فصلنامه مطالعات سیاست خارجی تهران
 

دراسة للعلاقة بين اللغة القومية و القوة الناعمة في السياسة الخارجية للاعبين الدوليين

السید محمد جواد قربی
عضو الهيئة العلمية في قسم الفكر السياسي لمركز وثائق الثورة الإسلامية
ghorbi68@yahoo.com

الخلاصة:
يمثل الاقتدار  في مجال القوّة الناعمة أحد اهتمامات الجهات الفاعلة السياسية والشغل الشاغل لها طيلة العقود القليلة الماضية، مع وجود قدر كبير من التنافس بين الجهات الفاعلة الرسمية وغير الرسمية لتعزيز قدراتها ورفع منسوب  موارد البرمجيات لديها. ولاریب أن أحد دعائم تعزيز تلك القوّة الناعمة في البلدان هو الترويج للغة الوطنية ونشرها في الجغرافية السياسية على الصعدين العالمي والإقليمي. وبعبارة أخرى، إن انتشار اللغة الوطنية لكل بلد في منطقة معينة يجعل من السهل تحقيق الأهداف والمصالح التي تروم تلك الدولة تحقيقها، ويمكن اليوم الإشارة وبوضوح تام إلى سيطرة اللغة الإنجليزية على المجتمع الدولي وإنها على  صلة قوية بتحقيق المصالح الغربية. وتشهد الساحة الدولية اليوم عملاً حثيثاً من قبل الكثير من المؤسسات والمعاهد المختلفة في السياسة الخارجية لنشر لغة بلدانها أو التي يراد نشرها لتتمكن من تحقيق أهدافها من خلال التعليم والترويج وتطوير تلك اللغات، ومن بين تلك الأهداف : تعزيز القيم والمعتقدات الوطنية؛ زيادة التقارب البناء مع العالم؛ إعطاء صورة إيجابية  للسلوك السياسي؛ والتفاعل الثقافي  وتطوير السياسة الخارجية، و.... من هنا تحاول تلك هذه الدراسة تسليط الأضواء على دور اللغة الوطنية في القوّة الناعمة للبلدان.


الكلمات الأساسية: القوّة الناعمة، اللغة الوطنية، العلاقات الدولية، الجمهورية الإسلامية الإيرانية، السياسة الخارجية، اللغة الفارسية

 


المقدمة:
إن استخدام الثقافة واستثمار أدواتها مثل اللغة الوطنية في مجال الدبلوماسية الثقافية والعامّة، مقارنةً بالأدوات والسبل الأخرى في العلاقات الدولية، لهما مزايا مهمة، أهمها: تجنب المواجهة والمقاومة العنيفة من قبل المجتمعات والبلدان التي يراد اختراقها؛ ابتعاد الدبلوماسية الثقافية عن اللهجة العدائية مع توفرها على جانب من الاستقطاب والجذب وطراوة البيان؛ مشاركة جادة وفاعلة للجهات الناشطة غير الرسمية ومنظمات المجتمع المدني والكيانات غير الحكومية والقانونية. ثم إن الدبلوماسية الثقافية تسعى إلى اكتشاف القيم والمصالح المشتركة على المستويين الإقليمي والعالمي وتحديدها وتعزيزها، يعقبها السعي لتحقيق المصالح الوطنية ضمن هذه القيم المشتركة. ومن الممكن  تصميم الدبلوماسية الثقافية وتنفيذها بشكل يرسخ القوّة الناعمة للدول في العديد من المجالات بأسلوب أكثر إبداعاً ومرونة وانتهازاً للفرصة المتاحة مقارنة مع الدبلوماسية التقليدية.  كذلك يمكن للمنظومة الدبلوماسية ومن خلال تطبيق القدرات اللغوية اختراق جميع طبقات المجتمع بسهولة والتأثير الفعال على مواقف المجتمع المستهدف لصالح من يعتمد الدبلوماسية الثقافية، بل يساعد في تعزيز القدرات. (سیمبر و مقیمی،1394: 7) انطلاقا من ذلك، تعد اللغة أحد مظاهر القوّة الناعمة في العلاقات بين البلدان. (انتظامی،1393= 2014م) ولبيان هذه المسالة، يجب أن يؤخذ بنظر الاعتبار أن الجزء الأكبر من العوامل التي تنتج أو تعزيز القوّة الناعمة في وحدة سياسية تتمثل في  التركز على مجال الثقافة ونظام القيم والقواعد الثقافية التي تشكل اللغة والأدب الوطني جزءاً من هذا المجال الاستراتيجي (الطابع الوطني). فإذا كانت القوّة الناعمة تعني القدرة على جذب الآخرين من دون الحاجة إلى استخدام القوّة أو بذل المزيد من المال ومع كون الثقافات والمكونات من قبيل اللغة تعتبر واحدة من أهم المصادر الثقافية للقوّة  الناعمة، فمن الممكن حينئذ أن نكتشف موقع القوّة الناعمة لأي بلد وتقييمها من خلال القدرات والاستقطاب الذي تحظى به نماذجه الثقافية في مجال اللغة والأدب؛ لأن الموارد الثقافية لقدرة بلد ما يمكن أن تكون عامل استقطاب  للبلدان الأخرى. ما يضاعف أهمية هذا العنصر  توفر اللغة والأدب  على نظام للقيم والمعايير و المعتقدات والأخلاق مما يجعل هذه القيم والمفاهيم الثقافية تحدد نظام التفضيلات والأولويات للحياة الفردية والاجتماعية. ومن ناحية أخرى فإن جهاز السياسة الخارجية للبلدان عند رسمه للقرارات  يعتمد إلى حد كبير على التفضيلات والأولويات الثقافية. ونتيجة لذلك، يمكن أن تكون إمكانات وقدرات النماذج الثقافية في اللغة الوطنية ذات أهمية خاصّة للرأي العام في جميع أنحاء المعمورة، حيث تمكن جهاز السياسة الخارجية من متابعة أهدافه ومصالحه الوطنية بسهولة دون استخدام لعنصر القوّة وبتكلفة مالية قليلة. (خراساني. 1387: 57-56) وبالنظر إلى أهمية هذه القضية وعدم وجود دراسات نظرية حول تأثير اللغة في مجال القوّة الوطنية للسياسة العالمية، تحاول هذه الدراسة الإشارة إلى السياسات اللغوية في مختلف البلدان باستخدام الإطار النظري للقوّة  الناعمة وتفاعلها مع اللغات الرسمية والوطنية لديهم. لذا، فإن السؤال الرئيسي في هذا المقال هو: ما تأثير اللغة الوطنية على عملية إعادة إنتاج القوّة الناعمة، وما هو الدور الذي تلعبه الجهات السياسية في استخدام اللغة الوطنية لتعزيز الاقتدار الوطني؟ وسوف  نستخدم منهج الدراسات المكتبية والأساليب الوصفية التحليلية للإجابة عن السؤال المذكور.
1. إطلالة مفهومية
1-1. القوّة والعلاقات الدولية
تعد القوّة  واحدة من أهم القضايا في العلاقات الدولية، وهي من المفاهيم التي وقعت بطبيعتها مثاراً  للجدل؛ نظراً لعدم وجود علاقة متأصلة ماهوية بين الدال ومدلول القوّة، وإن مفهوم القوّة يسعى  للبحث عن مصاديقه في مختلف الخطابات. ففي  المقاربة التقليدية للقوّة ، والتي تمّ وضعها نظرياً من قبل مفكري المدارس الواقعية، صار التركيز وبشكل جيد  على الأبعاد المادية للقوّة ، وارتبطت مصادر القوّة إلى حد كبير بالسلوك القسري القائم على الإكراه أو التشجيع والإغراء الاقتصادي. وفقاً لهذه الرؤية للقوّة  التي  قدمها مفكرون مثل هوبز ومكيافيلي، يتمّ تفسيرها حينئذ على أنها القدرة على ممارسة الهيمنة من جهة ما لإخضاع جهة أخرى لإرادتها. ومن هنا أشار ميشيل فوكو في دراسته حول معرفة الأنساب إلى ثلاثة وجوه للقوّة  "قوّة الخطاب" ، "قوّة الانضباط" و "قوّة الحياة"، حيث يرى فوكو أن قوّة الخطاب أو القوّة السيادية (قوّة الحاكم) هي قوّة تمارس على الأرض وعلى أصول المجتمع ومستقلة عن التفاعل بشكل مباشر  مع أفراد  المجتمع  الذي يشكل الأمّة التي يتحد معها في الهوية، بدلاً من ممارستها على الهيئات، ومستمراً في هذا الاتجاه. وباختصار، يتناول العصر الحديث طبيعة القوّة وماهيتها وعلاقتها بالدولة وكيف تنظم العلاقة بين الدولة أو المجتمع المدني أو كيف يتم توزيع القوّة. علماً أن  ظهور كل من الجهات الفاعلة  غير الحكومية، والتبعية الاقتصادية، والتقنيات الحديثة  وتطوير شبكات الاتصالات الذكية يمثل تحولاًًً جديداً في السياسة العالمية. في مثل هذه الحالة، فإن التمكين القائم على القوّة باعتبارها الركيزة الأساسية للسلطة  في المدارس الواقعية، قد تعرّض لانتقادات خطيرة، وحدث تحول جديد في مفهوم القوّة واستخدامها. ومن هنا يمكن القول أن القوّة قد شهدت تحولاً مفهومياً خطابياً، مع إيلاء اهتمام خاص للوجهة البرمجية منها، حيث يحاول رجال الدولة الاستعانة بأبعادها الإيجابية. لذلك، فإن حصر القوّة (بالأدوات والمرافق)، بعيداً عن الأخذ بنظر الاعتبار  المواهب والقدرة الفكرية والأيديولوجية المتقدمة والالتزام بالمبادئ الإنسانية والدبلوماسية القوية، لا يمكن أن يؤدي إلى نتيجة مناسبة وثابتة في هذا المجال. بمعنى آخر، تتطلب القوّة الصلبة عامل دعم متكامل لتحقيق أهدافها يتمثل في القوّة الناعمة. في هذا الصدد، فإن ممارسة السلطة عن طريق الاستقطاب بعيداً عن كل أنواع  الإكراه والإغراء يخلق مجموعة متنوعة للغاية وجذابة وحساسة أمام رجال الدولة لأيّ بلد ما. (قربي،1394: 89-88)
1-2. القوّة الناعمة وجوزيف ناي
جوزيف ناي1،  هو أحد المفكرين والمؤسسين الرئيسيين لنظرية الليبرالية الحديثة في العلاقات الدولية . إن كتابات ناي حول طبيعة القوّة، وموقع الولايات المتحدة في التسلسل الهرمي للقوّة  العالمية، ومستقبل القوّة في عصر المعلومات، دفعت الكثيرين إلى اعتباره من بين منظري مفهوم القوّة. وقد تعزز هذا بشكل خاص عندما طرح  ناي رؤيته حول "القوّة الناعمة"2 في التسعينيات من القرن المنصرم (دانش نیا،1392: 67). ففي مقال له نشر في مجلة فارين باليسي3، أكد أن استخدام القوّة الصلبة في النظام الدولي قد تقلص، ويعتقد أن هناك عوامل من قبيل التبعية الاقتصادية ووجود جهات فاعلة خارج الأطر والحدود الوطنية والقومية في البلدان الضعيفة، مضافاً  إلى  تطور التكنولوجيا وانتشارها  وتغيير القضايا السياسية المتحولة، كل هذه العوامل  تجعل القوّة الصلبة أقل أهمية في العصر الراهن. لهذا السبب، يشك ناي في قدرة القوّة الصلبة على التأثير على الدول الأخرى. (Nye،1990: 160) وقد اعترف ناي في مقال له تحت عنوان "القوّة الناعمة: الجذور والتطور السياسي لمفهوم القوّة الناعمة"4 بأن القوّة الناعمة تمتلك القدرة على التأثير على الآخرين لتحقيق النتائج المفضلة والتي يمكن تحقيقها بالإكراه أو الإغراء والاستقطاب، وإنها قادرة على تحقيق النتائج المرجوة بالاستقطاب والجذب بدلاً من الضغط أو إعمال العنف".(Nye،2017: 1)
کما يؤكد جوزيف ناي أن استخدام القوّة الناعمة غالباً ما يكون فعالاً من أجل الحصول على النتائج المرجوة على مستويات مختلفة. وتعتمد القوّة الناعمة على القدرة على تشكيل أولويات الآخرين، فقد  تحقق دولة ما نتائجها المرجوة في عالم السياسة معتمدة على رؤية الدول الأخرى لها والتي تنبهر بقيمها وتسعى لتقلدها، وترى أنها النموذج الأوحد الذي يحتذى به في مستوى الرخاء والحرية المرغوب فيهما. في هذا السياق، من المهم أيضاً أن يكون لديك جدول أعمال واضح ومشاركة للجهات الفاعلة الأخرى في السياسة العالمية، بدلاً من فرض التغيير عن طريق التهديد باستخدام القوّة العسكرية أو فرض عقوبات اقتصادية. هذه القوّة الناعمة - لإقناع الآخرين بالسعي إلى تحقيق النتائج المرجوة- تدفعهم إلى المشاركة بدلاً من إجبارهم على ذلك. تشترك القوّة الصلبة والناعمة بأن كليهما يمكن اعتبارهما وجهين مزدوجين للقدرة على تحقيق الهدف المنشود من خلال التأثير على سلوك الآخرين، ويكمن عنصر الاختلاف بين الاثنين في شدّة وضعف طبيعة السلوك،  والوصول إلى الموارد الملموسة والمتاحة. (نای،1393: 2-1) ويرى ناي أن القوّة الناعمة هي تعبير آخر عن القدرة على تحقيق المرغوب فيه من خلال الاستقطاب وليس الإكراه. (نای،1387: 42) وبالتالي، عملية القوّة الناعمة على الجذب والاستقطاب المصاحبة لعملية اتخاذ القرار و تعكس صورة غير جاذبة لسلوك الطرف الآخر (نای،1389: 29) ولا ينبغي هنا إغفال أن هذا النوع من القوّة يُؤمن بتغيير أولويات الآخرين (الفاعلين السياسيين) بنحو يوفر له  التعاون من قبل الجهة المستهدفة وتوفير الظروف الموضوعية للقيام بالعمل الذي يرومه المهاجم. (Nye،2008: 94-95)
و تعتمد القوّة الناعمة لأي بلد على ثلاثة مصادر أساسية:
ألف: الثقافة (في المواطن التي تستهوي الأطراف الفاعلة الأخرى).
ب: القيم السياسية (عندما تكون ملموسة وحيّة على الصعيدين  الداخلي والخارجي.
ج: السياسات الخارجية (عندما تظهر نوعا من الشرعية المقترنة بمقبولية أخلاقية). (Nye،2005: 12)
وبالنسبة لمصادر القوّة الناعمة، هناك أمران يجب ملاحظتهما: أولاً، يجب التمييز بين مصادر القوّة والنتائج الحاصلة من ممارستها(Trunkos،2013: 4)؛ ثانياً، يجب أن تكون الأنشطة الحكومية لتعزيز القوّة الناعمة واستخدام مواردها ذات صبغة مشروعة. (Nye،2009: 63-64)


