ الأكراد ليس فقط لا يشكّلون تهديداً، و إنّما هم قوة سياسية و تنفيذية و دفاعية موثوقة و أحد المكونات الرئيسية في هذا البلد. الأمر الثاني هو، إنّ الحزب الحاكم في سورية، أي حزب البعث السوري، بعد كل هذه السنوات و كل هذه الأموال التي تحمّلتها الحكومة السورية و الشعب السوري جراء سياسات البعث الجائرة، ما يزال غير مستعدّ لتغيير أفكاره، لذلك نجده يقود البلاد بنفس أفكار ما قبل الأزمة، و هذه في حدّ ذاته تمثّل أزمة خطيرة.
الأمر الثالث، إنّ الأحزاب الكردية لم‌تكن تحمل رؤية دقيقة و واضحة عن أوضاع البلد في بداية اشتعال الأزمة، حيث كانت تعتقد أنّه سوف تطرأ تحولات كبرى على الأوضاع في القريب العاجل. في تلك الفترة كان الرئيس الأسد يسعى إلى فتح حوار مع الأكراد، بينما لم‌يبدِ أي طرف كردي استعداداً للحوار مع الحكومة إلّا فصيل الـ P.Y.D، الذي توصّل بالفعل إلى اتفاق سري غير رسمي و غير مكتوب مع الحكومة. و قد أعلن رئيس حزبنا ماموستا عبد الحميد درويش بشكل صريح: لو أنّنا في بداية اندلاع الأزمة في سورية بدأنا محادثات مع نظام بشار الأسد و  فتحنا حواراً مع الحكومة بدلاً من تأييد مواقف الائتلاف السوري المعارض، لربما كنّا عملنا ليس فقط على حل مشاكل الأكراد بل على حل جزء كبير من معضلات هذا البلد. و لكن على أيّ حال، لقد ارتكبنا هذه الغلطة و التحقنا بمعارضي الرئيس الأسد، و اكتشفنا أنّ أولئك المعارضين لم‌يكونوا يتبنون رؤية معتدلة و مرنة تجاه مطاليب الشعب الكردي، بل إنّ حكومة الأسد كانت أكثر واقعية و مرونة في النظر إلى تلك المطاليب، و أنّ الائتلاف السوري المعارض كان كل همّه هو الاستيلاء على السلطة و لا شيء غير ذلك.

 

فصلية طهران: لقد اعتقد الكثير من المعارضين السوريين في بداية الأزمة أنّ حكومة الرئيس بشار الأسد سوف تسقط في غضون أسابيع، أو شهور قليلة على أكثر تقدير. و تفيد المسموعات بأنّ زعيم حزبكم كاكا عبد الحميد درويش أيضاً قد قال لـ مام جلال الطالباني بأنّ الأسد سوف يسقط قريباً، غير أنّ الطالباني كان له رأي مخالف و كان يؤكّد: بأنّ الأسد لن يسقط، و سوف يتجاوز الأزمة بسلام، أرجو أن توضحوا لنا هذه المسألة قليلاً.
