فصلنامه مطالعات سیاست خارجی تهران
 

العلاقات الأمريكية الأوروبية في عهد ترامب

دکتور علی رضا کوهکن
أستاذ مساعد في العلاقات الدولية بجامعة العلامة الطباطبائي
(koohkan@atu.ac.ir)

الخلاصة
علاقات الولايات المتحدة بالبلدان الأوروبية واحدة من أهم الأركان التي يقوم عليها النظام العالمي الحالي و هيمنة الغرب على المؤسسات العالمية. تبلور أساس هذه العلاقة في عصر الاستعمار و طوال هذه الفترة سعى الغربيون إلى تجنّب انتقال مشاكلهم البينية إلى علاقاتهم بمناطق العالم الأخرى، و أن يكونوا متفاهمين في مسألة تسخير منابع و موارد تلك المناطق. فوز ترامب في عام 2016 م و الشعارات المتفاوتة التي رفعها و من ناحية ثانية المشاكل البنيوية التي يعيشها الغرب طرحت سؤالاً حول طبيعة التغييرات التي طرأت على العلاقة بين الولايات المتحدة و أوروبا في عهد ترامب، و إلى أيّ مدى تعدّ تغييرات جوهرية؟ 
يفترض المقال أنّ التغييرات في العلاقات الثنائية كبيرة، و لكن لم تصل إلى حدّ وقوع تغيير جوهري عليها؛ على الرغم من تبلور مقوماتها. يتناول المقال علاقات أمريكا بأوروبا في أربعة أطر: علاقات الولايات المتحدة بالاتحاد الأوروبي، و بالبلدان الأوروبية الكبرى على حدة أعني بريطانيا و فرنسا و ألمانيا. و قد شكّلت قضية محاربة الإرهاب أهم نقطة مشتركة في هذه العلاقات طيلة هذه الفترة، كما أنّ هناك خلافات بين الطرفين على الصُعُد الاقتصادية و التجارية و الأمنية و العسكرية و الهوياتية، و قد تركّز التغيير الأكبر في العلاقة مع ألمانيا.


الكلمات الأساسية: الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، العلاقات الخارجية، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا

 

مقدمة
بعد وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض عقب الانتخابات الأمريكية لعام 2016 م٬ شهدت سياسة الولايات المتحدة على الصعيدين الداخلي و الخارجي تحولات عديدة و عميقة كانت كفيلة بتعريف ترامب إلى العالم في ظرف مدة قصيرة. فبعد أن كان مغموراً في ميدان السياسة طرح أثناء حملته الانتخابية شعارات و موضوعات لا سابقة لها و يتنافى الكثير منها مع السياسات الرسمية لحكومة الولايات المتحدة. لكنّها كانت تتناغم مع نبض الشارع الأمريكي بشكل عام ممّا أتاح لترامب استقطاب الرأي العام الأمريكي ليصبح في نهاية المطاف الرئيس الخامس و الأربعين للولايات المتحدة. لقد أدّت السياسات الجديدة للإدارة الأمريكية إلى إحداث تغييرات ملموسة و كبيرة على علاقات أمريكا بسائر بلدان العالم. طبعاً لقد بذل ترامب خلال هذه الفترة محاولات لإثبات أنّه رئيس مختلف و هو ما سنلقي الضوء عليه في هذه الورقة.
في ضوء ما تقدّم٬ يتبلور سؤال رئيسي في هذا البحث هو: ما هي التحولات التي طرأت على علاقات الولايات المتحدة خلال فترة رئاسة الرئيس ترامب (2016 – 2018)؟ تفترض الورقة أنّ قوة العلاقات الأمريكية الأوروبية شهدت انخفاضاً ملموساً في الفترة المذكورة على الصُعُد السياسية و الاقتصادية و الأمنية و الاجتماعية. و للإجابة على السؤال الرئيسي المطروح هنا٬ سوف نحلّل هذه العلاقات خلال فترة تولّي ترامب للرئاسة في أربعة محاور هي: علاقات أمريكا بالاتحاد الأوروبي٬ علاقات أمريكا بفرنسا٬ علاقات أمريكا ببريطانيا٬ علاقات أمريكا بألمانيا.
نقطة الارتكاز الأهم في هذا البحث ستكون مفاصل التغيير الرئيسية في العلاقات خلال هذه الفترة لا سيما العلاقات السياسية و الاقتصادية و الأمنية و الاجتماعية٬ و بأسلوب وصفي تحليلي٬ و بالاستعانة بالمعلومات و البيانات المكتبية و مصادر الإنترنيت و المصادر المطبوعة. بعد مقدمة قصيرة سنطرح إطاراً نظرياً للبحث يقوم على نظرية جيمس روزنو حول عملية صنع القرارات في السياسة الخارجية. بعد ذلك سوف نتناول علاقات الولايات بأوروبا في أربعة محاور٬ علاقتها بالاتحاد الأوروبي٬ و علاقاتها بالبلدان الثلاثة فرنسا و بريطانيا و ألمانيا. في الختام٬ سنعرض نتائج البحث. تشكّل علاقات الولايات المتحدة بأوروبا أهم موضوع في النظام الدولي الراهن٬ حيث تأسّس المنتظم الدولي بعد الحرب العالمية الثانية على علاقات ضفتي الأطلسي٬ و أيّ تغيير جوهري و مهم يطرأ عليها سوف ينعكس بصورة مباشرة على تركيبة النظام الدولي و سيشعر بتأثيراته كل المنخرطين في السياسة الدولية. 