الرسم البياني 1. مصادر ثلاثية للقوّة  الناعمة

في النهاية، تعتبر القوّة الناعمة نتيجة للصور الإيجابية والعاطفية المؤثرة والمقترنة بالرضا من قبل الآخر، وتشير إلى القدرة على التأثير على الأفكار والرؤى والعقول بهدف فرض إرادة الأمّة والدولة دون إكراه ومن دون اللجوء إلى اعتماد القوّة الصلبة المادية، لكن القوّة الناعمة ليست مرادفة للنفوذ دائماً؛ إذ من الممكن  أن يعتمد النفوذ القوّة الشديدة (الصلبة) أو المكافآت، لكن الوجه الثاني للقوّة  يتجاوز مجرد الإقناع أو القدرة على تحريك الناس ويتضمن عموماً التعاون المقترن بالرضا. (قربي وحیدري،1395: 48) وتجدر الإشارة هنا إلى أن جاذبية مصادر القوّة تعتمد على طبيعة الأهداف السياسية وسياقها وطرق استخدامها. (یاسوشي وکانل،1389: 44) وهناك من الباحثين من ينظر إلى القوّة الناعمة كممارسة مؤسسية تؤدي إلى ديناميات اجتماعية وسياسية. (Cao،2011: p7)
1-3. الثقافة والقوّة الناعمة
الثقافة هي مجموعة واسعة من القيم والمعتقدات والمعايير والممارسات التي تؤثر على هيكل القوّة والقدرة الوطنية. (بانجي،  2002م : 123) ومن الملاحظ أن الثقافة لم تكن مطروحة في العقود السابقة كعنصر فاعل  في المعادلات السياسية والدولية؛ وفي الواقع، منع النهج الواقعي إجراء دراسات أعمق للقضايا العالمية ومسائل تتعلق بالطبقات الداخلية  كالثقافة والهوية، غير أن إيشسومي قد أعلن بأن للثقافة بعداً سياسياً أيضاً؛ لأنها  تختبئ وراء كل عمل فردي واجتماعي، وكما تترك تأثيرها على  السلوك الاجتماعي كذلك تضع بصامتها على السلوك السياسي، وقد حاول علماء مثل ريموند آرون ومارسيل ميرل وستانلي هوفمان وغيرهم طرح فرضيات حول تأثير مزاج الأمم ودور الأعراف والقيم الوطنية والثقافية فيها، وخلصوا إلى نتيجة مؤداها أن الثقافة والأواصر  الثقافية يجب أن تكون العنصر الأكثر ديمومة في القوّة الوطنية في أي بلد يريد ضمان ديمومة  أمن الفرد واستقلال الأمّة. كذلك يؤكد برتراند راسل على أهمية الثقافة والأيديولوجية في قوّة المجتمع في كتابه "القوّة"، قائلاً: "إن قوّة المجتمع لا تعتمد فقط على عدد الأفراد وعلى مواردها الاقتصادية وقدراتها الفنية، بل تعتمد أيضاً على معتقداتها ... والمثال الكلاسيكي للسلطة من خلال المعتقد هو الإسلام حيث لم يضف نبي الإسلام شيئاً إلى الموارد المادية للعرب، ومع ذلك وبعد بضع سنوات تمكن العرب من إنشاء إمبراطورية عظيمة هزيمت أقوى جيرانهم.  فمما لا شك فيه أن الديانة التي أسسها نبي الإسلام كانت عاملاً رئيسياً في نجاح الأمّة العربية".  وقد اعترف  ناي في كتابه  "القوّة الناعمة - أدوات للنجاح في السياسة الدولية"  بأن تلك الأجزاء من الثقافة التي تجذب الآخرين هي إحدى مصادر القوّة الناعمة؛ لذلك، يتم بناء النظام الاجتماعي دائماً من خلال الثقافة، والبنية التحتية الثقافية هي التي تنظم النشاط السياسي المحلي والسياسة العالمية. وبالنظر إلى هذه القضية يمكن القول بان القوّة الناعمة ما هي إلا القوّة الثقافية للدول التي تمارس من خلالها النفوذ في البلدان الأخرى، وبالتالي فإن ثقافة القوّة الناعمة في الساحة الدولية هي أن الدول تكتسب مصداقية في الرأي العام المحلي والعالمي، وأنها تزيد من التأثير غير المباشر المصحوب برضا الآخرين. إن القوّة الناعمة للسلوك مع جاذبية واضحة غير ملموسة سواء تم استثمارها في القوّة الناعمة أو القوّة الثقافية، وتُستثمر تلك الجاذبية لإيجاد قواسم مشتركة بين القيم وجميع الرغبات. ويضيف جوزيف ناي إنه عندما تشمل ثقافة البلد القيم العالمية وتشكل أساس سياساتها التي تتقاسم المصالح والقيم العالمية، فإن احتمال تحقيق النتائج المرجوة سيزداد قوّة. ومن هنا، ولكي تكون المصادر الثقافة قادرة على إنتاج سلوك مقتدر هي بحاجة إلى أرضية مناسبة. وبتعبير آخر: تعتمد النتائج المرغوبة  على السياقات ومهارات التشغيل في تحويل المصادر إلى نتائج سلوكية. والمحتم هنا، أنه من الضروري الحفاظ على المصادر الثقافية للقوّة  الناعمة بشكل فعال ودائم، لدعم وتعزيز الثقافة المعاصرة والتقليدية من خلال القطاعين العام والخاص. (قربي وحیدري،1397: 161-159) وقد ذهب  ماثيو فريزر إلى القول بأنّ القوّة الناعمة الأمريكية مستمدة من ثقافة البوب في البلاد وأن المصدر الحقيقي لها هو الثقافة، التي تعد كمصدر استراتيجي رئيسي في السياسة الخارجية. (جلشن بجوه،1387: 34)
لذلك، تعتبر الثقافة هي الجوهر الحقيقي للقوّة  الناعمة. وأخيراً،  يجب الاعتراف بأن القوّة الناعمة تطلق على مجموعة من القدرات ومصادر بلد ما كالثقافة أو المثل العليا أو القيم الأخلاقية التي تؤثر بشكل غير مباشر على مصالح أو سلوكيات الدول المستهدفة. وإن الاستفادة من الأبعاد البرمجية للقوّة سوف تقلل بشكل كبير من فاتورة ما يدفع لتحقيق القوّة المتوقعة للبلدان. (هرسیج وآخرون، 1388: 225)

