فصلنامه مطالعات سیاست خارجی تهران
 

الأسس الإسلامية والطموحات الكردية

إسحاق ساغلام
زعيم الحزب المطالبة الحرّة

ولد إسحاق ساغلام عام 1966م في مدينة باتمان الكردية إحدى مدن الجمهورية التركية. وعلى الرغم من أن معظم المحافظات الكردية في تركيا والحياة الاجتماعية الكردية في هذا البلد يغلب عليها نمط الحياة الإسلامية وإن التحرك السياسي فيها عجين بالمعتقدات الدينية والإسلامية، ولكن في الوقت نفسه نجد مدينة باتمان المدينة الوحيدة التي بالإضافة إلى رواج الفكر القومي الكردي فيها تعد في الوقت نفسه مركزاً للإسلاميين. نال السيّد ساغلام شهادة البكلوريوس في القانون من جامعة دجلة في ديار بكر ومارس منذ عام 1992م العمل محامياً، وفي الوقت نفسه مارس العمل السياسي بالتعاون مع الجماعات السياسية الإسلامية. في عام 2018م تمّ انتخابه زعيماً لحزب المطالبة الحرّة (حُر دعوا بارتيسي) الذي يعد حالياً من أهم المنظمات السياسية الإسلامية الكردية في تركيا، والذي يختلف كثيراً مع حزب العمال الكردستاني (P.K.K) وفي الوقت نفسه يحمل بعض الرؤى القريبة من حزب العدالة والتنمية. يعتقد السيّد ساغلام أن الأسس الفقهية والعلمية الإسلامية بعيدة عن لغة التكفير ولا يوجد فيها ما يؤيد ويغذي العنف وإنشاء جماعات تكفيرية متطرفة، وأن تلك الجماعات تنهل من منبع آخر وتمتد جذورها في تربة بعيدة عن الفكر الاسلامي. بل لا يمكن عزوها وربطها بالنصوص والأفكار السلفية أيضاً. وأن الأفراد والجماعات المتطرّفة الذين يقومون بإطلاق فتاوى التكفير ويتساهلون في قتل المسلمين وإزهاق أرواح غيرهم من البشر لا علاقة لهم بالإسلام ومبادئه ومبانية الفقهية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال تبرير تصرفات التكفيرية وإضفاء صفة الشرعية عليها. 
أجرت فصلية دراسات السياسة الخارجية لطهران حواراً مفصلاً مع هذا الناشط السياسي تعرضت خلاله لعدد مهم من التطورات على الساحة الكردية، جديرة باهتمام المراقبين نضعها بين يدي القراء الكرام.


الكلمات الأساسية: تركية، الحزب المطالبة الحرة، حقوق الأكراد، حزب العدالة والتنمية، حزب العمال الكردستاني (P.K.K)،الأمةالأسلامية

 

فصلية طهران: كمقدمة لانطلاقة الحوار نتمنى منكم إلقاء إطلالة على الأهداف السياسية لحزب المطالبة الحرّة.

 

* إسحاق ساغلام: تشكل حزبنا على أساس الفكر والمبادئ الإسلامية، وترعرع في هذه الأرض وفي أحضان هذا المجتمع، وسنبذل ما في وسعنا لحل المشاكل القائمة ولتعزيز الخطاب الديني ونشر ثقافة الإخاء. وبناءً على تعاليم وقيم الإسلام فإننا نعتبر جميع المسلمين إخوانا لنا، فيما نرى الجبهة المعاكسة التي نشأت في حضن الباطل وعلى أساس سياسات الغطرسة ومعسكر الهمينة والابتزاز الأمريكي عدواً لنا، وعلى هذا الأساس، فإن تشكيل وحدة إسلامية مع جميع مسلمي العالم تعد هدفاً مهماً وشعار جوهرياً لحزبنا، ونعتقد أنه ينبغي تعزيز حوار الوحدة والأخوة بين المسلمين.

