فصلنامه مطالعات سیاست خارجی تهران
 

الدلالات القيادية و المقاومة في شخصية الشهيد الحاج قاسم سليماني

حوار مع القائد حسين دهقان

حسین دهقان، قائد عسكري و أحد السياسيين الإيرانيين، تقلّد عدّة مناصب منها منصب وزير الدفاع في الجمهورية الإسلامية، و حالياً يشغل منصب مستشار القائد الأعلى للقوات المسلحة في شؤون الصناعات الدفاعية و الإسناد في القوات المسلحة. نظراً لمعرفته القديمة بالشهيد الحاج قاسم سليماني و عمله معه، يمتلك إلماماً واسعاً بالتاريخ المتلاطم لفترة الدفاع المقدس و نشاطات شهيدنا البطل سليماني بعد الحرب. يعتقد السيد دهقان أنّ الفريق الحاج قاسم سليماني استطاع خلال توليه منصب قائد فيلق القدس أن يمنح عمليات التحرير هويتها الخاصة بها، و ينتج منظومة منسجمة لحماية و صيانة هذه الهوية الثورية في المنطقة ، و في الوقت نفسه قام بإعداد الكثير من العناصر المؤمنة لممارسة دورها في هذا الميدان. لقد طرح القائد حسين دهقان ملاحظات مهمة خلال هذه المقابلة مع مجلة دراسات السياسة الخارجية، نعتقد أنّ مطالعة القارئ المحترم لها لا تخلو من فائدة.   

 

 

فصلية طهران: نقدّم أحرّ التعازي و التبريكات بمناسبة استشهاد القائد سليماني٬ و نشكركم على حضوركم هذا الحوار. لقد وصف سماحة قائد الثورة في رسالته التأبينية الحاج قاسم بأنّه نموذج بارز لتلامذة مدرسة الإسلام و الإمام الخميني (رحمه الله). كتمهيد نودّ أن تطلعونا أولاً و باختصار على دور الشهيد في فترة الدفاع المقدس (الحرب العراقية الإيرانية) و عبقريته الفردية و التنظيمية٬ نظراً لطول صداقتكم و زمالتكم اللصيقة بالحاج قاسم سليماني٬ و أن تستعرضوا خصوصياته التي أخرجته من إطار الشخص ليصبح «مدرسة سليماني» كما نعته سماحة قائد الثورة؟ 
الجنرال دهقان: بسم‌الله‌الرحمن‌الرحیم٬ أنا أيضاً أشكركم على ترتيب هذا الحوار و جهودكم القيمة في هذا المجال٬ بدوري أقدّم تعازيّ باستشهاد القائد العزيز و المجاهد الكبير قاسم سليماني و رفاقه الأبطال لا سيّما الشهيد أبومهدي المهندس٬ أنا أحاول دائماً أن أطلق هذا الوصف على كل ما يخصّ مدرسة الإمام و الذين تعلّموا في هذه المدرسة٬ و القائد سليماني بوصفه أحد التلاميذ النجباء و البارزين في هذه المدرسة٬ فهو يجسّد النموذج التام لهذا الوصف. أحد الأخوة نقل عبارة عن لسان الإمام الخميني (رحمه الله) في وصف أحد كبار المسؤولين في البلاد أعني الشهيد بهشتي٬ حيث قال في حياته بأنّ الشهيد بهشتي يمثّل حقيقة الإسلام. و لو أردنا أن نفهم ما هي حقيقة الإسلام يمكن أن نستند إلى الحديث النبوي الذي يقول بأنّ شريعة الإسلام هي ما أقول٬ و طريقة الإسلام هي سيرتي و حقيقة الإسلام هي عملي٬ أي أنّ الإسلام يجب أن يتجسّد في سلوك الرسول الأكرم أو في تلاميذ مدرسته٬ و نحن ننظر إلى مدرسة الإمام الخميني (رحمه الله) على أنّها تجسيد للإسلام المحمدي الأصيل٬ لذا٬ فمن الطبيعي أن يكون تلميذ هذه المدرسة أو الذي تربّى على تعاليمها و ارتقى سلّم التعالي فيها  لا بدّ أنّ يكون سلوكه و كلامه و بيانه كلّه تجسيداً لأبعاد الإسلام٬ و المهم هو عمل هؤلاء أو في الأصل ذلك الشيء الذي ينشده الإسلام في الإنسان المسلم٬ بمعنى أنّ سلوك الإنسان المسلم عبارة عن الشيء الذي يطالب الإسلام الإنسان أن يقوم به٬ أو يكون ترجمانه. من هذه الزاوية نقول بأنّ الشهيد سليماني تلميذ مدرسة الإمام الخميني٬ و من ثمّ ترعرع و تكامل في مدرسة سماحة القائد٬ و أنّ كل ما فعله صادر عن جوهره المستلهم من المفاهيم و المعارف الإسلامية. لقد جاء الحاج قاسم كأيّ فرد عادي مع بعض الشباب الكرماني في فترة الدفاع المقدس (الحرب العراقية الإيرانية) لينخرط في الدفاع عن الوطن. في البدء٬ لم تكن هذه المجموعة تحمل أيّ عنوان مثلاً لواء أو منظمة أو غير ذلك لأنّ هذه الوحدة كانت قد تشكّلت حديثاً ضمن قوات حرس الثورة لأغراض القيام بالعمليات المشتركة الكبرى بمعيّة الجيش٬ بيد أنّ الحاج قاسم كان يتوفّر على القدرات و الإمكانات و العبقرية و المسؤولية ممّا أتاح لهذه القوة الصغيرة أن تدخل ميادين القتال بسرعة فائقة٬ و سرعان ما حوّل الشهيد هذه المجموعة من شباب كرمان إلى لواء عظيم هو "ثار الله"  و الذي كان له دور كبير في جميع مراحل الدفاع المقدس تقريباً٬ و يمكن القول أنّ هذا اللواء منذ عمليات الفتح المبين فما بعد شارك في جميع العمليات التي أنيطت بالجيش و حرس الثورة بلا استثناء و حتى انتهاء الحرب٬ حيث كان اللواء 41 ثار الله بقيادة الحاج قاسم سليماني أحد الوحدات الدفاعية الرئيسية التي كان لها دور في جميع مراحل الدفاع المقدس (الحرب العراقية الإيرانية)٬ و بعد الحرب أيضاً كان لهذا اللواء و قائده سليماني دور في جنوب شرق البلاد لمحاربة الجرائم المنظمة لتهريب المواد المخدرة أو الوحدات المنظمة التي كانت تقوم بعمليات التهريب و تعيث بأمن المنطقة فساداً و من هناك التحق بفيلق القدس.
