فصلنامه مطالعات سیاست خارجی تهران
 

كلمة رئيس التحرير


حرب البيت الأبيض: خيار أم تحدٍّ 


مشاريع الولايات المتحدة المكررة في مواجهة الجمهورية الإسلامية الإيرانية ونفوذها الإقليمي سقطت الواحدة تلو الأخرى٬ في وقت ينظر العالم إلى السياسات الانفعالية للإدارة الأمريكية على أنّها تنمّ عن عجز وتخبّط إزاء مواقف إيران التي تنطوي على إصرار وجرأة وذكاء. يعتقد الكثير من المنظّرين الأمريكان أنّ ترامب الرئيس الأمريكي المثير للجدل قد وضع نفسه في طريق مسدود٬ وأنّه فقد زمام المبادرة في التصدّي لسياسات الجمهورية الإسلامية٬ وعاجز عن احتواء مقارباتها على صعيد السياسة الخارجية. فعلى الرغم ممّا تمتلكه هذه الدولة من قدرات مالية وعسكرية وسياسية و... إلخ٬ إلّا أنّها لا تستطيع الحؤول دون مضيّ الجمهورية الإسلامية في سياساتها الإقليمية٬ ومع ذلك لا تتوقّف المحاولات المتصاعدة و المستمرة للبنتاغون إلى جانب جهود المنظومة الدبلوماسية ووزارة الخزانة الأمريكية في إشغال الجمهورية الإسلامية بالقضايا الداخلية٬ علّها تنجح فى تعطيل تأثير طهران في مناطق النفوذ في البلدان المجاورة٬ لكنّها لم‌تحقّق حتى الآن أيّ إنجاز ملموس في هذا المجال٬ وفشلت في منع إيران من تقديم الدعم لسورية ولبنان وفلسطين واليمن. في هذه الأثناء تواصل إيران علناً سياساتها المعادية للولايات المتحدة بحسب المنتقدين للبيت الأبيض٬ وفي المقابل لا تبدو أنّ أساليب التحكّم التي يمارسها الرئيس الأمريكي في احتواء إيران كانت ناجعة بما فيه الكفاية٬ حتى مع وصول أكثر المسؤولين تطرّفاً إلى البيت الأبيض وإطلاق أوسع التهديدات وتطبيق أشدّ العقوبات (سياسة الحدّ الأقصى للضغوط) وظلّ غير قادر على تطبيق سياسات تأديبية ضدّ إيران٬ بما يكشف عن عجز فاضح لهذه الإدارة الأمريكية عن لجم إيران. في هذا الصدد يشرح الصحفي بیل کریستول في عموده الافتتاحي بصحیفة «نیویورک تایمز» عجز البیت الأبیض إزاء إیران ویحذّر مسؤولي بلاده من أي صدام عسکري معها قائلاً: «عدم ردّ الولایات المتحدة علی إیران سیعزّز الصورة بأنّ واشنطن ضعیفة، ومن ناحیة أخری، فإنّ الحملة عليها یمکن أن تکون بدایة لحرب قد تترتّب علیها تبعات وخیمة بالنسبة للولایات المتحدة. فعدم الردّ قد یفسّر علی أنّه دلیل ضعف، کما أنّ اللجوء إلی الخیار العسکري ینطوي علی مخاطر خروج الأمر عن السیطرة وجرّ الولایات المتحدة إلی کارثة.» ویواصل الکاتب سرد ملاحظاته قائلاً: «إنّها ورطة أوقع ترامب نفسه فیها. طبعاً هذه الورطة لا تنتهي عند هذا الحدّ، بل إنّ مشکلة الرئیس هي في نقضه بکل غطرسة وعنجهیة اتفاق العمل المشترک (الذي كان ثمرة سنوات من الجهد والدبلوماسیة الناشطة لعدد من بلدان العالم المهمة) في خطوة منه لتحقیر الشعب الإیراني، وبذلک حکم علی نفسه بالعزلة. إنّ أولی النتائج التي تمخّضت عن الخطوات المتعجلة لترامب ضدّ إیران هي عزلة الولایات المتحدة وانزوائها.»