 

فصلية طهران: حزبكم حزب اسلامي سنّي، ومعلوم أن الأكراد في تركيا يغلب عليهم الانتماء إلى المذهب الشافعي (باستثناء عدد قليل من الأكراد العلويين)، بينما الغالب في تركيا كدولة اتباعهم المذهب الحنفي. ومع هذه الثنائية والاختلاف العرقي والمذهبي بين الأتراك والأكراد، ما هي نقاط الافتراق والالتقاء بين هذين النهجين السياسيين السنيين في تركيا؟ 

 

* إسحاق ساغلام: نحن مسلمون من أهل السنة والجماعة، وفي نفس الوقت لم‌نتقوقع في رؤيتنا الإسلامية في دائرتي المذهبين الشافعي والحنفي، ونعتقد بأن جميع المسلمين هم أخوة لنا. ولا يحظى هذا التفاوت المذهبي بأي أهمية عندنا وهو غير مطروح في أدبياتنا وأوساط حزبنا وموقفنا السياسي؛ إن معظم الرفاق والمسؤولين في حزبنا هم من أتباع المذهب الشافعي، فيما أعمل أنا شخصياً وعائلتي بتكاليفي الدينية وفق المذهب الحنفي، ومع ذلك ربما لم‌يلتفت الكثير من أصدقائي لهذه القضية أيضاً. نحن لا نتخندق داخل أسوار المذهبين السنيين الشافعي والحنفي فقط، بل لا نضع الأسوار بيننا وبين إخوتنا من أتباع سائر المذاهب الاسلامية الأخرى، ونعتقد أن مفهوم وخطاب الأخوّة الإسلامية أوسع وأقوى بكثير من الجدران والمسافة التي تنتج بسبب الاختلافات الدينية والإنتمائية بين المسلمين. ولسوء الحظ، فإن بعض الاختلافات وتضخيم حالة الخلاف وتسليط الضوء على نقاط الافتراق هي تقليد سياسي قديم ينتمي إلى عصر الدولة العباسية، فقد كانت السياسة المتبعة آنذاك قائمة على تسليط الضوء باتجاه هذه الأختلافات المذهبية، ومن هنا نحن نعتقد بأنّ من الواجب القاء هذا العبء التاريخي وراء ظهرونا وأن وقتها قد مضى، ويجب القضاء على حالات التشنج والعداء بين المسلمين بشتى طوائفهم ومذاهبهم وأن على الجميع العمل من أجل تحسين وضع المجتمع وتوفير ظروف مواتية ليعيش أفراد المجتمع حياة هادئة ومرغوبة وبشكل أفضل.

 

فصلية طهران: أنتم كحزب إسلامي كيف تنسقون بين رؤيتكم الإسلامية وانتمائكم القومي ومطالبكم بحقوق الشعب الكردي؟


* إسحاق ساغلام: كحزب إسلامي، نعتقد أن الله سبحانه وتعالى ذكر هذه المسألة بوضوح في العديد من التعاليم الإسلامية، فعلى سبيل المثال جاء في الآية الثالثة عشرة من سورة الحجرات "يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثى‏ وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَليمٌ خَبير"، والتي تُظهر أن الغرض من خلق وإنشاء العديد من القبائل والجماعات هو التعارف بعضهم على بعض وحماية بعضهم البعض الآخر. ونعتقد كمسلمين انطلاقاً من مضمون الآية المباركة وتفسيرها، أننا لم‌نكن مخيرين في انتخاب الوالدين ولا في اختيار الشعب الذي ننتمي إليه، وعليه لاينبغي أن نجعل لقضية ليس لنا خيار فيها أن تكون هي المعيار في التفاضل وأن تكون هي العامل المائز بين الناس.
خلق الله سبحانه وتعالى الأكراد في هذه المنطقة كشعب، وكذلك خلق فيها أقواماً وقبائل أخرى مثل الفرس والعرب والأتراك والتي لها الحق في الحياة، كذلك يجب أن يتمتع الأكراد أيضاً بحق الحياة وتكافؤ الفرص مثلهم مثل الأقوام الأخرى والمساواة بينهم سياسياً وثقافياً.
لقد أوضحنا في أهداف وغايات حزبنا، ومن وجهة إنسانية وإسلامية، وبشكل شفاف وواضح أن الأكراد قوم من الأقوام التي تقطن هذه البقعة الجغرافية وينبغي أن يتمتعوا بحقوق متساوية مع الجماعات العرقية الأخرى، ولا يوجد مبرر أو ذريعة لحرمانهم من حقوقهم المشروعة.
أنا كمواطن، كردي وتعود جذور آبائي وأجدادي إلى هذه القومية، وقبل ذهابي إلى المدرسة لم‌أكن أعرف لغة أخرى غير اللغة الكردية، وأعتقد أنه ينبغي مراعاة اللغة والأدب والثقافة والحقوق الاجتماعية والسياسية للأكراد. ولكن من الضروري هنا الإشارة إلى نقطة مهمة وهي أن حزبنا لا يقتصر على القضايا والمطالب العرقيّة والكردية؛ لأن حزبنا حزب المطالبة الحرّة، ليس حزباً كردياً خالصاً أو سنياً فحسب، ولكنه حزب إسلامي تتجاوز أهدافه ومطالبه مساحة القضايا العرقية والدينية.

