فصلنامه مطالعات سیاست خارجی تهران
 

التعاطي و المواجهة في تجربة حزب العمال الكردستاني(K.K.P) و الحكومة التركية

زبير آيدار
أحد زعماء حزب العمال الكردستاني (K.K.P) في أوروبا

زبير آيدار، من مواليد عام 1961 م بمدينة سرت الكردية في جنوب شرق تركية. درس في كلية الحقوق بجامعة أسطنبول، ثم مارس مهنة المحاماة في مسقط رأسه. في ذلك الوقت وقع الانقلاب العسكري بقيادة كنعان أفرين فتم توقيف نشاط حزب الشعب الجمهوري، و قام اردال اينونو الفيزيائي و السياسي التركي بتأسيس الحزب الديمقراطي الاشتراكي الشعبي، و اردال إينونو هذا هو الابن البكر لعصمت إينونو (أحد مؤسسي الجمهورية التركية و من المقربين لكمال أتاتورك و أول رئيس للوزراء و ثاني رئيس للجمهورية) وقد جمع اردال إينونو أنصار و تلاميذ والده ليكونوا تحت مظلة حزبه الجديد. و كان زبير آيدار أحد المنضمين إلى الحزب المذكور في عام ۱۹۹۱ م. مع بلوغه الثلاثين من عمره دخل مجلس الشعب التركي بدعمٍ من حزبه و ممثلاً لمدينته و مسقط رأسه. لم‌تمض بضعة أشهر على دخوله المجلس حتى التحق بالحزب الديمقراطي الذي أسّسته ليلى زانا. 
نزوع آيدار بشكل متزايد و تدريجي نحو أفكار عبد الله أوجالان، و ازدياد نشاطاته في مؤسسات حقوق الإنسان ذات الصلة بحزب العمال الكرستاني (K.K.P) إلى جانب ارتفاع وتيرة العنف بعد فشل المحادثات بين الـ K.K.P و حكومة تورغوت اوزال، كل هذه العوامل ساهمت في خلق ظروف صعبة دفعت الكثير من النواب و الساسة الأكراد إلى ترك مجلس الشعب التركي، و قد اعتُقل عدد من هؤلاء و زُجّ بهم في غياهب السجون التركية. بينما كان زبير آيدار أحد الذين تمكّنوا من مغادرة تركية في عام 1994م حيث طلب حق اللجوء السياسي في سويسرا، ثم سافر إلى بلجيكا و فرنسا. في عام 1995م  قام مع عدد من الساسة الأكراد و استجابةً لطلب عبد الله أوجالان بتأسيس «برلمان كردستان في المهجر»، و انتمى لاحقاً لمؤسسة أخرى هي المجلس الوطني الكردي.
في عام 2003 م عُيّن زبير آيدار رئيساً لإحدى التشكيلات المهمة في حزب العمال الكردستاني (K.K.P) ألا و هي مجلس الشعب، و أثناء محادثات السلام في عام 2013م بين تركية و الحزب المذكور، كان آيدار يشكّل أحد المرجعيات الفكرية إذ كانت آراؤه و قراراته محط اهتمام الحكومة التركية و الـ K.K.Pو حزب الشعوب الديمقراطي. و بالتدريج تهيّأ المناخ السياسي و الحقوقي في تركية لعودة زبير آيدار إلى وطنه بمعية نواب آخرين مثل رمزي كارتال، ليمارسوا نشاطهم السياسي بحرية و بشكل قانوني داخل البلاد. بيد أنّ توقف محادثات السلام بين الحكومة التركية والـ (K.K.P) و اشتعال نيران الحرب الداخلية من جديد حال دون استمرار تلك الأوضاع، فعاد آيدار إلى أوروبا ليمارس نشاطاته السياسية من جديد. في الوقت الحاضر يعدّ زبير آيدار أهم مسؤول في الـ K.K.P في أوروبا. من هذا المنطلق، اغتنمت مجلة طهران لدراسات السياسة الخارجية هذه الفرصة لعقد حوار معه لاستطلاع آرائه حول التحولات التي تشهدها المنطقة، و فيما يلي نقدّم للقراء الأعزاء نصّ الحوار.


الكلمات الأساسية: تركية، عبدالله أوجلان،حزب العمال الكردستاني (K.K.P)، حزب الشعوب الديمقراطي (H.D.P)، حقوق الأكراد

 

 

فصلية طهران: السؤال الأول الذي أطرحه عليكم هو عن أوضاع الأكراد في القرن العشرين مقارنةً بأوضاعهم في القرن الحادي و العشرين، ما هي أهم التباينات المهمة؟


*زبير آيدار: لقد كان القرن العشرون مريراً و عصيباً على الأكراد. و من أهم وقائعه اندلاع الحرب العالمية الأولى، و سقوط الدولة العثمانية و تفككها. بعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها برزت خلال التوقيع على اتفاقية سيفر فرصة سانحة لتأسيس دولة كردية مستقلة، و لكن لم‌تسمح بذلك لا القوى العالمية و لا الإقليمية، بالإضافة إلى افتقاد الأكراد الجاهزية اللازمة لذلك. و تبعاً لذلك و على أثر تفكك الدولة العثمانية تقطعت أوصال أرض كردستان ليعيش الأكراد في ظروف جدّ قاسية. قبل إبرام معاهدتي سايكس بيكو و لوزان اندلعت عدّة حركات تمرّد و عصيان في المناطق الكردية الواقعة تحت السلطة العثمانية سرعان ما أخمدت جميعها، و لم‌تسفر عن أيّ نتيجة محددة. و أثار التوقيع على المعاهدتين الآنفتين موجة من الصحوة القومية الاستقلالية في أوساط الأكراد، و هكذا تفجرت عدّة حركات تمرّد كردية أخرى حتى عام 1938 م  كان من أهمها تلك التي قادها إحسان نوري باشا و الشيخ محمود البرزنجي في السليمانية، و الشيخ سعيد بيران في دياربكر، و السيد رضا في درسيم و سمكو في إيران. و تمّ إسكاتها جميعها، و أدّى ذلك، بطبيعة الحال، إلى خلق شعور بالهزيمة و الإحباط في نفوس الأكراد، و لكنّهم مع ذلك لم‌يكفّوا عن نضالهم، و استمرّوا على هذا النهج، و ما تزال انتفاضاتهم متواصلة حتى يومنا. لم‌يكن الأكراد ليركنوا إلى السكون لفترة طويلة، فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية أيضاً شهدت المنطقة حركة أخرى و هذه المرة في محافظة مهاباد الإيرانية بقيادة القاضي محمد، و تبعته في العراق حركة الملا مصطفى البارزاني و جاء من بعدهما حزب العمال الكردستاني (P.K.K.) في تركية ليواصل درب النضال.


