فصلنامه مطالعات سیاست خارجی تهران
 

مناهج، أنشطة، ميزات الأحزاب الإسلامية العاملة في إقليم كردستان العراق

خليل ابراهيم
عضو المجلس المركزي للاتحاد الإسلامي لكردستان العراق

ولد السيّد خليل إبراهيم محمد عام 1966م في مدينة دهوك الكردية، بدأ دراساته في مجال الفقه الإسلامي ثم حصل على شهادة البكالوريوس في القانون من جامعة بغداد، ثم نال درجة الماجستير في الفكر الإسلامي من جامعة بيروت الدولية. عمل ضمن العديد من المؤسسات الخيرية والاعمال الانسانية، وفي عام 1994 قام مع العديد من زملائه بتأسيس حزب الاتحاد الإسلامي، وفاز بعضوية مجلس النواب العراقي . كذلك تمكن من الفوز في المؤتمر الذي عقده الحزب بأعلى الاصوات لنيل عضوية المكتب السياسي لحزب الاتحاد الإسلامي. ويؤكد السيد خليل على بيان المميزات الفكرية والإيديولوجية والسلوكية للأحزاب الإسلامية الثلاثة في إقليم كردستان العراق؛ ويرى أنه وبسبب التزوير الذي شهدته الانتخابات التي اجريت عام 2018م والتلاعب باصوات الناخبين وسرقتها، ذهب أعضاء الحزب إلى قرار حاسم وهو أنه - بعد تسجيل اعتراضهم- بضرورة الإصرار على الموقف الرافض للانتخابات وعدم المشاركة أو لعب أي دور في تشكيل الكابينة الوزارية، والذهاب باتجاه تعزيز الدور الرقابي للأحزاب المعارضة من أجل لعب دور أكثر أهمية وبارز في مجال مكافحة الفساد المالي. يعتبر السيد خليل إبراهيم السمة المهمة لكل من الحركة الإسلامية والجماعة الإسلامية في هذا الصدد أن كلا الاتجاهين الحاليين قد إختارا  كسائر الأحزاب السياسية الأخرى التخلي عن المعارضة العسكرية واعتماد الممارسة المدنية السياسية في تحقيق الأهداف المنشودة.


الكلمات الأساسية:  الحزب الاتحاد الإسلامي، إقليم كردستان العراق،   الأحزاب الإسلامية

 

فصلية طهران:  في تاريخ النضال السياسي والحزبي للأكراد، نجد أن الحركات والأحزاب القومية قد ظهرت على الساحة الفكرية وعملت في أوساط الجماهير في وقت مبكر مسجلة سبقا على الأحزاب السياسية الإسلامية. إلى مَ تعزون هذا التأخر في ظهور الاحزاب الاسلامية الكردية حتى العقد الأخير من القرن العشرين؟


* خليل إبراهيم: في تاريخ النضال الكردي وفي جميع البلدان الأربعة في المنطقة، كان الروّاد الأوائل دائمًا والمتقدمون من حيث البنية الاجتماعية والثقافية للأكراد هم من الشيوخ وعلماء الدين الأكراد؛ لأنهم كانوا يمثلون الطبقة المتعلمة وذوي المعرفة في المجتمع الكردي، وقد برز منهم العديد من القادة الدينيين والرواد في الحركات السياسية، فعلى سبيل المثال كان كل من الشيخ سعيد بيران وسيد رضا درسيمي من الرواد في الساحة الكردية التركية، والشيخ عبد السلام البرزاني والشيخ محمود الحفيد بين الأكراد العراقيين، والشيخ عبيد الله النهري، وقاضي محمد في إيران، وجميعهم من رجال الدين وخريجي المساجد والتكايا الدينية. لهذا السبب، لا ينبغي الإغماض عن دور المشايخ والزعماء الدينيين في المجتمع الكردي في مواجهة الاضطهاد وتشكيل الحركات السياسية. لقد اعتقد هؤلاء المشايخ دائماً بأن المساواة والإخاء لهما أهمية حيوية وأنه يجب التصدي للتمييز بين الجماعات العرقية، ولكن في وقت لاحق أثرت الحركات السياسية اليسارية واليمينية أيضاً على الأحزاب والحركات السياسية في المنطقة بما فيها الحركات والاحزاب الكردية، وبالخصوص بعد الثورة الروسية في عام 1917م، حيث تأثر الأكراد أيضاً بالقومية المتطرفة والأفكار اليسارية. ولم تكن الظروف متاحة أمام نشاط الجماعات الإسلامية. لقد اكدنا لإخواننا الأتراك وغيرهم من الإخوة في المنطقة وبشكل دائم انطلاقاً من معتقداتنا الدينية والإسلامية أن الأخوة التي تجمعنا يجب أن يتبعها على أرض الواقع وجود تحركات ملموسة ونتائج واضحة في الحقوق الأخوية، كما ويجب إقامة المساواة والإنصاف. ولما كان هناك فراغ مشهود في الفضاء السياسي الكردي، كنا أحد الأحزاب التي دخلت الساحة لسد هذه الفجوة بقدر الإمكان ولتأمين هواجس الناس ومطالبهم على أساس مفاهيم العدالة والحرية، وفي نفس الوقت منع انصهار القوميات الأخرى عرقياً وثقافياً، ولا نسمح بالتعامل معهم كمواطنين من الدرجة الثانية؛ لذلك، فإن إقامة دولة ديمقراطية وحرّة مثلت دائماً إحدى أهدافنا الرئيسية.