2. اللغة الوطنية والقوّة الناعمة
يرى لجوزيف ناي، أن انتشار اللغة الوطنية في مجموعة معينة هو أحد مصادر القوّة الناعمة(Nye،2004: 25). وبالتالي، فإن اللغة تمثل إحدى أدوات القوّة المقبولة على نطاق واسع.  ومن ناحية أخرى نرى  على مر التاريخ  استخدام الحكومات للغتها الوطنية بشكل مباشر أو غير مباشر (Castineira،2013:1096). وقد أثبتت الدراسات التي أجراها إريك لو5 أن هناك صلة بين السلطة السياسية والهوية القومية واللغة. (Louw،2004: 43) فیما یرى ريتشارد روز6 بأن اللغة هي شرط أساسي للتواصل السياسي والقوّة الناعمة. (Rose،2005:8) وقد كتب جانيس بيالي ماتيرن7، مقالة تحت عنوان "لماذا القوّة الناعمة ناعمة للغاية: القوّة التمثيلية (النيابية)  والبناء الاجتماعي اللغوي للجاذبية في السياسة العالمية"8 عام (2005) اذعن فيه  بوجود قوّة تمثيلية تختفي وراء اللغة9. وعلى الرغم من قوّة التمثيل غير المادي، إلا أنها ليست تزال شكلاً من أشكال القوّة القسرية المسؤولة عن تمثيل الأمة، غير إنه يتم تطبيقها بطرق جديدة (Mattern،2005:583). أما الباحث الياباني  كايوكو هاشيموتو10 فقد ذهب في كتابه "اللغة اليابانية والقوّة الناعمة في آسيا" إلى القول بأن اليابانية تعتبر أحد أهم مصادر القوّة الناعمة لليابان في آسيا، ومعتقداً بأن اللغة يمكن أن تكون رمزاً للقوّة  الثقافية للبلدان والتي ستوفر إنجازات مهمة للنظام السياسي. (Hashimoto،2017: p.1-12)
فيما يعتقد أولارا ناكاجاوا11 بأن اللغة الصينية تمتلك القدرة على أن تصبح لغة عالمية، وهذه واحدة من أدوات القوّة الناعمة للصين، لأن اللغة الصينية يمكن أن تؤدي إلى اهتمام عالمي بالمصالح الصينية في الساحة الدولية. (Nakagawa،2011: 3). فيما يعتقد مواطنه  منغ12 بأن اللغة الصينية كأداة للثقافة والتواصل هي جسر للحضارات المختلفة وأن الاهتمام بالصينية يعكس عناية الصين المتزايد بقوتها الناعمة في العلاقات الثقافية. (Meng، 2012: 38) 
وفيما يتعلق بدور اللغة الإسبانية في القوّة الناعمة، تنص ناتاليا كوالسكايا13 على أن اللغة الإسبانية تعمل كعنصر سياسي في تطوير السياسة الخارجية الإسبانية من خلال ميثاق إستراتيجية القوّة الناعمة (Kovalevskaya،2015: p145-141). ويؤكد ديفيد هيل14 على أن إندونيسيا تحاول كسب القوّة الناعمة عن طريق نشر اللغة الإندونيسية في أستراليا وتغيير رؤية المواطن الأسترالي تجاه إندونيسيا. (Hill،2016: 364)
كذلك يؤكد المجلس الثقافي البريطاني15 (British Council،2013: p2) على أن اللغة الإنجليزية هي وسيلة قوية ذات قيم ومعتقدات سياسية راسخة تنشأ من خلالها شبكات متقاربة. (Wilkinson،2013: p 5)  فيما يرى  توماس مولوي16 أن تدريس اللغة الإنجليزية لديه قدرات وإمكانات جيدة لإنتاج القوّة الناعمة، ويمكن لوزارة الخارجية الأمريكية استخدام هذه القدرة في جميع أنحاء العالم.  ويضيف  أيضا أنه يمكن رسم خطوط القوّة الناعمة الأمريكية من خلال تدريس اللغة الإنجليزية. (Molloy،2006: 110-120) إنطلاقا من هذا التوجه وتلك الرؤية إلى اللغة صار النظر  في الوقت الراهن إلى تعليم  اللغة الإنجليزية كجزء من تصميم القوّة الناعمة في الولايات المتحدة (Molloy،2003:101). ويعتقد ألكساندر جاي لينون17 أن نظام الدبلوماسية العامة الأمريكي سوف يوصل رسالته إلى جمهوره المقصود عبر استخدام اللغات اللازمة.  وهكذا، ومن خلال الربط بين اللغة والإعلام  تسعى الولايات المتحدة إلى الهيمنة على القلوب  وخلق ظروف سياسية مواتية لنشر القيم الأمريكية. (لينون،1389: 324)
وفي هذا الصدد تعتزم روسيا ومن خلال الترويج للغتها  واستخدام تراثها اللغوي والأدبي في المناطق الناطقة باللغة الروسية أو الراغبين بالتكلم باللغة الروسية لتعزيز نفوذها الاستعماري، وتعتبر منطقة أوراسيا واحدة من تلك المناطق التي رصدتها السياسة الروسية، حيث يقوم الروس بمجموعة من الخطوات والنشاطات  لترسيخ  لغتهم من قبيل: زيادة مشاركة المؤسسات الثقافية في السفارات الروسية، وتحديد يوم ما يصار فيه إلى إحياء الذكرى التاريخية للغة الروسية، ونقل البرامج عبر الجامعات، والمناهج الدراسية المشتركة، فضلاً عن تقديم المنح الدراسية والدعم المالي للباحثين والخريجين من ابناء  الدول المستقلة مشتركة المنافع و... (Laruelle،2015: 11)   وتسعى روسيا أيضا إلى إعادة بناء حضارة "العالم الروسي"18 والقوّة الناعمة الخارجية من خلال الاستفادة من القدرات اللغوية والأدبية لإيمانها بخلفيتها الحضارية. (Ibid،2-15)
وعلى هذا الصعيد يعتقد كولن باول أن تركيا تحاول أيضاً خلق نظرة إيجابية لدى الرأي العام الإقليمي والدولي من خلال استخدام قواسمها اللغوية المشتركة مع بعض دول المنطقة و والبلدان التي يشتركون مع الشعب التركي عرقياً، وهناك محاولة من الأتراك لعرض البلد كنموذج تحتذي به الدول الإقليمية والذي يمثل أحد الأهداف الرئيسية للدبلوماسية الثقافية التركية، وإن اللغة هي إحدى الأدوات التي أكد عليها السياسيون الأتراك. وقد تمكن هؤلاء الساسة ومن خلال بناء هوية تعددية متعددة الأوجه وبناء هياكل وقواعد مشتركة، وإضفاء الطابع المؤسسي على هذه القيم والقواعد المشتركة على المستوى الخارج وطني،  من عرض صورة إيجابية لبلدهم على المستويين الإقليمي والعالمي. (اقبال،1393: 45)

