فصلنامه مطالعات سیاست خارجی تهران
 

الأحزاب الإسلامية في إقليم كردستان العراق

زانا روستائي
عضو مجلس القيادة في حزب الجماعة الإسلامية في كردستان العراق.

زانا روستائي من مواليد 1969 م في قرية «روست» بمنطقة بالكایتی. في عام 1991 م تخرج من جامعة صلاح الدين بأربيل فرع الحقوق. و في نفس العام حصل على عضوية حزب الحركة الإسلامية الكردستانية،ثم انتخب لاحقاً كأحد قياديي حزب الجماعة الإسلامية بعد تأسيسه. أصبح نائباً في برلمان كردستان في دورته الثانية،و كان أحد أعضاء اللجنة القانونية في البرلمان لعدّة دورات. كما انتخب كنائب في البرلمان العراقي الاتحادي في دورته الثالثة. حالياً هو أحد أعضاء اتحاد نواب برلمان كردستان و رئيس تحرير مجلة پارلمانتار. يشير روستائي إلى الإنجازات و التحديات في المناطق الكردية بالعراق،و يعتقد أنّ قرار إجراء استفتاء الانفصال في كردستان العراق كان قراراً خاطئاً،و أنّه كان بمثابة السباحة عكس التيار على حدّ تعبيره.


الکلمات الأساسیة: استفتاء الانفصال، حزب الجماعة الإسلامية، إقلیم کوردستان، الأحزاب الإسلامية

 

فصلية طهران: أرجو في البداية أن تصفوا بنظرة عامة أوضاع الأكراد في منطقة الشرق الأوسط،و توضّحوا ما هي الاختلافات التي تميّز هذه الأوضاع عمّا كانت عليه في الماضي؟


*زانا روستائي: هناك بعض الاختلافات التي طرأت على أوضاع الأكراد في الشرق الأوسط خلال القرنين العشرين و الحادي العشرين،و لكن اسمحوا لي في البداية أن أطرح أوجه الشبه بين الماضي و الراهن. كناشط و خبير سياسي عمل في هذه المنطقة منذ أواخر القرن العشرين و أوائل القرن الحادي و العشرين و كان يرصد مسار التحولات السياسية المهمة عن قرب،أعتقد بأنّ أهم نقطة اشتراك بين أوضاع الأكراد في الشرق الأوسط طيلة هذه السنوات هي أنّهم لم يحقّقوا طموحاتهم حتى الآن،و هي ما زالت معلّقة. و كما رأينا فقد عاش الأكراد في القرن العشرين و عبر عقود مختلفة العديد من التراجيديات و الكوارث الجسام،بعضها وقع في إقليم كردستان،كما شهد الإقليم في القرن الحادي و العشرين أقسى الحملات وحشية من قبل جماعات داعش التكفيرية الإرهابية ضدّ الأكراد. و هذه في حدّ ذاتها تراجيديا مهولة في التاريخ الكردي المعاصر. و لكن إذا تجاوزنا النقاط التي ذكرتها،و أردنا الحديث عن الاختلافات و التباينات التي طرأت على أوضاع الأكراد في هذه المرحلة فلا بدّ أن أقول،أنّه في بداية القرن الحادي و العشرين اتجهت أوضاعهم نحو التحسّن الإيجابي النسبي.  فقد استطاعوا تحقيق الاستقرار المنشود في بعض المجالات. لاسيّما و أنّهم استطاعوا إيصال صوتهم إلى أسماع العالم،و كانوا موضع اهتمام من قبل وكالات الأخبار و العلاقات الدولية،و كانت قضاياهم و مطاليبهم و دورهم في المعادلات السياسية الإقليمية في الواجهة. في ظنّي أنّها نقطة مهمة. و التطور المهم الآخر الذي حصل في أوضاع الأكراد،تبلور نظام حكم محلي في إقليم كردستان يتمتّع بأهمية كبيرة و له تأثير على معادلات الأكراد في المنطقة. و لكن في إطار استنتاج عام و تحليل كلي لا بدّ من القول بأنّ التحولات التي حصلت بالنسبة لأوضاع الأكراد في المنطقة لم تكن بنيوية و حيوية،إذ ما زال الكثير من قضايا الأكراد و مطاليبهم و طموحاتهم لم يلق آذاناً صاغية حتى الآن،لكنّ الأكراد أنفسهم يفتقدون إلى مؤتمر وطني،و مظلة موحدة تجمعهم،و هو ما يجعلهم عاجزين عن تحقيق أهدافهم و طموحاتهم.


فصلية طهران: كما تعلمون لقد استطاع الأكراد إقامة نظام سياسي في إقليم كردستان، كان بعد عام 1991 م على نحوٍ،و بعد عام 2003 م أي تاريخ سقوط النظام السابق فما بعد على نحوٍ آخر. هل لكم أن تقيّموا تجربة الحكم و الإدارة الكردية في إقليم كردستان العراق في هاتين الفترتين،و كيف كان أداء الحكومة؟