فصلية طهران: كيف تقيمون التطورات السياسية في العراق قبل تشكيل العراق الجديد؟


* خليل إبراهيم: قبل تشكيل الهيكل السياسي والإداري الحالي في إقليم كردستان، كانت المشكلة الكردية في العراق من وجهة نظر القوى العالمية والعلاقات الدولية، تعد مشكلة داخلية صرفة، على وجه الخصوص خلال فترة الحكم الملكي، حيث لم يول هذا الحكم أي اهتمام للقضية الكردية، ومع تحول النظام الملكي الى الجمهوري ونشوء الجمهورية الأولى 1958م، وكذا بعد عام 1963م، وتصدي النظام البعثي لزمام الأمور في العراق، تم تجاهل مطالب الأكراد دائماً، وتم قمع الأكراد وحرموا من هويتهم العرقية، ولم تهتم بهم الحكومة المركزية آنذاك إلا عندما كانت تستشعر الضعف حيث تراها تبدي استعدادها للتفاوض معهم. لهذا السبب، تكررت مراراً وتكراراً حالة التسويف والتأجيل والممطالة في الوفاء بالوعود، فعلى سبيل المثال كانت بغداد في عام 1970م قد عرضت على الكرد منحهم حقاً محدوداً من الحكم الذاتي، لكنها تنصلت عن ذلك وتخلت عن التزاماتها واشاحت بوجهها عنهم. وفي عهد صدام حسين تعرض الكرد في العراق لجرائم كبيرة، ومع ذلك بقيت المجازر التي تحدث بحق الأكراد حتى عام 1992م ينظر إليها كشأن داخلي، ولكن بعد التحول الذي حصل عام 1992م وغزو الكويت، حصل الأكراد على فرصة جيدة استثمروها في المطالبة بحقوقهم ومواصلة العمل على تحقيقها. ونتيجة لذلك حصلت انتفاضة شعبية كبرى في عام 1992م في المنطقة الكردية إدت إلى خروج قوات البعث العسكرية والأمنية والإدارية إلى خارج حدود الإقليم، وقد أولت الولايات المتحدة وغيرها، بعد نزوح ملايين الأكراد، مطالبهم عناية خاصة وادرجت قضيتهم في مجلس الأمن والذي اعقبه إعلان منطقة حظر الطيران، الذي منع على إثرها صدام حسين من مواصلة هجماته عليهم، وبقيت الحالة على ما هي عليه منذ عام 1992 حتى عام 2003م حيث حظيت القضية الكردية باهتمام عالمي، وفي عام 2003م اصطف الأكراد إلى جانب أحزاب المعارضة الشيعية والسنية الأخرى في العراق، وبعد سقوط نظام البعث بزعامة صدام حسين، تمّ إنشاء هيكل سياسي جديد يتمتع فيه الأكراد أيضًا بمكانة جديدة. الشيء المهم الذي حصل لصالح الكرد ما بعد 2003م والذي وفر لهم فرصة في غاية الأهمية في الحياة السياسية هو التحول في الدستور العراقي واعتماده النظام الفدرالي واللذان وفرّا للكرد فرصة المشاركة في الحكم فضلاً عن الاعتراف بشرعيتهم.
رغم وجود خلافات سياسية واقتصادية مستمرة بين إقليم كردستان والحكومة المركزية في الفترة ما بين 2003و 2005 إلى 2014م، ووقوع بعض المشاكل بين الجانبين، ولكن الحقيقة هي أن إنشاء نظام فدرالي ساعد في وضع الأكراد وصنع ظروفاً جديدة لصالحهم. لماذا أشدد على المحطة التاريخية 2014؟ بسبب حقيقة أنه بعد الهجمات الإرهابية لداعش على العراق والأكراد أخذت الأمور تسير بمحنى جديدة في العراق، حيث رأينا أن الهجمات الإرهابية ألحقت أضراراً كبيرة بالعراق والأكراد معاً. فعلى الرغم من أن هجمات داعش على العراق والمناطق الكردية تسببت في خسائر بشرية واقتصادية كثيرة، إلا أنها خلقت مناخاً سياسياً وعسكرياً جديداً، وأدت مقاومة قوات البشمركة للإرهاب إلى عودة القضية الكردية إلى الواجهة مرّة أخرى، والاهتمام بها في المحافل الدولية، وتم توفير فرصة مناسبة للقوى العالمية لإعادة التركيز على القدرات المختلفة للأكراد هناك. في الحقبة اللاحقة رأينا أن الاستفتاء على الاستقلال خلق هو الآخر حالة من التوتر والخلافات بين أربيل وبغداد، ونتجت عنه مشاكل اقتصادية وسياسية بين بغداد وأربيل، ومع ذلك، فقد تحسنت بحمد الله العلاقة بين الجانبين، وعادت الأمور إلى شكلها الطبيعي.