  
فصلية طهران: شهدت هذه المنطقة العديد من الانتفاضات و حركات التمرّد السياسي الكردية على مرّ التاريخ، لكنّها في العادة لم‌تصل إلى النتائج المرجوة التي كان الأكراد يطمحون إليها. و قد قيل في بعض الأحيان بأنّهم أصيبوا بلعنة القضاء و القدر، و ابتلوا بواقع الظروف الجغرافية. إلى أيّ مدى توافقون على هذا الطرح؟ 


*زبير آيدار: لا شكّ في أنّ الموقع الجغرافي يترك تأثيره على مسار النضال السياسي، لكنّه ليس عاملاً حاسماً و حيوياً. لا أظنّه تحليلاً صحيحاً من أنّ الأكراد هم ضحية الظروف الجغرافية لأرض كردستان و أنّهم ابتلوا بلعنة القضاء و القدر. نعم لقد لازم الأكراد في مراحل تاريخية مختلفة سوء الطالع  الشديد، و لكن هذه الرقعة الجغرافية كانت تحتضن دائماً شعباً نابضاً بالحياة قوياً و على أهبة الاستعداد، و لم‌يكن أبداً في موقع الضعف و عدم التأثير، و قد استطاع في كثير من المراحل المشاركة في إدارة مناطقه المحلية. على سبيل المثال، في فترة الإمبراطوريتين العثمانية و الصفوية في إيران لعب الأكراد دائماً دوراً على قدر من الأهمية. لذا، أجد لزاماً عليّ أن أؤكّد مرة ثانية بأنّ التحليل التقليدي القائل بأنّ «الأكراد لطالما كانوا ضحية الجغرافيا و القضاء و القدر» غير مقبول و لا يتوفّر على المنطق. في بعض الفترات التاريخية و السياسية أصيب الأكراد في مقتل بسبب عدم اتحادهم و انسجامهم، و في فترات أخرى لم‌تسنح لهم قيادات حكيمة و مقتدرة بعيدة النظر لتقود حركة نضالهم في المسار الصحيح. هذه بعضاً من الأسباب، و لا شكّ في وجود أسباب و عوامل أخرى كان لها دور أيضاً في تبلور هذا الوضع. على أيّ حال، إنّ الظروف السابقة و الراهنة تجسّد حقيقة أنّ الأكراد مستعدّون لدفع ضريبة الوصول إلى الحرية و تحقيق طموحاتهم، و يقيناً أنّهم ذات يوم سوف يحقّقون جميع أهدافهم.

 

فصلية طهران: بدأ حزب العمال الكردستاني (P.K.K.) نضاله السياسي و المسلح منذ 41 سنة و ما يزال مستمراً. لماذا لم‌تتحقّق مطاليبه حتى الآن على الرغم من مرور أربعة عقود على نضاله؟


*زبير آيدار: تشكّل حزب العمال (P.K.K.) في عام 1975 م كفصيل صغير، ثم تحوّل في عام 1978 م إلى حزب، في عام 1984م بدأ نضاله المسلح، و بعد 35 سنة من النضال المسلح استطاع الحزب أن يشكّل تنظيماً واسعاً و متشعباً جداً. تسألون لماذا لم‌تتحقّق مطاليبه حتى الآن؟ في الإجابة عن هذا السؤال لا بدّ من القول: نعم ما تزال تفصلنا مسافة عن الأهداف التي نسعى إلى تحقيقها بشكل كامل، و لكن لا شكّ في حدوث تحوّلات كبرى، لا سيّما في الظروف التي تلت إخفاق الملا مصطفى البارزاني في كفاحه، حيث لم‌يكن أحد يصدق بعودة الأكراد إلى ساحة النضال مرة أخرى و أن تقوم لهم قائمة بعد ذلك. بيد أنّ حزب العمال (P.K.K.) دخل حلبة الصراع بقوة و ثقة، و تمكن من مقارعة القوة العسكرية الثانية في حلف الناتو أعني الجيش التركي. ربّما يكون هذا الجيش قد سحق انتفاضة الأكراد و أسكت أصواتهم، لكنّ حزب العمال (P.K.K.) أوصل صوتهم إلى أنحاء العالم، و بعث الهوية الكردية من جديد. ما انفك هذا الكفاح متواصلاً، فمسيرة كفاح الشعوب من أجل التحرّر طويلة، و ليس من المنطق في شيء أن نسأل لماذا طالت فترة الكفاح إلى هذا الحد و لم‌يحن قطافها. لسنا بصدد قضية رياضية أو هندسية حتى نستطيع التنبؤ مسبقاً بجميع زواياها و أبعادها. لقد كان نضال حزب العمال (P.K.K.) بمستوى حركة إقليمية، و لا شك في أنّ النصر قادم لا محالة. قد يطول أمد هذا النضال، لكنّنا على قناعة تامة بحتمية النصر النهائي.

 

فصلية طهران:  في بداية عام 2013 م بدأت أطول مفاوضات للسلام بين تركية و حزب العمال الكردستاني (P.K.K.)، و خلال فترة أعياد النوروز من ذلك العام تليت رسالة عبد الله أوجالان التي حثّ فيها على إنهاء الكفاح المسلح و البدء بعملية سياسية جديدة. غير أنّ هذه المسيرة توقفت بعد سنتين من شروعها، و عاد الطرفان تركية و حزب العمال (P.K.K.) إلى خيار الحرب مرة أخرى. ما هي الأسباب وراء فشل المفاوضات؟

