فصلنامه مطالعات سیاست خارجی تهران
 

التطورات في غرب آسيا في نظرة تمل كاراما (كرم‌الله) اوغلو

مقابلة خاصة مع رئیس حزب السعادة الترکي

ولد تمل کارما (كرم‌الله) اوغلو في عام 1941 م في ماراش جنوب شرق تركية، درس الهندسة في جامعة مانشستر بأنجلترا. يعدّ أحد الوجوه الإسلامية في تركية، له نشاطات عديدة و شغل العديد من المسؤوليات منها: عضو حزب السلامة الوطني، نائب في البرلمان لعدّة دورات، ممثّل تركية في المجالس البرلمانية في أوروبا، رئيس بلدية سيواس، رئيس كتلة حزب الرفاه في البرلمان. حالياً يشغل السيد أوغلو رئاسة حزب السعادة التركي، و هو حزب إسلامي و أحد الأحزاب الناشطة في ميدان السياسة التركية. يعتقد السيد أوغلوا أنّ هدف الغرب من تعكير صفو الأمن في منطقة الشرق الأوسط هو الحدّ من زخم المقاومة ضدّ مشروع إقامة إسرائيل الكبرى، كما يرى أنّ التدخل التركي في سورية حصل بضوء أخضر أمريكي، هذا التدخل الذي عارضته الحكومة السورية و الجماعات الكردية في هذا البلد، ممّا جعل تركية سلطة محتلة في نظر المحافل الدولية. يعتقد تمل کاراملا اوغلو أنّ مواصلة الحوار هو السبيل الوحيد للخروج من تحديات المنطقة، و هو ينظر إلى إيران كبلد شقيق له أهميته في المنطقة. في الوقت ذاته ينتقد أوغلو العلاقات بين الحكومة التركية و الكيان الصهيوني و يرى ضرورة تغيير هذا الوضع القائم. و من ناحية ثانية يشير إلى أنّ الأسلحة التي تمتلكها الجماعات الإرهابية هي أسلحة أمريكية، و أنّ مصالح نشاطاتها مقتصرة على الولايات المتحدة، ثم يحلّل أبعاد الرؤية لتلك الجماعات، و يشدّد على ضرورة التزام البلدان الإسلامية بمبدأ الوحدة و التضامن. أجرت مجلة طهران لدراسات السياسة الخارجية حواراً مع السيد تمل كارملا أوغلو تناولت فيه تحولات المنطقة و العالم.

 

 

فصلية طهران: بعد الترحيب بكم نود  - كسؤال أول- تسليط الآضواء على الخصائص السياسية لغرب آسيا وما هي الأهمية الاستراتيجية لهذه المنطقة في المعادلات الدولية؟
- تمل أوغلو: اكتسبت المنطقة، التي يسميها الغربيون الشرق الأوسط  أهمية بالغة وبشكل متزايد في الآونة الأخيرة . بالطبع إن ميزات هذه المنطقة وقيمتها الواقعية ليست بالأمر الجديد، فقد شهدت المنطقة نشوء  عدد من الحضارات عبر تاريخها المنصرم، ولكن أهميتها زادت منذ تشكيل مؤتمر بازل في عام 1897م وازدادت وتيرة  انتباه العالم إليها  في عام 1917م وأثناء الحرب العالمية الأولى، حيث تم التوقيع على معاهدة في الثاني من  نوفمبر 1917م، من قبل رئيس الوزراء البريطاني وبموافقة الرئيس الأمريكي آنذاك ويلسون في ضوء الدعم البريطاني لمساعدة اليهود لإنشاء وطن لهم في فلسطين. كما أصدرت الأمم المتحدة قرارًا في عام 1922م يشرعن هجرة اليهود إلى  فلسطين والتي بدأت حينها، وتوّج ذلك في عام 1947م بتشكيل الحكومة الإسرائيلية والاعتراف بها. تزامن ذلك مع اضطهاد المسلمين  وخاصة الفلسطينيين منهم، والتعامل معهم  بطريقة توحي كما لوكان الفلسطينيون أجانب وغرباءً عن هذا البلد.
