فصلنامه مطالعات سیاست خارجی تهران
 

حلقة حوارية عن العلاقات الإیرانية الأمريكية، الوضع الراهن؛ التحدیات؛ الآفاق

أجرى الحوار الدكتور محمد جمشيدي
مسؤول شؤون الدولية

لمحة:
على الرغم من أن المواجهة الأمريكية مع الشعب الإيراني ليست بالجديدة، فقد مرّت بفترات مختلفة، ومع أن التغيير في البيئة الأمنية في المنطقة والتوازن الجيواستراتيجي العالمي كان له دور أساسي في تحديد نوع المواجهة الأمريكية الإيرانية،  إلا انه من الممكن تتبع جذر كل هذا العداء في أن الولايات المتحدة لم تعترف بَعدُ بالثورة الإسلامية للشعب الإيراني، وتسعى لإسقاطها بشتى السبل. وعليه فان جميع  سياسات الأمريكان والخطوات التي قاموا فيها من قبيل العمل العسكري وتغيير النظام والعقوبات المفروضة تندرج كلها تحت هذا الهدف الاستراتيجي المتمثل بإسقاط النظام. وقد بلغ هذا النهج ذروته واتضح بنحو  كبير من قبل كبار المسؤولين الأمريكيين خلال عهد رئاسة ترامب للبيت الابيض؛  لهذا السبب يمكن القول بأنه لم يبق من اشكال المواجهة  بين إيران والولايات المتحدة إلا الاصطدام العسكري المباشر بين الجانبين، إذ بلغ العداء والحرب  في مجالاتها الأخرى كالإعلامية ذروته. وقد أقامت فصلية  دراسات السياسة الخارجية– طهران، حلقة حوارية استضافت خلالها العديد من الأساتذة والخبراء في الشأن الأمريكي لرصد آفاق العلاقات بين إيران والولايات المتحدة في ضوء هذه الصراعات. والجدير بالاهتمام هنا، أن تقديرات الأساتذة المشاركين في الحوارية وعلى اختلاف توجهاتهم السياسية  ذهبوا إلى القول بأن المسؤولين الأمريكيين قدتوصلوا إلى استنتاج مفاده أنه وعلى الرغم من  الحملة الصارمة التي اعتمدها الأمريكان ضد  إيران، إلا أنها باءت بالفشل وإن سياسة الضغط القصوى ضد المقاومة النشطة لجمهورية إيران الإسلامية لم‌تجد نفعاً. بمعنى أن الولايات المتحدة، على الرغم من فرض عقوبات اقتصادية صارمة ضد الشعب الإيراني، غير إنها فشلت في إيجاد فجوة بين الحكومة الإيرانية وبين الجماهير الثورية الإيرانية لصالح السياسات الأمريكية، كما فشلت في زعزعة إرادة الجمهورية الإسلامية في الدفاع عن مصالحها الأساسية. نحاول في هذه الحوارية تسليط الأضواء على مجموعة من الأثارات والتساؤلات الأخرى من قبيل: ما هي طبيعة الأهداف والمنافع الأمريكية تجاه إيران خلال عهد ترامب؟ ما هي مصالح إيران الحقيقية وسبل تحقيقها في الوضع الراهن؟ ما هي أهم السيناريوهات المتوقعة في العلاقات الأمريكية الإيرانية؟

حضر اللقاء أعضاء الهيئة العلمية في كلية الحقوق والعلوم السياسية، بجامعة طهران، الدكتور إبراهيم متقي والدكتور ناصر هاديان، والدكتور السيد جلال دهقاني فيروزبادي، والدكتور حافظ الرستمي الخبير في الشأن الأمريكي، وبإدارة الدكتور محمد جمشيدي، عضو الهيئة العلمية في كلية القانون والعلوم السياسية بجامعة طهران.

 

 

 

 

 

فصلية- بسم الله الرحمن الرحیم، بعد التحية و الاحترام أتوجه بالشكر و التقدير إلى الأساتذة الحضور لتلبيتهم الدعوة للمشاركة في هذه الحلقة النقاشية التي سنبحث فيها العلاقات الإيرانية الأمريكية مع التركيز على الآفاق المستقبلية لهذه العلاقات. لدينا ثلاثة محاور رئيسية و طبعاً ستتفرّع عنها أسئلة فرعية خلال النقاش سنحاول تغطيتها. المحور الأول يتعلق بمسار التحولات بين إيران و الولايات المتحدة في السنتين الأخيرتين. ما هو تقييمكم لهذا المسار؟ أريد تقييمكم و كذلك تقييم الأمريكان و طبيعة نظرتهم للمشهد. المحور الثاني: كيف هو مسار التطور الذي سلكته الأهداف و المصالح الأمريكية إزاء إيران٬ هل حدث تطوّر أصلاً أم لا؟ بعد ذلك سوف ننتقل إلى سيناريوهات المستقبل. 
هادیان - في الثلاثين أو الأربعين سنة الماضية٬ كانت سياسة الاحتواء المقترن بالتعاطي الانتقائي هي الغالبة على السياسة الأمريكية إزاء إيران٬ و تواصلت في عهد أوباما أيضاً كسياسة أصلية، أي إنّهم بصدد احتوائنا و قدفعّلوا هذا الاحتواء٬ و في نفس الوقت٬ اتبعوا سياسة التعاطي الانتقائي حيثما دعت الحاجة لذلك٬ مثلاً في ملفات العراق و أفغانستان و الملف النووي و قضايا طارئة من هذا القبيل. من حيث المجموع أعتقد أنّه على الرغم من المقاصد المبيّتة لجميع الإدارات الأمريكية السابقة في إسقاط النظام في إيران٬ إلّا أنّ السياسة الأمريكية لم‌تكن تغيير النظام. السيد أوباما تعاطى مع إيران بشكل ذكي للغاية و مدروس٬ حيث عمل على ترتيب أولويات الهواجس الأمريكية٬ و بدأ بالتحرك بناءً على هذا الترتيب. بمعنى لو كان السيد أوباما على رأس الإدارة الأمريكية أو لو كانت السيدة كلينتون قد فازت في الانتخابات لتواصلت نفس المسيرة. و لتمّت المحافظة على الاتفاق النووي و انتقلوا إلى تنفيذ الأولوية التالية٬ ليس الملف الصاروخي٬ بحسب رأيي٬ بل الإقليمي٬ أي البتّ في قضايا المنطقة٬ و ترتيبها أيضاً بحسب الأولوية أي إسرائيل و القضايا المرتبطة بها مثل سورية٬ و لبنان و العراق و أفغانستان و من ثمّ اليمن. هذه هي النظرة التي كانت سائدة.
كما قلت فإنّ سياسة الولايات المتحدة لم تكن تغيير النظام و إنّما تغيير سلوك إيران في هذه الميادين. أمّا سياسة (policy) السيد ترامب فهي تغيير النظام٬ هنا ربما سيختلف تقييمي للأمر بعض الشيء. أعتقد أنّ انطباع الولايات المتحدة أو تقييمها قد تغيّر٬ فترامب كان يعتقد وفقاً لحساباته الخاصة أنّ تكلفة تغيير النظام لن تكون باهضة٬ و أنّ بمقدوره الانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة و فرض عقوبات جديدة و بالنتيجة تغيير النظام. تغيير النظام عبر استراتيجيتين٬ استراتيجية المواجهة٬ و استراتيجية التوافق. فاستراتيجية المواجهة تتميّز بمؤشرات. و استراتيجية التوافق تنقسم إلى شقين رئيسيين٬ الشق الأول عبارة عن الشروط الإثني‌عشر التي طرحها مايك بومبيو ٬ و الشق الثاني نسخة أبسط طويلة الأمد تتعلّق بترامب نفسه. إذن٬ فسياسة الولايات المتحدة إزاء إيران في عهد ترامب هي تغيير النظام.
أما الآن٬ فقد تغيّرت كل هذه الحسابات منذ أن بدأنا بالانسحاب التدريجي من خطة العمل الشاملة المشتركة و الوقائع التي حصلت في المنطقة. 
لماذا سعى الغرب و الولايات المتحدة وراء خطة العمل المذكورة؟ لأنّهم كانوا بإزاء ثنائية٬ ثنائية القنبلة و الحرب. كانوا يتصوّرون أنّ إيران بصدد صنع قنبلة نووية٬ و لأجل التصدّي لها يجب اللجوء إلى خيار الحرب. لم يكن أيّ من الخيارين منشوداً و صائباً٬ لأنّه كانت تترتّب عليهما نتائج غير واضحة بتاتاً٬ فالقنبلة كانت ستقلب حسابات جميع اللاعبين رأساً على عقب٬ و الحرب أيضاً كانت ستنطوي على عواقب غير محسوبة؛ بدءاً بالإرهاب و عدم الاستقرار في المنطقة وصولاً إلى اللاجئين و أمن الطاقة و استقرار أسعارها٬ بالإضافة إلى كمّ هائل من النتائج المجهولة.
 في ضوء ذلك٬ ظنّوا أنّ الحل المنطقي هو التوصّل إلى خطة العمل الشاملة المشتركة. لذلك سعوا بكل جدّ٬ فكانت نتيجة سعيهم هذا الاتفاق. لذلك٬ أنا أقترح أن نعيد إحياء تلك الثنائية أو الخيارين المذكورين من جديد. أي٬ أن‌نخلق تلك الظروف للغرب مرة أخرى ليواجه تلك الثنائية٬ فيكون أمام خروج تدريجي لردّ الاعتبار لذلك التهديد٬ و في الناحية الأخرى الاستعداد للحرب. 
تندرج الحوادث التي وقعت في منطقة الخليج الفارسي كلها في إطار ردّ الاعتبار لذلك التهديد٬ لنجعلهم يواجهونه مرة أخرى. من وجهة نظري٬ إنّ العلاقات في طور التغيير٬ أعني٬ إنّ استراتيجية و حسابات ترامب الآن قد تبدّلت. لقد أدرك ترامب شخصياً٬ لا أتحدّث هنا عن إدارته٬ بأنّ الأمور ليست كما كان يظنّ٬ و أنّها قد تغيّرت. ليس لأنّه تراجع أو اعتقد أنّ هذا الأسلوب لا يجدي٬ بل لإدراكه بأنّ الأمر ليس بسيطاً أو منخفض الكلفة كما كان يتصوّر٬ وإنّما باهض جداً٬ و لهذا تغيّرت حساباته. طبعاً انعكاسات هذه الحسابات على رسم السياسات  تحتاج إلى فاصل زمني كما أنّ تمفصل هذه السياسات سوف يستغرق وقتاً. و بتصوّري أنّ الظروف مواتية٬ أي٬ الظروف الراهنة مناسبة للمفاوضات.
متقی - لم تزل أنت و رفاقك تردّدون هذه المقولة منذ عشر سنوات كلما وقع حدث جيد أو سيء.
هادیان - من الخطأ أن نعود إلى ممارسة نفس اللعبة مع الولايات المتحدة٬ أو أن نُقدم على هذه المغامرة من جديد. لأنّها لعبة تنطوي على مخاطرة كبيرة. أنا الذي اقترحت الانسحاب التدريجي و كذلك الاصطفاف العسكري الجديد. لم أقل بضرب الطائرة المسيرة (درون) أو القيام بأعمال من هذا القبيل٬ بل اقترحت أن ننشر قوات من مضيق هرمز إلى خوزستان لنبيّن أنّنا على أهبة الاستعداد للحرب٬ و أن نرفع مستوى التوتّر بصورة متحکَّمة٬ و نغيّر حسابات ترامب لنبني على الشيء مقتضاه. حالياً هذا حاصل و لكن بطريقة أخرى٬ لا كما اقترحت٬ بل بنحوٍ آخر٬ أي بمستوى مخاطرة أكبر. غير أنّ مواصلة هذا النهج ستترتّب عليه تكلفة جدّ عالية. أعني٬  بالنتيجة لا الولايات المتحدة و لا ترامب سوف يسمحا لقدرة متوسطة مثلنا أن تتحداهما بهذا الشكل. و بالتالي سيضطر للقيام بعمل ما حتى لو لم يرغب بذلك٬ و أنتم تعلمون أنّ ترامب كان قد أصدر في وقت سابق أوامره بتوجيه ضربة لإيران لكنّه تراجع قبل عشر دقائق من تنفيذها و قرّر أن لا يفعلها! الكثير نصحوه بأنّه إذا لم يردّ فسوف يشجّع القوات الإيرانية على التمادي في هذا الطريق٬ و من ثمّ وقعت هذه الحوادث و راح هؤلاء إلى ترامب و قالوا كم مرّة علينا أن نتحمّل تصرّفات إيران؟ مرتين٬ ثلاث٬ أربع٬ و لكن في نهاية المطاف لا بدّ لنا أن نردّ٬ لذلك٬ لا أرى فائدة من ضرب المصالح الأمريكية٬ فحتى لو ضربنا حاملتي الطائرات و أغرقناهما٬ و قتلنا 50 ألف جندي من جنودهم٬ حتى لو ضربنا عشرة حاملات طائرات و ألحقنا خسائر بهم بعشرات التريليونات من الدولارات٬ ماذا بعد؟ إنّ الولايات المتحدة لها القدرة على تحمّل مثل هذه الخسائر٬ لكن في المقابل٬ الخسائر التي ينبغي لنا أن نتحمّلها هي أنّنا سنغادر هذه الكراسي التي نجلس عليها ليأتي آخرون و يجلسوا مكاننا و يتّخذوا القرارات بدلاً عنّا٬ لاينبغي أن نصل إلى تلك المرحلة.
