فصلنامه مطالعات سیاست خارجی تهران
 

المواجهة الاستراتيجية بين إيران والولايات المتحدة والسيناريوهات المتوقعة

مصطفی محمدي
الخبير في الشأن الأمريكي و دكتوراه في علوم السياسية من جامعة طهران


تعيش إدارة ترامب  حالة من الضعف والمسائلة بسبب عدم جدوائية العقوبات التي فرضتها على إيران وفشلها في تحقيق هدفها المتمثل"بالانهيار أو الاستسلام" الإيراني نتيجة  الشروط المجحفة وغير المنطقية وانسحابها من الاتفاق النووي واعتماد سياسة  الضغوط القصوى، وإنها باتت عاجزة عن الحصول على خيار جيد يخرجها من الأزمة. فمن  ناحية   بلغت العقوبات ذروتها بحيث لم يبق لدى الأمريكان مايضيفوه لتشديد الخناق بشكل كبير، و من ناحية ثانية، أصبح  استخدام خيار المواجهة العسكرية ضد إيران يواجه العديد من التحديات وإن الحكومة الأمريكية باتت غير مستعدة للدخول في هكذا مواجهة خير محسومة النتائج وتنطوي على الكثير من العواقب الخطرة .ومن هنا سوف يؤدي استمرار هذا الاتجاه إلى تصاعد الضغوط الداخلية والدولية على ترامب والتي قد تنتهي إلى تغيير موقف البيت الأبيض تجاه الجمهورية الإسلامية. علماً أن رغبة إدارة ترامب في التفاوض لا تعني بالضرورة تغيير نهج البيت الأبيض؛ لأن ترامب وعلى صعيد  السباق الانتخابي الذي يعيشه بحاجة ماسة إلى تحقيق بعض المكتسبات في إطار السياسة الخارجية، ومن هنا تسعى حكومته  لاستثمار المفاوضات مع إيران كمادة دعائية، وليس هناك ما يدل على حدوث تحول جدي في نهجها.

كلمات الأساسية: إيران، أمریكا، ترامب

 

 

 

