فصلنامه مطالعات سیاست خارجی تهران
 

مقابلة خاصة مع نیجیرفان بارزاني رئیس إقلیم كردستان العراق


السيد نيجرفان إدريس بارزاني٬ من مواليد 1966 م. في عام 1974م اضطرّ إلى مغادرة وطنه وهو في سنّ الثامنة برفقة أسرته وجدّه «الملا مصطفى بارزاني» ليستقر في إيران وذلك بسبب الظروف السياسية الصعبة آنذاك وملاحقة الحكومة العراقية للثوار زعماء الجماعات الكردية العراقية. درس السيد نيجرفان في إيران والتحق بصفوف الحزب الديمقراطي الكردستاني (پارتي) الذي تأسّس على يد الملا مصطفى، وأصبح أحد أعضاء المكتب السياسي للحزب. في عام 1987 م توفي والده السيد إدريس بارزاني في أرومية إثر نوبة قلبية. بعد احتلال صدام للكويت في عام 1991 م وما أعقب ذلك من تحولات أدّت إلى ضعف الحكومة المركزية في بغداد٬ واستقواء الفصائل الكردية في شمال البلاد٬ عاد السيد نيجرفان إلى أربيل٬ ليساهم إلى جانب آخرين في تأسيس حكم ذاتي كردي في تلك المناطق. في البداية اختير لمنصب «نائب رئيس الوزراء» ومن ثم رئيساً لوزراء حكومة إقليم كردستان لثماني سنوات. ويشغل الآن منصب رئيس الإقليم. تولّى هذا المنصب بعد فشل موضوع الاستفتاء على الاستقلال الذي نظّمه السيد مسعود بارزاني وأدّى بالتالي إلى اعتزاله السلطة. يتحدّث السيد نيجرفان بارزاني الفارسية بطلاقة٬ وفي هذه المقابلة يعبّر عن آرائه بصراحة حول تطورات المنطقة. بحسب اعتقاده أنّ إقامة  الاستفتاء على الاستقلال في المناطق الكردية العراقية كانت فكرة خاطئة ولم تساهم في تحقيق الطموحات الكردية. ويرى أنّ الاستقرار والأمن في منطقة غرب آسيا رهن بالجهود الجماعية المنسقة لبلدان المنطقة ٬ ولا أحد غيرها قادر على تأمين أمنها. بعد ذلك يتناول بالنقد والتحليل تدخل القوى الأجنبية في معادلات المنطقة٬ مبيناً أنّ وجود القوات الأجنبية في المنطقة لن يساعد على حل مشاكلها٬ وإنّما سيعمل على تعقيدها أكثر. وبالنسبة لمبادرات الولايات المتحدة في سورية فهي فاشلة بحسب رأيه٬ ويعتقد أنّ الزعماء الأمريكان يفتقدون إلى مشروع أو مبادرة استراتيجية واضحة في سورية٬ وهو ما ساعد على هزيمتهم أمام إيران وسورية. كما يؤكّد السيد نيجرفان بارزاني على أنّ ظهور داعش عزّز الشعور بالتضامن والتكاتف بين جميع المكونات العراقية لأنّها وجدت فيه تهديداً لها جميعها. وهو يرى أنّ الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة كانت تنظر إلى الأكراد كشركة ولم تنظر إليهم كشريك أبداً. من هنا٬ فإنّه ينصح أكراد سورية بإيجاد طريقة للتحاور مع بشار الأسد لحل مشاكلهم بدلاً من عقد الآمال على الولايات المتحدة. ويعرب رئيس إقليم كردستان عن أمله بأن يوفّر خروج القوات الأمريكية من سورية فرصة للحوار المشترك بين التيارات السورية لحل مشاكلها. من ناحية ثانية٬ اعتبر السيد نيجرفان بارزاني الحملة العسكرية لإسرائيل على مقرات الحشد الشعبي إهانة لجميع الشعب العراقي٬ ويرى أنّ الإدارة الأمريكية تتحمل في هذا الصدد قسطاً من المسؤولية٬ مؤكداً على دور إقليم كردستان في تعزيز استقرار المنطقة. فصلية طهران لدراسات السياسة الخارجية التقت الرئيس نيجرفان في أربيل وطرحت عليه بعض الأسئلة لتخرج بهذا الحوار الثنائي الذي نقدّم نصّه هنا ليطلع عليه القارئ الكريم.

 

رئيس التحرير: أشكركم جزيل الشکر علی منح المجلة هذه الفرصة. السؤال الأول ما هو تقییمکم للتحولات في منطقة غرب آسیا، و ما هي جذور الأزمة في هذه المنطقة الحساسة من العالم؟

نیجرفان بارزاني: في البدایة أرحب بکم أجمل ترحیب، أنا مسرور جداً لقدومکم. طبعاً سوف أرکّز في حدیثي علی موضوع العراق. کما تعلمون إنّ تحولات المنطقة (سلباً کانت أم إیجاباً) ستؤثّر بالنتیجة علی أوضاعنا جمیعاً. ربما تعود جذور المشاکل إلی التحدیات الدینیة أو العوامل الاقتصادیة، طبعاً لا ننسی العوامل السیاسیة أیضاً. التحولات في المنطقة لها تأثیر مباشر علی أوضاع العراق فهو مرکز العالم العربي کما تلاحظون، و نظراً للتداخل الموجود، التداخل القومي، التداخل الجغرافي و ...، فلهذه التحولات تأثیر علی الأوضاع العراقیة. في العقد الأخیر الذي أعقب سقوط نظام صدام، و لد عراق جدید، و لکن أعتقد أنّ المشکلة الکبری التي کان العراق یعاني منها هي عدم الشعور بالولاء لبلد اسمه العراق. أي بتلک الترکیبة السکانیة، و تلک الترکیبة القومیة و الدینیة، لم‌یکن هناک شيء اسمه الولاء للعراق، و في ‌المقابل زاد الولاء للحزب. لم‌تکن حقوق المکونات تُحترم. في عام 1970م أبرم صدام مع جدّي المرحوم الملا مصطفی بارزاني اتفاقیة للسلام، لکنّه عندما شعر بفائض القوة و تنامي قدراته العسکریة عاد من جدید لیشنّ الحرب علی الأکراد و نقض الاتفاقیة المبرمة معهم. و عندما أدرک أن لیس باستطاعته حلّ المشکلة الکردیة تحالف مع شاه إیران ضدّ الأکراد و عقد معه اتفاقیة [الجزائز] منحه بموجبها العدید من التنازلات و الامتیازات، لکنّه نقضها في عام 1979م و شنّ حرباً علی إیران استمرّت ثماني سنوات. و بعد أن عجز عن تحقیق أهدافه في تلک الحرب، و وجد نفسه في مستنقع المشاکل المالیة و القروض قرّر هذه المرة غزو الکویت. لو أنّکم تستعرضون هذا الحوادث کشریط سینمائي لتبیّن لکم بشکل أوضح عمق الکارثة. لو أنّه (صدام) تعامل منذ البدایة مع مشکلة الأکراد بجدیة و قام بحلّها، لما احتاج أصلاً إلی تقدیم تنازلات للشاه و لما احتاج إلی غزو الکویت و خلق کل هذه الکوارث و المصائب و التشرید و المعاناة للشعب العراقي. کوارث ما نزال نعیشها علی الرغم من مضي سنوات عدیدة علیها. أعتقد أنّ أهمّ مشکلة نواجهها في عراق الیوم هي إیجاد معادلة تکون موضع إجماع کل الأطراف لإدارة البلاد. بغض النظر عمّن هو شیعي أو سنّي، لابدّ أن نتبادل الأفکار و نصل إلی اتفاق حول کیفیة إدارة البلاد. عندما جاء الأمریکان إلی العراق في عام 2003م و أطاحوا بنظام صدام کانوا یزعمون أنّنا جئناکم بالدیمقراطیة و حرّرنا العراق. إلّا أنّ الدیمقراطیة ثقافة، لا یمکن أن تُهدی إلینا و یقولوا: تفضلوا هذه الدیمقراطیة. إنّ إرساء أسس الدیمقراطیة یحتاج إلی وقت إلی فرصة لکي یتمرّن الشعب علیها. لکنّهم للأسف لم‌یتمکنوا من تحقیق إنجاز حقیقي في العراق في هذا المجال، نعم، جاؤوا و أطاحوا بصدام، و لکن لم‌تکن لدیهم خطة واضحة لإدارة البلد لما بعد السقوط. و هذا ما ساعد علی ظهور أمثال الزرقاوي تارة، و القاعدة تارة أخری، و من ثم تکفیریي داعش و ... و أن تتکرر فصول هذه المأساة، و أنتم ترون الحوادث التي مرّت، کلّها كانت تضيف مآسٍ إلى مآسي العراق. 