*زانا روستائي: أعتقد أنّه قد سنحت للأكراد فرصة ذهبية و تاريخية لكي يكسبوا من خلالها تجارب سياسية جديدة. منذ عام 1991 م فما بعد،أي بعد خروج قوات البعث الصدامي من المناطق الكردية،استطاع الأكراد أن يشكّلوا برلماناً خاصاً بهم،و يحقّقوا قوة و إدارة سياسية جديدة،و في التحولات التي طرأت في عام 2003 م أيضاً استطاع الأكراد تعزيز موقعهم و نظامهم،و في نفس الوقت لعب دور مهم على صعيد تأسيس العراق الجديد و أن تكون لهم مشاركة جدية في هذا المجال،و كانت لهم خطوات مهمة أخرى بعد ذلك في إطار المنظومة الحكومية و السياسية. أعتقد أنّ تجربة الحكم للأكراد في إقليم كردستان كانت مهمة من الناحية السياسية و من منظار التأثير على سائر المعادلات الإقليمية. و لكن هذا لا يعني أنّ الأداء كان موفّقاً تماماً،فلا شكّ في وجود بعض الأخطاء التي شابت هذه العملية. من بينها يمكن الإشارة إلى مسألة ترجيح المصالح الشخصية و الحزبية على المصالح الوطنية و الشعبية دائماً،و لم يخطر في بال الزعماء السياسيون الأكراد يوماً أن يوظّفوا سياساتهم و برامجهم لخدمة أهداف عموم الشعب،بل كان همّهم الدائم هو تعزيز موقع الحزب أولاً. فمثلاً الاقتتال الذي وقع بين الحزب الديمقراطي و الاتحاد الوطني الكردستاني كان من الوقائع المشؤومة في إقليم كردستان،كما أنّ الاختلافات ما زالت قائمة بين الحزبين و تلحق ضرراً كبيراً بالأكراد. لم يستطع أن يبرهنوا للعالم قدرتهم على تأسيس حكومة تحترم الحقوق الشخصية و الاجتماعية و قيم الحرية و الديمقراطية و العدالة. 
و كما أسلفت فإنّ المصالح الحزبية و الشخصية تهيمن على المصالح الوطنية و العامة،و هذا في حدّ ذاته ضرر خطير للغاية. على سبيل المثال،لم نستطع تشكيل حكومة في إقليم كردستان على الرغم من مرور ستّة أشهر على إجراء الانتخابات المحلية في الإقليم. لماذا؟ لأنّ هناك خلافات جدية بين الحزب الديمقراطي و الاتحاد الوطني و سائر الأحزاب الأخرى على تقاسم المناصب و توزيع السلطة،و كل منهم يقاتل من أجل تحقيق أكبر قدر من المصالح.

 

فصلية طهران: هل تعتقدون أنّ بإمكان الأكراد الحصول على حقوقهم و طموحاتهم في إطار عراق فدرالي؟ أم إنّ تحقيق حلم الدولة المستقلة أمر مفروغ منه دائماً بغض النظر عن الظروف و الأوضاع؟


*زانا روستائي: أعتقد أنّ للأكراد الحق،شأنهم شأن أيّ شعب آخر،في أن يكون لهم تركيب سياسي و دولة مستقلة خاصة بهم،و هذا أمر بديهي و لا جدال فيه،و لكن لايمكن أن نصرف النظر عن هذه الحقيقة و هي،ليس مجرّد تأسيس الدولة يمكن أن يضع حداً لجميع المشاكل المطروحة. فأنتم ترون أنّ الدول القائمة في العديد من بلدان العالم هي دول قومية،و مع ذلك فحكوماتها ليست فاعلة و ناجحة،و المواطنون في ظلّ هذه الدول يعانون الأمرّين،من ظلم و اضطهاد و فساد مالي و لامساواة و تمييز،و قد فرّت الشعوب من نير هذه الحكومات المحلية و لجأت إلى الدول الغربية،لماذا؟ لأنّام تعتقد أنّ حقوقها مسلوبة. و بناءً عليه،فإنّ تأسيس أيّ دولة يجب أن يرتكز أولاً و قبل كل شيء على ضمان الحقوق الفردية و الاجتماعية و تأمين حرية الشعب و استقراره و رخائه. و لهذا السبب أعتقد بأنّ قرار إجراء استفتاء الاستقلال عن العراق كان خطأً و سباحة ضدّ التيار. جميع أصدقاء الشعب الكردي قالوا لنا بأنّ هذا القرار خاطئ،و لكن لم يكن هناك أحد من المسؤولين مستعداً لقبول هذه النصائح لأنّ بعض زعماء الأكراد أراد أن يتّخذ من هذا القرار سلّماً للوصول إلى مآربه في الشهرة و السلطة،و لم يعرف بأنّه بعمله هذا،للأسف،و جّه ضربة لمطاليب الأكراد و القضية الكردية. لقد تسبّب قرارهم هذا بتأخير تنفيذ المطاليب الكردية عدّة عقود أخرى،و ترتّبت عليه نتائج سلبية خطيرة،أقلّها أنّ أجزاء كبيرة من المناطق الكردية المتنازع عليها و التي كانت تحت سيطرة قوات البيشمركه وقعت مرة أخرى بيد قوات الحكومة العراقية المركزية،و بذلك برزت مشاكل عديدة. كما أنّ الاستفتاء أصاب وحدة القوى الكردية في الصميم، و الحقيقة هي أنّ هذا التصرّف كان ضرباً من عدم الكفاءة السياسية و جهل الحاكم بمبدأ التوازن في العلاقات الدولية. لو أنّهم كانوا قد حلّلوا بشكل جدي التوازنات الدولية و الإقليمية لما أقدموا على مثل هذه الخطوة. من وجهة نظرنا،كانت هذه الخطوة نوعاً من التمرّد، و لم تتمخّض عنها أيّ نتائج إيجابية. لذا، فنحن كجماعة إسلامية نعتقد بأنّ النضال من أجل تأسيس الدولة الكردية لا إشكال عليه،و لكن قبل كل‌شيء يجب أن نهيّئ الأسس و المقدمات اللازمة لهذه الخطوة، و من بين هذه الأسس احترام الحقوق الشخصية و الاجتماعية. فلا يمكنك أن تُقدم على تأسيس دولة كردية،قبل أن تؤسّس للوحدة و التفاهم بين الأحزاب الكردية.
 نحن نعتقد لو أنّ إقليم كردستان سعى في ظلّ الظروف الراهنة إلى تحقيق مطاليب الأكراد و حقوقهم في إطار العراق الفدرالي،و أكّد على كسب الحقوق و المزايا المنصوص عليها في الدستور العراقي،لكان ذلك أكثر نفعاً للأكراد من إجراء الاستفتاء الذي عارضه الجميع. يجب أن أقول بصراحة،إنّ اتّخاذ هذا القرار كان بمثابة اللعب بمكتسبات الشعب و التضحية بها في مقابل تحقيق مصالح شخصية و حزبية. إنّ خطوة تأسيس الدولة بحاجة إلى خارطة طريق و استراتيجية بعيدة المدى،و فوق هذا و ذاك،بحاجة إلى تهيئة البنى التحتية الأساسية. إنّك لا تستطيع أن تفكر بتأسيس دولة،بينما تعمل في المقابل على تدمير أبسط البنى التحتية السياسية و الديمقراطية في إقليم كردستان. لقد صمّ هؤلاء الزعماء آذانهم عن النصائح الدولية و الإقليمية. كما لم يعملوا بنصائح زعماء الأحزاب الكردية في داخل الإقليم. الكل كان يقول لهم إنّ إجراء الاستفتاء خطأ قاتل سوف تترتب عليه أضرار جدية. و لكن كما ذكرت،آثر عدد من الزعماء السياسيين مصالحه الشخصية و الحزبية فأصرّ على هذه الخطوة و أجرى الاستفتاء. لقد نصح كل أصدقاء الأكراد هؤلاء الزعماء و قالوا لهم بصراحة أنّكم بهذه الخطوة سوف تخسرون جزءاً كبيراً من أصدقائكم في العالم و المنطقة،و سوف تؤخّرون تنفيذ ملف المطاليب الكردية سنوات أخرى،لكنّ الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة السيد مسعود بارزاني و بعض حلفائه و أنصاره لم يكترثوا لتلك النصائح،و قاموا بإجراء الاستفتاء على النحو الذي رأيتم. إنّنا كجماعة إسلامية نعتقد بأنّ من بين حقوقنا الطبيعية إجراء الاستفتاء، و لا إشكال في اتّخاذ القرار، و لكن مأخذنا هو في توقيته و آليات إجرائه، نعتقد أنّ اتّخاذ هذا القرار و تطبيقه بالصورة التي حصلت كان خطأً جسيماً.