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991م، تحول العالم إلى  عالم  أحادي القطب، وفي هذه المرّة قدّمت الولايات المتحدة الأمريكية خطة تحت عنوان "الشرق الأوسط الكبير"، وكان هذا المشروع في الأساس مشروعاً إسرائيلياً،  ولكن لكتمان القضية و لإبقائها  سراً أطلقوا عليها اسم مشروع "الشرق الأوسط الكبير". منذ تنفيذ المشروع، ازداد نطاق الأراضي المحتلة بطرد السكان الفلسطينيين الرئيسيين من وطنهم، و في الواقع  كانوا يعتقدون أنهم كانوا يعملون على توسيع مساحة أراضي إسرائيل وكان هدفهم الرئيسي عزل الشرق الأوسط، وإضعاف المقاومة بوجه إنشاء دولة إسرائيل الكبرى. في الوقت الحالي، تمّ تسمية وإدراج البلدان الأربعة وهي إيران وتركيا والعراق وسوريا (وهي أكثر الدول فاعلية في المنطقة) ضمن  الخطة المذكورة.   بطبيعة الحال الأردن ولبنان هما مندرجان أيضاًً (ولكن قوتهما محدودة للغاية) وسوريا تقع جغرافيا في قلب هذه المنطقة، وجزء كبير من العراق بل ربما كلّه، وكذلك جزء من الأراضي التركية والإيرانية مندرجة ضمن الخطة أيضاًً. 
فصلية طهران: كيف تقيمون الوجود العسكري التركي في سوريا؟
- تمل أوغلو: دعمت تركيا في البداية [المعارضة] بغض النظر عن العمليات التي شنت ضد الحكومة المركزية في سوريا، وتدخلت حكومتان (أخريان) وجلبتا قواتهما العسكرية إلى  سوريا؛ الأولى هي روسيا والتي لا يوجد لديها منفذ باتجاه المياة الحرّة غير ميناء فاسكويز، وقد شيدت إضافة إلى  الميناء المذكور  خمس أو ست قواعد بالقرب منه.  والملاحظ إن روسيا لا تنوي بل ليس لديها خطة للخروج من هناك.  و الثانية الولايات المتحدة الأميركية فهي الأخرى جاءت إلى  سوريا لإنشاء نظام جديد في المنطقة، والتي انجرت في نهاية المطاف إلى  تحول المنطقة إلى   بحر من الدماء، وقد وصلت الحالة الآن إلى  مرحلة من غير المرجح أن تستمر فيها الحالة على ما هي عليه.  ففي  سوريا  أجبر حوالي 7 أو 8 ملايين شخص على النزوح من ديارهم وتوجه نحو 3.5 مليون منهم إلى  تركيا وتم توزيع الباقين على بلدان أخرى.  أما بالنسبة لأولئك الذين اضطرون إلى  البقاء في سوريا والعيش فيها فقد حددت الآن مساحة تقدر بـ 400 كيلو متر طولاً  وعرض 30 كيلو متر عرضاً لإيوائهم في الشمال السوري. كان الأمريكيون يعملون ويتفاوضون على انشاء خط أنابيب لنقل النفط العراقي والسوري عبر نفس النقطة المتمثلة بالجنوب التركي والشمال السوري باتجاه  البحر المتوسط، وهذا موضوع مثير للجدل؛ وقد لوحت الولايات المتحدة بالضوء الأخضر لتركيا للتدخل بعد أن سحبت نفسها من تلك المنطقة، وتبعاً لذلك، تدخلت تركيا في شؤون المنطقة، لكن التدخل التركي هذا واجه رفضاً شديداً من قبل الحكومة السورية والسكان القاطنين هناك  ومن قبلYHP والأكراد، ومن هنا وللأسف صار ينظر الوجود التركي كقوة احتلال للأراضي السورية، الأمر الذي  أضر  بمصداقية تركيا، حيث لم يدعم التدخل سوى أربعة أو خمسة بلدان، بينما عارضته دول أخرى، بما في ذلك الدول الإسلامية والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. أما الولايات المتحدة فهي الأخرى  ليست جادة في  دعمها   للتواجد التركي في الأراضي السورية و لاتسمح لتركيا بأكثر من القيام ببعض التعرضات المؤقتة هناك ثم الانسحاب منها.