*أحمد سليمان: نعم، هذا صحيح، عموماً جميع الشعب السوري كان يحمل هذا التصور. حتى المعارضين السوريين و الأكراد كانوا يحملون هذه القناعة بأنّ حكومة الأسد سوف تسقط في وقت قريب. الأكراد بما لديهم من تجربة تاريخية، كانوا على دراية و خبرة أكبر في مجال النشاط السياسي و الحزبي و التنظيمي. ففي الوقت الذي لم‌يكن هناك شيء اسمه معارضة عربية سورية، و كانوا قليلي الخبرة و على قدر كبير من السذاجة السياسية، عرف الأكراد تشكيل الأحزاب و دخلوا عالم السياسة منذ عقود طويلة، لذا، كان ينبغي لهم أن يقدّموا تحليلاً أكثر واقعية و وضوحاً للأوضاع في سورية، و لكن الأحزاب الكردية أيضاً، و للأسف، توصّلت إلى نفس النتيجة التي توصّل إليها المعارضون السوريون قليلي الخبرة، و تنبأت بسقوط الحكومة السورية قريباً. الكل اعتقدوا أنّ سورية سوف تلحق بركب تونس و البلدان العربية الأخرى، و سيطالها التغيير و أنّ النظام سوف يسقط في القريب العاجل. نحن أيضاً اعتقدنا أنّ معارضي النظام سوف يتولّون السلطة، و يتقاسمون مع الأكراد إدارة البلاد. و لكن كل هذه الحسابات كانت هواء في شبك. في تلك المرحلة توفرت فرصة ذهبية للمفاوضات بين الأكراد و بشار الأسد، و الأخير كان يسعى إلى التفاوض مع زعماء الأحزاب الكردية، و لكن بسبب تلك الحسابات الخاطئة اتّخذنا قرارات خاطئة و رفضنا الحوار مع الحكومة. و تزامنت تلك الفترة مع منح حكومة بشار الأسد الجنسية السورية لمئات الآلاف من الأكراد السوريين، و أثبتت تلك الخطوة أنّنا لوكنّا تفاوضنا مع الحكومة لتحققت خطوات إيجابية أخرى. و لكن لم‌يكن جميع الأكراد على رأي واحد أو تحت مظلة واحدة، فحزب الـ P.Y.D نجح في تلك الفترة في التوصّل إلى اتفاق غير مكتوب مع الحكومة، ففي الوقت الذي كانت فيه حكومة الأسد عاجزة عن بسط سيطرتها على جميع الأراضي، أوكلت إلى الـ P.Y.D مهمة الحفاظ على المناطق ذات الغالبية الكردية. 


فصلية طهران: منذ فترة و حزبكم كسائر الأحزاب الأعضاء في المجلس الوطني لأكراد سورية (ENKS ) متحالف مع المعارضين السوريين. في تلك الفترة كانت مكاتب الأحزاب المشاركة في المجلس الوطني لأكراد سورية منتشرة في مدينة أربيل، في حين أنّ مكتبكم كان في السليمانية، و كان الجميع يمارس نشاطاته خارج المناطق الكردية في شمال سورية. أما اليوم فإنّنا نرى خروجكم من صفوف المعارضين السوريين و كذلك من المجلس الوطني لأكراد سورية، و أنّ مقر المكتب الرئيسي للحزب و السيد عبد الحميد درويش زعيم الحزب أصبح في شمال سورية. هل تتشاركون مع حزب الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D) في إدارة المناطق الكردية في شمال سورية؟
*أحمد سليمان: إنّنا نملك الحق كباقي الأحزاب الأخرى في أن ننسق مع بقية الأحزاب الكردية في المنطقة و أن تربطنا بهم علاقات. و أن نتباحث حول بعض القضايا و تربطنا بعض الصلات. لكنّ الأمر المؤسف هو أنّ بعض الأخوة و الأحزاب الكردية في إقليم كردستان العراق و في تركية، بدلاً من تقديم الدعم و المساندة للأحزاب الكردية السورية، يبحثون عن الحزب الذي يؤمّن لهم مصالحهم بشكل أكبر و يتيح لهم السيطرة علينا. هذه رؤية لا يمكن القبول بها، و ليتهم يكفّوا عن مثل هذه التدخلات، لأنّها تزيد متاعبنا و تضاعف مشاكلنا. إنّنا كأحزاب كردية سورية كان ينبغي لنا المحافظة على استقلالنا و أن‌لانسلّم زمام أمورنا لأولئك الأخوة، و هذا الوضع مستمر حتى الآن. 
لا بأس إذا أراد حزب الـ K.K.P أن يتعاون مع أكراد سورية و أحزابنا، أن يدعمنا و يقدّم لنا المساندة، لا بأس، فهذا موقف جيد، و لكن أن يتّخذوا هم كل القرارات و يتجاهلوا استقلال الأحزاب الكردية السورية، فهذا سلوك خاطيء، يضرّ بنا و ينتهك استقلالية قرارنا. للأسف، إنّ أحزاب إقليم كردستان العراق أيضاً تتجاهل استقلاليتنا، و تتّخذ القرارات بالنيابة عنّا. هذه إحدى المشاكل الخطيرة للغاية التي حالت دون استمرار التواصل فيما بيننا.