المقدمة: 
دخلت المواجهة الإستراتيجية بين جمهورية إيران الإسلامية والولايات المتحدة مرحلة جديدة بعد ما يقرب من عقد من الزمان وعقيب أن حققت إيران إنجازات متطورة في مجال تخصيب اليورانيوم على يد المهندسين والفنيين الإيرانيين وتوسع نفوذها الإقليمي في غرب آسيا. ففي مجال الطاقة النووية بدأت إيران أنشطة التخصيب على مستوى محدود في عام 2006م، وخلال فترة قصيرة حتى عام 2010م تمكنت بالإضافة إلى بناء وتثبيت أجهزة الطرد المركزي المتعددة واستكمال منشأة تخصيب فردو Fordow ، من الوصول إلى تقنية التخصيب بنسبة 20 في المأة الغاية في الأهمية. أما على المستوى الإقليمي فقد حدث تطوران رئيسيان تمثلا في صعود الصحوة الإسلامية وهزيمة داعش، مما أدى إلى ازدياد المخاوف بشأن عمق التأثير الاستراتيجي لجمهورية إيران الإسلامية. وقد تحولت إيران من دولة شرق أوسطية مهددة بالزوال من قبل المعسكرين الشرقي والغربي كالقاعدة وصدام حسين، إلى دولة لا يمكن تجاهل مكانتها في معادلات غرب آسيا. يضاف إلى ذلك أن جمهورية إيران الإسلامية كانت تُصنَّف دائماً في قاموس السياسية الأمريكية على أنها دولة "متمردة أو عدائية أو تهديدية"، ولكنها تمكنت في البرهة الأخيرة من إحداث قفزة في قدراتها وقوتها جعلت مسألة احتوائها والقضاء عليها يندرج في مصادف الأولويات القصوى في السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
بدأ البرنامج النووي الإيراني ومنذ انطلاقته بالتركيز على التطور والنمو في المجالين العلمي والاقتصادي في البلاد، ولكن ومنذ البداية وفي عهد بوش تحديداً كانت الولايات المتحدة الأمريكية تنظر إلى النمو المتسارع لقدرات إيران النووية على أنه يمثل تحدياً مهماً على مستوى الجيوسياسي في غرب آسيا. فبدلاً من ترشيد البرنامج النووي الإيراني والنظر إليه كقضية تقنية وقانونية حاولت الولايات المتحدة النظر إليه كتحد سياسي ووضعت طبيعة الأنشطة النووية السلمية لإيران في سلة القضايا والتحديات العسكرية. ولم تقتصر معارضة الولايات المتحدة للبرنامج النووي الإيراني على منع إيران من الحصول على تقنيات الهندسة النووية و "الاعتراف بحقها بتطوير تقنية التخصيب"، بل اعتبر الموقف الأمريكي برنامج التخصيب هذا بمثابة مقدمة لامتلاك إيران لتقنيات تصنيع الأسلحة النووية، يعقبها هيمنة جمهورية إيران الإسلامية على منطقة غرب آسيا.
لقد حول هذا التقييم من الحزبين المعروفين في الولايات المتحدة قضية الحد من امتلاك إيران لتقنيات تصنيع الاسلحة النووية واحتواء النفوذ الإيراني الإقليمي إلى قضية تقع في سلم الأولويات في السياسة الخارجية. ومع ذلك، اختلفوا حول الاستراتيجية والأدوات اللازمة لتحقيق هذا الهدف في واشنطن، والتي أشار إليها أوباما بقوله: "أصبح الخلاف حول كيفية منع إيران من امتلاك الأسلحة النووية هو محور الصراع المحتدم والأكثر أهمية في أروقة السياسة الخارجية الأمريكية منذ حرب العراق عام 2003. "(ObamaA، 2015)
تعكس المواجهة المختلفة بين باراك أوباما ودونالد ترامب مع إيران صورة لهذا الخلاف والنظرة العملية للعقلية الأمريكية ووجهات النظر المعتمدة لإعاقة إيران خلال العقد الماضي. فمن خلال استعراض تجربة حركة هذين النموذجين قبال جمهورية إيران الإسلامية يمكن للمرء تقييم مدى صحة أو سقم الافتراضات والدوافع والأهداف لكل من هذه الاستراتيجيات وتقديم صورة أكثر دقة عن احتمالات ومستقبل التحدي الإيراني الأمريكي.
المناهج الأمريكية الرئيسية لاحتواء نمو القوة الإيرانية
في أعقاب الثورة الإسلامية، غالباً ما اعتمدت الولايات المتحدة مزيجاً من الضغوط الاقتصادية، والعزلة السياسية، والمفاوضات التكتيكية، وحتى التهديد العسكري، بل حتى العمل العسكري في مواجهة إيران، ولكن وقع الخلاف بين الحكومات الأمريكية يختلف حول تفاصيل وكيفية استخدام هذه الخيارات وقضايا من قبيل ما إذا كان يجب اتباع هذه الخيارات أو ما هي تركيبة الضغط المعتمدة والامتيازات التي يمكن منحها لإقناع إيران أو إجبارها على الاستسلام، وما هي المدة الزمنية التي يفترض أن‌تستمر خلالها الضغط المذكورة، وما هي تلك الخيارات التي تأتي بنتائج أكثر تأثيراً على جمهورية إيران الإسلامية؟. وقد أدى الجدل حول كيفية مواجهة القوة الإيرانية إلى حدوث مقاربات مختلفة بين إدارتي أوباما وترامب، فعلى الرغم من انتقاد مفكري وشخصيات الحزبين الأمريكيين لموقف أوباما ونهج ترامب تجاه إيران، خاصة على الصعيد التنفيذي، يمكن الإشارة إلى مجموعة من وجهات النظر المختلفة بشكل عام، ولكن مع مراعاة الخطوط الكلية والكبرى، والإشارة إلى نموذج أوباما وترامب في مواجهة الإمكانات والقدرات الإيرانية كمؤشرين للرؤية الاستراتيجية الرئيسية الشائعة في واشنطن. بعبارة أخرى، تم اختبار الافتراضات والأفكار الرئيسية للولايات المتحدة ضد إيران على مدى العقد الماضي حيث نجحت كل منهما تارة وفشلت إلى حد كبير أخرى.
1-1. نهج إدارة أوباما تجاه إيران
يرى باراك أوباما امتلاك إيران للأسلحة النووية بمثابة "تغييراً للّعبة"، وكان يعتقد أنه إذا اقتربت إيران من "الردع النووي" فسيكون لتطورها هذا عواقب وخيمة بالنسبة للولايات المتحدة تتمثل في قضيتين؛ فمن ناحية، ستزداد إيران شجاعة وتكون اكثر جرأةً ونشاطاً في الشرق الأوسط بنحو يصعب التعامل معها بطرق تقليدية. ومن ناحية أخرى، سيصبح الشرق الأوسط مسرحاً لسباق التسلح النووي وستفقد الولايات المتحدة السيطرة عليه (ObamaB، 2015). لهذا السبب، أعطى أوباما الأولوية لمنع إيران من امتلاك الأسلحة النووية وتطوير قدراتها في هذا المجال، مصرحاً بأنه و "منذ بداية تصديه لرئاسة البيت الأبيض، مثّل منع إيران من امتلاك سلاح نووي قمّة سلم الأولويات بالنسبة لحكومته". (ObamaD، 2015)
يستند فهم أوباما الاستراتيجي لنموذج صنع القرار في إيران إلى افتراض أن جمهورية إيران الإسلامية لن تتراجع إلا إذا تم رصد مدى حساسياتها و القضايا التي تمثل أولوياتها، والتعامل معها بطرق فعالة وفرض المزيد من الضغط عليها، حيث يقول: "أعتقد أنه إذا نظرنا إلى الطريقة التي يتصرف بها الإيرانيون في العقود الثلاثة الماضية، سنجد أنهم مهتمون جداً بحفظ النظام وديمومته، وإنهم حساسون قبال الرأي العام الشعبي ويخشون العزلة، ويدركون جيداً أنه عندما تطبق العقوبات الصارمة ضدهم سوف يتعرضون لأذى شديد؛ لذلك، إذا تمّ عرض خيارات أخرى عليهم تؤدي بهم إلى مسار أفضل محتمل، فمن المحتمل جداً أنهم يختارون الذهاب باتجاهها".(Obama، 2012)