هل سيعود المواطنون السوريون المقيمون في تركيا إلى  بلادهم؟ هل سيعم السلام مرّة أخرى الأراضي السورية؟ هل سيتم الحفاظ على تلك الأراضي السورية؟ يبدو أن الجميع متفقون على هذه القضايا، لكن كيف ستتحقق وحدة الأراضي السورية؟ هناك نشاط مكوكي والكثير من العمل الذي يتعين القيام به في هذا الشأن.  لذلك، كانت هناك مشاكل في العلاقات التركية الأمريكية. فقد ذهب الرئيس (أردوغان) إلى  أمريكا والتقى برئيس الولايات المتحدة (الذي يصعب حاليًا الحديث عنه والتكهن بالنتائج التي تمخضت عنه والتي  قد نراها لاحقاً). يبدو أن الأمن وسلامة الأراضي السورية وعودة الهدوء إليها يعتمدان على إجماع واستراتيجية كل من العراق وتركيا و جمهورية إيران الإسلامية. 
فصلية طهران: لقد قدم حزبكم رؤاه ومقترحاته  في الماضي بخصوص معالجة القضية السورية، بالإضافة إلى ذلك كانت لكم  رؤيتكم  الخاصلة حول زيارة الرئيس للولايات المتحدة،  كيف تنظرون الى هذه المسالة؟
- تمل أوغلو: هناك دائمًاً ما يمكن قوله حول (التحديات) و إنه من الممكن معالجة المشاكل بطريقة سلمية وبلا حاجة إلى  الخوض في غمار الحرب واتونها .  وإن أي شخص يعتند هذه الاستراتيجية وطريقة التعامل سيتوصل إلى  النتائج المرجوة حتماً.  لقد تابعت هذه البنود في طريق عودتي إلى  تركيا في وزارة الخارجية ، لكنني لم أتوصل إلى  نتيجة ما. ولكن يمكن القول بأن سلوك الحكومة التركية اليوم يوحي بأنه من الممكن للسلطات التركية والسورية أن يجتمعا لحل المشاكل العالقة بين الجانبين، ومن الممكن القول بأن هذا الطريق هو الطريق الأمثل ولا يوجد علاج بديل آخر سواه. فاللقاءات واستمرار المفاوضات  هي الطريقة الوحيدة لتحقيق النتيجة المرجوة. وهذا ما يؤكده  اجتماعا آستانا وأضنة، والذي يظهر أن كلاً من  روسيا وتركيا وجمهورية إيران الإسلامية والعراق موافقون على هذا المسار.
فصلية طهران: هل تتوقعون انعقاد لقاء قريب بين حكومتي البلدين؟
- تمل أوغلو: في الوقت الحالي لا أستطيع أن أجزم بأي شيء في هذا الخصوص، لأن هذا يعتمد على موقف الرئيس، والظاهر أننا لم نصل إلى  المرحلة التي يمكن أن يتواصل فيها الحوار وتستمر فيها الاجتماعات؛ فقد إرتفع عدد القتلى، و أخذ الضغط الاقتصادي يتصاعد، مما أدى إلى  إيصاد الباب أمام محادثات السلام مع سوريا. ومع ذلك لا بد أن يلتقي الطرفان في نهاية المطاف، إلا أنني لا أتوقع انعقاد محادثات بين الجانبين في الوقت القريب. والجدير بالذكر هنا أن كلاً من إيران وتركيا سيلعبان دوراً رئيسياً  على هذا الصعيد، وربما ستشارك روسيا والعراق أيضاً في هذا الحوار، وأما الولايات المتحدة فلا اعرف عن موقفها بهذا الخصوص شيئاً وهل انهم سيشاركون أو لا؟، ولكن يمكن القول إنه  أينما كان هناك صراع  مع غياب الأمريكان عن المشاركة في الحوار من الأسهل الوصول فيه إلى  سلام.