1. الإطار النظري
سوف نعتمد في هذه الورقة نظرية جيمس روزنو ذات المتغيرات الخمس كإطار نظري. و هي من النظريات الأساسية في مجال تنظيم و تحليل قرارات السياسة الخارجية. يعتقد جيمس روزنو أنّ السياسة الخارجية عبارة عن عملية معقدة تتأثّر بعوامل و متغيرات شتى وطنية و إقليمية و دولية من بينها المصادر الفردية٬ مصادر الدور٬ المصادر الحكومية٬ الموارد الوطنية و المصادر المنظومية أو الدولية. و فيما يلي شرح لكل من هذه المتغيّرات.
1-1. متغیر الشخصية: المتغير الفردي و يعني أيّ قرار يُتّخذ لكي يكون صاحب القرار مؤثّراً. في مجال اللاعبين الصغار يذكر روزنو لاعباً يشكّل المقصود الرئيسي لهذا المتغيّر. و مقصود روزنو من الفرد هو الذي يقود المجموعات الكبيرة٬ ذلك المسؤول العام أو القائد الذي يعمل على تعبئة المواطنين أو أعضاء المنظمة جميعاً ثم السيطرة عليهم (روزنو،1384: 172). من أجل تحليل تأثير هذا المتغيّر على السياسة الخارجية يتطلّب الأمر دراسة العوامل السايكولوجية منها السمات الشخصية و الوراثية٬ تاريخ حياة القادة٬ و مستوى الذكاء٬ و الإدراكات٬ و نظام العقائد و القيم٬ و التصورات٬ و التكيّف الاجتماعي و الرؤية الكونية و هي عوامل تجعل من اختيار قرار السياسة الخارجية للبلدان متمايزاً.
1-2. متغیر الدور: بحسب اعتقاد روزنو فإنّ المجموعة الثانية من المتغيرات تتعلق بالسلوك الخارجي للمسؤولين و الذي يتولّد عن طريق الأدوار التي تتمّ ممارستها و من الدور الذي يلعبه المسؤول من موقعه الوظيفي دون الالتفات ربما إلى الخصوصيات و السمات الشخصية (Rosenau,2006:172). يتعرّض الأفراد الذين يتصدّون لبعض الأدوار في عدد من تشكيلات السياسة الخارجية لمجموعة من الرغبات المتقاطعة و الصادرة بشكل متزامن عن المنظومات الخاصة التي ينتمون إليها أو كانوا ينتمون و المؤسسات الحكومية التي ترسم السياسات (Rosenau,1984:268). في الحقيقة إنّ موقع هؤلاء الأفراد في المنظومات الاجتماعية الخاصة و الحكومية هو المجتمع الداخلي الذي يصنع خياراتهم السياسية بما يؤدّي إلى استثارة ردود أفعالهم إزاء موضوع معين (Cameron,2009:9).
1-3. متغیّر الحکومة: يقع هذا المتغيّر خارج الأبعاد الشخصية في صنع القرار٬ و يتعلّق بالبعد الهيكلي للحكومة حيث يتمّ تحجيم عملية صنع القرار في السياسة الخارجية أو تعزيزها بواسطة صنّاع القرار في هذا المجال (Rosenau,2006:173). فتقوم الحكومات بالتطبيق الدقيق للسياسات الداخلية في مجال معين٬ و ترسم الأهداف الوطنية للبلد. و من أمثلة متغيّر الحكومة التي تؤثّر على عملية صنع القرار في حقل السياسة الخارجية العلاقة بين السلطتين التنفيذية و التشريعية٬ و طبيعة الحكم ديمقراطي أو استبدادي٬ و كذلك انفتاحه أو انغلاقه. و بناءً عليه٬ فعملية صنع القرار في حقل السياسة الخارجية تتأثّر بشدّة بطبيعة النظام السياسي و شكل الحكومة.
1-4. متغیّر الموارد الوطنية: لا تشكّل الأفكار و الاتجاهات القيمية المهمة للمجتمع٬ و قوة الوحدة الوطنية و المستوى التصنيعي الذي بلغه سوى جزءاً من المتغيرات الاجتماعية التي بمقدورها أن تساعد مضمون الأهداف و السياسة الخارجية للبلد (Rosenau,2006;173). فكل شعب له قيمه الاجتماعية الثابتة. و تعدّ الخصوصيات الوطنية و التقاليد السياسية و الاجتماعية للناس ذات تأثير أيضاً. كما تلعب المتطلبات الاجتماعية و نوعية الرخاء٬ و مستوى التعليم٬ و العامل الاقتصادي٬ و الحجم السكاني كعوامل وطنية دوراً مهماً في تحديد طبيعة العلاقة مع باقي الحكومات من تعاون و اتحاد في الاتفاقيات الدولية إلى سياسة الحياد و الانعزال في المحيط الدولي. في الحقيقة٬ إنّ هذه العوامل تمنح الحاضنة الاجتماعية إطارها الخاص حيث تصنع القرارات في داخل هذا الإطار (Hudson & Vore,1995:217).
1-5. متغیّر تركيبة النظام العالمي:  يعتقد روزنو تعذّر شرح سلوك الحكومات على صعيد السياسة الخارجية بالاعتماد على تحليل العوامل الداخلية فقط٬ لذا فإنّ دراسة تأثير تركيبة النظام العالمي يعدّ عاملاً مهماً للغاية لتحقيق هذا الغرض. فكلما طرأ تغيير على النظام العالمي٬ انعكس ذلك على سلوك و أداء الأقسام التابعة أيضاً؛ و على هذا الأساس يُنظر إليه كعامل مؤثّر على السلوك السياسي الخارجي للحكومات. كما يرى روزنو أنّ المتغير المنتظمي يشمل الأبعاد غير البشرية في المحيط الخارجي أو أيّ نشاطات و حوادث خارج البلاد من شأنها التأثير على الظروف و على خيارات المسؤولين بحيث يمكن أن تضع قيوداً أمام خيارات صنّاع القرار. فالحقائق الجغرافية و التحديات الأيديولوجية تشكّل نموذجاً للمتغيرات المنتظمية و التي بمقدورها أن تبلور قرارات و تدابير المسؤولين عن السياسة الخارجية و تحدّ من خياراتهم و تجعلها مشروطة (Rosenau,2006,173). بحسب رأي روزنو أنّ السياسة الخارجية للحكومات تُواجَه بردود أفعال الحكومات الأخرى و المجتمعات. و انطلاقاً من هذا تلجأ تلك الحكومات إلى تبنّي تدابير تكيّفيّة من أجل فرض سيطرتها السياسية على الحكومات الأخرى. و يتمّ هذا التكيّف على صورتين٬ تكيّف اختياري٬ و يحدث عندما لا تواجه الحكومة تهديداً في الداخل٬ فتقوم مختارة بالتكيّف مع محيطها٬ و الصورة الثانية تكيّف اجباري لا تستطيع الحكومة بموجبه أن تتكيّف مع محيطها وذلك بسبب رجحان المطالبات الداخلية على المطالبات الخارجية (Rosenau,1984: 270). 
تشكّل هذه النظرية الأساس للمتغيّرات التي سوف نناقشها في تغيّر العلاقات بين الولايات المتحدة و أوروبا في عهد ترامب. و من بين المتغيرات المذكورة تعدّ متغيّرات الفرد صانع القرار و العوامل غير الحكومية و النظام العالمي الأكثر استخداماً في هذه الورقة.