فصلية طهران: أنتم كحزب إسلامي في إقليم كردستان العراق،ما هي الصلة التي تجدونها،من الناحية النظرية و الفكر السياسي،بين الفكر الإسلامي و بين الفكر القومي الكردي و تحقيق المطاليب الكردية؟ برأيكم،ألا يوجد تناقض بين الفكر الإسلامي و الرؤية القومية الكردية؟


*زانا روستائي: إنّنا نشأنا و ترعرعنا في مدرسة الإسلام و عملنا في ظلّ هذه المدرسة،و ننتمي إلى تيار سياسي يرفع لواء الفكر الإسلامي. إنّنا نعتقد أنّ الدين الإسلامي الحنيف يصون حقوق جميع الشعوب و القوميات و يحترمها. تقول الآية 13 من سورة الحجرات المباركة: «يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكمْ مِنْ ذَكرٍ و أُنْثى و جَعَلْناكمْ شُعُوباً و  قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكرَمَكمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكمْ». 
إنّ الله الرحمن الرحيم جعل من بني آدم أمماً و شعوباً،و خلقهم على نحوٍ يتيح لهم السير في طريق التعالي الإنساني و تحقيق الأهداف السامية. إنّنا نعتقد بأنّ جميع الشعوب و القوميات سواسية،و لا ينبغي أن يكون هناك أيّ تمييز بين تركي و فارسي و عربي و كردي. من هذا المنطلق،يحظى الأكراد بحقوق مساوية،و نحن نؤمن من منظار إنساني و إسلامي جواز أن يطالب الأكراد بحقوقهم و يسعوا إلى تحقيقها. لقد كفل الإسلام حقوقاً مساوية للأكراد،لكنّ حكام البلاد الإسلامية لم يكترثوا لهذه الحقوق و المطاليب. إنّنا كجماعة إسلامية لا نجد أيّ تعارض أو تناقض بين فكرنا كإسلاميين و فكرنا كأكراد.
لعلّ بعض التيارات اليسارية و الاشتراكية لا تؤمن بالقومية الكردية،و ليس لها اهتمامات بالقضايا الكردية،لكنّنا كجماعة إسلامية كنّا دائماً بصدد المطالبة بحقوق الأكراد و تحقيق مطاليبهم. في فترة الكفاح المسلح،حملنا السلاح و ناضلنا،و شاركنا في انتفاضة 1991 م ، و كنا دائماً نطالب بحقوق الشعب الكردي سواء في برلمان كردستان أو في برلمان بغداد  و لم نتخلّف عن أيّ من الأحزاب الأخرى في هذه المسيرة. أعود و أؤكّد مرة ثانية بأنّه لا يوجد أيّ تعارض أو تناقض بين أفكارنا الإسلامية و أفكارنا القومية الكردية. نحن أكراد،و مسلمون في نفس الوقت،و هذان المفهومان متطابقان،و لا يوجد بينهما أيّ تعارض أو صراع. و حتى لو لم نكن مسلمين،على سبيل الفرض،لكنّا على أيّ حال،ندين بدين آخر،و لن يتناقض ذلك الدين أو العقيدة مع حقوقنا القومية.


فصلية طهران: ما هي رؤية حزبكم بالنسبة لقضية الجهاد و الكفاح المسلح؟ فبحسب بعض الأحزاب و الأفكار الإسلامية،يجب الاهتمام بالإطار القانوني و السياسي للمطاليب،و البعض الآخر يعتقد بمبدأ الجهاد،ما هي نظرتكم لهذا الموضوع؟