*زبير آيدار: بدأت مسيرة مفاوضات السلام و محاولات إيجاد الحلول السياسية لمشاكل الأكراد في عام 2013 م بعقد حوارات و زيارات لسجن ايمرهالي، حيث قام المسؤولون الحكوميون بزيارة الزعيم آپو في سجنه. ثم وقع حدث مهم في أعياد النوروز من نفس السنة، حيث بعث الزعيم آپو رسالة مفتوحة بمناسبة الأعياد تليت في مدينة دياربكر باللغتين الكردية و التركية أمام حشد من مناصريه قدّر عدده بأكثر من مليون شخص، و قد بثّت جميع المحطات الفضائية التركية هذه الوقائع على الهواء مباشرة. كان حدثاً على قدر عظيم من الأهمية. بيد أنّ رسالة الزعيم آپو لم‌تكن تتضمن وقف النضال المسلح، و إنّما كانت تشير إلى أنّ مساراً للحوار و إيجاد الحلول قد استُهلّ، فإذا حقّق هذا الحوار نتائج عملية ملموسة، فالنضال المسلح سوف يتوقّف على ضوء تلك النتائج. في تلك المرحلة و بعد لقاءات و حوارات مكثفة جرت في سجن ايمرهالي بين الزعيم آپو و المسؤولين في الحكومة التركية، وضعت خارطة طريق. أذكر أنّه بعث لنا في خضم تلك المفاوضات رسالة توصّلنا من خلالها إلى هذا التصوّر و هو، إذا سار كل شيء طبقاً لخارطة الطريق المذكورة حتى عام 2013 م، فإنّه سيتم التوصّل إلى توافقات جيدة تترتّب عليها نتائج إيجابية، و كانت الاحتمالات تشير إلى أنّنا يمكن أن نشهد نهاية شاملة للمشكلة الكردية في تركية في عام 2014 م. غير أنّ الحكومة التركية تنصّلت من كل الالتزامات التي تعهدت بتنفيذها، و نكثت وعودها، و راحت تفتّش عن ذرائع و حجج لكسب الوقت. في نفس العام، أي 2014 م قرّر مجلس الأمن القومي الأعلى التركي تجميد المفاوضات، و وقف اللقاءات و المحادثات مع الزعيم آپو، و منعت الآخرين من لقائه، و جاءت هذه القرارات بعد أن كان مقرّراً قبل ذلك السماح له بالتواصل مع الجمهور عبر شاشة التلفزيون من خلال ترتيب مقابلة تلفزيونية معه، و لكن توقّف كل هذا، و توقّف المسار السياسي كما رأيتم. في الحقيقة إنّ مفاوضات السلام بين حزب العمال (P.K.K.) و تركية بدأت في أواخر عام 2012 أو 2013 م، من خلال اللقاءات التي جرت بين الزعيم آپو و مسؤولي الحكومة، و توقّفت في أبريل̸ نيسان 2015 م كذلك بعد وقف تلك اللقاءات و منع الزيارات عن الزعيم، و بذلك اختتم مسار العملية السياسية. و على أثر توقّف المفاوضات شنّت الحكومة التركية حملة عسكرية على نطاق واسع كما رأيتم. لا يستطيع أحد هنا أن يلقي اللوم على الأكراد و اتهامهم بأنّهم وراء عرقلة المفاوضات و فشلها، أبداً، الحكومة التركية هي التي أشعلت الحرب، فكل شيء واضح لذي عينين. لم‌تكن الحكومة التركية راضية عن مسار الأوضاع، و لم‌ترغب في استمرار المفاوضات و الحوارات، لماذا؟ لأنّه لم‌تكن لديها آلية بنيوية لحل المشكلة. كانت تعتقد أنّ بإمكانها نزع سلاح الأكراد دون حلّ المشكلة بشكل رئيسي. و بالطبع، لم‌يكن الأكراد مستعدين لإلقاء السلاح قبل إيجاد حلول لمشاكلهم. و منذ ذلك الحين و حتى اليوم أي طيلة أربع سنوات مُنعت جميع الزيارات عن الزعيم آپو، و لم‌يسمح لنواب المجلس و الآخرين بشكل عام بلقائه، عدا زيارتين لأخيه، حيث ذهبوا به إلى زنزانته ليتأكد إن كان حيّاً أو ميتاً؟ في الحقيقة إنّ الحكومة التركية هي التي جمّدت مسار الحوارات و اللقاءات، و ليس لأحد أن يلقي باللوم على الحركة الكردية. 
 
فصلية طهران: بحسب قول الحكومة التركية إنّ حزب العمال (P.K.K.) هو من ترك طاولة مفاوضات السلام و هي في ذروتها و عاد إلى استخدام لغة السلاح. قبل العودة إلى الحرب، دأب الحزب في عدّة مدن كردية على تنظيم دورات تدريبية لليافعين و الناشئة الأكراد لتعليمهم فنون القتال و تسليحهم، و شكّلت منهم قوة جديدة باسم «وحدات الدفاع المدني» (YPS) و أعلنت أنّها سوف تجرّب في عدّة مدن كردية صغيرة من بينها شمزينان نموذجاً اختبارياً لأسلوب الإدارة الذاتية الديمقراطية، و تحت سيطرة حزب العمال (P.K.K.). في وقتها اعترض صلاح الدين دميرتاش على هذا المقترح، و أعلن أنّه لا يمكن تأسيس إدارة ذاتية بقوة السلاح، كما أعلنت وسائل الإعلام التركية أنّ فصيلاً مسلحاً داخل حزب العمال (P.K.K.) لم‌يتخلّ عن نشاطه المسلح. و على الرغم من معارضة دميرتاش، لم‌يتراجع حزب العمال عن مقترحه في الإدارة الذاتية، و قام الناشئة الأكراد بالتعاون مع عناصر من الفصيل المسلح للـ (P.K.K.) بحفر الخنادق و وضع المتاريس في الشوارع و الأزقة، لتمتد المعارك إلى داخل المدن. ماذا كان يهدف الـ (P.K.K.) من طرح موضوع الإدارة الذاتية على هذا النحو و كيف تفسّرون تشكيل تلك القوة المسلحة الجديدة؟

