فصلنامه مطالعات سیاست خارجی تهران
 

مكتسبات و تحديات الأحزاب الكردية العراقية في الميزان

يوسف محمد
دكتوراه في العلاقات الدولية و الرئيس السابق لبرلمان كردستان و عضو مجلس قيادة حركة تغيير..

"يوسف محمد" الرئيس السابق لبرلمان إقليم كردستان العراق، و النائب الحالي في مجلس النواب العراقي عن مدينة السليمانية، سياسي شاب دخل معترك السياسة عبر حركة تغيير (گوران)، و يعدّ من أبرز وجوهها، يحمل شهادة الدكتوراه في العلاقات الدولية. بعد تصاعد التوتّر و الخلاف بين حركة التغيير (گوران) و الحزب الديمقراطي الكردستاني (پارتي) بزعامة مسعود بارزاني، قامت قوات البيشمركة الموالية للـپارتي بتوقيف سيارة يوسف محمد بشكل غير قانوني على مشارف مدينة أربيل و هو في طريقه إلى مبنى البرلمان، و لم تسمح له بدخوله. نجم عن هذا الحادث تجميد نشاطات برلمان الإقليم لمدة عامين، و تقديم يوسف محمد استقالته من منصبه بعد فترة تنديداً بسياسات الحزب الديمقراطي الكردستاني. شارك يوسف محمد في الانتخابات التشريعية لعموم العراق بدورتها الرابعة و فاز بثقة الناخبين في إقليم كردستان ليحجز كرسيه في هذا المجلس،  حالياً يرأس كتلة حركة التغيير في مجلس النواب العراقي،  و هو يعتقد بأنّ قيام إقليم كردستان ضمن إطار السيادة العراقية يعدّ إنجازاً مهماً لأكراد العراق، على أنّ افتقاد الإقليم لوثيقة الدستور يشكّل إحدى النواقص المهمة التي ما يزال يعاني منها. كما يصف إجراء الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان بأنّه خطأ سياسي مدمّر، و يعتقد أنّ تلك الخطوة كانت بمثابة ضربة لعلاقات الإقليم الخارجية، و قد أضعفت مكانته على الصعيد الدولي. 
يسرّ مجلة طهران لدراسات السياسة الخارجية أن تقدّم للقارئ الكريم نصّ المقابلة الصحفية التي أجريت مع السيد يوسف محمد و التي طرح فيها آرائه حول تحولات المنطقة، و بيّن تصوّراته للتحديات التي تواجه الأحزاب الكردية العراقية و المكتسبات التي حصلت عليها.


الكلمات الأساسية: العراق، حركة تغيير، إقليم كردستان، گوران

 

فصلية طهران: منذ ثلاثة عقود و الأكراد في إقليم كردستان يديرون شؤونهم السياسية و التنفيذية و الإدارية بأنفسهم، برأيكم ما هي المكتسبات التي أفرزتها هذه التجربة حتى الآن؟ هل استطاع الأكراد خلال هذه العقود أن يقدّموا نموذجاً ناجحاً و مناسباً للحكم و تحمّل المسؤولية و إعداد الكوادر و المسؤولين السياسيين؟