 فصلية طهران: لا شك أن إيران وتركيا هما دولتان متجاورتان تربطهما علاقات تاريخية وثقافية مشتركة. كيف تقيمون مستوى  العلاقات السياسية بين البلدين مقارنة بتلك القواسم المشتركة الطويلة الأمد؟ وكيف تقيمون العلاقات الثنائية؟
- تمل أوغلو: إن إيران وتركيا كانتا على علاقة جيدة منذ سنوات عديدة، وخلال 400 عام ومنذ انهيار الحكومة العثمانية، على طول الحدود الطويلة لإيران وتركيا  لم يحدث هناك أي مواجهة بين الدولتين، ونحن ننظر إلى  إيران كدولة شقيقة وإسلامية، بل نحن نراها دولة مهمة إقليمياً، وإنّ أولئك الذين يهددون هذه المنطقة هم أنفسهم يهددون إيران وسوريا. إن علاقتنا هي علاقة جوار ذات فائدة اقتصادية وسياحية، وكلما سنحت الفرصة نرى الرئيس أردوغان يبذل جهوداً متضافرة لتطوير هذه العلاقات، على سبيل المثال آخرها مد خط أنابيب للغاز الطبيعي بين الدولتين. وعلى الرغم من فرض الحظر الاقتصادي على إيران وانه ظروف الحظر تقتضي  في الوقت الحالي أن لا تتم الموافقة على هذا الخط بسبب تلك  العقوبات المفروضة، إلا أن تركيا لم تؤيد تلك العقوبات بسبب موقف جمهورية إيران الإسلامية ودعمها لتركيا في أحلك الظروف. ومن الواضح أن تركيا تريد  أن تصبح عضواً في الاتحاد الأوروبي [ولقد تقدمت تركيا بطلب للانضمام إلى عضوية الاتحاد منذ عام 1939م] إلا أن الموقف الأوروبي يؤشر حتى الساعة  ضد انضمام تركيا للاتحاد. نعم،  أعربت الولايات المتحدة عن اعتبارها تركيا دولة صديقة لها، ولكنها صداقة من أجل مصالحها الوطنية، ومع انتفاء تلك المصالح فلا أمل في الصداقة مع تلك الدولة. لذلك، فإن إنشاء وتنفيذ المشاريع المشتركة بين تركيا وجمهورية إيران الإسلامية سوف يعزز العلاقات ويوثق الأواصر بين البلدين. والجدير بالملاحظة هنا  أن القارة الأوروبية شهد ومنذ سنين حرباً ضروساً بين بلدانها، فقد انطلقت الشرارة الأولى للحرب العالمية الأولى ودارت رحاها هناك وكذلك الحرب العالمية الثانية كان مسرحها الأساسي الساحة الأوروبية، إلا أنهم بعد ذلك أذعنوا بضرورة تغيير الحال وأن الوضع يجب أن يتغير عما هو عليه، وبالتالي قاموا بتشكيل "سوق مشتركة"  أعقبها المزيد من التعاون بين بلدان تلك القارة.