 

فصلية طهران: وفقاً للدستور التركي، جاء في المادة التي تحدد المواطنة المادة 66 أنها ساوت بين المواطنة والتركية حيث جاء فيها ما يلي: "كل يرتبط بعلاقة مواطنة مع الدولة التركية فهو تركي". ما هو موقف حزبكم من هذه المادة من الدستور التركي؟

 

* إسحاق ساغلام: هذا خطأ. هذه واحدة من المشاكل الخطيرة في الدستور التركي، وقد أشرنا إلى هذه القضية من خلال الأهداف التي رسمها حزبنا وخلال الفقرات القانونية للنظام الداخلي للحزب. فعندما أُنشئت الجمهورية التركية أقترف المقننون فيها خطأين وزلتين خطيرتين للغاية؛ الأولى، من الواضح أن الأرض التركية المترامية الأطراف أرض إسلامية، الغالبية العظمى من سكانها من المسلمين وقد عاشوا تحت حكومة خلافة واحدة، ولكن مع ذلك تم تجاهل المعتقدات الإسلامية والدينية في تحديد هوية الشعب والدولة. أما الخطأ الثاني هو أن الأراضي التركية التي تمثل الجزء المتبقي من الإمبراطورية العثمانية، تضم في حناياها قوميتين رئيسيتين هما الأتراك والأكراد اللتين تمثلان الجماعتين العرقيتين الرئيسيتين والمكونتين الأساسيين لشعب الجمهورية، ولكن ولسوء الحظ، تم تأسيس الجمهورية فقط على أساس التفكير السياسي والفكري الآحادي القومية، وتجاهل المكون الثاني المتمثل بالقومية الكردية، ولم‌ينظر إليهم كجزء من الأجزاء المكونة للمجتمع التركي؛ لذلك، كان تجاهل القومية الكردية وتعزيز فكرة الدولة الوطنية القائمة على هوية العنصر التركي أحد أهم الأخطاء في تاريخ الجمهورية، وكنا وما زلنا كحزب المطالبة الحرّة نسعى دائماً لتصحيح هذا الخطأ. 

 

فصلية طهران:  بديع الزمان النورسي (الشيخ سعيد الكردي النورسي) هو أحد علماء الدين الأتراك الذين تركوا بصماتهم على العديد من الجماعات السياسية والدينية التركية في القرنين الماضيين. إلى أي مدى تأثر حزبكم بهذا المفكر، وهل أنتم قريبون من أفكار النورسي رحمه الله في الاتجاهين الديني والسياسي؟

 

* إسحاق ساغلام: حزبنا يحترم جميع العلماء والمفكرين والمؤرخين الإسلاميين. والأستاذ سعيد النورسي هو أحد العلماء العظماء الذين ترعرعوا في هذه الأرض وأمضوا نصف حياتهم في ظروف وصراعات صعبة للغاية، وإن أحد الجوانب الهامة المميزة لحياة وشخصية الأستاذ سعيد النورسي هو أنه عالم منا ونشأ بين ظهرانينا وعانى الكثير من المصاعب في هذا الطريق
أنت تعلم أن هناك في الوقت الراهن عشرات الجماعات الدينية والفكرية والسياسية التي تنتمي إلى الأستاذ النورسي في تركيا، ومع وجود بعض الاختلافات بين هذه المجموعات، إلا أنهم يسمون جميعاً باسم النورسية ، وعلى الرغم من أن الكثير من الناس قد لا يدرجون حزبنا في عداد المجموعات النورسية، إلا أننا جميعاً، بوصفنا قادة حزب المطالبة الحرّة، قداستوعبنا أطروحات الاستاذ النورسي ونعتبر أنفسنا تلاميذ هذا الرجل العظيم.