*يوسف محمد: في السابق أيضاً كان أكراد العراق يتوفّرون على بعض الصلاحيات الإدارية، و لكن أهمّ مكسب تحقّق لهم اليوم في إطار دستور العراق الفدرالي الجديد هو أنّه أصبح لهم كيان بإسم إقليم كردستان. في اعتقادي أنّه مكسب ليس بالقليل. هذا الكيان السياسي معترف به ضمن إطار عراق فدرالي و أنا أنظر إليه بعين الاهتمام و الجدية. و تكتسب هذه المشروعية أهمية خاصة. فمن وجهة نظري إنّ الاعتراف بكيان اسمه إقليم كردستان العراق يعني في الواقع أنّ الحكومة المركزية في العراق قد أقرّت بوجود الأكراد و بحقوقهم، و أنّهم جزء مهم من الشعب العراقي، و لا بدّ من إيلاء مطاليبهم الاهتمام الكافي. إنّه لأمر مهم أن تصبح اللغة الكردية لغة رسمية في حدود الدولة العراقية، و كما ترون فهذه اللغة تستخدم في الكثير من الأماكن الرسمية في بغداد. هذا برأيي إنجاز مهم، و قد شهد الإقليم في السنوات الأخيرة نوعاً من الاستقرار و الأمن المستتب. تعلمون أنّنا في إقليم كردستان حتى عام 1998م كنّا في حالة صراع و اقتتال داخلي بين الأحزاب الكردية. و لكن منذ ذلك اليوم لم تحصل في الإقليم كردستان أيّ مشاكل من هذا القبيل. كما هو معلوم لدينا حزبان كبيران، كلاهما يملك قوات عسكرية. و لكن في نهاية المطاف توصّل الحزبان، الديمقراطي الكردستاني (البارتي) و الاتحاد الوطني الكردستاني (يكيتي) إلى أن التنافس و الصراع العسكري لن يؤدي إلى نتيجة، طبعاً، هذا لا ينفي وجود بعض التوترات التي ما تزال قائمة، و بالأخص توترات الاتحاد الوطني مع حركتنا (حركة تغيير)، لكنّنا استطعنا السيطرة على الموضوع و لم نسمح أن يتطوّر الأمر إلى حدّ الاشتباك، لذلك، فنحن نعيش حالة من الاستقرار و الأمن منذ العام 1998م. 
ولكن إذا أردنا أن نقيّم مقدرة الأكراد على إدارة الحكم في إقليم كردستان و مدى نجاحهم في هذا المجال، أعتقد أنّ أداءهم لم‌يكن موفقاً. فمصالح الناس أو المصالح العامة يجب أن تؤخذ بالاعتبار بوصفها أهم هدف، لكنّنا نرى وجود بعض الثغرات في هذا السياق. ثغرات سياسية و اقتصادية و أمنية، و بالخصوص، ثغرة عسكرية، هذا، عدا عن بعض نقاط الضعف المتعلّقة بموضوع تنظيم العلاقة و ضبطها مع بغداد. 
أضف إلى ذلك أنّ خبراتنا السياسية في إقليم كردستان العراق لم‌تصل بعد إلى نتائج متكاملة، و لا يوجد وضوح تام في السلطة السياسية، بحيث نجزم بشكل قاطع إن كان النظام القائم حالياً في الإقليم رئاسي أم برلماني؟ فما تزال مؤسسات إدارية و تنفيذية عديدة تفتقد إلى السلطة القانونية المشروعة و غير قادرة على ممارسة مهامها طبقاً لصلاحياتها القانونية، لأنّها في قبضة الأحزاب. 
من بين نقاط الضعف الأخرى التي نعاني منها عدم امتلاكنا لوثيقة رسمية تحت عنوان الدستور. و لا محكمة عليا أو محكمة دستورية، كما أنّ قضاتنا لا يخضعون لإمرة جهاز قضائي مستقل و مقتدر.
علاوة على أنّ مسألة إجراء انتخابات نزيهة و شفافة و سلسة أصبحت تشكّل معضلة كبيرة. و بالنسبة للقضايا الاقتصادية أيضاً لابد من القول أنّه لاتوجد سياسة شفافة فيما يتعلّق بالمداخيل لا سيّما بيع النفط. فجزء كبير من الثروة الوطنية يتعرّض للهدر و التدمير. ثمة فساد اقتصادي خطير، و لا نملك خطة أو استراتيجية واضحة عن اقتصاد الإقليم. من وجهة نظري، هذه معضلة أساسية، أعني اتكاؤنا التام على المداخيل النفطية، و أن يكون النفط هو المورد الوحيد للاقتصاد و الدخل، و عدم وجود سياسة شفافة حول بيعه و تسويقه، هذه بالفعل مشكلة بنيوية خطيرة للغاية، لا يمكن أن نتجاوزها ببساطة. كما نجد قطاعات الزراعة و السياحة و الصناعة لا تحظى بالاهتمام الكافي، وجلّ اعتمادنا هو على مداخيل البترودولار. نعلم جيداً أنّ دعائم اقتصادنا ضعيفة و غير ثابتة، و يمكن لأقل أزمة اقتصادية أو هزة سياسية و اقتصادية أن تسبّب لنا خسائر كبرى. كما حصل في الأشهر الأخيرة عندما عجزنا عن تأمين نفقات مواطني الإقليم، و دفع رواتب موظفينا بعد أن قطعت الحكومة المركزية في بغداد الرواتب الشهرية لمواطنينا.
على الصعيد الدفاعي و العسكري أيضاً يجب أن نعترف أنّ قوات البيشمركة في إقليم كردستان لم تصبح بعد قوة وطنية ذات رؤية استراتيجية، هدفها الأوحد حماية أمن الإقليم. نعم، لا بدّ لهذه القوة أن تمتلك استراتيجية وطنية للدفاع عن إقليم كردستان. لكنّنا للأسف نجد في الوقت الحاضر أنّ ولاءات فصائل البيشمركة تتوزع على مختلف الأحزاب السياسية و تأتمر بأوامر زعمائها، و هذه معضلة متعدّدة الأبعاد. لاحظ معي، كيف هبّت قوات البيشمركة إلى جبهات القتال للدفاع عن حياض إقليم كردستان ببطولة وبسالة عندما تعرّض للتهديد، و اندلعت الحرب. لقد قاتلت تلك القوات تنظيم داعش، و قدّمت آلاف الشهداء من عناصرها في مواجهة الإرهابيين، بالإضافة إلى أعداد أخرى من الأسرى و الجرحى. و لكن نظراً لافتقاد قواتنا للانسجام و التماسك، و لقيادة موحدة، فقد تعرّضت للهزيمة في السادس عشر من أكتوبر̸ تشرين الأول 2017 م ، و أثبتت هذه الواقعة أهمية أن تكون القوات العسكرية خاضعة لإمرة موحدة. معضلة أخرى نعاني منها هي استغلال هذه القوات و الفصائل العسكرية في التنافس الحزبي. من الأمثلة الواضحة على ذلك أنّني عندما كنت رئيساً لإقليم كردستان كنت متجهاً إلى مقرّ عملي في البرلمان، فاعترضت طريقي وحدة من قوة البيشمركة تابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني (البارتي) و لم تسمح لي بالدخول إلى مبنى البرلمان و قامت بتعطيل البرلمان، هكذا بكل بساطة. هذا واحد من أمثلة كثيرة على مسألة استغلال القوة العسكرية لوحدات البيشمركة التي لا تخضع لقيادة موحدة. و هنا ينبغي الإشارة إلى نقطة ضعف أخرى و هي أنّهم في أحيان كثيرة يعملون أشياء بقصد تصوير هذه القوات على أنّها تمثّل الإرادة الشعبية. صحيح أنّني ذكرت في بداية حديثي استتباب الأمن و الاستقرار في الإقليم، إلّا أنّ احتمالات اندلاع حرب داخلية في أيّ لحظة قائمة أيضاً، ليست الأحزاب وحدها، بل حتى بعض الأفراد و القادة العسكريين قادرون بصورة مستقلة على إعطاء الأوامر لقوات البيشمركة لإشعال الحرب.
في نفس الوقت، هناك نقاشات أخرى حول موضوعات أخرى، مثلاً طبيعة علاقتنا مع بغداد فيما يتعلّق بالمناطق المتنازع عليها و كذلك مسألة الميزانية و المداخيل النفطية و الثروات و الموارد و دفع رواتب عناصر البيشمركة و الموظفين، و كل ما يتعلّق بتأسيس شراكة حقيقية بين الإقليم و حكومة المركز. أعتقد أنّ حكومة الإقليم كانت ضعيفة جداً لدرجة أنّها أضعفت الثقل السياسي للإقليم يوماً بعد آخر. هذه كانت مجموعة المشاكل و النواقص و نقاط الضعف التي تعاني منها منظومة الحكم في إقليم كردستان العراق في الوقت الراهن.