رئیس التحریر: لقد أشرتم إلی نقطة مهمة، و هي ضرورة أن یکون هناک نموذج مشترک لإدارة العراق بعیداً عن أي نظرة طائفیة. إدارة کل العراق من قبل جمیع العراقیین، فهل یا تری توصّل الزعماء العراقیون إلی هذا النموذج الذي یحقّق الآمال بعد هذه السنوات الطویلة علی سقوط صدام؟ 

نیجرفان بارزانی: لا أظن، لو تأملت أوضاع العراق بعد سقوط صدام لوجدت هاجس الماضي عند الشیعة، و هاجس المستقبل (وماذا سیحدث) عند السنّة، و هاجس الماضي و الحاضر و المستقبل ماثلاً عند الأکراد. عندما سقط نظام صدام لم‌یکن یخطر ببال شیعة العراق أن یسمح الأمریکان ذات یوم أو تتجه الوقائع نحو حکم الشیعة لهذا البلد، و لذلک وافقوا علی النظام الفدرالي، و قالوا في نفسهم إذا ظهرت مشکلة في المستقبل، سیکون لدینا في الجنوب (المحافظات الجنوبیة) نظام فدرالي. و بعد أن ترک الأمریکان العراق (بغض النظر عن الأسباب)، للأسف قال الأخوة الشیعة: لماذا الجنوب فقط؟ لنأخذ بغداد أیضاً، بل العراق كلّه لنا. لقد حاولوا تقزیم حجم الأکراد، بالإضافة إلی تهمیش السنّة. أقولها بصراحة، لقد وضعنا أسس العراق الجدید بمساعدة الجمهوریة الإسلامیة في إیران. هؤلاء الزعماء العراقیون، أکراداً أم شیعة، لقد وضعنا سویة  أسس هذا البلد. طریقة إدارة العراق کنظام مرکزي مسألة مهمة جداً، و قد صرنا جزءاً من هذا النظام. لقد بذل المرحوم السید جلال طالباني و السید بارزاني جهوداً کبیرة لبناء العراق الجدید، لدرجة أنّنا أرسلنا قوات البیشمرکة إلی بغداد في الأعوام 2007م و 2009م للحفاظ علی أمن بغداد و العراق. الشيء الذي لم نستطع حتی الآن أن نصل إلیه هو أسلوب التفکیر و الولاء. في هذا البلد العراق لا يوجد ولاء مشترك٬ ولاء الأكراد لأنفسهم٬ و كذلك ولاء السنّة و الشيعة٬ كلٌّ لنفسه٬ أي٬ ما من شيء استطاع أن يوحّدنا نحن الشعب العراقي. و باعتقادي إنّ أفضل حل هو أن نصل إلى صيغة يمكن من خلالها إدارة هذا البلد بمساعدة بعضنا البعض. الأمر المؤسف الآن في العراق هو أنّ الطرف الضعيف مهدّد على الصعيدين العسكري و السياسي من قبل الطرف القوي. و أنّ تيارات السلطة متصارعة فيما بينها في أغلب الأحيان٬ بدلاً من أن تتعاون و تسعى لإيجاد صيغة لإدارة البلاد. هذا هو المنطق الذي كان حاكماً حتى اليوم٬ هناك قوي و هناك ضعيف. لكنّه لم‌يعد ناجعاً بعد الآن٬ و قد أثبت التاريخ أن منطق الصراع على السلطة غير ممكن. بحسب اعتقادي٬ علينا نحن الأكراد و الشيعة و السنّة أن نجلس و نبحث عن صيغة يمكن من خلالها أن ندير هذا البلد٬ و أن لا تكون لأيّ منّا هواجس بالنسبة للمستقبل. بمعنى أن تكون هناك مشاركة سياسية حقيقية بين المكونات في البناء السياسي للعراق.

رئيس التحرير: على الرغم من تأكيد سيادتكم على المشاركة السياسية و تعتقدون أنّ الشيعة أضرّوا بهذه المشاركة٬ لكنكم في نفس الوقت تشيرون إلى أنّهم عندما شعروا بفائض القوة٬ لم يكتفوا بصيغة فدرالية للشيعة في الجنوب بل سعوا إلى حكم البلاد بأكملها، و لكن من المؤسف أن أقول٬ بأنّ الشيعة أيضاً يعتقدون بأنّ الأكراد لم يقنعوا بالمنجزات الراهنة فتخلّوا عن الفدرالية و ساروا على طريق تحقيق حلم الدولة الكردية المستقلة عبر إجراء الاستفتاء غير القانوني. ما هي وجهة نظركم في هذا الصدد؟ 

نیجرفان بارزانی: لقد ثبت للأكراد كما قلنا بأنّ فكرة إجراء استفتاء الاستقلال لم‌ ‌تكن صحيحة. هذه السياسة الاستقلالية ليست ممكنة في الوقت الحاضر و لن تتمخّض عن نتيجة. أعتقد لقد ثبت للشيعة أيضاً هذا الأمر٬ و أرجو أن يكون السنّة في هذه المرحلة التي نعيشها قد بلغوا مستوى من النضج ليدركوا أنّه ليس هذا هو الوضع الذي ينشده الشعب العراقي. في الماضي كان الطريق لكسب الآراء بالنسبة لأيّ حزب في العراق هو التهجّم على الأكراد. أما اليوم لم تعد هذه المناورات تنطلي على الشعب العراقي٬ فالذين اتّخذوا مواقف متشدّدة ضدّ الأكراد في الانتخابات العراقية الأخيرة حصلوا على آراء قليلة جداً. برأيي إنّ العراق اليوم في حالة عبور٬ يمرّ بمرحلة انتقالية. قد يستغرب البعض من هذا الكلام٬ لكنّ التجارب أثبتت بأنّ للعراق عدوّ مشترك. عندما ظهر داعش قطع رؤوس الأكراد كما قطع رؤوس السنّة و كما قطع رؤوس الشيعة أيضاً . ظهور داعش أدّى إلى شعورنا بالوحدة و التضامن٬ لأنّه كان تهديداً لنا جميعاً٬ فعندما جاء التكفيريون لم‌يتركوا أبناء السنّة و شأنهم لأنّهم سنّة٬ و لم يهاجموا الشيعة لأنّهم شيعة٬ كنّا جميعاً مجرمون في نظرهم و لذلك كانوا يذبّحوننا. أنّني لأرجو أن يصل الشعب العراقي إلى مستوى من النضج السياسي ليدرك النقاط الحساسة الأصلية. و التطورات الأخيرة في العراق قد برهنت على هذا٬ انظروا إلى الاحتجاجات التي جرت في الشهر الماضي ببغداد٬ لقد شارك فيها جيل لم‌ير صدام و لا الأمريكان. هؤلاء يبحثون عن حياة أفضل٬ يطالبون بالكهرباء ويطالبون بالماء. كل يوم يسمعون عبر وسائل الإعلام عن الفساد المستشري٬ لقد ملّوا كل ذلك٬ و الآن يريدون الحياة. لسان حال الشعب يقول هل من المعقول أنّ البلد الذي يصدّر 4 ملايين برميل من النفط يومياً لا يوجد فيه كهرباء و لا ماء٬ هذه مشاكل قد تجاوزها العالم منذ زمن و لم تعد مطروحة. هذه الأمور مجتمعة تتيح حالة من النضج و الوعي لدى جميع التيارات. أعتقد أنّنا نمضي إلى هذا الهدف رويداً رويدا و هو أن نتعاون و نعمل سوية٬ لنجد صيغة لإدارة البلاد. بحسب رأيي و في ضوء التجارب التي اكتسبناها جميعاً أكراداً و سنّةً و شيعة٬ فإنّ العراق يتّجه صوب هذا الهدف. في السابق عندما كانت تحصل مشكلة في مناطق أخرى كنّا نشيح بوجهنا عنهم و نقول إنّها مشكلتهم٬ أما الآن٬ فعندما تحصل مشكلة في بغداد نشعر بالقلق حقّاً٬ و نقول لا ينبغي أن يحصل هذا٬ و نهبّ لمساعدتهم لئلا تسوء الأوضاع أكثر. أعتقد هذا نوع من النضج الذي ظهر عند جميع التيارات السياسية. من هذه الناحية إنّني استبشر خيراً بمستقبل العراق.