یتزاید الاعتقاد في أوساط الساسة والمحلّلین الأمریکان بأنّ السیاسة الخارجیة الأمریکیة في عهد ترامب شهدت تراجعاً أدّی إلی عزلة هذا البلد. فهذه صحیفة «یو اس ای تودی» في معرض انتقادها لسیاسة ترامب الخارجیة تقول بأنّ استطلاعاً للرأي أظهر أنّ 54 في المأة من الشعب الأمریکي یعتقدون أنّ هذه السیاسات أثّرت علی مصداقیة الولایات المتحدة في العالم. فمقاربات ترامب واستراتیجیته الخاطئة في مواجهة إیران خلقت حالة من التشنج في الأوضاع النفسیة للمجتمع الأمریکي وقلقاً من احتمالات وقوع مواجهة عسکریة. وفي ظلّ الأوضاع الراهنة، فإنّ مخاوف الشعب الأمریکي ووسائل الإعلام في هذا البلد من احتمال اندلاع حرب بالخطأ مع إیران لیست أقل من مخاوف الشعب الإیراني. صحیح أنّ الشعب الأمریکي یبعد آلاف الکیلومترات عن مناطق الصراع المحتملة، إلّا أنّ احتمال شنّ هذه الحرب قد تحوّل إلی کابوس عظیم یؤرّقه. في هذا السیاق، یحذّر الرأي العام ووسائل الإعلام بشدّة القادة العسکریین والمسؤولین السیاسیین من هذه المواجهة. طبعاً العسکریون في هذا البلد الذین یتأمّلون المعادلات الراهنة بواقعیة أکبر لا یوصون بشنّ مثل هذه الحرب ضدّ طهران. والحقیقة، إنّ تداول القضایا التالیة بشكل متواصل في وسائل الإعلام الأمریکیة یشي بعمق القلق الذي یساور المجتمع الأمریکي من احتمال وقوع حرب بین الولایات المتحدة وإیران؛ 
- الحرب مع إیران «کارثة». 
- یجب علی واشنطن أن لا تتحول إلی مرتزق للسعودیة وتحارب [إیران] بالنیابة عن الریاض.
- الحرب علی إیران أخطر من تصویر الولایات المتحدة ضعیفة.
- یرید السعودیون أن یُقتل العسکریون الأمریکون في الحرب علی إیران. 
- ترید العربیة السعودیة أن تحارب إیران حتی آخر قطرة دم عسکري أمریکي.
       یشیر المنتقدون إلی السعي الدؤوب للتیارات المتطرّفة داخل الإدارة الأمریکیة وعلی تشجیعها ترامب للقیام بضربة عسكرية ضدّ إیران؛ ویعتقدون بأنّ أيّ خطوة باتجاه الحرب ضدّ إیران ستکون أخطر من تصویر الولایات المتحدة ضعیفة أمام إیران، ویرجّحون هذا التصوّر علی الحرب معها، لأنّهم یرون أنّ مثل هذا الخطأ سیثیر ردّ فعل عسکري من إیران ضدّ الکیان الصهیوني والعربیة السعودیة والإمارات العربیة المتحدة والبحرین وحتی القوات الأمریکیة المتمرکزة في العراق أو أفغانستان. 
        ویمکن أن نستشف بوضوح الفرضیات الذهنیة المسبقة للشعب والنخب والمحللین الأمریکان التي تحذّر من خطر شنّ حرب ضدّ إیران من خلال قراءة ما بین سطور التصریحات المنشورة في وسائل الإعلام، من بینها؛
أ. التقییم المتمایز للقدرات الدفاعیة والعسکریة للجمهوریة الإسلامیة في إیران بالمقارنة مع سائر بلدان المنطقة، فإیران من وجهة نظرهم قادرة علی الصعیدین الفني والتکنولوجي علی استهداف القوات الأمریکیة المتمرکزة في العراق وأفغانستان أو أیّ نقطة أخری في المیاه الحرة حتی مسافة 2000 کم وأن تدافع عن مصالحها. فاستهداف الطائرة الأمریکیة المسیّرة (الدرون)، واحتجاز ناقلة النفط البریطانیة، وعزم إیران وإصرارها علی الدفاع عن حلفائها في سوریة ولبنان والعراق والیمن، كلّ ذلك أظهر الإرادة الصلبة للشعب والدولة والقیادة الإیرانیة في تحقیق الأهداف الوطنیة والثوریة، بالإضافة إلی إبراز العقیدة العسکریة الإیرانیة أیضاً. وباعتقاد المراقبین السیاسیین في الولایات المتحدة، كانت هذه العقیدة الدفاعیة والعسکریة العامل الرئیس وراء انتصار إیران في جمیع المعادلات الإقلیمیة التي شكّلت الولایات المتحدة أو حلفاؤها الطرف الخاسر فیها.