فصلية طهران: يعتقد بعض المحلّلين و المسؤولين الأكراد أنّ إمساك الأكراد بزمام السلطة في منطقة كردية هو في حدّ ذاته قضية مهمة، و حتى إذا صدرت أحياناً بعض الأخطاء أو الظلامات بحق الناس، فلا ضير في ذلك، إذ يكفي الأكراد مكسباً أنّهم لايخضعون لسلطة غيرهم، فهذا يشكّل قيمة في حدّ ذاته. ما رأيكم بهذا القول؟ 


*‌يوسف محمد: رسالتي لنيل شهادة الدكتوراه كانت عبارة عن بحث حول إقليم كردستان و تجربته السياسية. إنّني أؤمن بشيء اسمه المصالح العامة و نظام خدمة الشعب الذي يجب أن يعلو على كل اعتبار، و لا بدّ من صيانة و احترام حقوق الشعب على الصعيدين الثقافي و الوطني. في الإطار السياسي الديمقراطي يجب إيلاء حقوق الأقليات أهمية. ففلسفة قيام النظام الفدرالي تكمن في ضمان حقوق جميع المكونات، لا سيّما الأقليات. إذن، لابدّ من صيانة و احترام حقوق الأقليات دينية كانت أو قومية أو أيّ نوع آخر. الوجه الآخر للعملة هو أنّنا كقومية كردية في العراق تعرّضنا في الماضي إلى عمليات تطهير عرقي و مذابح جماعية و محاولات لطمس هويتنا و ثقافتنا. و قد رأيتم نماذج من هذه الممارسات الوحشية قام بها الدواعش في مدينة سنجار، لذلك ينبغي لنا الاحتفاظ بهذه الذاكرة التاريخية، و على أيّ حال، كإقليم فدرالي يتحتّم علينا تقديم الخدمات للشعب. لا يكفي القول أنّ المسؤولين هم من الأكراد. يجب على هؤلاء المسؤولين الأكراد تأمين مصالح جميع المواطنين القاطنين في الإقليم بشكل تام بمن فيهم التركمان و المسيحيين و الأرمن. يجب صيانة حقوق جميع مواطني إقليم كردستان، ليس مواطني الإقليم فقط، بل في جميع أنحاء العراق. إنّ رؤيتنا للقضايا و المشاكل السياسية تتمثّل في وجوب حصول أفراد الشعب العراقي برمته على جميع حقوقهم. نريد التنمية و الفدرالية و المساواة لكل العراق. يمكن القول أنّنا اليوم نملك شبه ديمقراطية، و العملية الانتخابية غير مكتملة. إنني إذ أشرت إلى النقاط السلبية و مواطن الخلل، و بيّنت أنّ عمليات الفساد المالي جارية على قدم و ساق، أقول في نفس الوقت أنّنا لم نعدم إنجاز مشاريع جيدة و مهمة خلال الـ 27 سنة الماضية، في مجال البنى التحتية و المياه و الطاقة و العمران، استطعنا، بالمقارنة مع باقي نقاط العراق، أن نقدّم أداءً أفضل و أنجح في ميادين الصحة و السلامة و التعليم و سائر المجالات الأخرى. و لكن يبقى طموحنا تقديم أداء أفضل.


فصلية طهران: في إقليم كردستان يتم الحديث عن وجود ديمقراطية توافقية، بمعنى أنّ الانتخابات تجرى، و الأحزاب تحصل على ما تحتاجه من الآراء، غير أنّ الأمر لا يتوقف على تصويت المواطنين فقط، فهناك دائماً مجموعات الضغط (لوبي) و صفقات علنية أو وراء الكواليس. ما رأيكم في هذه المسألة؟ 


*يوسف محمد: لا نزعم أنّ في إقليم كردستان توجد ديمقراطية حقيقية، لكنّنا سائرون نحو الديمقراطية. في الـ 27 سنة الأخيرة لم تكن هناك انتخابات محدّدة التواريخ سلفاً. فقد كان إجراؤها يقترن دائماً بالتأخير و الاشتراطات. نعم، أكاد أجزم أن إقليم كردستان لم يشهد حتى الآن انتخابات نزيهة تماماً. لا يمكن الحديث عن ديمقراطية في ظلّ غياب تعدّدية حزبية. نعم لدينا تعدّدية حزبية، و لكن كل من الحزبين الرئيسيين يعمل لصالحه في منطقة نفوذه، تاركين هامشاً ضيقاً لنشاط الأحزاب الأخرى. حرية التعبير و حرية ما بعد التعبير غير مصانة بشكل تام. لدينا أمثلة عن أشخاص في إقليم كردستان فقدوا حياتهم بسبب تدوينهم مقالة انتقدوا فيها الوضع القائم. المسألة نسبية، و على أيّ حال، نحن في إقليم كردستان نسير حالياً على السكة وصولاً إلى الديمقراطية الحقّة. 


فصلية طهران:  ما الحل لتكون الانتخابات في إقليم كردستان فوق الشبهات و الطعون؟


يوسف محمد: برأيي يجب أولاً توفير الظروف و الشروط الأولية اللازمة لهذه العملية. في البدء لا بدّ للقوات المسلحة و قوات البيشمركة أن تلتزم موقف الحياد التام. هذه رغبة باطنية و شخصية تساور عناصر هذه القوات أنفسهم. لقد تحدّثت مع الكثير منهم و مع بعض الأصدقاء، كلّهم أعربوا لي عن عدم ارتياحهم الشديد لاستغلالهم في التنافس السياسي. أولاً، أحد الشروط المسبقة لانتخابات نزيهة أن تكون القوات المسلحة حيادية بحقّ و بشكل تام، ثانياً، أن نجري تعداد سكاني رسمي على مستوى العراق، و على مستوى إقليم كردستان أيضاً، ليتبيّن عدد مواطنينا و فئاتهم العمرية، و أن ننظّم لوائح جادة و شفافة بأسماء الذين تتوفر فيهم شروط التصويت، لمنع حالات استغلال البطاقات الشخصية للأموات في التصويت، و التصويت للأسماء المكرّرة. و أن لا يكون للمواطنين من خارج الإقليم تأثير غير قانوني على سير الانتخابات. هذه بعض الشروط المسبقة و الشروط الأولية الضرورية لإجراء انتخابات نزيهة و مشروعة. 


فصلية طهران:  في الانتخابات الأخيرة التي أجريت في عام 2018 م كان هناك عزوف شعبي كبير عن التصويت، ما أسباب ذلك؟ 


*يوسف محمد: أسباب و عوامل عديدة تقف وراءه، من بينها فقدان الشعب ثقته بنزاهة الانتخابات، فهو قلق من حدوث تلاعب أو تزوير في سير الانتخابات، ممّا أفقده الأمل. العامل الثاني، عدم حدوث تغيير جدّي في كردستان حتى الآن، في الوقت الذي يرى الشعب بأم عينيه استغلال القوات المسلحة في الانتخابات و كيف أنّه أصبح لعبة بيد السياسيين، لقد سئم الشعب كل ذلك. لم يشهد إقليم كردستان أيّ إصلاحات سياسية جادة، وسيؤدّي ذلك إلى عواقب وخيمة على المدى الطويل بحسب اعتقادي. إنّ ابتعاد الناس عن المشاركة في العملية السياسية، قد يفتح الباب أمام تعزيز نفوذ القوى المتطرّفة في المجتمع.