*زانا روستائي: في اعتقادنا،و وفقاً لعقائدنا الإسلامية في حزب الجماعة الإسلامية،إنّ الكفاح المسلح مجاز و واجب في عدّة حالات. الحالة الأولى،إذا تحوّلت كردستان إلى دولة،و بطبيعة الحال،تحتاج هذه الدولة إلى قوات مسلحة. الحالة الثانية،مبنية على مبدأ الدفاع، و هذا يتطلّب وجود قوات مسلحة و قدرة عسكرية تتصدّى لأيّ هجوم، و إذا حصل هذا الهجوم،لا سامح الله، فلا بدّ من إصدار فتوى الجهاد و الدفاع عن أرضنا. الحالة الأخرى هي إعلان الجهاد بوجه الظالمين و المستبدين. إنّنا نؤمن بأنّ مبدأ الدفاع طبقاً للعقيدة الإسلامية الخالصة،هو المبدأ المشروع و ليس مبدأ الهجوم. بناءً عليه، و في ظلّ هذه الرؤية الإسلامية و الفكرية،لا نجد أيّ شرعية لنشاطات الجماعات المتطرّفة مثل داعش و أخواتها، و ما يقوموا به من نشاط بذريعة الجهاد، برأينا ليس سوى تطرّف أهوج. 
في الماضي،كانت جميع الأحزاب السياسية، الإسلامية و غير الإسلامية، مسلحة و تمتلك فصائل مسلحة خاصة بها. الحزب الديمقراطي الكردستاني، حزب الاتحاد الوطني، الحزب الشيوعي، الحزب الاشتراكي، و الأحزاب الإسلامية، جميع هذه الأحزاب كانت تمتلك فصائل مسلحة. و لكن بعد عام 2003 م،و انحسار خطر نشوب حرب داخلية،كانت الأحزاب الإسلامية سبّاقة إلى التخلّي عن سلاحها، و البدء بمزاولة نشاطات سياسية و مدنية. و لكن ظلّ الحزبان الديمقراطي و الاتحاد الوطني محتفظين بأعداد كبيرة من قواتهما المسلحة، من أجل خدمة أهدافهما الحزبية، و ما يزال خطر نشوب اقتتال بين الطرفين قائماً. إنّنا كحزب الجماعة الإسلامية نعتقد، أمّا أن نؤسّس لدولة و تكون القوات المسلحة جزءاً منها و مدافعة عنها، أو أن تكون القوات المسلحة درعاً تدافع عن الشعب بوجه الظالمين.


فصلية طهران: كيف تقيّمون نشاط الأحزاب السياسية في ظلّ الأجواء السياسية و الاجتماعية في إقليم كردستان؟ برأيكم ما هي المقاربة الإسلامية الأنسب التي ينبغي أن تقوم عليها النظرة الإسلامية و الحياة الاجتماعية لمواطني إقليم كردستان؟


*زانا روستائي: المجتمع الكردي في غالبيته مسلم، و طبعاً هناك أقليات دينية أخرى تعيش معنا، و كنّا دائماً نتعايش في وئام و سلام و بدون أيّ خلاف. إنّنا نؤمن أنّ بمقدور الإسلام الحقيقي أن يتكيّف مع جميع الظروف و الأوضاع. و بالنسبة للأحكام و الفتاوى الإسلامية أيضاً يجب أن نكيّف حياتنا و نشاطاتنا الإسلامية مع نظرتنا الكردية و القومية. بمعنى، بدلاً من أن نقتبس آراء و فتاوى علماء العربية السعودية، و السودان و الجزائر، علينا أن نطبق فتاوى الماموستا (رجل الدين) الكردي. كان و ما يزال لدينا العشرات من كبار العلماء المسلمين. بعضهم توفاه الله برحمته،و ترك لنا إرثاً فكرياً غنياً،و البعض الآخر مازال على قيد الحياة. فالماموستا محيط بالظروف الموضوعية و الواقعية للمجتمع الكردي بشكل أفضل، و لذا علينا أن نتلقّى الدروس الإسلامية على هؤلاء العلماء، لا على علماء الدين من خارج كردستان الذين لا يملكون معلومات كافية عن واقعنا المعاش. لقد علّمنا الدين الإسلامي الحنيف بأنّ للفتوى ظروف زمانية و مكانية. فظرفنا الزماني هو القرن الحادي و العشرين، و ظرفنا المكاني هو إقليم كردستان، و لا بدّ أن تأخذ الفتوى هذه الحقيقة بنظر الاعتبار.
 إنّنا نعتقد أنّ ما يطلق عليه في عالمنا اليوم اسم الإسلام المتطرّف أو المتشدّد هو في الواقع ردّ فعل على العلمانية المتطرّفة. من هنا،فإنّ إسلاماً كردياً مرناً يضمن تحقيق الأخوة و الرحمة و العفو هو الذي يناسبنا و نستحقه. إنّ العفو و الرحمة للجميع هما أساس البناء الفكري الإسلامي، و لا بدّ أن تكون العدالة الهدف الرئيسي الذي نسعى إليه في رؤيتنا الإسلامية. يقول الله تبارك و تعالى في الآية 42 من سورة المائدة المباركة: و إِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. إذن،فالقسط و العدل من أهم وصايا الدين الإسلامي الحنيف لأهل الدنيا،و نحن كحزب الجماعة الإسلامية نسعى إلى تطوير الفكر الإسلامي المرن و الوسطي و المعتدل الذي يحثّ على الأخوة و المحبة،و يضمن تحقيق العدل و التنمية و المساواة،و يعارض الاستغلال و التمييز و التكفير و الإرهاب و التطرّف.


فصلية طهران: إلى أيّ مدى تسمح الأجواء الاجتماعية في إقليم كردستان على انخراط الأفراد في التيارات الإرهابية المتطرّفة مثل داعش ؟