*زبير آيدار: تشكيل تلك القوة جاء، في الحقيقة، من أجل التصدّي لحملات الحكومة، و هي تشكّلت بعدها، أي بعد تلك الحملات. و قد أعلن الأكراد أنّهم يريدون حماية أنفسهم و مدنهم عبر مشروع الإدارة الذاتية وفقاً لمفاوضات السلام. لكنّ الحكومة بدأت حملتها، و الأكراد انطلاقاً من دفاعهم عن السلام كانوا يسعون إلى إدارة مدنهم، فردّت عليهم الحكومة بلغة الدبابات و المدافع و الطائرات. و كان هدف الشباب من تشكيل وحدات الدفاع المدني هو الدفاع عن المواطنين. لذا ليس لأحد أن يوجّه اللوم للأكراد على اندلاع الحرب. نعم ربما وقعت بعض الأخطاء خلال الحرب، لكنّ الذي أشعل فتيلها ليس حزب العمال (P.K.K.) و إنّما الحكومة التركية. كما لم‌يكن الحزب موزّع الولاءات لتتعارض أهدافه باختلاف فصائله، فقد كان الحزب موحداً و على قلب رجل واحد يتبع أوامر قائده و يسعى إلى السلام، بينما لم‌تكن الدولة تسع إليه، و رأيتم كيف أنّها عاودت شنّ الحرب بكل ضراوة بمجرّد انتهاء الدورة الأولى من الانتخابات عام 2015 م. و ليس صحيحاً أبداً أنّ حزب العمال (P.K.K.) متعدّد الأجنحة و الولاءات. 

 

فصلية طهران: على ذكر انتخابات عام 2015 م، فقد حصل حزب الشعوب الديمقراطي  (H.D.P)فيها على 80 مقعداً في البرلمان من مجموع 550 مقعد. و لكن ليلة إعلان نتائج الانتخابات ألقى زعيم الحزب المذكور آنذاك مصطفى دميرتاش خطاباً عالي النبرة ضدّ اردوغان أعلن فيه أنّه لن يسمح له بالوصول إلى الرئاسة إذا تحوّل النظام إلى رئاسي. ألم‌يكن من الحكمة بالنسبة للحزب أن يسعى إلى تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب العدالة و التنمية بدلاً من اتّخاذ تلك المواقف المتصلبة؟

 

*زبير آيدار: لقد حقّق حزب الشعوب الديمقراطي(H.D.P)نصراً مهماً في عام 2014 م، و لم‌يتمكن حزب العدالة و التنمية من تشكيل الحكومة بمفرده. خطاب السيد دميرتاش الموجّه إلى أردوغان و الذي أعلن فيه أنّه لن يسمح لأردوغان بتسنّم سدّة الرئاسة لا يعود إلى ليلة  الانتخابات، بل إلى ما قبلها بثلاثة أشهر، و قال تلك العبارة ضمن الحملة الانتخابية و الدعائية لحزب الشعوب الديمقراطي(H.D.P). لقد جوبه موقف دميرتاش بعدم استعداده للتحالف مع حزب العدالة و التنمية و حزب الشعب الجمهوري لتشكيل حكومة ائتلافية جوبه بحملة انتقادات شديدة، و لكن لا بدّ من ذكر حقيقة مهمة و هي أنّ أحمد داود أوغلو الذي كان رئيساً للوزراء بعد هزيمته في انتخابات 2013 م و بسبب عدم قدرته على تشكيل الوزارة بمفرده، بادر إلى إجراء محادثات مع جميع الأحزاب لإقناعها بتشكيل الحكومة، لكنّه امتنع عن التفاوض مع زعماء حزب الشعوب الديمقراطي (H.D.P). و لوكان تفاوض معهم لربما أسفرت المفاوضات عن اتفاق بين الطرفين. لكنّه استثنى الحزب من جميع العلاقات السياسية التركية. و ما يزال حتى الآن يتصرّف على هذا النحو، فأنتم ترون أنّ أردوغان بوصفه رئيساً للجمهورية يوجّه في جميع برامجه و المراسيم و التشريفات الحكومية و الوطنية دعوات إلى زعماء جميع الأحزاب و يستثني زعماء حزب الشعوب الديمقراطي  (H.D.P). إذن، لا يمكن بالتالي توجيه انتقادات إلى الحزب المذكور فيما يخصّ موضوع عدم تشكيل حكومة ائتلافية مع آكپارتي (أي حزب العدالة و التنمية). لاننكر أنّ حزب الشعوب الديمقراطي ارتكب أخطاء و إشكالات، غير أنّ حزب العدالة و التنمية هو من يستحق اللؤم و الانتقاد بسبب تجميده المفاوضات و قراره بشنّ الحرب، و إجراء انتخابات المرحلة الثانية و إخراج حزب الشعوب الديمقراطي من اللعبة، بما يبرهن على أنّه لا يملك مشروعاً للسير في طريق الديمقراطية. لا أدري، ربما لو كان حزب العدالة و التنمية تفاوض مع حزب الشعوب الديمقراطي و اقترح عليه المشاركة في الحكومة الائتلافية، لتوصّلا إلى اتفاق في هذا الشأن. لكنّ الحكومة لم‌تقدم على هذا الأمر، لذا ليس من الإنصاف أن نلقي باللائمة على حزب الشعوب الديمقراطي (H.D.P) في هذه المسألة. 


فصلية طهران: يعتقد بعض المحلّلين أنّ حزب العمال (P.K.K.) خلال مفاوضات السلام مع الحكومة التركية مارس ضغوطاً و قيوداً كبيرة على حزب الشعوب الديمقراطي (H.D.P) و لم‌يسمح للأخير أن يتابع طموحات الأكراد و مطاليبهم في إطار سياسي و حقوقي، و ما عودته إلى مرحلة النشاط المسلح إلّا ليبقي زعماء حزب العمال سيطرتهم على هذه القضية برمتها. ما مدى صحّة هذا التحليل من وجهة نظركم؟

 

*زبير آيدار: كلا، لا يمتّ إلى الحقيقة بصلة و ليس له أساس من الصحة. قبل كل شيء، إنّ حزب الشعوب الديمقراطي (H.D.P) عبارة عن حزب سياسي ذي إرادة و قدرة على اتخاذ القرار و يتوفّر على نظام داخلي و أهداف خاصة به. ما يشاع من أنّ حزب العمال (P.K.K.) حاول عبر سياسته و تدابيره تحجيم حزب الشعوب الديمقراطي و استعادة السيطرة على جميع أبعاد القضية، عبارة عن دعاية حكومية و لا تستند إلى أيّ أساس حقيقي. فالحكومة التركية هي التي مارست أقسى الضغوط على حزب الشعوب الديمقراطي (H.D.P)، و زجّت بزعماء الحزب و نوابه في غياهب السجن، و هي التي لم‌تكن راغبة في أن يمارس الأكراد نشاطهم السياسي في إطار حزب سياسي قوي و رسمي. و عليه، فالضغوط التي مورست على حزب الشعوب الديمقراطي كانت من قبل الدولة و ليس من حزب العمال (P.K.K.).
كان للحكومة برنامج محدد لإضعاف هذا الحزب، فقد قامت ببساطة و دون أيّ مسوّغ قانوني بتجريد ممثليه في البرلمان من حصانتهم البرلمانية، و ألقت بهم في السجن. كان هذا جزء من عملية واسعة شنّتها الحكومة التركية على الأكراد. فالمعاناة الحالية لحزب الشعوب الديمقراطي (H.D.P) هي نتيجة التدابير الحكومية غير القانونية، و أيّ عزو لهذه المسألة إلى حزب العمال (P.K.K.) أمر غير مقبول أبداً.