فصلية طهران: لقد طرحت حركة تغيير مطاليب جادة في إقليم كردستان، و استطاعت في الانتخابات الرابعة الفوز بما يقارب 500 ألف صوت. لكنّ عدد الأصوات التي فازت بها الحركة في انتخابات عام 2018 م وصل إلى النصف، هل تشكّل هذه النتائج انتكاسة أو خسارة بالنسبة للحركة؟


*يوسف محمد: لا، ليست كذلك، كل ما نستطيع قوله هو أنّ آراءنا شهدت انخفاضاً كبيراً، و يقف وراء هذا الانخفاض عامل مهم. و هذا العامل لا يخصّ حركة تغيير وحدها، بل إنّ المناخ السياسي في الإقليم، بصورةعامة، مرّ بظروف خاصة انخفضت بسببها مشاركة المقترعين من كل الأحزاب، و طبعاً الانخفاض الأكبر في الآراء كان من نصيب حزبنا، كنّا الخاسر الأكبر، لماذا؟ لأنّنا، بخلاف الأحزاب الأخرى، لدينا أنصار من المواطنين العاديين، أعني، أنّ المواطنين الذين يصوّتون لنا هم الذين ينسجمون مع أهدافنا السياسية و الفكرية بشكل حقيقي. دعني أقولها بصراحة، إنّ جزءاً كبيراً من آراء الحزب الديمقراطي و كذلك الاتحاد الوطني تعود إلى وجود مصوّتين من قوات البيشمركة يتوزّعون على كلا الحزبين، و طبعاً لا يخفى ما لآراء هؤلاء و عوائلهم من تأثير على نتيجة الآراء. في حين أنّ حركة تغيير أخذت آراءها من مواطنين عاديين يصوّتون بشكل حقيقي لبرامجها السياسية. أضف إلى ذلك تأثير القضايا الداخلية في الحركة وبشكل خاص وفاة الكاكا نوشيروان مصطفى (الزعيم السابق لحركة تغيير) و التي أثّرت بشكل لا ينكر على نتائج الانتخابات. 


فصلية طهران: ما هي توقعاتكم عن مستقبل الأحزاب البديلة في إقليم كردستان؟ هل تملك حظوظاً في النمو لدرجة تصبح قادرة على التأثير على موازين السلطة و النفوذ ومنافسة الحزبين الرئيسيين؟ 


*يوسف محمد: أعتقد أنّنا نمر بمرحلة انتقالية، و هي لن تطول. فإذا استطاعت الأحزاب و القوى السياسية، عدا حركة تغيير و حزب الاتحاد الوطني و الحزب الديمقراطي (البارتي)، أن تنظّم نفسها بشكل جاد، و تمارس نشاطاً سياسياً مهماً، و تتحاور و تتشاور فيما بينها، أظن أنّ ذلك سيتيح لها أن تتحوّل في المستقبل القريب إلى جبهة معارضة قوية، و تلعب دوراً تحت عنوان البديل و كقوة ضغط أيضاً في مقابل الحزبين المذكورين.


فصلية طهران:  ما هو تحليلكم للاستراتيجية التي تتبعها الأحزاب المعارضة في إقليم كردستان فيما يخصّ بمستقبل هذه المنطقة؟


*يوسف محمد: لا يمكن أن نتحدّث عن استراتيجية واضحة و محدّدة ما لم تقتنع أحزاب الإقليم بهذه النتيجة و هي، إنّ الهدف من النشاط السياسي و النضال السياسي هو خدمة الشعب و تأمين المصالح العامة. و لكن عندما يتم ترجيح المصالح الحزبية على المصالح العامة للشعب، و عندما تتضخم المصالح الشخصية و تكتسب أهمية، فليس باستطاعة الانتخابات أن تمنح السلطة لأحد. كيف لنا أن نتحدّث عن استراتيجية و المصالح الحزبية، مع الأسف، تعلو على كل اعتبار. متى ما كانت أصوات الشعب المعيار الذي تضبط على أساسه مختلف القضايا السياسية و الصراعات الحزبية، حينذاك يمكن الحديث عن استراتيجية شاملة. أمّا في ظلّ الظروف الراهنة، فالأحزاب منشغلة بالمسائل اليومية.


فصلية طهران:  ثمة انتقادات توجّه إليكم بأنّ سياسة حركتكم في النهار تختلف عنها في الليل. فتارة تلبسون لباس المعارضة و توجّهون الانتقادات إلى الحكومة، و تارةً أخرى تتصرّفون كموالاة و شركاء في الحكم. كيف تفسّرون نهج الحركة؟ 


*يوسف محمد: لحركة «تغيير» استراتيجية مكتوبة و واضحة هدفها خدمة شعب إقليم كردستان، و هي تعرف جيداً ما الخطوات الواجب عليها اتّخاذها في الميادين السياسية و التنفيذية و الاقتصادية و الدفاعية و الأمنية و الاجتماعية و الثقافية. تعرف جيداً شكل العلاقة التي ينبغي أن تنتظم و تُدار بين إقليم كردستان و الحكومة المركزية العراقية. إنّ حركتنا تعمل ليل نهار لبلوغ هذه الاستراتيجية و تلك الأهداف. و بناءً عليه، فنحن نعمل لتحقيق أهدافنا سواء كنّا في الحكومة أم في صفوف المعارضة. وندعم أي حكومة تعمل من أجل تحقيق هذه الأهداف. في عام 2012 م شكّل الأخ نيجرفان بارزاني الوزارة و التقى بأعضاء حركة تغيير بوصفه رئيساً للوزراء. في ذلك الوقت سلّمناه بعض المشاريع و المقترحات، و قلنا له بصراحة إذا عمل على تحقيقها فسوف ندعمه حتى لو لم نشارك في الحكومة. صبرنا ستّة أشهر لنر أداء الحكومة، وقد خاب أملنا عندما لم يحقّق شيئاً من وعوده، و لم يخطُ خطوة واحدة على طريق تحقيق الأهداف و المشاريع المقترحة. حينئذ فقط رفعنا صوتنا و وجّهنا انتقاداتنا بشكل فعال من موقع المعارضة، و قمنا بدورنا كما ينبغي. في الحقيقة، لا يهم إن كنّا داخل الحكومة أو خارجها، ما يهمّنا هو الاستراتيجية و طبيعة الأهداف، و مشاريعنا هي لخدمة شعب الإقليم.