عندما تمّ تعيين الشهيد سليماني قائداً لهذا الفيلق لم تكن هذه القوة بهذه المقاييس و البنية الحالية أبداً. أعني هناك بون شاسع بين فيلق القدس أو قوة القدس الحالية و بين قوة القدس في بداية تشكيلها في تلك الفترة. باعتقادي لقد استطاع الشهيد قاسم أن ينجز عدّة مهام في فيلق القدس٬ و هي إنجازات كبرى تحسب له٬ المهمة الأولى إضفاء هوية على عمليات التحرير في العالم الإسلامي٬ و حيثما كانت هناك مجموعة تلبس لباس المقاومة و تحارب الظلم و الاستبداد و تقف بوجه أطماع النظام التسلطي العالمي و المنظومة الاستكبارية و كذلك الصهاينة٬ فحوّل هذه الهوية إلى هوية عالمية تتمحور حول مدرسة الإمام آنذاك٬ و حول أهداف سماحة قائد الثورة في الوقت الحاضر٬ هذه المهمة الأولى الكبرى التي أنجزها من دون أن يقوم بسلخ تلك المجموعات المقاومة من بيئتها و محيطها الجغرافي٬ أي بعبارة أخرى٬ استطاع تبيئة المجموعات المقاومة بنحوٍ ما و يغرس جذورها في أعماق قلوب مجتمعاتها و بيئاتها المحلية الحاضنة حتى تحوّلت حركات المقاومة إلى أشجار وارفة الظلال  تستطيع اليوم أن تتكئ على قواعدها و قدراتها الذاتية لتواصل مسيرة حياتها. هذه أول أو أهم مهمة للحاج قاسم خلال العشرين سنة التي قضاها في قوة القدس؛ الملاحظة الثانية أو المهمة الثانية استحداث منظومة و علاقات يمكن لهما بنحوٍ أو بآخر أن يمنحا التواصل و الاستمرارية للهوية آنفة الذكر٬ بمعنى إذا حوّلنا المهمة الأولى فقط إلى مضمون أو جوهر فعلينا أن نحوّل المهمة الثانية إلى وعاء أو بنية تستطيع أن تحرّك ذلك المضمون أو الأهداف و المطالب بطريقة ما و تترجمها على أرض الواقع و تتكفلها بالرعاية و العناية لتنمو و تتطوّر بمرور الوقت؛ المهمة الثالثة التي يمكن القول أنّ الحاج قاسم استطاع إنجازها خلال هذه الفترة٬ سواء في الداخل ضمن القاعدة التي اضطلع بمسؤوليتها خلال مرحلة الدفاع المقدس (الحرب العراقية الإيرانية)٬ أو خلال هذه المدة التي تفرّغ بشكل رئيسي لمسؤوليته في قوة القدس هي إعداد و تربية العناصر و الكوادر، أعني إعداد القادة و العناصر القادرة على لعب دور خلاق و إبداعي كلّ في مجال اختصاصه٬ أو بعبارة أخرى٬ تحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي و الاتكاء إلى القدرات الذاتية، و خلق الثقة بالنفس و العزة في نفوسهم أي عنصر المقاومة و الثبات. و كان من السهل أن يخلق هذه الصفات في نفوس كوادره و عناصره لأنّه هو نفسه كان يتوفّر عليها. لعلكم شاهدتم الكليبات التي يتم تداولها الآن عن الحاج قاسم٬ حيث كان يحضر كطفل وسط جنوده و مقاتليه الذين يصابون بطبيعة الحال بنوع من الحزن و الاكتئاب لفقدانهم رفاق السلاح٬ فكان يقوم بمواساتهم و تطييب خواطرهم ليسهّل عليهم تحمّل هذه الظروف. و هذا أمر مهم و هو مانطلق عليه القدرة أو مَلَكة القيادة٬ مثلاً عندما هجم صدام على إيران لابدّ للقائد في هذه الظروف أن يهوّن من شدّة الصدمة و يزيد من تحمّل الشعب و هكذا تصرّف الإمام الراحل عندما وصف هجوم صدام بكل بساطة بقوله «لصّ هجم و رمى بحجارة و هرب»٬ فصدام تصوّر أنّه هجم و ألحق الأذى بالبلد و انتهى الأمر٬ لكنّ وصفنا له هو لص هجم و رمى بحجارة٬ بهذه العبارة رفع الإمام من الروح المعنوية للشعب و في المقابل حقّر العدو أيّما تحقير. و الحاج قاسم أيضاً كان يحمل ملكة القيادة أي كان قادراً في الأوقات العصيبة التي يمرّ بها هو و رفاقه أن يحوّل الطريق المسدود إلى فرصة إلى منصة للانطلاق من جديد و إلى قفزة أكبر٬ فيمتصّ الضربة الموجهة لقواته و من ثمّ يخلق أجواء واسعة لرفاقه. هذه القدرة على خلق شعور الثقة بالنفس و الاتكاء إلى الذات و الشعور بالزهو و العزّة و الاستقلال هي الشيء الذي استطاع الحاج قاسم أن‌يمنحه أثناء فترة قيادته لمقاتليه و كل من حوله٬ و في نفس السياق نقول بأنّها القدرة العالية على القيادة الشجاعة. فقد كان شجاعاً و في نفس الوقت جسوراً٬ كان يخاطر من أجل تأمين الراحة و الاستقرار و الأمن للآخرين، كان يعرّض راحته و استقراره و أمنه للخطر٬ و لكن مع ذلك لم يكن يُقدم على مخاطرات مكلفة أبداً ٬ بمعنى أنّ تدبير الأمور هو إنجاز العمل بأقل القدرات المتوفرة و تحقيق أكبر عدد من الأهداف و بأقل الخسائر و التضحيات٬ هذه أيضاً كانت مسألة مهمة في الجانب القيادي للحاج قاسم. و الآن٬ إذا أردنا أن نلخص هذا الكلام بعبارة واحدة نقول أنّ الحاج قاسم كان قائداً عسكرياً و قائداً سياسياً و زعيماً جامعاً قادراً على المأسسة و على توسيع و نشر الثقافة الصحيحة٬ كما كان قادراً على الكشف عن العناصر الجيدة و الكفوءة و الاستفادة منها و تكثيرها٬ و أخيراً استطاع أن ينزل ما يجول في خياله و ذهنه من طموحات و أهداف إلى أرض الواقع٬ أي أن يعمل على مأسسة و تقنين الطموحات و الصورة المثالية التي كان يسعى إليها. هذا في ماضي الحاج قاسم و قيادته٬ و لكن إذا أردنا أن نتناول خصوصياته و مزاياه الشخصية فأعتقد هناك عدّة خصال بارزة فيه٬ في مقدمتها إخلاص الحاج قاسم و نقاؤه. و لعلّ البعض يعتقد أنّي أبالغ إذا قلت بأنّه حتى أنفاس الحاج قاسم كانت لمرضاة الله٬ بمعنى٬ لم يسعَ يوماً أبداً إلى المنصب أو الجاه أو الشهرة و الاعتبار أو العلاقات العامة و ما إلى ذلك٬ المهم عنده هو أن يكون عمله خالصاً لله و نيل مرضاته٬ و تبعاً لذلك بحسب اعتقاداتنا فإنّ مرضاة الإمام و القائد تتضمّن طبعاً مرضاة إمام العصر (عليه السلام) و مرضاة الله. الخصلة الثانية «تمحوره حول الولاية» و «طاعة الولي» بمعنى أنّه كان طوع أوامر القائد و رهن إشارته و المنفّذ لتوجيهاته٬ و كان يرى في ذلك دليل نجاته٬ و إنّه لأمر مهم٬ أعني أن يعتقد أنّ السير في هذا الطريق يجمع بين مرضاة الخالق و بين فلاح المرء و سعادته. طبعاً كان يسعى دائماً إلى تطبيق هذا الشيء على نفسه في جميع جوانب حياته الشخصية و الاجتماعية و السياسية ... و غيرها. الخصلة الثالثة٬ «البعد الثوري» في شخصيته٬ لم يكن الحاج قاسم مستعداً للمساومة على حدود الثورة و قيمها في أيّ وقت٬ أو أن يتخلّى عنها أو يتهاون فيها. فمثلاً كان يصرخ عندما كان الوضع يتطلّب ذلك٬ و كان يتواصل عندما كان الوضع يتطلّب التواصل٬ و كان يقدّم المساعدة و العون عندما كان الوضع يقتضي ذلك٬ كان العمل الثوري هو المهم عنده٬ فهو البوصلة و الميزان لسلوكه.
إنّ طرح المسألة المعنوية عند الحاج القاسم و الأبعاد الروحانية في شخصيته من المسائل المهمة جداً. للإمام الخميني عبارة يقول فيها «راجعوا وصايا الشهداء ... فهؤلاء قطعوا طريق المئة عام بالنسبة لسالكي درب السلوك و العرفان في ليلة واحدة»٬ الحاج قاسم كان قد سلّم أمره لخالقه٬ و في المقابل أعطاه الله كل ما تمنّى٬ لم يذهب لمدرسة و لم يتلقّ الدروس٬ بل إخلاصه كان كل رأسماله طبقاً للرواية الشريفة «من أخلص لله أربعين يوماً فجّر الله ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه»٬ هكذا كان الحاج قاسم حقاً٬ حيث طغى البعد المعنوي و الروحاني في شخصيته فطهره٬ لقد وضع نفسه في مسير فيض النور الإلهي٬ فأمسك بأطراف العلم و الحكمة و البصيرة و الفهم٬ كان يحمل كل ذلك في ذاته.
