فصلنامه مطالعات سیاست خارجی تهران
 

جاذبية السلوك عند الفريق الشهيد حاج قاسم سليماني

حوار مع الدكتور حسين أمير عبد اللهيان

حسين أمير عبد اللهيان، المساعد الخاص لرئيس مجلس الشورى الإسلامي و أحد الدبلوماسيين البارزين في الجمهورية الإسلامية، تنقّل بين مناصب عدّة في وزارة الخارجية. في العقدين الأخيرين و خلال عمله في مناصب تنظيمية عديدة و لا سيّما نائب وزير الخارجية للشؤون العربية و الأفريقية كانت له علاقة تعاون وثيقة بفارس الانتصار الحاج قاسم سليماني، و لذلك فهو يقدّم تحليلاً دقيقاً عن المقاربات المتقنة و السلوك التنظيمي و أساليب القيادة للشهيد سليماني كقائد لفيلق القدس. في معرض حديثه عن القائد سليماني يذكر السيد عبد اللهيان ثلاثة طروحات رئيسية كان الشهيد القائد يواصل الليل بالنهار من أجل تحقيقها هي، النهوض بمكانة العالم الإسلامي و محاربة الإرهاب و منع تقسيم العراق و سورية، و قد نجح نجاحاً باهراً في تحقيقها جميعاً. التقى مسؤول القسم الإقليمي في فصلیة طهران لدراسات السياسة الخارجية السيد عبداللهيان و طرح عليه أسئلة متنوعة حول تأثير نشاطات الفريق الشهيد الحاج قاسم سليماني في قضايا العالم الإسلامي، و ذلك لتسليط الضوء على بعض الزوايا الخفية في شخصية هذا الشهيد السعيد. إليك عزيزي القارئ نص هذه المقابلة. 

 

 

 