رئيس التحرير: كرئيس لإقليم كردستان٬ كيف تقيّمون العلاقات و الدبلوماسية السائدة حالياً بين المكونات المختلفة (الأكراد و الشيعة و السنّة)؟ هل ارتقى مستوى العلاقات إلى الحدّ الذي تستطيع فيه المكونات الحالية أن تحكم البلد في مناخ سياسي منفتح؟

نيجرفان بارزانی: إنّ نظام الحكم في العراق هو نظام برلماني ديمقراطي٬ تجري الانتخابات مرة واحدة كل أربع سنوات. يذهب رئيس وزراء و يأتي آخر. لقد تمّ هذا الأمر حتى الآن بشكل طبيعي و سلس و دون أيّ مشكلة٬ و لم‌يحدث أيّ انقلاب عسكري٬ نقل السلطة كان يتمّ سلمياً. و على الجانب الكردي٬ في السابق عندما كان تحدث مشكلة صغيرة في كردستان كان الجميع يتخوّف لئلا تؤدّي إلى نشوب حرب. لقد عشنا مشاكل كبيرة٬ و اختلفنا مع بعضنا٬ كانت بيننا صراعات سياسية٬ و لكن كل ذلك لم يؤدّ إلى الاقتتال. أعتقد أنّنا تجاوزنا تلك المرحلة و تركناها وراء ظهورنا. لقد واجهنا مشاكل كثيرة و لكن لم نصل إلى حدّ الحرب. كذلك هو الحال مع الشيعة٬ فقد نشبت بينهم خلافات كثيرة٬ و نفس الشيء بالنسبة للسنّة و ربما أكثر حدّة من الشيعة و الأكراد. في ظلّ الأوضاع الراهنة لا بدّ للعراق أن يدار بطريقة يشعر معها جميع الشعب العراقي بهذا الشعور. في الوقت الحاضر يتم تطبيق جزء من العملية السياسية في البلاد٬ حتى الآن النظام في العراق نظام ديمقراطي٬ و لكن نتائجه لم تكن ديمقراطية بل توافقية. أنت تنتخب لكنّك تجد النظام نظام محاصصة٬ بمعنى هذه الوزارة لهذا الحزب٬ و تلك الوزارة لذاك. و ليس هناك مشكلة. على سبيل المثال٬ ما هي صلاحيات السيد عادل عبد المهدي كرئيس لمجلس الوزراء؟ هو لا ينتمي لأيّ حزب في البرلمان لكي يتلقّى منه الدعم. إنّه لوحده و ما من جهة تدعمه. لقد اتفقت كتلتا سائرون و الفتح البرلمانيتان على تسميته رئيساً للوزراء، لكنّهما سكتتا في الأزمة الأخيرة التي شهدها العراق و لم‌يصدر منهما بياناً لدعم رئيس الوزراء. و لهذا أقول إنّ النظام ديمقراطي لكنّ نتائجه توافقية. ولكن يجب أن‌يكون هذا التوافق على نحوٍ آخر. لو‌كان أشخاص أكفاء و سياسيون بارزون يترأسون الكتل المشاركة في حكومة السيد عبد المهدي لشعروا بمسؤوليتهم في هذه الظروف العصيبة٬ لكنّ هؤلاء الأشخاص (السياسيون البارزون) هم خارج الوزارة الآن و ينظرون إلى الأوضاع من بعيد و لا دعم لهم. أما لو كان زعماء الكتل مشاركين في كابينة السيد عبدالمهدي كوزراء لكان الوضع أفضل بكثير. ثانياً٬ انظر إلى أوضاع السنّة٬ ما هي المشكلة؟ في الوقت الحاضر لا يعرف السنّة ممثليهم في بغداد (في البرلمان)٬ لقد اختلفوا حول تسمية رئيس البرلمان أو وزراء الحكومة. في حين أنّ مطلب الشعب شيء آخر. إنّهم (النواب) ليسوا بصدد حل مشاكل أبناء طائفتهم من أهل السنّة أو ضمان مصالحهم. هذه إحدى المعضلات الكبرى التي يعاني منها العراق٬ فالسنّة ليسوا متحدين و ليس لهم رأس (زعيم) واحد يلتزم بتحقيق مطاليبهم.

رئيس التحرير: أشكركم جداً على هذه الإيضاحات. لو تسمحون لنا أن ننتقل بالحوار إلى علاقات العراق الخارجية٬ إنّكم في الوقت الذي تقيمون فيه علاقات مع بعض الدول بوصفكم جزءاً من العراق٬ تلعبون دوراً أيضاً ضمن العراق الواحد في تنظيم علاقاته بالجيران و غيرهم. في ضوء الوضع الراهن٬ ما هو تقييمكم لعلاقات العراق و الأسس التي تحكم السياسة الخارجية؟

نيجرفان بارزانی: تقوم السياسة الخارجية للعراق على ركيزتين اثنتين٬ الأولى رغبة العراق في أن يكون بلداً محافظاً على أمن المنطقة٬ بمعنى٬ أن يسعى للحفاظ على التوازن في المنطقة. و أن يؤسّس لعلاقات جيدة مع جيرانه٬ ومع دول العالم أيضاً. العراق ذاهب في هذا الاتجاه. على سبيل المثال٬ علاقاته بالعربية السعودية جيدة٬ بإيران جيدة٬ بالولايات المتحدة أيضاً جيدة. أعني٬ إنّ العراق يرغب في ممارسة دور في المنطقة و يقيم علاقات مع جميع البلدان على أساس مبدأ الاحترام المتبادل. و أظن أنّه نجح إلى حدّ بعيد في مسعاه هذا، بل إنّ علاقاته مع سورية جيدة و مع إيران جيدة و مع تركية جيدة و كذلك مع السعودية٬ أي٬ إنّه يرغب في أن يكون عاملاً إيجابياً في المنطقة٬ لا عاملاً مزعزعاً للأوضاع و مثيراً للمشاكل.