 

فصلية طهران:  التقى الزعيم السابق لحزب المطالبة الحرّة يرافقه مع وفد من مسؤولي الحزب بالأستاذ خالد مشعل الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة حماس، واتخذوا مواقف بخصوص جماعة الإخوان المسلمين المصرية. ما هي علاقتك مع جماعة الإخوان المسلمين الآن وفي أي مستوى تضعونها؟

 

* إسحاق ساغلام: نحن ننظر إليهم كأخوة لنا، ونعتقد أن أفكار الأستاذ حسن البنا وعبدالقادر الجزراوي وسيد قطب وغيرهم من الإخوة مفكري الحركة من الآثار القيمة التي مكّنت الحركة من التمدد في العالم وكانت دائماً مصدر إلهام لنا، وكتابات هؤلاء الشيوخ هي من الأعمال التي درسناها وبتنا نعرفها عن كثب ونرى أنهم قريبون منا. لكن ليست هناك علاقة تنظيمية تربط بيننا وبين كل من حماس أو جماعة الإخوان المسلمين في البلدان الأخرى. نعم، هناك روابط بيننا لا تزال مستمرة حيث نلتقي بهم عندما يأتون إلى تركيا ونتصل بهم وتجمعنا زيارات خاصة.

 

فصلية طهران: تشهد الساحة في الوقت الراهن وجود حزبين قويين يقتسمان الساحة في كردستان التركية هما حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الديمقراطي، وهما يتقاسمان مقاعد البرلمان ومجالس البلديات، ويثير الحزبان قضايا عرقية ومطالب القومية الكردية، فهل حزبكم يفكر بشكل أساسي في دخول البرلمان ومجالس البلديات في المنطقة؟ وهل يمكنكم بعد ذلك الترويج للقضايا الكردية إلى جانب هذين الحزبين، وهل سيصبح هذا أحد أهداف حزبكم؟

 

* إسحاق ساغلام: المصدر الأساسي لمدرستنا الفكرية والسياسية كحزب هودابار (حزب المطالبة الحرّة) هو مبادئ المدرسة الإسلامية . ولكن هذا لا يعني تجاهل المشاكل والقضايا الموجودة في الساحة. ونحن قد تحدثنا عن ضرورة إيلاء الاهتمام لمطالب الشعب الكردي أكثر مما قام به حزبا العدالة والتنمية وحزب الشعب الديمقراطي، وإن إصرارنا على الحاجة إلى إيلاء الاهتمام للمطالب الكردية لا ينطلق من الزاوية القومية، وإنما ينطلق على وجه التحديد من فكرنا الإسلامي. وأن التفكير السياسي لحزبنا مع إيلاء القضية الكردية إهتماماً خاصاً انطلاقاً من المبادئ الدينية والإسلامية التي نؤمن بها، وإن واجبنا الديني يفرض علينا الاهتمام بهذه القضية. فالإسلام يأمرنا برفض كل أنواع الاضطهاد واللامساواة. ونحن حزب شمولي يعالج جميع القضايا الوطنية والقضايا الإقليمية والمحلية. ومن وجهة النظر هذه فإن تفكيرنا السياسي والديني يعتبر حالة جديدة في التيارات السياسية التركية، وسنقيم علاقات أوسع وأشمل مع الناس ومع الجماهير وسنعرض عليهم أهداف حزبنا ونتحرك معاً نحو تحقيق الاقتدار والرقي الجماهيري.

 

فصلية طهران: في السنوات الأخيرة وخلال الاحتفال بعيد ميلاد النبي محمد (ص)، تمكن حزبكم والجماعات الإسلامية المقربة منه، في مدينة ديار بكر من إقامة حشد جماهيري كبير يقترب من حوالي مليون شخص. لماذا لا يمتلك حزب وطيف إسلامي مؤثر وقادر على تحشيد هذا العدد المليوني من الشعب الكردي على الفوز بمقعد برلماني واحد من بين ستمأئة مقعد، ولم‌يتمكن من الفوز برئاسة بلدية صغيرة في كردستان؟

 

* إسحاق ساغلام: لا تقاس المكانة الاجتماعية للأحزاب في المدن وبين الجماهير بالضرورة بعدد المقاعد البرلمانية ومجالس البلديات. ولسوء الحظ، فإن شروط المنافسة الحزبية والانتخابية في تركيا باتت اليوم تحتاج إلى العديد من القوة الاقتصادية والنفوذ السلطوي من حيث الأبعاد المادية والروحية. والجدير بالذكر أن هناك مسألتين مهمتين ينبغي الالتفات إليهما، الأولى، هناك قطبية ثنائية غريبة في تركيا أثرت بالفعل على جميع القضايا السياسية والانتخابية؛ ثانياً، في الوضع الحالي، المرجح عند الجماهير التركيز على المشكلات الاقتصادية والمعيشية أكثر من البحث عن المشكلات الفكرية والاجتماعية. ومن هنا نحن نسعى لتأسيس مجتمع قائم على الفكر الإسلامي القريب من العصر الاسلامي الأول ومن قيم الإسلام الأصيلة، وربما يصطدم التبليغ لهذه المبادئ والأسس الفكرية بما يثار في الساحة السياسية والاجتماعية اليوم، ولا تحظى هذه المبادئ بأهمية كبيرة مقابل ما ترفعه الأحزاب الأخرى من أهداف، ولكن مع ذلك سنواصل جهودنا، وليس لدينا أدنى شك في أنه سياتي اليوم الذي تستمع الجماهير لخطابنا وتؤمن بأهدافنا وسنجد المزيد من المؤيدين لنهجنا.