فصلية طهران: أسلوب الحكم العائلي في نقل السلطة هو أيضاً من المآخذ و الانتقادات الموجهة للتركيبة السياسية في إقليم كردستان العراق، فالكثير من مصادر السلطة و الموارد الاقتصادية يتحكم بها أفراد ينتمون لأسر متنفذة و قوية في حكومة الإقليم. ما تعليقكم على هذا الرأي؟ 


*يوسف محمد: إنّنا لا نتدخل في الشؤون الداخلية للأحزاب، و لا شأن لنا بالطريقة التي تدير بها الأحزاب هيكلها التنظيمي. و هو طبعاً أسلوب خاطئ على أيّ حال، إذ ينبغي لتلك الأحزاب أن تُدار بالأساليب الديمقراطية و الأدوات الحزبية الديمقراطية. بالنسبة لحركتنا «گوران» أو تغيير، نسعى إلى ممارسة نشاطاتنا السياسية على أساس المبادئ الحزبية الديمقراطية الحقيقية، و لا يمكن لحركتنا أن تدار كحزبٍ عائلي، أو يكون انتقال السلطة فيها وفقاً للنظام العائلي. نطالب باحترام القانون و المقاربات الحقوقية و أن تكون فوق كل اعتبار فيما يتعلّق بنظام الحكم في الإقليم، و أن لا يكون الانتساب إلى الأسرة أو القرابة مصدر سلطة الأفراد و نفوذهم السياسي، بل تقديم المشروعية الديمقراطية على كل عامل آخر.


فصلية طهران:  يشوب وضع السلطة القضائية في إقليم كردستان بعض الغموض، ما رأيكم في دور هذه السلطة و موقعها في الإقليم؟ هل تمارس صلاحياتها بشكل مستقل؟


*يوسف محمد: كلّا، السلطة القضائية في الإقليم أيضاً تعاني من مشاكل عديدة، و للأسف، شأنها في ذلك شأن العديد من المؤسسات و مفاصل الدولة الأخرى، فهذا الجهاز واقع تحت سيطرة الأحزاب و سطوتها و يمارس دوره على هذا الأساس. فعندما تصدر السلطة القضائية حكماً، ليس بوسع أحد تنفيذه، لأنّه لا يملك شرطة قضائية أو ضابطين قضائيين، و بالتالي فقواتنا الشرطية و العسكرية تأتمر بأوامر الأحزاب. و على هذا الأساس، لا يمكن القول، للأسف، أنّ لدينا في الوقت الحاضر سلطة قضائية مستقلة في إقليم كردستان. 


فصلية طهران:  ما العمل إذن؟ هل ترون فائدة عملية في تعليم القضاء و مأسسة تدريس فرع الحقوق و القانون في جامعات الإقليم، لحلّ و لو جزء من المشكلة؟ 


*يوسف محمد: في اعتقادي يوجد حلّان مهمان، الأول، التركيز على بعض العناصر مثل الكفاءة و الخبرة القانونية أكثر من أيّ شيء آخر عند اختيار قضاة التحقيق و القضاة و المدّعين العامين، و أن تكون هذه العناصر هي الحاسمة في ارتقائهم الوظيفي و ترفعيهم في سلّم الجهاز القضائي. و كذلك أن تؤخذ بعين الاعتبار الخبرة الحقوقية للقضاة و قضاة التحقيق و تجاربهم و سوابقهم عند تشكيل مجلس القضاء الأعلى. الحل الثاني هو تعهّد المؤسسة السياسية و التنفيذية و جميع الأحزاب في الإقليم بعدم عرقلة تنفيذ الأحكام الصادرة من قبل قضاة الجهاز القضائي، و السماح لقضاة التحقيق و القضاة بإصدار أحكامهم باستقلالية، و تمكينهم بالاتكاء إلى سلطة القضاء من استخدام الشرطة لتنفيذ الأحكام، و عدم تعطيلها. 


فصلية طهران:  اسمحوا لنا أن نعود مرة أخرى لموضوع تجربة البرلمان في التركيبة السياسية لإقليم كردستان و كذلك تجربتكم الشخصية في رئاسة البرلمان. هل لكم أن‌تطلعونا على آرائكم و برامجكم الخاصة للنهوض بمكانة البرلمان في التركيبة السياسية و الاجتماعية للإقليم؟ و كيف تقيّمون خبراتكم في الوقت الحاضر؟ 