رئيس التحرير: أشرتم سيادتكم إلى نقطة مهمة٬ و هي إحدى النقاط التي تلحّ عليها الولايات المتحدة٬ أعني٬ زعزعة الاستقرار في المنطقة. فهي عملياً تواصل نهج زعزعة الاستقرار في المنطقة٬ و في نفس الوقت تتهم إيران بذلك. ما تقييم سيادتكم لجذور عدم الاستقرار في منطقة غرب آسيا؟

نيجرفان بارزانی: جذور عدم الاستقرار تعود لانعدام الثقة المتبادلة٬ وعدم التعاون و العمل سوية. أعتقد لاأحد قادر على تأمين أمن المنطقة إلّا بلدانها. إنّ وجود قوات أجنبية في المنطقة يعقّد مشاكلها بدلاً من حلّها٬ و هذه النظرية مبرهنة٬ بمعنى٬ حتى مع تواجد هذه القوات٬ فعليها أن تساعد في حل المشاكل٬ نحن لانقول بعدم وجودها٬ لكن دول المنطقة أقدر على حل مشاكلها. مثلاً تركية٬ لماذا تشعر بالقلق إلى هذا الحد حين تعتزم الولايات المتحدة إقامة قواعد عسكرية لها في شمال سورية و تقوم بهذه الحملات العسكرية. باعتقادي٬ إنّ استقرار المنطقة يحتاج إلى آلية٬ على دول المنطقة أن تجلس مع بعضها و تطرح آلية لإرساء الأمن و الاستقرار.

رئيس التحرير: يعتقد البعض أنّ الحملات المتزامنة للأتراك على الأراضي السورية بعد انسحاب الجنود الأمريكان من هذا البلد كان بتخطيط من البيت الأبيض لكي يبرهن على أنّ خروج قواته من بلدان المنطقة يزيد من حالة اللااستقرار فيها٬ ما رأيكم في هذا الموضوع؟

نيجرفان بارزانی: الموضوع السوري موضوع منفصل٬ عندما بدأت المشكلة السورية٬ كنّا نواجه قطبين٬ أحدهما كان يحمل رؤية و استراتيجية٬ أي كان يعرف ماذا يفعل. في ظنّي أنّ استراتيجية بلدان مثل إيران و روسية كانت واضحة تماماً. لقد بذل هذان البلدان جهوداً كبيرة لتحقيق أهدافهما. و في المقابل٬ كان هناك قطب غربي أيضاً بقيادة الولايات المتحدة لا يمتلك استراتيجية و لا أفق واضح للمستقبل. هذه هي حقيقة الأمر. لو لاحظت الوضع السوري في تلك المرحلة لوجدت أنّ بشار الأسد على‌ الرغم من كل المشاكل التي كان يعاني منها٬ كان يتمتّع بتأييد و دعم 25 في المأة من الشعب السوري. و في المقابل   15 في المأة تأييد للمعارضة السورية٬ و البقية كانوا تائهين في وسط هذه المعمعة. مع ذلك كان الجيش يدعم بشار٬ كان أهل السنّة٬ لا سيّما التجار و الأثرياء أيضاً يدعمونه٬ الأكراد أيضاً كانوا يدعمونه٬ بمعنى٬ أنّ هؤلاء جميعاً كانوا يرون في سقوط بشار تهديداً لهم. من هذه الناحية٬ كان الأمريكان يوماً يخطّون خطاً أحمر٬ و في اليوم الثاني خطاً أبيضاً٬ لأنّهم لم‌يكونوا يعرفوا ماذا يريدون٬ خصوصاً بعد تغيّر الإدارة الأمريكية و مجيء ترامب. فعندما وصل إلى البيت الأبيض لم يكن يعرف أبداً لماذا عليهم أن يكونوا في سورية. لم‌يكن يعرف أبداً و مطلقاً. كان يشعر أن لا سبب يدعوه للبقاء في سورية. برأيي إنّ الحل الوحيد لمشاكل سورية هو الحل السياسي. فإرسال القوات العسكرية أو الحرب لن يحلّ المشكلة. نعم٬ الحل السياسي هو الحل الوحيد. على جميع القوى أن تتفاهم مع بعضها و تضع حلولاً لمشاكلها داخل سورية و بواسطة السوريين أنفسهم٬ بهذه الطريقة تُحلّ جميع المشاكل. لا أظنّ أنّ رحيل القوات الأمريكية عن سورية سيخلق مشكلة كبيرة. على العكس٬ خروج هذه القوات سيتيح فرصة للفرقاء السوريين لكي يجلسوا مع بعضهم و يحلّوا مشاكلهم إن شاء الله.

رئيس التحرير: هل تقصدون أنّ انسحاب الولايات المتحدة من سورية ناجم عن هزيمتهم في المنطقة؟

نيجرفان بارزانی: نعم٬ فهم يفتقدون٬ بالأساس٬ لأيّ استراتيجية أو سياسة في سورية. 

رئیس التحریر: قولکم بأنّ الأمریکان لا یملکون استراتیجیة في سوریة، هل تقصدون في عهد ترامب أم إنّ هذا الکلام یشمل الإدارة السابقة أیضاً؟

نيجرفان بارزانی: نعم، السید أوباما أیضاً لم تکن لدیه استراتیجیة.

رئیس التحریر: هل یُعقل أنّ بلداً کبیراً و قوياً مثل الولایات المتحدة التی تمتلک العدید من مراکز الفکر تفتقد لاستراتیجیة في قضیة مهمة کهذه؟
نيجرفان بارزانی: لم تکن لدیهم استراتیجیة أبداً، لم یعرفوا لماذا علیهم البقاء في سوریة.

رئیس التحریر: بعبارة أخری، أحد أسباب هزیمة الولایات المتحدة في سوریة هي عدم وجود استراتیجیة و أفق؟
نيجرفان بارزانی: نعم، لم یعرفوا أبداً لماذا هم هناک، أي بمعنی، کان تعاطیهم مع القضیة تعاطیاً تکتیکیاً، و لم یکن سلوکاً استراتیجیاً و مستقبلیاً


.
رئیس التحریر: بعد انسحاب الولایات المتحدة من الأراضي السوریة، بدأت الحکومة الترکیة هجوماً عسکریاً علی مناطق شمال سوریة، و أنتم قد أشرتم إلی أنّ الحلول العسکریة لن تحلّ تحدیات المنطقة، هل لکم أن توضحوا لماذا أقدمت ترکیة في هذا الوقت علی هذه المخاطرة و هاجمت الأراضي السوریة؟