إنّنا في الحزب الديمقراطي التقدّمي لأكراد سورية نؤكّد دائماً على مسألة مهمة و هي إنّ آلية حل المشاكل و الاستجابة لمطاليب الأكراد تكمن في دمشق و ليس في مكان آخر. فحزبنا يرفض أن يكون وسيلة لتأمين مصالح الأحزاب الكردية في تركية و إقليم كردستان العراق، فهذه مقاربة مرفوضة من قبلنا. في السابق، كان رفاقنا في كوباني و الجزيرة يتعاونون فيما بينهم في المجالات العسكرية و التنفيذية أيضاً. و لكن بعد ذلك وجدنا أنّ القرارات تُتّخذ في مكان آخر. و توصّلنا إلى قناعة بأنّ حزب الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D) لا يرغب بأي نحوٍ كان إشراكنا نحن و الآخرين في صنع القرارات السياسية و الدفاعية، و كان الأخوة في الحزب يطالبوننا بالوقوف إلى جانبهم دون اعتراض أو نقاش، و دون المساهمة بأيّ دور في صنع السياسات و القرارات، و طبعاً هذا الوضع لم‌يكن مقبولاً لدينا بتاتاً. لقد عقدنا معهم عدّة اجتماعات، و كنّا نطالبهم بأن يكون لحزبنا و جميع أحزاب المجلس الوطني شراكة حقيقية في جميع المفاصل. لقد كانت لدينا قوات عسكرية، و كوادر تنفيذية، لذلك كان باستطاعتنا المساهمة على أيّ نحو. لكنّ الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D) للأسف لم‌يقبل أبداً بهذه المطاليب، و كان يرفض مبدأ الشراكة، و ما يزال يسعى حتى الآن إلى التفرّد باتخاذ القرارات في جميع المجالات دون التشاور معنا أو مع سائر الأحزاب الكردية الأخرى. هذه كانت أهم معضلة نعانيها، و ما يزال الوضع على ما هو عليه. لقد رأيتم كيف أنّ الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D ) أثناء الهجوم على مدينة عفرين لم‌يستشر أحداً من الأحزاب. لطالما اقترحنا عليهم أن نجتمع جميعاً لنتشاور و نصل إلى قرار موحد، لكنّهم رفضوا اقتراحنا، و حتى بعد احتلال تركية لعفرين أيضاً كرّرنا اقتراحنا بالاجتماع و التشاور، و أن نستقي الدروس من هذه المعركة على الأقل، و أن نتدبّر في هذه الأمور و نتوصّل إلى حلول جماعية لتجنّب تكرار كارثة فقدان عفرين في كوباني و الجزيرة، لكنّ الرفاق في حزب الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D ) لم‌يستمعوا إلى نصائحنا و لم‌يكونوا مستعدين لأيّ حوار أو تشاور. طبعاً هذا لا ينفي أنّنا في تواصل مستمر مع الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D ) نلتقي بهم، نهاتفهم و نحاورهم، و لكن في الموضوعات الخطيرة و القرارات الكلية الشاملة و القضايا الجادة، لا يهتمون بآرائنا أو اقتراحاتنا و لا اقتراحات الآخرين، و يتصرّفون من وحي عقولهم. دعني أعطي مثالاً آخر لتقريب الصورة. في أواخر عام 2018 م عندما قرّر دونالد ترامب فجأة و دون مقدمات سحب القوات الأمريكية من سورية، ساورنا القلق نحن الأكراد، و بدأ رفاقنا في الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D )، فوراً مساعي دبلوماسية و أجروا اتصالات مع الولايات المتحدة و روسية و المسؤولين في النظام و أطراف أخرى و راحوا يتفاوضون معهم، و لكن دون إطلاع أيّ من الأحزاب الكردية على أيّ‌أساس أجروا تلك اللقاءات و الحوارات، و ما هي القرارات التي ينوون اتخاذها؟ لا جرم أنّه سلوك خاطئ، و عليهم أن يسمحوا لبقية الأحزاب أن تتدخل في مثل هذه القضايا الحسّاسة و تبدي وجهة نظرها و تطرح أفكارها، و يكون للجميع دور في القضايا المصيرية التي تحدّد القرارات المتخذة بشأنها حياة أكراد سورية و مصيرهم و مستقبلهم.