 

فصلية طهران: وفقاً للقانون التركي، يُسمح للأحزاب المشاركة في الانتخابات وطرح قوائم مرشحيها للمنافسة الانتخابية، إذا تمكنت من فتح مكاتب فرعية للحزب لها في اكثر من نصف المقاطعات التركية (على الأقل في 41 مقاطعة)، بالإضافة إلى فتح فروع للحزب والحزب في مركز هذه المقاطعات الـ 41 لابد من فتح مركز فرعي في إحدى المدن التابعة لهذه المقاطعة، فهل لديكم القدرة والإمكانية التي تساعدكم على توفير مثل هذه النفقات؟

 

* إسحاق ساغلام: نعم، إنّه أمر صعب للغاية وإحدى المسائل التي تعقد الطريق أمامنا لإدراج قوائمنا الحزبية في الانتخابات والمنافسة فيها بسهولة هي المسألة المالية. فليست لدينا مشاكل تتعلق بقدرتنا على توفير الموارد البشرية والكوادر السياسية، بل يمكننا العمل والتحرك في جميع أنحاء تركيا حيث نمتلك من الكادر ما يسدّ جميع الدوائر الانتخابية،و لكن لسوء الحظ، يعد نشاط الأحزاب السياسية في تركيا عملية مكلفة للغاية ويتطلب موارد مالية قوية. فاذا استثنينا التبرعات والمساهمات التي نتلقاها من أعضاء الحزب، ليس لدينا أي مصدر آخر للتمويل، ونتيجة لذلك، لدينا مكاتب في 41 مقاطعة، ولدينا ممثلون فقط في الأربعين مقاطعة المتبقية، ولم‌نتمكن من فتح ممثلية حالياً، ففضلاً عن محافظات كردستان لدينا في غرب تركيا وإسطنبول وإزمير وبورسيا وكوجاعلي والعديد من المحافظات الأخرى، الكثير من المؤيدين ونقوم بأنشطة مكثفة هناك.

 

فصلية طهران: ما هو موقفكم من الأفكار التكفيرية المتطرفة؟

 

* إسحاق ساغلام: نحن نعتقد بأن لا مكان للتكفير والتطرف في الفكر الإسلامي وجميع مبانيه العقائدية والفقهية والعلمية وأن لا مكان للعنف فيها، وإن هذ الجماعات التكفيرية وافدة علينا وتستقي جذورها من مساحات خارج العالم الاسلامي. بل لا يمكنك حتى عزوها إلى الفكر السلفي. إن الشخص الذي يتساهل في أمر التكفير ويوغل وبلاأدنى تأمل في قتل المسلمين وغير المسلمين لا علاقة له بالإسلام، ومبادئنا الفقهية، وليس من الممكن بأي حال تبرير تصرفات التكفيريين.

 

فصلية طهران: واحدة من المجموعات السياسية المؤثرة في الساحة التركية، وخاصة في كردستان تركيا، هو حزب العمال الكردستاني  (P.K.K) وهيئاته المتفرعة، وفي السنوات الأخيرة شهدنا نشوب صراعات بين حزب العمال الكردستاني وحزبكم، فعلى سبيل المثال قتل في مدينة باتمان عدّة أشخاص من كلا الجانبين، وكذلك في جامعة دجلة في ديار بكر نشب صراع بين مئات الطلاب المدعومين من حزب العمال الكردستاني والإسلاميين من حزبكم الأمر الذي استدعى حضور الحوامات (طائرات هليكوبتر) عسكرية لفك النزاع وتهدئة الحرم الجامعي!! ما هي الأسباب الرئيسية للاختلافات بين حزبكم وحزب العمال الكردستاني؟

 