ب. التصوّر السائد في أوساط الرأي العام الأمریکي هو أنّه في حال نشوب حرب مباشرة بین إیران والولایات المتحدة، فمن المؤکّد أنّ الولایات المتحدة ستکون الطرف الخاسر في تلک الحرب حتی وإن لم تخرج إیران منها منتصرة، من حیث أنّ النصر والهزیمة في الحرب يعتمدان علی الأهداف المتوخاة من تلک الحرب. أحیاناً قد یتحمّل أحد طرفي الحرب خسائر مادیة ومعنویة عظیمة، لکنّه مع ذلک لا یعدّ "مهزوماً" في الحرب لأنّه حقّق أهدافه. العراق وسوریة في حربهما ضدّ داعش مثال بارز علی هذه الحقیقة، فقد تحمّلا کُلفاً باهضة في تلک الحرب لکنّهما مع ذلك خرجا منتصرين علیه في النهایة. في نفس الوقت، قد تشنّ دولة الحرب علی أخری وتکبّدها خسائر کبیرة، لکنّها تعتبر "خاسرة" لأنّها لم تحقّق أهدافها. فالعربیة السعودیة مثلاً، أقوی بلد عربي وأکبر مصدّر للنفط في العالم، ولها تحالفات مع أعظم دول العالم کالولایات المتحدة وبریطانیا، قد شنّت حرباً شعواء وواسعة بهدف إجبار جماعة أنصار الله علی ترک العاصمة صنعاء، والقضاء علی النفوذ المعنوي لإیران في الیمن. ولم تتورّع الریاض في عدوانها السافر علی أرض الیمن عن استخدام أحدث الأسلحة الأمریکیة والأوروبیة لقمع الشعب الیمني الذي انبری للدفاع عن أنصار الله، وقد وعدت مراراً بتحقیق النصر خلال أسبوعین، لکنّها الیوم صارت "منهزمة" في هذه الحرب غیر المتکافئة، وتفتّش عن خروج مشرّف من هذه المهلکة. 
نفس الشيء بالنسبة للمواجهة العسکریة بین إیران والولایات المتحدة، ربما تُدمَّر البنایات والجسور والمشافي في إیران، لکنّ إرادة الشعب الإیراني الصلبة في الدفاع عن میاهه وترابه ومصالحه واستقلاله لن تهتز أو تلین، وقد برهنت علی ذلک حرب الثماني سنوات التي فُرضت علی إیران، کما برهن علی ذلک فشل الولایات المتحدة الذریع في مساعیها لتغییر النظام في سوریة (حلیف إیران). وفي حال اشتعال جبهة الحرب مع الولایات المتحدة فإنّ المصالح الحیویة لهذا البلد أیضاً ستکون مهدّدة، وسیکون مصیر عدد کبیر من العسکریین والفنیین العاملین علی حاملات الطائرات الأمریکیة في قعر البحار والمحیطات. کما أنّ تلک الحاملات ستکون أهدافاً عسکریة مفضلة، وسوف ینهار الأمن الاستراتیجي لحلفاء واشنطن في غرب آسیا. 
انطلاقاً من الفرضیة المسبقة في أنّ الولایات المتحدة في هذه الحرب المحتملة ضدّ إیران ستکون "الطرف الخاسر" ينظر الشعب الأمریکي إلی المخاطرة بالقیام بمثل هذا العمل ضدّ إیران علی أنّه جنون مدمّر، ویعتقد أنّ مهلکة الحرب مع إیران أخطر من تصویر الولایات المتحدة ضعیفة أمامها. 