وعليه٬ فأنا أنصح أن نقوم بتوظيف الظروف المستجدة و من ثمّ تحليلها و نقدها. و لأجل أن تزداد حظوظ التفاوض هناك شرطان لا بدّ من تحقّقهما٬ أولاً٬ أن يصل ترامب إلى هذه القناعة و هي أنّ سياسة ممارسة الضغوط القصوى لن تنفع٬ و في اعتقادي أنّ هذا حاصل٬ أعني تغيير حساباته. ثانياً؛ أن تستنتج القيادة الإيرانية بأنّها لا تفاوض من موقف ضعف. و هذا أيضاً حاصل بعد هذه الظروف. لا أحد يشعر بأنّ موقفنا ضعيف. الحقيقة هي أنّ هجمات آرامكو كانت مهمة للغاية على الصعيد العسكري. 
وإلى ذلك يعزى تغيّر حسابات الكثير من اللاعبين في المنطقة و العالم٬ فلا أحد يحمل شعوراً بالضعف. كانت الإمارات و السعودية تطالبان الولايات المتحدة أن‌تأتي لتوفير الأمن لهما و أن يكون أمنهما مرهوناً للخارج٬ أمّا الآن فقد تغيّرت نظرتهما و وجدا أنّ الأمور ليست كما كانوا يظنون. و الآن جاء دورنا لكي نحلّل هذه الفرصة السانحة. 
دهقانی - إنّني أرى٬ على غرار ما أشار إليه الدكتور هاديان٬ بأنّ ثمة تطورات حصلت بين إيران و الولايات المتحدة بعد الحوادث التي وقعت في الخليج الفارسي. و أنّها انتقلت من الطور الذي كانت فيه إلى طور جديد. في الولايات المتحدة هناك رأيان٬ رأي يقول بأنّ الضغوط القصوى بدأت تؤتي أكلها٬ بمعنى٬ إذا استمرّ الأمريكان على هذه السياسة فإنّ إيران ستكون مستعدة للتفاوض تحت الضغط. في اعتقادي٬ بعد التحولات التي طرأت في الفترة الأخيرة٬ فإنّ الأمريكان قد توصّلوا إلى أنّ الضغوط القصوى لن‌تحقّق أهدافها إذا كانت وسيلتها زيادة العقوبات فقط. إذن٬ إمّا أن يعملوا على تغيير سياستهم و إمّا أن تُستكمل بخطوات أخرى. لقد اتّبعت الولايات المتحدة و ما تزال إزاء إيران ثلاث حزم من الأهداف على الصُعُد الداخلية و الإقليمية و الدولية٬ لا سيّما بعد سياسة الضغوط القصوى٬ و هي كانت قائمة في عهد أوباما أيضاً؛ لقد استعانت الولايات المتحدة بوسائل عديدة لتحقيق أهدافها٬ كانت تتمثّل في ذلك الوقت بالحرب و العقوبات. هذا الوضع كان قائماً في عهد بوش حيث كانت إدارته تناقش ثلاثة خيارات٬ الضربة العسكرية أو العقوبات الاقتصادية٬ أو الحوار الشامل. و حينها كان الحديث يدور أيضاً حول عدم جدوى خيار الحرب لأنّه لن يحقّق هدفه. و كذلك كانت إدارة بوش تقول بأنّ سلاح العقوبات لم يصل بنا إلى ما نصبو إليه٬ لأنّه لن يجبر إيران على التخلّي عن أنشطتها النووية. إذن٬ لم يتبق سوى الخيار الثالث و هو المفاوضات التي لم تكن شاملة في ذلك الوقت بل اقتصرت على الملف النووي. و باعتقادي أنّ هذه السياسة ما تزال مستمرة٬ أي لم يطرأ تغيير جوهري على الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة٬ لكنّ الوسائل اختلفت؛ لا سيّما ترامب الذي كان يعتقد شخصياً أنّه يمكن الحصول على امتيازات أكثر من إيران. 
قبل التطورات التي شهدتها منطقة الخليج الفارسي كان أمام الولايات المتحدة خيارات عدّة٬ من قبيل توجيه ضربة عسكرية٬ إثارة توتّرات محسوبة٬ التفاوض٬ أو التعليق المتبادل. أظن أنّ الخيار العسكري أصبح احتمالاً ضعيفاً جداً٬ و منذ البداية كان البعض يقول بأنّه غير مطروح أصلاً. و أنا أرى أنّ حظوظ هذا الاحتمال قد تراجعت كثيراً٬ و من ناحية أخرى٬ فإنّ تخلّي الولايات المتحدة عن سياسة الضغوط القصوى يبدو بعيداً جداً٬ لأنّ نقد ترامب الرئيسي الذي ما فتأ يوجّهه لأوباما هو أنّ إيران كانت تختنق و جئت أنت فزوّدتها بجهاز التنفس الاصطناعي٬ فلماذا عقدنا اتفاقاً٬ أصلاً٬ مع إيران؟ لو أنّنا واصلنا تلك السياسة لكان أمر إيران قد انتهى. على الصعيد الداخلي تصبّ جهود الأمريكان كلها على تأليب الشعب ضدّ نظامه وصولاً إلى نزع المشروعية عنه. ليس بالضرورة أن يتمّ تغيير هيكل النظام بل سياساته على صعيد المنطقة. 
الهدف الرئيسي للأمريكان هو احتواء إيران و تحجيمها و حرمانها من ممارسة النفوذ في المنطقة. أما على الصعيد الدولي٬ فأعتقد أنّ أهم هدف للأمريكان حرمان إيران من حلفائها الدوليين؛ و خاصة روسيا و الصين. و بالتوازي مع ذلك رفع كلفة التعامل مع إيران إلى أقصى حد و جعله باهضاً إلى الدرجة التي يصبح فيها غير ذي جدوى اقتصادية.
إذن٬ قراءة الأمريكان هي أنّنا إذا اكتفينا بالعقوبات الاقتصادية فإنّ إيران لن تركع٬ وقد استطاعت إيران عبر نشاطاتها النووية و نفوذها الإقليمي٬ على حدّ تعبيرهم٬ أن تحصل منّا على الاتفاق النووي٬ و لسان حال ترامب و فريقه يقول إنّ إيران قامت بابتزازنا و أنّ أوباما منحهم امتيازاً كبيراً. بحسب تصوّر إدارة ترامب كان على إيران٬ مثلاً٬ أن تعطي تنازلات إقليمية في مقابل حصولها على الاتفاق النووي٬ هذا اتفاق غير مكتوب و لذا ينبغي القيام بهذا العمل بصورة غير مكتوبة. من هنا أقول إنّ الأمريكان قد دخلوا مرحلة ثانية من الضغوط القصوى و هي تجريد إيران من أدواتها الإقليمية٬ بمعنى٬ تحجيمها و حرمانها من قدراتها الإقليمية٬ و نصف هذه الضغوط عبارة عن ضغوط داخلية٬ و كانوا يعتقدون أنّها ستعود عليهم بنتائج سريعة أو إنّها كافية لتحقيق هدفهم.
بناءً عليه٬ كانت إيران تمتلك أداتين للمساومة٬ يقول الأمريكان٬ نقوم بتجريدها من الأداة الأولى شيئاً فشيئاً٬ و الأخرى المتبقية هي نفوذها و حضورها الإقليمي. و هو ما نشهده من تطورات جارية في لبنان و سورية و العراق، لذا أظن في إطار هذه السياسة فإنّ الحدّ الآخر من السلاح هو ممارسة الضغوط على إيران٬ فهم يقولون٬ حسناً٬ إذا تعرّضت للضغط على الصعيد الداخلي و انتزعنا مخالبها الإقليمية٬ فلن يتبق لها شيء. 
يعتقد البعض مثل الدكتور هاديان أنّ الوقت قد حان للتفاوض. فترامب يسعى إلى حفظ ماء وجهه٬ و بمقدورنا أن نستغلّ ظروفه لننتزع منه تنازلات. و هناك رأي آخر يقول بل الآن هو أسوأ ظرف٬ بمعنى٬ لو قلنا نحن مستعدون للتفاوض الآن٬ سوف يستنتج الأمريكان أنّ الضغوط ربما فعلت فعلها٬ و مادام الأمر كذلك فلِمَ نتفاوض. أما ما نسمعه من ترامب بضرورة التفاوض فهو یتحدّث لنفسه٬ وکلامه لیس موجهاً إلی إیران، ذلک أنّه بحاجة إلی ورقة انتخابیة، و من حیث أنّه لم‌یحصل من سیاسته الخارجیة علی شيء ذي‌قیمة، فیحاول أن یوظّف ورقة إیران في الانتخابات للاستهلاک الداخلي. ففي التفاوض مع إیران لن یقدّم تنازلاً یُذکر، و أنا، من ناحیتي، استبعد أن یتفاوض ترامب معنا و یستجیب لمطالبنا في حدودها الدنيا و هي العمل مجدداً بخطة العمل الشاملة المشترکة، فهل نتوقع في ضوء ذلک أن یعود إلی الخطة المذکورة! أقصی ما نتوقع حصوله فیما یخص التجمید هو القبول بالرأي الفرنسي و خطة ماکرون، ما معنی التجمید، کما حصل مع مطالبة صدام بوقف إطلاق النار، ففي الوقت الذي کان یحتل نصف خوزستان کان یطالب بوقف إطلاق النار.
متقی – ماذا کان تصوّر الأمریکان حیالنا و ماذا هو الآن؟ تصوّرهم في عهد إدارة أوباما أن تکون سیاستهم إزاء إیران من منطلق التعاطي معها، و یفسّر بعض المتفائلین و اللیبرالیین کلمة التعاطي بالتعاون، بید أنّ واقع هذا التعاطي یعني واقع القوة. فعندما تشتبک قبضة ضعیفة مع قبضة حدیدیة، فإنّ التعاطي بینهما یعني ممارسة ضغط أکبر علی القبضة الضعیفة. لقدتلخّصت سیاسة الولایات المتحدة في إضعاف قوة إیران خطوة تلو الأخرى. إذن، فأول خطوة هي تخفیض قدراتها النوویة، لأنّ نظرتهم کانت أنّ إیران علی مشارف أجواء الإفلات النووي. و لذا، ینبغي لهم أن یعملوا علی تقلیل القدرة التي تعطي إیران الورقة الرابحة و تمثّل قوتها و أصبح ذلک الأساس الذي انبنى علیه ذاک التعاطي. لقد جری التفاوض و فقدت إیران بموجبه جمیع القدرات المستمدة من ورقتها الرابحة في مجال الدبلوماسیة و القوة و السیاسة و الأمن. إنّ عدم التزام الأمریکي بالاتفاق کامنٌ في بطن الاتفاق نفسه. فحینما یکون الاتفاق هشّ و غیر متوازن فمن الطبیعي أنّه لن‌ یستمر. باعتقادي أنّ ‌أوباما وفّر الأسباب اللازمة لمواصلة سیاسة الضغط من قبل الولایات المتحدة. فما قام به ترامب أقل شدّة و ضغطاً ممّا قامت به هیلاري کلینتون في إطار قرارات مجلس الأمن. 