 

  الجدول 1: اتجاهات القوى العالمية والإقليمية نحو الأداء اللغوي في التمكين الوطني "حسب استقراء الكاتب"


وهناك بعض الأمثلة الملموسة لهذه الإنجازات النظرية في مجال أهمية اللغة في السياسة الدولية والجهات المتكفلة بتحقيقها، يمكن رؤيتها في الأمثلة التالية: يعمل الصينيون من خلال مؤسسة كونفوشيوس، والإسبان من خلال مؤسسة سرفانتس، بمثابرة ملموسة للحصول على مكانة أفضل في العالم من خلال التاثير اللغوي.  وتاتي بعد الإسبان تركيا  والدول العربية لتفعل الشيء نفسه، حيث تعمل تركيا من خلال مؤسسة يونس إمري التي يبلغ عدد فروعها سبعين فرعاً موزعة في العالم، لغرض إرسال معلمي اللغة التركية إلى الشباب من مختلف البلدان وتعليهم  اللغة التركية كلغة ثانية. فيما تبذل الدول العربية ذات الوضع المالي الجيد، جهوداً مماثلة.   إن إلقاء نظرة على طبيعة هذه الجهود في مختلف البلدان لتطوير وتدريب لغتهم الوطنية ونشرها في جميع أنحاء العالم لإقناع المتحدثين بلغات أخرى يشير إلى استثمار كبير، أساسي، وهائل في هذا المجال، وإن كان  محصوراً في بعض الدول. وقد أصدر الرئيس الروسي فلادمير بوتين مرسوماً جديداً بشأن تنفيذ "قانون حماية وتعزيز وتطوير اللغة الروسية"  تم بموجبه إسناد مجموعة من الواجبات إلى السلطات المسؤولة عن حماية اللغة الروسية. وقد اعتبرت لجنة التعليم والثقافة في الاتحاد الروسي تنفيذ هذا القانون واجباً وطنياً وضورة تأمين الإجراءات اللازمة لتعزيز الأمن الوطني. وقد أصدر الرئيس  بوتين في ديسمبر2014م مرسوماً للسلطة التنفيذية حدد فيه المحاور الرئيسية لسياسات الحكومة في اللغة الروسية وغيرها من لغات الاتحاد الروسي، وكذلك الأدب الوطني في السياسات الثقافية للحكومة. ومن  بين الأشياء التي تم التأكيد عليها في هذا المرسوم، استئناف التدريس في أروقة المدارس والجامعات لبعض دورات العلوم الإنسانية، بما في ذلك تاريخ الأدب وفن الخاطبة ومبادئ الحوار  وأصوله، فضلاً عن الاهتمام بكتب تعليم اللغة الروسية.
ألمانيا هي الأخرى حريصة أيضاً على تطوير إمبراطورية اللغة الألمانية بمساعدة الدبلوماسية الألمانية، حيث يتم تنفيذ التطوير الرسمي للغة والثقافة الألمانية في العالم رسمياً من قبل معهد جوته، وهي مؤسسة عامة يتم تمويلها جزئياً عن طريق ما يستقطع من الطلاب وبنسبة  (حوالي 30٪) فيما يتم تأمين السبعين بالمأة الأخرى من قبل وزارة الخارجية.  ينشط  معهد جوته من خلال 158ممثلية خارج البلاد واثني عشر فرعاً في المانيا والبلدان المجاورة لها، ويمارس العمل فيها قرابة 2000 موظف. يتم سنوياً تدريس قرابة 300 ألف طالب تقريباً  من قبل معهد اللغة الألمانية، من قبل  الأساتذة الألمان وغيرهم، وتتماشى موارد تدريس اللغة الألمانية في هذا المعهد مع الكتب التي تم إصدارها بموجب الإطار المرجعي للاتحاد الأوروبي. وقد وضعت أهمية انتشار اللغة والثقافة الألمانية في العالم ضمن أهم الأولويات في العقد الأول بعد انتهاء الحرب.
يتضح طموح تركيا لتوسيع اللغة التركية في تطوير أنشطة مؤسسة يونس إمري، فعلى الرغم من كونها منظمة غير حكومية، فهي مكرسة لتدريس اللغة التركية في جميع أنحاء العالم، وقد تم إنشاء هذه المؤسسة  غير الحكومية عام 2009م للتعريف  باللغة والثقافة والفن والتاريخ التركي،  وقد أنشأت بالفعل 38 فرعاً خارج تركيا (بما في ذلك إيران)، تقوم بالعديد من دورات اللغة التركية مضافاً إلى العديد من الأنشطة العلمية والثقافية. تتمتع المؤسسة بالدعم المادي والروحي المقدم من قبل الحكومة التركية وتواصل نشاطها باقامة الندوات الثقافية والأدبية والدورات التدريبية في مجال الخط، فضلاً عن إجراء لقاءات مع الكتاب والشعراء وعرض حفلات موسيقية ومسرحية  وندوات شعرية وأدبية. (صادقی، 1395: 3-1)
كواحدة من الدول التي استثمرت بكثافة في دبلوماسيتها العامة اللغة هي حكومة الولايات المتحدة التي اعتبرت تعليم اللغة الإنجليزية لغير الناطقين بها يجري في نفس هذا السياق وروجت لها في جميع أنحاء العالم.  وبطبيعة الحال  فإن بريطانيا  بصفتها الدولة الأمّ لهذه اللغة  لديها أيضاً برنامج تعليمي لغوي مكثف تنسجم فيه مع الحكومة الأمريكية. وفي الواقع  يمنح الترويج للغة الإنجليزية الولايات المتحدة وبريطانيا قوّة ناعمة لا تكاد البلدان الأخرى ترتقي اليه. وقد حددت الأكاديمية البريطانية للعلوم الإنسانية والاجتماعية اللغة الإنجليزية باعتبارها واحدة من أهم أصولها في مجال القوّة الناعمة بحيث أصبحت اللغة الإنجليزية علامة تجارية19 بريطانية. ففي الوقت الحاضر، تعتبر اللغة الإنجليزية هي اللغة الرئيسية لحوالي 427 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى ما يقرب من 950 مليون شخص في جميع أنحاء العالم يستخدمونها كلغة ثانية، فضلاً عن كونها لغة العلاقات الرسمية بين معظم البلدان. على مدى العقدين الماضيين، كان هناك عدد من النماذج يطروحنها  في مجال السياسات والإعلام في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، من قبيل تأييد كلينتون للبرنامج العالمي لتعليم اللغة الإنجليزية، والتمويل الهائل للدبلوماسية العامة لتعليم اللغة الإنجليزية للناطقين باللغة الفارسية من قبل التلفزيون الأمريكي، والترويج للّغة الإنجليزية كأولوية في الدبلوماسية العامة، وأمركة تعليمها، وتعليم أسلوب ونمط  الحياة الأمريكي بهذه اللغة، وإصدار برامج للهواتف النقالة باللغة الإنجليزية، واستخدامها كأداة للقوّة  الناعمة. ولمعرفة نموذج الترويج للنموذج اللغوي لتنمية الدبلوماسية العامة الأمريكية والبريطانية على هذا الصعيد، يتعين على المرء أن ينظر إلى مؤسستين رسميتين في هاتين الدولتين واللتين أوكل إليهما مهمة تعزيز اللغة الإنجليزية من قبل حكومتيهما.  ففي الولايات المتحدة  يلعب مكتب اللغة الإنجليزية التابع لمكتب الشؤون التعليمية والثقافية التابع لوزارة الخارجية الأمريكية هذا الدور المهم، فقد ورد في النظام الداخلي لسياسة المكتب: إن تدريس اللغة الإنجليزية يعد أحد الأهداف الرئيسية لوزارة الخارجية الأمريكية لتعزيز التفاهم المتبادل بين الشعب الأمريكي ودول العالم الأخرى. وإن زيادة عدد الراغبين بالنطق باللغة الإنجليزية في جميع أنحاء العالم سوف يجعلهم أقرب إلى الثقافة الأمريكية.  