ودائماً في سياق الحديث عن خصائصه الشخصية أقول٬ بأنّ البشر أنواع٬ منهم من يفكّر جيداً٬ و منهم من يعمل جيداً ٬ و منهم من لا يفكّر و لا يعمل جيداً٬ و قد يكون هناك من يحمل فكراً جيداً للتطبيق لكنّه ليس منفّذاً٬ الحاج قاسم كان ذا فكر جيد و في نفس الوقت ينفّذ ما فكّر به. هنا تكمن الصعوبة٬ لأنّك عندما تريد القيام بعمل أو نشاط ما فلا بد من وجود معارضين٬ و هناك أشخاص لا بدّ أن يقدّموا المساندة و الدعم و الامتناع عن وضع العراقيل. فعندما تريد أن تسوق مهمتك٬ و كما تتمنى٬ صوب الهدف الذي تصبو إلى تحقيقه و تقوم بإشراك رفاقك لينخرطوا في هذه المهمة٬ فهذه خصيصة قلّما تجدها عند أحد٬ كان بمقدور الحاج قاسم أن يربط بين المستويين الاستراتيجي و التكتيكي٬ و أن يجذب كل الذين لهم صلة بهذا المسار و يربطهم بمساره. كانت للحاج قاسم نظرة استخباراتية و أمنية خارقة٬ بمعنى أنّه كان يحسن قراءة الظروف و الأوضاع المحيطة٬ و قادر على فهمها و تحليلها بصورة صحيحة. و طبعاً في القضايا التي تتجاوز البعد الوطني إلى البعد الإقليمي٬ و من البعد الإقليمي إلى البعد العالمي يتعدّد اللاعبون٬ و تتنوع مطاليبهم و مصالحهم و تتعارض في مكان ما٬ في هذه الأجواء المعقدة من جهة و الغامضة من جهة ثانية و الواضحة بالنسبة إليك من جهة ثالثة يصبح عملك جدّ صعب و معقد٬ لأنّه يتطلّب منك الفطنة و البصيرة و فوق هذا و ذاك القدرة على قراءة الظروف المحيطة بشكل صحيح٬ و الحاج قاسم كان يملك قدرة خارقة في هذا المجال أي إنّه كان يتمتّع بقدرة على تحليل القضايا الأمنية و في بعض الأحيان القضايا السياسية٬ أي كان يرى الظروف كما هي على حقيقتها و يحلّلها و من ثمّ يعمل بموجب تحليله. 
على الصعيد العسكري و الخطط العسكرية٬ فإنّ حقيقة الأمر تشير إلى أنّ منطقتنا تعجّ بحضور جميع اللاعبين الإقليميين و العالميين و على رأسهم و أهمهم الولايات المتحدة و إسرائيل و بكامل ثقلهم. كان هؤلاء قبل مئة عام يخططون لمصير المنطقة إلى ما بعد مئتي عام٬ و إفشال كل هذه المخططات و المؤامرات٬ هو بلا شك بحاجة إلى أمر خارق للعادة٬ لقد قيل في الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنّه شهيد العدل٬ و قيل أيضاً في الحاج قاسم أنّه شهيد الثبات و الصمود و المقاومة بوجه الكفر و الاستكبار و النفاق العبري العربي٬ و هو وصف دقيق جداً.
خصوصية أخرى للحاج قاسم سليماني و هي أنّه كان ملماً بالدبلوماسية على الصعد العامة و الأمنية و الاستراتيجية٬ لذلك كان دبلوماسياً و مفاوضاً جيداً جداً٬ و كان صريحاً و شفافاً نظراً لأنّه لم تكن لديه تحفظات معينة في هذه الأجواء٬ و لم يكن يطلب لنفسه شيئاً٬ مشكلتنا نحن هي عندما نتفاوض مع الطرف الآخر أحياناً نكون مأخوذين ببعض الاعتبارات الشخصية فنرى أنفسنا و أبعاد قضيتنا و ذلك يخلق حاجزاً أو مشكلة، لم يكن الحاج قاسم من هذا النوع٬ كان صادقاً مع نفسه و يتصرّف على سجيته و كان أريحياً مع الطرف الآخر٬ كان يقول ما عنده بصراحة و وضوح و يطرح مطالباته على الطرف الآخر و يتابع و يعرض أدلته و أسبابه حتى يقنعه٬ في المفاوضات ليس كل ما تتمناه يحدث، فالطرف الآخر أيضاً له مطالبات٬ حيث يقال في أصول الحوار و المفاوضات بأنّ للطرف مصالح أيضاً٬ لذا٬ عليك أن تبيّن الأهمية الكبيرة للمصالح التي تنطوي عليها هذه المفاوضات بالنسبة للطرف الآخر لترغيبه على التعاون و المشاركة. هذه الخصوصية٬ أعني إقناع الطرف الآخر كان الحاج قاسم يمتلكها في معظم الأحيان سواء مع الأتراك أو مع الروس أو مع الآخرين.
كان غاية في التواضع و ذا شعبية٬ هناك عبارة تقال بلهجة أهل كرمان دعني أقبّل يديك٬ كانت هذه العبارة على لسانه دائماً و لم يكن يخجل من قولها على الرغم من رتبة لواء التي كان يحملها و كان طبعاً أكبر رتبة من كثير من رفاقه سواء داخل قوات حرس الثورة أم خارجها. لم‌يكن ينظر إلى الآخرين من موقعه بمعنى لم يقل يوماً أنّه نظراً لموقعي أو درجتي أو منصبي فعلى الآخرين أن يأتوا إليّ٬ كلا لم يقل هذا. لم يكن يهتم بالمستويات الإدارية و التراتب الوظيفي في المنظومة بل كان العمل و إنجازه و مواكبة الآخرين هي الأمور المهمة بالنسبة له٬ نعم٬ كان المهم عنده إنجاز العمل أيّا كان المسؤول عن ذلك العمل٬ لم يكن يجد ضيراً في الذهاب إلى ذلك المسؤول و التفاوض معه. كان على درجة كبيرة من التواضع٬ كان يتواجد بين الناس دون أيّ إجراءات أمنية أو تشريفاتية تذكر٬ و طبعاً لوأردنا تصنيف الحاج قاسم على المستوى الأمني نقول أنّه يعدّ ضمن الطراز الأول من المسؤولين في البلاد٬ مع ذلك لم تكن لديه حماية أمنية على مستوى واسع أو عدد كبير من المرافقين الأمنيين٬ كان بسيطاً جداً مع نفسه و مع الناس٬ كانت له شعبية كبيرة جداً.
الملاحظة الأخيرة هي أنّ الإنسانية و الكرامة الإنسانية بالنسبة لقاسم يعبران عن حقيقة موضوعية٬ فهو لم‌يكن إنساناً أحادياً أو بتعبير أوضح٬ لم يكن مؤدلجاً ليقول بأنّه لا يدافع إلّا عمّن يحمل نفس أفكاره٬ بل كان يدافع عن التركماني و العربي و المسيحي و الإيزدي و  ... غيرهم٬ لقد استطاع قاسم أن يزيل الحدود و الألوان. إنّك تجد الآن في لبنان المسيحي و السنّي و الدروزي و .. و كذلك تجد الشيعي٬ كلهم منخرطون في المقاومة٬ و هذا خير دليل على أنّه استطاع أن يزيل الحدود المصطنعة التي تفرّق أفراد البشر بعضهم عن بعض، فقط الكرامة الإنسانية كانت تشكّل قيمة عليا بالنسبة له. لهذا السبب٬ الجميع كان يحبه، ويكنّ له الاحترام و التقدير في كل بقعة في هذا العالم٬ لا تجد بقعة لا يوجد فيها هذا الحضور أو بتعبير أدق هذا التأييد و المواكبة. 