فصلية طهران: في ضوء الدور المحوري الذي اضطلع به الحاج قاسم في موضوع المقاومة و السياسة الإقليمية للجمهورية الإسلامية٬ طُرحت موضوعات متعددة حول هذه الشخصية و خصوصياته الشخصية و القيادية و العسكرية٬ و قد وصف السيد القائد الحاج قاسم بأنه مدرسة و أنّ طريقه لم و لن يغلق. طبعاً لسنا بصدد خلق شخصية فضائية و خيالية من الحاج قاسم يصعب التأسّي بها٬ و إنّما نريد في هذا السياق أن نطرح بعض المحاور و الأسئلة. في ضوء الزمالة القديمة و الاجتماعات و اللقاءات الكثيرة التي كانت لكم مع شهيدنا البطل٬ و لدي معلومات بأنّه كان لكم إلمام جيد بمنظمة فيلق القدس و نشاطات الحاج قاسم و كذلك معرفة وافية بشخصيته الفذة و خصوصياته و السياسات التي لعب دوراً مهماً في اتّخاذها و في تنفيذها على أحسن وجه. طبعاً بهذه المناسبة أجدّد التعازي و التبريكات لكم بهذه الشهادة السعيدة. لقد قال سماحة قائد الثورة الإسلامية في رسالته التأبينية بأنّ الحاج قاسم كان مثالاً بارزاً للتلميذ النجيب في مدرسة الإسلام و الإمام الخميني. كمقدمة أتمنى عليكم أن‌تستعرضوا لنا الخصوصيات الفريدة في شخصية الحاج قاسم و التي أخرجته من إطار الشخص و صنعت منه مدرسة متكاملة و خريج مدرسة الإمام الخميني على حدّ تعبير السيد القائد٬ ما هي هذه الخصوصيات التي تميّزت بها شخصيته٬ و ما هو الطريق الذي سلكه؟
أمير عبد اللهيان: بسم الله الرحمن الرحیم٬ أنا أيضاً أقدّم التعازي بشهادة القائد سليماني٬ لقد كان لي شرف معرفة القائد سليماني منذ أوائل عقد التسعينات أي في بداية عملي في وزارة الخارجية٬. كنت مختصّاً في شؤون العراق٬ و كان القائد سليماني قد تسلّم مسؤولية و قيادة فيلق القدس. بعد فترة و في خضم التحولات التي طرأت في هذا البلد و سقوط نظام صدام في عام 2003 م أصبحت مسؤول ملف العراق٬ و بمرور الزمن توثّقت علاقتنا و زمالتنا أكثر فأكثر٬ و يمكن القول أنّ علاقتي المباشرة بالشهيد في السلك الدبلوماسي استمرّت لعقدين من الزمن٬ و لعلّه من المثير القول بأنّ أول شيء جذبني إليه هو روحيته الرسالية النقية و بساطته في التعامل٬  فمثلاً عندما كانت تطرأ في مجال مسؤوليته مهمة من اختصاص وزارة الخارجية٬ كان يتّصل بالموظّف المسؤول في الوزارة مباشرة و يطلب منه تنفيذ تلك المهمة على الرغم من أنّ موقعه كان يتيح له الاتصال بوزير الخارجية و الطلب منه تنفيذ تلك المهمة٬ لكنّه كان يفضّل الاتصال بالموظّف المسؤول لهذا الغرض إن كان الأمر سيؤول في نهاية المطاف إلى ذلك الموظف المختص أو المساعد العادي في الدائرة السياسية في وزارة الخارجية٬ و بالفعل لقد تعرّفت على القائد سليماني بهذه الطريقة حيث تلقيت أول اتصال تلفني منه طالباً منّي تنفيذ إحدى المهام الخاصة في حين أنّني كنت موظّف مختص٬ و طبعاً لم يكن يقصد بهذه الاتصالات المباشرة تجاهل وزارة الخارجية أو الوزير و الالتفاف عليهما٬ بل كان غرضه أن تنفّذ المهمة دون تأخير أو بيروقراطية٬ كان يجري اتصالاته على أعلى المستويات لكنّه كذلك كان يتابع تنفيذ المهمة شخصياً إن تطلّب الأمر ذلك٬ و على أيّ حال٬ فإنّ معرفتنا بالقائد سليماني لأكثر من عقدين من الزمن أتاحت لي أن أقف على أبعاد مختلفة من شخصيته.
أعتقد أنّ أول ميزة تميّز بها أنّه كان شخصية رسالية و ولائية٬ فعندما كنت أحضر  العديد من الاجتماعات حيث كنّا نحن موظّفو وزارة الخارجية و وزارة الأمن و سائر المؤسسات الحكومية نشكّل أقلية فيها و كان زملاؤه من قادة حرس الثورة و فيلق القدس يشكّلون معظم الحاضرين كان يقول إنّه لشرف عظيم أن نكون اليوم في خدمة هذا النظام٬ نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية المقدس.
الميزة الثانية٬ في أحيان كثيرة عندما كانت تعقيدات قضايا المنطقة و معضلاتها تعصف بالشهيد و توصله إلى طريق مسدود٬ كان يذهب للقاء سماحة القائد٬ أو في الاجتماعات التي تُعقد لمناقشة هذه المعضلات و كان سماحته يعطي توجيهاته و تعليماته٬ كنت أرى أثناء عودة الشهيد سليماني من الاجتماعات و البشائر تعلو وجهه كأنّه ذهب إلى عين صافية و شرب من صفو مائها و ارتوى فخرج مستبشراً٬ أذكر أنّه في إحدى المرات٬ على سبيل المثال٬ عندما ادلهمّ الخطب في سورية و شعر حتى الصف الأول من المسؤولين في الدولة بأنّه لم يعد بوسعهم أن يفعلوا شيئاً في القضية السورية و الذهاب لأبعد من ذلك و ليس بمقدورهم تقديم المساعدة للشعب السوري و العمل على حل الأزمة السورية٬ عُقد اجتماع لمجلس الأمن القومي الأعلى برئاسة سماحة قائد الثورة٬ بعد انتهاء الاجتماع المذكور بربع ساعة التقيت بالشهيد سليماني خارج مقر رئاسة الحكومة في منطقة باستور٬ كانت الابتسامة ترتسم على شفتيه و كان ممتلئاً بالنشاط و الحيوية و قال لي: يا أمير عبد اللهيان لقد حدّد سماحة القائد مسؤولية كل فرد فينا٬ يجب أن نذهب إلى هناك و نفعل كل ما في وسعنا ٬ كأنّ الشهيد وجد أمامه فضاءً رحباً٬ كان ممتلئاً بالنشاط و الحبور و الأمل.
أعتقد أنّ عبارة «مدرسة سليماني» تستبطن الجذور الأصلية لرساليّته و تمحوره حول الولاية٬ و ليس ذاك سوى المدرسة الإسلامية الأصيلة٬ و لكن ما الذي حدث حتى يستخدم سماحة قائد الثورة مثل هذه العبارة في حقّ شهيدنا٬ فذلك يكمن في كونه شخصية ذي وجوه و أبعاد٬ أمّا بعده العسكري فكان مكشوفاً تماماً للعالم٬ و لا أريد أن أخوض فيه لأنّي لست عسكرياً٬ و لأنّه معلوم لدى الجميع مدى شجاعته و بسالته و كيف سحق عظام داعش في المنطقة٬ و كيف استطاع تحقيق الحد الأقصى من الأمن القومي للجمهورية الإسلامية الإيرانية و للمنطقة و للعالم. بعد انتصار إيران و العراق و سورية و لبنان و جميع حلفائنا على داعش و الإرهابيين٬ وخلال لقاءاتي بالوفود و المسؤولين الأوروبيين كنت أقول لهم دائماً عليكم أن تشكروا الجمهورية الإسلامية الإيرانية و حلفائها لأنّه ما لبث تنظيم داعش أقام دولة الخلافة الإسلامية المزعومة في العراق و سورية حتى اهتز الأمن في محطات المترو و مراكز التجمع عندكم في بروكسل و لندن و باريس٬ فكيف لو استطاع التنظيم تثبيت أركان دولته٬ يقيناً أنّه ما كان ليبقي على  شيء في أوروبا٬ حقّاً إنّ الخدمة التي قدّمها القائد سليماني للسلام العالمي على الصعيد العسكري تحتاج إلى عشرات الكتب و آلاف الأشرطة من الأفلام الوثائقية لشرحها و توضيحها. 
لكنّي هنا أريد أن أتحدث عن الأبعاد الأخرى في شخصية القائد سليماني لنصل إلى حقيقة وصف سماحة القائد له أي «مدرسة سليماني»٬ لقد كان الشهيد سليماني «دبلوماسياً» بكل ما تحمل الكلمة من معنى٬ قد يجد البعض هذا الوصف غريباً بعض الشيء٬ كيف يمكن لجنرال عسكري أن يكون دبلوماسياً٬ لقد تركّز النشاط و التنسيق الذي كان يقوم به في المنطقة على ثلاثة محاور و ثلاث استراتيجيات رئيسية في المنطقة تنتهي جميعها إلى قضية مفتاحية واحدة ألا و هي رفعة مكانة العالم الإسلامي و إحياء الحضارة الإسلامية في العالم المعاصر٬ و لكن لأجل الوصول إلى هذا الهدف كان يعمل على استراتيجية وقف أطماع الصهاينة التوسعيين عند حدّها٬ و أعتقد أنّ القائد سليماني بوصفه قائد فيلق القدس استطاع في مهمته هذه أن يدفع مهمة القوات التي سبقته آلاف الكيلومترات إلى الإمام و أن يحقّق نجاحاً باهراً للجمهورية الإسلامية الإيرانية لدرجة أنّك تستطيع بسهولة أن ترى بالعين المجرّدة أنّ الصهاينة الذين أرادوا تحقيق حلمهم في التوسّع من النيل إلى الفرات٬ أصبحوا اليوم محبوسين في قفص اسمه الكيان الصهيوني أو ما يسمى إسرائيل و يعيشون حياة أشبه بالسجن وراء جدران كونكريتية 5×12 متر٬ و صار حتى اليهود أسرى للصهاينة و يعانون الأمرين منهم.
كانت الاستراتيجية الثانية للقائد سليماني محاربة الإرهاب٬ و قد استطاع في هذا المجال أن يفشل الخطة الصهيونية الأمريكية المعقدة و التي ساهم بعض البلدان العربية بتمويلها حتى أنّه أعلن قائلاً: أعلن لكم بصراحة أنّنا سوف نشهد نهاية داعش في منطقة غرب آسيا في غضون ثلاثة أشهر٬ و بالفعل وقع ما تنبأ به.
المهمة الثالثة التي ترتبط بالمهمتين الأوليين أنّ القائد سليماني بفكره الاستراتيجي و توظيفه لجميع القدرات الإقليمية استطاع أن يحول دون تجزئة سورية و العراق و انطلاق قطار التقسيم من هذه البلدان ليصل إلى البلدان الكبرى في المنطقة مستقبلاً٬ و نجح في تنفيذ هذه المهمة أيضاً بالتوازي مع المهمتين السابقتين٬ غير أنّ ذلك لم يكن ممكناً عبر الآليات العسكرية و حسب٬ فالكثير من هذه الخطوات كانت تستلزم منه أن يجري حوارات و مفاوضات مع المسؤولين السياسيين و زعماء الدول٬ و كنت أشاهد عن كثب كيف أنّه كان يتصرّف كدبلوماسي محترف على مستويات مختلفة٬ على الرغم من أنّ أخبار تلك الحوارات و المفاوضات لم تكن تنعكس في وسائل الإعلام كما هو الحال مع المفاوضات التي نجريها نحن الدبلوماسيون و عناصر وزارة الخارجية٬ لكنّكم كنتم تلاحظون آثار تلك المفاوضات على الصعيد الظاهري و على أرض الميدان٬ و كتجربة مهمة للغاية أقول٬ عندما طلب الزعماء السياسيون العراقيون من الجمهورية الإسلامية الإيرانية عقد مفاوضات ثلاثية إيرانية- عراقية- أمريكية في بغداد و بعد موافقة سماحة قائد الثورة٬ بالفعل عقدت تلك المفاوضات في عام 2007 م و كان القائد سليماني هو  المسؤول عن هذا الملف و توجيه فريق المفاوضات٬ و قد شارك من طرفنا السيد كاظمي قمي سفيرنا في بغداد آنذاك و الدكتور أميري ممثلاً للمجلس الأعلى للأمن القومي، و كنت أنا ممثل وزارة الخارجية٬ و يشهد الأخوة الذين حضروا تلك المفاوضات أنّ القائد سليماني كان يجتمع بنا عشرات الساعات٬ و كان الدكتور لاريجاني في ذلك الوقت أمين المجلس الأعلى للأمن القومي و كان له دور أيضاً في تلك المفاوضات٬ لكنّ المسؤولية المباشرة كانت على عاتق القائد سليماني الذي كان يوظّف بشكل جيّد قدرات السيد لاريجاني كأمين للمجلس المذكور و كذلك قدرات الأجهزة ذات الصلة٬ و كان يسخّر عشرات الساعات من وقته لتسيير تلك المفاوضات الدبلوماسية الحساسة٬ و كان يركّز على بعض النقاط المهمة التي لا يلتفت إليها إلّا من كان وزيراً للخارجية لسنوات طويلة٬ و لا سيّما في مقابل طرف مدّعي هو الولايات المتحدة٬ و عدا ذلك كان يبذل جهداً كبيراً في إقناع الأطراف الأخرى بوجهة نظره كما يتطلّب الأمر في مفاوضات سياسيةكهذه٬ هذه هي الخصوصيات التي كان الشهيد سليماني يتمتّع بها كدبلوماسي.