فصلية طهران: كيف تقيم دور الأحزاب الإسلامية في ميزان القوى السياسية الكردية بعد تشكيل النظام السياسي والإداري في العراق الحديث؟


* خليل إبراهيم: هناك ثلاثة أحزاب إسلامية فاعلة في إقليم كردستان لها دور سياسي وتنفيذي واجتماعي وتمثيل برلماني في كل من أربيل وبغداد، كما أنها تمكنت من المشاركة في الكابينة الوزارية، وقد اختارت تلك الأحزاب أحياناً العمل كمعارضين فيما ظهرت أحياناً أخرى كشركاء في الحكومة. وقد توصلنا في الوقت الراهن وبعد الانتخابات العراقية والكردية لعام 2018م، إلى نتيجة مفادها أننا لسنا في وضع يسمح لنا بالمشاركة في الحكومة.


فصلية طهران: لماذا ذهبتم إلى إتخاذ هذا القرار؟


* خليل إبراهيم: ذلك لان الانتخابات الكردية الاخيرة عام 2018م، شابها الكثير من الإشكاليات، فقد رأينا أن الانتخابات لم تجر بطريقة صحيحة، فقد تم التلاعب وعلى نطاق واسع بصناديق الاقتراع وسرقة الأصوات والتزوير. و بصفتنا كحزب إسلامي قررنا تسجيل اعتراضاتنا وبشكل جاد، وبعد تثبيت موقفنا وتأكيد اعتراضنا وصلنا إلى نتيجة نهائية مفادها عدم المشاركة في تشكيل الحكومة التي انبثقت عن تلك الانتخابات. ففي الانتخابات البرلمانية التي جرت في سبتمبر2018م ، قامت جميع الأحزاب التي تتمتع بالسلطة والنفوذ بتزوير الانتخابات، فقد انتهك الحزب الديمقراطي الكردستاني الانتخابات في مناطق نفوذه، وفي المقابل قام الاتحاد الوطني هو الآخر بنفس العمل في مناطق نفوذه، وبالطبع مارست الأحزاب العراقية الأخرى نفس الخطأ في الانتخابات العامة العراقية في محافظاتها وفي المدن التي تديرها. لهذا السبب توصلنا إلى نتيجة مفادها، أنه وفي الوضع الحالي من الأفضل أن لا نهدر طاقاتنا في الدخول في الحكومة ولا نكون جزءاً من الحكومة، وأن المكان المناسب لنا هو العمل كمعارضة كفوءة وقادرة على تعزيز دوها وتكريس أقصى طاقاتنا ووقتنا لإحياء هيكل الحزب وتنشيط العمل في فروع الحزب، ونصب جهودنا نحو إصلاح أمور حزبنا وأن نولي اهتماماً خاصاً للمشكلات الاجتماعية وبناء التنظيم بطريقة علمية ومنطقية. كذلك نسعى جاهدين لتعزيز مواردنا البشرية والفكرية. هذا هو بالضبط ما نستطيعه من خلال تعزيز قدراتنا الداخلية لنصبح قوة معارضة فعالة وقادرة، ويمكننا لعب دور أكثر جدية، بالإضافة