فإذا كان الأوربيون قد أنشأوا سوقاً مشتركة في قلب الاتحاد الأوروبي وشراكة اقتصادية بين بلدانهم، فنحن من باب أولى نحتاج أيضاً إلى  مشاريع مشتركة واستثمارات من أجل التقارب وردم الفجوات بيننا. ومن هنا لما رأى رئيس الوزراء سليمان ديميريل في عام 1969م، في عهد الملك فيصل وعقيب الحرب العربية الإسرائيلية، أن العرب لم‌يكونوا جادّين في اتحادهم، قام برحلته الأولى إلى إيران، وفي تلك الرحلة وضعت  اللبنات لأولى لإنشاء خط أنابيب الغاز الطبيعي بين البلدين. نحن بحاجة ماسة إلى توسيع هذا التعاون وتسريته إلى  جميع القطاعات كالزراعة والتكنولوجيا والقطاعات الأخرى، وينبغي أن يكون تعاوننا بحيث يعتبر نموذجاً يحتذى به من قبل الدول الأخرى. هذه هي القضية التي تهتم بها حكومتا إيران وتركيا، وخاصة في القطاع الاقتصادي والذي يجب متابعته والعمل فيه بجد.
فصلية طهران: كيف تقيمون السياسة الخارجية التركية؟
- تمل أوغلو: خطأ تركيا الأساسي هو عدم توقعها لبعض المشاكل. أشير هنا الى نموذج الاتحاد الأوروبي، فقد شهد اليهود والمسيحيون قدراً كبيراً من الاضطهاد فيما بينهما، لكن الأوروبيين شخصوا المشكلة وقرروا تجاوزها والآن لديهم جزء من الحضارة اليهودية والمسيحية ويهتمون بالاثنين معا. 
أولاً، نحن من الجيل العثماني والإسلامي؛ وثانياً، نحن جزء من جغرافية العالم الإسلامي، ولذلك يجب أن‌يكون سلوكنا السياسي من جميع النواحي ينسجم مع واقعنا ويأخذ بالحسبان هذه الحقيقة. لكن تركيا ظلت بعيدة عن هذا التوجه، وعلى الرغم من اتخاذ بعض الخطوات في هذا المجال، ولكنها خطوات غير كافية، فقد أقدمت تركيا من أجل الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي بزيارات إلى الاتحاد الأوروبي منذ عام 2004م ، ولم يستجب لها حتى الآن ولم يتم قبولها ووضعوا ثلاثين شرطاً للموافقة  على عضويتها، و على الرغم من كل تلك  الجهود الواسعة النطاق التي بذلتها تركيا لم تصل إلى  مبتغاها وكان الموقف الأوروبي مازال متصلباً ولا يرى في تركيا الأهلية للانضمام إلى هذا الاتحاد!!، فهل تشيكوسلوفاكيا ورومانيا لديهما  ديمقراطية أفضل مما لدينا  بحيث  تمكنتا من نيل عضوية الاتحاد وبقيت تركيا دون نتيجة تذكر في هذا المجال؟! الحقيقة هي أنهما إنما نالا ذلك لانهما جزء من الحضارة الأوروبية. علماً أن تركيا لا تنوي اتباع سياسة معادية ضد النهج والسياسات الأوروبية ويجب أن تواصل مسار علاقاتها مع القارة الأوروبية. تركيا، من ناحية أخرى، ارتكبت أخطاء في علاقتها بالولايات المتحدة وقد أدرك هذه الحقيقة  فيما بعد بعض المسؤولين والقادة الحكوميين، كذلك تتمتع تركيا بعلاقة جيدة مع إسرائيل، و هذا أمراً مهيناً بالنسبة لأولئك الذين يعيشون في المنطقة ولجميع المسلمين، خاصة بالنسبة لسوريا وسائر البلدان العربية. لذلك، من الضروري تغيير هذا النهج في  السياسة التركية، ويجب أن تتبنى أنقرة سياسة مختلفة. وقد اتخذت خطوات أولية آمل أن تستمر وتتواصل هذه السياسة. نعم، العلاقات مع إيران منسجمة الشروط، ولكنها ليست بالمستوى المأمول. كذلك الأمر بالنسبة إلى  الدول الأخرى التي لديها نفس النهج كالعراق وباكستان و ماليزيا، إذ من الممكن أيضاً أن تدرج تلك البلدن ضمن تلك المنظومة من العلاقات، بل يصدق الأمر على مصر أيضاً. لكن في الوقت الحالي لا أعتقد أنهم يتماشون مع توجهاتنا الفكرية، لكن مصر باعتبارها جزءاً من العالم الإسلامي يمكن أن‌تتماشى بعد تغيير الحكومات والتحول في الرؤى.