نيجرفان بارزانی: بصرف النظر عن أنّ هؤلاء أکراد و بنو جلدتنا و یخالجنا شعور عاطفي تجاههم إلّا أنّک لو نظرت إلی الموضوع بدقة و تمحیص لوجدت أنّ للأتراک هواجس أمنیة، و هذه الهواجس محقّة، و برأیي جدیة. منذ الیوم الأول لاندلاع الأزمة السوریة کان للأتراک مطلب واحد من الفصیل الکردي المسلح المسمی "پ ی د" و المتواجد حالیاً في تلک المنطقة، کانوا یقولون لأکراد سوریة (پ ی د): مطلبنا الوحید منکم أن تمیّزوا أنفسکم عن حزب الـ (پ ک ک). أي أن تکون لکم حدود ممیزة. هذا المطلب الوحید لترکیة. من الصعب أن تتقبل ترکیة تواجد حزب الـ(پ ک ک) علی حدودها مع العراق و کذلک علی حدودها الممتدة بطول 400 کم مع سوریة. هذا بالفعل أمر صعب و لایمکن تحمّله بالنسبة لترکیة. و أخوتنا 
الأکراد في سوریة لم یتورّعوا عن فعل أي شيء لاستفزاز ترکیة، لقد فعلوا کل شيء من أجل استفزازها. من رفع صور عبد الله أوجالان إلی رفع أعلام الـ پ ک ک في المناطق التي یتواجدون فیها. و في المقابل، کان لدی ترکیة معلومات دقیقة عن العلاقات الوثیقة التي تربط بین الفصیلین أعني "پ ک ک"  و  "پ ی د". یشکّل و جود الـ "پ ک ک" في هذه المناطق تهدیداً جدیاً لترکیة. لذا، في ظلّ القلق الترکي من عدم وجود جهة تعمل علی حل هواجسها الأمنیة، تجد نفسها مضطرة للنزول إلی الساحة بنفسها. طبعاً دخول ترکیة إلی الأراضي السوریة، من وجهة نظري، لا یحل المشکلة. مع ذلک لا بدّ للأکراد أن یحلّوا المشکلة مع السید بشار. و نصيحتي لأخواني الأكراد في سورية دائماً هي أن يجدوا طريقة للحوار مع بشار الأسد. الولايات المتحدة في السنوات الماضية كانت تنظر إلى الأكراد كشركة أمنية لا كشريك. جاءت بشرکة أمنیة، و الأکراد بدورهم اعتقدوا أنّ ثمّة خطة أو استراتیجیة، بینما لم تکن هناک أيّ خطة. لقد قدّم الأکراد أحد عشر ألف شهیداً، کان علیهم عندما وصلت الأمور إلی هذا الحد أن یعملوا مع بشار منذ الیوم الأول علی حل المشکلة و الوصول إلی تفاهم. في الوقت الحاضر أیضاً لا حل سوی أن یحلّ الأکراد المشکلة مع بشار الأسد.

رئیس التحریر: و هل تعتقدون أنّ بشار الأسد سوف یستجیب لهم؟

نيجرفان بارزانی: نعم ، لو أنّ الأکراد في السنتین الماضیتین عملوا بهذه النصیحة، لکان تحادث معهم. أما الآن فالسید بشار الأسد یعیش نشوة النصر و ربما أصبح الأمر أصعب، و لکن علی أي حال إنّها أرض سوریة، و هو مسؤول و لا بدّ له أن یوافق علی ذلک، و أن یجد آلیة أو حلاً سیاسیاً لمشکلة الأکراد داخل سوریة. هناک حقیقة أخری و هي أنّ أکراد سوریة کانوا یعانون من ضغوط شدیدة. کنّا نطالب السید بشار و من قبله والده حافظ الأسد (رحمه الله) أن یمنح الأکراد جنسیة. لکنّهم لم‌یکونوا مستعدین للقیام بهذه الخطوة. هذه حقیقة. هؤلاء بوصفهم جزءاً من الشعب السوري و أحد أطیاف الترکیبة السکانیة السوریة لهم حقوق لا بدّ من تأمینها في إطار الدولة السوریة الموحدة.
 رئیس التحریر: في بدایة اندلاع الأزمة في سوریة التقیت بالرئیس بشار الأسد في دمشق وتحدثنا عن هذا الموضوع. و قال في حینها: أنا مطمئن بالنسبة للمناطق الکردیة، و عندي ثقة بالأکراد. هذا الکلام قیل في تلک الفترة، و أضاف: لقد أرسلت رسائل إلی بعض زعماء الأکراد و أکّدت علیهم أن یقوموا هم بتأمین مناطقهم الکردیة لنتفرّغ نحن للدفاع عن البلاد في مناطق أخری. في تلک الفترة کان داعش قد احتلّ مناطق شاسعة من سوریة، و لکن في لقاء لاحق بدا من حدیثه أنّ الأکراد لم یوفوا له. هکذا کان تصوّره عن سلوک الفصائل الکردیة، کان منزعجاً. في الظروف الراهنة أرجو أن یتعزّز  الشعور بالمسؤولیة عند أکراد سوریة.

نيجرفان بارزانی: سبب انزعاجه هو أنّه تصوّر بأنّ الأکراد عقدوا اتفاقاً مع الأمریکان. و حقیقة الأمر أنّ الأمریکان في هذه القضیة کانوا یحرّکون الأکراد لئلا یتوافقوا مع بشار. و لو أنّهم في ذلک الوقت ذهبوا إلیه و توافقوا لما حصل الکثیر من هذه المشاکل لاحقاً. و طبعاً کان حزب الـ (پ ک ک) یرید أن یکتسب مشروعیة سیاسیة عبر أکراد سوریة، فاتّخذهم رهینة ظنّاً منه أنّ هذه الطریقة تحقّق له تلک المشروعیة. کان هذا خطأ جسیماً. أنا شخصیاً سعیت کثیراً لدی الأکراد لکي أبیّن لهم أنّ ما یقومون به خاطئ. عندما بدأت المشکلة السوریة کنّا نواجه ضغوطاً شدیدة للسماح للمعارضین الأکراد بالانتقال إلی إقلیم کردستان العراق. لم‌ نسمح بذلک مطلقاً، لأنّنا کنّا قلقین علی مستقبل المنطقة و ما ستؤول إلیه الأوضاع. و علی أيّ حال، نحن تربطنا بالسید بشار الأسد علاقات تاریخیة و کذلک مع والده، و کان هذا بمثابة عامل استقرار في المنطقة. کنّا قلقین دائماً لو أنّه أزیح عن السلطة ماذا سیحصل؟ هذه کانت رؤیتنا منذ الیوم الأول، و عملنا بهذا المنطق. لهذا السبب لم نسمح للمعارضة السوریة في أيّ وقت بالتواجد في إقلیم کردستان لأغراض التدریب أو أن یکون الإقلیم مقرّاً لها. 


رئیس التحریر: في ضوء العملیة الترکیة و تعقّد المشهد أکثر فأکثر، هل لسیادتکم مبادرة لتحسین الأوضاع الأمنیة في المنطقة؟

نيجرفان بارزانی: بالنسبة للعملیة الترکیة، هناک ثلاثة أمور تثیر قلقنا، أولاً أن لا تتوسّع العملیات العسکریة أکثر ممّا هي علیه حالیاً لتشمل مناطق أخری. ثانیاً، إنّنا غیر قلقین من العملیات العسکریة للقوات الترکیة لکنّنا قلقین بصورة جدیة من القوات المشارکة مع الجیش الترکي في العملیات، هذا هو قلقنا الأصلي. قلقون من عملیات انتقامیة تقوم بها القوات المتطرّفة أو المتشدّدة، لأنّه کانت لدینا تجربة في عفرین، حقّاً لقد أساؤوا التصرّف هناک. یساورنا القلق من أن تتولّد علی أثر العملیة موجة نزوح جدیدة إلی کردستان العراق، فنحن کنا نستضیف ملیوني نازح سوري، و الآن وصل العدد إلی ملیون و مائة ألف تقریباً ما یزالون في الإقلیم. تصوّروا في منطقة تحتوي علی خمسة ملایین نسمة و یضاف إلیها ملیونا نازح، أي بنسبة 30 في المأة من سکان کردستان. هذا عبء ثقیل علی عاتق حکومة إقلیم کردستان. هذا هو هاجسنا الأصلي. الهاجس الآخر هو عودة داعش، أعني إنّ ما یحصل الآن یعطي فرصة و نفساً جدیداً لداعش لیعود إلی الساحة من جدید. أظنّ أنّ داعش لم ینته بعد، نعم لقد انتهت دولة الخلافة المزعومة، و لکن کجماعة متطرّفة و کفکر ما یزال باقیاً في المنطقة، و ما یزال باقیاً في العراق، و له جذور في هذا البلد. إنّنا قلقون من عودة داعش من جدید.
رئیس التحریر: إنّه لشعور خطیر أن یکون لفکر داعش وجود في العراق، إذن، ما الذي یجب فعله لاجتثاث أفکار داعش في المنطقة؟