إلى قدرتنا على انتقاد الحكومة والسلطات التنفيذية، كذلك نعتقد بأن من صالح حزبنا ومفكرينا أن نضع دائماً العديد من المشروعات السياسية والفكرية البديلة التي سيتم عرضها على كل من مجلس الوزراء والرأي العام، ويمكننا أن نظهر من خلالها أننا نملك كلمة وعندنا نموذج سياسي مقترح لإصلاح الشؤون.
من المهم أن يكون لدينا مشاريع بديلة في المعادلات السياسية والاجتماعية، وفي نفس الوقت نلعب دور الناقد والمراقب لعمل الحكومة، وأن يكون لدينا أيضاً بعض المشاريع التي يمكننا تقديمها للآخرين. فعلى سبيل المثال، من الأهمية بمكان إيلاء القضايا الاجتماعية وحرية التعبير والحريات الفردية والاجتماعية ومشاكل الناس والمعضلات التي يواجهها الشباب إهتماما خاصاً. والمثال الآخر الأكثر وضوحاً والذي يحتاج إلى التأكيد عليه هو الانتباه إلى الشأن الاقتصادي وميزانية حكومة إقليم كردستان من عائدات النفط والموارد الأخرى.
نحتاج أن نفهم كيف يتم استخدام العائدات الضخمة التي يكتسبها مجلس الوزراء في الإقليم ومن خلال عائدات الإقليم ومن الميزانية التي تقدمتها الحكومة المركزية في بغداد، فإذا استطعنا تعزيز دورنا كمعارضة قادرة على رصد تحرك الحكومة ومراقبة مجريات الأمور، فحينها يمكننا إذن لعب دور أكثر أهمية وبارز في مكافحة الفساد. أؤكد أن دور الأحزاب الإسلامية في الهيكل السياسي والإداري لإقليم كردستان العراق يحظى باهمية خاصة ويلعب دوراً هاماً، ونعتبر أنفسنا كحزب إسلامي أنه بدلاً عن التركيز على التفكير في أن نكون جزءاً من الحكومة وتقاسم السلطة، من الأفضل ترك ذلك والتحرك باتجاه أن نكون جهة مراقبة نشطة وديناميكية، وبالإضافة إلى الإهتمام بالقضايا السياسية والاجتماعية والتركيز على مشاكل الناس من وجهات نظر مختلفة.


فصلية طهران: في الوقت الحالي هناك ثلاثة أحزاب إسلامية في إقليم كردستان لها أنشطة حزبية وانتخابية جادة، لكنها ضعيفة في مدى التأثير الاجتماعي والسياسي مقارنة مع الأحزاب الكردية الثلاثة الكبرى، الحزب الديمقراطي، والاتحاد الكردستاني، وحركة التغيير . هل يمكن تعزيز مكانة الأحزاب الإسلامية ورفع مكانتها  السياسية والاجتماعية عن طريق إقامة تحالفات بين تلك الأحزاب الإسلامية لتشكل منافساً قوياً للأحزاب السياسية الأخرى؟