2. علاقات الاتحاد الأوروبي بالولايات المتحدة
تاريخياً تعود العلاقات الأمريكية الأوروبية في إطار العلاقات عبر الأطلسي إلى ما قبل تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية على يد المهاجرين الأوروبيين الذين تركوا بلدانهم بحثاً عن ظروف أفضل للحياة في أمريكا. و قد أدّى ذلك إلى ظهور مشاعر بالهوية الواحدة و سيادة القيم الموحدة في كلتا الضفتين٬ و لطالما سمعنا هذه العبارات في خطب الساسة في هذه البلدان. فالولايات المتحدة سارعت إلى نجدة أوروبا خلال الحربين الكونيتين و كان ضحايا الجنود الأمريكان في الحرب الثانية أقل قليلاً من ضحايا المملكة المتحدة التي اندلعت الحرب على تخومها. و قد شكّلت هذه العلاقات أساساً لقيام النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية و تبلور الجبهة المحتشدة للغرب٬ وأصبح هذا القطب المقتدر السيد المطلق للعالم و النظام العالمي الجديد. و تبلور في خضم هذه العلاقات نوع من تقسيم الأدوار و المصالح على مستوى كلي بين الطرفين. فاضطلعت الولايات المتحدة بالقيادة السياسية و الأمنية بل و الاقتصادية للعالم الغربي ما بعد الحرب العالمية الثانية. في المقابل تقبّل الطرف الأوروبي التفوّق أو الهيمنة الأمريكية على مصالحه بما في ذلك النمو الاقتصادي و توظيف مسألة الأمن إزاء التهديدات العالمية الخطيرة. مهّدت ظروف ما بعد الحرب العالمية الثانية و كون الولايات المتحدة قوة بلا منازع في ذلك العصر حتى نهايات القرن العشرين مهّدت لمثل هذا التقسيم في الأدوار و المصالح. و طبعاً لم تخلُ علاقات الطرفين طيلة هذه الفترة من بعض الأزمات٬ و لكن في كل الحالات لم يُمسّ جوهر العلاقة و لم يتعرّض شكل النظام العالمي المتبلور الذي ورث الحرب الكونية الثانية لأيّ تشكيك. و الملاحظة المهمة هنا في العلاقات الجديدة هي أنّه بسبب انحسار قدرات الولايات المتحدة فإنّ حاجتها و توجهاتها الجديدة في عهد إدارة ترامب و ظهور منافسين جدد على الساحة و تبلور أفكار جديدة عند الأوروبيين دفع بمؤشر التغييرات باتجاه جوهر هذه العلاقة الثنائية. نواصل بحثنا فنشير إلى أهم النقاط المطروحة في علاقات الولايات المتحدة بالاتحاد الأوروبي في عهد إدارة ترامب:

2-1. التصدّي لأوروبا الموحدة
لم يُخف ترامب رؤيته المتشائمة تجاه الاتحاد الأوروبي حتى قبل الإعلان عن فوزه في انتخابات الرئاسة٬ فبرأيه أنّ الاتحاد عبارة عن محاولة من قبل القوى الأوروبية لخلق معسكر قوي في مقابل الولايات المتحدة٬ في حين أنّ البلدان الأوروبية تعتمد في تأمين نفقاتها العسكرية و السياسية و الأمنية و الاقتصادية لنموّها على الولايات المتحدة٬ و هو ما عدّه نوعاً من الخيانة لبلاده٬ الأمر الذي يفسّر تأييده لخطوة إجراء الاستفتاء على البريكسيت في عام 2016 م و تصويت الشعب البريطاني لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي حيث أدلى ترامب عقب ذلك بتصريح قال فيه: «لقد استعاد الشعب البريطاني بلده من الاتحاد الأوروبي» (Reuters,2018).  و قد أثار التصريح ردود أفعال غاضبة من قبل الأوروبيين. و واصل ترامب نهجه حيث رفض في مناسبات عديدة أيّ محاولة للأوروبيين لتوحيد خطواتهم٬ و آخر مناسبة كانت عند زيارته لفرنسا حيث سخر من خطاب الرئيس ماكرون حول الجيش الأوروبي الموحد معتبراً أنّ مجرّد تشكيله في مقابل الولايات المتحدة يعدّ إهانة. و في معرض إشارته إلى عجز الأوروبيين عن تشكيل جيش قوي قال ترامب على أوروبا أولاً الوفاء بالتزاماتها تجاه حلف النيتو و من ثمّ طرح أفكار أكبر.