من هنا أقول بأنّ الأمریکان یحملون تصوّراً مفاده أنّ انخراط إیران في مفاوضات مسقط عام 2012م و استمرار هذا النهج مع الحکومة التالیة في 2013م مردّه أنّها کانت تنوء بالضغوط و القیود الاقتصادیة، و قد اضطرتها تلک الضغوط إلی الدخول في المفاوضات. إنّني أطالع جمیع الحوارات الأمریکیة حول إیران، لقد ذکر برایان هوک هذه المسألة أربع مرات و هي، إنّنا نتعلّم من دروس التاریخ و سیاساتنا تتبع تجاربنا التاریخیة، إنّ إیران تعاني من وطأة الضغوط الاقتصادیة، و لذلک تخلّت عن قدراتها. و ما علینا إلّا أن نفعّل تلک الضغوط و نواصلها بشکل أوسع. 
علی أساس هذه الرؤیة تخلّی ترامب عن خطة العمل الشاملة المشترکة، و علی أساسها أعاد فرض جمیع العقوبات. السؤال المطروح الآن هو: ما هي نظرة الأمریکان إزاء مسألة التفاوض مع إیران. لیس هوک وحده یطرح هذه القضیة، بل هي مطروحة من قبل المنظّرین من هذا الطراز الفکري مثل مرشایمر في کتاب تراجیدیا سیاسة القوی العظمی، و مفادها أنّک عندما تبدي مرونة، فإنّ الطرف الآخر لن‌یفسّرها علی أنّک شخص طیب! بل علامة ضعف، و لذلک سوف یزید ضغوطه علیک أکثر فأکثر، إنّها قضیة یدرکها جمیع الواقعیین و یذکرها مرشایمر في کتابه صراحةً بمعنی أنّه یقدّم معادلة في هذا الصدد، و یستعرض سبع أو ثماني استراتیجیات تتعلق بالسیاسة الخارجیة للقوی العظمی، أي الولایات المتحدة. في ظلّ هذه الأجواء، فإنّ السیاسة الأمریکیة هي ممارسة الضغوط و تشدیدها. و نحن لا نری أي رغبة عند وزیر الخارجیة مایک بومبیو بالتعاون لتغییر العقوبات المفروضة. لأنّ المسألة عندهم ليست في رغبتهم في أن يتعاطوا مع إيران كلاعب يمكن التعاون معه بشأن قضايا المنطقة بل في أنّ قدرة إيران قد زادت و لا بدّ من تحطيمها٬ المسألة هي انتزاع جزء من قدرات إيران. 
قراءتي للقضية أنّ هذه الألاعيب التي يمارسها  مجلس الأمن القومي و وكالة الطاقة الذرية فيما يتعلق بسياسة خفض الالتزامات خطوة خطوة على أمل حدوث تغيير في النموذج السلوكي لن يكون لها أيّ تأثير. لقد تمّ التخلّي عن 12 طن قدرات نووية من الهكسافلورايد اليورانيوم٬ و أصبح موقع فردو برمّته مجرّد مخزن٬ نحن نعتقد أنّ بإمكاننا استئناف قدراتنا على صعيد إنتاج الهكسافلورايد يورانيوم٬ أو نعود إلى الوضع السابق. لو أردنا اتّخاذ مبادرة جادة٬ لو كان كلامهم صحيحاً لخرجت إيران من البروتوكول الإضافي٬ و لأقدمت على تشغيل موقع فردو. كل هذه ألاعيب لن يكون لها أيّ تأثير في إيذاء الأمريكان٬ نحن نقوم بهذه الخطوات لكي نخدع أنفسنا أم لنوجع الأوروبيين و الأمريكان؟ متى ما أوجعتهم هذه الخطوات فإنّهم سيبادرون إلى التعاون معنا. أولاً٬ باعتقادي إنّ أيّاً من خطوات الردّ المقابل هذه ليست بخطوات جادة٬ ثانيا٬ ليست خطوة مقابلة٬ لأنّ الرد المقابل يجب أن‌يكون متوازن مع الفعل. و بناءً عليه٬ لن توجع هذه الخطوات الأمريكان و لن‌يبادروا إلى إبداء التعاون تجاهنا. خلاصة ما أريد قوله هو٬ إنّ‌سياسة ترامب هي استمرار لسياسة هيلاري كلينتون و باراك أوباما. أولئك تريّثوا للتعاطي على أساس معادلة القوة٬ و قاموا بإفراغ قوتنا٬ و هؤلاء كذلك يريدون مواصلة نفس النموذج٬ أي نموذج أوباما٬ و هو ممارسة الضغوط٬ التفاوض٬ إفراغ مصادر القوة الإيرانية. فهم يريدون مواصلة هذه المعادلة في موضوع آخر. لذا٬ فسياسة ترامب استمرار لسياسة أوباما٬ و لكن بأدبيات و نموذج سلوكي محافظ٬ إنّه أسلوب دونالد ترامب. 
عدا ذلك٬ الظروف الراهنة غير مناسبة للتفاوض البتة. فالمفاوضات تحتاج من اللاعبين أن يكون لديهم فهم متوازن في أجواء متوازنة. بينما تصوّر الأمريكان هو أنّهم ضغطوا و قد أثمرت ضغوطهم حتى الآن٬ و لا بدّ من استمرار هذه الضغوط في المستقبل للحصول على نتائج أكثر. قراءتي للموضوع أنّ أيّ مفاوضات في هذه الظروف سوف تولّد أزمة على الصعيد الإقليمي٬ كل ما هو حاصل اليوم سببه مغازلات نيويورك٬ فعندما تعطي إشارات ضعف و تقول أنا جاهز في هذه الظروف لعقد مؤتمر قمة بین إیران و مجموعة 1+5 فسوف یستنتجون بأنّ إیران قد رضخت للوضع الراهن فعلیاً، بینما إذا کانت هناک ردود أو تدابیر انتقامیة توجعهم فستکون لها نتائج مؤثرة. أما بالنسبة للأجواء الحالیة و في ظلّ خفض الالتزامات المنصوص علیها في الاتفاق النووي، فلن یحدث شيء یفید إیران.
أولئک الذین کانوا یعتقدون بأنّ نزاعاً سوف ینشب بین أوروبا و الولایات المتحدة بعد أربعة أشهر أو ستة أشهر کان مقصودهم من ذلک الشرخ الأطلسي، و کانوا یأملون في وقوف أوروبا بوجه الولایات المتحدة، یجسّد هذا الرأي الفکر اللیبرالي في إیران، و أعتقد إنّه رأي مدمّر للأمن القومي و مدمّر للقوة الوطنیة، و الیوم نجد بأنّ هذا الفکر اللیبرالي قد عشعش في داخل النظام السیاسي، المشکلة الرئیسیة هي في القدرة علی اتّخاذ القرار، و علی أيّ حال إنّ عملیة اتخاذ القرار و أجوائها تتضمن أدلة هشّة تستند إلی التاریخ و السیاسة و لیس إلی معادلة القوة. أدلة مبنیة علی کلام قاله الأوروبیون و الآخرون، و أصبح هؤلاء یردّدونه من ورائهم. ألم یقل محمد جواد ظریف إذا تخلّت الأطراف الأخری عن الاتفاق النووي و تنکّروا لحقوقنا فنحن أیضاً سنقوم بفتح صنبور الغاز و في خلال ساعتین سنعود إلی الوضع السابق. أعتقد أنّه لم یتبق أمامه سوی أن یفتح صنبور الغاز في البیت لإعداد الشاي!، لأنّک عندما تخلّیت عن عناصر القوة الوطنیة الرئيسية لن تستطیع العودة إلی الوضع السابق لا في ساعتین و لا في شهرین و لا حتی سنتین.
رستمی - في الحقیقة، ینبغي لنا أن نمتلک ذاکرة تاریخیة أدنویة. من ناحیة، فإنّ واقع الأمر یشي بأنّ الضغوط القصوی قد حقّقت نتائج، بمعنی، حین أثار ترامب في بدایة تولّیه لمنصبه مسألة عقد مفاوضات جدیدة لإبرام اتفاق جدید رفضت إیران ذلک و معها الأوروبیون، و لکن بعد أن ازدادت وتیرة الضغوط الأمریکیة، رأینا أنّ أوروبا قد مالت نحو الولایات المتحدة، و صاروا یؤیّدونها بذریعة استکمال المفاوضات مع أمریکا. عندما انسحبت الولایات المتحدة من الاتفاق النووي، قالت الحکومة لن نجري أيّ مفاوضات و أنّ الاتفاق النووي اتفاق أبدي، لکنّها الآن تقول مستعدون لعقد مفاوضات في حال الاستجابة لبعض الشروط. إذن، فالضغوط القصوی من وجهة نظر الأمریکان قد أثمرت، و علی رأي المثل الأجنبي إنّ قوة السلسلة من قوة أضعف حلقاتها. فحین یقول البعض في الداخل أنّنا مستعدون للتفاوض، فإنّ ما تستنتجه إدارة ترامب من ذلک هو أنّ الضغوط القصوی قد أسفرت عن نتیجة، و لم یبق سوی التریّث حتی یتمکّن أولئک الذین یضغطون من أجل المفاوضات من جني ثمرة نجاحهم في نهایة المطاف. 
الملاحظة الرئیسیة الأخری هي أنّ المفاوضات، مبدأ المفاوضات في حدّ ذاته و لیس الاتفاق، یعدّ نصراً لترامب. تعلمون بأنّ الاتفاق و المفاوضات شیئان منفصلان. فتارةً نقول بأنّنا سنعقد اتفاقاً مع ترامب، و أخری نقول لنتفاوض فحسب، هذه المفاوضات هي في حدّ ذاتها تعدّ نصراً لترامب. لأنّه، أولاً، هذه المفاوضات لیست متجرّدة أو محايدة أبداً٬ ثانياً٬ مجرّد المفاوضات تعني انتصار ترامب و هزيمة إيران٬ و لاحاجة له بعد ذلك ليعقد اتفاقاً معها. يكفي أن يأتي بها إلى طاولة المفاوضات ليقول للعالم أنّ استراتيجيته قد حقّقت هدفها و جعلت إيران ترتجف و تأتي صاغرة إلى طاولة المفاوضات. ليس مهماً أن يعقد اتفاقاً جاداً معها. لأنّ ذلك سيتيح له المماطلة وممارسة ضغوط أكبر على إيران و ابتزازها و زيادة مطالباته و معاودة هذا النهج مراراً و تكراراً. إذن٬ لو نظرنا من هذه الزاوية٬ لوجدنا أنّ الأمريكان يعتقدون أنّ الضغوط القصوى قد أثمرت٬ و أنّنا في طريقنا إلى التفاوض٬ شئنا أم أبينا. 