 

فصلية طهران: قلتم بأنّ حزب الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D) دفع حزبكم عن السلطة و المناصب التنفيذية، إذن ما هو مجال نشاط حزبكم (الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي)؟
*أحمد سليمان: في الحقيقة، عندما يحتكر حزب أو تيار سياسي السلطة السياسية و الاقتصادية و التنفيذية في النظام بشكل كامل و يقصي الآخرين عن دائرة القرار و السلطة، فإنّ الظروف تصبح صعبة. غير أنّ هذا الواقع لا يقلّل من مسؤوليتنا و التزاماتنا إزاء الشعب، فما زلنا ملتزمين باللقاء و التحاور مع الجماعات و الشرائح المختلفة. في الظروف الراهنة يقتصر نشاطنا الحزبي على استمرار التواصل مع الشعب، و التحدّث إلى مكوناته بمختلف توجهاتها، و مواصلة تنظيمنا الحزبي. إنّ النفوذ السياسي لحزبنا واسع إلى الدرجة التي تتيح لنا علاوة على حل الكثير من مشاكل المنطقة، أن نلعب في المجال السياسي دور الوسيط المقتدر و الفعال. في ظل الأوضاع القائمة حيث تسود المشاكل و الاختلافات في وجهات النظر بين الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D ) و المجلس الوطني للأكراد في سورية، بإمكاننا القيام بوساطة من أجل حل الكثير من المشاكل و الاختلافات بينهما. 
إنّنا نعتقد أنّ على الأحزاب الكردية السورية في هذه الظروف الدفع بمسيرة إنتاج السياسة و الفكر السياسي بالاتجاه الذي يتيح وضع الآليات و الحلول للوضع السوري، و العمل على حل مشاكلنا في إطار الحوار و التفاوض مع الدولة السورية. و بالفعل، لقد أرسل حزبنا عدّة وفود إلى أربيل، و أثناء محادثاتنا مع أعضاء المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي طلبنا منهم أن يتحاوروا مع الرفاق في المجلس الوطني للأكراد في سورية و إقناعهم بتسخير قدراتهم في هذا المجال، و أن يضعوا أيديهم في أيدينا لندخل سوية في مفاوضات جادة مع الدولة السورية. و قد وجد أعضاء المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي اقتراحنا معقولاً و مناسباً، و أعربوا عن تفهمهم لمواقفنا. إنّ المصلحة السياسية تستوجب أن نستجمع قدراتنا و إمكاناتنا تحت مظلة واحدة و نمركزها في هيئة مشتركة موحدة. إنّنا في الحزب الديمقراطي التقدمي مستعدون للعب دور الوسيط، و في نفس الوقت التفاوض مع زعماء حزب العمال الكردستاني (K.K.P)، و قد طلبنا منهم أن يبدأوا حواراً مع الرفاق و الأخوة في الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D ). و لكن للأسف، لم‌يطرأ أيّ تحول على أرض الواقع في هذا السياق و لم‌نصل إلى أيّ نتيجة. لكنّنا لم‌نتوقّف عن المحاولة. باعتقادنا أنّ تركيز السلطة بيد حزب واحد، لينهض بأعباء المسؤولية لوحده معتمداً على قدراته الذاتية فقط، و مصادرة أدوار باقي الأطراف، سوف ينعكس سلباً على الجميع و يسدّد ضربة قاسية للعمل الجماعي. إنّنا في الوقت الذي تربطنا علاقات بالاتحاد الديمقراطي (P.Y.D ) و المجلس الوطني و حزب العمال الكردستاني (K.K.P) و الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي، لدينا أيضاً علاقات واسعة مع جميع الفصائل السورية المعارضة و المكون العربي في مختلف المناطق و مع سائر الجماعات الإثنية و الدينية في سورية، بالإضافة إلى العلاقة التي تربطنا بالحكومة السورية، فقد أرسلنا عدّة وفود إلى دمشق للتباحث مع الحكومة و المسؤولين في النظام، و نعتقد بوجود إمكانية جيدة للحوار و التفاوض. 