 

فصلية طهران: في الوقت الراهن نشهد قيام تحالف سياسي مهم في تركية أطرافه حزب العدالة و التنمية بزعامة رجب طيب أردوغان و حزب الحركة القومية بزعامة "دولت بهتشلي"، و تشير الدلائل إلى أنّ هذا التحالف لم‌يكن مجرّد مناورة انتخابية. فـ"دولت بهتشلي" كان في السابق يعارض سياسات أردوغان إزاء الأكراد، و كان يعتقد بأنّه يسعى إلى تسليم تركية للجماعات الإرهابية و الانفصالية. و هذا الحزب يعتقد أنّ تدريس اللغة الكردية في تركية و مفاوضات السلام خيانة. لقد حصل تقارب بين هذين الزعيمين على الرغم ممّا كان بينهما من اختلاف في وجهات النظر. لقد تركت هذه القضية تأثيراً على سياسة الحكومة التركية فيما يتعلّق بالأكراد، فلم‌تعد حكومة أردوغان تتحدث في الوقت الحاضر لا عن مشكلة الأكراد و لا عن التفاوض مع حزب العمال (P.K.K.). في أجواء كهذه، هل ما زلتم تعلّقون آمالاً على إمكان استمرار النشاط السياسي و محاولة العودة إلى مرحلة المفاوضات ؟

 

*زبير آيدار: في ظلّ الظروف الراهنة، نشهد قيام تحالف بين آكپارتي (حزب العدالة و التنمية) و حزب الحركة القومية و ارگن‌اكن (التيار العسكري - الأمني الساعي للحرب). و هذا المثلث يعمل، في الحقيقة، من وحي نفس الأسس السياسية و الفكرية التي برزت بعد عام 1925 م. أي بالاستناد إلى نفس أفكار ما بعد معاهدة سايكس بيكو و التي ترى إمّا العمل على محو الأكراد أو استيعابهم ثقافياً في ثقافة المجتمع التركي. إنّهم يسعون إلى إبادة المكون الكردي، و لأجل ذلك نحن نتصدّى لهم. نحن نواصل الكفاح لأنّنا على يقين من تحقيق النصر في هذه المسيرة، لا خيار أمامنا إلّا أن ننتصر. نعم، الظروف التي نمرّ بها حالياً صعبة و عصيبة، و لم‌يعد هناك شيء اسمه مفاوضات أو حوار بيننا، و لكن محو الأكراد لن يكون بهذه السهولة التي تتصورها الحكومة التركية. هناك عشرون مليون كردي يعيشون في تركية، و هذا الشعب توّاق إلى الحرية. أنتم ترون حجم الأموال التي ترصدها تركية لشراء أحدث المعدات العسكرية و التسليحية، و كان  هذا هو السبب في سقوط الاقتصاد التركي. تواجه تركية مشاكل كبرى بسبب سياستها القمعية إزاء الأكراد، ممّا اضطرّها إلى التقارب مع روسية. من ناحية أخرى، فإنّها تعيش وضعاً حرجاً فيما يخصّ علاقتها بالولايات المتحدة، كلّ هذا بسبب قمعها للأكراد. لا ننكر أنّ الأكراد قدّموا تضحيات، لكنّ الطرف الآخر أيضاً تكبّد خسائر. قد لا نستطيع الآن التنبؤ ببدء شوط جديد من المفاوضات و لكن إذا ما حصل ذلك فلن يثير الاستغراب، و ذلك لكثرة المشاكل التي تعانيها الحكومة و التحالف المكوّن من حزب العدالة و التنمية و حزب الحركة القومية و العسكر، و على ما يبدو أصبح تحالفاً هشاً.

 

فصلية طهران: للولايات المتحدة روابط في شمال سورية مع التشكيلات السياسية و العسكرية التابعة لحزب العمال (P.K.K.) مثل حزب الاتحاد الديمقراطي ( P.Y.D )، لكنّها في نفس الوقت تعتبر حزب العمال (P.K.K.) منظمة إرهابية، و تضع ثلاثة من أعضاء مجلس القيادة في الحزب و هم (جميل بايك، دوران كالكان و  مراد كارايلان) على لائحة الإرهاب و ترصد جوائز مالية كبيرة لاعتقالهم. كيف تنظرون إلى مقاربة الولايات المتحدة لحزب العمال (P.K.K.) بشكل عام؟

 