ولكن بالنسبة للأهداف الاستراتيجية الأمريكية لا بدّ أن أقول بأنّ أهداف الإدارة الأمريكية إزاء إيران هي نفسها و لم تتغير منذ عام 1979 م حتى اليوم. أي بخلاف ما يشاع من أنّ هدف الولايات المتحدة بالمعنى الحقيقي ليس بالضرورة تغيير النظام٬ و إنّما احتواء الثورة. أمّا هدف تغيير النظام فعلى رأي المثل القائل إذا حصلنا على المأة فالتسعين ستكون بأيدينا أيضاً٬ فإذا تغيّر النظام بالمعنى التام٬ فهذا يعني تلقائياً إزاحة الثورة. بمعنى أنّ تغيير النظام عبارة عن أداة السياسة الأمريكية و ليس هدفها الأصلي. فباستطاعتك تعطيل الثورة على طريقة الانفراج الدولي (Détente) التي حصلت أيام الرئيسين نيكسون و بريجينف٬ أو على حدّ تعبير كيسنجر الكبح الذاتي أو الاحتواء الذاتي (self containment)؛ يكفي أن تحتوي الثورة٬ حينئذ ستقوم الثورة بتنظيم سلوكها تلقائيا٬ الحقيقة هي أنّ الجوهر لاينفصل عن السلوك. فحينما يتّبع بلد معين سياسة مغايرة لا يمكن أن تقول بأنّه حافظ على جوهره السابق٬ و حينما يسير البلد على طريق الاستنزاف و الاضمحلال٬ و يتم إقصاء الثورة٬ و يتم اتّخاذ سياسات موافقة لرغبات الولايات المتحدة٬ فلا فرق حينئذ أيّ نظام سياسي يحكم. لهذا السبب٬ فإنّ اختلاف سياسات الإدارات الأمريكية المتعاقبة إزاء إيران هو اختلاف تكتيكي. في الماضي لم يكن يُلتفت إلى إيران لأنّها لم تكن تحوز على أهمية أبداً٬ لوجود أولويات أخرى أهم. في تلك الأوقات كانت إيران ضعيفة جداً من الناحية العسكرية٬ لم تكن تملك الردع العسكري حتى في حدوده الدنيا كما حصل في فترة حرب الناقلات. أما الآن فالأوضاع قد تبدلت و استطاعت إيران معها أن تخلق مستوى من الردع. و الردع٬ أصلاً٬ عبارة عن تكلفة مقبولة. و لكن٬ خلافاً لرأي السيد هاديان٬ هذا لا يعني أنّ التكلفة المقبولة يمكن أن تكون متفاوتة٬ و لا يعني أبداً أنّ التكلفة المقبولة لا نهاية لها. لو رجعنا إلى إمبراطوريات القرن التاسع عشر أو الحرب العالمية الأولى٬ سنجد أنّ ثلاثة ملايين شخص كتكلفة ردع لم تكن ذات أهمية بالنسبة للبلدان الأوروبية، لكنّ الولايات المتحدة انسحبت من العراق بسبب ثلاثة آلاف قتيل. و لهذا٬ فإنّ للتكلفة المقبولة بالنسبة للولايات المتحدة حدود استطاعت إيران أن تخلقها. ليس معنى هذا أنّه لو بلغت خسائر أمريكا خمسة آلاف قتيل٬ فلن تهتم لذلك. بل على العكس٬ سيخلق هذا أزمة كبرى في الولايات المتحدة٬ طبعاً٬ لاننس أنّها أنهت تدخلها في الصومال و انسحبت لأقل من هذا العدد بكثير.
متقی - لا داعي لخمسة آلاف جندي٬ يكفي أن يُقتل خمسمأة جندي أمريكي  لتنسحب.
رستمی  هذا يعني أنّ الحدّ الذي ترسمه الولايات المتحدة لنفسها كتكلفة مقبولة يعني في الحقيقة الردع الذي تقصده إيران. أي٬ إنّ الولايات المتحدة غير مستعدة لتكرار تجربة العراق و فيتنام. بمعنى٬ غير مستعدة لاحتلال لا نهاية له٬ عندما لا يلوح النصر في الأفق٬ و تكون غير مستعدة لتحمّل خسائر باهضة في معركة. من هذا المنطلق نقول٬ إنّ‌الردع بالمعنى العسكري قد تأمّن إلى حدّ بعيد بالنسبة لإيران. باعتقادي٬ مادامت إيران متمسكة بأسلحتها٬ و لم يطرأ تغيير جذري على عقلية الولايات المتحدة بالنسبة لتكلفة تغيير سلوك إيران و فائدة ذلك٬ لن تحتاج إلى الدخول في حرب. 
 صحيح أنّنا خلال العقدين أو الثلاثة عقود الماضية لم نشهد أيّ مواجهة عسكرية بين إيران و الولايات المتحدة، لكنّ الحقيقة هي أنّهما عاشا فترة حرب باردة. لم تكن علاقتهما محايدة أبداً٬ أو على حدّ تعبيرهم أنّهم طبّقوا ضدّ إيران «حرباً بطرق أخرى» (war by other means). سواء على صعيد الوضع الاستخباراتي أو على صعيد الوضع الاقتصادي أو الحرب الاقتصادية٬ أو محاولاتهم في فصل إيران عن حلفائها أو الإضرار بها في المنطقة. لقد استطاعت إيران منذ عام 2003 م أن تزيد من قوة الردع لديها عبر تعزيز قدراتها بالوكالة في المنطقة٬ و أن تفرض على الولايات المتحدة كُلفاً باهضة من خلال إفشال النظام الذي أرادت فرضه في المنطقة.
المجلة – الردّ الإيراني على الضغوط الأمريكية مرّ حتى الآن بمرحلة أو اثنتين على الأقل. المرحلة الأولى و تمثّلت في انتهاج سياسة الصبر الاستراتيجي بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018 م؛ و المرحلة الثانية هي التي بدأت في شهر أبريل/ نيسان 2019 م حيث وجّهت إيران و حلفاؤها عدد من الضربات للمصالح الأمريكية بالتزامن مع الخطوات النووية التي أقدمت عليها. ما هو تقييم الأمريكان لمجموع هذه الوقائع و طبيعة الردّ الإيراني؟ برأيكم ما هي مصالح إيران الحقيقية في المشهدين الراهن و المستقبلي٬ و كيف السبيل إلى تحقيقها؟
هادیان - علينا أن نفعّل ما حصلنا عليه حتى الآن. هناك فرصة مناسبة للتفاوض في ضوء التحركات التي ظهرت. لأنّه مع مرور الوقت لن تكون الظروف في صالحنا. هناك حدثان مهمان في العراق و لبنان. ما أريد قوله هو أنّ الزمن ليس في صالحنا. حدثان وقعا منذ أن تقدّمت باقتراحي٬ الآن علينا أن ننتظر لنر ماذا ستكون النتائج.
فصلية- هل تعني أنّ العراق و لبنان يندرجان ضمن السياسة الأمريكية المعادية لإيران؟
هادیان - لقد قلت أنّنا نمرّ بظروف مناسبة للبدء بالتفاوض٬ و في نفس الوقت٬ فإنّ الزمن ليس في صالحنا. هذا على صعيد الأوضاع الخارجية٬ أما على الأوضاع الداخلية فيمكن أن نطرح المسألة للنقاش. أقولها بصراحة شديدة٬ إنّنا قطعاً سنواجه مشاكل اقتصادية أكبر ممّا نواجه اليوم. لقد أدليت بدلوي و ليس عندي ما أضيفه٬ لقد قلت هذا في المبحث الأول. 
فصلية- برأيكم ما هي أدوات إيران لتأمين مصالحها؟
هادیان - أدواتنا عبارة عن مزيج من العوامل الضاربة و الناعمة. و عندما تتهيّأ لا بدّ من تفعيلها٬ و إلّا فإنّ الظروف لن تظلّ في صالحك٬ لأنّك واقع تحت الضغط. الطرف الآخر يمارس الضغط من مكانه٬ و هو مرتاح و لا يتعرّض لضغط. إنّه يضغط علينا عبر فرض العقوبات٬ و أقل ما يفعله أنّه يحجّمك. إنّك لا تستطيع أن تحقّق التقدّم الذي تصبو إليه. الجميع يسير إلى الإمام و نحن نراوح مكاننا مع هذه الموارد المحدودة. المثال الذي أطرحه دائماً هو ابن أختي٬ ففي السابق كان يحضّر الأحماض الدهنية الخاصة بالمواشي و لم يكن لديه زبائن٬ و لكن بعد فرض العقوبات الاقتصادية صار الناس يقفون طوابير أمام شركته. ما أريد قوله هو أنّ الإنتاج المحلي قد انتعش و ازداد٬ و لكن في المجموع هذه الأمور ليست في صالحنا٬ لأنّ الناس يتعرّضون لضغوط كبيرة. غداً ستصبح الأوضاع في إيران كما هي في العراق و لبنان. بمقدورنا في الوقت الحاضر أن نقوم بهذه المهمة بعزة و كبرياء و نجلس حول مائدة المفاوضات باقتدار. فالسيد ظريف لم يذهب اعتباطاً إلى بلدية باريس ليزور السيد ماكرون. إنّه يقول نحن نعود إلى هنا٬ إلى عقوبات عام 2017 م و أنتم أيضاً عودوا. فلنجلس و نتفاوض٬ إما أن نصل إلى نتيجة أو لا نصل. عندما يعود يستطيع حينئذ٬ على حدّ تعبيره٬ أن يلتقط صور تذكارية معنا.
فصلية– طبعاً خطة ماكرون لم تكن العودة إلى الوضع السابق٬ بل أن تعود الولايات المتحدة عن العقوبات التي فرضتها في ذيل الاتفاق النووي٬ على أن تبقى العقوبات التي فُرضت بصورة ابتدائية بعد خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي.
هادیان- كلا٬ هذا أحد التفاسير. كل هذا قابل للنقاش. هو يدرك ذلك و نحن أيضاً ندرك ذلك٬ حسناً! و لكن يجب علينا إفهامه. و الشيء الآخر الذي يمكن أن نفعله هو أن نترك الأمور غامضة٬ أن تكون غامضة من قبل الطرفين٬ نقبلها كما هي و نلج فيها. 
 متقی - و ما الهدف من ذلك؟ كل عمل وراءه هدف معين٬ فما الهدف من هذه المفاوضات التي تقترحونها و ماذا ستكون نتائجها على إيران؟
هادیان - لقد قلتها خلال المقابلة الصحفية و أكررها اليوم٬ المشكلة التي كانت تشوب مفاوضاتنا هي أنّنا سرنا في الطريق الذي رسمته الولايات المتحدة لنا. بمعنى٬ أنّ سياستها كانت الاحتواء بالإضافة إلى التعاطي الانتقائي٬ بينما سياستنا إزاءها كانت عدم الاحتواء بالإضافة إلى التعاطي الانتقائي. ما أقوله هو٬ يجب أن تكون سياستنا عدم الاحتواء و التعاطي الشامل. أي أن يوضع كل شيء على الطاولة. كل الموضوعات الثنائية. أعتقد بإمكان إيران أن تحصل على تنازلات أكبر من ترامب مقارنة بأوباما أو الرئيس القادم. و بناءً عليه فجميع الموضوعات و ليس العقوبات فقط ...
متقی - مرّت ثلاث سنوات على تولّي ترامب الرئاسة٬ لأيّ من البلدان الأوروبية و الأفريقية و الآسيوية الحليفة و غير الحليفة و التابعة و المتعاونة و المخالفة و المتفاوضة و غير المتفاوضة و ... لأيّ من هذه الجهات قدّم ترامب تنازلات ملموسة ساعدت على حلّ مشاكلها الاقتصادية و الاجتماعية بنحوٍما؟ قل لي بربك حتى أفهم ماتقصده من أنّ إدارة ترامب أفضل٬ أليس لهذا الفضل مؤشرات محدّدة؟ أين هي هذه المؤشرات التي لا نراها؟
هادیان - قلت إنّ هذا هو رأيي٬ ليس أنا من سيفاوض ترامب٬ أنا أفضّل أن أقدّم لرئيس منطقي امتيازات أكثر. و لذلك٬ ينبغي أن يكون جدول أعمال المفاوضات شاملاً لا انتقائياً. بمعنى٬ أن تضع أمريكا كل هواجسها و نضع كل هواجسنا على الطاولة. طبعاً هواجسه واضحة و لا تحتاج إلى توضيح. يبقى ما هي هواجسنا؟ أولاً العقوبات. ليس فقط العقوبات الجديدة بل العقوبات القديمة أيضاً٬ ثانياً و الأهم من ذلك الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة. أنا شخصياً أريد أن أعرف إلى متى تريد الولايات المتحدة البقاء في أفغانستان، ماذا تريد أن تفعل؟ أريد أن أعرف إلى متى تريد الولايات المتحدة أن تبقى في الخليج الفارسي، و على أيّ نحو تريد البقاء في البحرين٬ إلى متى؟ هذه أمور يجب البتّ فيها. و كذلك أن توضع المشتريات العسكرية على الطاولة.  