ولكن عندما يكون السؤال عن سياسة تركيا الخارجية، أرى أنه يجب على تركيا تغيير سياستها الخارجية، فليس لدينا خصومة مع أوروبا، كذلك الأمر  ليس لدينا أي خلاف مع اميركا وروسيا. فإذا أخذنا بنظر  الاعتبار مصالح البلدان الأخرى، فحينئذ يمكن حل جميع مشاكلنا.
فصلية طهران: نشهد اليوم سياسات تدخل وخصام من قبل الولايات المتحدة الأمريكية معادية لتركيا على الصعيدين الداخليي والخارجي. كيف تقيمون مبادرات تركيا وردود الفعل في الوضع الراهن؟
- تمل أوغلو: يمكن القول أن تركيا لم‌تهتم حتى الآن بهذه المسألة. أمريكا بلد مختلف، وعلينا أن نعترف بأنها من ناحية التكنولوجيا، الاقتصاد ، التطور العسكري، بلد قوي وفي صدارة الدول المتقدّمة جداً. في الماضي وفي خمسينيات القرن المنصرم تحديداً كان الروس متقدمين على الولايات المتحدة وتمكنوا من الوصول الفضاء، حيث  أرسالوا أول رائد بشري إلى الفضاء، عندها بدأت الولايات المتحدة العمل كي تجبر حالة التخلف عن المسار الروسي في هذا المضمار، فمنذ عام 1961م أخذوا ينفقون الكثير من الأموال على تكنولوجيا الفضاء ومنافسة الرقيب  الروسي، وقد تمكنوا من تحقيق إنجازات قيمة وأصبحوا أحد الأقطاب القوية في هذا المجال بين بلدان العالم. فقد أثبت الأمريكان في الحرب العالمية الثانية أنهم دولة قوية، وتمكنوا من جعل نتيجة الحرب تنتهي لصالحهم، وكانت الولايات المتحدة منافسة لروسيا التي هي الأخرى من الدول الكبيرة جداً والقوية في الساحة العالمية. استمرت المنافسة مع مرور الوقت، وبعد الحرب العالمية الثانية دخلت الولايات المتحدة الحرب لأول مرة في فيتنام و قد تمكن الشعب الفيتنامي بصموده من الوقوف أمام الترسانة الأمريكية القوية والتصدي لها، الأمر الذي زعزع روحية الجندي الأمريكي وتدنى مستوى معنويات الأمريكان للغاية مما اضطرهم في نهاية المطاف إلى  الفرار من فيتنام . والجدير بالذكر أن الأمريكان إذا ما عقدوا صداقة مع أي طرف، يكون همهم الأول تحقيق مصالحهم الخاصة فقط، وتستمر في حلب تلك البلدان ونهب خيراتهم، وتجدر الإشارة إلى  أن أمريكا هي الدولة الوحيدة التي لا تهتم بحقوق الإنسان، بل هي الدولة التي شرعنت التعذيب، والقت القبض على الأسرى  واحتجزتهم خلف قضبان السجون لمدة 20 عاماً. لذلك، من الضروري التفات الأتراك إلى  هذه القضايا عند التعامل مع الولايات المتحدة.
إن الناتو، في الواقع، قوة عسكرية من أجل دعم أمن الدول المشاركة، لكنه في الحقيقة واقع تحت هيمنة الولايات المتحدة؛ لهذا السبب أعلن الفرنسيون في الأعوام 1956-1957م عن رغبتهم في الخروج من الحلف، والآن هم في مرحلة العودة إلى  الناتو، لذلك نحن بحاجة إلى  عالم جديد لا تستطيع الولايات المتحدة أو أوروبا أو الصين تشكيله ولا تمتلك مقومات صنعه، وانما تصنعه الثقافة الإسلامية فقط (بقيمها الإنسانية السامية). لذلك أنا من المؤمنين بضرورة وحدة المسلمين واتحاد بلدان العالم الإسلامي.