*زانا روستائي: بحسب اعتقادنا إنّ تنظيم داعش الإرهابي التكفيري هو صنيعة وكالات الاستخبارات العالمية،من أجل تحقيق أهدافها و ضرب استقرار المنطقة و أمنها. لقد هيّأوا الحاضنة المناسبة لنشأة هذا التنظيم من قبيل الظلم و الاضطهاد و بعض القضايا الداخلية لبلدان المنطقة فتولّدت أجواء اجتماعية مناسبة لتبلور تنظيم داعش الإرهابي،و استغلّوا الخلافات القائمة بين الشيعة و السنّة،و كذلك قاموا بتوظيف بعض الظروف الداخلية التي ساعدت على ظهوره. على سبيل المثال،لقد أدّت أوضاع اللامساواة و التمييز في سورية الناتجة عن التدابير السياسية لحكومة بشار الأسد إلى تكوين حاضنة مناسبة لنشأة هذه التنظيمات ما دفع بعض الأفراد إلى الارتماء في أحضان هذا الفكر الإرهابي المتطرّف. و قدقدّمت بعض دول العالم الدعم و المساعدة من مال و سلاح لهذا التنظيم الإرهابي، و قاموا بزرعه في منطقة الشرق الأوسط، من أجل تدمير المنطقة و خلق أجواء الصراع و التوتّر فيها. إنّ مصالح الدول التي أوجدت داعش تقتضي اليوم بأن لا يكون هناك شيء بعد الآن اسمه داعش، و لهذا السبب تخلّوا عن هذا السيناريو. لكنّهم طبعاً تسبّبوا في سفك دماء مئات الآلاف من الضحايا، و تدمير البنى التحتية الاقتصادية في سورية و اليمن و بعض البلدان الأخرى، و أرجعوا هذه البلدان عشرات السنين إلى الوراء كل ذلك من أجل تحقيق مصالحهم
لقدوصل ضرر داعش إلى إقليم كردستان أيضاً، لكنّ قوات البيشمركة تصدّت له و دافعت ببسالة عن الإقليم، و صانت تراب الوطن، و مع ذلك فقد ألحق الدواعش بالمسلمين ضرراً جسيماً،و سرعان ما تيقّظ الناس، لحسن الحظ، لهذه المؤامرة، و عرفوا أنّ الهدف الرئيسي من زرع هذا التنظيم الإرهابي هو المساعي الشريرة لتشويه أفكار الدين الإسلامي الحنيف، و نحن بدورنا أطلقنا التحذيرات اللازمة للناس في هذا الصدد. و لكن بالعودة إلى السؤال، ما هي الظروف التي يمكن للخلايا النائمة و غرف العمليات السرية للدواعش أن‌تشكّل خطراً؟ جواباً على هذا السؤال أقول، يمكن أن يحدث ذلك في غياب العدل و المساواة، و إذا لم‌نبادر إلى وضع حدّ لبعض الممارسات الخاطئة و التمييزية، فإنّ ذلك سيوفّر أجواء اجتماعية مناسبة للجماعات الإرهابية المتطرّفة مثل داعش لكي تمارس نشاطاتها. من هنا أقول، إذا عملت حكومة إقليم كردستان على التصدّي لتفشي التمييز، و الفساد المالي، و البطالة، و تصاعد مشاعر الحيرة لدى الناس، و ضمنت تطبيق العدالة و منح الحريات الفردية و الاجتماعية و القانونية و السياسية، فإنّ الأجواء بالتأكيد سوف تضيق على داعش، و لن يجد حواضن مناسبة له، أما إذا لم تُعر الحكومة هذه القضايا المهمة و الحيوية أيّ أهمية، فإنّ الأجواء في الإقليم ستكون مناسبة لتفريخ ليس فقط داعش بل سائر الأفكار المتطرّفة أيضاً.


فصلية طهران: ما هو تقييمكم لطريقة نقل السلطة في الأحزاب الكردية،و حصرها داخل الأسرة؟


*زانا روستائي: الحزبان الرئيسيان في الإقليم أعني الحزب الديمقراطي و الاتحاد الوطني لا يعقدون مؤتمراتهما ضمن أوقات محدّدة و مناسبة،بل يعمدان إلى تأجيلها، فصار أسلوب انتقال السلطة فيهما على نحوٍ يحصر جميع الإمكانات و مصادر السلطة بيد طبقة خاصة و بعض الأسر. 
إنّنا نلحظ مدى تأثير هذه المسألة أعني نفوذ الأسر في تقسيم المناصب السياسية و التنفيذية في إقليم كردستان و بالتحديد على النظام السياسي و الإداري للإقليم. يؤسفني أن أقول بأنّ الأسرتين المتنفذتين و القويتين تهيمنان على جميع المنابع السياسية و الاقتصادية للإقليم، و تمسكان بجميع الإمكانات و القدرات. على سبيل المثال، فإنّ حلقة ريعية محدودة هي التي تقبض على تجارة النفط، الإنترنيت، الهاتف المحمول و المصادر الأخرى التي تدرّ منافع و أرباح هائلة. فالحزبان مرتبطان بالأسر و ليس بمقدور أحد أن يخترق هذه الحلقة. هذه، و بكل أسف، تجربة قبيحة لأسلوب الحكم في إقليم كردستان، و لقد ملّ شعب كردستان بشدّة من هذا الوضع و يئس تماماً. هذه الريعية الداخلية تمتلك علاقات خارجية أيضاً،و تحظى بدعم و حماية من قبل القوى الأخرى، و لذلك تقوم بتقسيم كل شيء فيما بينها، و تواصل سلطتها بقوة السلاح و المال، و ليس بمقدور أحد أن يقف بوجهها، و لا تستطيع جماعات المعارضة مثل حركة تغيير «گوران» و جماعة الجيل الجديد أن تعمل بشكل منظم و في ظروف متكافئة لمواجهة هذين الحزبين الرئيسيين اللذين يملكان السلاح و المنابع الاقتصادية في الإقليم.
إنّهما يستغلان الإمكانات التي تتيحها السلطة لمواصلة بقائهما، و بالتالي فالوضع الذي نعيشه هو أنّ بضعة أسر تتحكم بشرايين الاقتصاد و تمسك بمفاتيح السلطة في الإقليم. و هنا، أجد من الضروري أن أشير إلى هذه النقطة و هي، إنّ هذا الوضع لا يخصّ إقليم كردستان وحده، بل إنّ جميع البلدان النفطية في المنطقة مبتلاة بهذه الآفة، و دائماً ماتجد في البلدان التي تتوفر على منابع نفطية كبيرة و ثروات طبيعية، شبكات ريعية خاصة تتشكّل من أفراد يحظون بالنفوذ و الثروة و الأرباح الهائلة الناجمة عن الثروات النفطية الطبيعية،فتقوم بحصر الثروة في أيدي أقلية محدودة.