فصلية– هل تعتقد أنّ الأمور التي ذكرتها واقعية؟ هل تصدّق حقاً أن تأتي الولايات المتحدة و تتفاوض معنا حول جوهر استراتيجيتها الإقليمية و أن تقدّم تنازلات؟ 
هادیان - واقعية جداً٬ و ستقدّم تنازلات. إذا لم تفعل لن نذهب للتفاوض. و لكن وفقاً لجدول أعمال تفاوضي شامل يجب علينا نحن أيضاً أن نقدّم تنازلات. أقوم بإضافة خمس سنوات إلى جميع بنود الاتفاق النووي و أجعل التفتيش مرتين لأيّ موقع يختارونه ليتسنى له إعلان النصر. ثالثاً٬ أقوم بتقليل مديات صواريخي إلى النصف. كما أقدم لهم مايشاؤون من تنازلات في المنطقة أيضاً٬ و في اليمن.
وبالنسبة لسورية و لبنان٬ يمكن أن نتابع الخطة التي اقترحها صادق خرازي في عام 2003م.
فصلية– كان لكم دور في إعداد تلك الخطة.
هادیان – في البداية لم يكن لي دور٬ لكنّي التحقت بالخطة لاحقاً.
فصلية– و كانت نتيجة الخطة المسماة شاملة التي قدّمتها للولايات المتحدة أن رفضها ديك تشيني نائب الرئيس جورج بوش و قال بأنّ الولايات المتحدة لا تتفاوض مع الشيطان. و كانت يقصد بالشيطان إيران. 
هادیان – لقد أخطأوا. 
فصلية– هل شملت خطتكم نزع سلاح حزب الله أيضاً؟
هادیان – في ذلك الإطار لا٬ و لكن في نهاية المطاف نعم. مضمون تلك الخطة كان وافياً بالنسبة لترامب إلى الحدّ الذي يتيح له أن يعلن انتصاره في داخل الولايات المتحدة بأنّ سياسته كانت ناجحة٬ و هو ما لم يفهمه سائر الرؤساء الأمريكان.   
فصلية– كلامكم يثير الاستغراب الشديد. هذا هو تصوّركم عن سياسة أمريكان و استراتيجتها أنّها في مقابل تخفيض مديات صواريخنا أو التخلّي عن اليمن٬ ستكون مستعدة للتنازل و التخلّي عن تواجدها العسكري في المنطقة؟ عندما عملت الولايات المتحدة على زيادة حضورها في المنطقة لم يكن لدى إيران صواريخ؟ و لم يكن لها نفوذ في اليمن؟ 
هادیان – لم أقل أنّها تتخلّى عن المنطقة و تنسحب. قلت أن تنسّق معنا حول هذا التواجد العسكري. كأن تقول مثلاً٬ سوف أنسحب من أفغانستان بعد 15 سنة إذا لم يحدث طارئ٬ و إذا قررت خلال فترة تواجدي في أفغانستان القيام بتحرّك٬ فيجب أن يحدث ذلك بالتنسيق معكم. إذا أردت أن أقوم بمهمة معينة سيكون ذلك بإذن منكم أو بالتنسيق معكم. و كذلك الأمر بالنسبة لمبيعات السلاح. و إذا لم تستجب٬ حسناً! فلن نفعل.
فصلية– هل لكم أن تتصوروا الوقع الكارثي لهذه الاقتراحات على تصوّرات الولايات الأمريكية حول إيران. مثلاً ماذا كان تأثير الاقتراح الذي قدّمه السيد صادق خرازي على تصوراتهم؟ لقد قال ديك تشيني لاحقاً أنّنا لن نتفاوض مع الشيطان.
هادیان – المشكلة هي أنّ العمل الذي قمنا به في ذلك كان ساذجاً جداً. فلاالسيد صادق كان يقصد ما يقول٬ و لا طريقة طرحه كان صائبة. فأنت تقوم بإعداد هذا العمل و إنضاجه٬ إما عن طريق القنوات الرسمية أو على الخط الثاني. نحن أعلم كيف نقوم بهذه المهمة.
دهقانی – للوهلة الأولى٬ يتبادر إلى ذهني أنّ خطة الدكتور هاديان متفائلة جداً لأنّ أصل نزاعنا مع الأمریکان یتلخص في أنّهم لا یعترفون بنا کدولة طبیعیة في المنطقة. هذه الصفقة التي تقترحونها تعني أن ینظر إلینا الأمریکان نظرة مساویة لهم، کما کانوا یفعلون مع الاتحاد السوفیتي عندما کانوا یتفاوضون معه بشأن حضوره في أوروبا. مبدئیاً، إنّ التفاوض معنا، ناهیک عن الوصول إلی اتفاق أو استعدادهم أصلاً للجلوس معنا للتفاوض بشأن هذه القضایا أعتقد إنّه لأمر مفرط التفاؤل. الملاحظة التالیة هي أنّ التفاوض من أجل التفاوض یحمل معنی خاصاً بالنسبة للأمریکان. بمعنی، أن یعلن ترامب أنّني أتفاوض مع إیران، فمجرّد أن یحصل التفاوض حتی لو لم یسفر عن نتیجة، هذا في حدّ ذاته ینطوي علی مصلحة له کما حصل مع کوریا الشمالیة. و لکن بالنسبة لنا، لیس فقط الأمر لا یحمل أي معنی، بل إنّ التفاوض من أجل التفاوض ربما یشکّل أسوأ ضربة لنا. أعني المفاوضات التي نعلم أن لا طائل من ورائها و مع ذلک نجلس للتفاوض لکي یجني الأمریکان من ورائها فوائد و تکون بالنسبة لنا مکلفة. 
وبالنسبة للسؤال الذي طرحتموه، باعتقادي أنّ النقطة الأولی هي أن نتبیّن الهدف الذي تنشده إیران من وراء هذه السیاسة التي تتبعها؟ أعني ما هو هدفنا من سیاسة التوتّر المتحکَّم و الخفض التدریجي للالتزامات ؟ هل نبغي من وراء ذلک إحیاء الاتفاق النووي؟ أن تعود الولایات المتحدة إلیه مثلاً؟ باعتقادي إنّ هذه السیاسة لن تعید ترامب إلی الاتفاق و هذا الأمر غیر متاح لنا أصلاً؟. إذن، إن کان هدفنا هو إعادة الولایات المتحدة إلی الاتفاق النووي فهذا لن یحصل. ثانیاً، بالنسبة لمسألة إلغاء العقوبات و العودة إلی ما کان علیه الوضع في 2017 م، أعتقد أنّ ترامب و بسبب التدابیر التي اتّخذناها حتی الآن، لیس فقط لن یقدم علی مبادرة من هذا النوع، بل زاد من ضغوطه قلیلاً. و الأوروبیون أیضاً کلما توغّلنا في هذه السیاسة، اندفعوا أکثر نحو الأمریکان. إذا کان هدفنا حل المشاکل البنیویة للولایات المتحدة، علی النحو الذي یقترحه السید هادیان، فإنّ ذلک برأیي مستحیل، و هدف بعید المنال. لقد قلتها مراراً، الأمریکان غیر مستعدین للاعتراف بمصالح حتی البلدان العادیة التي تتعاطی معها. فهم یقولون بأنّهم لایرغبون بأي دور إیراني بتاتاً في الترتیبات الأمنیة للخلیج الفارسی. منذ أربعین سنة و هم يتجاهلون دورنا، فهل نتوقع الآن أن یجلسوا معنا للتفاوض حول أفغانستان إنّ کانوا سیبقون أو یرحلون؟ أي أن یستأذنوننا؟ 
متقی - لم یستأذن الأمریکان أيّ حلیف مقرّب لهم في أمر، فهل یستأذنوننا نحن؟
هادیان - لم یستأذنوا حلفاءهم لکنّهم استأذنوا أعداءهم.
متقی - لم یستأذنوا أعداءهم أیضاً.
هادیان - بلی، لقد فعلوها مع الروس، الاتحاد السوفیتي السابق. 
متقی - تفضّل و هات لنا مثال واحد علی ذلک! طیلة مفاوضات جنیف عام 1956 م و حتی مفاوضات سالت عام 1972 م. ناهیک عن أنّ إحدی استراتیجیات الولایات المتحدة، في الأساس، هي الانسحاب من منطقة الشرق الأوسط، بما یعني أنّ اقتراح السید هادیان عبارة عن ورقة محروقة بالنسبة له یبیعها لنا کتنازل.
هادیان - بل نحن نسهّل عليه الأمر عندما نقول له نريد أن نعقد اتفاقاً ثنائياً٬ فهو لديه هواجس على قواته العسكرية الموجودة في المنطقة٬ و نحن نريد أن نقدّم ضمانات بشأنها و في المقابل هو أيضاً عليه أن يقدّم لنا ضمانات بشأن هواجسنا. إذا قدّمنا له الضمانات فسيكون مرتاح البال طيلة ولايته٬ بمقدورنا أن نسهّل هذا الأمر٬ هذا هو منطقنا في التعامل.
متقی - كلا. منطقهم هو ما صدر عن السيدة وندي شيرمان عندما أدلت بشهادتها في لجنة الكونغرس و سُئلت إلى أي مدى تثقين بالإيرانيين فأجابت لاثقة لنا بهم٬ فالكذب و الخداع يجريان في دمهم و مغروسان في كروموسوماتهم.
هادیان - و ماذا عنّا٬ هل نقول غير هذا؟ ألا نقول دائماً بأنّ الأمريكان كالذئاب و ليس لدينا ثقة بهم أبداً؟
متقی - ليس الأمر كذلك أبداً. لقد وثقتم بهم جداً. فلولا ثقتكم لما حصل كل هذا.
هادیان - أن تكون نظرتنا لبعضنا البعض على هذا النحو ليس سبباً في أن لا نتفاوض و نعقد اتفاقاً.
دهقانی - بحسب رأيي إنّ أصدقاءنا المسؤولين ليبراليون (أي ليبراليون في العلاقات الدولية و ليس بالمعنى السائد لدى الإيرانيين). لدينا واقعيون في العلاقات الدولية و لدينا ليبراليون في العلاقات الدولية و هم متفائلون جداً بحل الخلافات عن طريق التوافق. 
غير أنّ الذي يقال في العلاقات الدولية هو أنّك تُعطى بمقدار ما لديك من قوة٬ و لا شيء غير ذلك.
متقی - حسناً٬ و ماذا لو تخليت عن قوتك؟ لا شيء٬ أي٬ إنّهم سوف يجتازونك.
دهقانی - يقول البعض ليس الأمر كذلك٬ فلغة العلاقات الدولية ليست لغة القوة فقط٬ أي يمكن التعويض عن نقص القوة في العلاقات الدولية عبر التفاوض و المساومة و الدبلوماسية و غير ذلك. 
متقی - أيّ بند في الاتفاق النووي مبني على رؤية واقعية؟
هادیان - كلّ بنوده.
متقی - لو كان الأمر كذلك٬ فلماذا وصلنا إلى هذه الأوضاع المؤسفة؟
دهقانی - إذا كان السيد هاديان يعتقد أنّنا بالمقدار الذي نتخلّى فيه عن أدوات القوة التي نملكها سوف يعوّضنا الأمريكان عنها فهذه نظرة متفائلة أو سمّها ما شئت. إنّه إغراق في التفاؤل أن نتخلّى عن جزء من أدواتنا و عناصر قوتنا للآخرين و في المقابل نطلب منهم تعويضنا عمّا تخلّينا عنه.
متقی - لا يمكن أن تختلف استراتيجيات الولايات المتحدة عن سياساتها و تكتيكاتها؟
هادیان - في الحقيقة أنا مندهش من طرحكم هذا٬ هذه أمور بديهية٬ إنّك تعقد صفقة٬ هو يقول لك سأرفع العقوبات ...
دهقانی - لن يفعل.
هادیان - إنّني أتقدّم ببعض الاقتراحات مثلاً أقول أضف إلى بنود الغروب 5 سنوات أخرى٬ لذلك أنا أقول ماذا نقدّم بالتحديد.
دهقانی - حسناً و أنا أقول لن يفعل.
متقی - لن يفعل٬ حتى لو جعلت الغروب عشر سنوات لن يرفع العقوبات.
هادیان - هذا رجمٌ بالغيب و أنا لاأتعاطى هذا الأسلوب كما تفعل جنابك. ليس لدي علم لدنّي٬ لدي أدوات زمانية و أقترح أن نقوم بتجربتها.