فصلية طهران: ما رأيكم في التهديدات الأمريكية لإيران وتركيا في الآونة الأخيرة؟
- تمل أوغلو:  يجب أن ننظر هنا إلى  مشروع الشرق الأوسط الذي يشمل في جانب منه جزءاً من أراضي تركيا والعراق وإيران ومصر هي الأخرى معنية به. أما بالنسبة إلى   باكستان  فقد أجرت اختباراً للقنبلة الذرية في عام 1990م، وقد كان البعض يعتقد أنه إذا استخدموا القنبلة الذرية، فإن باكستان يمكنها أن‌تقوم بالرد بالمثل. أما بالنسبة لإيران فإنها وبسبب الخطوات التي قامت بها على الرغم من تصريح الإيرانيين بأنهم ليسوا بصدد أنتاج القنبلة الذرية، إلا إن القضية بقيت مثيرة للشكوك لدى الجانب الآخر وبين الدول الأوروبية، وأنهم ما زالوا يؤمنون بأنه إذا تم تغيير الحكومة هناك فقد تتغير السياسة الإيرانية المتعبة الآن. وقد واصلت إيران جهودها في مجال التخصيب معلنة بأنها تروم استخدام هذه التقنية في مجال انتاج الطاقة الذرية للأغراض السلمية والصناعات العامة، ولإثبات صدق نواياها وافقت بالسماح للمفتشين الدوليين بالدخول إلى  محطاتها النووية، وتوجت ذلك بالاتفاق النووي الذي أبرم بينها وبين عدد من الدول مختلفة (خمسة + واحد)، إلا أن الولايات المتحدة انسحبت من الاتفاق بدافع معاداة إيران؛ لأن إيران أوضحت ذلك بشكل جلي وشفاف. وفي الوقت نفسه، فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على إيران، وتبعتها أوروبا في فرض العقوبات أيضاًً، إلا أن  إيران واصلت مسيرها في تطوير منظومتها في مجال الإلكترونيات وتمكنت من إسقاط واحدة من أهم الطائرات الأمريكية المسيرة، الأمر الذي صدم الولايات المتحدة الامريكية؛ لأنهم لم يتوقعوا امتلاك إيران لمثل هذه التكنولوجيا المتطورة. بل  لا يريدون لإيران أن تحقق مثل هذا التقدم التقني؛ لأنهم يعتقدون أن أي بلد يتمكن من إسقاط هكذا طائرة متطورة قادر على التصدي لغيرها من الطائرات والأهداف غير المسيرة. لاشك أن هدف الأميركا وموقفهم لن يتغير، ويجب أن نتوقع ونرتقب مواقف وسياسات أخرى تصدر من هذا البلد.
فصلية طهران: هل تتماشى السياسة الأمريكية مع التطورات في إيران وتركيا؟
- تمل أوغلو: صحيح، إنهم لا يستطيعون منع الدول من  امتلاك هذه التكنولوجيا و لايمكنهم  المنع من استخدامها، و لايمكنهم التدخل العملي في هذا المجال، فقد جربوا حظهم سابقاً في التدخل في القضية المعروفة (طبس) والتي فشلت بمشيئة الله حيث تمكنت عاصفة رملية من إفشال مخططهم ودمرت طائراتهم ومعداتهم.