ولأوباما مقولة أخرى ذكرها في عام 2013م صرح فيها بأنه : "عندما دخلت إلى البيت الأبيض سعيت إلى العمل على تغيير "نظام المعادلات لدى الإيرانيين وحساب نسبة الربح والخسارة".(Obama، 2013) من ناحية أخرى، يرى أوباما بأن تجربة إدارة سلفه بوش في استخدام القوة في الشرق الأوسط كخيار عسكري أثبتت بأنها ليست بالحل الأمثل والقابل للتطبيق لمنع إيران من امتلاك القدرة على صنع الأسلحة النووية، مصرحاً بأنه: "إذا تعلمنا شيئا من العقد الماضي، فهو أنه ليس من السهل الخوض في حروب خاصة الحروب في الشرق الأوسط وإنها ليست بالأمر الهيّن". (ObamaA، 2015) وفي كلمة له في الجامعة الأمريكية قال بشكل عام في إطار عدم استخدام الخيار العسكري: "إن عدم اختيار مثل هذا المبدأ ليس فقط بسبب تكاليف الحرب الباهظة، ولكن لأن الحل التفاوضي أكثر جدوائية ويمكن تحققه واستمراريته وثبات نتائجه بشكل أفضل"(ObamaA، 2015) كذلك يرى أوباما على وجه الخصوص قضية استخدام الخيار العسكري لاحتواء البرنامج النووي الإيراني بأن الهجوم العسكري على المنشآت النووية الإيرانية لن يكون غير مجدٍ فحسب، بل ستكون له آثار سلبية حيث يقول: "إن ضربة عسكرية للمواقع النووية الإيرانية قديؤدي إلى توقف البرنامج النووي الإيراني لفترة وجيزة، لكنه بلا شك سيقود إيران إلى التحرك بسرعة نحو تصنيع القنبلة الذرية". (ObamaC، 2015) من ناحية أخرى يعتبر أوباما مواقف إدارة بوش تجاه إيران لم تكن كافية لممارسة الضغط عليها؛ لأن العقوبات الأمريكية أحادية الجانب وقرارات مجلس الأمن السابقة خلال عهد بوش كانت غير فعالة في منع نمو وتطور التكنولوجيا النووية الإيرانية. ومن هنا توصلت الولايات المتحدة في الفترة الأخيرة لعهد بوش وفي عهد أوباما إلى استنتاج مفاده أن العقوبات والضغوط الاقتصادية ضمن إجماع دولي يمكن أن تستهدف أكثر المراكز حساسية اقتصادياً ومالياً في إيران .وقد تأثر هذا الاستنتاج إلى حد كبير بتقييم المخابرات الأمريكية لعام 2007م لرصد طبيعة أداء جمهورية إيران الإسلامية في مفاوضات عامي 2003 و 2004م، فقد جاء في تقرير صدر عام 2007م عن مؤسسة الاستخبارات الأمريكية حول النوايا والقدرات النووية لإيران: "نحن واثقون جداً من أن تعليق البرنامج النووي الإيراني في عام 2003م وإعلان طهران تعليق برنامج تخصيب اليورانيوم وتوقيع البروتوكول الإضافي يمثلان في الدرجة الأولى استجابة لما خضعت له من التفتيش الدولي والضغط الخارجي لكشف أنشطة إيران النووية غير المعلنة سابقاً ... وهذا يشير إلى أن طهران لم تتجاهل الفاتورة السياسية والعسكرية والاقتصادية التي يفرضها عليها امتلاك السلاح النووي، وإن منطق قراراتها ينطلق من مبدأ "التكلفة – المنفعة". (National Intelligence Estimates ،2007)
إن الوصول لمثل هذا الفهم لمنطق صنع القرار في إيران والتقييم الاستراتيجي للانسحاب الإيراني تحت الضغط الدولي جعل الأمريكان يبذلون قصارى جهدهم للتوصل إلى إجماع دولي ضد إيران وفرض نوع جديد من العقوبات على إيران كهدف رئيسي لجهود الولايات المتحدة تجاه إيران، الأمر الذي وفر الارضية المناسبة لنجاح أوباما في فرض المزيد من العقوبات الدولية متعددة الأطراف ضد الجمهورية الإسلامية. وقداستهدفت العقوبات مناطق في غاية الحساسية في الجسد الإيراني وبدقة متناهية، وتمكنت وبشكل تدريجي قصير الأمد من فرض ضغوط اقتصادية غير مسبوقة عليها، ومع ذلك، لم تتمكن الولايات المتحدة من تحقيق هدفها الأساسي المتمثل في إجبار إيران على وقف وتعليق التخصيب النووي. يقول ريتشارد نافيو، أحد كبار المصممين للعقوبات ضد إيران: "لسوء الحظ، على الرغم من الزيادة المطردة في العقوبات من 2010 إلى 2012م، فإن هذا الاتجاه لم يؤدي إلى الحصول على تنازلات مهمة من إيران وتغيير حساباتها النووية. (Nephew، 2018: 78)
نعم، كان تصميم وتنفيذ عملية التصعيد ضد إيران بدرجة عالية من الحرفية والدقة، لكن فهم أوباما الاستراتيجي للعوامل التي تؤثر على منطق تغيير السلوك الإيراني كان غير صحيح. ففي الفترة الأولى من إدارة أوباما ألحقت العقوبات الضرر بالاقتصاد الإيراني، لكنها لم تغيّر بشكل كبير الإرادة السياسية للمسؤولين لمواصلة عملية تطوير الطاقة النووية ولم تؤثر في التماسك الاجتماعي بشأن السياسة النووية المتبعة. فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب في أواخر عام 2012م أن 56 في المائة من الإيرانيين يعتقدون أن العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة والولايات المتحدة وأوروبا كان لها تأثير كبير على حياتهم، فيما يعتقد 29٪ أن العقوبات قد أضرت إلى حد ما بحياة الناس. بمعنى آخر، كان تأثير العقوبات على حياة غالبية المجتمع الإيراني ملموساً. ومع ذلك، فإن 17 في المائة فقط من المواطنين يوافقون على وقف البرنامج النووي الإيراني. بالإضافة إلى دعم غالبية السكان لمواصلة البرنامج النووي فقدألقى 47٪ من المواطنين باللائمة على الولايات المتحدة وتحميلها مسؤولية مشاكلهم الاقتصادية، فيما ذهب 10٪ فقط منهم إلى الاعتقاد بأن سياسات الحكومة الإيرانية هي السبب في ذلك. (Gallup، 2013)
في مثل هذه الظروف، توصلت إدارة أوباما إلى استنتاج مفاده أن الإصرار على وقف أنشطة إيران النووية سيكون له عواقب يتعذر إصلاحها على الأمن القومي الأمريكي؛ لأنه لم تهتز مصداقية الخيارين الرئيسيين لأمريكا في مواجهة تحديات السياسة الخارجية، والمتمثلان بالخيارات العسكرية والعقوبات متعددة الأطراف، التي قوضت بشدّة على إيران فحسب، بل ومن وجهة نظر أوباما أن إيران سوف تفرض هيمنتها على الشرق الأوسط فيما إذا تمكنت من بناء قدراتها في مجال الأسلحة النووية. في هذه الحالة، اختارت الولايات المتحدة حلاً وسطاً بين خياري القبول بفشل العقوبات والاعتراف بإيران كقوة نووية، ويتمثل هذا الحل بعدول الولايات المتحدة في المفاوضات السرية التي أجريت في عمان شهر مارس عام 2013م عن فرض سياسة "التخصيب الصفري" لإيران والتعليق الكامل لبرنامج إيران النووي، إلى الاستعداد للقبول بمنح إيران هامشاً من "التخصيب المحدود". لم يفهم هذا التراجع الأمريكي قبال إيران بشكل جيد، وبسبب الاندفاع للوصول إلى صفقة نووية، لم يفرط بالأرضية والفرصة المناسبة لتغيير الفهم الاستراتيجي الأمريكي قبال الموقف الإيراني فحسب، بل فهمت المخابرات الأمريكية – خطأ- المنطق القائل بأن "أي صفقة أفضل من اللااتفاق" والوصول إلى اتفاق نووي (البرجام)، وفسر من قبل الأمريكان بأن استجابة الإيرانية تمثل "تراجعاً إيرانياً تحت ضغط العقوبات". والحال أن الولايات المتحدة بعد فشل العقوبات في ثني البرنامج النووي الإيراني هي التي انسحبت من "تعليق جميع الأنشطة المتعلقة بتخصيب اليورانيوم" ومالت للتفاوض بوساطة عُمانية وقبلت ضمنياً برفع العقوبات من جانب أوباما ضد إيران وشرعت بالتفاوض معها. ومن هنا قال ويندي شيرمان المبعوث الأمريكي في عهد أوباما لمحادثات 5 + 1 : "كان [اعتماد برنامج التخصيب الإيراني المحدود] هو المفتاح الذي رفع الجمود، والذي كانت الولايات المتحدة ترفضه دائماً" (Sherman، 2016)
2-1. نهج إدارة ترامب تجاه إيران
لم تكن استراتيجية "التعامل القائم على الضغط" التي اتبعها أوباما لاحتواء جمهورية إيران الإسلامية، والتي أدت في البداية إلى الاتفاق النووي المعروف بالبرجام، تحظى بالإجماع في الوسط الأمريكي أو بين حلفائها المقربين بما في ذلك إسرائيل، حيث يفضل منتقدو أوباما نهجاً يركز على حل الخلافات بين البلدين أو معالجة دائرة أوسع من التهديدات الإيرانية، بدلاً من التركيز على القضية النووية. في المقابل، وللتمييز بين نهجه والنهج الاخر البديل، يقول أوباما: إن هؤلاء يؤمنون في مواجهة التهديدات الإيرانية بأن" استمرار العقوبات حتى انهيار جمهورية إيران الإسلامية" أو "إعتماد الهجوم العسكري" كانا هما الخيارين والبدائل الأفضل لفكرة" التفاوض القائم على الضغط الاقتصادي".
يعتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وبعض المفكرين من الحزب الجمهوري الأمريكي، بما في ذلك مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية، أن العقوبات دفعت إيران إلى شفا الانهيار، إلا أن أوباما حال دون ذلك من خلال اتفاقية جنيف المؤقتة ورفع العقوبات عنها بعد إبرام الاتفاق النووي. فمن وجهة نظر هؤلاء، كان من الواجب على أوباما مواصلة العقوبات حتى انهيار إيران، لا أن يمد لها طوق النجاة والذهاب إلى إبرام صفقة نووية معها. 
أعطى فوز دونالد ترامب في انتخابات عام 2016م وشخصيته المختلفة منتقدي أوباما الفرصة لتحويل بدائلهم إلى أجندة البيت الأبيض الرئيسية ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية. فعلى الرغم من أنه لا يمكن الجزم بأن ترامب كان يسعى منذ البداية إلى تطبيق سياسة "إعادة فرض العقوبات على إيران واستمرارها حتى انهيار النظام"، إلا أنه كانت لديه خلفية فكرية للقبول الضمني بهذه السياسة، ففي شباط / فبراير 2017م، قال في تغريدة له: "كانت إيران على مشارف الانكسار والانهيار، حتى بعثت فيها الولايات المتحدة الحياة عن طريق الاتفاق النووي ومنحتها 150 بمليار دولار."
مرّ اعتماد البدائل تجاه إيران من قبل إدارة ترامب بعملية تدريجية، وبعد طي عدّة خطوات تمّ أخيراً تنفيذها واختبار جدوائيتها في الممارسة العملية. وللوصول إلى فهم أفضل لعملية تشكل وتطور نهج إدارة ترامب تجاه إيران، يمكن توزيعها على أربع مراحل أساسية، هي:
المرحلة الأولى: مراجعة السياسات والتأكيد على عدم التزام إيران بالاتفاق النووي
في الأشهر التسعة الأولى من إدارة ترامب، شرع البيت الأبيض في إعادة النظر في الاستراتيجية الأمريكية تجاه البرنامج النووي الإيراني والأنشطة الإقليمية. ففي هذا المنعطف، بذلت جهود جادة من قبل النقاد الأمريكيين لأوباما ومن بعض الدول الإقليمية بما في ذلك المملكة العربية السعودية وإسرائيل، لتغيير سياسة البيت الأبيض تجاه إيران.
ففي أول خطوة وتحديداً في فبراير 2017م - وبعد شهر واحد من تنصيب ترامب كرئيس للولايات المتحدة - أثيرت فكرة تشكيل تحالف إقليمي تحت عنوان "الناتو العربي" لمواجهة إيران. وفي أول زيارة خارجية له إلى المملكة العربية السعودية في مايو 2017م وافق دونالد ترامب رسمياً على تشكيل تحالف أطلق عليه اسم "التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط" لاستغلال القدرة الإقليمية في مواجهة النفوذ الإقليمي الإيراني، وتوفير اسواق مهمة لبيع الأسلحة الأمريكية من خلال إبرام صفقات ضخمة مع دول المنطقة. وقد أدّت زيارة ترامب هذه إلى المملكة العربية السعودية للانضمام إلى التحالف الإقليمي وتوقيع صفقة أسلحة بقيمة 110 مليارات دولار مع المملكة العربية السعودية إلى خلق تصور في المنطقة مفاده أن نهج ترامب وحلفاء الولايات المتحدة الإقليميين تجاه إيران يختلف عن نهج سلفه أوباما.
في الخطوة الثانية، بعد طلب ترامب إلى مجلس الأمن القومي الأمريكي لمراجعة السياسة الأمريكية تجاه الاتفاق النووي (البرجام)، قدم مكماستر، مستشار الأمن القومي وبالتعاون مع مراكز الدراسات الأمريكية، خطة حل وسطيّة إلى الرئيس ترامب تقع بين الحفاظ على الاتفاق والخروج منه، نشرت خطوطها العريضة في مقال مشترك كتبه كل من مارك دوبويتز وديفيد أولبرايت في صحيفة وول ستريت جورنال يوم 25 سبتمبر 2017م - قبل أيام فقط من إعلان ترامب عدم امتثال إيران للمعاهدة النووية-. صرح خلاله بأنّ: "مبادئ استراتيجيتنا المقترحة تجاه إيران تقوم على التأكيد على عدم التزام إيران بالاتفاق النووي، ومواصلة تعليق العقوبات النووية، وفرض عقوبات على المراكز غير النووية، والضغط على إيران لتصحيح أوجه القصور في الاتفاق المذكور". وافق دونالد ترامب على الاستراتيجية المذكورة، وفي خطاب ألقاه في 13 أكتوبر 2017م، متجاهلاً ثمانية تقارير تقنية للوكالة الدولية للطاقة الذرية صدرت خلال هذه الفترة، رفض فيه الإذعان بالتزام إيران بمفاد الاتفاق النووي. خلال الفترة المذكورة، وتحت تهديد ترامب بالخروج من الاتفاق النووي إذا لم يتم حلّ أوجه الخلل فيه، قبلت الدول الأوروبية استئناف المفاوضات لإبرام اتفاق جديد أو وضع قيود أشمل وردت في المشروع الذي عرضه الرئيس الفرنسي ماكرون، مع موافقه الكونغرس على تشديد العقوبات على الصواريخ الإيرانية والإقليمية.
المرحلة الثانية: الخروج من الاتفاق وإعادة فرض العقوبات
بعد مرحلتين من نفي ترامب التزام إيران بالاتفاق النووي الاولى في أكتوبر 2017م والثانية في يناير 2018م، قرر دونالد ترامب الخروج منه. وهناك نظرتان مختلفتان وبطبيعة الحال قابلتان للجمع حول السبب الذي جعل يترامب يغادر الاتفاق "البراجام"؛ فقد وصف البعض مثل مارك دوبويتز الذي يعد من المدافعين عن فكرة اصلاح الاتفاق سلوك ترامب على أنه مجرد ذريعة، قائلين بأن ترامب لايسعى أبداً إلى البحث عن حلّ لمعالجة المشكلة وإصلاح مواطن الخلل، بل يتذرع بأوجه القصور فيه ليتخذ منها مبرراً للتنصل عن الاتفاق. هذه الرواية تُفسر مشكلة ترامب الشخصية مع أوباما وإرثه في السياسة الخارجية على أنها أحد الأسباب الرئيسية لمغادرة الاتفاق واستبدال مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية، وكذلك إزالة المعارضين للخروج من الاتفاق في البيت الأبيض، كل ذلك يمهد الارضية إمام ترامب لمغادرة الاتفاق. الحجة الرئيسية لأصحاب هذا الرأي تتمثل في الإشارة إلى محادثات جرت بين الولايات المتحدة وأوروبا حول وضع إطار اتفاقية تكميلية مع إيران، والتي رفضت الولايات المتحدة قبولها على الرغم من الدعم الأوروبي القوي لها. فيما تذهب وجهة النظر الأخرى إلى القول بأن أسباب مغادرة البراجام تتجاوز سمات طبيعة ترامب الشخصية وقضايا السياسة الداخلية للولايات المتحدة، إذ لم ينظر ترامب إلى الصفقة النووية على أنها صفقة غير لائقة فحسب، بل يذهب أيضًا إلى القول بأن بوجود مثل هذا الاتفاق يحد من النشاطات الأمريكية الإقليمية والتصدي لبرنامج الصواريخ الإيراني. وفقًا لوجهة النظر هذه، كان هناك مجموعة من نقاط الضعف في الاتفاق المذكور، منها: أولا، محدودية القيود المفروضة على البرنامج النووي الإيراني؛ وثانيًا، لم يعالج الاتفاق جوانب التهديد الأخرى بما في ذلك البرامج الصاروخية والدور الإقليمي الإيراني؛ وبالتالي، فإن الانسحاب سيتيح للولايات المتحدة الفرصة "لإعادة وضع إيران إلى حافة الهاوية" مرة أخرى من خلال فرض العقوبات عليها.