*زبير آيدار: الولايات المتحدة هي قوة عظمى و ظاهرة إمبريالية، و هي تقيم العلاقات في جميع أنحاء العالم لأجل تأمين مصالحها، ممّا يتطلب منها اتخاذ بعض القرارات لتحقيق هذه الغاية، و القيام ببعض التدخلات و التدابير. و يندرج مجيئها إلى المنطقة في هذا السياق، و لتحقيق مصالحها. فلا يظنّن أحد بأنّ الولايات المتحدة تدخلت في شمال سورية و العراق من أجل تأمين مصالح تركية. فتبنّيها لبعض المواقف المعادية للأكراد مثل وضعهم على لائحة الإرهاب أو اتهامهم بممارسة تجارة المخدرات يصب في خانة الحفاظ على مصالحها مع تركية، بما في ذلك، كما تفضلتم، إدراج أسماء ثلاثة من رفاقنا على لائحة المطلوبين و رصد جوائز مالية لاعتقالهم. هذه من نتائج العلاقة القذرة التي تربط واشنطن بأنقرة. لقد رأيتم كيف حارب الأكراد كقوة فاعلة في شمال سورية تنظيم داعش و أبدوا صموداً و بسالة، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة إلى التواصل مع الأكراد من أجل الحفاظ على مصالحها و الاستعانة بهم في قتال داعش.  إذن كان الدافع وراء كل ذلك هو تأمين المصالح الأمريكية. 
لقد عاش الأكراد في مدينة كوباني أوضاعاً شديدة الصعوبة، و طلبوا المساعدة من العالم أجمع، و اليوم أيضاً يطلبون المساعدة في شرق الفرات في ظل الأوضاع القائمة بسبب التهديدات التركية المتصاعدة، و لا يرفضون المساعدة من أيّ جهة أتت، و لكن يجب أن نلتفت إلى حقيقة واقعة و هي أنّ علاقات الولايات المتحدة بالأكراد في شمال سورية لاتأتي من حرصها و اهتمامها الخاص بهم و لكن لأنّها وجدت فيهم العون المطلوب لمحاربة داعش في هذه المنطقة، و حتى لو فعلت شيئاً، فقد كان ذلك في إطار الحفاظ على مصالحها. و اليوم ترون وجود بلبلة حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستنسحب من المنطقة أم لا، و انعكست هذه البلبلة و الاختلاف في وجهات النظر على الداخل الأمريكي أيضاً.

 

فصلية طهران: لدى تركية مخاوف متزايدة من تعاظم قوة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ( P.Y.D ) في شمال سورية، و وصلت هذه المخاوف إلى حدّ العداء و المعارضة القاطعة في السنتين الأخيرتين، و قد تباينت وجهات النظر بين الولايات المتحدة و تركية حول هذه القضية بالذات. من القضايا التي ما فتأت أنقرة تطرحها على الدوام هي أنّه لا يوجد في شمال سورية شيء اسمه ( P.Y.D ) و جناحه العسكري أي (Y.P.G) ، فكل هذه الفصائل تشكّل فروعاً لحزب العمال الكردستاني (P.K.K.). مع العلم لم‌يكن لتركية في السابق موقف متشدّد إزاء ( P.Y.D ) فقد سافر زعيمه عدّة مرات إلى تركية بدعوات رسمية، لكنّه اليوم مدرج على لائحة الإرهابيين و مطارد من قبل السلطات التركية. ما سبب هذه الاستدارة التركية برأيكم؟

 

*زبير آيدار: من المعلوم أنّ الأزمة في سورية اندلعت في عام 2011 م، من خلال الاحتجاجات و المسيرات الداخلية، و التي تطوّرت بعد ذلك إلى حرب داخلية. و الأكراد باعتبارهم أحد المكونات المهمة في الشعب السورية كانت لهم مطاليب عديدة، و من أجل تحقيقها بدأوا ينظّمون أنفسهم حتى وصلوا إلى ما هم عليه اليوم. 
من وجهة نظرنا، لا بدّ من دراسة هذه الوثبة بوصفها ثورة الشعب في تلك المناطق و كموضوع خطير جدير بالاهتمام. و الخدمات التي قدّمها زعماء هذه الحركة للشعب هي تنظيمه و القيام بنشاطات مؤثرة و تجسير العلاقة المباشرة مع الشعب، و تفعيل دور المرأة و الشباب و الصمود بوجه تنظيم داعش الإرهابي ... إلخ. 
منذ بداية الأزمة و بالتحديد منذ أن شرع الأكراد بتنظيم صفوفهم و إدارة مناطقهم، بدأت تركية تعرب عن استيائها لهذا المشهد الكردي غير المريح بالنسبة لها، و أبدت ردود أفعال إزاءه. و أول ردّ فعل تركي كان في عام 2012 م عندما قامت بزرع قوات تابعة لها في أجزاء مهمة من شمال سورية و تسليحها. ثم أرسلت قوات متطرّفة مسلحة لقتال الأكراد. في ذلك الوقت، كانت هناك اختلافات بين مجموعتين من الأحزاب السياسية الكردية في شمال سورية، و قد اجتمعت في مدينة أربيل بإقليم كردستان العراق لإجراء مفاوضات من أجل إيجاد حلول لتلك الخلافات، لكنّ أحمد داود أوغلو وزير الخارجية التركي السابق سافر إلى أربيل و بذل ما في وسعه لعرقلة تلك المفاوضات و الحؤول دون وصول المجموعات الكردية إلى اتفاق. و بالمناسبة كان لتركية دور في هجمات الدواعش الإرهابيين على أكراد سورية حيث كانت تقدّم لهم الدعم و المساندة.
كما أشرتم أنتم أيضاً، في الوقت الذي كانت مفاوضات السلام ما تزال مستمرة، كانت الحكومة التركية تتفاوض مع صالح مسلم في تركية من أجل ممارسة الضغوط على الزعيم آپو (عبد الله أوجالان)، و لكن دون أن تسفر تلك المفاوضات عن نتيجة ملموسة.
و في حملة الدواعش على كوباني زوّدت تركية هذا التنظيم بكل ما يحتاج من تجهيزات لوجستية و تسليحية. لقد جعلت تركية من مسألة الربط بين حزب الاتحاد الديمقراطي ( P.Y.D ) و حزب العمال (P.K.K.) ذريعة للضغط على أكراد سورية و التغلغل في تلك المنطقة. و استخدمت مع حزب الاتحاد الديمقراطي ( P.Y.D ) نفس التكتيك الذي استخدمته في الداخل مع حزب الشعوب الديمقراطي (H.D.P) و قامت بسجن زعماء الحزب بحجّة الارتباط بحزب العمال (P.K.K.). فالحكومة التركية تسعى من وراء طرح هذه الذرائع إلى ممارسة الضغوط على الأكراد. إنّ حزب الاتحاد الديمقراطي هو حزب مستقل في شمال سورية. ربما يستلهم الحزب رؤيته و أفكاره السياسية من أفكار الزعيم آپو، لكنّه مستقل في اتخاذ القرارات، و لا يصادر حزب العمال (P.K.K.) قراراته. كل هذه ذرائع و حجج، إذ ليس في جعبة تركية سوى اتخاذ التدابير المعادية للأكراد. في السنة الماضية هاجمت مدينة عفرين و احتلتها، و اليوم هي بصدد الهجوم على شرق الفرات. إذن فقضية العلاقة التنظيمية بين حزب العمال (P.K.K.) و حزب الاتحاد الديمقراطي ( P.Y.D) عبارة عن ذريعة ليس إلّا. 