الخصوصية الثالثة هي أنّنا نقول في عرف السياسة الخارجية أنّ بعض الأفراد دبلوماسيون محترفون و البعض الآخر ليسوا كذلك٬ بعضهم سياسيون محترفون و لكن البعض الآخر دبلوماسيون محترفون إلى جانب كونهم سياسيون محنّكون٬ و نقصد بالسياسي المحنّك نفس المعنى الذي يقصده سماحة القائد و يستخدمه ككلمة مفتاحية في أحاديثه٬ أي السياسي المتبصّر الذي يعرف ماذا يفعل٬ الشهيد  سليماني كان سياسياً محنّكاً و دبلوماسياً ذا تجربة٬ فبالإضافة إلى كونه جنرالاً عسكرياً متمرّساً كان سياسياً مخضرماً يملك فهماً صحيحاً و واقعياً عن التحولات٬ و قد ساعدت رؤيته السياسية تلك على إدارة تلك الملفات المهمة بشكل صحيح.
ربما يكون أمراً شيّقاً بالنسبة لقرائكم أن يعرفوا أنّه أحياناً عندما كانت تعقد اجتماعات المجلس الأعلى للأمن القومي٬ و كان أحد البلدان يطلب مساعدتنا لمحاربة الإرهاب و يتحدّث الجميع عن الأوضاع الصعبة لذلك البلد٬ كان القائد سليماني يستدرك بقوله٬ ما تفضلتم به صحيح٬ و لكن اسمحوا لي أن أعرض عليكم الجوانب الإيجابية لذلك البلد٬ و كان يسرد بعض الأمور الكفيلة بإعادة التوازن إلى الاجتماع، و العكس صحيح أيضاً٬ أي إذا كانت لدينا مثلاً تقارير من عدة جهات تفيد بأنّ ظروف بلد معين جيدة و مناسبة جداً لمحاربة الإرهاب٬ كان الشهيد سليماني يفاجئ الجميع بالقول بأنّها ليست جيدة كما تتصورون و ذلك لئلا يخرج الجميع من الاجتماع مطمئنين بأنّ الأمور تسير على ما يرام٬ و كان يستعرض النقاط السلبية لذلك البلد٬ كان يحاول دائماً إيجاد توازن واقعي في الاجتماعات٬ لئلا نحلّل القضايا انطلاقاً من نظرة تفاؤلية ساذجة٬ و ما لم يتحقّق النصر بشكل قاطع لأصدقائنا و حلفائنا في ميدان محاربة الإرهاب في العراق أو في سورية٬ لا ينبغي أن نركن إلى الراحة و الدعة و نعتقد بأنّ كل شيء قد تمّ وفق المراد.
اسمحوا لي أن أضيف ملاحظة أخرى و هي أنّ الشهيد كان ذا عقلية استراتيجية٬ كان جنرالاً عسكرياً و دبلوماسياً و سياسياً٬ و كان بحقّ نموذجاً يحتذى في الأبعاد الإنسانية و الشخصية٬ كان يحيط بأدقّ التفاصيل٬ كان أحياناً يتّصل بي في وزارة الخارجية لإنجاز مهمة معينة٬ و كنت أنجز تلك المهمة ضمن سياقاته الطبيعية و بسرعة٬ و عندما كنّا نلتقي في الأسبوع التالي كان أول سؤال يبادر إلى توجيهه هو إن كنت أنجزت المهمة التي كلّفني بها؟ و هل تحقّقت النتائج المرجوة أم لا؟ أحياناً كان يرصد أحوال الأفراد المحيطين و يتابعها بدقة عالية و بالتفصيل. و بهذه المناسبة أريد أن أسرد خاطرة كنت قد ذكرتها من قبل في وسائل الإعلام و كذلك سردتها في لقاء لي مع وفد سوري زار الجمهورية الإسلامية الإيرانية كان يضمّ مجموعة من السيدات مديرات وسائل الإعلام في سورية و كان عددهن حوالي 40 سيدة و خلال سردي للخاطرة كانت أعين الكثير منهنّ تفيض بالدموع٬ في ذلك اللقاء قلت للوفد الضيف: أنتم في سورية تعرفون الجنرال سليماني لبسالته العسكرية فقط ٬ و لكن اسمحوا لي أن أسرد عليكم هذه الخاطرة التي قد تنطوي على معاني كثيرة بالنسبة لكنّ كسيدات. في إحدى المرات كنّا نحضر اجتماعاً في مكتب الشهيد سليماني٬ كان عددنا أربعة أو خمسة أشخاص٬ و عندما حان موعد الغداء هيّأوا الطعام٬ ثم جيء بعد ذلك بطبق فيه طعام خاص كرماني أعدّته زوجة الشهيد سليماني خصيصاً له و كان الطبق من الأكلات التي تشتهر بها محافظة كرمان٬ فرفع الشهيد غطاء الطبق و ابتسم قائلاً إنّ زوجتي قد بعثت لي هذا الطبق لأنّي انشغلت عن البيت لفترة طويلة و لم أستطع الذهاب إلى البيت لأحضر مع العائلة الغداء و العشاء٬ فأعدّت لي هذا الطبق الذي يحتوي على أكلة كرمانية خاصة٬ ثم نهض و وزّع علينا شيئاً من ذلك الطبق لنتذوقه إلى جانب الطبق الأصلي الذي أمام كل واحد منّا٬ بعد ذلك أشار إلى الشهيد پور جعفري (وبهذه المناسبة نحيّي ذكرى السيد پور جعفري) و طلب منه أن يُحضر أواني فارغة بعدد الأفراد الموجودين في مكتبه ليوزّع عليها شيئاً من طعامه الخاص و لم ينس حتى الحارس الذي يقف بباب البناية٬ فأكل الجميع من ذلك الطبق و لم يتبق منه شيئاً للشهيد سليماني سوى لقمة خبز٬ فأخذها و مسح بها ما تبقى في الطبق من طعام٬ و عندما وجدت أنّ طعامه قد نفد نهضت و وضعت أمامه طبقي و دعوته لنأكل سوية من طبقي لكنّه رفض و قال: كل أنت هنيئاً٬ فزوجتي قد ادّخرت حصتي من الطعام للعشاء٬ ما أريد قوله هو أنّه على الرغم من أنّ الاجتماع كان مخصصاً لمناقشة أموراً حساسة و مصيرية لكنّه مع ذلك لم ينس أن يهتمّ بحارس مكتبه الذي يقف بباب البناية و أن يطعمه من الطبق الذي أرسلته إليه زوجته.
الملاحظة الثانية أريد أن استقيها من البعد الأخلاقي في حياة الحاج قاسم و هي٬ في ذروة اشتعال الأزمة السورية سافرت إلى دمشق و بعد انتهاء الاجتماع مع الرئيس السوري بشار الأسد غادرت مكان الاجتماع فأبلغوني بأنّ القائد سليماني في دمشق و طلب أن أذهب لمقابلته٬ فتوجّهنا إلى منطقة مخيفة و مرعبة للغاية لدرجة أعتقدت معها أنّني سألتقي بالدواعش بدلاً من القائد سليماني٬ كانت منطقة مهجورة و مدمرة إلى حدّ بعيد و كنت قلقاً جداً لئلا نكون قد أخطأنا وجهتنا و لم يطمئن قلبي إلّا عندما وصلنا و التقيت أخيراً بالقائد سليماني، جلسنا و بدأنا نتبادل أطراف الحديث و كان الوقت صيفاً و كانت الطاولة التي أمامنا تزخر بأنواع الفواكه التي تشتهر بها منطقة الشامات و من بينها التين الذي أحبّه كثيراً فتناولت عدّة حبات منه فلاحظ الشهيد سليماني ذلك و التفت إلى السيد پور جعفري – في إحدى المقابلات تحدّث نجل الشهيد پور جعفري عن العلاقة الوثيقة التي كانت تربط والده بالشهيد سليماني وقال أنّه بدون الحاج قاسم لم يكن يتناول الطعام و لم يكن يفعل شيئاً -  و قال: السيد أمير عبد اللهيان يحبّ التين إئته بالمزيد، لاحظ٬ أنّ الشهيد سليماني كان يهتمّ بهذه التفاصيل في ظروف صعبة و حساسة حيث كان يجتمع بعدد من الأصدقاء من حزب الله و عدد من جنرالات الجيش السوري في غرفة العمليات و كانوا يخططون لبعض العمليات العسكرية في إحدى المناطق السورية المهمة٬ كانت الأوضاع حساسة للغاية حيث القذائف تتساقط من حولنا٬ و كانت منطقة شديدة الخطورة و الغرابة٬ و مع ذلك لم يفت الشهيد سليماني أن يقوم بواجب الضيافة مع ضيوفه فقدّم لي طبق التين و قد مازحته قائلاً: يبدو أنّي أتيت على التين كله و لم أترك لك منه شيئاً٬ فقال: أنا لا أحب التين فالطبق مخصّص لك٬ بعد ساعة من ذلك اللقاء كنت في الطائرة في طريق العودة إلى البلاد جاءت رئيسة المضيفات و كانت تعرفني جيداً و لكن يبدو أنّها لم تكن تعرف الشهيد سليماني و قالت هناك شخص اسمه السيد سليماني أرسل لك صندوقاً كبيراً يحتوي على التين و هو الآن في قمرة الطائرة٬ فماذا نفعل به؟ عرفت على الفور أنّ القائد سليماني هو الذي أرسله٬ لكنّ المضيفة لم تعرف ذلك سوى أنّ شخصاً اسمه سليماني قد أرسل الصندوق إلى القمرة، فقلت للمضيفة: هل لكِ أن تضعي التين في أطباق و توزعيها على المسافرين٬ معظم المسافرين كانوا من مقاتلينا الأبطال المدافعين عن حرم السيدة زينب (عليها السلام) و كانوا في طريق العودة إلى ديارهم٬ فقالت: وفقاً للمراسيم البروتوكولية يصعب عليّ فعل ذلك٬ لكنّها مع ذلك فعلت ما طلبت. هلا لاحظت معي هذه الجوانب الروحية في شخصية هذا الشهيد و طبيعة نظرته؟ 
كنت أسمع من بعض الأصدقاء حيناً و كنت أرى بنفسي في أحيان أخرى نظراً لعلاقتي الوثيقة بالشهيد كيف كانت طبيعة تصرّفاته مع عناصر قواته خلال سير العمليات و أحياناً كانت تلك التصرّفات التي اقتضته ظروف المعركة تؤدّي إلى جرح شعور أحد هذه العناصر٬ لكنّه كان بعد مضيّ عشرين دقيقة يأتي ليطيّب خاطر ذلك العنصر و يعتذر إليه٬ و لا أخفي عليكم أنّني كنت أتحدّث يوماً مع أحد الأصدقاء فوجّهت انتقاداً للقائد سليماني بحضوره٬ فقلت لو أنّ القائد سليماني وجّه إليّ مثل هذا الأمر في محفل عسكري لما تحمّلت ذلك٬ فقال ذلك الصديق عليك أن ترى الوجه الآخر أيضاً في شخصية القائد سليماني٬ فلو صفعني الآن سيأتي بعد ساعة و يعتذر منّي و يطيّب خاطري لكنّه مع ذلك كان حازماً و جاداً في العمل٬ و لا يتهاون مع أيّ تقاعس أو تباطؤ في الواجب.
إنّ تمحور الشهيد سليماني حول الولاية و إيمانه القلبي بولاية الفقيه و نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية المقدس و شجاعته و جسارته في ساحات المعارك و دبلوماسيته و حنكته السياسية و بصيرته بالإضافة إلى خصوصياته الروحية و الأخلاقية و الشخصية كلّ هذه الخصال في اعتقادي رسمت للقائد سليماني لوحة ما من عبارة تعبّر عن مكانته و موقعه بصدق أكبر من عبارة «مدرسة سليماني» و لا سيّما بعد استشهاده و التي تركت أثراً عظيماً على جميع الأحرار و مختلف الشرائح حتى الذين لم يكونوا مطلعين على خبايا شخصيته٬ حيث ضمّن الله تعالى شهادته من ألطافه و فُتحت صفحة جديدة٬ على حدّ تعبير سماحة القائد٬ عزّزت موقعه و أماطت اللثام عن بعد آخر في شخصيته الفذة. 