وبالرغم من أنه لا يمكن التكهن بدوافع ترامب وأهدافه للخروج من الاتفاق ولا يمكن تحديدها بشكل نهائي، بغض النظر عن نواياه، فإن ما حدث لم يكن مختلفًا عن نهج "العقوبات ضد إيران حتى الانهيار". بعبارة أخرى، حتى لو لم يكن هدف ترامب الأساسي المتمثل في توظيف جون بولتين ومايك بومبو - اللذين كانا معروفين بالدعوة إلى تغيير النظام الإيراني وتوجيه ضربة عسكرية هادفة ضد الجمهورية الإسلامية- ضمن فريق الأمن القومي وفرض العقوبات للقضاء على النظام الإيراني، إلا إن حركة ترامب تسير عملياً في هذا الاتجاه. فقد أشار مايك بومبو في خطاب مثير له وبوضوح تام إلى هدف أميركا في المرحلة الراهنة وأنها تحاول تغيير طبيعة النظام الإيراني وجعله لاعباً عادياً في النظام الدولي، حيث طرح 12 شرطاً كشروط مسبقة لمحادثات إدارة ترامب مع الجانب الإيراني تمكن توزيعها على أربعة محاور رئيسية: "تفكيك برنامج التخصيب النووي، ووقف اختبار الصواريخ ونشرها، والتخلي عن العمق الاستراتيجي والانسحاب الكامل من المنطقة، وإطلاق سراح المعتقلين الأمريكيين". والمتأمل في الشروط المذكورة يرى أن الغرض منها لم يكن التفاوض مع إيران بتاتا، بقدر ما تمثل في الحقيقة عقبات مسبقة وضعت لعرقلة المفاوضات؛ لأن قبول شروط إدارة ترامب وتحت ما يسمى "بالاتفاق الشامل" يعني تخلي إيران عن العناصر الأساسية للردع والاستسلام أمام الولايات المتحدة. وبعبارة أخرى، إن الخطة المطروح للاتفاق الشامل مع إيران تقتضي بنتيجة محددة مسبقاً سواء قبلت إيران بالاتفاق النووي أم لا؛ إذ لو تخلت إيران عن قدراتها الرادعة، لكانت تتعرض بسهولة للاعتداء عليها ومهاجمتها عسكرياً من قبل الدول الأخرى.
ينطوي قرار مغادرة الاتفاق النووي على مجازفة شديد، لكنّ هناك معطيين رئيسيين من داخل إيران جعلا إدارة ترامب تأمل بـانهيار الجمهورية الإسلامية أو استسلامها؛ المعطى الأوّل: ويعتمد على تحليل إدارة ترامب للوضع الاقتصادي غير المريح وتقييم العناصر المؤثرة في عملية صنع القرار في إدارة ترامب للاحتجاجات التي وقعت في إيران شهر يناير 2018م، حيث يعتقد مارك دوبويتز مدير مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية بعد الاحتجاجات المذكورة، أنه على الرغم من انتهاء هذه الجولة من الاحتجاجات من دون أن تحقق نتائج ملموسة، إلا أنها أظهرت أن خيار تغيير النظام في إيران بات أمراً ممكناً. وقد عززت وسائل الإعلام اليمينية كالفاكس نيوز Fox News ونشنال ريفيو National Review ويكلي استاندارد Wakley Standard و الواشنطن إكسمينو Washington Examiner الاعتقاد بأن الشعب الإيراني بات يشعر بالملل بسبب الوضع الراهن والإحباط من إمكانية قدرة الأحزاب والتيارات السياسية الإيرانية على إحداث تحوّل في البلاد، الأمر الذي يمهّد الطريق أمام مسار تغيير النظام في إيران. بناءً على هذه التحليلات، توصّلت إدارة ترامب إلى استنتاج مفاده أنه في ضوء السياق الاقتصادي والاجتماعي في إيران قد يؤدي الخروج من الاتفاق النووي إلى توجيه صدمة كبيرة لجمهورية إيران الإسلامية تؤدي بها إلى الانهيار. 
أما المعطى الثاني فيستند على الاعتقاد بأن مغادرة الولايات المتحدة للاتفاق النووي لا تحملها أيّ تكلفة مالية. فقد قدّم بومبيو - قبل إعلان ترامب الخروج من الاتفاق- في الاجتماع الذي عقد للنظر في مؤهلاته كوزير للخارجية، استنتاجين رئيسيين لردة الفعل الإيرانية على قرار خروج ترامب المحتمل تقلل من خطر مجازفة الغاء الولايات المتحدة للاتفاق المذكور. وقال في اجتماع مجلس الشيوخ: أولاً، لن يؤدي خروج الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق إلى مغادرة جمهورية إيران الإسلامية له بسبب الفوائد الاقتصادية المترتبة عليه. ثانياً، إن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق لن يؤدي إلى تسارع وتيرة تطوير الاسلحة النووية لدى الإيرانيين.
المرحلة الثالثة: زيادة العقوبات إلى مستوى لا تطيقة الساحة الإيرانية
نقلت مذكرة مجموعة الأزمات الدولية الصادرة في يناير 2019م تحت عنوان "الوقوف على الجليد الرقيق: الاتفاق النووي في عامّه الثالث"، عن مسؤول كبير في إدارة ترامب قوله: "في تقييمها الأخير، خلصت الحكومة الأمريكية إلى أن نهج البيت الأبيض تجاه إيران لم يحقق أهدافه؛ إذ لم يحدث أي تغيير في سلوك إيران، إضافة إلى رفضها قبول المفاوضات". وكتبت المنسقة الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط فيكتوريا كوتس أيضًا في مذكرة نشرتها على موقع البيت الأبيض في فبراير 2019م تقيّم خلالها سياسة ترامب في اعتماد مبدأ العقوبات الأقصى وتحديد خطط الحكومة الأمريكية لتعزيز تلك السياسة في العام الجديد، "لتحقيق الأهداف الاستراتيجية لدونالد ترامب، نعتزم الضغط على إيران إلى مستوى لا يحتمل في عام 2019م"، كما حثت كوتيس الدول الأوروبية على الخروج من الاتفاق النووي و"إعادة فرض العقوبات ضد إيران"، معللة ذلك بأن مركّب "الضغوط الأمريكية والأوروبية سيعجل من عودة إيران إلى طاولة المفاوضات". وبعبارة أخرى، توصلت الولايات المتحدة إلى استنتاج مفاده أنه لن يكون من الممكن تحقيق هدف الانهيار الإيراني أو استسلامها إذا استمرت العملية الحالية على ما هي عليه. وقد أقنع هذا التقييم الساسة الأمريكان بأنهم بحاجة إلى مزيد من الدعم الأوروبي للنجاح في سياساتهم المعتمد ضد الجانب الإيراني. لذلك في اجتماع وارشو وميونيخ حثّ مايك بينس نائب الرئيس ترامب الدول الأوروبية على الانسحاب من الاتفاق النووي والانضمام إلى جانب الولايات المتحدة في حملة العقوبات المفروضة ضد إيران، وقال نائب الرئيس مايك بينس في الكلمة الافتتاحية لمؤتمر وارسو: "حان الوقت الآن للشركاء الأوروبيين للانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران والانضمام إلى الولايات المتحدة لفرض ضغوط اقتصادية وسياسية عليها ومسايرة الولايات المتحدة في هذا الاتجاه".
كان تقييم إدارة ترامب بعد مغادرة الولايات المتحدة للاتفاق النووي أن الولايات المتحدة يمكنها أن تعتمد على العقوبات الثانوية دون الحاجة إلى دعم الدول الأوروبية لغرض إجبار إيران على العودة إلى طاولة المفاوضات، أو حدوث اضطرابات وإحتجاجات شعبية ناجمة عن تدهور الوضع الاقتصادي تؤدي إلى تغيير النظام الإيراني. في المقابل، وعلى الرغم من اعتماد العقوبات الثانوية والظروف الاقتصادية الصعبة، إلا أننا لم نشاهد أي مؤشر دال على استعداد الجمهورية الإسلامية للتفاوض مع الولايات المتحدة أو إمكانية تغيير النظام في إيران بسبب الاضطرابات السياسية الناجمة عن الضغط الاقتصادي. لذلك، توصلت إدارة ترامب إلى استنتاج جديد مفاده أنها تستطيع الوصول إلى هدفها من خلال ضم الدول الأوروبية إلى جانبها، ورفع منسوب العقوبات الاقتصادية والسياسية على إيران إلى مستوى غير مسبوق، وكان إلغاء الإعفاءات النفطية واعتبار الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية هما العاملان الرئيسيان لإدارة ترامب في هذا الصدد.
في قرار الحكومة الأمريكية بتشديد العقوبات، بالإضافة إلى تقييم فشل إدارة ترامب في اعتماد مبدا فرض العقوبات للوصول إلى انهيار إيران أو استسلامها، ونظرة الحكومة القائمة على تحمل العقوبات حتى فشل ترامب في انتخابات 2020م أو احتمال عزله، أدى بأن يرفع ترامب من منسوب العقوبات ويتفنن في فرض أنواع من الحظر وبشكل فعّال ومكثف. وقد أدركت الإدارة الأمريكية أن حكومة روحاني تنتظر وصول الديمقراطيين إلى البيت الأبيض مرّة أخرى والوفاء بوعودهم بالعودة إلى الاتفاق من دون حاجة إلى التفاوص مع حكومة ترامب. ومن هنا سعى البيت الأبيض بالتالي إلى تنويع العقوبات وتكثيفها لإيصاد الطريق أمام الديمقراطية من العودة المحتملة للاتفاق والسماح لإيران بالاستفادة من المكاسب الاقتصادية في حال إحياء الاتفاق النووي مرّة أخرى.