فصلية طهران: كيف تقيّمون دور شبكة فتح الله غولن و تلاميذه في التوازنات التركية و الانقلاب العسكري الفاشل الذي جرى مؤخراً؟


*زبير آيدار: يجب النظر إلى قضية فتح الله غولن بوصفها منظومة معقدة و ليس جماعة دينية. أتعلمون أنّه في تركية كان يطلق على هذه الجماعة سابقاً المصطلح الإسلامي (جماعة)، و كان يُعتقد أنّه، أي فتح الله غولن، رجل دين أو داعية ديني. و تبيّن فيما بعد خطأ هذا التصوّر. إنّ تشكيلات غولن عبارة عن شبكة واسعة و عميقة و عجيبة، و أهم هدف تسعى إليه هو التغلغل في مفاصل الدولة للسيطرة على قوة الدولة و سلطتها. في الماضي، كانت جماعة غولن شريكة لحزب العدالة و التنمية و حليفته، حتى برزت مسألة تقاسم السلطة فكسرت هذا التحالف و دبّ الخلاف بينهما، و على أثر ذلك ارتفع منسوب التوتر و الصراع بينهما. أكاد أجزم أنّ فتح الله غولن و تلاميذه كان لهم دور في الانقلاب العسكري الفاشل، و لكن طبعاً لم‌يكن كل الانقلابيين من جماعة غولن، بل كانت توجد بينهم أيضاً أقلية معارضة ناقمة على الحكومة. كان لرجب طيب أردوغان و حزب العدالة عناصر متغلغلة في صفوف الانقلابيين، و هي التي أطلعت الحكومة و الأجهزة الاستخبارية و الأمنية على نوايا الانقلابيين و استعداداتهم للإطاحة بحكومة أردوغان. ما قام به أردوغان و أنصاره أنّهم عجّلوا بوقوع الانقلاب، فدفعوا أتباع غولن إلى تقديم ساعة الصفر لكي تستطيع الحكومة السيطرة على الأوضاع بطمأنينة و ثقة. 
بصورة عامة، لا بدّ أن أؤكّد على مسألة و هي يجب أن لا ننظر إلى غولن و أتباعه كجماعة أو حركة خادمة. لقد كانت منظومة قوية ذات نفوذ واسع، و هي التي اتّخذت ضدّنا العديد من التدابير و المواقف العدائية، من بينها، حملة الاعتقالات الواسعة التي شملت آلاف الأكراد باسم فروع المدينة (KCK) في مختلف المدن التركية، و قامت بتنسيقٍ و أوامر مباشرة من القضاة التابعين لـ غولن و عناصره المتغلغلة في أجهزة الشرطة، بزجّ آلاف الناشطين السياسيين الأكراد في السجون.

فصلية طهران: في السنوات الأخيرة يبدو أنّه طرأ تحوّل مؤثّر على التوازنات العسكرية خلال الاشتباكات التي حدثت بين حزب العمال (P.K.K.) و تركية على نحو سريع و مثير للتأمّل. فقد اتّسع نطاق القصف التركي لمواقع الحزب في تركية و شمال العراق، و أتاحت الطائرات المسيّرة بالإضافة إلى الرصد الجوي و تقييد تحركات قوات حزب العمال (P.K.K.) على الحدود التركية، أتاحت تنفيذ عمليات قتالية لملاحقة كبار القادة في حزب العمال (P.K.K.) و نصب الكمائن لهم، كما تمت الاستعانة بأجهزة فنية ذات تكنولوجيا عالية التطوّر على الحدود البرية لالتقاط المعلومات للسيطرة على تحركات (P.K.K.). و بحسب الوقائع الراهنة، لم‌يعد للجناح العسكري لحزب العمال أيّ تحركات أو عمليات قتالية. مع استمرار هذا الوضع، ألا تعتقدون باستحالة استمرار النشاط المسلح لحزب العمال؟


*زبير آيدار: نعم، الحرب تمرّ بمرحلة صعبة و دقيقة، خصوصاً مع استخدام تركية في هذه الحرب قدرات تسليحية و تجهيزات حديثة و متطورة، من طائرات F16 إلى طائرات مسيّرة مسلحة و غير مسلحة، و أنواع القدرات التسليحية الأخرى، و لكن هذا لا يعني تعذّر الصمود بوجه الأسلحة المتطورة. التكنولوجيا و الأسلحة و التقنيات الحربية ليست حكراً على طرف، فنحن أيضاً بإمكاننا الحصول على التكنولوجيا التي نحتاجها. ليس صحيحاً أنّنا فقدنا زمام المبادرة في مواجهة هذه الأسلحة، إذا كان البعض يظنّ استحالة المقاومة و الصمود بسبب امتلاك تركية لأسلحة متطورة، فنحن نقول لهؤلاء بأنّهم واهمون جداً، نعم، نقدّم تضحيات جسام، و لكن الطرف الآخر أيضاً يتكبّد خسائر، و علينا اتّخاذ التدابير اللازمة للتعامل مع هذا الوضع، لا ينبغي أن نشعر بالعجز و أنّنا فقدنا القدرة على المواجهة، و نتخلّى عن الكفاح المسلح لمجرّد أنّ تركية تتمتع بتفوق عسكري متطور. أبداً، هذا التصوّر خاطئ، ليس هناك أيّ تكنولوجيا أو قدرة أقوى و لا أهم و لا أعقد من الإنسان، لا بدّ أن نتخذ تدابير حكيمة في مواجهة جميع الحملات.