ومن المميزات الأخرى  لتدريس اللغة الإنجليزية هي التبادلات الثقافية بين الأمم المختلفة  في الولايات المتحدة، ومن النقاط الإيجابية الأخرى التي تسجل لصالح تعلم هذه اللغة أنها  تغطي شريحة واسعة  وجماعات الأقليات بشكل جيد،  كما يعد الوصول إلى أسواق العمل العالمية ميزة أخرى لتعليم اللغة الإنجليزية. ويتم تنظيم عملية التدريس والتدريب من خلال السفارات والقنصليات الأمريكية المنتشرة في العالم. أما في المملكة المتحدة فقد أوكلت مهمة تعليم اللغة الانجليزية للمجلس الثقافي البريطاني، وبحسب تقارير المعهد المذكور نفسه إنه طالب في عام 1934م بتاسيس مركز العلاقات الثقافية لتامين رابطة وعلاقة تفاهم بين الشعب البريطاني (إنجلترا وأيرلندا الشمالية وويلز واسكتلندا) وغيرهم من شعوب العالم. يضم 200 مكتب وممثلية منتشرة في أكثر من 100 دولة، مهمته الأساسية كما جاء في نظامه الداخلي إقامة علاقات وثيقة مع بقية العالم من خلال الفن والتعليم والأواصر الاجتماعية. يوجد في المجلس الثقافي البريطاني معهد لتعليم اللغة الإنجليزية يزعم أنه قام بتغطية أكثر من 100 مليون شخص في 100 دولة خلال  75 عاماً باستخدام أفضل معلمي اللغة الإنجليزية، وباعتماد اسلوب  التعلم المباشر  أو استخدام البرامج المنزلية لتعلم اللغة الإنجليزية. يتم بعد ذلك تحديد مستوى تقدم الفرد من خلال اختبارات المهارات الدولية، ومن أهم أدوات تدريس اللغة الإنجليزية استخدام الوسائط الرئيسية مثل التلفزيون والإذاعة، ويُجري المعهد أكثر من ثلاثة ملايين اختبار سنوياً لتحسين جودة النقط لدى الطلاب والمتعلمين في جميع أنحاء العالم. تتمثل السياسة الأخرى لهذا المعهد في دعوة الطلاب الأجانب لزيارة المملكة المتحدة للتعلم، وإرسال الشباب البريطانيين إلى بلدان أخرى لتجربة الحياة كفرص للتعارف على إنماط الحياة. وقد  أنشأ المعهد سلسلة من المؤسسات في جميع أنحاء العالم، وبذلك تمكن  طلابه  في مختلف البلدان من الحصول على علاقة ثقافية وثيقة. يسعى المجلس الثقافي إلى تشجيع الطلاب من جميع أنحاء العالم على القيام بإنجازات دولية في المملكة المتحدة، وفي الوقت نفسه يوفر الأرضية لإعداد كبيرة من أبناء المملكة للقيام بمهام عالمية خارج حدود المملكة، مع اعتماد بعض التدابير ذات الصلة من قبيل استقطاب الفنانين من مختلف البلدان وإيجاد أواصر حميمة بينهم وبين الفنانين البريطانيين. (گروه مشرق،1395: 3-1)
أكد كريستوفر هيل وزميله20 في تقرير تحت عنوان " فن الجذب (الاستقطاب): القوّة الناعمة ودور المملكة المتحدة في العالم "21 إن: "اللغة الإنجليزية هي إحدى مصادر القوّة البريطانية؛ لأنها تعزز  نجاح العلامة التجارية البريطانية في مشروعها". (Hill and Beadle،2014:25)
أما في الشرق الأوسط فقد  أنشأت المملكة العربية السعودية مركزاً رئيسياً لنشر اللغة العربية، حيث  تم تأسيس أول مقعد لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بالعربية عام 1432 هـ الموافق للسابع من أبريل 2011م في جامعة الملك سعود، وتعتبر الجامعة المذكورة واحدة من أكبر وأقدم الجامعات  في المملكة العربية السعودية حيث أنشئت  في الرياض عام 1957م، وبدأ المركز العمل كواحد من الفروع المواكبة لأهداف الجامعة. يمثل إنشاء كرسي تعليم اللغة العربية لغيرالناطقين بها  في جامعة الملك سعود خطوة رائدة تهدف إلى تحقيق قفزة نوعية في الدراسات اللغوية العامّة والدراسات التطبيقية على وجه الخصوص، من خلال اعتماد مناهج فعالة لتحقيق درجات الجودة، في مجال البحث العلمي، تخطيط وإنتاج التعليم والسبل التعليمية في جميع القضايا المتعلقة بتدريس اللغة العربية وتعلمها. ما يثير الاهتمام في هذا المركز هو الميزانية غير المعلومة، ولكنها في الوقت نفسه غير محدودة، التي رصدها الملك السعودي، اذا لم يتم الإعلان عن مقدار تلك الميزانية  التمويلية التي حددتها الحكومة السعودية حتى اللحظة، فيما كان الموظفون والمسؤولون وحدهم يعلمون أن تلك الميزانية ترتفع بشكل سنوي. وتمنح الجامعة الطلاب والمشتغلين في تعلم اللغة العربية   العديد من المزايا، من قبيل دفع بدل شهري يعادل ما يدفع للطالب الجامعي السعودي، إضافة إلى منحة قدرها 1000 ريال تعطى للطلاب المتفوقين في المرحلة الجامعية الأولى "البكلوريوس"؛ منح تذكرة سفر ذهاباً وإياباً إلى مسقط رأس الطالب؛ خصم شراء الكتب؛ توفير أماكن لإسكان الطلاب وأقسام داخلية  مجاناً؛ تأمين العلاج المجاني في جميع مستشفيات المملكة؛  سفرات اجتماعية  مثل العمرة والحج (للطلاب المسلمين) والسفر إلى مناطق سياحية مختلفة من المملكة العربية السعودية؛ زيارة الأماكن البارزة في الرياض والمدن السعودية واللقاء مع المسؤولين الحكوميين؛ برامج رمضانية وترتيب برنامج يخص بمراسیم  العيد للمشاركة في الاحتفالات التي يقوم   الشعب السعودي؛ عقد مؤتمرات وإقامة ندوات خاصة؛ إهداء الطالب سلسلة من الكتب القيمة والثمينة، إلى غير ذلك من الخدمات. تعتبر اللغة العربية اللغة الأمّ حالياً لـ 350 مليون شخص في قارتي  إفريقيا وآسيا، فضلاً عن وجود أكثر من مليار ونصف مسلم يعتزون باللغة العربية باعتبارها لغة القرآن.  و من هنا تسعى المملكة العربية السعودية إلى زيادة عدد الناطقين بالعربية من خلال استغلال هذه الفرصة، وبالطبع هناك مجموعة من الأهداف السياسية تكمن وراء هذا المشروع. في الوقت نفسه، لابد من الإذعان بأن اللغة هي إحدى عناصر الثقافة، إلا أن تطورها ونشرها، خاصّة في بلد مثل المملكة العربية السعودية، يرجع إلى حد كبير إلى القوّة الاقتصادية والتجارية لذلك البلد. فإذا نظرنا إلى مصير اللغات وتطورها في مختلف البلدان نجد أن العوامل الاقتصادية والعسكرية والتجارية هي العوامل الحاسمة في تطوير تلك اللغة دائماً، ففي مثل هذه البيئة الغنية تنتشر  اللغات وتزدهر على العكس من البيئات الفقيرة على الصعد المذكورة فربما لاتتاح لها الفرصة للتطوير والتنافس مع لغات أخرى. (تسنیم،1395: 1) ويجب أن يؤخذ بنظر الاعتبار أن اللغة العربية قوية بطبيعتها ومتمكنة من استقطاب رضا المسلمين وقبولهم بها، والمملكة العربية السعودية باعتبارها مهد نزول القرآن الكريم تسعى لاستثمار هذه الفرصة وتعزيز اللغة  كواحدة من مصادرها القيمية الثقافية لتمكين قوتها الناعمة وللتأثير على ابناء المجتمعات الإسلامية. تنص المادة 29 من الدستور السعودي على تكليف الحكومة بتعزيز العلوم والثقافة والأدب، وتشجيع البحث العلمي، ودعم التراث الإسلامي والعربي، والمشاركة في مجال الحضارة العربية والإسلامية والإنسانية.  وكل هذا لا  يتحقق إلا  من خلال الحفاظ على اللغة وتوسيعها. والجدير بالذكر  أن هذه  اللغة تعد  واحدة من بين اللغات الرسمية الست المدرجة في الأمم المتحدة ومن اللغات الحيّة والرسمية لأبناء 22 دولة، وتمثل جزءاً مهماً من الهوية الوطنية للمملكة العربية السعودية باعتبارها جزءاً من الأمة العربية.وفي الوقت نفسه، يرى السعوديون أن اللغة العربية تمثل عاملاً مشتركاً للتفاهم والتقارب مع العالم غير العربي، فلا يدخرون جهداً في الدفاع عنها وتقويتها وتوسيعها. وبالتالي، فإنها تمنح السعوديين تأثيراً أكبر على الرأي العام في البلدان الناطقة بها، حيث سعت المملكة  لمد نفوذها ونشر أفكارها الوهابية القائمة على الإسلام في الساحات الناطقة باللغة العربية، مستخدمة تلك اللغة كجسر للتواصل ونشر الوهابية وغيرها، والوصول إلى أهدافها المرسومة. (فتاحی أردکاني وآخرون،1397: 38-37)