المرحلة الرابعة: فشل سياسة الردع والرغبة في العودة إلى المفاوضات
إن ردة فعل جمهورية إيران الإسلامية على تكثيف العقوبات باعتماد اسلوب التخفيض التدريجي للالتزامات النووية واستغلال القدرات الإقليمية للمواجهة، قد أدخلت الولايات المتحدة في مرحلة جديدة. فقد كان قرار طهران برفع منسوب التوتر مع أمريكا وتحمل فاتورة العقوبات خارج الحسابات الأولية لحكومة ترامب. ففي مواجهة الإستراتيجية الإيرانية الجديدة، ظنت الحكومة الأمريكية أن من الممكن أن تعرقل استمرار استراتيجية إيران الجديدة عن طريق التهديد العسكري وخلق حالة من "الردع" إلى جانب اعتماد "سياسة الضغط القصوى"، وقد أشار برايان هوك رئيس فريق العمل حول القضية الإيرانية في بدايات فترة ارتفاع منسوب التوتر بين الجانبين إلى هذه القضية في مقابلة له مع الواشنطن بوست، قائلاً: "في الوقت الذي نسعى فيه لردع التصرفات الإيرانية نحاول التوصل إلى اتفاق جديد معها".
في هذه المرحلة الجديدة تمّ الاستفادة من جون بولتين ووزارة الدفاع لتعزيز حالة الردع ضد إيران ولمنح المصداقية للتهديد العسكري الأمريكي. ومع ذلك أن ظاهر الخطوة التي قام بها جون بولتين المتمثلة بارسال "سفينة يو إس إس أبرام لنكولن" واستقرار فرقة قاذفات (B-52) المنتشرة في منطقة القيادة المركزية الأمريكية وتهديد الجنرال دانفورد رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية السابقة وتحميل إيران "مسؤولية أي هجوم"، للمجاميع الموالية لها ضد مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة وإن على إيران أن تتوقع أنها ستواجه برد فعل شديد وحاسم من البنتاغون على الأراضي الإيرانية"، كل ذلك قد يوحي بوقوع مواجهة عسكرية بين إيران وحكومة الولايات المتحدة، إلا أن الرسالة الحقيقية لهذه الخطوات تكمن في أن أمريكا لم تكن مستعدة للدخول في مواجهة ساخنة مع إيران على المستوى العسكري وإنها تميل إلى البقاء على اعتماد اسلوب المواجهة على المستوى الاقتصادي والسياسي فقط. ففي الحقيقة، حاولت إدارة ترامب من خلال التلويح بالتهديد العسكري تثبيط إيران من اعتماد هذا الخيار في هذه المرحلة من الصراع.
يشير التقييم الأمريكي الأولي إلى أن زيادة الوجود العسكري في المنطقة والتهديد بإصدار أوامر عنيفة أثبتت جدوائيتها في ردع الإيرانيين وإيقاف الإجراءات المحتملة من قبل جمهورية إيران الإسلامية. فبعد فترة وجيزة من بدء التوترات صرح رئيس القيادة المركزية الأمريكية في العراق أمام المراسلين بأن الأدلة أظهرت أن إيران "تراجعت وغيرت حساباتها". ومع ذلك، بعد حادث استهداف الطائرة الأمريكية بدون طيار في السماء الإيرانية، وقع البيت الأبيض والبنتاغون في حالة يرثى لها؛ لأن هذا النوع من الرد الأمريكي الأولي على تهديد مصالحها في الخليج الفارسي والعراق أدى إلى أن يتوقع الكثير منها أنها سترد بشكل حاسم فيما إذا تم انتهاك الخطوط الحمراء التي رسمها الأمريكان، ولكن بعد سقوط الطائرات المذكورة، واجهت الحكومة الأمريكية طريقاً صعباً؛ فإن اختارت السكوت وعدم الرد على الضربة الإيرانية فسوف تتهم بالسلبيّة والتراجع، وإذا أقدمت على توجيه ضربة ما حتى لو كانت محدودة ضد إيران، فإنها ستواجه بردة فعل مضادة من طهران، وبالتالي استمرار هذه الدورة من الضربة والضربة المضادة مما قد يؤدي إلى دخول الأمريكان في معركة مجهولة المصير وبكلفة باهظة جداً على أكثر من صعيد. لذلك، سعى ترامب إلى تجنب التوتر والتصعيد مع الجانب الإيراني، كما في حادث انفجار ناقلات النفط في بحر عمان الذي وصفه بأنه حادث "بسيط للغاية" وقع خارج نطاق المصالح الأمريكية، كذلك وصف الهجوم الإيراني على الطائرة الأمريكية بأنه "خطأ شخصي" متجنباً توجيه التهديد إلى إيران خلافاً لخطاباته النارية والموسومة بـ "النار والغضب". بالإضافة إلى ذلك، قام بتضييق دائرة الخطوط الأمريكية الأمريكية وحدد ردود الفعل والتدابير المضادة لإيران من دائرة مصالح ومنافع الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، إلى دائرة أضيق تتمثل بمهاجمة القوات العسكرية الأمريكية، حذراً من الاصطدام مع الجانب الإيراني بمواجهة عسكرية ضد أي عمل محتمل تقوم به إيران في المستقبل القريب. بعد فشل فكرة التهديد العسكري لردع إيران، بذلت الحكومة الأمريكية جهداً لتشكيل إجماع دولي ضدها، لكنها لم تلق ترحيباً بهذه الفكرة واستجابة كبيرة من الدول الأخرى باستثناء مجموعة قليلة كالبحرين وأستراليا وبريطانيا. وكان ساسة البيت الأبيض يظنون أن الإجماع المذكور سيخفض أولاً من فاتورة الإنفاق الأمريكي، وثانياً، يعرض إيران لرد جماعي يضطرها إلى الامتناع عن الرد الانتقامي. ولكن نظراً للتكلفة المحتملة للانضمام إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في الخليج الفارسي، وإن احتمال اندلاع حرب غير مرغوب فيها في المنطقة تلقى فيها اللائمة على ترامب لتسببه بإحداث مثل هذا التوتر في المنطقة، واجه تشكيل هذا التحالف الدولي تحديات خطيرة.
عندما اتضحت عدم جدوائية ومحدودية خيارات الولايات المتحدة في تغيير المحاسبات الإيرانية، ازدادت رغبة إدارة ترامب في التفاوض مع إيران، وارتفعت وتيرة مقترحات التفاوض استعداد الدول الأخرى للتوسط بين الجانبين، وقد اعتبرت إدارة ترامب ذلك خطوة تكتيكية لثني إيران عن الاستمرار في اعتماد نهج "المقاومة النشطة" ، ومن ناحية أخرى كانت ضرورة استراتيجية لإدارة ترامب قبل الدخول في انتخابات 2020م. بعد فشل مشروع البيت الأبيض بانهيار إيران والانتقادات المحلية والدولية المتنامية الموجهة ضد حكومة ترامب، صار من الواضح أنه ليس أمام إدارة ترامب خيار سوى إقناع أو إجبار إيران على الجلوس على طاولة المفاوضات وتحقيق اختراق سياسي.
وقد مثل طرد جون بولتون من فريق الأمن القومي في إدارة ترامب خطوة جديدة تتماشى مع هذه المرحلة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة. والملاحظ هنا أن ترامب لم يغير نهجه بإقالة بولتون، بل إن مقتضيات الحاجة تطلبت منه الدخول في مرحلة يركز فيها على المفاوضات فضلاً عن المنطق السياسي وإن غياب أشخاص مثل جون بولتين من فريق ترامب المفاوض يعد ضرورياً بسبب ما يبديه هذا الرجل من حساسية تجاه كل من إيران وكوريا الشمالية وإعاقته المحتملة لسير العملية التفاوضية المحتملة. والجدير بالذكر هنا، إن طرد بولتين لا يعني بالضرورة أن "وجهة نظر ترامب تتضاد مع وجهة نظر بولتين وعدم رغبة الرئيس الأمريكي في اللجوء إلى الخيار العسكري لإسقاط النظام الإيراني" وإنما يشي ذلك "بعجز أمريكا عن متابعة هذه السياسات ونقاط ضعفها وقيودها أمام مقاومة الدول الأخرى لاستراتيجية الولايات المتحدة".