فصلية طهران: عندما استلم القائد سليماني قيادة فيلق القدس و اضطلع بهذه المسؤولية لم يكن الأمريكان قد احتلوا أفغانستان و لا العراق٬ كما لم تكن أحداث عام 2000 م و تحرير جنوب لبنان قد وقع بعد٬ و كانت القضية المركزية و المحورية هي قضية احتلال الكيان الصهيوني و قضية فلسطين (وما تزال كذلك) و القضايا الثانوية مثل أفغانستان و العراق و سورية قد وقعت في وقت لاحق٬ أقول لقد أناط سماحة القائد بالشهيد سليماني مسؤولية فيلق القدس قبل بروز هذه الحوادث٬ فما هي الخصائص التي تميّزت بها تلك الظروف و الأوضاع في منطقتنا؟ و ما هي الظروف التي واجهها القائد سليماني في منطقتنا؟ و ما الذي فعله حتى استطاع أن يُفشل مخططات الأمريكان في المنطقة من قبيل «الشرق الأوسط الكبير» و «الشرق الأوسط الجديد»؟ و طبعاً بحسب اعتقادنا أنّ نشاطات القائد سليماني و فيلق القدس و بشكل عام جهود الجمهورية الإسلامية الإيرانية و محور المقاومة هي التي أفشلت هذه المخططات٬ أرجو أن تبيّنوا طبيعة تلك الظروف و الأوضاع التي كانت سائدة.