فصلية طهران: في الوقت الذي انخرط فيه الحاج قاسم في فيلق القدس لم تكن الولايات المتحدة قد غزت أفغانستان أو العراق بعد، و لم تكن أوضاع المنطقة على ما هي عليه من السوء الآن٬كانت القضية الأولى فلسطين و محاربة المحتلين الصهاينة٬ و طبعاً كانت طالبان في ذلك الوقت قد برزت على الساحة رويداً رويدا. هل لكم أن توضّحوا لنا طبيعة الظروف التي استلم فيها الحاج قاسم فيلق القدس٬ و ما هي إنجازاته في المنطقة و بالنسبة لموضوع المقاومة؟ 
الجنرال دهقان: حتى قبل الحاج قاسم أيضاً لم نكن نفكر على صعيد قضايا المقاومة باحتلال الدول و زرع العملاء و تحقيق الطموحات الاستعمارية. كنّا دائماً نقول بأنّنا أنصار حرية الشعوب٬ نريد أن تقرّر مصائرها بنفسها دون تدخل من الدول الأجنبية٬ و انعدام الأمن الذي تعاني منه المنطقة سببه إسرائيل و الولايات المتحدة٬ هذه الأخيرة هي الشيطان الأكبر حيثما كانت و أينما حلّت٬ هذه هي المبادئ الأساسية لثورتنا و لم تتغير٬ كانت منذ البداية و ما زالت٬ و لكن في مرحلة ما كنّا منشغلين بصورة جدية بقضايا الحرب مع صدام و القضايا الداخلية٬ و طبعاً كل القدرات و الإمكانات تمّ تسخيرها لتلك المهام٬ و مع ذلك نقول بأنّنا لم نترك المقاومة أو المنطقة لوحدها و حاولنا أن نثبت موقفنا من تلك القضايا٬ تتذكرون عندما غزت إسرائيل لبنان في عام 1982 م و وصل جيشها إلى بيروت٬ آنذاك تحرّكت وحدات من الحرس الثوري و الجيش الإيراني إلى سورية للتصدّي للمحتلين الصهاينة٬ و من ثمّ أطلق الإمام الخميني لاحقاً مقولته الشهيرة «طريق القدس يمرّ عبر كربلاء» في تلك الأجواء المستجدة تشكّلت الخلية الأولى لحضورنا في المنطقة من أجل دعم حركات المقاومة و تدريبها و تنظيمها و تجهيزها. و في تلك الفترة كنت من بين الذين ذهبوا إلى هناك و كنت شاهداً على تدريب المجموعات المقاومة في سورية و لبنان مثل حماس و الجهاد و بعض العناصر الفلسطينية أو حزب الله أو الجماعات العراقية٬ و كانت لنا ارتباطات بها و كنّا نقوم بدعمها و تجهيزها. هذه الأمور كانت قائمة في ذلك الوقت و لا ننكر ذلك٬ لكن مع مجيء القائد سليماني على رأس فيلق القدس تطوّرت طبيعة النظرة بشكل جذري. أقول على سبيل المثال ...
فصلية طهران: ما أردت قوله هو أنّ هذه الظروف أيضاً قد تغيّرت و فجأة وجدت المنطقة نفسها في قلب العاصفة ...
الجنرال دهقان: نعم صحيح٬ كل هذه الأمور موجودة٬ و لكن لا يمكنك بأي شكل من الأشكال أن تتجاهل دور القائد العسكري أو القائد السياسي و لاسيّما في بلداننا التي تفتقد إلى منظومة مؤسساتية متمرسة و مجرّبة و متجذرة. لذا٬ كان علينا أن نبدأ من نقطة ما. و كانت الظروف مهيّأة لتفتّق المواهب و الخبرات و كذلك خلق العناصر البديلة٬ لتتبلور المنظومة التي تنسجم مع الأوضاع المستجدة. نعم٬ لم تكن ظروف منطقتنا في ذلك الوقت متأزمة إلى هذا الحد٬ إذ لم تكن لدينا أزمة سوى الاحتلال السوفيتي لأفغانستان. و طبعاً كنّا نقدّم الدعم للحركات التي كانت تحارب الاحتلال... 
فصلية طهران: و قضية أخرى هي فلسطين ...
الجنرال دهقان: نعم٬ و لكنّ القضية أخذت أبعاداً أوسع بعد خروج السوفيت من أفغانستان حيث استمرت الحرب الأهلية في هذا البلد و ظهرت طالبان على مسرح الأحداث٬ غير أنّ التهديد بحسب اعتقادي أصبح في الوقت الحاضر أكثر عمقاً من ذي قبل خصوصاً بعد أن‌يئست الولايات المتحدة من تدميرنا من الداخل فانتقلت في الوقت الحاضر إلى مرحلة تحجيم الثورة الإسلامية و حصرها في الخارطة السياسية لإيران. لهذا السبب قامت باحتلال بعض البلدان المحيطة بنا. و أضاف انهيار الاتحاد السوفيتي سبباً إضافياً لتسريع الخطوات نحو الشرق فعملوا حولنا حزاماً أمنياً لإطباق الحصار علينا. و لكن ثمّة مسألة تحظى بالأهمية من زاوية نظرهم و هي٬ إذا أرادت مدرسة الإمام و الثورة الإسلامية أن تقدّم نموذج الانعتاق و خلاص البشرية الباحثة عن العزة و الاستقلال و ... فلا بدّ من تشويه هذا النموذج و تسقيطه بشكل تام لذلك راحوا يؤسّسون التيارات المختلفة باسم الإسلام و جعلوا مواصفاتها العنف و التدمير و الوحشية و البداوة بمعنى البربرية، فأرسلوا بذلك رسالة إلى العالم بأنّ هذا هو الإسلام الذي يسعون إليه و تمثّله إيران، و قامت هذه التيارات بارتكاب الفظائع بحق الإنسانية و تدمير الآثار التاريخية و الثقافية و الحضارية القديمة٬ هذه هي العلائم و المواصفات التي انطبعت في أذهان العالم و لا سيّما الغرب حول الإسلام ليأتي بعد ذلك مجلس الأمن الدولي و يصدر قراراً يعتبر فيه ضرب الأماكن و الآثار الثقافية جريمة حرب٬ إنّك إذا جمعت بين السلفية أو الوهابية و بين الأيديولوجية الصهيونية فطبعاً ستكون هذه هي النتيجة. لقد جاء الغرب و أدمج هاتين الأيديولوجيتين و صنع منهما داعشاً من أجل تشويه صورة الإسلام أمام سبعة مليارات من البشر و بضمنهم أكثر من مليار مسلم٬ فهم لا يريدون أن تكون صورة الإسلام في أذهان البشرية بأنّه دين الإنسانية. و من هذه النقطة بدأ الحاج قاسم مهمته٬ و كلما توسّع فيها٬ كانت المنظومة المعادية له تتسع بنفس المقدار و بصورة تلقائية. لا ننسى أنّ تلك الروح و الرؤية المستقبلية أو ذلك الشيء الذي نطلق عليه مدرسة ليس إلّا هذه المقاومة و هذا الصمود و هذه الصروح الشامخة بوجه التوسّع و العدوان. في الحقيقة كان قاسم يتوفّر على هذا الحسّ العالي و الشعور بالمسؤولية. كان تلميذاً نجيباً في مدرسة الإمام الراحل و أحد الأفراد الولائيين في البلاد٬ كان يتربّع على القمة. أمثال قاسم ليسوا قليلين في بلادنا٬ ففي كل آن و حين يجود بهم الزمان. 