* إسحاق ساغلام: حزبنا ليس لديه مشكلة مع أي جهة، وإنما حزب العمال الكردستاني  (P.K.K) الذي لديه مشاكل معنا ومع الآخرين. نحن حزب إسلامي ونعمل على أساس القرآن والسنة الشريفة والجماعة، وهدفنا هو إحياء تقاليد الإسلام والعودة إلى نمط الحياة في العصر الإسلامي الأول وبناء المجتمع على أساس القيم والمبادئ الإسلامية، وبالتالي، في جميع هذه المناطق نحن نعبر عن معتقداتنا الدينية وترويجها بلغة واضحة لا لبس فيها، ولكن حزب العمال الكردستاني هو تيار فكري ماركسي اشتراكي يستخدم - كما هو الحال في حركات اليسار التركية الأخرى- القوة لفرض الإيمان بفكره ويستخدم الأسلحة والتهديدات لإرعاب مناوئيه، وهذا هو السبب الرئيسي وراء خلافاتنا معه. نحن نؤمن بأن مجتمعنا مجتمع إسلامي وأن الفكر الإسلامي متأصل في شعبنا، ولكنهم يريدون إقناع أهلنا بالفكر الماركسي المستورد، فلقد اصطدموا في البداية وقبل عام 1980م بإقطاعي المناطق الكردية، ثم انخرطوا في نزاع مع زعماء القبائل، حتى وصلت النوبة إلينا مؤخراً. هؤلاء وفي أدبياتهم التنظيمية يؤمنون بأن أي تفكير خارج عن الأوجلانية ومبادئ حزب العمال الكردستاني هو فكر متهم بالعمالة والرجعية. على هذا الأساس هددنا مراراً وتكراراً إما بالإذعان لمبادئ حزب العمال الكردستاني أو مغادرة المنطقة.
نحن لا نواجه أحداً، ولا نصطدم بأي مجموعة من المجاميع العاملة، بل نسعى فقط إلى الترويج لمثلنا الدينية والإسلامية، لكنهم يسعون دائماً إلى فرض آرائهم على مجتمعنا، وللأسف، لم‌نتخلص من تهديداتهم وهجماتهم.

 

فصلية طهران: كما ذكرتم آنفاً، إن مبادئ الفكر الأساسية لحزب العمال الكردستاني تستند إلى الماركسية والاشتراكية، فيما تستند مبادئ حزبكم إلى الأصول والقواعد الدينية الإسلامية، ولاشك هناك توترات وتحديات قائمة بين هذين الفكرين. ما هي طبيعة العلاقة بينكما في السنوات القادمة؟ وهل يمكن أن تتوقع إجراء محادثات ومفاوضات بينكما وإيجاد تقارب بين الطرفين، وهل ستنتهي المشاكل والصراعات؟ أم أن الخلافات ستستمر كما هي؟

 

* إسحاق ساغلام: من غير المرجح للغاية، ومن المستبعد بشكل جدي أن نقترب كحركة إلهية ودينية مع حركة تؤمن بالفكر المادي، وإن هذا توقع غير منطقي على الإطلاق. ولكن على أي حال، نحن جميعاً نتحرك في مجتمع وفي منطقة جغرافية مشتركة، ولذلك نحن بحاجة إلى إعادة النظر في بعض القضايا. نعتقد أنه لا ينبغي لأي تيار سياسي أن يضغط على الآخرين من خلال التهديدات والتخويف والعنف والإرعاب والطغيان. فإذا قام رجال حزب العمال بالتخلي عن منطق الإرعاب والتخويف، فستحل المشكلات. نحن واثقون بأن كردستان ستكون جنة غناء فيما إذا قام كل شخص بوظيفته ولم‌يضع العراقيل بوجه أنشطة الجماعات الأخرى ومراكز الفكر التي تختلف معه.

 

فصلية طهران: في تسعينيات القرن العشرين، ظهرت جماعة سياسية وفكرية تدعى حزب الله نشطت في الساحة التركية، وقد نشبت في وقت لاحق صراعات بينها وبين حزب العمال الكردستاني في كردستان التركية في مدينة اسطنبول، وقتل على إثرها العشرات من الجانبين في تلك الاشتباكات، وهرب قائدها أديب غوموش وأدرج اسمه في القائمة السوداء وفي عداد الإرهابيين المطلوبين من قبل وزارة الداخلية التركية، و في السنوات القليلة الماضية أخذنا نسمع ببعض الإدعاءات المضادة لحزبكم، وبات يتردد على الألسن بأن حزب الهودابار (حزب المطالبة الحرة) هو نسخة أخرى من نفس منظمة حزب الله بل هو حزب الله نفسه. ما هو ردكم على هذه الإدعاءات؟