فصلية طهران: هل تتوقعون حدوث تغييرات محتملة في الأوضاع الاقتصادية لإقليم كردستان في السنوات القادمة ؟


*زانا روستائي: الأمر المؤسف أنّ اقتصاد الإقليم لا يتمتّع ببنى تحتية قوية، و بدلاً من أن‌يكون اقتصاداً إنتاجياً يتمحور حول الثروة الزراعية و متعدد الجوانب، فإنّه يعتمد بشكل رئيسي على منبعين ماليين رئيسيين، الثروات النفطية و الرواتب الحكومية الشهرية، و قد تحوّلت هذه المسألة إلى معضلة خطيرة صارت تؤرّق إقليم كردستان. فعندما يعتمد اقتصاد بلد معين أو منطقة على المداخيل الأجنبية، و ينبني على عملية إنتاج المواد الخام و بيعها فقط، فإنّ الأمن الاقتصادي لذلك البلد أو المنطقة يكون عرضة للخطر، و إقليم كردستان في الوقت الحاضر يعيش هذه الأوضاع. 
دعوني أطرح مثالاً في مجال تربية المواشي، مثال واضح و ملموس. في الماضي، كان القرويون في إقليم كردستان يمتلكون ثروة حيوانية تقدّر بخمسة عشر مليون رأس ماعز، حيث كانت معظم الأسر القروية الكردية في جميع مناطق الإقليم تربي الماعز نظراً للأوضاع الجغرافية المناسبة و المراعي المنتشرة في المنطقة. و كان الناس يربّون أنواعاً خاصة و فريدة من الماعز في الإقليم بحيث لا يقتصر الإنتاج على ألبانها و لحومها فقط، بل يشمل جلودها و وبرها أيضاً، ممّا يتيح للأسر القروية إمكانات اقتصادية خاصة و متنوعة. لو أنّنا واصلنا السير بهذا الاتجاه، و حوّلنا تربية المواشي و التنويع في تربية أنواع المواشي الخفيفة و الثقيلة في المنطقة إلى تقليد اقتصادي ثابت، لكُنّا بكل تأكيد في وضع اقتصادي أفضل، لكنّ الأحزاب النافذة في إقليم كردستان، و للأسف، حوّلت معظم شباب الإقليم إمّا إلى عناصر في قوات البيشمركة، أو إلى موظفين عندها، و بالتالي دبّ الارتخاء و الكسل في الناس، فابتعدوا عن العمل و الجد و الإنتاج و النشاط اليدوي و البدني، و العمل في الأرض و المنابع الزراعية الطبيعية، و أصبح الاعتماد الكلي للناس على الرواتب الحكومية التي تأتي من بغداد إلى حكومة الإقليم، التي تقوم بدورها بتوزيعها على الموظفين.
 هذا الكم الهائل من الموظفين أدّى إلى افتقادنا إلى موارد بشرية فاعلة و قوية في مجال الزراعة و الصناعة و السياحة، و من حيث أنّ القطاع الزراعي و سائر القطاعات الإنتاجية الاقتصادية و الصناعية في الإقليم تعرّضت للإهمال و النسيان، فإنّ عيون الناس أصبحت ترنو إلى التعيينات في دوائر الدولة و مؤسساتها، أو تزويدها بالسلاح و الانخراط في قوات البيشمركة، و طبعاً ليس بوسع حكومة الإقليم استيعاب هذه الأعداد الكبيرة من الموظفين، فكانت النتيجة بروز بطالة حادة،تعرّض،في الحقيقة، حياة المجتمع في الإقليم لمشاكل كبيرة و تخلق له تهديدات جمّة.
 بإمكانكم أن تلاحظوا أنّ إقليم كردستان من الناحية الجغرافية و الطبيعية يمتلك مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية و البساتين و المناطق الخصبة و المنابع المائية المفيدة و الحيوية، و لكن ما الفائدة، فبدلاً من توجيه الاهتمام نحو تطوير القطاع الزراعي و تنميته، و تحفيز الصناعة و السياحة، نجد في كل يوم تستحدث مولات جديدة و مجمعات استهلاكية غربية جديدة للتسوق، و تحوّلت إلى متاجر لبيع و شراء الهاتف المحمول و رواج سائر مظاهر الحياة العصرية، و بتفاقم هذه الأمور، يزداد بعد الشعب عن الاقتصاد المستقل و الاكتفاء الذاتي.
 الأمر المؤسف أنّ زعماء الإقليم لا يمتلكون رؤية بعيدة المدى و استراتيجية في هذا الميدان، فهم لا يفكّرون إلّا في الظروف الراهنة و نسب الأرباح و العمولات و مصالحهم الشخصية. و أصبح كل مجال مختصاً بشخص معين يجني منه الأرباح. ففي مجال العقود النفطية، على سبيل المثال، نجد أنّ عقوداً طويلة الأجل تمّ التوقيع عليها مع الكثير من الشركات النفطية العالمية، و إلى جانب ذلك، فإنّ حكومة الإقليم تقوم بالاستدانة باستمرار من أجل تأمين نفقاتها الضخمة الجارية، ممّا يحتّم على الأجيال القادمة تسديد هذه الديون المتراكمة التي حمّلها إيّاها زعماء الإقليم الحاليون. 