رستمی - هذه الأمور لا تحتاج إلى رجم بالغيب. لو تتابع سياسات الولايات المتحدة ستعرف أنّ سياستها لم تكن رفع منطقي و واقعي للعقوبات٬ لأنّ هذه العقوبات هي الأصل و القاعدة بالنسبة لها. لقد لمسنا ذلك بالتجربة. و الاتفاق النووي كان المثال الواضح على ذلك إذ لم يؤول إلى رفع العقوبات. و السبب يعود إلى أنّ العقوبات هي الأداة المؤثرة الوحيدة للولايات المتحدة ضدّ إيران٬ لاالحرب عليها أو الكشف عن قدراتها في المنطقة. 
دهقانی - لا بدّ أنّ السيد هاديان يعلم بأنّ الاختبار الذي ذكرته هو في الظروف العادية٬ أن تكون مفاوضات متكافئة٬ الند للند. أي بالمقدار الذي يستفيد منها الأمريكان يجب أن نستفيد منها نحن أيضاً.
هادیان - مع جزيل احترامي لشخصكم الكريم٬ إنّ معرفتي بالأمريكان ليس عشرات المرات بل عشرات آلاف المرات أكثر منكم٬ و على أساس تلك المعرفة اقترحت ما اقترحت٬ فعندما أقترح أن يوافق على إضافة خمس سنوات فأنا متأكد أنّه سيوافق.
دهقانی - نعم٬ لكنّك تتحدّث عن اتفاق شامل. و لكن إذا جاء بعد خمس سنوات شخص آخر و قال خمس سنوات أخرى٬ فما العمل حينذاك؟ لا أعتقد أنّهم سيقنعون بهذه الأشياء التي تقول٬ أي أن نقدّم لهم تنازلات لنأخذ منهم في المقابل تنازلات أيضاً. كلا٬ لن يفعلها ترامب. بل سيجعل ذلك مكسباً يوظّفه في انتخابات 2020 م. 
هادیان - و ماذا فعل في نفتا؟ هكذا هو ترامب.
دهقانی - أعتقد أنّه لن يعطي هذه التنازلات٬ و إذا كانت هذه هي أهدافنا حقّاً٬ فلن نحقّقها بهذه التدابير. إذا كنّا نريد حقّاً أن ندفع أمريكا إلى وضعٍ تقدّم فيه تنازلات٬ يجب علينا الانسحاب من البروتوكول الإضافي٬ و أن نعيد موقع فردو للعمل و نعيد بناء موقع أراك.
أسوأ حالة هي أن يستنتجوا بأنّ الضغوط القصوى قد أحدثت شرخاً في النظام الإيراني. أحد أهداف الضغوط القصوى هو إحداث شروخ في إيران على ثلاث مستويات: الأمة – الدولة٬ الأمة – الأمة٬ الحكومة. هناك موضوعات طُرحت في الآونة الأخيرة جعلتهم يتشجّعون مثل موضوع الاستفتاء. لذلك من غير المستحسن طرح مثل هذه الموضوعات حتى لو أردنا أن نتفاوض٬ لأنّك قبل أن تذهب إلى طاولة المفاوضات سيقول لك الطرف الآخر شعبك موافق على هذه التنازلات٬ فما عليك إلّا أن تأتي وتتنازل و تعود أدراجك. أعني٬ لا ينبغي أن نوكل قرارات النظام إلى موضوع الاستفتاء٬ أي٬ أن نقول للشعب أنت قرّر ماذا نفعل. إذا كنتم تريدون أن تفوضوا قرارات النظام إلى الاستفتاء٬ فهذه ستكون أسوأ حالة٬ نعم٬ أسوأ حالة أن يعتقدوا أنّنا في الداخل غير موحّدين في قراراتنا.
متقی - في الحقيقة٬ إنّ الولايات المتحدة تواجه تحديات كثيرة جداً في المنطقة؛ لقد خاضت أطول حرب في تاريخها أعني حرب أفغانستان المستمرة منذ 18 سنة٬ و أرسلت قواتها إلى هناك لكنّها لم تحقّق أيّ نجاح فيما يخصّ  إعادة بناء المؤسسات و الدولة و الأمة. التحدّي الذي تواجهه الولايات المتحدة اليوم هو تحدي انتشار القوات العسكرية. منطقة الشرق الأوسط عبارة عن منطقة اضطرابات و قلاقل و أهم مشاكلها انهيار الدولة. لذا فالهدف الأهم الذي يجب أن يركّز عليه جميع المنظّرين في حقل الموضوعات الأمنية هو ما السبيل إلى تعزيز بناء الدولة و بناء السلطة و بناء الأمن في البلد و ليس زعزعتها. و الأجواء التي خلقها الأمريكان في سورية أو في العراق أو حتى في اليمن لم تحقّق لهم حتى الآن أدنى مصلحة أو فائدة. من هنا نقول بأنّ منطقة الشرق الأوسط منطقة مكلفة بالنسبة للولايات المتحدة؛ هذا أولاً٬ و النقطة الثانية أن لا نفصل كثيراً بين النموذج السلوكي للولايات المتحدة و لترامب. فأدبيات الجمهوريين لا تختلف في شيء عن أدبيات الديمقراطيين٬ و أهداف الفريقين واحدة. لست أنا الذي يقول هذا٬ إنّه قول روبرت كيغان في كتابه السلطة و الجنة٬ في موضوع الديمقراطيين و الجمهوريين٬ حين يصف هذه المسألة و يقول «الديمقراطيون أقرب إلى الجمهوريين منهم إلى الليبراليين الأوروبيين.» إذن٬ فالأمريكي له قالبه و مفهومه الخاص به. كما هو الحال مع تركيبتنا السياسية حيث يفهم بعضنا بعضاً.
قبل مفاوضاته مع زعيم كوريا الشمالية٬ استخدم ترامب مصطلحات مبتذلة في وصفه من قبيل الجرو المسعور. و عندما بدأت المفاوضات تفاوض مع ذلك الجرو المسعور. و لكن ماذا قدّم له؟ لا شيء. الموضوع الرئيسي الذي يشغل أذهان الأمريكان هو ماذا يعطي؟ فمن المعلوم أنّ المؤسسات السياسية في الولايات المتحدة تقيّد أيّ إدارة و تمنعها من تقديم أيّ تنازل لإيران. لو كان السيد ظريف خبير بتركيبة السلطة في الولايات المتحدة لما حدّد المفاوضات النووية في الموضوع النووي بل في إطار موضوع الإرهاب. إذا كانت الولايات المتحدة تنظر كزعيم للجماعات الإرهابية٬ فأيّ مؤسسة أمريكية ستجرؤ على بيعك السلاح؟ يا سيد هاديان قل كلاماً معقولاً. إنّ إيران هي العضو الأبرز على لائحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية٬ أو في وثيقة الأمن القومي الأمريكي لأوباما الصادرة في عام 2015 م٬ أي بعد إبرام الاتفاق النووي بثلاثة أو أربعة أشهر٬ من المناسب أن نطالع محاورها المرتبطة بإيران و التي تنص على أنّ إيران العدو الرئيسي للولايات المتحدة؛ و التهديد الأبرز لحلفاء الولايات المتحدة٬ و التهديد الأبرز لشركائها. 
ما يزال مبنى وزارة خارجيته كما هو٬ و ما تزال العقوبات الخاصة المطبقة في ذلك الإطار كما هي٬ و قد ذكرت هذه في وثيقة الأمن القومي أيضاً. طالعوا وثيقة الأمن القومي الصادرة في عهد ترامب في ديسمبر 2017 م و قارنها بتلك الصادرة في عهد أوباما في عام 2015م ستجدهما متشابهتين بنسبة 95 في المأة. هذا يدلك على أنّ التصوّر الأمني هو نفسه في كلتا الإدارتين. وعليه٬ يجب أن تتناول المفاوضات الاتفاق النووي و استعادة الحقوق الإيرانية. 
إذن٬ فالقضية هي أنّ لعبتنا نحن و الولايات المتحدة لعبة أمر واقع سياسي. إنّنا في خضم أزمة. الولايات المتحدة أكثر عرضة للأذى في أجواء هذه الأزمة٬ لكوننا نحن أبناء هذه المنطقة و يجب أن نبقى فيها٬ و يجب أن نلعب في أجوائها المضطربة. مشكلة الأمريكان هي أنّهم اليوم في سورية٬ و غداً سينقلون قواتهم من سورية إلى العراق. و بعد غد سيقولون أنّهم سيأتون بقوة جديدة إلى سورية. أي ثمة دوامة إعادة انتشار للقوات. في ظلّ الأجواء الراهنة أنا مع كل ما يساعد على حل المشاكل بين إيران و الولايات المتحدة. لكنّ القضية هي أنّ هذه النقاشات لن تفضي إلى حل تلك المشاكل٬ وهنا يلعب تصوّر الإيرانيين عن أنفسهم دوراً مهماً. في ديسمبر/ كانون الأول عام 2013 م جاء أحد المسؤولين البارزين في الدبلوماسية الإيرانية إلى جامعة طهران و صرّح بأنّنا لن نقاوم لأكثر من خمس ساعات أمام الأمريكان٬ هذا هو تصوّرنا إزاء القضايا الاستراتيجية. هذه  الرسائل التي يرسلها هؤلاء الليبراليون في العلاقات الدولية داخل إيران فيما يخص تحليل القضايا الإقليمية و الدولية توقع الأمريكان في وهم كبير. رسائل هؤلاء تنمّ عن ضعف و وهن٬ فعندما ترسل رسالة ضعف٬ فإنّ ضغوط الطرف الآخر٬ بطبيعة الحال٬ سوف تزداد. و لكن عندما ترسل رسالة قوة و اقتدار فسيخفّف الطرف الآخر من أسلوبه الهجومي. 


فصلية– هل أنتم مع مبدأ المفاوضات؟
متقی - هذا يعتمد على وضعك إن كنت في أجواء متوازنة أم لا. إنّنا اليوم لا نعيش في أجواء متوازنة٬ لكنّنا في وضع أكثر توازناً ممّا كنّا عليه قبل شهرين. لماذا؟ لأنّ الأمريكان و الأوروبيون و دول المنطقة قد أدركوا جيداً قوتنا و قدرتنا على الردّ. الولايات المتحدة ليست مستعدة بأيّ حال أن تتحمّل تكاليف بشرية أو لوجستية. غير مستعدة بأيّ شكل من الأشكال. لذا٬ و في ظلّ هذه الأجواء ليست لديها رغبة في الحرب. لقد تعلّمت السيدة وندي شيرمن و هي المستشارة الخبيرة ببلاد الشرق بأنّ الكذب و الخداع مغروسان في كروموسومات الإيرانيين. هذا الكلام قاله أيضاً  جيمس مورييه في رواية مغامرات حاجي بابا اصفهاني. لذا٬ فالموضوع هو أنّ طبيعة نظرتهم إلينا لا تتعلق بأنّنا نريد حلاً شاملاً لهذه اللعبة٬ لأنّ حل المشاكل برمّتها متعذّر في ضوء الظروف البنيوية الموجودة في الولايات المتحدة. و ماذا عن عقوبات كاتسا؟ تلك العقوبات التي صادق عليها الكونغرس في عهد أوباما و المغايرة لروح خطة العمل الشاملة المشتركة و نصها. ثم تمّ تمدید عقوبات آیسا عشر سنوات أخری، في حین ورد في نص خطة العمل الشاملة المشترکة أنّه یجب أن تنتهي هذه العقوبات بعد ثماني سنوات. لکنّ أوباما مدّد عقوبات آیسا فقط بعد الاتفاق النووي لعشر سنوات أخری. الآن، السؤال الذي أطرحه علیکم و علی بقیة الزملاء هو: بعد ثماني سنوات هل سیکترث الرئیس الأمریکي القادم للاتفاق الذي أبرمه جون کیري و أوباما أم للقانون الذي شرّعه الکونغرس الأمریکي. حذاري أن نصاب بوهم التفاؤل فیما یخصّ منجزاتنا. إنّ مشکلتنا مع الاتفاق النووي هي القراءة الخاطئة له. و المشکلة القائمة الیوم في مجال اتّخاذ القرارات هي عدم الفهم الصحیح. و حتی لو جرت مفاوضات في المستقبل فمرجعیة تلک المفاوضات یقیناً لن تکون اتفاقیات من قبیل خطة العمل الشاملة المشترکة لأنّ مزایاها کانت وفیرة لدرجة أنّ النظام السیاسي لم یعد یثق بها لئلا یتکرّر مثل هذا الإنجاز للشعب و المجتمع و النظام السیاسي. بناءً علیه، فالمجال الذي یستطیع أن یخلق حتماً ظروفاً لنوع من أنواع الدبلوماسیة يتعلق بمجال المزایا النسبیة. و بالتالي سوف يصبح مسؤوله الدبلوماسي مجموعات استراتیجیة. هذا نقاش لا مفر منه، و أعتقد أنّه ینطوي علی جوهر أکثر واقعیة یقوم علی معادلة قوة البنیة و اتخاذ القرار.