 

فصلية طهران: ماذا تقولون عن استفتاء الاستقلال الذي أجري في إقليم كردستان العراق؟


*زبير آيدار: بالنسبة لاستفتاء إقليم كردستان لا بدّ أن نقول بأنّ إجراءه و المساعي الهادفة إلى تأسيس دولة مستقلة ليست في حدّ ذاتها قراراً عجيباً، و هو حقّ من حقوق الأكراد. لكنّ الواقع هو أنّ الرغبة في إجرائه و اتّخاذ القرار بشأنه و تنفيذه كان تجسيداً لإرادة الحزب الديمقراطي الكردستاني وحده، و عندما سار في هذا الطريق لم‌يأخذ رأي الآخرين في هذا القرار، و لم‌يتشاور مع الأحزاب و التيارات الأخرى في هذا الشأن. مثلاً، لم‌يتشاور معنا و لم‌يتحدّث إلينا، لو كان تشاور معنا، لربما طرحنا رأياً مغايراً، و لكن على أيّ حال، فإنّ تحليل نتائج الاستفتاء و ما ترتّب عليه من عواقب يؤكّد لنا بأنّه كان قراراً خاطئاً. 
لقد أعلنا حتى قبل إجراء الاستفتاء بأنّ نتائجه في حال تمّ لن تكون محمودة، و سيتسبّب بمشاكل لاحقة. إحدى تلك المشاكل التي سبّبها الاستفتاء هي أنّ أيّ خطوة يُقدم عليها الأكراد تؤدّي إلى توحيد صفوف الآخرين ضدّهم، و هو ما حصل بالفعل. إذ سرعان ما توحدت مواقف إيران و تركية و الآخرين، و تمّ إغلاق الحدود البرية و الجوية بوجه الإقليم، و فرضت قيود صارمة عليه. إنّ مجرّد التمتّع بالحق لا يتيح لك تهيئة الظروف المناسبة لإحقاقه. باعتقادي لو أنّ زعماء الإقليم طرحوا مطاليبهم ضمن العراق الفدرالي لحصلوا على نتيجة أفضل. كان أجدر بهم أن يقيموا علاقات أفضل مع أكراد تركية و سوريا بدلاً من التعاون مع الدولة التركية، و أن يسعوا إلى تحقيق مطاليبهم في إطار العراق الفدرالي و الدستور العراقي. 

 

فصلية طهران: حزب الحياة الحرة الكردستاني أو (بيجاك) هو أحد التشكيلات الفرعية التابعة لحزب العمال الكردستاني (P.K.K.) و قد نفّذ العديد من العمليات ضدّ القوات المسلحة و المواطنين العاديين في إيران،، و كحزب إرهابي يتعرّض لحملات من قبل إيران في المناطق الحدودية، ألا توجد نية لدى زعماء حزب العمال (P.K.K.) بتشجيع زعماء حزب بيجاك على إنهاء نشاطهم المسلح ضدّ إيران؟


*زبير آيدار: قد يكون بيجاك يتبع في نهجه الفكري و نموذجه الأيديولوجي أفكار الزعيم آپو (عبد الله أوجالان)، و لكن هذا لا يعني أنّه تنظيمياً تابع لحزب العمال (P.K.K.). قد تعتبر إيران هذا الحزب منظمة إرهابية، لكن بشكل عام، نحن نعتقد أنّ على إيران أن تصغي لمطاليب الأكراد و أن لا تنتهج نفس سياسة تركية. لا حزب بيجاك و لا كودار، لا ينتمي أيّ منهما لحزب العمال (P.K.K.)، و نحن لا نريد مطالبتهم بإلقاء السلاح، أو نصدر إليهم أوامر من هذا القبيل. و لكن إذا أرادت إيران أن تدخل في مفاوضات مع هذا الحزب، بمقدورنا أن نساعد على حصول مثل هذه المفاوضات لتُحلّ المشاكل بالطرق السلمية. إيران إحدى الدول المهمة و الكبرى في المنطقة، و أهميتها تنبع من عوامل الجغرافيا و السكان و القوة. إنّ جزءاً من أرض كردستان تخضع للدولة الإيرانية، و نحن نطالب بتحقيق مطاليب الأكراد في هذا البلد بالطرق السلمية و الديمقراطية و دون أيّ توتّر أو صراع، ليستطيع الأكراد التعبير عن إرادتهم السياسية. نحن الأكراد نمتلك تاريخاً طويلاً من التعايش إلى جانب أخوتنا الفرس و سائر القوميات الإيرانية، و الأكراد هم إحدى القوميات الإيرانية، و اللغتان الفارسية و الكردية قريبتان جداً من بعضهما، و يعود تاريخ العلاقة بيننا إلى العصر الميدي و الفرثي، حيث كنا نشكّل أمة واحدة. تجمع الأكراد بالإيرانيين مشتركات عديدة ثقافية و دينية و تاريخية، و مطاليبنا هي أن نعيش إلى جانب القوميات الإيرانية الأخرى بأخوة و سلام. و تحقيق هذا الشيء في إطار مجتمع ديمقراطي أمر ممكن و غير بعيد المنال. لعلّ الشيء الذي لا يحظى بتأييدنا في النظام السياسي الإيراني الحالي هو المشاركة السياسية على أساس آلية أحادية الدين، فنحن نطالب بإيران ديمقراطية تتمتّع جميع القوميات و الأديان فيها بحقوق متساوية. إيران كهذه ستكون مفيدة للمنطقة برمتها، و الأكراد لا يرغبون في حدوث أيّ توتّر أو صراع مع إيران. و لكن طبعاً القرار بشأن شكل الحكم المستقبلي في إيران يعود إلى زعماء هذا البلد، و نحن نتمنى لهذا البلد أن يسير في طريق الديمقراطية و التقدم. ليست لدينا نوايا للصراع أو الحرب لا مع إيران و لا مع غيرها من بلدان المنطقة، و أبوابنا مفتوحة دائماً للتواصل و الحوار.
نحن نعتقد بوجوب أن تُحلّ مشاكل الأكراد في المنطقة و العالم بالطرق الديمقراطية، و لا يتطلب ذلك بالضرورة اللجوء إلى خيار الانفصال أو ترسيم جديد للحدود. هذه الحدود يمكن أن تكون، على غرار حدود الاتحاد الأوروبي، حدوداً للسياحة و التجارة و الأخوة و السلام و الاستقرار بدلاً من الألغام و الصراع و الحرب. نحن نعتقد أنّ أي بلد في المنطقة و العالم يتعامل مع الأكراد على أساس التعنّت و القمع سيكون هو الخاسر بلا شك. على الدول الأربع أن لا تنظر إلى الأكراد كتهديد، فهذا الشعب يحمل استعداداً كبيراً للديمقراطية، و نحن نفضل إقامة علاقات مع هذه الدول الأربع بدلاً من الولايات المتحدة و روسية و الآخرين.


فصلية طهران: شكراً لكم مرة أخرى لمشاركتكم في هذا الحوار.


قراءة: 792