 

فصلية طهران: هل قطعتم العلاقة نهائياً مع المجلس الوطني للأكراد في سورية و أحزاب هذا المجلس و الحزب الديمقراطي الكردستاني؟
*أحمد سليمان: في الحقيقة، لا يوجد أيّ عداء أو حقد بيننا و بين المجلس الوطني للأكراد في سورية، و إنّ خروجنا من مظلة المجلس الوطني لم‌يتسبّب بأيّ خلاف أو عداء أو قطيعة. ما حدث هو أنّنا وجدنا استمرار ذلك الوضع أمر غير مجدٍ. إنّنا في الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي نسعى إلى تحقيق هدفين مهمين، الهدف الأول، عدم السماح بتطوّر الخلافات بين المجلس الوطني للأكراد و الأخوة في الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D )  إلى حدّ حصول اشتباكات بين الطرفين، و قد كان لنا حضور دائم كوسيط و مراقب، و عدم السماح بتحوّل الخلاف إلى توتر و صراع. الهدف الثاني هو أن تسير السياسة الكردية في مسار متوازن بحيث لا نضع بيضنا في سلّة واحدة، و الإبقاء على شعرة معاوية مع الحكومة السورية و الأحزاب و الفصائل الشعبية السورية، بأن نحافظ على استمرار التواصل بيننا حتى لا تنقطع حبال الود بين الأكراد و الدولة السورية.
بعد خروج حزبنا من المجلس الوطني، ارتفع منسوب التوتّر، للأسف، بين المجلس و بين الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D )  و وصل إلى مراحل خطيرة و حادة. أحد أهم مآخذنا على المجلس الوطني هو أنّ علاقته بالمعارضة السورية و حضوره ضمن قوات ما يسمى الائتلاف السوري المعارض كان تحت قيادة تركية. فهذه الدولة هي التي كانت ترسم لهم مساراتهم، و كنّا و ما نزال ننتقد هذه المسألة. على المجلس الوطني أن يتوقّف عند هذه الحقيقة و هي أنّ ما قامت به تركية في عفرين يعبّر عن موقفها الحقيقي إزاء مشكلة الأكراد في سورية، لذا، فإذا تخلّينا عن استقلالية قرارنا إزاء تركية، فسيقع الدور غداً على كوباني و الجزيرة ليقعان تحت الاحتلال التركي. و حينئذ علينا أن نلتزم الصمت حيالهم، و هذا يتعارض مع مصالح الأكراد بشكل مطلق. 
إنّ لنا مآخذ على الطرفين، المجلس الوطني و الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D ) على حدّ سواء، بالنسبة للمجلس الوطني نعتقد أنّ عضويته في الائتلاف السوري المعارض و تبعيته لتركية، تنسف مطاليب الأكراد السوريين. كما نوجّه انتقادات حادة لعلاقات الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D )  إذ نعتقد أنّ على هذا الحزب أن يحدّد موقفه من مسألة العلاقات السياسية. فمن غير المعقول أن يجسّر يوماً مع الولايات المتحدة و روسيا، و في اليوم الثاني مع إيران و الآخرين. يجب أن تكون العلاقات هادفة و طويلة الأمد، و أن لا نتأثّر بالتوافقات العرضية بين بلدان المنطقة المحكومة بالمصالح الآنية قصيرة الأمد. علينا أن نعيد النظر في جميع هذه القضايا، و أن نتبنّى في عام 2019 م رؤية جديدة لمستقبلنا. ما لم‌نتوصّل إلى الوحدة و التوافق، و تكون كلمتنا واحدة و هدفنا مشتركاً، سوف نُقصى من لعب دور في التحولات السورية المقبلة، و نُحرم من أيّ حصّة أو موقع. إذا أردنا إزالة الأخطار و التهديدات يجب أن ندخل في مفاوضات جادة و هادفة مع الولايات المتحدة و روسية و تركية و سورية و الآخرين، و أن نعمل بهمة و عزم لنتبوّء موقعنا في هذا البلد كشريك حقيقي و مكوّن أساسي من مكونات سورية.  