فصلية طهران: و ماذا تقولون عن ظاهرة الفساد المالي؟ الكثير من وسائل إعلام إقليم كردستان يكتب ليل نهار عن مخاطر الفساد المالي؟ فهل حقّاً الموضوع خطير و واسع إلى هذه الدرجة؟


*زانا روستائي: نعم،الفساد المالي ينخر في الجسم السياسي و الاقتصادي و التنفيذي في العراق و في إقليم كردستان، لقد أصبح قضية جدية و شاملة و خطيرة للغاية، و ما من أحد يتصدّى لهذه الظاهرة،لماذا؟ لأنّ بعض الزعماء السياسيين في الإقليم ضالعون في خلق هذه التركيبة الريعية الفاسدة، و بالتالي فهم جزء لا يتجزأ منه. لذلك،لا يستطيعون التصدّي له. المرحلة الأولى في محاربة الفساد المالي هو أن يتخلّى المتصدّي لهذه الظاهرة عن مصالحه الشخصية و الأسرية، و بالطبع ليس بإمكانه فعل ذلك،لأنّه ببساطة غير مستعد لتعريض مصالحه للخطر. لا بدّ من تشكيل كابينة وزارية و سلطة جديدة غير متورّطة في قضايا الفساد لكي تستطيع محاربة الفساد بجدية و هذا لن يحصل على المدى المتوسط. الكثير من زعماء إقليم كردستان بمجرّد وصولهم إلى السلطة استأثروا بالسلطة و راحوا يؤسّسون لأنفسهم و أسرهم عشرات الجامعات الخاصة و المستشفيات و العيادات الخاصة و المولات، و أصدروا سندات الأراضي الراقية بأسمائهم و أسماء أسرهم، و قاموا بشراء أو بناء البيوت و القصور الفخمة، و صادروا المراعي و الأراضي الحكومية، و فوق كل هذا،فإنّ زعماء الإقليم و كبار المسؤولين فيه لا يسمحون للمستثمرين الأجانب بالاستثمار في الإقليم إلّا بعد أن يضمنوا لأنفسهم نسبة معينة من أرباح المشاريع الاستثمارية! و عليه،لا بد من القول بصراحة أنّ الفساد المالي في إقليم كردستان أصبح معضلة خطيرة و مستشرية. أحياناً نقرأ في وسائل الإعلام التضحية بأشخاص عاديين من مستويات دنيا تحت مظلة محاربة الفساد المالي، للتغطية على فساد المستويات العليا في الدولة. أعتقد أنّ أسوأ مظهر للفساد في إقليم كردستان هو تدخل الشخصيات النافذة و القوية في أحزاب الإقليم في عمل الجهاز القضائي، و التأثير على أحكام القضاة و المدعين العموميين. لو كانت عندنا سلطة قضائية مستقلة نزيهة و مقتدرة، لكانت عملية محاربة الفساد ممكنة و متيسرة. و لكن في الظروف الراهنة، للأسف، لا السلطة القضائية، و لا البرلمان،و لا الجامعات و لا حكومة الإقليم، لا يملك أيّ منها القدرة الكافية التي تتيح له دعم الأفراد الذين يسعون إلى انتزاع حقوقهم من المفسدين،أو يريد محاربة العناصر الفاسدة. 
عند مناقشة هذا الموضوع الحسّاس، لا بدّ أولاً أن نناقش مسألة استغلال السلطة من قبل الأحزاب، و استغلال القوات المسلحة (البيشمركة). يؤسفني أن أقول، إنّ قوات البيشمركة بدلاً من أن تكون قوة وطنية مدافعة عن الشعب و الأرض و العرض، أصبحت أداة بيد الأحزاب المتنفذة و ورقة تستغلّها الشخصيات و الشبكات الريعية لتأمين مصالحها الضيقة،و الأمر المحزن أنّه لا يوجد أفق واضح للتخلّص من الفساد المالي في إقليم كردستان. 


فصلية طهران: لكل من الحزبين المقتدرين في إقليم كردستان،أعني الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود بارزاني، و الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة المرحوم جلال الطالباني، نطاق جغرافي مستقل و خاص به، و كأنّ الإقليم ليس سلطة واحدة و موحدة، بل إقليم بشطرين، كيف تنظرون إلى هذا الوضع؟


*زانا روستائي: نعم، إنّه واقع قائم، للأسف، و لا يمكن إنكاره. فإقليم كردستان مقسّم إلى منطقتين و سلطتين متباينتين. و حزب الاتحاد الوطني الكردستاني مثلاً إذا استلم الرئاسة أو السلطة، فليس بمقدوره عمل أيّ شيء في دهوك أو أربيل أو سوران، لأنّه لا يمتلك حاكمية في هذه المناطق، و كذلك الحزب الديمقراطي الكردستاني إذا استلم السلطة كاملة، فإنّه يستطيع التحكّم أو اتخاذ تدابير في نطاق سلطته الفعلية، و لن يجرؤ على مدّ هذه السلطة أو الحاكمية إلى السليمانية أو حلبجة. هذه معضلة كبيرة و خطيرة للغاية، ما كان لها أن تتم لولا سوء استغلال كلا الحزبين لقوات البيشمركة. فكل منهما يسيطر على قسم من قوات البيشمركة و يسخّره للدفاع عن أهدافه و مصالحه الحزبية الخاصة، ممّا أدّى إلى تقسيم كردستان إلى شطرين. 
كلا الحزبين يتشدّقان في تصريحاتهما العلنية بالحديث عن الديمقراطية و اللبيرالية و الحرية، و لكن عندما ننظر إلى تدابيرهما في هذه المنطقة المقسمة إلى شطرين، سنكتشف على أرض الواقع أنّ جميع شعاراتهما لا تعدو عن كونها حفنة أكاذيب. الحقيقة هي أنّهما يستغلّون هذه الأوضاع على صعيد الوزارة الحكومية، و في جميع المجالات السياسية و الأمنية و التنفيذية و العسكرية أيضاً.
عندما يتمّ منح منصب قيادة قوة كبيرة في منطقة معينة لقائد ينتمي إلى الحزب الآخر، فإنّ منصب النائب يمنح إلى الحزب الغريم، حتى إذا عجز القائد عن فرض سلطته هناك، سيكون بمقدور نائبه تحقيق أهدافه في تلك المنطقة. الوضع على نفس هذا المنوال في الوزارة الحكومية أيضاً. فعندما يمنح منصب الوزير لشخص معين ينتمي إلى أحد الأحزاب، فلا بدّ أن يناط منصب النائب إلى الحزب الغريم، ليستطيع مساعدة الوزير في فرض سلطته في الأوقات اللازمة. هذه إحدى الملامح القبيحة في تجربة الحكم في إقليم كردستان، و هذه الحقيقة هي المهيمنة على المشهد الحالي في نظامنا السياسي و التنفيذي.