* خليل إبراهيم: لدينا مشروع تعاون أو تنسيق إسلامي فعلي، وقد اتخذنا خطوات في هذا الطريق، وإننا على الرغم من خسارتنا لبعض المقاعد في انتخابات 2018م لكن المشروع لا يزال قائماً، بل يمكننا العمل سوية بالإضافة إلى مجالات التعاون الإسلامي في مجال الدعوة الإسلامية ومعالجة المشكلات الفكرية والاجتماعية. فعلى سبيل المثال شهد إقليم كردستان في الأعوام الأخيرة مشاكل متزايدة من قبيل تعاطي المخدرات وارتفاع نسبة الطلاق، وتوجه جزء كبير من شباب كردستان نحو استعمال النرجيلة، والتدخين، وبعض السلبيات الثقافية والاجتماعية، وهناك مشاكل أخلاقية أخرى، فضلاً عن حالات الانتحار والقتل، وبصفة عامة، نحن ندعو بناء على الوحدة والأخوة، الجماهير لتعزيز وحماية القيم الدينية لنتمكن من خلالها من التعامل مع المشاكل القائمة. ونحن كأحزاب إسلامية تقع على كاهلنا مسؤولية ثقيلة في هذا المجال، وعلينا أن نلعب دوراً ملموساً وأكثر أهمية على هذا الصعيد.


فصلية طهران: ما المائز الرئيسي بين الرؤية التي يؤمن بها الاتحاد الإسلامي وبين ما تذهب الأحزاب الإسلامية الأخرى العاملة في إقليم كردستان؟


* خليل إبراهيم: الفارق الأكثر أهمية في نهجنا السياسي (حزب الاتحاد الإسلامي الكردي) مقارنة بسائر الأحزاب الإسلامية الأخرى في إقليم كردستان أن لدينا موقفاً مختلفاً تجاه المواجهات الساخنة واستخدام الأسلحة، نحن حزب نولي اهتماماً خاصاً في نظرتنا السياسية للإصلاح وبناء المؤسسات المدنية والهيكل الاجتماعي والسياسي، ولاتستهوينا رائحة البارود والأسلحة. فقد كان لإخواننا في الأحزاب الأخرى قوات مسلحة من المجاهدين والمقاتلين، ولكننا لم نفعل ذلك ولم نحبذه. وبالطبع لم يؤمن هؤلاء الإخوة في التسعينيات من القرن المنصرم حتى بالعمل البرلماني ولكن رويداً رويداً تخلت كل من الحركة الإسلامية والجماعة الإسلامية في الوقت الحالي عن السلاح وباتا يتصرفان كسائر الأحزاب السياسية والقانونية الأخرى، ولا يوجد هناك فرق في طبيعة نشاطنا السياسي من هذه الناحية، فقد أصبح الثلاثة يؤمنون بالانتخابات والمنافسة السياسية والحياة الاجتماعية. لكن يبقى هناك اختلافات في الموقف السياسي بيننا، حيث يؤمن هؤلاء الإخوة بضرورة تبني مواقف أكثر صرامة في إطار المعارضة السياسية، فيما نبدي نحن وفي أدبياتنا السياسية أكثر مرونة ونحاول إيلاء المزيد من الاهتمام للمصلحة والوحدة، وإن من الضروي عدم حدوث انقسام أو تشنج في الساحة السياسية، وأن تكون مواجهتنا لمجمل القضايا قائمة على الحوار والتفاوض، وعلينا تجنب أي تطرّف في جميع الأعمال السياسية والحزبية. وكما قلت، لا توجد اختلافات جوهرية فيما يتعلق بالقضايا الأساسية والفكرية.


فصلية طهران: كما تعلمون، فإن الأكراد السنة في جميع البلدان الأربعة في إيران والعراق وتركيا وسوريا ينتمون إلى المذهب الشافعي، وعلى ما يبدو خارج هذه المنطقة وباستثناء غزة ومصر فإن سائر بلدان العالم الإسلامي يغيب فيها المذهب الشافعي تقريباً. فهل يؤثر هذا على الموقف السياسي للأحزاب الإسلامية في إقليم؟ فعلى سبيل المثال في السياق الحالي خطابكم ومنهجكم السياسية هو الأقرب إلى أي من الأحزاب السنية في خارطة الإسلام السياسي السني؟ فهل أنتم قريبون من جماعة الإخوان المسلمين في مصر وفلسطين؟ أم مع إسلاميي حزب العدالة والتنمية في تركيا؟ أم مع السلفية وغيرها من التوجهات المنتشرة في الساحة الإسلامية؟