أمير عبد اللهيان: لقد مهّد انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية لحدث مهم للغاية و هو انهيار الترتيبات الأمنية و الإقليمية التي كانت تجعل من الشاه شُرطيّاً يرعى المصالح الأمريكية في المنطقة. و في العقود الأربعة الماضية لم تتمكن الولايات المتحدة و حلفاؤها من بلورة ترتيبات سياسية و أمنية جديدة في المنطقة على الرغم من محاولاتهم الكثيرة، فقد سعوا عبر إثارة صدام حسين ضدّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى إسقاط النظام الفتي٬ كما سعوا بمختلف الطرق إلى إخضاع إيران للقبول بأيّ ترتيبات سياسية و أمنية يطرحونها و أن تشارك فيها كلاعب عادي في المنطقة لكنّهم فشلوا في مسعاهم.
بيد أنّه في العقود الثلاثة الأخيرة أي في فترة ولاية سماحة القائد تشكّلت ترتيبات سياسة و أمنية جديدة في المنطقة بمساعدة مختلف الأجهزة المعنية في النظام و خاصة فيلق القدس بالإضافة إلى الشخصية الكاريزماتية للقائد سليماني و الدور الفريد الذي لعبه إلى جانب المنظومة و التشكيلات التي بإمرته٬ و هو ما عجزت عن تحقيقه الولايات المتحدة. 
من وجهة نظري هذا أهم بكثير من ذلك الجزء من سؤالكم حول ما إذا استطاعت الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن تُفشل المؤامرات المتمثلة في مشروع الشرق الأوسط الكبير و الشرق الأوسط الجديد و الشرق الأوسط الأحدث٬ ما أريد قوله أنّ الجمهورية الإسلامية ذهبت لأبعد من ذلك الهدف بكثير٬ كما ذهب القائد سليماني بعيداً جداً من هذا الهدف٬ و أنّ النظام و بخاصة سماحة قائد الثورة أبدى تدبيراً و حنكة أدّت ليس فقط إلى وأد مخطط الشرق الأوسط الجديد للسيدة كونداليزا رايس التي كانت تبشّر الجميع بولادته و تقول إذا تحمّلت المنطقة آلام هذا المخاض فسيولد لدينا هذا الشرق الأوسط الجديد٬ بل وُلد المشروع ميتاً و فوق هذا و ذاك استطاعت الجمهورية الإسلامية الإيرانية و بمساعدة حلفائها أن تعدّ ترتيبات سياسية و أمنية جديدة تمثّلت في «محور المقاومة» الذي تمكّن من إجهاض جميع المناورات و الألاعيب الصهيونية الأمريكية في المنطقة٬ و لو سألتني لماذا تمّ اغتيال القائد سليماني بهذه الطريقة الجبانة لأجبت أنّ من بين الأسباب هو انتقام الصهاينة و الأمريكان من الشهيد سليماني لدوره في بلورة الترتيبات السياسية و الأمنية الجديدة٬ و خلق جبهة موحدة للمقاومة٬ لذا٬ برأيي٬ منذ أن دخل الشهيد سليماني في هذا المضمار و على الرغم من أنّنا لا يمكن أن نتجاهل جميع إمكانات الجمهورية الإسلامية الإيرانية و أفكار مفجر الثورة الإسلامية الإيرانية الإمام الخميني رحمه الله و خاصة في موضوع القدس٬ و لكن ينبغي أن نركّز انتباهنا في نفس الوقت على الدور الرئيسي لسماحة قائد الثورة الإسلامية٬ و طبعاً فكر سماحته و استراتيجيته بحاجة إلى أشخاص قادرين على ترجمتها على أرض الواقع على نحوٍ بحيث إذا كان الصهاينة بالأمس قادرين على اغتيال علمائنا في حقل الطاقة النووية في شوارع طهران٬ اليوم أصبحوا يختبئون من حلفاء الجمهورية الإسلامية الإيرانية وراء جدران كونكريتية و على ثلاث جبهات٬ هذا على صعيد قضية فلسطين و الدفاع عن القدس و التصدّي للأطماع التوسعية للكيان الصهيوني.
أمّا على صعيد محاربة الإرهاب فلاننس أنّ 71 دولة قد تحالفت لإسقاط النظام في سورية٬ و كان داعش رأس الحربة في هذه الخطة٬ و كل دولة قدّمت الدعم لهذا التنظيم بنحوٍ أو بآخر٬ مالياً و سياسياً و أمنياً و بمختلف الأشكال٬ بعضهم أقل٬ و بعضهم أكثر٬ و لكن بالرغم من كل هذا الدعم تمّ التصدّي للمؤامرة و إفشالها.
والأهم من كل ذلك٬ إجهاض مخطط تقسيم المنطقة٬ و هو مخطط ما يزال يندرج ضمن أولويّاتهم٬ كم من طموحات كبرى كانت تجول في خواطر الصهاينة و الأمريكان٬ و لكن تمّ إجهاضها جميعاً لدرجة أنّ كردستان العراق أجرى استفتاءً على الانفصال لكنّ مسعود البارزاني اضطرّ في خطابه إلى الاعتراف بأن لا أحد يدعمنا سوى جبال كردستان٬ طبعاً لا شكّ في أنّ مصلحة مسعود البارزاني هي في البقاء ضمن عراق موحّد٬ لكن ما أريد قوله هو أنّ خطة تقسيم المنطقة التي كانت و ما تزال خطة صهيونية لم تكن بالتأكيد تخدم أصدقاءنا الأكراد في المنطقة٬ إذن٬ إجهاض خطة تقسيم المنطقة كانت برأيي إحدى المنجزات الكبرى التي لعب القائد سليماني دوراً عظيماً فيها.
ولكن إلى جانب كل ذلك٬ كان القائد سليماني يسعى إلى «السلام»٬ و أفضل عنوان يمكن أن يوصف به هو «فارس السلام»٬ كان رحمه الله يواصل الليل بالنهار من أجل إرساء أسس الأمن و السلام في العالم الإسلامي و الأمن القومي الإيراني٬ و إذا كان يحارب الصهاينة إنّما كان ذلك من أجل تحقيق الأمن و السلام٬ و إذا حارب الإرهابيين فمن أجل السلام و الأمن٬ من هنا كان دوره فريداً في تعزيز السلام و الأمن في المنطقة و في العالم أجمع.
فصلية طهران: سماحة قائد الثورة هو من كان يضع و يعيّن السياسات الإقليمية للجمهورية الإسلامية الإيرانية و الجزء الأعظم من تطبيق هذه السياسة كانت على عاتق القائد سليماني٬ و كان ينبغي صياغة سؤالنا على النحو التالي: لو لم يكن القائد سليماني و لم تكن هذه السياسة الإقليمية للجمهورية الإسلامية الإيرانية٬ كيف كانت توازنات القوى في المنطقة؟ 
أمير عبد اللهيان: بفضل قيادة الشهيد سليماني و فيلق القدس وسياسته من أجل تحقيق السلام الأقصى في المنطقة و العالم حدث تخلخل في «توازنات القوى» في غير صالح الكيان الصهيوني و الأعداء الإقليميين٬ هذه هي تأثيرات وجود القائد سليماني في حياته٬ أما شهادته فقد انطوت أيضاً على بركات أعظم٬ ففي الأيام الأولى من ارتكاب ترامب و الأمريكيين حماقة اغتيال سليماني و الردّ الإيراني الصاعق باستهداف قاعدة عين الأسد و تحطيم كبرياء الأمريكان و غرورهم، تغيّر «توازن القوى» مرة أخرى لغير صالح الأمريكان٬ و كأنّ القائد سليماني كان يحمل رسالة في حياته وبعد استشهاده أيضاً تمثّلت في قلب موازين القوى لصالح المسلمين و العالم الإسلامي و بالضدّ من مصالح أعداء السلام و الأمن٬ ففي كلا الشوطين من حياته الدنيوية و الأخروية لاحظنا هذا التغيير في موازين القوى لغير صالح الأعداء.
فصلية طهران: هل يعني أنّ حساباتهم من وراء اغتيال القائد سليماني كانت إضعاف محور المقاومة و حشر الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الزاوية فحصل عكس ما سعوا إليه٬ لأنّ ما نشاهده اليوم هو٬ في الحقيقة٬ مناقض لمصالحهم تماماً.
 