نيجرفان بارزانی: في الحقیقة، لداعش جذور قویة في العراق، کنتیجة للأخطاء التي حصلت في العراق جاء داعش و قال لأهل السنّة: سأقوم بتحریرکم، و لکن إذا نظرنا إلی المشهد سنجد أنّ أکثر من تضرّر من قضیة داعش هم أهل السنّة. فقد دُمّرت المناطق السنّیة تماماً، و أصبح سکانها نازحین و مشرّدین و اضطرّوا للعیش في معسکرات النزوح في الإقلیم و في مناطق أخری. و لا یوجد أي بصیص أمل بالمستقبل. علی بلدان المنطقة أن تجتمع و تعمل علی القضاء علی داعش. أعتقد أنّ التصدّي لداعش لا یتلخّص في الحرب فقط، علی البلدان العربیة أن تتّخذ سیاسة مشترکة، وتبادر إلی اتخاذ خطوات محدّدة في هذا المجال. بلدان مثل مصر و السعودیة و سائر البلدان، یجب أن تنسّق فیما بینها و تتعاون و علی إیران أیضاً أن تشارک في ذلک لیتمّ اجتثاث الفکر الداعشي.

رئیس التحریر: هل تعتقدون أنّ دولاً مثل العربیة السعودیة سوف تسعی لمواجهة الفکر المتطرّف ؟

نيجرفان بارزانی: أعتقد أنّهم لن یفعلوا ذلک، و في هذه الحالة، ستبقی مشکلة التطرّف و التشدّد في هذه المنطقة قائمة.

رئيس التحرير: العربية السعودية هي بالتحديد من يروّج لأفكار داعش في المنطقة٬ و تنشر التطرّف٬ و تدعمه مالياً. هذه ليست تحليلات٬ بل المعلومات المتراكمة عند وسائل الإعلام تقول بأنّ للعربية السعودية دور في نشر العنف و أفكار داعش.

نيجرفان بارزانی: أيّاً كان دورها٬ إذا كنت تريد للمنطقة أن تستقر٬ فهذا هو ألفباء العمل و هو أن نتحد جميعاً ضدّ هذا الفكر. مهما كان داعش٬ و أيّاً كان من يموّله٬ فهو يشكّل خطراً علی الجميع٬ و علی السعوديين٬ و إيران٬ و العراق و ...٬ إذن٬ الأمر يتطلّب سياسة إقليمية موحدة للعمل ضد فكر داعش. ما لم‌يحصل هذا٬ لن نصل إلى أيّ نتيجة. انظر إلى هؤلاء النازحين في إقليم كردستان٬ هناك جيل ينشأ في هذه المعسكرات و يترعرع. جيل لا مستقبل له البتة. هذا الجيل بكل ما يحمل من بؤس و تعاسة يشكّل الحاضنة المناسبة لعودة داعش من جديد تحت اسم جديد. 

رئيس التحرير: في ضوء الأوضاع الراهنة حيث هُزمت الولايات المتحدة في مشاريعها الإقليمية٬ هل يمكن أن نأمل في قيام تضامن إقليمي للتصدّي لأفكار داعش و الأفكار المتطرّفة المنبثقة عن الثنائي الغربي السعودي؟

نيجرفان بارزانی: الحقيقة هي أنّ داعش كان يواصل تقدّمه في المجال العسكري دون مساعدة من الولايات المتحدة٬ بل إنّه كان على وشك السيطرة على مطار بغداد٬ و قد رأينا كيف وصل تخوم إربيل٬ لا أعتقد أنّ القضية قضیة أمريكا٬ لا بدّ من توسيع التعاون الإقليمي. ما لم يتم ذلك ستعود ظاهرة داعش ثانية.

رئيس التحرير: نفهم من كلامكم هذا أنّ داعش احتل العراق دون مساعدة من الولايات المتحدة٬ إذن٬ من أين جاء بهذه الأسلحة التي كانت في حوزته؟ هل كان بمقدور داعش أن يستحوذ على أراضٍ لولا المساعدات المالية و التسليحية و التدريبية للقوى الكبرى؟

نيجرفان بارزانی: هذا صحيح٬ و لكن الأموال التي كانت بحوزتهم هي نتيجة تبرعات المتطرّفين في منطقتنا العربية٬ أما أسلحتهم٬ فإنّها أسلحة الجيش العراقي – حوالي فرقتين أو ثلاث فرق – التي تركها في الموصل و هرب و جاء هؤلاء و غنموها٬ و استولوا على كل الأموال التي كانت في البنوك٬ و كانت هذه انطلاقتهم لتوسيع منطقة نفوذهم الجغرافية.

رئيس التحرير: بعد مرور 27 عاماً على نشوء الإقليم الكردي٬ كيف تقيّمون قدرات الأكراد و قوتهم و أوضاعهم في المنطقة٬ لا سيّما في حدود إقليم كردستان العراق؟ مع الأخذ بالاعتبار مشاكل الشعب في الميادين السياسية و الثقافية و الأمنية٬ و الانتقادات الأخرى الموجهة من بينها مسألة القطبية الثنائية في كردستان و وجود الفساد و .. إلخ؟ 