فصلية طهران: حقّاً إنّ رؤيتنا في الأهداف و الاستراتيجيات تستلهم من مدرسة الإمام الراحل و مدرسة سماحة القائد و سياساتها الكلية٬ و كان الشهيد سليماني رحمه الله المنفّذ أو أفضل المنفّذين أو قل إن شئت أحد أفضل المنفّذين لتلك السياسات٬ و لدينا الكثير من هؤلاء المنفّذين. 
الجنرال دهقان: دعني أقول شيئين٬ الشيء الأول٬ كان الشهيد قاسم يحمل فهماً صحيحاً لهذه السياسات٬ و الشيء الثاني كان أفضل المنفّذين في هذا المجال و كان يتماهى مع أجواء التنفيذ و العمل. نعم٬ لله الحمد لدينا الكثير من هؤلاء٬ بفضل الله و في ظلّ المدرسة الأصيلة و الشاملة للقائد فإنّ هذه الحركة نابضة و حية. 
فصلية طهران: لقد أشرتم للتو إلى موضوع التيارات التكفيرية و المؤامرات التي نسجتها في المنطقة٬ و ممارساتها في دقّ إسفين بين الطوائف الإسلامية و بين الشيعة و السنّة٬ و من هذه الزاوية أريد أن أقول بأنّها سعت إلى إلقاء هذه الشبهة بأنّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية و بالأخص قوات حرس الثورة حماة الشيعة٬ و أنّها أطلقت شرارة الفتنة الطائفية في المنطقة و تقوم بدعمها و البعض استدلّ لذلك ببعض الأمثلة. هذا٬ في حين أنّ حرس الثورة كان في ذروة التعاون و التضامن مع الفلسطينيين و حركة حماس و الجهاد الإسلامي و التي ربما لا يوجد فيهما شيعي واحد٬ و مع ذلك نجح العدو بالتعاون مع تنظيم داعش و التكفيريين في رسم هذه الصورة في المنطقة و في أذهان الرأي العام، و تصوير الحاج قاسم و فيلق القدس على أنّه في الحقيقة حامي الشيعة. ما رأيكم بهذا؟ هل حقّاً كان الوضع على هذا الشكل؟
الجنرال دهقان: هناك عبارة للإمام الخميني (رحمه الله) قالها في وصف فاجعة الإمام سيد الشهداء (عليه السلام) و وصف عاشوراء و كربلاء و هي: لو فرضنا أنّهم (جيش يزيد) كانوا يعادون الإمام الحسين (عليه السلام)٬ فما ذنب أسرته؟ لماذا قتلوهم؟ لماذا أسروهم؟ حقيقة الأمر أنّ هؤلاء يعادون مدرسة الإمام الحسين (عليه السلام) و يعادون الجمهورية الإسلامية الإيرانية٬ و البقية فروع على هذه القضية٬ أي النظام السياسي المستقل الذي يرفع لواء مواجهة نظام الهيمنة و المنظومة الاستكبارية و الصهيونية في جميع أرجاء العالم يعلن تصدّيه للعملاء الذين ينشرون الفساد و التدمير و يوجّهون و ينفذون عمليات القتل و سفك الدماء. هؤلاء لا يقيمون وزناً لأيّ أحد أو هوية إلّا لمصالحهم الشخصية و عقائدهم٬ أي على الجميع أن يرحلوا و يبقوا هم وحدهم في الساحة. عندما وقعت حوادث الحادي عشر من سبتمبر و ضُرب البرجين التوأمين أطلق الرئيس الأمريكي جورج بوش مقولته الشهيرة: «إمّا معنا أو ضدّنا». في ذلك الوقت انبرى سماحة القائد ليسكت بوش قائلاً: «لا معكم و لا ضدكم نحن مستقلون». 
وطبعاً نظام الهيمنة العالمي يقصد من وراء عبارة «إمّا معنا أو ضدّنا» هو إمّا أن يكون العالم كله تحت سيطرتنا و قيادتنا و وصايتنا أو لا يكون فعندئذ ينبغي محاربته. و بناءً عليه٬ فإنّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي النظام السياسي الوحيد الذي يرفض مقولة «إمّا معنا أو ضدّنا» و يقول إنّنا ضدّك عندما تريد القيام بهذه الأمور٬ أمّا إذا عدّلت الولايات المتحدة سلوكها فلا شأن لنا بها.
في الماضي حرّك الأمريكان صداماً ضدّنا فشنّ حرباً علينا و كان هدفهم الوحيد القضاء على الجمهورية الإسلامية الفتية. لكنّ الحرب توقفت دون أن‌يحقّقوا هدفهم٬ فلجأوا إلى نسج مؤامرات أخرى٬ و كانوا في كل يوم يخرجوا بمؤامرة جديدة. و في نهاية المطاف توصّلوا إلى هذه النتيجة و هي٬ أنّ إشعال حرب مذهبية في المنطقة سيؤدّي بالنهاية إلى حرب حضارية داخلية، و حينئذ ستكون النتيجة لصالحهم أيّاً كانت الضحية و من أيّ طرف كان٬ سنّياً كان أم شيعياً٬ لا فرق في ذلك٬ هل الفرقة الداوودية في الولايات المتحدة كانت شيعية عندما أحرقوهم و قضوا عليهم٬ هل الشعب في سورية شيعي حتى حصل له ماحصل٬ كم من الشيعة قتل داعش في العراق٬ ألم يكن السكان في المناطق التي شهدت قتالاً من أهل السنّة. إنّ مهمتهم الرئيسية هي أن يطلقوا شرارة الخلافات لتؤدّي في النهاية إلى إشعال الحرب المذهبية٬ فيحرّكوا الجماعات في كلا الجانبين السنّي الشيعي كما هو الحال مع شيعة الإنجليز٬ فهم يؤدّون نفس الدور الذي يؤدّيه الأمريكان و نفس الدور الذي يؤدّيه الإسرائيليون و السعوديون و الوهابيون و السلفيون٬ و ربما أغدقوا عليهم الأموال لكي يكونوا أكثر جدية و صرامة في أداء مهمتهم٬ فمن أين لهؤلاء الأموال لإدارة هذا العدد من القنوات الفضائية. 
في البداية٬ طرح هؤلاء موضوع إيرانوفوبيا٬ و لم يحصلوا على أيّ نتيجة٬ ثم أعقبوه بمشروع الإسلاموفوبيا٬ و هذا أيضاً لم يسفر عن نتيجة٬ فبادروا إلى إطلاق الشيعة فوبيا بقولهم أنّ الجمهورية الإسلامية هي رمز الشيعة٬ و الحرس الثوري هو المرتكز الرئيسي للشعب و النظام و رأس الحربة في الدفاع عن سيادتنا الوطنية و عن حريم عقائدنا و قيمنا٬ لذا فمحاربة هذه المنظومة ستؤدّي بحسب ظنّهم إلى تحقيق أهدافهم و لكن فاتهم أنّ الحرس الثوري هو المرآة أو اللوحة التي تعكس صورة الشعب. فضرب الحرس الثوري يعني ضرب الشعب. و هل من الممكن القضاء على شعب بكامله٬ هذا مستحيل. لذلك لجأوا إلى وسيلة أخرى و هي تشويه سمعة الحرس الثوري بقولهم بما أنّ الحرس منظومة ثورية٬ و هو حارس الثورة٬ و أنّ العقيدة الثورية من وجهة نظرهم مساوية للفوضى و الاضطرابات٬ فعليكم يا شعب إيران و يا شعوب المنطقة أن تبتعدوا عن هذه الثورة و الثوريين إن كنتم تريدون أن‌تنعموا بالاستقرار و السلام و الهدوء. إذن٬ من الطبيعي أن يوجّهوا سهام حقدهم إلى قلب الحدث٬ أي٬ مركز استقطاب الكرامة و الهوية و نقطة القوة و الاقتدار و العزيمة٬ لذا لا غرابة في أن يطرحوا مثل هذا الكلام. و شعبنا قدملّ من تكرار هذه الأسطوانة٬ و لم يعد يصغي لهذه الأقاويل. 