أمير عبد اللهيان: من خلال اتصالاتي الواسعة بأعضاء السلك الدبلوماسي الأجانب و زياراتي المتكررة إلى الدول الأجنبية و لقاءاتي بالعديد من الشخصيات الأوروبية و الآسيوية و غيرهم و معرفتي الوثيقة بهم فإنّ تصوّرهم كان٬ أولاً٬ بعد اغتيال القائد سليماني لن يصدر انتقام موجع من جانب إيران و المنطقة ردّاً على هذا الاغتيال لأنّ الولايات المتحدة و حلفاءها الإقليميين عملوا لفترة طويلة على تشويه صورته واغتيال شخصيته قبل اغتياله هو شخصياً. ثانیاً٬ تصوّرهم الآخر كان٬ أنّ العقوبات الأمريكية تسبّب ضغوطاً كبيرة على إيران٬ و الوقت الراهن هو أنسب وقت لاغتيال مسؤول إيراني رفيع و بهذا المستوى٬ و أوضاع الإيرانيين الحالية لا تسمح لهم بالردّ أبداً٬ ثالثاً بالنسبة للسيد ترامب ستكون هذه العملية بمثابة ورقة رابحة خصوصاً و هو على أعتاب محاكمته البرلمانية و استجوابه و كذلك اقتراب موعد حملته الانتخابية٬ ترامب هذا الذي لم يأل جهداً في حلب بعض جيراننا٬ و الآن هو بحاجة إلى موضوع جديد للابتزاز٬ و لهذا السبب اختار التوقيت المناسب من وجهة نظره لتنفيذ هذه العملية٬ و لكنّ ألطاف الله تعالى و دراية شعبنا و شعوب المنطقة قد غيّرت هذه الحسابات لأنّنا٬ أولاً٬ لاحظنا علائم الخوف و الارتباك على وجه ترامب و من حوله بعد العملية٬ و إلى أيّ مدى تملّكه الفزع، ثانیاً٬ الردّ الحاسم و المدوّي لإيران٬ قد يكون من المثير أن يعرف القارئ بأنّ الجهات العسكرية الإيرانية و بعد أقل من ساعتين على حادثة اغتيال القائد سليماني كانت مستعدة لإطلاق الصواريخ على القواعد الأمريكية في المنطقة٬ و كانت تنتظر أوامر القادة العسكريين لتعيين الأهداف المنتخبة للقصف و في أيّ بلد٬ و السبب الأهم وراء تأخير الثأر إلى ثلاثة أو أربعة أيام بعد الاغتيال يعود إلى صيانة حرمة أجساد شهداء الحادث أي الشهيد سليماني و الشهيد أبو مهدي المهندس و لكي يتسنى للجماهير أن تعبّر عن احترامها و تكريمها للشهداء ضمن تشييع مهيب٬ و دفنهم بما يليق بمكانتهم و أن لا تتأثّر هذه المراسيم بالعمليات الانتقامية٬ لذلك٬ بعد أن تمّ دفن الجثمان الطاهر للشهيد سليماني في كرمان و الجثمان الطاهر لأبي مهدي المهندس في وادي السلام بالنجف الأشرف بكل احترام و وقار صدرت الأوامر بالردّ الانتقامي٬ و قصفت المواقع التي كان يجب أن تُقصف٬ و هذه النقطة كانت مثار تساؤل بالنسبة لأحد الوفود الأجنبية و هو لماذا استغرق استعداد إيران للردّ أربعة أيام٬ فأجبت: إيران كانت مستعدة للردّ الانتقامي في أقل من ساعتين بعد تنفيذ عملية الاغتيال٬ بيد أنّ الاعتبارات الإنسانية و الاجتماعية هي التي دعت الجمهورية الإسلامية الإيرانية٬ المعروفة بصبرها الاستراتيجي٬ إلى الانتظار احتراماً لجثامين الشهداء لئلا يعكّر شيء صفو ملحمة هذا اليوم الذي أطلق عليه سماحة قائد الثورة بـ«يوم الله» و الذي خلقته الجماهير في إيران و العراق و مناطق أخرى من العالم٬ و الحقيقة أنّ الكثير يعتقد بأنّ ذلك التشييع يجب أن يسجّل كحدث فريد في مجموعة غينيس للأرقام القياسية حيث خرجت ملايين الجماهير في ثماني مدن في البلدين٬ لم يحصل مثل هذا الشيء في التاريخ٬ فحتى تشييع الإمام الخميني (رحمه الله) الذي يعدّ أكبر تشييع في التاريخ قد حصل في مدينة طهران فقط٬ لذلك كان أمراً عجيباً حقّاً٬ أو قل إن شئت «قنبلة ذرية نفسية» بوجه ترامب أطلقتها حادثة استشهاد القائد سليماني و أفزعته أشدّ الفزع.