يوضح الرسم البياني التالي بعض مؤسسات تعليم اللغة التي تسهم في كسب المنافع الوطنية وتعزز التمكين الوطني.

 

الرسم البياني 2. أسماء أكثر مؤسسات تعليم اللغة فعالية في العالم (حسب استقراء الكاتب)

4. اللغة الفارسية والقوّة الناعمة للثقافية الإيرانية
اللغة والأدب الفارسي هما أحد مكونات الهوية الإيرانية في مجال القوّة الناعمة. (Mohagheghnia،2017: 208)، فيجب أن يكون لإيران كدولة قادرة على استيعاب التطورات العالمية المستقبلية، سياسات فاعلة للتعاون  مع البلدان والمجتمعات الأخرى، وتسهيل كل ما من شأنه تطوير اللغة الفارسية، وخاصة في البلدان ذات الخلفيات المساعدة من قبيل شبه القارة الهندية وآسيا الوسطى. ومن أهم الخطوات التي ينبغي القيام بها على هذا الصعيد: توسيع نطاق دورات اللغة الفارسية لغير الناطقين بها، والاستفادة من قدرات المراكز والملحقيات الثقافية والسفارات في البلدان الأخرى كداعمين لبرامج التدريب على اللغات الأجنبية وتوفير الأرضية المناسبة لتعلم اللغة الفارسية، فضلاً عن توسيع وطوير مقاعد الدراسة باللغة الفارسية في الجامعات المرموقة في جميع أنحاء العالم. (ناظمي،1397: 249)
تعد آسيا الوسطى أحد مراكز القوّة الناعمة لجمهورية إيران الإسلامية، حيث تتوفر مكونات الهوية الإيرانية كالثقافة والأدب واللغة وما إلى ذلك من الأمور المساعدة والمعززة للقوّة  الناعمة. وبعبارة أخرى، إن مناطق آسيا الوسطى والقوقاز، والتي تعرف أيضاً بأوراسيا، هي محور التركيز المباشر للثقافة والحضارة الإيرانية، لوجود الروابط التاريخية التي لا تنفصم بين شعوب هذه المناطق وبين الثقافة والحضارة الإيرانية في العديد من الأبعاد الدينية والمذهبية واللغة والأدب والموسيقى والفن والعمارة والثقافة العامّة ونمط الحياة، والتي تجذرت بحد لم يتمكن حتى اقتطاع تلك البلدان من الخارطة الإيرانية في العهد القيصري والهيمنة اللاحقة للشيوعية - التي حاولت طيلة سبعين عاماً من الفصل بين الجانبين-  من الفصل بين تلك الشعوب وبين ايران وفشلت المحاولة في ترسيخ فكرة معاداة ايران رغم الضربات القوية التي وجهت لتلك العلاقة. على العكس من ذلك، أتاح انهيار الإمبراطورية السوفيتية فرصة تاريخية لاستعادة تلك الأواصر وفقاً لمتطلبات الوضع الراهن والظروف الجديدة.  إن تقييم موقع إيران الحالي ووظيفتها في آسيا الوسطى من أجل الاستفادة من هذه الفرصة التاريخية يمكن أن يكون مفيداً؛ إذ من الممكن تحليل الهوية الإيرانية والتأثير الثقافي في المناطق المجاورة  وقرب آسيا الوسطى على وجه التحديد، ومن زوايا مختلفة، واستناداً إلى نهج القوّة الناعمة يمكن للمرء تحديد أساسيات التأثير والاستيعاب والإقناع باستخدام اللغة الفارسية والمكونات الأدبية. (حق بناه وآخرون،1393: 5)
تلعب اللغة دوراً أساسياً في تعزيز التفاهم والتواصل بين الأفراد وفي الوقت نفسه في العلاقات العلمية والثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية بين الأمم والشعوب المختلفة. وفي هذا الصدد لعبت العلاقة القوية والطويلة الأمد بين الناطقين باللغة الفارسية ومن خلال تأثيرها العميق على العلاقات الخارجية والسياسة الخارجية عبر التاريخ دوراً حاسماً في العلاقات بين إيران والدول الأخرى، لاسيما الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية التي تأثرت بالثقافة الفارسية. ونظراً لمكانه إيران وموقعها المتميز، صارت تعد من أكثر الدول أهمية من الناحية الاستراتيجية والجيوسياسية في العالم، وكانت ومنذ قرون جسراً للتواصل بين الشرق والغرب، وتعد اللغة الفارسية والنتاج الأدبي الإيراني من أهم عناصر التواصل مع محيط إيران الإقليمي وتقديمها كقوّة فاعلة وعنصر أساسي على المستويين الإقليمي والعالمي. بل ينبغي التعامل مع الفارسية كلغة عالمية لعبت دوراً تاريخياً مهماً على الكثير من الصعد، ويجيد التحدث بها الكثير من المهاجرين من  مختلف البلدان. وقد مرّت اللغة الفارسية على مدار القرن العشرين بالعديد من التغييرات والتطورات السياسية المختلفة التي أثرت على حياتها ونطاق التحدث بها، من قبيل: انهيار الإمبراطورية العثمانية التي كانت تعتبر اللغة الفارسية لغة الأدب عندها؛ وخضوع بلدان آسيا الوسطى لهيمنة الاتحاد السوفيتي الذي استبدل الفارسية بالروسية وفتح الباب أمام اللغة الإنجليزية؛ الأوردية والهندية في العالم الهندي والباكستاني. وقد وقعت في السنوات الأخيرة مجموعة من الأحداث من قبيل انتصار الثورة الإسلامية في إيران والغزو السوفيتي لأفغانستان واستقلال جمهوريات آسيا الوسطى، والتي خلقت بمجموعها  متغيرات جديدة منها:  انتشارالتراث اللغوي والثقافي  وتوسعها في مناطق جديدة وترتيب عالم جديد يتعاطى مع اللغة والأدب الفارسي الذي يعد أحد مفاخر النتاج العالمي. لايبدو الفصل بين مجالي اللغة والثقافة الفارسية وتأثيرها الفريد على نمط السياسة الخارجية لإيران أمراً سهلاً، ولكن في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز، أدى تشابك العديد من المؤشرات الثقافية إلى التمييز بين عنصر اللغة الفارسية وغيرها مثل التجانس الثقافي الحضاري، والديناميات الوطنية والتنوع العرقي أو القواسم والأدوار التاريخية والدينية.  فمن ناحية، سيكون من الصعب للغاية صياغة السياسة الخارجية لجمهورية إيران الإسلامية في آسيا الوسطى والقوقاز. على عكس التقليد الرائج والمشترك للمؤرخين الذين يعتقدون بأن الاختلافات المذهبية بين الشيعة والمناطق التي تقطنها أغلبية سنية في  آسيا الوسطى تعرقل نفوذ إيران في هذه المناطق، إلا أن انتشار الشعر والأدب  الفارسيين في آسيا الوسطى يؤشر  إلى أن هذا  النفوذ  قد تجاوز تلك الحدود الدينية والأطر المذهبية. ففي  الوقت الذي كانت فيه الانقسامات المذهبية تشتت العلاقة بين الشعوب، كان الأدب الفارسي يلعب دور الرابط الفاعل في تعزيز التواصل بينها. من هنا تعتبر اللغة الفارسية أحد المكونات الثقافية والهوية الرئيسية للحضارة الإيرانية وقد مكّن  تقاربها مع ثقافة وحضارة بلدان أخرى في المنطقة السياسات الثقافية الإيرانية من القيام بمهامها وساعد صناع السياسة الخارجية في تحقيق المصالح الوطنية الإيرانية. انطلاقاً من ذلك، حظيت السياسة الخارجية الإيرانية بفرص لا تضاهى للتأثير على البلدان المذكورة آنفاً، خاصة بالنسبة إلى أفغانستان وطاجيكستان  باعتبار كونهما دولتين مجاورتين ومن البلدان الناطقة باللغة الفارسية، على الرغم من وجود بعض المعوقات والتهديدات والقيود التي يواجهها الدبلوماسي الإيراني. إن استخدام القوّة الناعمة لتعزيز تعاون إيران في مختلف المجالات مع أفغانستان مع ضرورته لتأمين وضمان الاستقرار الإقليميين يعزز كذلك آلية الحوار البناء لإيران مع القوى العالمية، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي وروسيا والولايات المتحدة. فمن الممكن ومن خلال القيام بالأنشطة الثقافية في أفغانستان ووضع برامج مشتركة مع المؤسسات الدولية والبلدان القوية، ان تكتسب السياسة الخارجية الإيرانية فرصة تاريخية ذهبية واستخدامها كورقة ضغط رابحة في الحوار وتعزيز موقعها على الصعيدين الإقليمي والعالمي. هذه الميزة النسبية في السياسة الخارجية الإيرانية هي بلا شك بسبب القرب الثقافي للحكومتين والشعبين الإيراني والأفغاني والدور غير المرئي الذي يقوم به اللغة والأدب الفارسيان اللذان تجسدا كروحين في جسد واحد. وفي هذا الصدد، تلعب طاجيكستان كعضو في منظمة شنغهاي وآسيا الوسطى دوراً مهماً في السياسة الخارجية لإيران في المنطقة . ومن هنا يمكن اعتبار المشاركة الثقافية واللغوية مع هذا البلد بمثابة قاعدة اجتماعية اقتصادية في سوق إيران الكبير في آسيا الوسطى والقوقاز، بالإضافة إلى المنفعة المتبادل، بل يمكن أيضاً توسيع التعاون بين البلدين من خلال العلاقات الثلاثية ومن خلال اللغة والثقافة المشتركة لأفغانستان وتشكل تحالف صغير لإعادة بناء أفغانستان وحل مشاكلها والمساهمة في تطوير ونمو طاجيكستان من خلال مدّ يد العون اليها، كذلك يمكن العمل على تحويل المحور الثلاثي إلى نموذج للسلام والاستقرار والنمو الاقتصادي الإقليمي. (راجی،1394)
إنطلاقاً مما مرّ يمكن القول بأن اللغة الفارسية باعتبارها مكوناً ثقافياً في إنتاج القوّة الناعمة يمكن أن تتكلف بإنجاز المهام التالية:
ألف: تعزيز شرعية النظام السياسي؛ تكمن من وجهة نظر الرأي العام الدولي  شرعية النظام في آلياته الداخلية، ولكن يجب أن تاخذ الوحدات السياسية بنظر الاعتبار  سلوكها السياسي وترقب تحركاتها على الصعيد العالمي  وردود فعل الدول الأخرى على ما يصدر منها من قرارات ومواقف سياسية.  وتشهد الساحة اليوم صعود مؤسسات ومراكز دولية عامّه  مع أهداف ثقافية من قبيل تعليم اللغة. ومع ارتفاع عدد هذه المراكز والمؤسسات الدولية الحكومية وغير الحكومية منها، ينبغي أن يتصرف كل بلد بطريقة تعزز شرعيته في الشؤون الإنسانية والثقافية والإنسانية من خلال ترسيخ التعامل مع هذه المراكز والمؤسسات. لذلك، فإن أحد أهم مهام جهاز السياسة الخارجية هو تعزيز شرعيته على المستوى الدولي ودعم مؤسسات تعليم اللغة التي يمكن أن تساعد في تحقيق هذه الغاية.
ب: كسب الهيبة الدولية؛ يعد كسب البرستيج "الهيبة الدولية" من المهام الأخرى لجهاز السياسة الخارجية لأي بلد؛ لان  الحصول على المكانة والهيبة والاقتدار على المسرح الدولي هو أحد مقومات تحصيل القوّة الناعمة للبلد وتعزيزها. بمعنى أن مكانة وموقعية أي بلد في النظام العالمي، لها دور فعال في النهوض بأهدافه وتحقيق مصالحه الوطنية، ومن المكن ان تقوم الغة الفارسية  بمحتواها ورسالتها وأهدافها الإنسانية المتعالية بمساعدة جهاز السياسة الخارجية في جعل إيران وجهاً مرغوباً وتعطي صورة ناصعة عنها في المحافل الدولية.
ج: إدارة الرأي العام؛ تعد إدارة الرأي العام مهمة أخرى للسياسة الخارجية في إطار القوّة الناعمة. وان الدبلوماسية العامة هي الجزء الذي يمكن أن يدير الرأي العام من خلال اعتماد أساليب لينة بعيدة عن العنف. وتشتمل الدبلوماسية العامة على مجموعة من البرامج من قبيل نشر الكتب، إعداد وتوزيع الأفلام الروائية والأفلام الوثائقية والبرامج الإذاعية والتلفزيونية باللغات الدولية الرائجة، فضلاً عن عقد المهرجانات والمؤتمرات الدولية لتقريب الأفكار ووجهات النظر والرؤى والتصورات السياسية في الساحة العالمية. هذه المكونات هي أساساً في إطار آليات القوّة الناعمة وبعيداً عن أي آليات للقوّة  الصلبة ويظهر أن الإشراف الحكومي عليها يتم عبر جهاز السياسة الخارجية للبلاد. (خراسانی،1387) وبهذا الصدد  يمكن أن تساعد أنشطة مراكز ومؤسسات تعليم اللغة الفارسية في مختلف البلدان إيرانَ على إدارة الرأي العام الدولي.