مدیر الحلقة – دکتور رستمي، ما هي أهم السیناریوهات المطروحة؟
رستمی - من وجهة نظري، إنّ التناقض بین إیران و الولایات المتحدة یستعصي علی الحل إلّا في حالتین: حصول تغییر في طبیعة النظام في إیران، أو تغییر في طبیعة النظام في الولایات المتحدة. لذلک، من المستحیل إیجاد حلّ لهذا الوضع أو إنهاؤها بعقد صفقة مرحلية من نوع ما لتصل إلی خواتیمها. لابدّ أن نضع في اعتبارنا أنّ السیاسة في إدارة أوباما أو کلینتون أو کارتر كانت ترتکز علی مبدأ تكييف كل من یأتي إلی السلطة مع السیاسة الأمریکیة، و لیس من الضروري أن تتحمل الولایات المتحدة تکلفة خاصة و عالیة من أجل إجبار إیران علی فعل شيء أو تغییر سیاستها أو سلوکها. هناک قضیة أخری تمت الإشارة إلیها تتعلق بکوریا الشمالیة، علینا أن نبحث هذه الحالات بصورة مستقلة وخاصة لنر ما هي حقیقتها، لأنّه، أولاً، لمّا کانت کوریا الشمالیة تفتقد أصلاً إلی المشروعیة الدولیة، بمعنی، إنّ أصل وجودها محل نقاش و جدل، و هي قد أخذت، إلی حدّما، التنازلات التي تریدها من الولایات المتحدة، أعني اللقاء بالرئیس الأمریکي الذي کانت تنتظره منذ سنوات و کان الرؤساء الأمریکان السابقون یمتنعون عن ذلک و یکتفون بإرسال وزراء خارجیتهم. إذن، فکوریا الشمالیة قد حصلت علی تنازل من الولایات المتحدة و علی مشروعیة دولیة و خرجت من عزلتها. بمعنى٬ إنّها قالت أنا أيضاً دولة لي وجود و كيان، و لیس فقط هناك کوریا واحدة یمثّلها الشطر الجنوبي. ثانیاً، کان لذلک خصوصیة داخلیة بالنسبة لسیاسة ترامب لأنّ مستوی التوتّر مع کوریا الشمالیة كان قد وصل حدوداً غیر مسبوقة و ذلک لاحتمالات اندلاع حرب نوویة. و لاحظنا في اللقاء الثاني كيف أنّ ترامب نفسه أیضاً شعر بأنّ التعاطي مع کوریا الشمالیة لن یعود علیه بنفع خاص علی الصعید الداخلي، و لذلک تغیّر المسار و نحی منحیً تنازلیاً، و أصبحت فكرة حصول اتفاق بعيدة المنال، و کوریا الشمالیة أیضاً تغیّر سلوکها بشکل کبیر. لذا٬  يجب أن نرى هذه القضايا في إطارها الطبيعي بناءً علی هذه المعطیات. بمعنی أن تتبنّی إیران النموذج الکوري الشمالي. و علینا أن ننتبه إلی أنّ السیاسة الخارجیة لیس لها تأثیر خاص علی الانتخابات الأمریکیة إلّا في أیّام الحرب عندما تتکبّد الولایات المتحدة خسائر في الأرواح. أما موضوع إیران فأنا استبعد أن یکون له فائدة خاصة لترامب. بمعنی، إذا فاز ترامب في الانتخابات فسیکون ذلک بمعزل عن موضوع إیران و کذلک الحال إذا خسر، أمّا ما یقال عن تقدیم تنازلات لترامب لنحمّله جمیلاً فهذا أمر غیر صحیح. قضية أوكرانيا لها قصة أخرى٬ فهناك كانت توجد معلومات انتخابية ضدّ بايدن. نحن أيضاً لو كانت عندنا معلومات انتخابية لقمنا على الأرجح ببيعها. و لكن يجب أن نضع في اعتبارنا إن كانت لدينا وسيلة ضغط نستطيع من خلالها أن ندفع ترامب إلى تقديم تنازلات. لا نملك مثل هذا الشيء. و أيضاً علينا أن لا ننسى بأنّ مجرّد الذهاب إلى طاولة المفاوضات فسوف يُحسب نصراً لترامب٬ و دليلاً على صواب معادلته السياسية. حقيقة الأمر هي إنّ من يصدر أمر جلسة المفاوضات فهو المنتصر بمجرّد بدء المفاوضات٬ و تكون اللعبة حينئذ قد انتهت. أي٬ حينما تأتي إلى طاولة المفاوضات التي أعدّها خصمك فإنّك تكون شبه مستسلم. تقول الولايات المتحدة أنّها فرضت عقوبات علينا٬ و أنّها توجّه إلينا ضربات لكي نعطيها شيئاً٬ فهي من يحدّد جدول الأعمال تماماً. فهل في هذا النوع من المفاوضات فائدة لنا؟ 
بحسب اعتقادي٬ يجب ملاحظة عدّة أمور في سياستنا إزاء الولايات المتحدة. أولاً٬ لا ينبغي لإيران أن تتبع استراتيجية واحدة و سياسة مزدوجة إزاء الولايات المتحدة. فهذا الأمر سوف يُضعف قدرة إيران. المسألة الأخرى٬ علينا أن نقبل بأنّه لا يوجد كيمياء لحلّ قضية المقاومة و التوتّر القائم بيننا و بين الولايات المتحدة٬ و إنقاذنا من هذه المشكلة. إنّنا في سباق ماراثون و إذا أردنا أن لا نصغي لكلام الولايات المتحدة و نعمل على إحداث تغيير كبير في هويتنا٬ فهذا أمر غير ممكن. بالمناسبة٬ الولايات المتحدة هي التي طالبت إيران دوماً بإجراء مفاوضات شاملة و كان هذا موقفها دائماً٬ و استطاعت أن تحقّق ذلك من خلال بعض الوسائل. و ذلك عندما وافقت إيران في عقد التسعينات دون نقاش مع الولايات المتحدة على الإجماع الاقتصادي في واشنطن. لكنّ الحقيقة هي أنّنا إذا أردنا أن نحافظ على شيء من جوهر الثورة و النظام فلا يوجد حل سحري عاجل. السبيل الوحيد هو المقاومة و مواصلة الصمود حتى تضطر الولايات المتحدة إلى تغيير سلوكها بما ينسجم مع التغييرات الإقليمية المستجدة. أعتقد إنّ أيّ شيء يمكن أن يساعد إيران في هذا المجال لن يتحقّق خلال ولاية ترامب بل بعده. الحل الجذري هو٬ أولاً٬ أن تبيّن إيران أنّ لديها حل أو طريق مضمون و سهل تقريباً للوصول إلى السلاح الذري٬ و أن لا يكون طريقاً غامض المعالم كما هو الآن. ثانياً٬ أن تصعّد من نشاطاتها الإقليمية على نحوٍ تزيد فيه استنزاف و تآكل نظم حلفاء أمريكا٬ و تبرهن على قدرتها على أن توجع الولايات المتحدة في المنطقة؛ ثالثاً٬ أن تضع في حساباتها احتمالات الفشل و الهزيمة. بمعنى٬ إذا كنّا نتحرّك في هذا المسير يجب أن نضع في حسباننا احتمال أن تخرج الأوضاع عن السيطرة٬ لا أن نتصوّر أنّ كلّ شيء سيكون على ما يرام و حسبما نشتهي؛ بما يعني٬ بالطبع٬ إعداد برنامج طوارئ للأزمات٬ إن في الداخل أو في مواجهة العوامل الخارجية.
فصلية– السيناريو الرئيسي برأيكم هو الحرب أو استمرار الوضع الراهن أو الفوضى؟
رستمی  على أيّ حال٬ استمرار الوضع الراهن هو سيد الموقف.
الفصلية – ما هو انطباعكم عن الأجواء السائدة؟
رستمی - عندما توسّع من دائرة الزمان٬ بطبيعة الحال ستزداد احتمالات وقوع حوادث كثيرة لكلا الطرفين٬ بمعنى٬ أن تواجه الولايات المتحدة أزمات كثيرة بما يضطرها إلى تغيير رؤيتها٬ و كذلك إيران قد تواجه أزمات. أقصد٬ إنّ هذه الحوادث تقع عندما تطول المدة الزمنية.
فصلية– تقصدون إلى نهاية فترة ولاية ترامب؟
رستمی- نعم. على سبيل المثال٬ في عام 2010 م كانت إيران ترزح تحت وطأة العقوبات و لم تكن هناك مشكلة باسم تنظيم داعش٬ و لكن مع اندلاع حوادث الربيع العربي٬ ظهر داعش. فإنّنا عندما نوسّع دائرة الزمان٬ بالقطع ستقع حوادث مؤثرة كثيرة؛ بعضها قد لا يكون في صالحنا. علينا أن نسلّم بهذا الأمر.
فصلية– هل تقصد أنّ هذه الحوادث و القلاقل التي تقع في المنطقة هي في صالحنا أم بالعكس؟
رستمی - كلا الاحتمالين ممكن. النقطة الرئيسية هي أن نعمل على تغيير رؤيتنا.
هناك أمر آخر يجب أن تقوم به إيران فيما يتعلّق بمصالح الولايات المتحدة٬ ليس فقط الولايات المتحدة بصورة خاصة٬ وهو أن تغيّر٬ إلى حدّ ما٬ رؤيتها السائدة في التوافق و التعاطي مع الدول و القوى المنافسة للولايات المتحدة. أعني٬ أن سعينا إلى تعزيز علاقاتنا مع أوروبا فقط و عقد اتفاقيات معها قد يعزّز اعتقاد الطرف الآخر بأنّ هذه السياسة تؤتي أكلها. دعوني أنقل لكم مثالاً في هذا الصدد٬ ليس واقعياً٬ مجرّد مثال٬ و هو أن نقول مثلاً إنّنا مستعدون لمنح إحدى جزرنا للصين لتقيم عليها قواعد عسكرية٬ فطبيعة هذا الضغط و هذه الاستدارة مختلفة تماماً. أعني٬ إنّ الضغط الذي نمارسه على الولايات المتحدة و الاستدارة التي نحدثها تختلف تماماً من أن ننتظر الأوروبيين ليفتحوا لنا نافذة صغيرة للفرج بعد الشدّة. ما أريد قوله أنّ طبيعة الرؤية أيضاً مهمة في السياسة الخارجية. 