فصلية طهران: في الحقيقة إنّ النظرة الثورية للحرس و مقاربته الثورية تسمو على النظرة الضيقة الشيعية أو السنية ...
الجنرال دهقان: لقد قلت بأنّ مدرسة سليماني تعني الكرامة الإنسانية. و قصة الحشد الشعبي شبيهة بقصة الحرس الثوري عندنا٬ فقد وصموه بأنّه شيعي٬ و لكن أين قاتل الحشد الشعبي دفاعاً عن الشيعة؟ ألم تكن معظم معاركه ضدّ داعش من أجل إنقاذ المناطق السنية. لقد كفّ شرور داعش عن تلك المناطق. أو حزب الله مثلاً٬ هل يقاتل الحزب دفاعاً عن الشيعة في لبنان؟ معظم دفاعه هو عن الشعب اللبناني. ينظر الشعب اللبناني اليوم إلى حزب الله كرمز متكامل للمقاومة ضدّ اعتداءات إسرائيل٬ و لهذا السبب يدعم حزب‌الله. دع عنك القلّة القليلة من الأحزاب و الجماعات و الزمر و العملاء الذين يطرحون هذه الأمور٬ لكنّ الشعب اللبناني في معظمه لا يصغي إلى هذه الترهات. و كذلك الحال في بلادنا٬ هل كلّ سكان محافظة سيستان و بلوشستان من الشيعة؟ من يقدّم خدماته هناك٬ أليس الحرس الثوري؟ في الداخل٬ هؤلاء طبعاً جزء من شعبنا٬ و لكن ماذا عن الخارج٬ ألم نقدّم الدعم للفلسطينيين السنّة خلال حرب الـ22 يوماً. 
فصلية طهران: في ضوء الأوضاع القائمة لا سيّما منذ عام 2000 م فما بعد٬ لو لم‌يكن فيلق القدس موجوداً٬ أو حرس الثورة٬ أعني لولا جهود حرس الثورة في المنطقة، ماذا كان عليه وضعنا اليوم؟   كيف كانت منطقتنا٬ و منطقة الشرق الأوسط على صعيد التقسيم؟
الجنرال دهقان: تسألون أسئلة معقدة تصعب الإجابة عليها بإجابات بسيطة. لقد قالها الإمام الراحل «لولا حرس الثورة لما بقيت للبلاد باقية». هذا أمر جدّ واضح. لو لم يكن حرس الثورة و الجمهورية الإسلامية الإيرانية في المنطقة٬ فماذا يا ترى كان عليه الوضع في المنطقة٬ إنّه تصوّر يمكن أن يُطرح بالنسبة لجميع الظواهر التاريخية لتنسج حوله الفرضيات. لا يوجد أدنى شك في أنّ انتصار الثورة الإسلامية و قيام نظام الجمهورية الإسلامية في إيران شكّل في الأصل نقطة تحوّل في العلاقات الدولية. و أعقب ذلك وقوع عدّة حوادث كبرى. فانهارت الاستراتيجية الثنائية للولايات المتحدة (السعودية و إيران) في المنطقة. و ضاعت إيران من يد الولايات المتحدة. و في الجهة الأخرى٬ كانت إسرائيل تشعر أنّ آخر المحاولات في العالم العربي تستنفذ لمواجهة إسرائيل٬ و أنّ هذه الأخيرة استطاعت أن تؤسّس لنفسها نوعاً من الأمن الراسخ في المنطقة. و قد قالها ذات يوم شارون أو أحد المسؤولين الإسرائيليين٬ موشيه دايان٬ لا أتذكر بالضبط٬ قال بعد انتصار الثورة بأني أشعر بزلزال يكتسح إسرائيل و الصهيونية٬ و الحقيقة أنّ انتصار الثورة و قيام نظام الجمهورية الإسلامية أسّس بصورة تلقائية لوضع جديد على صعيد المنطقة و تبعاً لذلك على صعيد العالم. 
لقد قمنا بثلاث ثورات٬ أولاً٬ الثورة الإسلامية التي انتصرت و طردت الولايات المتحدة من البلاد. الثورة الثانية فضح المنظومة التجسسية و الأمنية الأمريكية الفاسدة عبر السيطرة على وكر الجاسوسية [السفارة الأمريكية بطهران]. و الثورة الثالثة٬ تحطيم الهيمنة العسكرية و الكبرياء العسكري و الأمني للولايات المتحدة و ذلك بالحملة الصاروخية على قاعدة عين الأسد.
فصلية طهران: سؤالي السابق كان حول هذه الثورة الثالثة.
الجنرال دهقان: اسمحوا لي أن أقول بأنّ الثورة عملت دائماً على خلق القدرات و الإمكانات لصيانتها و ذلك بما ينسجم مع الظروف و الأوضاع المحيطة٬ و هذا أمر طبيعي. و لولا هذه العداوات و الخصومات لما أمكن تصدير الثورة. و الإمام الراحل قد صرّح بأنّنا نصدّر ثورتنا إلى جميع أنحاء العالم٬ لم نكن نرغب في فتح البلدان الأخرى٬ لكنّ الحرب هي التي أدّت إلى تصدير ثورتنا. هذه الأوضاع هي التي أماطت اللثام عن حقيقة كون نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية ذا مصداقية و ملتزم و متمسك بالقوانين و المعايير الحقوقية و السياسية الدولية. إنّنا في أيّ مكان و أيّ قضية لم‌نعمل بالضدّ من أيّ مبدأ حقوقي معترف به في القوانين الدولية. بينما الأمريكان كانوا دائماً يدوسون على جميع القوانين و الأعراف الدولية. 
إنّنا شعب ينشد السلام ماضياً و حاضراً. شعب لم يقبل أو يؤيّد أو يقوم بأيّ عدوان. شعب يصرخ بأعلى صوته بأنّ الحرية و العدالة و الكرامة الإنسانية حقّ للجميع. اليوم٬ و بدلاً من أن يعمل هؤلاء على تشويه هويتنا٬ شوّهوا هويّتهم هم بسبب ارتكابهم لهذه الأعمال غير القانونية. لهذا أريد أن أقول لولا الثورة الإسلامية و الجمهورية الإسلامية لما ظهر الكثير من الوقائع. لأنّ هؤلاء كان بأيديهم زمام أمور المنطقة كلها. و كان يُسكتون كل صوت. كانوا يعزلون الملوك و يزيلون السلاطين٬ و يدبّرون الانقلابات ضدّ الأنظمة السياسية. نعم٬ كانوا يفعلون ذلك بكل بساطة. و لكن بعد انتصار الثورة الإسلامية لم يعد بمقدورهم القيام بأيّ من تلك التصرفات بسهولة. أعني أنّ الثورة الإسلامية و من بعدها المقاومة و هذه المسيرة التي طويناها قد تحوّلت إلى مدرسة عالمية، إلى پارادايم سلوكي. أنظروا إلى فنزويلا ماذا يريدون أن يفعلوا بها. هل فنزويلا مسلمة؟ أنظر إلى بوليفيا أرادوا أن يفعلوا بها الكثير و لكن هل استطاعوا ذلك؟ لا يمكن قهر الشعوب أو إلغاؤها. يعتقد الأمريكان بأنّه يمكن تغيير الشعوب٬ في حين أنّ تغيير الشعوب يعني تدميرها. لهذا أقول أنّ عصراً جديداً قد بدأ في العالم بعد استشهاد الحاج سليماني٬ لم تعد أمريكا نفس أمريكا السابقة. يجب عليها الإذعان لهذه الحقيقة. انظروا إلى الأوروبيين٬ قبل أيام صرّحت المستشارة الألمانية إنغيلا ميركل بأنّ أمريكا لم تعد أمريكا السابقة. و أعتقد أنّ اغتيال الحاج قاسم قد سحب البساط من تحت أقدام الأمريكان من المنطقة٬ و على الصهاينة أيضاً أن يرحلوا عن المنطقة. 