فصلية طهران: كيف تقيّمون مستقبل محور المقاومة و موضوع المقاومة في ظل الأوضاع الحالية التي نعيشها؟

أمير عبد اللهيان: خصوصية أخرى من خصوصيات «مدرسة سليماني» بحسب اعتقادي هي أنّ الشهيد قد أسّس لعمل تنظيمي٬ و قد كنت شاهداً على ذلك أنّه منذ خمسة عشر عاماً فكّر بإعداد الكوادر و العناصر٬ ففسح المجال أمام العناصر الشابة المؤمنة و هيّأ لها الفرص إن على الصعيد العلمي أو على صعيد التجربة و الممارسة ليصبحوا أفراداً فاعلين و قادرين على تحمّل مسؤولياتهم في تحقيق السلام و الأمن في المنطقة ضمن فيلق القدس٬ و نظراً لتواصلي المستمر و اللصيق بهؤلاء الأحبة أقول٬ إنّك عندما تشاهد اليوم قائداً متمرساً في فيلق القدس ستجد إلى جانبه العشرات من العناصر الشابة و المؤمنة النشطة و المعدّة إعداداً جيداً. صحيح أنّ شخصية القائد سليماني كانت لها كاريزما خاصة٬ إلّا أنّه بالاستناد إلى تركيبته الخاصة و بعبقريته و الخصوصيات التي كان يمتلكها أسّس لمنظومة فاعلة بحيث إذا غاب ذات يوم عن مسرح الحياة٬ فإنّ المنظومة التي أسّسها ستعمل بشكل أكثر حيوية و فعالية و نشاطاً و تكيّفاً مع التحولات ممّا كانت عليه في أيامه٬ إنّ مستقبل محور المقاومة هو أنّ دم الشهيد سليماني صار٬ أولاً: عاملاً حفّازاً بشدة لمواصلة نهج مدرسة سليماني٬ ثانياً: لقد حقّق الشهيد عدّة إنجازات بحيث سوف تثبت للآخرين قريباً أنّه ليس فقط لن تتوقف المسيرة بل ستتواصل بوتيرة أسرع٬ و بتخطيط أعقد و إنجازات أكبر وصولاً إلى السلام و الأمن في المنطقة٬ و طبعاً مع نتائج أكثر إحباطاً للصهاينة و بعض أصدقائهم.