 

فصلية طهران: تعلمون أنّ الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي قام بتدريب و تنظيم قوة عسكرية في أربيل و دهوك مؤلفة من الشباب الكردي السوري أطلق عليها «بيشمركة روژ» أي بيشمركة اليوم، و قد طلبت هذه القوة مراراً و تكراراً التوجة إلى شمال سورية، لكنّ الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D ) رفض السماح لها بالدخول إلى الأراضي السورية، اعتقاداً منه بضرورة وجود فصيل واحد عسكري في شمال سورية، ما موقف حزبكم من هذه المسألة ؟
*أحمد سليمان: لم‌يكن تشكيل قوة البيشمركة المعروفة باسم «روژ» بناءً على رغبة أو إرادة الأحزاب الكردية السورية. لقد تكوّنت هذه القوة من عدد لا بأس به من الشباب الأكراد السوريين الذين فرّوا من خدمة العلم في الجيش السوري إلى جانب عدد آخر من الشباب الأكراد السوريين الذين تلقوا تدريبات عسكرية في إقليم كردستان العراق. و في نفس الوقت، أسّس حزب الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D )جناحه العسكري تحت اسم وحدات حماية الشعب (Y.P.G )، و قد أخذت هذه القوات على عاتقها مسؤولية الحماية و الدفاع عن المناطق الكردية في شمال سورية. نحن أيضاً نعتقد لو أنّ هذه القوة (بيشمركة روژ) أرسلت إلى تلك المناطق لحصلت بالتأكيد اشتباكات مسلحة بين القوتين المسلحتين الكرديتين، و لشمل الضرر جميع الأكراد.
لقد تحدّثنا إلى زعماء حزب الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D ) حول هذا الموضوع، و نرى ضرورة تنظيم هاتين القوتين تحت راية قوة عسكرية موحدة، و أن يعتنى بها في مستقبل سورية كقوة مدافعة عن المنطقة. 
ما لم‌يحصل اتفاق سياسي فإنّ دخول (بيشمركة روژ) إلى المنطقة يمكن أن يجرّ إلى اقتتال بين الطرفين، لقد كان حزبنا يؤمن منذ البداية، بأنّ هذه القوة العسكرية لا يمكنها دخول تلك المنطقة إلّا بعد إبرام اتفاق سياسي.  