فصلية طهران: آخر ملاحظة أو سؤال نريد طرحه عليكم يتعلّق بموضوع الردّ الحازم لحرس الثورة. طبعاً يسعى الأمريكان إلى تصوير الأمر على أنّه فورة كان النظام بحاجة لإفراغها في مجتمعه، و ليقولوا بأنّهم ردّوا و انتقموا٬ و للتقليل من ردّنا. ما رأيكم. هل كان الأمر يستحقّ الردع؟
الجنرال دهقان: لو كان شيئاً بسيطاً فلماذا يريد الأمريكان التقليل من شأنه٬ فهو أمر بسيط و لا يستحق الذكر على حدّ تعبيرهم.
فصلية طهران: قصدت بسؤالي أنكم تارة تتحدّثون عن حجم الرد إن كان 15 أو 30 صاروخاً أيّاً كان العدد مهماً أو لا. و تارة أخرى تتحدّثون عن أصل الردّ الذي قامت به الجمهورية الإسلامية ضدّ القوة العظمى الأولى في العالم و عن جرأتها على القيام بمثل هذا العمل.
الجنرال دهقان: الولايات المتحدة تقول بأنّ ردّ إيران لم يكن شيئاً يذكر٬ حسناً٬ لم نفعل شيئاً٬ و لكن مراسليها يذهبون في كل يوم إلى تلك المنطقة و يقومون بتصوير المنشآت و المباني المدمرة في القاعدة المقصوفة و يسرّبون هذه الأخبار بالتدريج. و في المقابل تقول بأنّه لم يحدث شيء٬ و لم نتكبّد و لا حتى جريح واحد٬ ثم لاحقاً تقول بأنّها تكبّدت 11 جريح و قتيل. حتى الآن و خلال خمس مرات قدّموا أرقاماً متفاوتة٬ آخر عدد ذُكر هو 64 ٬ لقد اضطرّوا لتسريب أخبار القصف ليبيّنوا ماذا حدث بالضبط. و حتى لو لم يكشفوا عن التفاصيل٬ فإنّ المنافسين في الحملات الانتخابية سوف يفعلون ذلك! 
و لكن من الناحية الأخرى يمكن القول بأنّنا و الأمريكان كنّا بنحوٍ ما منخرطين في بعض القضايا العسكرية. أي٬ لايمكن القول أنّنا لم ندخل في حرب معهم٬ فقد كانت هناك حروباً من نوع آخر اقتصادية٬ سياسية٬ حقوقية و غيرها. حتى الحرب العسكرية كانت قائمة نوعما. و السؤال المطروح هو٬ ألم يكن داعش صنيعة الأمريكان. ألم يتمتّع بدعمهم. ألم يعمل الأمريكان على إنقاذ داعش في لحظات الصراع و الاشتباك، ليدّخروه لتنفيذ أهدافهم في المنطقة عند الحاجة٬ ولنشر الفوضى و اللاأمن و ... غير ذلك. و نحن٬ ألم نحارب داعش، [إذن] فقد حاربنا الولايات المتحدة. أضف إلى ذلك٬ ألم نسقط طائرة الدرونز الأمريكية. ألم تكن هذه الطائرة الأمريكية بمثابة عدوان أمريكي سافر على حدودنا. أليست هذه حرباً. حسنا٬ لماذا جاؤوا إلى هنا٬ بعد كل هذا يريدون أن يتهموننا٬ ألا تسمّى الهجمات التي وقعت لاحقاً على آرامكو و في البحر الأحمر بنحوٍ ما حرباً؟ نعم٬ لم نشتبك مع الأمريكان بصورة مباشرة٬ بمعنى أن‌يوجّهوا لنا ضربة٬ و نوجّه لهم ضربة٬ و لكن قد حصل هذا أخيراً٬ بقتلهم الحاج سليماني و ردّنا الانتقامي ضدّ القاعدة الأمريكية. نعم٬ كنّا نحن و الأمريكان في وضع غامض و مبهم. بمعنى٬ أنّهم كانوا يعتقدون إذا وجّهوا لنا ضربة فلن نردّ عليهم. أو إنّنا سنحتار إن كنّا سنضربهم أم لا٬ كان الأمر بالنسبة لهم غامضاً. هذا الغموض خلق خاسراً في هذه المواجهة [الولايات المتحدة]. بالنسبة لنا كنّا دائماً نقول بأنّنا لن نكون البادئين. لن نكون من يبدأ الحرب٬ و قلنا أيضاً أنّ من يبدأ الحرب فلن يكون هو من ينهيها. بالفعل وجّهت الولايات المتحدة ضربة لنا٬ فكان علينا إمّا أن نردّ أو لانردّ. لو لم نردّ أو كان الردّ غير مباشر٬ ماذا كان سيحصل؟ بالطبع لتشجّعت الولايات المتحدة بعد ذلك على فعل أيّ شيء. أن تأتي خلسة وتشنّ هجمة على مسؤول رسمي في بلد أجنبي وتغتاله ثم تعود أدراجها٬ نفس الشيء الذي تفعله إسرائيل مع المقاومة فعلته الولايات المتحدة بالضبط. لقد استخدمت هذا التعبير و هو٬ أنّ ترامب عندما كان يقول أمريكا أولاً٬ كان يقصد إسرائيل أولاً٬ بمعنى٬ أنّ ترامب لا يفعل إلّا ما تريده إسرائيل ويريده نتنياهو. فهو لا يفعل شيئاً للشعب الأمريكي، بل للصهاينة. إذن٬ بعد وقوع هذا الحدث٬ كان على الجمهورية الإسلامية أن تستعرض عدّة أمور٬ أولاً٬ لو قلنا أنّ زمن الضرب و الفرار قد ولّى٬ فهو قد ولّى فعلاً. و إذا قلنا أنّه إذا ضرب فسنضرب٬ بالفعل ضربنا٬ كان علينا أن نبيّن عزمنا و إرادتنا الحازمة الدالة على الردّ الحتمي على الأمريكان. ثانياً٬ أين كان يجب أن نردّ٬ حيث مستوى الادعاءات الأمريكية في ذروتها. فالأمريكان يعتقدون بأنّ امتلاكهم للقدرات العسكرية و التكنولوجية المتطورة يتيح لهم فعل أيّ شيء. لم تكن قاعدة عين الأسد قاعدة عادية بالنسبة للأمريكان، على صعيد النفقات التي أنفقوها هناك٬ و القدرات التي كانت تحظى بها٬ و العناصر المتواجدة فيها، و المهام المناطة بهم و غير ذلك٬ كانت تشكّل شيئاً مهماً بالنسبة للأمريكان. و لذلك عندما قمنا بضربها٬ فإنّنا بذلك أثبتنا عزمنا و إرادتنا الراسخة على الردّ٬ و في المقابل، أوضحنا أنّنا نحطّم التسلّط و الهيمنة. حتى اليوم كان الأمريكان يرتكبون كل جريمة تحلو لهم و لا يجرؤ أحد على الردّ عليهم. لكنّا قمنا بالردّ. و هذا الردّ كان بمثابة استعراض للعزم و الإرادة الصلبة٬ و أعتقد إنّ هذا يكفي. و مهما كانت الخسائر٬ فهذه هي الحرب، و لكن أن يأتي أحدهم و يقلّل من شأن هذه الضربات٬ فليكن٬ و ماذا بعد؟، طيلة الصراع خلال الحرب الباردة٬ لم‌يحدث و لا مرة واحدة أن نشبت حرب بين القوتين العظميين. و بالنسبة لنا٬ فنحن دولة و ليست قطباً أو محوراً٬ وقفنا بوجه الأمريكان بكل حزم، ليس بوجه الأمريكان فقط٬ بل بوجه الصهاينة أيضاً. و المثير في الأمر أنّ أحداً في العالم لم يهنئ ترامب على فعلته باغتيال الحاج سليماني.