*يوسف محمد: قبل كل شيء أودّ أن أقول بأنّني و أصدقائي و زملائي في برلمان الإقليم وضعنا على صدر اهتماماتنا العمل على أن يكون البرلمان صوت الشعب و ممثلاً حقيقياً لطموحاته و آرائه، و أن يجسّد إرادته في المنظومة السياسية و التشريعية للإقليم، و عندما اضطلعت بمهمة رئيس البرلمان، كثيراً ما كان الناس يوجّهون خطابهم لي إيماناً منهم بأنّ موقعنا كجزء من المنظومة التشريعة و السياسية في كردستان العراق يملي علينا الاهتمام بمطاليبهم و تمثّلها، و باعتقادي هذه كانت إحدى علائم ارتقاء مكانة البرلمان في الإقليم، فكل من لديه انتقاد كان يطرحه على البرلمان، من خلال لقاءات مباشرة بالنواب بعيداً عن الآليات البيروقراطية و الإدارية في الإقليم، كان الناس يعتقدون أنّ النائب هو صوتهم و ممثلهم الحقيقي، لقد سعيت كرئيس للبرلمان أن لا يصبح هذا الموقع ممثّلاً لحزب معين، بل ممثّلاً للشعب و صوته. و في كثير من الأحيان كنا نسعى للتعاون مع السلطة القضائية. كنت ألتقي بالقضاة و المسؤولين في هذه السلطة و أعرب لهم عن دعمي ومساندتي. و غالباً ما كنت أوجه الدعوة إليهم لإجراء محادثات مفصّلة حول مختلف القضايا. كان لنا تواصل دائم مع رئيس الوزراء و وزرائه. لم تلق هذه السياسة استحساناً من قبل التركيبة السياسية و السلطة التنفيذية في الإقليم، لم يكونوا راغبين في تبلور إرادة برلمانية، من حيث أنّنا لم نسمح لأيّ سلطة من خارج البرلمان أن تصادر استقلالية قرارنا. حتى عندما كانت الحكومة و السلطة التنفيذية تريد تعطيل مشروع معيّن، كنّا نحيل طلب السلطة التنفيذية على نواب البرلمان ليبتّوا بأمره. أقولها بفخر و اعتزاز، و للشعب في كردستان أن يقول رأيه في هذه المسألة، كانت فترة ترأُسي للبرلمان فترة استثنائية. كان يهمنا كثيراً أنا و زملائي أن يقال بأنّ البرلمان بيت الشعب. و مكان صنع القرارات، و مناقشة جميع القضايا بشفافية تامة.
اسمحوا لي أن أطلع قراء مجلتكم الكرام على هذه النقطة و هي، في المراحل السابقة لاستلامنا أنا و زملائي رئاسة برلمان إقليم كردستان العراق، كان زجاج النوافذ معتماً، بحيث لا يُسمح بالنظر داخل قاعة البرلمان، و لم يكن مسموحاً أيضاً لأحد بالدخول، جميع اللقاءات و المناقشات و عمليات اتخاذ القرار كانت تتم بشكل سري، لم يكن يسمح للصحفين بدخول البرلمان لتغطية نشاطاته. و لكن بعد استلامنا رئاسة البرلمان فتحنا جميع الأبواب و النوافذ و سمحنا للصحفيين و المراسلين و ممثّلي جميع وسائل الإعلام بالتغطية الخبرية من داخل البرلمان، و غالباً ما كانت باحة البرلمان مسرحاً لاجتماع الصحفيين و المراسلين لمتابعة شؤون الحكومة، لأنّ قاعة البرلمان كانت قريبة من مبنى الحكومة. مسألة أخرى و هي الرقابة. لقد عهدنا إلى منظمات المجتمع المدني بمهمة مراقبة القضايا الداخلية للبرلمان. كنّا ندعو ممثلين عن مختلف المكونات و الأطياف و الأحزاب للحضور في البرلمان و مراقبة لقاءاتنا و اجتماعاتنا، و التعبير عن آرائهم و مقترحاتهم، و كتابة تقارير منظمة عن نشاطاتنا. كنّا نسمح للمواطنين العاديين بحضور جلسات البرلمان ليراقبوا من الشرفة المطلة على باحة البرلمان نشاطات البرلمان بما في ذلك كلمات النواب و عمليات التصويت. و في أحيان كثيرة كنّا نقيم ورش بحثية. حيث كنّا قبيل التصويت على مشاريع القوانين ندعو مجموعة من المواطنين ممّن لهم علاقة بنحوٍ أو بآخر بتلك المشاريع لحضور تلك الورش في صفوف صغيرة لاستطلاع آرائهم حول ما يُطرح. طبعاً لم تكن هذه الفعاليات من بنات أفكاري أنا لوحدي أو من ابتكاراتي فقط، بل الحقّ يقال، إنّ نائبي رئيس المجلس الكاكا جعفر ايمنكي و الكاكا فخرالدين كان لهما دور كبير في هذه الفعاليات.


فصلية طهران: تفضلتم في بداية الحديث و أشرتم إلى أنّ عدم وجود دستور يمثّل إحدى معضلات إقليم كردستان. هل لكم أن تعطونا فكرة أوضح عن الموضوع. هل بذلتم محاولات أثناء فترة رئاستكم للبرلمان لتدوين دستور خاص بالإقليم؟ لماذا لا يزال الإقليم لايملك وثيقة الدستور على الرغم من مرور ثلاثة عقود على استلام الأحزاب الكردية زمام السلطة السياسية و التنفيذية في الإقليم؟


*يوسف محمد: تختلف الآراء و المقاربات إزاء طريقة الحكم في إقليم كردستان باختلاف الأحزاب، و في الحقيقة، إنّ اختلاف مصالحها هو الذي شكّل حاجزاً و عائقاً عملياً أمام الأسلوب الرشيد في الحكم. في السابق، كان هناك مشروع مدوّن لكنّه لم يخلُ من ثغرات و نواقص كثيرة. لقد وضعنا ذلك النص على الطاولة مرة أخرى، و شكّلنا لجنة لدراسته من مختلف الأبعاد و الجوانب، لكن صادف ذلك الوقت تعطيل البرلمان بشكل غير قانوني، فلم يسمحوا بمواصلة هذه المسيرة حتى غايتها. أتمنى أن يضع البرلمان في الدورة التشريعية الجديدة على صدر أولوياته موضوع تدوين الدستور و التصويت عليه بوصفه خطوة حقوقية و جوهرية مهمة.


فصلية طهران: برأيكم أيّ النظامين أصلح و أفضل لإدارة إقليم كردستان العراق، النظام الرئاسي أم البرلماني؟


*يوسف محمد: أعتقد أنّ النظام البرلماني أفضل و أنسب بكثير من النظام الرئاسي بالنسبة للمجتمع أو النظام الذي يعيش مرحلة انتقالية وصولاً إلى الديمقراطية. ففي النظام البرلماني لا تتمركز السلطة في يد شخص واحد، علاوة على وجود إمكانية للرقابة. هذه الرقابة يمكن أن تخلق التوازن، و إذا نظرنا من زاوية مبدأ فصل السلطات أيضاً فإنّ النظام البرلماني هو الأكفأ و الأقدر من النظام الرئاسي. لا بدّ من القول بأنّ النظام الرئاسي لم‌يكن موفقاً إلّا في الولايات المتحدة، أمّا عن أسباب هذا النجاح، فذلك موضوع يطول شرحه. و تطبيق النظام الرئاسي في بلدان أمريكا اللاتينية و بلدان كثيرة غيرها أيضاً، جرّ عليها مشاكل خطيرة، إذن، يبقى النظام البرلماني من وجهة نظر العديد من المحللين السياسيين في العالم هو الأصلح و الأكثر فائدة.