فصلية طهران: في الوقت الحاضر هناك ثلاثة أحزاب إسلامية تمارس نشاطاتها في إقليم كردستان، و جميعها يحمل رؤية أو مقاربة إسلامية. السؤال المطروح هنا: هل من مانع خاص يحول دون اتحاد هذه الأحزاب بعضها مع بعض؟ أم إنّ تعددية الأحزاب الإسلامية هي الصيغة الفضلى؟


*زانا روستائي: نعم، حالياً توجد ثلاثة أحزاب تمارس نشاطاتها في إقليم كردستان هي الحركة الإسلامية، الاتحاد الإسلامي، الجماعة الإسلامية. في الماضي كانت الجماعة الإسلامية و الحركة الإسلامية عبارة عن حزب واحد، يمارسان نشاطهما تحت مظلة واحدة، لكنّهما انشطرا لاحقاً إلى فرعين مستقلين، و تحوّلا إلى حزبين منفصلين. أمّا حزب الاتحاد الإسلامي فهو في الحقيقة عبارة عن حزب له قراءة سياسية إسلامية قريبة من جماعة الإخوان المسلمين في العالم و في المنطقة،و هو تابع لها. 
سؤالكم عن الأحزاب الإسلامية ينطبق في نفس الوقت أيضاً على الأحزاب غير الإسلامية الكردستانية. فكل واحد يستطيع أن يتساءل لماذا هذا التعدّد في الأحزاب الكردية،و لماذا لايتحد بعضها مع بعض. و لكن بإزاء هذا السؤال يمكن أن نبرهن على أنّ تعدد الأحزاب و تنوعها و تكثّر قراءاتها و تصوراتها السياسية في المجتمع يمكن أن يساعد على دفع الأهداف الديمقراطية للمجتمع، و لكن في نفس الوقت، على الأحزاب التي تمتلك رؤى سياسية متقاربة، أن تتعاون فيما بينها. إنّ ما يحول دون اتحاد الأحزاب، من وجهة نظري الشخصية، و يؤدّي إلى تعدّدها و تأسيس أحزاب جديدة،في كثير من الأحيان،ليس تباين القراءات السياسية، بل الحصول على الامتيازات الشخصية و السلطة و الزعامة في الحزب. 
بمعنى أوضح،أنّ العديد من السياسيين لا يرضي غرورهم تولّي أيّ منصب آخر سوى منصب رئاسة أو زعامة الحزب، و نتيجة لذلك، يقوم كل منهم بتأسيس حزب جديد يكون هو زعيمه. على سبيل المثال،لدينا في إقليم كردستان عدّة أحزاب يسارية، لو استجمعت كل قواها و إمكاناتها لن يكون بمقدورها الحصول حتى على كرسي واحد في برلمان كردستان، و مع ذلك تجدهم مستقلين و لكل منهم مكاتب و أبنية و قوات مستقلة و مختلفة،لماذا؟ لأنّ زعماء هذه الأحزاب لا يرضون بأقل من منصب زعيم الحزب، و لذلك آثروا ممارسة نشاطاتهم ضمن أحزاب متعددة. و أعتقد نفس الحالة تنطبق على الأحزاب الإسلامية. في ظنّي أنّ كثير من الأصدقاء و الأخوة لا يرغبون بالتنحي عن منصب الزعامة أو الرئاسة أو عضوية المكتب السياسي للحزب. من هذا المنطلق، فكما أنّ الأحزاب غير الإسلامية في إقليم كردستان تفكّر بمصالحها الشخصية فكذلك هو الحال بالنسبة للأحزاب الإسلامية. و على أيّ حال،إنّنا جزء من هذا الشعب و هذا النسيج و المجتمع، و لسنا منفصلين عنه، و كلنا من طينة واحدة.


فصلية طهران: ما هي تصوراتكم و توقعاتكم عن منصب رئاسة إقليم كردستان؟ بوصفكم حزب إسلامي،هل ستدفعون باتجاه أن يستلم أحد الإسلاميين هذا المنصب؟ 


*زانا روستائي: كلا. لا تهمنا توجهات رئيس الإقليم الدينية و الإسلامية،لا نفكر بهذه الطريقة،أن يسوقنا رئيس إسلامي إلى الجنة،أو أن يسوقنا رئيس غير إسلامي إلى جهنم. ما نريده و نطالب به هو تطبيق العدالة و الالتزام بحقوق مواطنة مساوية للشعب. من يحكم يجب أن يتمسك بمبدأ العدالة و يقف بوجه الظلم و التمييز. لنأخذ هذا المثال بنظر الاعتبار و هو،عندما طلب نبينا الأكرم محمد بن عبد الله (صلّى الله عليه و آله و سلّم)، من أصحابه أن يهاجروا إلى بلاد الحبشة، قال لهم: «إنّ بالحبشة ملكاً لا يظلم عنده أحد». والآن أنتم ترون أنّ الكثير من المسلمين يفرّون من البلاد الإسلامية و يلجأوون إلى البلدان الأوروبية، لماذا؟ لأنّهم يعتقدون أنّ في هذه البلدان عدالة و لا يسمح فيها بالتمييز بين البشر. إنّنا كحزب الجماعة الإسلامية نعتقد بأنّ صيانة حقوق الناس و خدمتهم هو الأهم لا معتقدات رئيس الإقليم و توجهاته الإسلامية. طبعاً لا بد أن نأخذ بنظر الاعتبار أنّ إقليم كردستان ما يزال يفتقد إلى الدستور، و لكن طبقاً للقوانين الجارية في الإقليم يجب تحديد حدود صلاحيات رئيس الإقليم.


فصلية طهران: جزيل الشكر لكم على مشاركتكم في هذا اللقاء،نرجو لكم التوفيق.


قراءة: 856