* خليل إبراهيم: في إقليم كردستان، وفي المراحل الأولى كان خطابنا وقراءتنا الإسلاميان أقرب إلى تفكير جماعة الإخوان المسلمين حيث تأثرنا برؤى الاخوان وأدبياتهم الموزعة في مطاوي كتب مفكريهم، لكن رويداً رويداً وبعد إضفاء الطابع المؤسسي على الحزب تركنا ذلك وراء ظهورنا وأصبحنا نملك نوعًا من توطين الخطاب السياسي الإسلامي بحيث بات يقترب أكثر من وضعنا الواقعي. قد تقترب مواقفنا وقراراتنا في بعض المواقف السياسية والاجتماعية المعينة مع موقف حركة النهضة التونسية، وقد نتماثل في أمور أخرى مع موقف حزب العدالة والتنمية التركي، ونتصرف أحيانا وفي قضايا أخرى كمجال الفكر والتربية مثلا كتصرف جماعة الإخوان المسلمين المصرية، ولكن والحمد الله نحن الآن مستقلون في الأطر الفكرية والسياسية والفكرية، ولسنا نسخة مصورة عن الأحزاب والحركات الأخرى. نعم، قد نستلهم في بعض الحالات من الحركات الدينية في إيران أو تركيا، لكن ليس على نحو التبعية الكاملة ومطابقة النعل بالنعل لأنماط الإسلام السياسي في تركيا أو إيران أو مصر أو تونس أو المغرب وعلى نحو التبعية العمياء. لذلك ، لا يمكن القول بأننا استنساخ للأفكار السياسية للأحزاب والحركات الإسلامية الأخرى.


فصلية طهران: هل هناك حالات ومعالم محددة تظهر فيها حالة من التناقض بين أفكاركم الدينية والإسلامية وبين ما يطرحه قادة الأحزاب والحركات القومية الكردية الأخرى؟ وهل حصل أن كانت هناك حالة معينة مبررة من ناحية التفكير القومي الكردي فيما تعتبر مرفوضة منكم كحزب إسلامي كردي؟


* خليل إبراهيم: كما ترى، لا يوجد تناقض بين الأفكار الدينية والإسلامية وبين جهودنا وحركتنا لتلبية المطالب السياسية والقومية للأكراد؛ إذ الإسلام دين واقعي قائم على توفير الرخاء الإنساني على الصعيدين الدنيوي والأخروي. الإسلام دين لبناء العباد والبلاد. إن خدمة الشعب والوطن من منطلق إسلامي أمر مهم، وهو دين لإقامة العدل بين عباد الله. لهذا لانرى أيّ تناقض بين هذه القضايا. فنحن نتحرك على أساس قيمنا الدينية والإسلامية، وقد توصلنا من خلالها إلى الاعتقاد الراسخ بأنه يجب علينا خدمة شعبنا وعلينا العمل من أجل تحقيق العدالة واحترام الناس والمجتمع. وكما قلت، لا يوجد هناك تناقض بين القيم الدينية والفكرية والقيم والمبادئ القومية. فمن وجهة نظر تفكيرنا الديني والسياسي، فإن تنوع اللغة وتنوع الشعوب والأعراق أمور جديرة بالاحترام ويجب ألا تكون مكاناً للتمييز والتفاضل، فلا تتعارض العدالة والحرية وإحقاق الحقوق، وبذل الجهود لإقامة مجتمع حر ومتطور واحترام الطيف السكاني والألوان الدينية والعرقية والثقافية مع معتقداتنا الدينية. إن احترام الهويات الشخصية والجغرافية والعرقية والدينية، لا تتضاد مع الدين ولا يعتبر أيّ منها على النقيض من قيم السماء، بل يجب إحترام كل هذه الخصوصيات. نحن نؤمن بأن دين الإسلام كخيمة عظيمة يمكن للجميع العيش تحت ظلالها جنباً إلى جنب وبطريقة سلمية، والإسلام هو بالتأكيد يمتلك الحلول الناجعة لجميع المشاكل الإنسانية والدولية، شريطة أن يتم تقديم هذه المعالجات والحلول بلغة وأدبيات واضحة وبأساليب معقولة.