ج. وفقاً للرأي العام الأمریکي، تعزى حالة المواجهة القائمة بین إیران والولایات المتحدة، في الغالب، إلی إصرار زعماء العربیة السعودیة والکیان الصهیوني علی تألیب الولایات المتحدة ضدّ إیران بسبب هزیمتهما أمام إیران في المعادلات الإقلیمیة، أکثر من نقض إیران للقیم العالمیة أو تهدیدها المصالح الاستراتیجیة للولایات المتحدة، حیث یسعی ذانک الطرفان إلی زجّ الولایات المتحدة في حرب لیست مستعدة لتحمّل ارتداداتها الاهتزازیة، والانتقام عن هذا الطريق من الجمهوریة الإسلامیة الإیرانية. تعتقد النخبة الأمريكية أنّه على واشنطن أن لا تتحوّل إلى مرتزق للحكومة السعودية من خلال شنّ حرب ضدّ إيران بالوكالة عن الرياض. ناهيك عن تأكيدات العسكريين الأمريكان بأنّ محاربة إيران في ظلّ الظروف الحالية لا تنسجم والاستراتيجية العسكرية لهذا البلد٬ لذلك فهي رغبة العربية السعودية قبل أن تكون خيارهم وموظفي البنتاغون. وهم يشيرون بالهمز واللمز قائلين: بأنّ الرياض مستعدة لمحاربة إيران حتى آخر قطرة دم جندي أمريكي. تبيّن هذه الإشارات إلى أنّ الحرب ضدّ إيران لا تحظى بقاعدة شعبية في أوساط العسكريين[ الأغلبية تقريباً]والشعب الأمريكي. 
وبدورها البلدان الأوروبية أيضاً تطرح تصوّراً مشابهاً لمآلات أيّ عدوان على إيران وتعبّر عن معارضتها القوية لأفكار الجناح المتطرّف في البيت الأبيض. وقد صرّح «ویلیام دروزدیاک» محلّل السياسة الخارجية في معهد «بروكينغز» في هذا الصدد قائلاً: تعارض فرنسا وألمانيا وبريطانيا بشدّة التهديدات الأمريكية بشأن توجيه ضربة عسكرية ضدّ إيران٬ ويضيف: في الوقت الحاضر٬ يندّد زعماء أوروبا بفكرة ممارسة الضغوط بهدف تغيير النظام في إيران. لقد تحوّل الاختلاف في وجهات النظر بين الزعماء الأوروبيين وترامب حول كيفية التعاطي مع إيران إلى نزاع علني٬ على الرغم من افتقادهم (الزعماء الأوروبيين) القدرة اللازمة لتنفيذ تعهداتهم إزاء إيران، لكنّهم في نفس الوقت متوجّسين من عواقب وقوع حرب بين البلدين. وتوجّسهم هذا نابع من عدم قدرة الولايات المتحدة على تحقيق أهدافها ضدّ إيران قبل أن يكون بسبب الخسائر البشرية لهذه الحرب. وفي هذا الإطار وجّه «جون الترمن» مدير برنامج الشرق  الأوسط في «المعهد الاستراتيجي للدراسات الدولية» بواشنطن انتقاداً لمقاربة الولايات المتحدة إزاء إيران وذكّر قائلاً: «أعتقد أنّ العالم قلق حقاً بشأن الموضوع الإيراني٬ ويسعى إلى إيجاد طرق لتنظيم سلوك الولايات المتحدة.» 
أهداف الحملة العسكرية الأمريكية المحتملة ضدّ إيران
       ثمّة أسئلة مهمة مطروحة تتعلق بالأهداف التي يتوخّاها الزعماء الأمريكان من ممارسة الضغوط الاقتصادية أو القيام بحملة عسكرية ضدّ إيران٬ وما إذا كانت هذه الأهداف متاحة بالنسبة للبيت الأبيض أم لا٬ وبطبيعة الحال٬ على ترامب وفريقه المتشدّد أن يجيبوا عن هذه الأسئلة قبل أيّ جهة أخرى. لقد أفصح المسؤولون الأمريكان عن بعض الأهداف التي يسعون إلى تحقيقها في هذا المجال٬ لكنّهم مع ذلك يشكّكون في إمكانية تحقيق ولو جزء بسيط منها. هذه الأهداف هي من منظار الإيرانيين حيوية ولا يمكن التراجع عنها. أهم هذه الأهداف التي لن يتوانى الشعب والنظام والقيادة في إيران في الدفاع عنها حتى آخر رمق هي:    
إجبار الجمهورية الإسلامية على العودة إلى طاولة المفاوضات النووية من جديد؛ في وقتٍ وجّه "برايان هوك" انتقاداً للاتفاق النووي على عدم تعطيله البرنامج الصاروخي الإيراني٬ وطالب دول العالم الالتحاق بركب الولايات المتحدة في حملة الضغوط التي تمارسها لإجبار النظام الإيراني على القبول باتفاقات جديدة.