نيجرفان بارزانی: لو تأمّلتم تاريخ نضال الأكراد في العراق٬ ستجدون أنّنا حقّقنا العديد من الإنجازات. عندما حدثت الانتفاضة في عام 1991م٬ كان النظام العراقي يسيطر على كل مكان٬ و الاستراتيجية الوحيدة لنظام البعث العراقي آنذاك هي أنّهم كانوا يقولون: لو أنّنا سحبنا كوادرنا الإدارية و المدراء من المناطق الكردية٬ لن يكون الأكراد قادرين على إدارة شؤونهم٬ و بالنتيجة سيعودون إلينا و يركعون تحت أقدامنا لنعود ثانية إلى كردستان. و لكن هذا لم يحصل٬ لقد استطعنا إدارة مناطقنا بأنفسنا. طبعاً عندما أقول "استطعنا" لا أقصد فصيل كردي بعينه و إنّما أعني تعاونت جميع الفصائل علی ذلک و خاصة السيد طالباني و السيد بارزاني و عملوا سوية، و بذلك استطعنا أن نخلق منظومة موحدة. استطعنا أن نجري انتخابات٬ و بالطبع كانت هناك مشاكل٬ كان هناك صراع فيما بيننا٬ حتى أنّه و قع اقتتال بين الاتحاد الوطني الكردستاني و بين الحزب الديمقراطي الكردستاني٬ لكنّنا تمكنّا من تجاوز كل هذه المراحل. في كل مكان هناك مشاكل٬ في أمريكا٬ في أي بلد أوروبي. إنّ سقف طموحات الشعب عالٍ٬ و هو يعتقد أنّ المشاكل یمکن أن تُحلّ بين ليلةٍ و ضحاها٬ و هو محق في ذلك٬ و لكن لو أردنا أن نستعرض المنجزات٬ سنجد أنّنا قطعنا شوطاً بعيداً٬ و أمامنا شوط أبعد. لا أقول أنّه لا يوجد فساد هنا٬ أو أنّ كل شيء على ما يرام٬ لا ليس الأمر كذلك٬ و لكن عندما أرى أين كنّا و أين أصبحنا٬ أشعر أنّنا حقّقنا درجة جيدة. أربيل في عامي 2004  و  2005 كانت عبارة عن قرية كبيرة٬ لم يكن لديها بناء حضاري، أمّا اليوم فقد تغيّرت كثيراً. لو قارنّا البنية التحتية التي تمّ استحداثها اليوم من مطار و طرق حديثة و مستشفيات مع كان في عام 2003 م٬ سنجد أنّنا تقدّمنا كان جيداً جداً و لله الحمد٬ هذا مع العلم أنّنا بعد عام 2014 م عندما ظهر داعش جمّدنا كل نشاطاتنا العمرانية و البنى التحتية٬ لأنّ أولويتنا كانت إدارة الحرب مع داعش. كانت لنا حدود مشتركة مع داعش تمتد لألف و مأة كيلومتر٬ في هذه الحرب التي فرضت علينا قدّمنا 2000 شهيد من قوات البيشمركة٬ و تقريباً عشرة آلاف جريح. و من ثمّ استقبلنا حوالي ميلوني نازح في هذه البلاد. هكذا أصف ما حدث٬ لقد حُشرنا في نفق لكنّا و لله الحمد استطعنا أن نخرج منه بفضل دعم الشعب الكردي الذي كان يحمل فهماً صحيحاً. و لولا هذا الدعم الشعبي لکان قضي على حكومة إقليم كردستان العراق منذ زمن. لكنّ الشعب أدرك طبيعة الأوضاع و قدّم الدعم. على سبيل المثال٬ خلال تلك الفترة لم يستلم موظفو الإقليم رواتبهم لشهور عديدة أو إنّهم كانوا يستلمون نصف رواتبهم٬ و مع ذلك كان لديهم وعي عالٍ. اليوم٬ و لله الحمد٬ أمامنا بصيص نور في هذا النفق٬ و نتحرك صوبه٬ و سنبدأ بتفعيل مشاريع إعادة البناء و الإعمار من جديد. إنّ المسألة الكردية مسألة جدية في عموم المنطقة. ليس من سياستنا التدخل في شؤون بلدان المنطقة٬ نريد أن نكون عامل استقرار في المنطقة٬ و ليس عامل تخريب لا سمح الله٬ أو و سيلة لخلق المشاكل للجيران. مسؤوليتنا هي إقليم كردستان العراق لا أكثر و لا أقل٬ و لكن في نفس الوقت أعتقد أنّ مشاكل الأكراد في كل بلد يجب أن تُحلّ في ضوء خصوصيات ذلك البلد و في داخله. أي في سورية٬ في تركية٬ في إيران٬ لو استطعنا أن نكون عاملاً مساعداً فسنفعل ذلك، أمّا قضايا الإثارة و التأليب أو خلق مشاكل للآخرين٬ فلا٬ هذا ما لن نفعله. سياستنا أن نكون عامل استقرار في المنطقة٬ لا سيّما بالنسبة لجيراننا.

رئيس التحرير: إحدى المشاكل التي تعاني منها منطقتنا هي العملية العسكرية التي تشنّها السعودية ضد اليمن٬ لقد تسبّبت هذه العملية خلال السنوات الأربع أو الخمس الأخيرة بكوارث و فجائع كبيرة٬ ماذا فعلتم أو تفعلون إزاء العملية العسكرية السعودية في اليمن؟

نيجرفان بارزانی: ما من شعب ذاق ويلات الحرب کالشعب الکردي٬ و خصوصاً أكراد العراق. ما من مشكلة حُلّت بالحرب أبداً حتى يمكن للعربية السعودية أن تحلّ مشكلة اليمن بالحرب. هذه حقيقة واقعة. كانت عقيدتنا منذ الأيام الأولى و خلال الاجتماعات التي كانت تعقد٬ هي أن تتوقف هذه الحرب بأسرع وقت، لأنّ الشعب وحده هو الذي يعاني من ويلات و كوارث هذه الحرب٬ و أنّ مشاكل الشعب اليمني تزداد و تكبر. أبداً٬ ما من حل عسكري لهذا المشكلة٬ السبيل الوحيد لاجتياز هذه الأزمة أن تحل المشكلة في اليمن و بين اليمنيين أنفسهم. لا يمكن للحرب و الخيار العسكري أن يحل مشكلة اليمن بأيّ شكل من الأشكال.

رئيس التحرير: في هذه المرحلة يمارس الأمريكان سياسة الضغوط القصوى ضدّ إيران٬ ظنّاً منهم أنّ تشديد الضغط على إيران سوف يؤدّي إلى استسلام إيران لمطاليبهم٬ ما هو تحليلكم للموضوع؟

نيجرفان بارزانی: أعتقد٬ و قد قلنا ذلك صراحةً للحكومات الأوروبية و للإدارة الأمريكية أيضاً٬ ربما تؤدّي هذه الضغوط التي يسمونّها القصوى إلى زيادة معاناة الشعب بشكل كبير٬ و لاأحد ينكر المتاعب الاقتصادية في إيران٬ و لكن أن تؤدّي هذه الضغوط إلى إحداث تغيير في إيران٬ فهذا لن يحدث. أنا أعتقد عندما يفتي قائد الثورة في إيران بحرمة صنع السلاح النووي شرعاً٬ فهو كقائد هذا البلد يعلنها بوضوح أنّ سياسة إيران ليست امتلاك السلاح النووي. برأيي٬ أنّ الضغوط الاقتصادية و إن كانت تخلق مشاكل جمة للشعب٬ لكنّها لن تفلح في تغيیر شيء. في الشهور القليلة الماضية تغیّرت سياسات دول المنطقة أيضاً إزاء إيران. هذه الدول التي كانت تسعى إلى إيجاد لوبي قوي للضغط على إيران٬ الآن تتحرك تدريجياً نحو إقامة علاقات أفضل مع إيران. هذا يعود إلى كلامي السابق من أنّه ينبغي لدول المنطقة أن تجتمع لتحل مشاكلها٬ سواء كانت مع إيران أو مع أي بلد آخر في المنطقة. أعتقد أنّ سياسة الضغوط لن تفضي إلى أيّ نتيجة. يجب حل المشاكل عن طريق الحوار فقط.

رئيس التحرير: إلى أيّ مدى تأخذون مسألة شنّ الولايات المتحدة الحرب على إيران على محمل الجد؟

نيجرفان بارزانی: برأيي٬ لن تُقدم على هذا العمل. لأنّ إيران شيء مختلف٬ إنّها تشكّل قارة على الصعيد العسكري٬ و ليس من السهل شنّ حملة عسكرية ضدّها. عندما يقوم الأمريكان بتحليل قوة إيران (سواء القوة الإقليمية٬ أو القوة الشعبية٬ أو القوة العسكرية)٬ سيدركون أنّ الحرب مع إيران ليست ببساطة الحرب مع  العراق في عام 2003م عندما جاؤوا إلى هنا٬ أعتقد أنّ الولايات المتحدة في هذه المرحلة لا تفكّر بذلك أبداً٬ السيد ترامب نفسه صرّح علانية: سياستي هي عودة جميع قواتي إلى الولايات المتحدة. حسناً٬ إذا کانت هذه سياسته٬ و أنّ الحروب التي اشتعلت في المنطقة لم تعد بأيّ فائدة أو نفع علی أحد فلماذا يقوم بإشعال حرب جديدة في المنطقة. من وجهة نظري٬ إنّ الحملة العسكرية ليست خياراً مطروحاً أبداً.