فصلية طهران: برأيك، ما هي الحالة التي ينبغي أن يكون عليها الوضع السياسي الكردي في العراق؟


* خليل إبراهيم: لقد اختبرنا نحن الأكراد في العراق الحكم الذاتي والفدرالية، ولم يتم حل مشاكلنا!!. في نهاية المطاف يجب حل هذه المشكلة، فإذا كان هناك من يحاول التسويف وهدر الوقت، وتتدخل القوى المختلفة إنطلاقاً من مصالحها في هذا المجال، فلاشك أن القضية تزداد تعقيداً وتتعمق المشاكل بشكل أكبر. كذلك نعتقد أنه إذا لم يتم حل المشكلة الكردية في الشرق الأوسط فلن ترى المنطقة الاستقرار والديمقراطية والتنمية، وستشهد باستمرار صراعاً وثنائية قومية أحياناً ودينية أحياناً أخرى. ولا ينبغي السماح للأجانب باستغلال هذه المشكلة كورقة رابحة يشهرونها حيث شاءوا ومتى أرادوا. كما نعتقد بأن الأكراد في العراق يجب أن تكون لهم دولة مستقلة، ولكن ليس عن طريق الحروب والصراعات الساخنة وزمجرة البنادق وأصوات السلام، ولكن من خلال التفاهم والحوار، وبأن يجلس الجميع على طاولة الحوار بصدور مفتوحة وعقلية مستوعبة ووضع خريطة طريق جادة وإجراء مفاوضات جريئة. كذلك نعتقد بأن هناك أربع مجموعات عرقية رئيسية في المنطقة، تتمثل في كل من الكرد والفرس والأتراك والعرب، وقد جمع هؤلاء تاريخ من الإخاء يمتد عمره إلى  آلاف من السنين والتعايش السلمي والتعاون، ولعب هؤلاء الفرقاء الأربعة دوراً فريداً في تشكيل حضارة مزدهرة في هذه المنطقة، وعليه يجب الحفاظ على تلك الوشائج الأخوية وتعزيزها. فإذا تم إنشاء نظام ديمقراطيي حقيقي، ونظام يسعى للعدالة والإنصاف في العراق، فلن يحدث حينئذ ما يقلق أبداً. فلقد صوتنا لصالح إقامة نظام فدرالي في العراق الجديد، ولكن تم تجاهل أكثر من 55 مادة من الدستور، وكانت الفدرالية غير مكتملة وناقصة، بل الحكومة المركزية العراقية نفسها لم تمتثل لمبادئ الفدرالية ولم تلتزم بالواجب. من هنا نعتقد بأن مشكلة الأكراد من المستحيل حلها من خلال القمع والحرب، وكذلك لن يتمكن الأكراد من ضمان حقوقهم من خلال المواجهة والنشاط المسلح. نحن نتحدث على وجه التحديد عن حقوق الأكراد في العراق، ونعتقد بأنه إذا تم تحقيق الفدرالية بشكل كامل، فسوف يتم حل المشاكل. ثم إن بعض القضايا المعقدة كالقضية الكردية والمشكلة الفلسطينية، لم تنشأ من إرادة الحكومات وبلدان المنطقة وبسبب أزمة داخلية، وإنما هي وليدة تدخلات القوى الاستعمارية العالمية، وقد حان الوقت لدول المنطقة لاتخاذ تدابير وقرارات خاصة والتحرك معا لحل هذه المشكلة.


فصلية طهران: ما هو تقييمك لكيفية أداء السلك القضائي في إقليم كردستان؟ ما مقاربة الأحزاب الإسلامية في الإقليم للمعايير القانونية الجارية حالياً في القضاء؟ هل تعتقد أن القانون الجنائي والقضايا القانونية الأخرى يجب أن تستند إلى الشريعة الإسلامية أم لا؟