إنهاء النشاط الصاروخي للجمهورية الإسلامية في إيران٬ إذ يعتقد المسؤولون الأمريكان بأنّ إيران تمتلك أكبر قوة صاروخية باليستية في الشرق الأوسط٬ ولا بدّ من إنهاء نشرها لهذه الصواريخ٬ وتعطيل تجاربها الصاروخية القادرة على حمل رؤوس نووية.
تجفيف المنابع المالية للجمهورية الإسلامية للحدّ من دورها في المعادلات الإقليمية؛ وقد أكّد "برايان هوك" المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي في ملف إيران مراراً بأنّ هدفنا هو الهبوط بصادرات النفط الإيراني العالمية إلى الصفر تقريباً٬ لمنع إيران من إنفاق مواردها المالية في مغامرات خارجية.
القضاء على حلفاء إيران مثل حزب الله وأنصار الله والحشد الشعبي و... الذين يشكّلون امتداداً طبيعياً لقوات التعبئة (البسيج) الثورية الإيرانية في البلدان المجاورة. وتحقيق هذا الهدف سيمهّد الطريق أكثر لصيانة أمن الكيان الصهيوني.
إنّ تحقيق هذه الأهداف يعني محو استقلال إيران وهويتها الثورية. وهي قضايا لا تقبل المساومة أو النقاش بالنسبة للشعب الإيراني. كما أنّ مصير أيّ مغامرة تُقدم عليها الولايات المتحدة لتحقيق تلك الأهداف لن يكون سوى الندم والخسران. لذا٬ من الأفضل أن يثوب صنّاع القرار الأمريكان إلى رشدهم ويطرحوا هذا السؤال على أنفسهم: إنّ إيران التي استطاعت أن تبني قوتها الإقليمية على مدى الأربعين سنة الماضية وتحمّلت في سبيل ذلك كل الصعاب واجتازت معاناة الحصار٬ وبرهنت على كونها قوة إقليمية جديدة في هذه المرحلة التاريخية وفي خضم الظروف الخاصة التي تمرّ بها٬ هل يمكن بعد كل هذا أن تركع للمطالبات الأمريكية غير المنطقية؟ 
لطالما استطاعت الإدارات الأمريكية في الماضي تركيع الشعوب عبر تهويل احتمال الخيار العسكري٬ وزرع الرعب والقلق في قلوبها٬ وإخافة المنافسين والغرماء في الميادين الدولية من حروب محتملة٬ ونجحت في الحصول على غنائم حروب مفترضة ومحتملة دون عناء أو دفع تكاليف الحرب. وتمثّلت مسؤولية البنتاغون على صعيد المعادلات الدولية في الحصول على امتيازات لصالح البيت الأبيض في مجال السياسة الخارجية من خلال دق طبول الحرب وإظهار جدية الهزيمة المريرة للأعداء. أي٬ إنّ الخيار العسكري كان بمثابة السيف القاطع للبيت الأبيض لتحقيق أهدافه خارج الحدود٬ بيد أنّ الشعب الإيراني الثوري بإرادته وصموده وصلابته استطاع أن يُفشل هذا السلاح ويُبطل معادلة أنّ الولايات المتحدة لم تدخل حرباً إلّا وانتصرت فيها.
يعدّ الخيار العسكري اليوم أكثر كلفة بالنسبة للإدارة الأمريكية منه إلى إيران٬ وأنّ الحرب هي نقطة ضعف الولايات المتحدة والتحدّي الأكبر الذي تواجهه. لم‌يعد هناك شيء في جعبة الرئيس الأمريكي في الفترة المتبقية من ولايته يستطيع من خلاله إجبار إيران على الاستسلام لمطالبه٬ ذلك أنّ ممارسة الضغوط وفرض العقوبات الاقتصادية أصبحت ورقة محروقة وإجراء فاشل تماماً. لقد بيّنت تحولات العقد الأخير في أفغانستان وسورية والعراق وإيران أنّ الولايات المتحدة بكل ما تملك من قوة عسكرية هائلة لا تملك سوى الخضوع لإرادة الشعوب. والسيد ترامب حتى لو استطاع أن يقفز على المعارضة الداخلية والخارجية وأقدم على مغامرة عسكرية ضدّ إيران٬ فلن يجد أمامه إلّا الركوع لإرادة الشعب الإيراني المناضل والثوري.


قراءة: 774