 

فصلية طهران: ما هو تقييمكم لموقف الحكومة التركية حيال أكراد سورية ؟ لماذا قامت باحتلال مدينة عفرين الكردية، و تواصل تهديداتها باحتلال بقية المناطق الكردية الواقعة في شرق نهر الفرات؟ لعلكم تذكرون في فترة ماضية كان صالح مسلّم و إلهام أحمد و آسية عبد الله و أنور مسلّم و آخرون غيرهم  يسافرون بحرية تامة إلى تركية و يلقون الخطب في مدينة ديار بكر في مراسيم الاحتفال بعيد النوروز، و كانوا يُستقبلون في أسطنبول بصورة رسمية من قبل المسؤولين في الحكومة التركية، أما الآن، فقد تغيّرت الظروف و صار هؤلاء الذين ذكرنا إرهابيين من وجهة نظر الحكومة التركية، ما الذي حصل، إلى أين ينتهي بنا هذا المسار؟
*أحمد سليمان: أعتقد أنّ كلا الطرفين يتحمّل قسطاً من المسؤولية في هذه القضية. الحكومة التركية و  حزب العمال الكردستاني  (P.K.K) على السواء. نعم كما تفضلتم، في عام 2013 م عندما كانت المفاوضات جارية على قدم و ساق بين الحزب الحاكم في تركية و حزب العمال  (P.K.K) ، كان زعماء الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D ) يسافرون بحرية إلى تركية، و لم‌تكن هناك أيّ مشكلة تعترضهم. و لقد أدّى ذلك التواصل إلى حل العديد من المشاكل العالقة. فاستتب الأمن و الاستقرار، و أثّر تدريجياً على النمو الاقتصادي كما وفّر فرصة جيدة لحل مشاكل الأكراد، و كانت علاقات السياسيين الأكراد السوريين و العراقيين جيدة مع رؤوس النظام في تركيا. و لكن بعد تجميد المفاوضات، عادت طبول الحرب لتقرع من جديد بين الطرفين. أعتقد أنّ المسؤولية في هذه القضية تقع على الطرفين الحكومة التركية و حزب العمال  (P.K.K). فالحكومة التركية عادت إلى نهجها السابق في تجاهل مشكلة الأكراد، و معاداة الحركات الكردية في البلدان المجاورة. على الطرفين بذل المساعي من جديد لإيجاد الحلول السياسية لهذه المشاكل. لو استطاعت تركية حل المشكلة الكردية عبر الحلول السياسية، لأتاح لها ذلك تعزيز دورها و موقعها في المنطقة. و لكن ما دامت هذه المشكلة قائمة، فإنّها ستخرج من مشكلة لتقع في أخرى أكبر. إنّ عدم الاكتراث لطموحات الأكراد و مطاليبهم المشروعة، و معاودة الصراع المسلح من جديد يخدش سمعة تركية على الصعيد العالمي، و في نفس الوقت يضرّ بمصالحها.
إنّنا نعتقد أنّ على الأحزاب الكردية السورية ألّا تتدخل في القضايا الجارية بين الحكومة التركية و أكراد تركية. فالمشاكل القائمة بين الأكراد و حكومة أنقرة تخصّهم وحدهم و لا شأن لنا بها، و المشاكل القائمة بين أكراد إيران و الحكومة في طهران تخصّهم وحدهم فقط، و لا شأن لها بها. إذا أرادت تركية أن تقدّم المساعدة لسورية، فعليها أن تسمح أيضاً بحل مشكلاتها عبر الطرق السياسية. لا ينبغي لتركية أن تعتبر مشاكل الأكراد في سورية جزءاً من مشاكل الأكراد في تركية. و كما ذكرت آنفاً، يجب أن نؤمن ضمن رؤيتنا السياسية بأنّ للأكراد في كل بلد مشاكلهم و مطاليبهم الخاصة بهم، و عليهم أن يتناقشوا مع حكومات بلدانهم حول سبل حلّها. و نفس الأمر ينطبق علينا نحن أكراد سورية، يجب أن لا نقوم بتدويل مشاكلنا و نبحث عن حلول لها خارج الحدود السورية.  

 

فصلية طهران: ما هو رأي حزبكم في التغيير السياسي في سورية؟  
*أحمد سليمان: أحد أهم المطاليب التي ننتظر تحقيقها في المستقبل في سورية، أن يتضمّن الدستور الجديد الاعتراف بشكل واضح و شفاف بوجود الأكراد في هذا البلد. هذه تشكّل قضية مهمة بالنسبة لنا. إذا تحقّق هذا المطلب، حينذاك يمكن أن نتفاءل بتحقّق المطاليب و الطموحات الأخرى. بالنسبة لحدوث تحولات جوهرية في النظام السياسي في سورية، نرى أنّه بالإضافة إلى الأكراد، يجب الاهتمام بمطاليب جميع المكونات الإثنية و الدينية في البلاد. من حيث المبدأ، نحن الأكراد لم‌نطالب بتغيير الأوضاع من أجلنا فقط، لكنّ الأخوة العرب مع الأسف لا يحملون مثل هذه الرؤية، بل إنّهم أعربوا عن معارضتهم لكثير من القضايا لمجرّد أن ذلك يحول دون تحقيق الأكراد لمكاسب من التحولات و التغيرات المزمعة. فباعتقادنا إنّ معارضة هؤلاء لمطلب النظام الفدرالي نابع من كونه يرتبط بالمطاليب الكردية. بمجرّد طرح هذه المطاليب على الطاولة، فإنّهم يعربون عن أفكار و توقعات متشائمة، تدفعهم إلى معارضة فكرة إنشاء النظام الفدرالي. 