سيناريوهات المواجهة الاستراتيجية بين إيران والولايات المتحدة على المدى القصير

لمعرفة طبيعة المواجهة الاستراتيجية بين إيران والولايات المتحدة خلال العام المقبل هناك متغيران حاسمان من الناحية المنطقية في تحديد نوعيه المواجهة يتمثل الأول بمصير الاتفاق النووي والآخر بنتائج انتخابات الولايات المتحدة الأمريكية لعام 2020م. وهناك ثلاثة احتمالات تخص الاتفاق النووي، فيما يوجد احتمالان يتعلقان بما تسفر عنه نتائج انتخابات الرئاسية الأمريكية، سوف نتعرض لها ضمن النقاط التالية:
1-2. مصير الاتفاق النووي
ألف: إنهيار الاتفاق
وفقاً لنهج الحكومة الإيرانية يكون من غير المرجح انسحاب إيران من الاتفاق بشكل دفعي، لكن من المحتمل أن تستخدم الدول الأوروبية آليات الضغط. فمع تهديد ألمانيا وبريطانيا وفرنسا باستخدام تلك الآلية وإعادة عقوبات مجلس الأمن الدولي فيما إذا اتخذت إيران إجراءات جادة وذات مغزى لتخفيض التزاماتها النووية، فيكون من المحتمل جداً هنا انهيار الاتفاق النووي وخروج الدول الأوروبية منه. ومع ذلك، فإن تهديد الدول الأوروبية بالانسحاب من الاتفاق وإعادة العقوبات هو قبل أن يكون انعكاساً لدوافع الدول الأوروبية واستعدادها لتفكيك الاتفاق، هو يعكس جهودها الرامية إلى إدارة خطوات إيران المتلاحقة في تخفيض التزاماتها النووية والحفاظ على الاتفاق؛ لأنه في حالة انهيار الاتفاق من قبل الدول الأوروبية سوف تفقد تلك الدول أوراقها الكبير في الضغط على إيران لإقناعها بالعودة إلى طاولة المفاوضات لإبرام اتفاق من جهة، بل وأيضاً مع انعدام الثقة بين الجانبين تكون أي مفاوضات متوقعة أو اتفاق محتمل يبرم مع الدول الأوروبية سوف يكون أكثر إبهاماً من جهة أخرى.
 أنه ليس من المعقول استخدام الدول الأوروبية لآليات العقوبات وزيادة الحظر على إيران؛ لأن مؤشرات الاقتصاد الكلي تؤشر إلى أن الوضع الاقتصادي الإيراني في الوقت الراهن يمرّ بحالة صعبة بسبب سوء الإدارة والعقوبات الأمريكية مقارنة بتلك الفترة التي كانت العقوبات تفرض من قبل الصين وروسيا والدول الأوروبية وفقاً لقرارات مجلس الأمن، وكانت الأمم المتحدة تنفذ تلك القرارات ضد إيران. لذلك، الولايات المتحدة والدول الأوروبية بحاجة - شديدة إلى زيادة العقوبات- إلى بذل الجهود لتغيير الحسابات الذهنية لدى المسؤولين الإيرانيين. 

ب: تغيير الاتفاق، وتوسيع حدوده ليشمل الصواريخ والقضايا الإقليمية 
 إن خطة كل من فرنسا ودولتين أوروبيتين أخريين لإجراء تعديلات على الاتفاق وبدء مفاوضات حول التمديد الزمني لالتزام إيران بمفاد الاتفاق وفرض قيود أخرى على الأنشطة الإيرانية على المستويين الإقليمي والصاروخي، تعني قبول إيران "بامتياز أقل مقابل التزام أكبر". فبموجب الخطة، تتعهد إيران بوقف الخطوات التدريجية التي قامت بها لتقليل الالتزامات النووية الأساسية والتعهد بالدخول في عملية تفاوض شاملة مقابل تعليق جزئي للحظر أو إطلاق خط ائتماني "اعتباري".
وهذه الخطة تنطوي على ثلاثة عيوب رئيسية: أولاً، لا يلتزم الطرف المقابل برفع كافة اشكال الحظر والعقوبات الأمريكية - سواء العقوبات النووية أو العقوبات الأخرى التي فرضتها الولايات المتحدة بعد خروجها من الاتفاق. ثانياً، سيكون قبول إيران بالعودة إلى طاولة المفاوضات مرة أخرى بمثابة تأكيد لمقولة "انسحاب إيران تحت وطأة الضغوط الدولية" ونجاح خطة الحظر، وبالتالي يضعها في مأزق دائم. ثالثاً، بالنظر إلى قرب انتهاء الفترة القانونية للحكومة الإيرانية الحالية واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في إيران، سيكون أي تعهد من قبل الحكومة الفعلية أمام الدول الأوروبية والأمريكية للدخول في مفاوضات شاملة حول القضايا الإقليمية وبرنامج الصواريخ بمثابة عبء غير مرغوب فيه على الحكومة القادمة.
انطلاقاً من ذلك، وبالنظر إلى النهج التكتيكي قصير المدى لخطة الحكومة في التفاوض والاتفاق، وكذلك استعداد الدول الأوروبية وحتى الولايات المتحدة لبدء عملية مفاوضات شاملة، فإن هذا السيناريو يصبح أكثر ترجيحاً من سيناريو الانهيار.