 

* إسحاق ساغلام: هناك فارق كبير بين التفكير الحزب اللهي وبين تنظيم حزب الله. أفكار حزب الله وآدابه غير منحصرة بتركيا، فهناك شيء من هذا القبيل في كل من إيران وإندونيسيا والسودان ولبنان وعدة دول أخرى. لكن الحركة والمنظمة التي أشرتم إليها ليست لها أي علاقة تنظيمية معنا، وما يشاع لا يخرج عن دائرة الإدعاءات والاتهامات الخاطئة. قد يتحدث رجال وقادة تلك الحركة عن الله والقرآن والسنة النبوية والجماعة وبما يتطابق مع ما هو منتشر في أدبياتنا، ولكن هذا لا يجعلهم جزءاً من هيكليتنا الفكرية والتنظيمية.

 

فصلية طهران: عقد حزبكم في عام 2018م عدة اجتماعات ولقاءات مع قادة حزب العدالة والتنمية، وقد التقيتم أنتم شخصياً بمعية الزعماء السابقين في الحزب بالسيد رجب طيب أردوغان زعيم حزب العدالة والتنمية ورئيس الجمهورية، ودعمتم مراراً بعض أهداف ومواقف ورؤى الحزب الحاكم؟ أين وصلتم في هذا الحراك وهل أنتم مستمرون في هذا الطريق؟

 

* إسحاق ساغلام: في عام 2018، التقينا ليس فقط بحزب العدالة والتنمية بل أيضاً بالأحزاب التركية الأخرى، وكنا نروم الانخراط في علاقات مع جميع الاتجاهات والحركات الحزبية والسياسية في البلاد؛ لأننا نؤمن بأن السياسة مضمار سباق كبير ورائع يجب المسارعة فيه لخدمة خلق الله.
في الدائرة التي يتولى فيها حزب العدالة والتنمية أو أي حزب آخر إدارة شؤون البلد وخدمة الشعب، نؤيد تلك المقررات والخطوات التي يقوم بها. ومما لاشك فيه أن بعض أهدافنا ومطالبنا التي نصّ عليها النظام الداخلي للحزب، قد تم تنفيذها خلال عهد تصدي حزب العدالة والتنمية للحكم، ولاشك أن الضمير والوجدان يفرضان علينا دعم الخطوات الإيجابية التي تصدر من هذا الحزب في أي محور من محاور العمل، وهذا لا يعني بالضرورة قبول جميع القرارات والإجراءات التي اتخذها حزب العدالة والتنمية، بل ننتقد أيضاً بعض مواقفهم، ونعلن عن مواقفنا الرافضة والناقدة له أينما شعرنا بأن تحركاتهم تسير بالاتجاه المضاد لمصالح البلد وعلى حساب الناس.


فصلية طهران:  من الواضح أن حزب العدالة والتنمية اتفق على مدار العامين الماضيين مع حزب الحركة القومية بزعامة دولت بهتشلي. وكما تعلمون أن طبيعة التفكير السياسي لحزب العدالة والتنمية تختلف عن طبيعة تفكير هذا الحزب ولا تربطها علاقة جدية ومباشرة بالقومية التركية المتطرفة التي يدعو لها حزب الحركة الوطنية. كيف تقيمون هذه التحالفات والمسارات؟

 

* إسحاق ساغلام: نعتقد أن على الأحزاب في بعض الأحيان أن تقيم بعض التحالفات الجديدة من أجل الفوز أو الحفاظ على السلطة على بعض المستويات السياسية، ونحن لا نرى في هذا التحرك ما يستحق الذم ولا نراه يخالف المعقول، فلا توجد أي مشكلة في هذا المجال، ولكن الشرط المسبق الذي يجب الالتزام به خلال هذه الحركة السياسية والفكرية هو أن التحالف المؤقت لا ينبغي أن يقود الجهة المتحالفة لأجل هدف قصير الأمد مع حزب بعيد عنك في المعتقدات والأيديولوجية بنحو يجعلك تتنصل عن مبادئك الفكرية والأيديولوجية تماماً، ووضعها جانباً. فإذا ما حدث ذلك فلا شك أنه يمثل حركة بالاتجاه الخاطئ تماماً.