2-2. الرؤية التجارية بدلاً من الرؤية الاستراتيجية
في سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية٬ كان يُنظر إلى علاقات الولايات المتحدة مع بلدان أوروبا الغربية على أنّها علاقات استراتيجية٬ و كان موقف الطرفين موحداً إزاء العدو العالمي المشترك و المتمثل في الخطر الشيوعي آنذاك٬ و لكن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي و انتهاء الحرب الباردة و ما طرأ من تغييرات على علاقات القوى العالمية قبل ذلك٬ فتح الباب أمام بعض الأصوات للمطالبة بإنهاء تلك العلاقات الاستراتيجية. و تعدّ استراتيجية أوباما في الاستدارة نحو الشرق و كلمة روبرت غيتس وزير الدفاع الأمريكي الأسبق التي ألقاها في 2011 م و حثّ فيها الأوروبيين على وجوب التركيز على هذا التغيير في الرؤية تعدّ كلّها شواهد ظهرت إلى السطح قبل مجيء ترامب إلى البيت الأبيض (Gates, 2011). لقد شرح ترامب هذه القضية بكل صراحة و هو عاكف على متابعتها. لقد كشفت هذه الفكرة عن نفسها بوضوح أكبر في أزمتين٬ سوف نشير إليهما في المباحث القادمة:
2-2-1. النيتو
أثناء حملته الانتخابية وصف ترامب حلف النيتو بأنّه منظمة بالية عفا عليها الزمن. و واصل هذا النهج بجدية بعد وصول إدارته إلى البيت الأبيض حيث اعتبر أنّ تأمين الحكومة الأمريكية نفقات توفير الأمن الأوروبي من دون مساهمة الأوروبيين أمر غير عادل و لا بدّ من وضع حدّ له سريعاً. و تدّعي الولايات المتحدة أنّها تساهم لوحدها بـ73 في المأة من نفقات النيتو بينما تتنصّل الدول الأوروبية من مسؤولياتها على الرغم من قدرتها على المساهمة بـ2 في المأة من ناتجها المحلي الإجمالي في قضايا الدفاع٬ و تخلّفت 23 دولة عن البرنامج الخاص بهذا الموضوع (FRIEDMAN, 2018). و قد أعلن ترامب مراراً أنّه في حال عدم إيفاء الأوروبيين بالتزاماتهم فإنّه قد يتخلّى عن التزاماته إزاء النيتو. بعبارة أخرى٬ لم تعد أوروبا تحظى بأهمية استراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة حتى تتحمّل هذه الأخيرة أعباء الدفاع عنها، لذا٬ إذا كانوا يريدون أن يحظوا بحماية الولايات المتحدة عليهم أن يدفعوا نفقات هذه الحماية. و هو ما يلقى معارضة شديدة من قبل الأوروبيين. القبول بتفوّق الولايات المتحدة هو الثمن الذي دفعته أوروبا في مقابل ضمان أمنها. إذن٬ فهي ترغب في استمرار الضمانات الأمنية الأمريكية. و الجداول أدناه تبيّن بوضوح ميزانية حلف النيتو و التغييرات التي طرأت عليها.