* خليل إبراهيم: هذه واحدة من أهم القضايا التي تمت معالجتها في حزمة الإصلاحات الخاصة التي طرحها حزبنا. القضاء أمر حيوي في جميع البلدان ومجتمعات، وأهم قضية هي استقلال القضاء، فلا يتمكن القضاء الضعيف من إصدار أمر محايد، وفي مثل هذه الحالة، لا يمكن للسطلتين التنفيذية والتشريعية القيام بواجباتهما بشكل صحيح. مركزية القانون مهمة جداً في جميع القضايا التنفيذية والسياسية والاجتماعية، ومن هنا نحن نؤمن بضرورة إصلاح الجهاز القضائي ومن الضروري اتخاذ تدابير أساسية ومهمة في مجال القوانين، المحاكم، الشرطة القضائية، وتنفيذ الأحكام الصادرة. ففي كثير من الأحيان يشهر المتهم أو حتى الجاني السلاح بوجه الشرطة، أو يكون أحد أعضاء حزب ما، فلا تتمكن الشرطة المحلية من اعتقاله أو إلقاء القبض عليه، وفي ظل هذه الظروف، إذا لم‌تكن هناك قوة قضائية باسم الشرطة القضائية، فلا يمكن الضرب على يد الجناة، فعندما يصدر القضاء حكمه بطريقة جريئة وقائمة على القانون، ولكن لا توجد قوة تنفيذ فعالة سيبقى الحكم معلقاً في الفضاء. لقد حققنا في هذا الأمر وبالتفصيل في الحزمة المقترحة التي عرضناها، وعقدت عدة مؤتمرات وندوات في هذا المجال حضرها خبراؤنا، ولسوء الحظ، لا يمكن لقضاتنا أن يكونوا مستقلين في الوقت الحالي، حيث التدخل في شؤونهم قائم على قدم وساق، والأحزاب والوجوه المتنفذة تنتهك باتصال هاتفي حرمة القضاء وتجبر القاضي على العدول عن حكمه.وبالطبع، هناك أيضًا قضاة مستقلون لا يذعنون لتلك الضغوط ولايردون على أي هاتف أو تهديد، لكن الحقيقة هي أن عدد القضاة الضعفاء ليس قليلاً.

 

فصلية طهران: يقال إنه في الوضع التربوی والثقافي أن هناك نسبة من العزوف لدى الجيل الجديد من الشباب عن التوجه الديني، وأن هناك بوادر ضعيفة في إقبال الشباب نحو الاهتمام بالحياة الدينية والسلوك الديني مقارنة بالأجيال السابقة أولاً، إلى أي مدى توافق على هذا التحليل؟ وثانياً، ما هي الإستراتيجية أو الخطوات التي لديكم من أجل كسب المزيد منهم والتأثير على الشباب والاستفادة من هذه الديناميكية الاجتماعية الدينية بشكل أكبر؟


* خليل إبراهيم: أشرتم إلى قضية في غاية الأهمية، حيث تعد قضية الشباب وموقفهم من المفاهيم الدينية والحياة الدينية قضية مهمة للغاية. وليست إقليم كردستان هو المنطقة التي تعاني من هذه المشكلة فقط، بل هناك الكثير من البلدان الأخرى في العالم تواجه نفس المشكلة وتسعى لمعاجلة عزوف الأجيال الجديدة من الشباب عن الارتباط بالدين والمفاهيم الدينية. من هنا نعتقد أنه يجب علينا أولاً وقبل كل شيء الانتباه إلى مطالب وحاجات الشباب، حيث نرى الآن في إقليم كردستان أن العديد من حقوق الشباب يتم تجاهلها ولانوفر لهم فرص عمل أو فرصاً تعليمية. فنحن لا نولي اهتماماً لاحتياجاتهم الثقافية واحتياجاتهم الأخرى كالترفيهية والاستقلال الاقتصادي، وفي مثل هذه الحالة لاشك أنه سيواجه الشباب مشاكل ومعضلات خطيرة. لسوء الحظ، فإن عدم الاهتمام بمشكلاتهم ورغباتهم يمثل مشكلة يتم رصدها والاهتمام بها من قبل الاحزاب الفاعلة في كردستان في مقاطع سياسية خاصة، لا سيما إبّان الانتخابات، حيث يركّز الجميع على الشباب، ولكن لا توجد خطط واستراتيجيات واضحة لتلبية مطالب الشباب. ولذلك يتطلب هذا المجال الحساس تخطيطاً طويل المدى لاستراتيجية واضحة المعالم مع التزام وتعهد بمسؤولية إنجاز المهمة، ويجب أن يأخذ في الاعتبار الاحتياجات المختلفة للشباب في مجال التعليم والتعليم العالي، وتوفير فرص العمل ورفاهية المواطنين، وكذلك الاهتمام الجاد بالتنمية الفكرية والروحية للشباب. نحتاج أن نأخذ على محمل الجد مطالب الشباب ونقنعهم بأن لدينا خططاً واستراتيجيات لتوفير حياة مستقبلية أفضل.


فصلية طهران: لكم جزيل الشكر على مشاركتنا هذا الحوار.


قراءة: 828