رئيس التحرير: بعد الهزائم المتتالية للولايات المتحدة في منطقة غرب آسيا و التي لا يمكن إنكارها٬ كيف تقيّمون الوضع الأمني لإسرائيل؟

نيجرفان بارزانی: إسرائيل بلد قويّ من الناحية العسكرية٬ لا يمكن لأحد أن ينكر ذلك٬ فهي تمتلك قدرات عسكرية و استخباراتية٬ و لكن أعتقد أنّ وضعها في الوقت الحاضر هشّ في ضوء السياسات القائمة. صحيح أنّ لديها قدرات تتيح لها الدفاع عن نفسها٬ لكن مع ذلک یظلّ وضعها هشّاً. بل لا يمكن ضمان أمنها بهذه الطريقة. أعني ضرورة أن يكون هناك دائماً حارساً٬ ليست هذه طريقة يمكن أن تضمن أمن إسرائيل.
 
رئيس التحرير: العملية العسكرية الإسرائيلية ضدّ قوات الحشد الشعبي التي وقعت في الماضي القريب كانت حدثاً ملفتاً٬ ما هو الهدف و الأسباب التي تقف وراء العملية و كيف حصلت؟

نيجرفان بارزانی: أكبر خطأ ارتُكب٬ و الأمريكان هم أول جهة يجب أن تتحمل المسؤولية في هذا الصدد، فهم لا يستطيعون أن يلقوا بالمسؤولية على إسرائيل (وتبرئة أنفسهم)٬ ليس لهم أن يقولوا إنها من فعل إسرائيل٬ طبعاً٬ لا توجد لدينا معلومات دقيقة تؤكّد مسؤولية إسرائيل عن هذا العمل. لكنّنا أعلنّا رسمياً بوصفنا رئيساً لوزراء إقليم كردستان أنّ إسرائيل وراء الحادث. و إذا كان ذلك صحيحاً فإنّها أول ضربة للسياسة الأمريكية في العراق. إذا كانت الولايات المتحدة تسعى إلى اتباع سياسة إرساء الأمن و الاستقرار في العراق٬ فإنّ ما حصل هو موجّه بالدرجة الأولى للولايات المتحدة٬ و أعتقد أنّ هذه الضربة ليست موجّهة لاستقرار العراق فقط و إنّما لاستقرار المنطقة برمتها٬ و كانت غلطة كبرى.

رئيس التحرير: الحشد الشعبي هو أكبر قوة جاهدت إلى جانب سائر الفصائل الشعبية الأخرى و تصدّت للجماعات المتطرّفة و الداعشية في جميع أنحاء العراق٬ و أنّ جزءاً من الأمن الذي ينعم به العراق مدين لجهود الحشد الشعبي. و في ظلّ هذا الأمن يعيش الشيعة و السنّة و الأكراد على حدّ سواء. هل هذه العبارة دقيقة أن يقال بأنّ العمليات العسكرية ضدّ الحشد الشعبي تشكّل نوعما ثأراً من الجبهة المنتصرة على داعش؟

نيجرفان بارزانی: الحشد الشعبي عبارة عن قوة عراقية تشكّلت بحسب القانون العراقي و فتوى المرجعية٬ و قد قدّم الكثير من الشهداء في سبيل الدفاع عن العراق. لا يمكن لأحد أن يُنكر هذا٬ لا الأمريكان و لا أيّ جهة أخرى٬ و كما قلتم فإنّ جزء من الأمن الحاصل يعود الفضل فيه إلى جهود الحشد الشعبي و تضحيات شهدائه٬ و بالنسبة لضرورة تقنين هذه القوة و شمولها بالقانون فهذا موضوع آخر٬ و هو ما يعمل عليه رئيس الوزراء.

رئيس التحرير: الأمور الداخلية الخاصة بالحشد الشعبي شيء٬ و الهجوم الخارجي عليه شيء آخر٬ أليس من المفروض الدفاع عن هذا التشكيل أمام التهديدات الخارجية؟

نيجرفان بارزانی: نعم٬ الأمور الداخلية للحشد و أن يتم تقنينهم هذا موضوع منفصل٬ و أمر طبيعي. لقد تشكّل الحشد الشعبي في خضم الحرب و بعد فتوى آية الله السيستاني و قد هبّ هؤلاء للدفاع عن الوطن و استشهد الكثير منهم على هذا الدرب٬ أمّا أن يأتي الإسرائيليون الآن و ينفذوا هذا الهجوم فهذه إهانة للشعب العراقي٬ إهانة للتشكيلات العراقية٬ إهانة لجميع الشعب بكرده و عربه٬ برأيي٬ لم يكن ينبغي للولايات المتحدة أن توافق على تنفيذ هذا الهجوم٬ و هو يندرج يقيناً ضمن زعزعة استقرار العراق٬ و لو تكرّر فسيكون غلطة كبرى.

رئيس التحرير: هل يعني هذا أنّكم ترون للولايات المتحدة دور في هذه الضربة العسكرية؟

نيجرفان بارزانی: أعتقد أنّه تقع على الأمريكان مسؤولية في هذا الموضوع٬ و لابدّ لهم من الحؤول دون وقوع مثل هذه الحوادث٬ فالدور الأمريكي دور رئيسي٬ و الولايات المتحدة تضطلع بمسؤولية قیادة قوات التحالف ضدّ داعش٬ إذن٬ إنّها مسؤولية الأمريكان في منع وقوع هذه الحوادث التي تزيد من حالة اللااستقرار في العراق.

رئيس التحرير: قيل أنّ وجهة نظر السيد ترامب هي معاقبة العراق على الأرجح٬ الذي ازدادت ميوله نحو الشرق٬ و لم‌يعد يدور في فلك الولايات المتحدة٬ هل توافقون على هذا التحليل؟

نيجرفان بارزانی: لا أعتقد ذلك٬ فسياسة الولايات المتحدة كانت دائماً تحسين علاقاتها بالعراق٬ و هي تواصل هذا النهج إلى حدّ ما٬ و لكنّ العراق٬ على أيّ حال٬ يسعى إلى تحقيق أمنه٬ يريد أن يكون عامل استقرار في المنطقة. و معنى عامل استقرار في المنطقة هو أن تكون علاقاته مع جميع البلدان موضع احترام متبادل. أي أن يكون هذا هو المبدأ الأساسي. أعتقد أنّ السياسة التي يتبعها العراق اليوم هي أن لا يعادي أي بلد و لاأي بلد يعاديه.

رئيس التحرير: يقال أنّ الاحتجاجات التي وقعت في شوارع بغداد في الأسبوعين الماضيين هي بفعل عناصر أمريكية و دعم و مساندة بعض الجهات المعارضة للحكومة التي تريد الانتقام من الحكومة العراقية.

نيجرفان بارزانی: لا أعتقد ذلك٬ أنتم ترون أن القائمين على هذه الاحتجاجات هم من الشباب و اليافعين و لكن لا أحد يريد أن يتحمّل مسؤوليتها٬ أو يعترف بأنّه يقف وراءها٬ إنّها حركة عفوية.

رئيس التحرير: ذكرتم المرجعية الدينية٬ ما مدى الدور الذي تمارسه المرجعية في استقرار العراق و أمنه؟
نيجرفان بارزانی: دور من الطراز الأول٬ لولا المرجعية لكان مصير العراق مجهولاً.
 
رئيس التحرير: كيف هي علاقات الأحزاب الكردية بالمرجعية؟

نيجرفان بارزانی: تربطنا بالمرجعية الدينية علاقات تاريخية و دورها في استقرار العراق لا يمكن لأحد إنكاره٬ استقرار لكل أفراد الشعب٬ سواء كانوا أكراداً أو شيعة أو سنّة. أعتقد بصدق أنّه لولا المرجعية فمن غير المعلوم أيّ مصير كان سينتظر العراق.

رئيس التحرير: مرة أخرى أشكركم لأتاحة هذه الفرصة و على أجوبتكم.

 


قراءة: 1461