5. الكلمة الأخيرة
تحاول بلدان عالمية وإقليمية قوية ومن أجل تعزيز قوتها الناعمة الثقافية الترويج للغتها الوطنية على مختلف المستويات، بحيث يمكنها من خلال هذه الطريق إضفاء الشرعية على أدائها في السياسة الدولية، وعرض صورة إيجابية عن نفسها في المحافل العالمية والرأي العام الدولي. وتحقيقاً لهذه الغاية، يقوم جهاز الدبلوماسية ووزارة الخارجية خلال حركتهما الدبلوماسية العامة بالسعي لترسيخ  لغتهم الوطنية من خلال الدعم المالي، وصنع السياسة الثقافية، والدعاية والتبليغ، وإعداد وتربية علماء مرموقين في هذا المجال، ودعم المحققين والباحثين الكبار و... في البلدان الإستراتيجية والبلدان المجاورة للتمكن من تحقيق النتائج المرجوة من دون تحميل خزينة الدولة ميزانية مالية باهظة. ولاشك أنه من الممكن أن يؤدي تعزيز اللغة الوطنية على المستوى العالمي إلى إعادة توزيع قيم البلد المستهدف، والتغلغل الثقافي، وزيادة التبادلات السياسية والثقافية، والتقارب بين الدول، وسيعزز تحقيق ذلك من زيادة القوّة الناعمة للبلدان القوية  في مجال اللغة. في ظل هذه الحقيقة، يجب على جمهورية إيران الإسلامية أن تسعى جاهدة لاستخدام قدراتها اللغوية وإمكاناتها لتعزيز قوتها الناعمة،و نظراً لوجود ناطقين باللغة الفارسية في البلدان الآسيوية وازدهار  الأدب الفارسي في شتى بقاع العالم ووجود علماء كبار يجيدون اللغة نطقاً وقواعد، يمكن للجمهورية الإسلامية استثمار  هذه الفرصة لتعزيز التكامل والانسجام الثقافي واللغوي مع قوتها الثقافية. 
وتتمثل بعض السياسات المقترحة في توسيع اللغة الفارسية وتعزيز الأدب الفارسي على المستويين الإقليمي والعالمي في الخطوات التالية: دعم وتطوير مؤسسات تعزيز اللغة الفارسية في البلدان الآسيوية، زيادة مستوى التعاون بين الجامعات الإيرانية وجامعات آسيا الوسطى لغرض تعزيز اللغة الفارسية، إجراء اختبار "تافل" الفارسي في البلدان الناطقة باللغة الفارسية، توسيع النشاطات على مستوى المهرجانات والندوات والمؤتمرات العلمية الخاصة باللغة الفارسية وآدابها في الدول المستقلة (مشترك المنافع)، وإنشاء مكتب لترويج اللغة الفارسية في وزارة الخارجية، وتفعيل نشاط مكاتب اللغة الفارسية في سفارات جمهورية إيران الإسلامية في جميع أنحاء العالم لغرض نشر وترويج اللغة والأدب الفارسي للراغبين بتعلمها، زيادة مستوى المنح والمقاعد الدراسية للغة والأدب الفارسية لأبناء البلدان الأخرى، وإنشاء أمانة للغة الفارسية في إحدى جامعات البلاد للتواصل مع الباحثين والمحققين باللغة الفارسية  في جميع أنحاء العالم، وعقد مهرجان سنوي لدعم العلماء الأجانب المشتغلين بهذه اللغة وآدابها؛ زيادة مستوى العلاقات الثقافية مع دول آسيا الوسطى من أجل تعزيز اللغة الفارسية لوجود  العدد الكبير من الناطقين بها، وإنتاج ونشر وتوزيع الكتب حول الموضوعات الثقافية وقيم الثورة الإسلامية في اللغة الفارسية، والعمل مع مراكز أبحاث اللغة العالمية لإنتاج المنشورات الفارسية للترويج دولياً لأبحاث اللغة الفارسية، دعم كبار الباحثين وعلماء اللغة الفارسية المشهورين لتطويرها على الصعيدين الكمي والنوعي، وإنشاء جامعة دولية تختص باللغة الفارسية لتعليم طلاب اللغات الأجنبية، وإنشاء مكتب لمراقبة اللغة الفارسية على الصعيد العالمي تابع لمركز الأبحاث الرئاسية، ورسم خطة عالمية للغة الفارسية في المجلس الأعلى للثورة الثقافية، ونشر الوثائق في مجال ترويج الأدب الفارسي، وإرسال المبعوثين والمبلغين الفرس إلى الجامعات في البلدان المشاطئة لبحر الخزر. 