 

فصلية طهران: أنت تعلم أن طلاب ومريدي فتح الله غولن تحركوا في العقود الثلاثة الماضية في الساحة الكردية التركية (كردستان تركيا) لنشر مبادئ حركتهم، ما هو تحليلك لأهداف وتحركات تلك الحركة؟

 

* إسحاق ساغلام: في ثمانينيات القرن المنصرم كان غولن وتلاميذه في تركيا يدرجون ضمن أجنحة ما يسمى النورجية، التي تستقي أفكارها من بديع الزمان النورسي، لكنهم سعوا في التسعينيات لتحقيق أهداف أخرى، فبدلاً من كونهم حركة دينية قام النشطاء الاجتماعيون منهم بتطوير منظمتهم السرية تدريجياً وتحويلها إلى استراتيجية مؤثرة من أجل السيطرة على الدولة وتسلم زمام الحكم، فصار لهم نفوذهم أعمق وأوسع في الساحة التركية وفي جميع مجالات الهياكل السياسية والأمنية والتنفيذية، وقويت شوكتهم في جميع المؤسسات، وربما حصلوا على دعم من الخارج ومن جهات أجنبية. لكنهم في نهاية المطاف اصطدموا بالجدار وساروا في طريق مغلق ففي الوقت الذي حاولوا فيه تولي السلطة والحكومة بأكملها، لم‌يتم التسامح مع مواقفهم وتأثيرهم وتنظيمهم وتوقفت أنشطتهم. وكما قلت لقد أظهروا في البداية أنفسهم كجناح ديني نورجي، لكن وفي وقت لاحق أكتشف أمرهم وأنهم مجموعة اختراقية مدعومة من الأجنبي.

 

فصلية طهران: كيف تنظرون إلى استفتاء حق تقرير المصير والانفصال الذي اقدمت عليه حكومة إقليم كردستان العراق للانفصال عن العراق؟

 

* إسحاق ساغلام: بعد الاستفتاء على انفصال كردستان عن العراق، أعلنا موقف حزبنا وبشكل شفاف إنطلاقاً من التركيز على مبادئ حزبنا بضرورة الالتفات إلى مبدأ الأمة. وبعبارة أخرى، أعلنا أنه من الناحية السياسية والفكرية لحزبنا، من الجميل والمحبذ أن تجتمع الشعوب والأقوام معاً وأن نحافظ على وجود بعضها إلى جنب بعض. ولقد دعونا دائماً المجموعات والأقوام بالاقتراب من بعضهم البعض وتشجع هذه الآصرة والثناء عليها. وكان هذا موقفنا من القضية العراقية، ولكن في الوقت نفسه ومن هذا المنظور نرى بموضوعية أنه إذا انتهت الأمور إلى الصراع بين الأقوام وأنه ما عاد بالإمكان تحقيق مفهوم الأمة الّا من خلال القتل والصراع الدموي بين القوميات والعناصر التي تتكون منها الأمة، ولا يكون بمقدورهم العيش سوية وبوئام، فمن الأفضل أن يصار إلى العيش كجارين جيدين، وهذا حق طبيعي كما نراه.
فقد شهدت الكثير من دول العالم استفتاء الانفصال ولم‌يعترض عليه أحد، لكن بمجرد أن جاءت النوبة إلى الأكراد العراقيين وأظهروا رغبتهم في الانفصال، عارضهم الجميع وبشدة، وهذا الموقف لم‌يكن ردّة فعل جميلة وعادلة.
نعتقد بوضوح أن أفضل شكل للبنية السياسية في العراق هو أن يعيش كل من الشيعة والسنة والأكراد والتركمان وغيرهم جميعهم معاً في نظام سياسي واحد ومنسجم... ولكن إذا لم‌يتمكنوا من المشاركة بطريقة عادلة ولا توزع عائدات البلد وموارده بشكل منصف واستمرت حالة التوتر الداخلي والصراع القومي بين مكوناته، ويرغب البعض منهم في تغيير هيكليّة الحكم عندهم، فعلى الجميع احترام إرادتهم، إن هذا هو المائز الجوهري بين موقف حزبنا وموقف حكومتي تركيا وإيران من الاستفتاء الكردي.
كان توقعنا أن تعمل كل من تركيا وإيران كبلدين مهمين وجارين كبيرة على الجمع بين الأطراف المختلفة في العراق والتقريب بينهم، لكن كانت ردّة فعل البلدين حادة، ومن هنا لا نراها صحيحة ومناسبة.

فصلية طهران: شكراً لكم لمشاركتكم في هذا الحوار.


قراءة: 801