فصلية طهران:  التوترات و الخلافات القائمة بينكم كحركة تغيير و الحزب الديمقراطي (البارتي) مشهودة. فالبارتي منعكم من دخول البرلمان و طرد وزرائكم من الحكومة. من ناحية أخرى، تعمل حركة تغيير مع الاتحاد الوطني الكردستاني على مواجهة البارتي. ولكن ثمة قرائن عديدة ظهرت في السنوات الأخيرة تشير إلى بروز بعض المشاكل بين حركتكم و الاتحاد الوطني أيضاً، و على الرغم من توقيع الطرفين على بعض التوافقات في عامي 2012 و 2016م، و لكن يبدو أنّ الخلافات ما تزال قائمة. هل أنتم متفاءلون في المرحلة الجديدة بالتغلّب على هذه الخلافات؟


*يوسف محمد: في ظنّي أنّ نهاية هذه الخلافات ترتبط مباشرة بمدى صدقية زعماء الاتحاد الوطني و التزامهم بالتوافقات السابقة الموقّعة بين المرحوم مام جلال طالباني و المرحوم نوشيروان مصطفى، و كذلك التوافقات التي ظهرت لاحقاً، و المتعلقة بإجراء الإصلاحات. لهذا أقول، بإمكان حركة تغيير أن تعمل مع الاتحاد الوطني إذا التزم الأخير بإجراء تلك الإصلاحات، و في غير هذه الحالة، لن نضع أيدينا في أيديهم. الموضوع لا يتعلّق بتوزيع المناصب إطلاقاً، بل بكيفية إدارة إقليم كردستان و خاصة المجلس الإداري لمحافظة السليمانية.


فصلية طهران:  من المعلوم أنّ محافظتي حلبجه و السليمانية يسيطر عليها الاتحاد الوطني و محافظتي أربيل و دهوك تحت سيطرة الحزب الديمقراطي (البارتي)، بما يوحي بنحوٍ ما، وجود سلطتين أو حكومتين ضمن الجغرافيا السياسية لإقليم كردستان العراق. مما يعني عدم قدرة كل منهما على اتخاذ قرارات في مناطق نفوذ الآخر. هل لديكم أمل بتغيّر هذا الوضع؟


*يوسف محمد: ما لم تنتظم قواتنا العسكرية و الدفاعية ضمن إطار أو منظومة محدّدة موحدة، و ما لم تفصل قيادة قوات البيشمركة عن القضايا الحزبية، فإنّ مسألة السلطتين و الشطرين و الحزبين سوف تظلّ على حالها. هاتان السلطتان هما في الحقيقة نتاج خط التماس الذي رُسم بعد الاقتتال الذي جرى بين قوات البيشمركة لكلا الجانبين، لذا فالمشكلة ستظلّ قائمة ما لم تتغيّر تلك الفكرة.


فصلية طهران: هل لكم أن تحدّثونا عن موضوع الفساد المالي و الاقتصادي. تعلمون أنّ العراق يتصدّر قائمة البلدان الأكثر فساداً في العالم، و إقليم كردستان ليس بمستثنى عن هذا التصنيف. ما الذي يجب فعله للقضاء على الفساد المالي و استئصاله من الجسم السياسي و الاقتصادي لإقليم كردستان العراق؟ 


*يوسف محمد: يترتب على الفساد المالي نتائج سلبية جمة، من أهمها هدر مليارات الدولارات من الميزانية العامة لشعب الإقليم، و إثراء مجموعة صغيرة و استحواذها على ثروات عظيمة. و لو أنّ تلك الأموال و الثروات أُنفقت على المشاريع الاقتصادية و العمرانية و سُخّرت لخدمة الناس، لكان مستوى الرخاء في كردستان بلغ مراتب عليا. إحدى النتائج السلبية الأخرى للفساد المالي هي أنّه منع استثمار مداخيل الإقليم النفطية لخدمة الشعب و النهوض بالتنمية الاقتصادية للإقليم، و أصبح وسيلة لظهور طبقة أرستقراطية ثرية تشكّل قوام النخب السياسية و التنفيذية، و تستحوذ على المناصب المهمة و تتنعّم بأموال البترودولار. لهذا السبب لا تستطيع هذه الطبقة الوقوف بوجه الأعداء و المعارضين. لو كان لنا اقتصاد قوي، لتسنّى لنا تبوّء مكانة أفضل على صعيد المنطقة. 
فالفساد المالي أدّى إلى ظهور طبقة راحت تسخّر المناصب السياسية و التنفيذية لخدمتها و خدمة من يدور في فلكها، و تؤثّر على المعادلات السياسية و الحزبية، و بذلك وجّهت ضربة للديمقراطية. إنّ العدالة في الإقليم تُسحق تحت الأقدام بشكل علني. فقد تكوّنت في الإقليم طبقة ثرية جداً تنعم بحياة ملؤها الرخاء و النفوذ، و في المقابل، هناك شريحة فقيرة ذات دخل متدنٍّ، و خاصة الطبقة المتوسطة في المجتمع، تأثّرت بشكل خطير، و كنتيجة لهذا الفساد المالي المستشري و الظلم و اللامساواة، حدث شرخ طبقي عميق في الحياة السياسية و الاجتماعية في الإقليم، وهو في طريقه إلى محو الطبقة المتوسطة من الوجود. إنّ استمرار الأوضاع على هذا النحو يمكن أن يؤدي إلى نشوء جماعات متطرّفة لتنمو و تتغلغل لامرئياً داخل الطبقات، و تتخذ من عامل الظلم ذريعة لتحقيق أهدافها.


فصلية طهران: إنّ التركيبة الفدرالية للعراق و الوضع القائم أتاح للأكراد و الأحزاب الكردية التمتّع بمزايا عديدة، منها على سبيل المثال، أنّ بإمكان الساسة الكرد أن يتمثّلوا في برلمان إقليم كردستان و في نفس الوقت يمارسوا نشاطهم كممثلين للإقليم في مجلس النواب العراقي. سؤالنا هو لماذا عجزت الأحزاب الكردية في مجلس النواب العراقي عن تشكيل كتلة موحدة و متماسكة، ليكون لها موقف موحد في مختلف القضايا؟ 


*يوسف محمد: لا أعتقد أنّ الوحدة و الوفاق بين الممثلين الكرد في مجلس النواب العراقي و تشكيل كتلة موحدة أمر ننتظر حدوثه في بغداد. حصول هذه الوحدة و التوافق يجب أن يتمّ أولاً في كردستان. فما دمنا نحن كأحزاب كردية في الإقليم لا نمتلك رؤية متقاربة إزاء أسلوب إدارة الإقليم و مصالحنا المشتركة، فلا نتوقع أن يحصل هذا التوافق و الوحدة في بغداد أيضاً. لا بأس أن آتي بمثال حول موضوع النفط، إنّ الحزب الديمقراطي (البارتي) و حزب الاتحاد الوطني يتصرّفان في هذا الموضوع على نحوٍ يجعلنا نتمنّى في كثير من الأحيان لو أنّ شركة سومو العراقية (شركة النفط العراقية) هي التي تتولّى عملية تسويق نفط إقليم كردستان، فهذا أفضل، لماذا؟ لأنّ الحزبان يرجّحان مصالحهما الحزبية على أيّ شيء آخر، الأمر الذي يفسّر فشلنا في الوصول إلى رؤية مشتركة حول النفط و سائر المنابع و المعادن، و حتى المعاناة و المشاكل المشتركة التي نكابدها. إذن، فهذه المشكلة يجب أن تحل في إقليم كردستان أولاً و أن يحصل التوافق بشأنها قبل الذهاب إلى بغداد. على النواب الأكراد الذهاب إلى بغداد بعد أن يكونوا قادرين على تشكيل كتلة موحدة و منسجمة للدفاع عن المصالح العامة للأكراد في الإطار السياسي للعراق.