الحاشیة
1 Joseph  Nye
2 Soft power
3 Foreign Policy
4     Soft power: the origins and  political progress of a concept
5 P. E. Louw
6 Professor Richard Rose.
7 Janice Bially Mattern
8 Why Soft Power Isn’t So Soft: Representational Force and the Sociolinguistic Construction of Attraction in World Politics
9 representational force
10 Kayoko Hashimoto
11 Ulara Nakagawa
12 Meng
13 Natalia Vladimirovn Kovalevskaya
14 David T. Hill
15 British Council
16 Thomas Molloy
17 Alexander T. J. Lennon
18 Russian World
19 Brand
20. Christopher Hill and Sarah Beadle
21 The Art of Attraction: Soft Power and the UK’s Role in the World
مصادر البحث
انتظامی، حسین (1393شمسي)، «زبان، از مظاهر قدرت نرم است = اللغة،  مظهر من مظاهر القوّة الناعمة »، مجلة المجلس ، 21 نوفمبر.
بنجي، غلامحسن (1381شمسي)، «نقش فرهنگ و ارزش ها در اقتدار ملی = دور الثقافة والقيم في تعزيز السلطة الوطنية»، فصلية دراسات الدفاع الاستراتيجي، الدروة الرابعة ، الاعداد 13 و 14.
حق پناه، جعفر و آخرون (1393شمسي)، قدرت نرم ایران در آسیای مرکزی و قفقاز= القوّة الناعمة الإيرانية في آسيا الوسطى والقوقاز،  طهران، معهد أبرار الثقافي المعاصر.
وكالة تسنيم للأنباء (2016:(: «رقبای آسیایی زبان فارسی چگونه مشتری جذب می‌کنند؟= كيف يجذب المنافسون الفارسيون الزبائن؟" ، وكالة تسنيم للأنباء ، 6 ديسمبر.
خراساني، رضا (1387شمسي)، «جایگاه و نقش قدرت فرهنگی در سیاست خارجی و تاثیر آن بر روند تحولات جهانی=  القوّة الثقافية ودورها في السياسة الخارجية وتأثيرها على عملية التنمية العالمية"، فصلية العلوم السياسية، الربيع، العدد 41.
دانش‌نیا، فرهاد (2013م)، «قبض و بسط مفهوم قدرت در سامان فکری جوزف نای= "فهم وتوسيع مفهوم القوّة في النظام الفكري جوزيف ناي"، فصلية البحوث السياسية المعاصرة، الدورة الرابعة، خريف، العدد 9.
سيم‌بر رضا وأحمد علي مقيمي (2015) ،، «منافع ملی و شاخص های دیپلماسی فرهنگی جمهوری إسلامی ایران= المصالح الوطنية ومؤشرات الدبلوماسية الثقافية لجمهورية إيران الإسلامية"، مجلة فصلية للسياسة العالمية ، العدد الاول. 
صادقي ، كمال (2016) ، «وضعیت گسترش زبان فارسی در جهان= "حالة انتشار اللغة الفارسية في العالم"، وكالة مهر للأنباء، 28 يوليو.
فتحي أردكاني، حسين وآخرون ((2018، «تجزیه و تحلیل الگوی قدرت نرم در خاورمیانه: مطالعه موردی عربستان سعودی=  تحليل نمط القوّة الناعمة في الشرق الأوسط: المملكة العربية السعودية نموذجاً، فصلية البحوث السياسية في العالم الإسلامي، السنة الثامنة، الربيع، العدد الاول.
قربي، سيد محمد جواد (2015) ، ، «مؤلفه‌های الهام بخشی و قدرت نرم جمهوری إسلامی ایران در جهان إسلام: مطالعه سیاست‌های کلی برنامه ششم توسعه= مكونات القوّة الملهمة والناعمة لجمهورية إيران الإسلامية في العالم الإسلامي: دراسة للسياسات العامة لخطة التنمية السادسة" ، الدورة الخامسة، الخريف، العدد 16.
قربي، سيد محمد جواد ومنصور حيدري (2016م)، «مؤلفه های قدرت نرم ایران در سند مؤلفه های هویت ملی ایرانیان= مكونات القوّة الناعمة الإيرانية في وثائق مكونات الهوية الوطنية الإيرانية"، فصلية دراسات القوّة الناعمة، السنة السادسة، الخريف والشتاء، العدد 15.
قربي، سيد محمد جواد ومنصور حيدري (2018م)، «فرهنگ و قدرت نرم؛ مطالعه منابع فرهنگی قدرت نرم در قانون اساسی جمهوری إسلامی ایران= الثقافة الناعمة والقوّة: دراسة الموارد الثقافية للقوّة  الناعمة في دستور جمهورية إيران الإسلامية" ، فصلية الدراسات الاستراتيجية الثقافية والاجتماعية، السنة السابعة، الربيع، العدد 26.
فريق المشرق للحرب الناعمة 2016م، برنامه‌ریزی آمریکا برای گسترش زبان انگلیسی در جهان= الاستراتيجية الامريكية لتوسيع نطاق اللغة الإنجليزية في العالم، مشرق ، 3 يونيو.
جلشن بجوه، محمدرضا(2008م)، جمهوری إسلامی ایران و قدرت نرم، تهران= جمهورية إيران الإسلامية والقوّة الناعمة لطهران، معاونية البحوث والدراسات في جامعة ازاد الحرة. 
لينون، ألكساندر تي جي. (2010م)، کاربرد قدرت نرم= استخدام القوّة الناعمة، ترجمه إلى الفارسية محسن روحاني، طهران ، مطبعة جامعة الإمام الصادق عليه السلام.
مهدي راجي، محمد (2015م)، «بررسی رابطه فرهنگ و زبان فارسی در سیاست خارجی جمهوری إسلامی ایران= دراسة العلاقة بين اللغة الفارسية والثقافة في السياسة الخارجية لجمهورية إيران الإسلامية"، صحيفة همشهري  الدبلوماسية ، خريف، العدد 84.
ناظمي، أمیر(2018م)، «سیاست زبان در جمهوری إسلامی ایران: پیشنهادهای سیاستی درخصوص زبان و زبان‌آموزی= السياسة اللغوية في جمهورية إيران الإسلامية: المقترحات السياسية حول اللغة وتعليمها" ، فصلية الدراسات الاستراتيجية في السياسة العامة ، المجلد 8 ، الربيع ، العدد 26.
ناي، جوزيف (2008م) ،  قدرت نرم= القوّة الناعمة، ترجمة محسن روحاني ومهدي ذوالفقاري، طهران، انتشارات جامعة الإمام الصادق عليه السلام.
ناي، جوزيف (2010م) ، «درک قدرت نرم،»، در آموزش عالی، فرهنگ عامه و قدرت نرم، تالیف واتانابه یاسوشی و دیوید مک کانل= "فهم القوّة الناعمة"، في التعليم العالي، الثقافة الشعبية والقوّة الناعمة، تأليف واتانابي ياسوشي وديفيد مكونيل، ترجمة محسن روحاني ، طهران، جامعة الإمام الصادق.
ناي، جوزيف (2014م) ، «قدرت نرم و رابطه آن با آموزش عالی= القوّة الناعمة وعلاقتها بالتعليم العالي"، مشرق، 11 يوليو.
هرسج، حسين وآخرون (2009م)، " «ژئوپلیتیک قدرت نرم ایران= الجغرافيا السياسية للقوّة  الناعمة الإيرانية"، مجلة العلوم السياسية، الربيع ، العدد 2.
ياسوشي، واتانابي وديفيد مكونيل (2010م)، آموزش عالی، فرهنگ عامه وقدرت نرم= التعليم العالي، الثقافة الشعبية والقوّة الناعمة، ترجمة محسن روحاني، طهران، جامعة الإمام الصادق.

British Council (2013): The English Effect: The Impact of English، What It's Worth to the UK and Why It Matters to World، British Council.
Cao، Qing (2011): “The language of soft power: mediating socio-political meanings in the Chinese media”، Critical Arts: South-North Cultural and Media Studies، Volume 25، Issue 1.
Castineira، Maria Luz Suarez (2013): language، power and international relations”، Challenges of the Knowledge Society. Bucharest، Pro Universitaria.
Hashimoto، Kayoko (2017): Japanese Language and Soft Power in Asia، Palgrave Macmillan
Hill، Christopher and Sarah Beadle (2014)، The Art of Attraction: Soft Power and the UK’s Role in the World، London، The British Academy
Hill، David (2016): “Language as soft power in bilateral relations: the case of Indonesian language in Australia”، Asia Pacific Journal of Education، Volume 36، Issue 3. 
Kovalevskaya، Natalia Vladimirovn (2015): “The role of the Spanish language as soft power in foreign policy of Spain”، Historical and social-educational ideas، vol. 7، No.5.
Laruelle، Marlene (2015)، The Russian World: Russia’s Soft Power and Geopolitical Imagination، the Center on Global Interests، May، Washington D.C.
Louw، P. Eric (2006): “Political power، national identity، and language: the case of Afrikaans”، International Journal of the Sociology of Language، October، Issue 170.
Mattern، Janice Bially(2005)، “Why Soft Power Isn’t So Soft: Representational Force and the Sociolinguistic Construction of Attraction in World Politics”، Millenium: Journal of International Studies، 2005، vol 33، No. 3.
Meng، Meng (2012): Chinese Soft Power: The Role of Culture and Confucianism، spring، Syracuse University Honors Program Capstone Projects.
Mohagheghnia، Hamed & Hadi Sharafi & Bijan Rabiee (2017): “The Role of Islamic Republic of Iran's Soft Power in the Middle East”، International Journal of Scientific Study، July، Vol 5، Issue 4.
Molloy، Thomas (2003): “English Language Training as a Projection of Soft Power”، The DISAM Journal، summer، Volume 25، No. 4.
Molloy، Thomas (2006): “Projecting Soft Power through English Language Training”، The DISAM Journal، Volume 28، No. 3.
Nakagawa، Ulara (2011):“Power of Languages”، the Diplomat، 9 March.
Nye، Joseph (2004)، “Soft Power and Higher Education”، in Devlin Maureen، Larson Richard، Meyerson Joel eds.، the Internet and the University: Forum 2004، Educause
Nye، Joseph (2004)، Soft Power: The Means to Success in World Politics، New York، Carnegie Council of Ethics and International Affair.
Nye، Joseph (2005)، “Soft Power and Higher Education”، January، Educause: Forum for the Future of Higher Education.
Nye، Joseph (2008)،“Public Diplomacy and Soft Power”، in Annals of American Academy of Political and Social Science، March، vol. 616.
Nye، Joseph (2009) Understanding International Conflicts: An Introduction to Theory and History (7th ed)، New York، Pearson/Longman.
Nye، Joseph (2017)، “Soft power: the origins and political progress of a concept”، Palgrave Communications، 21 February.
Rose، Richard (2005): Language، soft power and asymmetrical Internet communication، The University of Oxford for the Oxford Internet Institute، April، Research، Report 7.
Trunkos، Judit (2013)، what is soft power capability and how does it impact foreign policy? ، January 6، Prospectus Proposal University of South Carolina.
Wilkinson، Benedict James (2013): The Attraction of Language: Language، Soft Power and the Narrative Fallacy، Open University.


قراءة: 1524