فصلية طهران: بالنسبة لعنوان «فارس السلام» الذي ذكرتم٬ هل لكم أن تستعرضوا عدداً من الأمثلة؟ 

أمير عبد اللهيان: في إحدى المرات برز موضوع أمني يتعلّق بأمن حدودنا الخارجية مع إحدى الدول الجارة٬ وكان يفترض بفيلق القدس أن يلعب دوراً فيه٬ لذلك تقرّر أن تجري قواتنا العسكرية بقيادة فيلق القدس و توجيهات القائد سليماني محادثات مع القوات العسكرية للبلد الجار٬ و قد أنيطت مهمة هذه المحادثات بأحد معاوني القائد سليماني الذي قال لي: سافرت إلى البلد المذكور و في أقل من ساعتين توصّلنا إلى استنتاج مفاده أنّ تحقيق الاستقرار في المنطقة يتطلّب القيام ببعض المهمات فقلنا حسناً لنتعهّد أن يفي كل طرف بالتزاماته اعتباراً من الغد و ينفّذ تلك المهمات٬ لكنّ الطرف المقابل قال: في الحقيقة٬ إنّنا لا نحفل كثيراً بالعسكريين٬ لكن بما أنّه قد أنيطت بنا مهمة إجراء المحادثات فلنتبادل الزيارات فيما بيننا و نتعرّف على بعضنا جيداً ٬ فلا داعي للاستعجال في تنفيذ هذه المهمة٬ لكنّ زملاءنا أجابوا بأنّ هذا هو واجبنا٬ فلو تسنّى و لو بعد دقيقة أن يعمّ السلام منطقتنا و لاتطلق طلقة واحدة فمن الأنانية أن لانسرع بتنفيذ هذا الواجب٬ و كان الطرف الآخر يضغط باتجاه التريّث في الأمر ممّا اضطرّ وفدنا إلى الاتصال بالقائد سليماني و إطلاعه على القضية فأكّد الأخير على ضرورة تنفيذ المهمة في تلك الليلة و تدوين الاتفاق و فرض وقف إطلاق النار و ألّا ينبغي إضاعة لحظة واحدة٬ و لا يجوز أن يلحق أقل ضرر لابهذا الطرف و لا بذاك. أذكر أنّني عندما كنت نائب وزير الخارجية و مسؤول قسم شؤون المنطقة العربية و شمال أفريقيا و غرب آسيا   المضطربة٬ و في ذروة العمليات العسكرية التي كانت تجري في إحدى المناطق كنا نتلقّى مثلاً رسائل مفاجئة من وزارة الخارجية السعودية٬ طبعاً يصعب أن تقول لمن يحمل ذهنية عسكرية و المعركة حامية الوطيس أنّ أحد الأطراف بعث برسالة يطلب فيها ترجيح الحل السياسي و إيقاف القتال في بلد ما٬ ربما يقول لك في الوقت الحاضر أنا منشغل بالقتال٬ و لكن عندما كنّا نتصل  بالقائد سليماني كان يجيب على اتصالاتنا بثقة و اطمئنان أينما كان٬ و إذا لم يكن بمقدوره الردّ على الاتصال كان الشهيد پور جعفري مثلاً يقول سأبحث عن القائد سليماني و سيتصل بكم في غضون دقائق٬ و بالفعل بعد دقائق اتّصل بنا ٬ و قلت له بأنّنا تلقينا رسالة من السعوديين و من منظمة الأمم المتحدة٬ فرحّب بسرعة بعرض السلام على الرغم من احتدام المعارك ٬ و قال نحن مستعدون٬ أنظر ما هي شروطهم و ماذا سيفعلون؟ و منذ تلك اللحظة بدأ بخطته الدبلوماسية و كان يساعدنا و لم‌يكن يصرّ على الحلول العسكرية أبداً٬ كان يؤمن بإمكانية الحل السياسي٬ و لكن عندما كانت الخيارات تضيق ولايجد أمامه إلّا الدواعش الذين لا يعرفون سوى لغة قطع الرؤوس و هؤلاء طبعاً لا ينفع معهم منطق المحادثات حينئذ فقط كان يلجأ إلى الحلول العسكرية٬ لا أنسى ذات مرة في ذروة احتدام المعارك في اليمن٬ و طبعاً بسبب القواسم المشتركة التي تجمعنا باليمنيين و دعمنا المعنوي لمختلف الأحزاب و الجماعات اليمنية٬ و من بينهم طبعاً جماعة أنصار الله الذين لانخفي دعمنا المعنوي لهم٬ و هم ليسوا بحاجة إلى صواريخ فقدراتهم أفضل من كثير من الدول الأخرى٬ حيث استفادوا من ترسانات الأسلحة التي اشتراها اليمن في عهد الحكومات السابقة و هي من الوفرة بحيث يمكن أن يصدروا قسماً منها٬ و لكن نظراً لدعمنا المعنوي لهذه الجماعة كان السعوديون أحياناً يبعثون إلينا برسائل عندما تسوء الأوضاع و قد استلمت أنا شخصياً عندما كنت نائباً لوزير الخارجية إحدى تلك الرسائل المرسلة من السيد «محمد بن سلمان» عبر أحد الوسطاء الذي حضر للقائي في مكتب وزارة الخارجية للدراسات بطهران٬ في ذلك الوقت كان السعوديون يخسرون الحرب في اليمن بشكل كامل٬ و لو استمرّت الأوضاع على ذلك النحو لحقّق «أنصار الله» نصراً ساحقاً٬ و كان مفاد الرسالة أنّنا مستعدون للتفاوض مع أنصار الله و لكن بصورة سرية٬ و بشرط أن يكون ذلك بعيداً عن وسائل الإعلام. بعد أن علم الجنرال سليماني بخبر الرسالة قال لي وقتها: لا أصدق أنّ الرسالة التي بعثها السعوديون صحيحة و لكن حتى لا يقولوا بعد ذلك أنّنا بعثنا رسالة سلام و كان باستطاعة إيران أن‌تسخّر نفوذها المعنوي و تحضّ على المحادثات لإيقاف الصراع بين بلدين مسلمين و لكي يقيم الحجة عليهم قال لي يا أمير عبد اللهيان قل للمبعوث السعودي إنّنا مستعدون. و بالفعل قام القائد سليماني بترتيب الأمور و فعل ما يلزم و تقرّر أن يرسل السعوديون ضابطاً برتبة لواء في منطقة متفّق عليها في إحدى النقاط الحدودية البرية و أن يرسل اليمنيون السيد عبدالسلام الناطق باسم حركة أنصار الله. و قد وظّف القائد سليماني النفوذ المعنوي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في ذروة اشتعال المعارك و انتصارات أنصارالله. و كانت لديه قناعة تعزّزها رؤية سماحة قائد الثورة أيضاً أنّه إذا أمكن أن نحول دون إصابة أي مسلم بأذى عبر المفاوضات و الحوار و السلام فمن واجبنا أن نسلك هذا الطريق٬ و بالفعل أجريت المحادثات بكل ما كانت تحمل من أبعاد و تمّ الاتفاق على سرية المحادثات و عدم تسريبها لوسائل الإعلام و قد توصّلنا في تلك المحادثات إلى بعض التفاهمات٬ إنّني إذ أصرّح بهذه الأمور لأنّه مضى وقت طويل عليها٬ و أصبحت من الماضي فلا بأس من سردها لكي يطلع عليها القارئ٬ هذه أيضاً كانت من وصايا القائد سليماني لنا٬ كما قلت كان دبلوماسياً محترفاً٬ كان دائماً يقول بأنّ الأوضاع بين السعودية و اليمن متوتّرة جداً٬ ففي كل يوم يقومون بعشرات الطلعات الجوية لقصف اليمن و قتل النساء و الأطفال و الشيوخ و الشباب٬ لذلك ليس من الضروري أن نحقّق خرقاً كبيراً و مهماً في الوقت الحاضر٬ يكفي أن نحقّق وقفاً لإطلاق النار لمدة 15 يوماً في هذه المناطق٬ و إذا صمد هذا الاتفاق٬ بعدها ننتقل إلى الخطوة الثانية و هي توسيع الاتفاق و تعميمه في باقي المناطق٬ في اليوم التالي٬ سرّب السعوديون خبر المحادثات إلى وسائل الإعلام و لم يلتزموا بما تعهّدوا به في المحادثات لأنّهم كما قال الشهيد سليماني كانوا يناورون و يخادعون و غير جادين في تحقيق السلام٬ و اتّخذوا من ذلك ذريعة لمعاودة العدوان. عندما التقيت بذلك الوسيط عاتبته بالقول أنّكم في ذروة المعارك بعثتم تلك الرسالة و توقّفت كل العمليات٬ ثم بعد ذلك تنصّلتم من جميع التفاهمات المبرمة بأسلوب مخادع و ماكر٬ فأجابني الوسيط: السبب هو اختلاف وجهات النظر داخل المملكة العربية السعودية٬ لكنّي كنت مبعوثاً من قبل (MBS) أي محمد بن سلمان للتفاوض بشأن هذه القضية. لاحظوا٬ لو كان الشهيد سليماني عسكرياً فحسب لقال انتظر يا أمير عبد اللهيان يوم أو يومين٬ حاول أن تماطل السعوديين حتى ينتهي حلفاؤنا من هذه العمليات العسكرية بدعم معنوي من عندنا ثم بعد ذلك نقول لهم الآن مستعدون للتفاوض في الموضوعات المختلف عليها.
في مسألة داعش و كردستان العراق ليس لدي أيّ تحفّظ من القول بأنّ داعش في العراق إنّما هو أداة الولايات المتحدة و الكيان الصهيوني وُجد بأموال الدول العربية و خيانة بعض الزعماء العرب و كذلك خيانة بعض زعماء كردستان العراق٬ انتزعت الموصل و أجزاء مهمة من يد الحكومة العراقية٬ لكنّكم ترون أنّنا عندما نقول القائد سليماني فارس السلام و فارس الأمن فالسبب هو الأحداث التي وقعت في العراق٬ إذ لم‌تمض إلّا أيام قليلة حتى وصل داعش إلى تخوم أربيل٬ لن أنسى تلك اللحظة عندما كنت جالساً في مكتبي بوزارة الخارجية و كانت الساعة الحادية عشرة ليلاً اتصل قنصلنا في أربيل و قال إنّ المسؤولين الأكراد يحزمون حقائبهم ويستعدون للرحيل٬ قسم منهم غادر و قسم آخر في طريقه إلى المغادرة٬ فماذا أفعل؟ هل أعطّل القنصلية و أذهب إلى السليمانية أم أبقى حيث أنا؟ و أضاف القنصل نقلاً عن السيد مسعود بارزاني بأنّه طلب من الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن تسرع لنجدته٬ و أن ترسل قواتها الجوية لمساعدتنا. و كذلك نقلاً عنه أنّه خلال الستة عشرة ساعة الماضية اتّصل عدّة مرات بالإدارة الأمريكية لكنّ المسؤولين هناك يسوّفون و يقولون سوف ندرس الأمر و نقرّر٬ لم يفعلوا لنا أيّ شيء٬ نرجو منكم أن تسرعوا لنجدتنا. هكذا كانت الأوضاع في إقليم كردستان العراق٬ هذا الإقليم المتّهم بأشياء عديدة٬ بدءاً بالتجسّس لصالح الكيان الصهيوني ومروراً بنشر القواعد الأمريكية العلنية و السرية و غيرها٬ و لكن مع ذلك ذهب القائد سليماني إلى مطار أربيل و عمل كل ما في وسعه لتقديم كل المساعدات الممكنة٬ و قد حصل ذلك بالفعل و قدّم ما استطاع تقديمه. 
و في نفس السياق أي محاربة داعش أودّ أن أضيف٬ بأنّني كنت في الدورة الحالية لهذا المجلس و أخبروني أنّ وفداً من رؤساء عشائر أهل السنّة في العراق يزور إيران و قد التقى بعدد من المسؤولين الإيرانيين٬ و من حيث أنّي كنت منخرطاً في الملف العراقي و كدبلوماسي سابق طلبت أن ألتقي بهم٬ و بالفعل حصل اللقاء و كانوا شيوخاً طاعنين في السنّ يرأس كل منهم عشيرة سنية كبيرة في العراق٬ عندما تحدثّت إليهم قالوا لي: لقد جئنا أولاً لنشكر الجمهورية الإسلامية على مساعدتها الشعب العراقي و عدم السماح بسقوط بغداد بيد داعش٬ و ثانياً نشكركم لعدم السماح بسقوط المحافظات الشيعية٬ و ثالثاً عدم السماح لداعش باحتلال أربيل٬ جئنا لنقول لكم كنّا مخطئين٬ خدعنا الأمريكان و بعض زعماء داعش٬ لقد جاء هؤلاء و قالوا جئنا لننقذكم أنتم أهل السنّة بالدرجة الأولى٬ لذا انتظرونا لكي نحتل العراق و نقدّم لكم مفاتيحه٬ و لكن سرعان ما رأينا بأنّ المحافظات السنية تسقط الواحدة تلو الأخرى٬ و أنّ داعش بدأ بذبح أبناءنا و الاعتداء على نسائنا و أسر بناتنا٬ و فقدنا خريطتنا الجغرافية و أراضينا٬ و كان الأمريكان يتفرجون و لا يفعلون شيئاً سوى شرب القهوة العراقية المرّة معنا و يقولون إنّنا ندرس الأمور٬ تماماً كما قال السيد مسعود بارزاني من قبل. فقلت لهم: هل من مساعدة أستطيع أن أقدّمها لكم٬ فقالوا: جئنا فقط لنقول إنّنا التقينا ببعض المسؤولين و توصّلنا إلى نتيجة مفادها أن لا أحد سوى الجمهورية الإسلامية الإيرانية يستطيع تحرير مناطق أهل السنة من براثن داعش لتعود الحياة المستقرة إلى المنطقة.
لقد دافع القائد سليماني عن كربلاء و النجف بهمة عالية و دافع عن أربيل بوجه داعش بنفس الهمة و العزيمة٬ و ذهب إلى المناطق السنية و دافع عنها بنفس الهمة أيضاً. هل تعلمون بأنّ شهداء الحشد الشعبي و الشهداء العراقيين و الإيرانيين و الشهداء المدافعين عن الحرم الزينبي الذين استشهدوا خلال هذه السنوات في العراق٬ استشهد معظمهم أثناء تحريرهم المناطق السنية٬ هكذا كانت النظرة المنفتحة للقائد سليماني٬ و هذه هي النظرة المشفقة للجمهورية الإسلامية الإيرانية٬ لم يقل القائد سليماني أنّ ثمة وثائق تشير إلى خيانة بعض الزعماء الأكراد و دورهم في سقوط الموصل٬ لقد استلم رسالة مسعود بارزاني في الساعة الحادية عشرة ليلاً و قبل الفجر اتّصل قنصلنا برقم مشفر و قال لي أنّ القائد سليماني في أربيل و قد بدأ العمل٬ هذا هو فارس السلام و فارس الأمن أي الأمن للجميع و ليس للشيعة فقط أو للإيرانيين فقط أو للسنّة أو الأكراد أو الدرزي أو التركماني٬ كان ينظر إلى كل هؤلاء بعين واحدة.
 
فصلية طهران: نشكركم جزيلاً٬ في الحقيقة لقد أجبتم عن سؤالنا الأخير أيضاً٬ و هو: في الوقت الذي كان النقاش يدور حول محاربة التيارات كافة للتكفيريين و داعش و القاعدة و غيرهم كان العدو يسعى إلى إثارة الفتنة الطائفية٬ حيث كان يصوّر إيران على أنّها حامية للشيعة٬ و عدوّة أهل السنّة في المنطقة٬ في حين أنّكم أوضحتم من خلال هذا الحديث بأنّ أهل السنّة لم يكونوا أقل استفادة من الشيعة من خدمات القائد سليماني في نشر السلام إن لم نقل كانوا أكثر استفادة منهم. لكم الشكر الجزيل.

 


قراءة: 1079