في الحقيقة، إنّنا في النظام الفدرالي بمقدورنا أن نتناول القضايا و المتطلبات العامة على مستوى البلاد، و كذلك القضايا المحلية المناطقية. و لكن كما ذكرت، الكثير من هؤلاء يحمل في داخله هواجس و مخاوف من هذا الموضوع تمنعه من الموافقة عليه. برأينا، إذا لم‌يرضخ هؤلاء لفكرة النظام الفدرالي، حينذاك لا يبقى أمامنا إلا التفكير، على الأقل، في إيجاد صيغة لامركزية، وهي أن نتحوّل من الإدارة المركزية الصارمة المعمول بها حالياً في سورية إلى نظام الإدارة اللامركزية. طبعاً هذه الصيغة ستكون مفيدة للأكراد من وجهة النظر الفكرية و السياسية لحزبنا فقط في حال قمنا قبل هذه الخطوة بإدخال تعديلات على الدستور، و الاعتراف رسمياً بالمكوّن الكردي في سورية. فإذا لم‌يتطرّق الدستور السوري إلى وجود المكون الكردي، فلن تحلّ التعديلات الجزئية في النظام الإداري المشاكل القائمة، و عند ذاك لن تنعم كل سورية و ليست فقط المناطق الكردية في شمال البلاد بالأمن و الاستقرار. 
إنّنا نطالب الدولة السورية بالتخلّي عن أسلوب الحكم العنيف و القبضة الحديدية و المركزية الصارمة، و إنهاء السياسات القومية المتعصبة، و الاعتراف بحقيقة أنّ هذه السياسات الخاطئة و الآلية المعوجة لأسلوب الحكم هي التي أوقعت البلاد في هذه الأزمة. و بناءً عليه، يمكن من خلال رؤية جديدة معالجة المشاكل الموجودة، و إدارة البلاد بأسلوب ديمقراطي. إنّ مشكلة سورية لا تنحصر في المطاليب و الطموحات الكردية فحسب، بل بالتأكيد هناك مشاكل أخرى غيرها، لكنّ الأمر المهم هو أن نفتش عن حلول داخلية لمشاكلنا ، و أن تُحكم سورية وفقاً لمفاهيم الحرية و الديمقراطية و الحقوق المتساوية في المواطنة، و أن نقوم بمعالجة جميع المشاكل السياسية و الاقتصادية و القومية. 
مازلنا نعتقد بضرورة تغيير اسم البلاد، فعندما كان حزبنا الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي عضواً في الائتلاف السوري المعارض، استطعنا إقناع الأعضاء الآخرين بضرورة تغيير الاسم الرسمي لسورية من «الجمهورية العربية السورية» إلى «الجمهورية السورية»، ليعبّر الاسم الجديد عن التنوّع و التعددية الإثنية و الدينية الموجودة في البلاد، و أن لا تكون سورية بلداً عربياً فقط. في الماضي كان الاسم هو الدولة السورية، ثم أضيف إليها كلمة العربية بعد استلام البعثيين للسلطة، أرادوا بتغييرهم الاسم إظهار رؤيتهم القومية. لقد حان الوقت لنتجاوز هذه العقلية القومية الأحادية المتعصبة. فليس كل الشعب من القومية العربية، بل هناك الأكراد و الأرمن و السريان و التركمان و آخرون غيرهم، و لابدّ من الاعتراف بهويتهم و وجودهم.
فصلية طهران: شكراً لكم مرة أخرى لمشاركتكم في هذا الحوار.


قراءة: 802