فصلية طهران: مضى عام واحد على الاستفتاء الذي أجري لانفصال إقليم كردستان عن العراق. الآن و قد ابتعدنا عن أجواء ذلك اليوم زمنياً و عاطفياً، ما هو تقييمكم الشخصي حول قرار إجراء الاستفتاء؟ ما هي النتائج و المكتسبات التي حقّقها ذلك القرار للأكراد؟


يوسف محمد: إجراء الاستفتاء كان خطأً مدمراً. أعتقد أنّه لم تتم دراسة النتائج و العواقب المحتملة لهذا الاستفتاء بصورة دقيقة. و كذلك لم تتم دراسة ردود الأفعال التي سوف تترتب عليه. لم تكن هناك جهوزية كاملة، و إجراء استفتاء الاستقلال ليس فقط لم يعزّز قوة الإقليم بل أضاف مشاكل جديدة. من بينها فقدان الإقليم لـ 50 في المائة من أراضيه، و أصبح موقف الإقليم ضعيفاً للغاية إزاء حكومة بغداد، ناهيك عن تحطّم حلم الاستقلال. ذلك الحلم الذي راود مخيلتنا لعقود طويلة، و تحوّل إلى هدف كبير و مهم، حتى هذا الهدف أحاطت به شكوك و أسئلة كثيرة. نحن نؤمن بأنّ الدولة ليست ظاهرة يُعلن عنها، الدولة تتأسّس و تظهر للوجود ضمن مسار طبيعي. تأسيس الدولة يحتاج إلى بنية تحتية و إلى قواعد و أركان. من ناحية ثانية، يجب أن نضع في اعتبارنا حقيقة أنّ تأسيس الدولة الكردية في إقليم كردستان ليست قضية تخصّ العراق و جيران العراق فحسب. إنّها قضية ترتبط بكليانية منطقة الشرق الأوسط. فإعطاء الأولوية للمصالح العامة المشتركة أهم بكثير من تأسيس دولة مجهولة المصير و المستقبل.


فصلية طهران:  كيف ترون علاقات إقليم كردستان بالمنظومة الدولية؟ 


*يوسف محمد: أعتقد أنّ إجراء الاستفتاء أثّر سلباً على علاقات الإقليم الخارجية. لقداستطاع الإقليم قبل الاستفتاء أن يتبوّأ موقعاً خاصاً و متميزاً في المنظومة الدولية على الرغم من‌افتقاده إلى الصفة الرسمية و الحكومية. لكنّ هذا الموقع اهتزّ و تراجع على الصعيد الدولي بعد إجراء الاستفتاء.


فصلية طهران: في إقليم كردستان هناك خلافات قائمة بين الحزب الديمقراطي و الاتحاد الوطني و حزب العمال (پ.ك.ك)، برأيكم، كيف ينعكس استمرار هذه الخلافات على مكانة كل من هذه الأطراف؟


*يوسف محمد: تتفاوت أوضاع و ظروف الأكراد في كل من العراق و تركية و إيران و سورية، و لا يمكن أن ننظر إليهم جميعاً نفس النظرة أو نضع حلولاً موحدة لمشاكلهم. يجب أن نضع ذلك التفاوت في الحسبان و أن نعترف باختلاف الظروف و المواقع. و مع‌ذلك، بإمكان الأحزاب الكردية في المنطقة على الرغم من هذا التفاوت و الاختلاف أن تصل إلىرؤى مشتركة و متقاربة حول مختلف القضايا. و لكن لا توجد مثل هذه الرؤى حالياً، و هو مايثير المشاكل في إقليم كردستان تارةً، و في شمال سورية أخرى.


فصلية طهران: ماذا تتوقعون أن يكون دور أكراد سورية في المستقبل؟


*يوسف محمد: في البداية، يجب أن ننتظر لنرى ما ستؤول إليه أوضاع سورية ككل. فسورية ما بعد الأزمة ليست سورية ما قبلها. لنرى إن كان سيتبلور إطار غير مركزي للحكم في هذا البلد أم لا. بطبيعة الحال، إنّ موقع الأكراد في سورية سيكون مرتبطاً بهذا الموضوع.


فصلية طهران: ما رأيكم في العلاقة بين الولايات المتحدة و الأكراد؟


*يوسف محمد: ليست الولايات المتحدة وحدها، بل سائر القوى العالمية الأخرى أيضاً لاتملك استراتيجية خاصة بمستقبل الأكراد، فعلاقتهم بالأكراد مرتبطة بقراراتهم و رؤيتهم إزاء إيران و العراق و تركية و سورية. لا الولايات المتحدة و لا الصين و لا روسية و لا الاتحاد الأوروبي لا يملك أيّ منهم خطة أو رؤية خاصة إزاء الأكراد أو دورهم، بل إنّ أسلوب تعاطيهم أو مواجهتهم مع البلدان الأربعة المذكورة التي تضمّ أقليات كردية هو الذي يحدّد طبيعة سياستهم.


فصلية طهران: هل ينطبق هذا الأمر على إسرائيل أيضاً؟ أطرح هذا السؤال لجهة أنّه خلال إجراء استفتاء الاستقلال لإقليم كردستان، رأينا كيف دعم بعض المسؤولين في إسرائيل موضوع استقلال الأكراد في العراق؟


*يوسف محمد: نعم، هذا ينطبق على إسرائيل أيضاً. فهي أيضاً لا تملك رؤية أو برنامجاً واضحاً للأكراد. و برأيي يجب أن ننظر إلى إعلان إسرائيل دعم الاستقلال كسلوك تكتيكي غير ذي شأن، و ليس على مستوى القرارات الاستراتيجية.
فصلية طهران: نشكركم على عنايتكم الخاصة و على صراحتكم و شفافيتكم.


قراءة: 927