فصلية طهران: هناك العديد من الجماعات الإرهابية في أفغانستان وبتوجهات مختلفة. من هي تلك البلدان الداعمة لهذه المجموعات؟
- تمل أوغلو: لم تدعم الدول الغربية المنظمات الإرهابية الأفغانية، لكن الولايات المتحدة الامريكية هي التي زودتهم بالتكنولوجيا والأسلحة المتطورة، وأي عمل تقوم به تلك المجموعات يصب في صالح الولايات المتحدة، وقد تدخلت كل من الصين وروسيا في أفغانستان فروسيا تدخلت في  الشمال والصين في الغرب، وقد قررت الولايات المتحدة  التدخل في هذا البلد وانزلت قرارها حيز التنفيذ فعلاً. علماً أن الصين تعد -على المدى البعيد- واحدة من الدول  التي تنوي الولايات المتحدة التدخل فيها. وبما أنها تدرك جيداً أنها غير قادرة على السيطرة على الصين لما  تمتلكه الثانية من تكنولوجيا متقدمة وأسلحة متطورة واقتصاد رصين؛ لذا فقد أقاموا مجموعة من القواعد  في كل من العراق وسوريا وتركيا لمراقبة التحركات الصينية، وهذا هو السبب الذي يدعو الولايات المتحدة لعدم مغادرة المنطقة.
فصلية طهران: ما رأيكم في دعم أوروبا للإرهابيين ودعم فرنسا لإسرائيل والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل؟
- تمل أوغلو: لم‌ تستطع فرنسا فعل شيء لتدمير وإسقاط القضية الفلسطينية، و إن اعترفت بأن القدس عاصمة لإسرائيل، وأرسلت سفارتها إلى  هناك.  الفلسطينيون في جميع أنحاء العالم هم المالكون الحقيقيون للقدس، وغير ذلك ليس إلا  فرية. لقد جلبوا قسراً شتات الأرض ممن لم يملكوا شبراً في هذه الأرض والعقار ومكنوهم من الاستقرار هناك، والآن يريدون غرس وتثبيت مثل هذه الفكرة، ونراهم يتحركون الآن بالقيام بخطوات وإجراءات مضادة للمسلمين الفلسطيين.
من أين أتى الإرهابيون وطالبان لقتل المسلمين في المساجد والأماكن الأخرى؟ هؤلاء إينما طرق سمعهم وجود حركة او توجه في أي  مكان في العالم يضاد المسلمين ويقوم بإجراءات ضد المسلمين، تراهم يمدون يد العون له ويساعدون هؤلاء  الأشخاص المعارضين للمسلمين. لذلك فهم يبذلون قصارى جهدهم لمساعدة إسرائيل وباستمرار، ولكن في النهاية لن يحالفهم الحظ ولن ينجحوا في مسعاهم هذا.
فصلية طهران: ما هي أطروحتكم في رصد مشاكل العالم والسبل التي تساعد في حلها؟
- تمل أوغلو: نحن بحاجة إلى  التفكير في ما يجب القيام به من أجل الخلاص. لايمكننا التضحية بالأولاد من أجل والدهم ولا بالوالد من أجل الأبناء. نحن نعيش في عالم الاختبار والابتلاء، ونعتقد أننا سنحاسب في النهاية على أي عمل نقوم به.  يجب البحث عن الحقيقة فهناك الكثير من الأفراد الباحثين عن الحقيقة، مثل روجيه غارودي، الشيوعي الذي اعتنق الاسلام  بعد رحلة من البحث عن الحقيقة، وذلك الشخص الهولندي الذي يعد أحد المشاهير في التعرّض لشخص النبي الأكرم وتوجيه النقد والأهانه له (ص) لكنه في نهاية المطاف أصبح مسلماً. وفي الولايات المتحدة الامريكية هناك الكثير من الاولاد ممن ولدوا من أبوين مسيحيين، لكنهم تأملوا في القضية  وبحثوا عن  شرعية الإسلام وانتهوا إلى  حقانيته واعتنقوا هذا الدين، كذلك  هناك الكثير من الناس في أوروبا الذين مازالوا يبحثون عن الإسلام ومن هنا يبدو لي أن الإسلام سوف ينتشر في أوروبا. بإذن الله ...
فصلية طهران: شكراً لكم لاتاحتكم فرصة الحوار مع فصلية دراسات السياسة الخارجية


قراءة: 768