ج: إحياء الاتفاق وعودة الولايات المتحدة إلى الصفقة النووية
مع زيادة الضغط على إدارة ترامب ومحدودية خيارات البيت الأبيض ضد الجانب الإيراني، من المرجح أن تعود الولايات المتحدة إلى الاتفاق الذي خرجت منه. إلا أن التحدي الرئيسي في هذا السيناريو هو أنه مع عدم إصرار الحكومة على عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي وعدم رفضها القوي للمفاوضات الإقليمية والصاروخية، تزداد توقعات التراجع من قبل الجانب الإيراني.
2-2- الانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2020م
ألف: هزيمة ترامب والتغيير في حكومة الولايات المتحدة
بالنظر إلى آراء الخبراء والهيئة الوسيطة للحزب الديمقراطي، من المتوقع أن تصبح فكرة إعادة التفاوض حول الاتفاق وفرض مزيد من القيود على إيران هي السياسة السائدة في الحزب. لكن هناك احتمالاً خطيراً قد يحصل في المستقبل القريب، وهو أنه حتى لو لم يدعم الديمقراطيون فكرة مغادرة الاتفاق، إلا أنهم لن يعودوا مرة أخرى إلى الاتفاق السابق دون إجراء بعض الإصلاحات عليه. والذي يعزز من هذا التوقع هو تغيير الإدارة في وكالة الطاقة النووية والجهود الإسرائيلية للضغط على هذه المؤسسة لتغيير تقييمها لطبيعة الأنشطة النووية الإيرانية وإمكانية طرح تقرير مسيس في هذا المجال.

ب: فوز ترامب وبقائه في السلطة
إذا تمكن ترامب من الفوز في الانتخابات الرئاسية لعام 2020 م والبقاء على رأس الهرم في السلطة التنفيذية، فإن سياسة البيت الأبيض تجاه إيران سوف تتأثر حينها بطبيعة الأداء الإيراني، فإذا أبدت إيران مقاومة نشطة أمام الضغوط الأمريكية وأظهرت استعداداً لتحمل فاتورة العقوبات والمزيد من التكلفة جراء الحظر الأمريكي، فلن يكون أمام ترامب خيار سوى التراجع؛ لأنه لا يملك خياراً آخر لإدارة أزمة محتملة مع إيران. أما إذا تبنت إيران نهجاً سلبياً ورضخت لمطالب الطرف الآخر، فمن المحتمل أن تختار الولايات المتحدة مقاربة شديدة ضدها. ومن المتوقع في هذا السيناريو أن يقوم الأمريكان بمهاجمة المنشآت والقواعد العسكرية الإيرانية واستهداف حلفاء إيران في المنطقة بالاستعانة بالدعم الإسرائيلي وقيامها بتوجيه ضربات محدودة على أهداف مرتبطة بإيران.


الخلاصة
تظهر دراسة للأنماط السلوكية لإدارة أوباما وترامب أنه في المواجهة الاستراتيجية بين إيران والولايات المتحدة، إلى جانب التطورات الجيوسياسية، لعب الفهم الأمريكي للمنطق السلوكي الإيراني دوراً مهماً في تحديد مستوى هذه المواجهة شدةً وضعفاً. وبعبارة أخرى، إن تكثيف العقوبات الأجنبية والضغط على جمهورية إيران الإسلامية خلال العقد الماضي، قبل أن يكون متأثراً بسوء فهم الولايات المتحدة لطبيعة البرنامج النووي الإيراني أو دورها الإقليمي، يعود في واقعه إلى فهم الولايات المتحدة لعملية صنع القرار في السياسة الخارجية الإيرانية. وقد أدى عدم الاهتمام بتأثير أداء السياسة الخارجية في تحديد طبيعة الفهم الاستراتيجي للجهات الأجنبية تجاه إيران والاعتماد على افتراضات وتقييمات متفائلة في الغالب في العمل الدولي إلى تعقيد المواجهة بين الجانبين الإيراني والأمريكي. ففي الواقع، إن الكثير من الجهود المبذولة في إيران للدفع نحو عودة العلاقات الأمريكية الإيرانية إلى طبيعتها أعطت نتائج معكوسة. فقد دفع انسحاب إيران وخمول سياستها الخارجية الهادفة إلى حل الأزمة الطرف الآخر إلى ممارسة المزيد من الضغوط.
 في الوضع الحالي، فإن إدارة ترامب تمر بوضع ضعف ومساءلة بسبب عدم جدوائية العقوبات لتحقيق هدف الأمريكان المتمثل بـ "الانهيار أو الاستسلام" الإيراني مقابل الشروط غير المنطقية للاتفاق الشامل وآثار سياسة الضغط القصوى، في الوقت الذي لا يملك فيه ترامب خياراً قابلاً للتطبيق للخروج من الأزمة، حيث بلغت العقوبات إلى ذروتها ولم يبق ما يمكن أن يلوح به الأمريكان لتشديد الحظر وتفاقم الأزمة الاقصادية إلى حد كبير. ثم إن خيار استخدام الحل العسكري ضد إيران بات يواجه العديد من التحديات الصعبة التي لم تكن الحكومة الأمريكية مستعدة لتحمل نتائجها وما ينتج عنها. إن استمرار هذا الاتجاه وتصاعد الضغوط المحلية والدولية على ترامب قد تضطره ليغير من موقف البيت الأبيض تجاه إيران. ثم إنّ رغبة إدارة ترامب في التفاوض مع طهران لا تعني بالضرورة تغيير نهج البيت الأبيض تجاهها؛ وذلك لأن ترامب بدأ يقترب من نهاية النصف الثاني من عام 2020م وبداية التنافس الرئاسي بين المرشحين الديمقراطيين والجمهوريين فهو بحاجة ماسة إلى تحقيق نصر سياسي على صعيد السياسة الخارجية. إنّ التغيير الحقيقي يحدث عندما تكون الولايات المتحدة مستعدة لرفع العقوبات أو العودة إلى الاتفاق النووي، والحال اننا نرى حكومة الولايات المتحدة تسعى حالياً إلى استخدام الدعوة إلى التفاوض مع إيران كورقة دعائية وليس هناك أي مؤشر حقيقي على حدوث تحول جاد في نهجها في هذا المجال. 
إن انسحاب أميركا من الاتفاق النووي وطرح مجموعة من الأمور خارج إطار الاتفاق والطلب من إيران الالتزام بها، قد وضع الاتفاق النووي أمام عدة سيناريوهات، فإما يصار إلى إلغائه بالكامل، أو استبداله باتفاق أشمل، أو رفع نقاط الضعف فيه. وفي هذه الحالة هناك معالجتان قابلتان للتطبيق بالنسبة للجانب الإيراني، تتمثل الأولى بمحاولة بذل الجهود من أجل إجبار الولايات المتحدة على التراجع من موقفها، وبعث الروح في الاتفاق وإعادته إلى حالته السابقة، أو السعي بعد انهيار الاتفاق، إلى تطوير القدرات الأساسية في المجال النووي، وإذا لزم الأمر البحث عن صفقة أفضل من البرجام بصيغة لا يمكن استغلالها بسهولة أولاً، وتضمن فيها مصالح الجانب الإيراني الاقتصادي والسياسية تقنياً وقانونياً.


قراءة: 880