فصلية طهران: الكثير قالوا بأنّها جريمة حرب
الجنرال دهقان: لم يرحّبوا بهذا التصرّف. لقد قلت وقتها أنّ إسرائيل هي من خطّط لهذه العملية و سعى إليها٬ و السعودية موّلتها، و قامت الولايات المتحدة بتنفيذها. حتى العربية السعودية لم تجرؤ على أن تنطق بكلمة واحدة. و أعلنت إسرائيل أنّها لم تُبلَّغ بالعملية.
فصلية طهران: لقد ظهرت آثار هذه القضية في إسرائيل أيضاً. أعني أثر ردّكم على إسرائيل أي الردع في مقابل هذا الكيان.
الجنرال دهقان: في الحقيقة إنّنا بهذه الضربة أثبتنا ذلك٬ فإذا كانت قوة الردع قد تأثّرت باغتيال الحاج قاسم فإنّ قصف قاعدة عين الأسد عاد و أكّد على هذا الردع مرة أخرى في مقابل الأمريكان. كما فعل حزب الله في حرب الـ33 يوماً في مواجهة إسرائيل. أعني تلك الحرب قد أثبتت و إلى الأبد قوة الردع لدى حزب الله.


فصلية طهران: هل فهمت إسرائيل هذه الرسالة و هي التي تضرب المقاومة في سورية و على الحدود العراقية و أماكن أخرى أم لا؟


الجنرال دهقان: هذا موضوع آخر٬ ولاينبغي الخلط بين الاثنين. فإسرائيل لاتتحمّل أن يكون التهديد على مقربة منها. ناهيك عن أنّ قصف البوكمال لم يكن من قبل إسرائيل بل الولايات المتحدة. بعد ذلك قيل بأنّ الإسرائيليين قاموا بقصف بعض مقرات الحشد الشعبي و لا أعرف مدى دقة هذه المعلومات. على أيّ حال٬ فالأمريكان اليوم هم عملاء للإسرائيليين. و الإسرائيليون أيضاً على الأرجح لا يقومون بعمل دون التنسيق مع الأمريكان٬ و لايريد الإسرائيليون الاعتراف بأنهم هم الذين نفّذوا الضربات٬ و لكن هذا لايعني أنّهم إذا ضربوا لن يتلقوا الردّ٬ كلا ليس الأمر كذلك٬ على إسرائيل أن‌تفهم أنّه من هنا فصاعداً إذا ضربت سوف تُضرب.


فصلية طهران: لقد ألقينا المسؤولية على إسرائيل و لم نقل أنّ هذه الضربات من فعل الولايات المتحدة لوحدها٬ قلنا بأنّ إسرائيل شاركت في التخطيط.


الجنرال دهقان: لقد قلنا بأنّ التخطيط إسرائيلي و التمويل سعودي و إدارة التنفيذ أمريكية ...
فصلية طهران: و المسؤولية تقع على الجميع...


الجنرال دهقان: إنّ تنصّل الجميع من هذا العمل يؤكّد على تراجعهم. فلو قالوا نحن المسؤولون للزمهم أن‌يدفعوا تكاليف أضافية٬ أو يقولوا لسنا مسؤولين بل الولايات المتحدة هي المسؤولة٬ و قد اعترف ترامب شخصياً بمسؤوليته عن هذا العمل. لم يحدث في التاريخ أن يصدر رئيس دولة أمراً بعملية٬ أقصد عملية اغتيال و يعترف بمسؤوليته عنها. إنّها حقّاً لكارثة كبرى في النظام العالمي.
فصلية طهران: هل كانت هذه نقطة النهاية أم لا؟ أقصد ضربت الولايات المتحدة وانتقمنا فحصل توازن الردع و السلام٬ أم إنّنا انتقمنا و هذا المسار مستمر؟
الجنرال دهقان: هذا يتوقّف عليهم. لقد أثبتنا أنّنا لا نتحمّل أن يضربوا و نتغاضى عن الضربة. الآن الكرة ليس في ملعبنا بل في ملعبهم. و لو عادوا فسوف يتلقون بالتأكيد ضربة أكثر إيلاماً٬ و المسار مستمر حتى إخراج الأمريكيين من المنطقة.


فصلية طهران: و أنتم كيف ترون مستقبل هذه الأوضاع؟ هل إخراج الأمريكان من المنطقة أمر واقعي؟


الجنرال دهقان: على أرض الواقع هذا هو القانون الذي تمّت المصادقة عليه في مجلس النواب العراقي، فمسألة خروج الأمريكان من العراق و ما تقوم به الحكومة الآن يحوز على أهمية. المهم هو أنّ ما فعله الأمريكان كان في فترة اللادولة في العراق [حكومة تصريف الأعمال]. فالسيد عادل عبد المهدي قدّم استقالته من أجل أن تجتمع الأحزاب و تختار حكومة جديدة٬ هذه مسألة٬ أما المسألة الأخرى فهي يجب أن نقبل بأنّ السيد سليماني كمسؤول رسمي كان في زيارة دبلوماسية للعراق. فالولايات المتحدة قد جمعت في هذه القضية بين بعدي الاعتداء و الجريمة. و أودّ أن أضيف بأنّه لو اجتمع الزعماء العراقيين و وضعوا القضايا القومية و العشائرية و كل ما ليس له أهمية جانباً و نظروا إلى الأوضاع في العراق٬ لأدركوا بأنّ السبيل الوحيد لخلاص العراق هو خروج الولايات المتحدة من العراق. ذلك أنّ كل الفتن و الفوضى و التخريب الذي يحدث في شوارع العراق سببه الولايات المتحدة. هذا أمر واضح للغاية. و بناءً عليه٬ إذا أرادوا العراق لأنفسهم فإنّ الأمر البديهي هو أن لا تكون الولايات المتحدة موجودة في العراق. و لو فرضنا أنّ بعض الساسة العراقيين يرفضون هذا الحل٬ فالسؤال المطروح هو: هل يقبل العراقيون بتقسيم العراق. هل سيساعد تقسيم العراق على إرساء الاستقرار في المنطقة. أم ستكون تلك الأوضاع لصالح بقاء الأمريكان. في ظل الأجواء التي سمح الأمريكان لأنفسهم للعمل فيها٬ هل بمقدور أحد أن يتّخذ إجراءً ضدّ الآخرين دون موافقة الحكومة العراقية٬ و قد فعلوا ذلك بالفعل٬ و أصبح هذا الأسلوب كحقّ مثبّت تقريباً للجميع، و بعد الآن لن‌ينعم أيّ أمريكي في أيّ مكان بالأمان. و سيتكفل كل فرد بهذه المهمة بما يتناسب و قدراته و إمكاناته. باعتقادي٬ إنّ أمن الأمريكان في العراق و المنطقة هو في الرحيل٬ و كذلك أمن المنطقة يتطلّب أن لا يبقى الأمريكان. القضيتان مرتبطتان إحداهما بالأخرى. عندما وقعت حوادث آرامكو سافر ولي عهد البحرين إلى الولايات المتحدة وقال ترامب له لا نستطيع أن نوفّر لكم الأمن، عليكم أن تتكفلوا بأمنكم٬ فقط باستطاعتنا أن نبيعكم الأسلحة. فالأمريكان ملتزمون بالدفاع عن قواعدهم العسكرية فقط٬ و غير مستعدين أن يتحملوا تكاليف إضافية من أجل الآخرين. أما إذا كان على الأمريكان أن يأخذوا النفقات و لكن بدون أن يضطلعوا بمسؤولياتهم٬ في هذه الحالة يجب أن يكون الجميع أبقاراً لتحلبهم الولايات المتحدة.
فصلية طهران: شكراً جزيلاً


قراءة: 1183