فصلية– حسناً٬ ما هو السيناريو الأخطر برأيكم يا دكتر؟ ماذا سيحدث؟ ما هي آفاق المستقبل؟
هادیان – بصورة عامة٬ أعتقد ستكون هنالك حالتان مهمتان. الحالة الأولى٬ مواصلة العمل على مشروع ماكرون٬ حيث النقاش يدور حول إيجاد حلول وسطية؛ أي أن يقدّم ماكرون تلك الحلول و يقوم بإيجاد قناة للاتصال فيعمل الطرفان على التقدّم في هذا المسير انطلاقاً من تفاسيرهما الخاصة للبنود الأربعة في الاتفاق. هذه آلية ما أزال أرجّح وقوعها في الشهرين أو الأشهر الثلاثة القادمة. الحالة الثانية٬ حدوث تقدّم على مسار المفاوضات المباشرة. و هذا الحدث يمكن أن تكون له تداعيات سريعة على صعيد الداخل٬ و كذلك على صعيد المنطقة و بشكل سريع٬ ليقال بعد ذلك بأنّ الطرفين استطاعا أن يحلّا مشاكلهما بأنفسهما. بغضّ النظر عمّا إذا كانت ستحلّ فعلاً أم لا٬ و لكن أن يشرعا بالعملية على هذا النحو مثلاً: ماذا نفعل في الموضوع النووي٬ و ماذا نفعل في موضوع الصواريخ٬ و في قضايا المنطقة٬ و في حقوق الإنسان بالإضافة إلى هواجسنا التي ذكرتها. أما الحالة الثالثة أن لا يحصل أيّ من هذه الأمور٬ و يبقى الوضع على ما هو عليه الآن. ما معنى الوضع على ما هو عليه؟ معناه أن نواصل مقاومتنا الفعالة و السلبية٬ إذ لربما ترتّبت على المقاومة الفعالة تكاليف باهضة نوعمّا٬ لذا٬ نركّز على المقاومة السلبية و ننتظر الانتخابات الأمريكية على أمل أن يتغيّر الوضع بعدها. بحسب رأيي٬ هنا ستقول الحوادث المصيرية كلمتها و تحدّد مقدار عدولنا عن المقاومة الفعالة لصالح المقاومة السلبية٬ و ماذا سيحدث في المنطقة٬ إلى أيّ مدى سندخل في مواجهة، و إلى متى و ما حجم الجهود التي ينبغي لنا أن نبذلها في العراق و لبنان و سورية. 
القضية الأهم في ظل هذه الظروف الوضع الاقتصادي للبلاد و حجم الصادرات النفطية. هناك روايتان في هذا المجال٬ رواية الحكومة بأن لا صحّة لانخفاض مبيعات النفط٬ و أنّ حجمها الحقيقي يفوق ما يُطرح٬ و إنّنا٬ على أيّ حال٬ لدينا مداخيل نفطية من مصادر أخرى٬ و نبيع النفط عن هذا الطريق. حسناً٬ إذا كانت هذه الحقيقة٬ فالوضع سيختلف٬ لأنّنا سنصمد مدة أطول٬ و ربما لن تحصل لدينا مشكلة خطيرة في الداخل على الصعيد السياسي أو إذا برزت فستكون في حدودها الدنيا و قابلة للسيطرة. 
متقی – المناخ السائد مناخ غامض٬ و اتخاذ القرارات في ظل ظروف الغموض و عدم الثقة يمكن أن ينطوي على خيارات عدّة. سياسة الأمريكان هي مواصلة العقوبات و الضغوط إلى الحدّ الذي تبدي فيه إيران استعداداً لإبداء مرونة. العقلية الأمريكية إزاء المقاربة الأوروبية هي عقلية سمسرة على طريقة أفلام رعاة البقر الأمريكية التي يقوم فيها صاحب الحانة بممالأة الشريف و قطاع الطرق و العصابات في آنٍ معاً. قراءتهم بالنسبة للأوروبيين هي نفس قراءة صاحب الحانة٬ قراءة تجارية. بينما قراءتهم الخاصة هي استخدام القوة من أجل العدالة بحسب التفسير الأمريكي. 
إذن٬ في ضوء المسيرة الراهنة٬ أعتقد لن يحدث تسريع في أيّ من القضايا المطروحة. و ترامب بدوره غير مستعجل لعقد المفاوضات٬ و سبب عدم استعجاله هو اعتقاده بأنّ وضع إيران يسير نحو الأسوأ يوماً بعد آخر٬ إن على مستوى الوضع الداخلي٬ أو الوضع الإقليمي٬ و عندما تواجه دولة مثل إيران تحديات٬ فسينفرط عقدها في المجالات الاقتصادية و الأمنية و السياسة الخارجية في وقت واحد. 
ينتظر الأمريكان أن تنتقل التحديات الأمنية في إيران إلى المجالات الاجتماعية و البنية الداخلية و السياسة الأمنية. لذلك٬ فإنّ ما يقومون به هو العمل على توسيع هذه الهوّة في المجال الاجتماعي٬ و المجال البنيوي٬ و المجال الحيوي الإقليمي. من وجهة نظري٬ لا يرغب الأمريكان في حدوث مواجهة مباشرة مع إيران. قراءتهم هي أنّه وفقاً للمؤشرات و التفاصيل التي ذكرها الدكتور هاديان أي الحرمان و فرض القيود و العقوبات ... كلّها في إطار الاحتواء٬ مع ما يحتويه هذا الاحتواء من إثارة للقلاقل و الشغب. هناك ثمانية مؤشرات في مجال الاحتواء و هي موجودة كلها في أجواء الاحتواء.
 لي مقالة في هذا السياق تحت عنوان الولايات المتحدة تعمل على ثمانية خيارات إزاء إيران. ذكرت فيها أنّ الإدارة الأمريكية تسعى إلى توظيف هذا الاحتواء بصورة مؤثّرة٬ لكنّها لن تستمر في هذه الأجواء و الضغوط و عدم التوازن في العلاقات الدولية٬ إذ سوف تبرز محطات للمواجهة و الاشتباك. محطات الاشتباك تلك إذا كانت مدروسة و تتوفر على فائدة التأثير اللازم و كانت في صيغة الإنكار المعقول، فسوف تُحسب جميعها كمزايا لإيران٬ و سيكون بمقدورها إنجاح الخطة الأوروبية. لقد عمل الأمريكان على تهميش الخطة الأوروبية٬ و لكن في أيّ إطار؟ في إطار الأزمة في العراق٬ و تغيير الاصطفاف الجيوسياسي في سورية٬ و مؤتمر المنامة. هذه التدابير هي التي أتاحت للأمريكان تهميش الخطة الأوروبية. 
صحيح أنّ المواجهة هي مع إيران٬ لكن هناك مواجهة لخطة أخرى تتمثّل في الدور الذي يجب أن تخلقه لإيران. عندما يقول بومبيو "يعتقد البعض بأنّ إيران ضحية هذا الوضع٬ لكنّها٬ بحسب رأيي٬ هي التي تبحث عن ضحية" فهذا يعني أنّ الأوروبيين أيضاً يواصلون مساعيهم. فهم يرغبون في أن تحلّ المشاكل بين إيران و الولايات المتحدة٬ و أن تعود إيران إلى الأسرة الدولية. بيد أنّ السياسة المحورية للولايات المتحدة تمثّل القوة التي تحدّ من جموح الإرادة الأوروبية. 
بناءً عليه٬ فمسيرتي التحليلية متواصلة حتى بروز مرحلة أخرى من المواجهة قد تكون فيها الولايات المتحدة هي القوة المهاجمة و إيران القوة المدافعة٬ فيُراد حساب تأثير هذه القابلية الدفاعية لإيران٬ أو أن تلعب إيران دوراً ذا صلة بالولايات المتحدة و المنطقة. أعتقد أنّ المناخ الحالي يعزى إلى حالة مناخ التوازن الهش القائم و على حدّ تعبير توماس شلينغ إنّ أوضاع عدم الثقة و مباحث جرويس هي نوع من اللعب على حافة الهاوية٬ أنا لا أقول اللعب على حافة الهاوية و إنّما اللعب على حافة الخطر. 
رستمی  أريد أن أعلّق على كلام الدكتور من أنّ الأوروبيين يريدون أن يعيدوا إيران إلى الأسرة الدولية. صحيح٬ هذه هي خطة الأمريكان أيضاً. الولايات المتحدة تسعى بسذاجة إلى الهيمنة على إيران٬ و إذا تحقّق ذلك عن غير طريق الحرب فسيكون أفضل.
 الأسرة الدولية التي يتحدّثون عنها عبارة عن منظومة ترعاها الولايات المتحدة و تهيمن عليها. بكل بساطة أقول٬ لو أنّنا خصخصنا نفطنا و غازنا ستأتي الولايات المتحدة في ظرف  ساعتين و تقول لك هلمّ نعمل سوياً. أي تلك المنظومة التي تمتلكها الولايات المتحدة بلحاظ الرأسمالية العالمية٬ و تنشدها و لاترغب أن ينتقدها أحد. الولايات المتحدة تريد من إيران أن تعمل وفقاً لرغباتها٬ تريد من إيران أن تنفّذ رغباتها بدقة٬ أعني٬ إنّ عداءها لإيران ليس كعداء العرب و إسرائيل لإيران٬ فهؤلاء يتمنون أن‌لاتكون إيران موجودة٬ و لا فرق عندهم إن  كان النظام الحاكم هو نظام الشاه أو الجمهورية الإسلامية٬ العرب و إسرائيل يتمنون أن لا يوجد بلد اسمه إيران٬ يتمنون إيران ضعيفة و مقسّمة إلى عدّة دويلات على شاكلتهم٬ لكنّ الولايات المتحدة لا تريد هذا الشيء. بالنسبة لها الهيمنة على بلد واحد و إدارته أسهل من إدارة عدّة دول. لقد رأينا كيف أنّ الولايات المتحدة ظلّت عاجزة في سورية عن التوفيق بين حلفائها مثل العربية السعودية و قطر و ... . و بسبب هذه الخلافات و فشل أمريكا في توحيدهم٬ تريد الولايات المتحدة من إيران أن لاتعمل ضدّ مصالحها فقط٬ بل بموازاة هذه المصالح٬ و أن تنفّذ ما تطلبه منها. هذا هو بالضبط معنى تحييد الثورة.
متقی – إنّ نظرة الأمريكان نظرة تسلّطية. و عندما تكون نظرتك تسلّطية٬ فإنّ مقاربتك تكون الغلبة و إخضاع اللاعب المتحدّي. و نظرة الأوروبيين هي خلق التوازن٬ فهم يقولون لتأت إيران و تلعب دوراً بنّاءً٬ لذا٬ فنظرة الأوروبيين نظرة بنائية٬ لكنّهم لا حول لهم و لا قوة؛ و بحسب تحليلي لا يمكن للدور التوازني الأوروبي أن يتغلّب على الدور التسلّطي الأمريكي. لهذا السبب إنّني أميّز بين الدورين.
رستمی- أما أنا فأرى ربما وجود نوع من التباين بين سياسة الجمهوريين و الديمقراطيين و على الأخص أوباما لأنّه كان يطبّق سياسة الأوروبيين٬ حيث كان يقول اصبروا عشر سنوات أو 15 سنة و سنغيّر إيران؛ أي سنتعاطى معها بشكل٬ و نقوم بتغيير نظامها الاقتصادي و الاستثمارات الأجنبية و  ... بحيث لن تستطيع أن تسلك سلوكاً آخر. أي سياسة الاحتواء الذاتي التي استخدمت مع الاتحاد السوفيتي. و هذه هي نفس مقاربة الأوروبيين.
متقی – لو كان للأمريكان مثل هذه النظرة لأثمرت٬ لكنّها لا تثمر.
رستمی  كانت لأوباما هذه النظرة٬ أي كان يقول إنّنا نتواصل مع إيران و سيكون مآلها إلى التحوّل (transformation)رويداً رويدا.
متقی – نظرتهم كانت الانتقال (Transition).
رستمی الأوروبيون و منذ حكومة الإعمار [ أي حكومة الشيخ هاشمي رفسنجاني]في التسعينات من القرن الماضي عندما بدأوا حواراتهم مع إيران كانت مقاربتهم تتلخص في إجراء سلسلة من التغييرات الجوهرية الاقتصادية في إيران. و قد تمكّنوا بالفعل بالتعاون مع صندوق النقد الدولي من إحداث تغييرات واسعة و إلى حدّ بعيد٬ سواء على الصعيد الفكري أو الاقتصادي أو السياسي، لقد شهدت إيران العديد من التغيرات و التحولات في تلك الفترة دون أن ينتبه أحد من داخل الحكومة إلى أنّ تلك السياسات التي اتبعها الأوروبيون لم تكن بأيّ نحوٍ سياسة احتواء٬ و قد صُرفت أموال ربما لم يشعر بها أحد. لكنّي أقول  بأنّ السياسة التي يتّبعها ترامب أي الجمهوريون بوصفهم حراس المنظومة أو الهيمنة٬ هي نفس سياسة الديمقراطيين لكنّها صريحة و بدون قناع. أي إنّهم يقولون٬ أريدها الآن بدلاً من الانتظار 15 سنة. هلمّ إليّ الآن لنسوّي القضية.
فصلية– أشكر جميع الأساتذة المشاركين في الحلقة النقاشية على حضورهم و مشاركتهم.


قراءة: 895