2-2-2. التعرفة التجارية
لقد وصل ترامب إلى البيت الأبيض تحت شعار «أمريكا أولاً» و أعلن أنّه بصدد إصلاح العلاقات الاقتصادية غير المتكافئة بين الولايات المتحدة و سائر بلدان العالم٬ و توفير فرص العمل للعامل الأمريكي. و أهم سياسة لترامب في هذا المجال كانت وضع تعرفات تفضيلية و إلغاء الاتفاقيات التجارية المبرمة بين الولايات المتحدة و باقي الدول. و من بين المناطق التي سجّلت تجارة الولايات المتحدة معها عجزاً هائلاً هي أوروبا٬ حيث بلغ الميزان التجاري أكثر من 151 مليار دولار لصالح أوروبا٬ و وصف ترامب هذا بأنّه سرقة الاقتصاد الأمريكي٬ فانبرى إلى إصلاح هذا الوضع من خلال وضع تعرفات جديدة على المعادن و سائر الواردات القادمة من أوربا (International Trade Administration, 2018). و ردّ الأوروبيون بالمثل على هذه الخطوة٬ حيث لم يتوقعوا من ترامب أن يعاملهم كما يعامل الصين و الهند و المكسيك و شرق آسيا. طبعاً لم يكتف ترامب بهذه الخطوة٬ إذ ما فتأ يصرّح بأنّ أوروبا العدو التجاري للولايات المتحدة و كان في خطاباته خلال الانتخابات النصفية للكونغرس ينعت الأوروبيين بأنّهم قساة و قتلة اقتصاديين. لقد أثمرت ضغوط ترامب على أوروبا بأن أجبرها على التحرك نحو عقد تفاهمات معه و استطاع تعديل الميزان التجاري مع أوروبا لصالح أمريكا و ذلك من خلال زيادة واردات بعض المواد الزراعية و الغاز السائل. و ما تزال المفاوضات لحل الخلافات التجارية مستمرة٬ بيد أنّ الطرف الأوروبي صار يدرك جيداً بأنّ شأنه شأن بقية الدول و لم يعد شريكاً استراتيجياً للولايات المتحدة. و في معرض إشارتهم لهذا الموضوع يعترف الأوروبيون بأنّ عليهم هم أيضاً تغيير سياستهم تجاه الولايات المتحدة و البحث عن شركاء جدد.

2-3. تجاهل الحلفاء
إحدى الأمور التي عادت بقوة إلى السياسة الخارجية الأمريكية مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض مسألة الأحادية الأمريكية و تجاهل مطالبات حلفاء الولايات المتحدة و مصالحهم و جهودهم. و هذا الموضوع له سابقة طويلة في السياسة الأمريكية لكنّه في عهد ترامب تميّز من ناحيتين: أولاً٬ عاد و بزخم أشدّ٬ ثانياً٬ أنّه شمل جميع الحلفاء شرقاً و غرباً و لم يستثنِ أحداً. نذكر فيما يلي بعض الأمثلة على ذلك:

2-3-1. الانسحاب من اتفاقية باريس
إحدى الأمور التي طرحها ترامب أثناء حملته الانتخابية انتقاداته اللاذعة لاتفاقية باريس الخاصة بالحدّ من التغييرات المناخية٬ و بمجرّد استلامه لمهامه في البيت الأبيض كرئيس للولايات المتحدة اتّخذ عدّة خطوات انتهت بالانسحاب من الاتفاقية المذكورة. في البدء٬ ألغى جميع القرارات التي أصدرها الرئيس السابق فيما يتعلق بتنفيذ الاتفاقية٬ و من ثمّ أعلن انسحابه منها. و قد اتّخذ هذه الخطوة على الرغم من الجهود المضنية التي بذلها الحلفاء الأوروبيون للإبقاء على الولايات المتحدة في هذه الاتفاقية (Zhang et al., 2017)٬ و آخر تلك المحاولات كانت خلال آخر اجتماع عُقد لمجموعة العشرين في نهاية عام 2018 م. طبعاً هذا الانسحاب الأمريكي من اتفاقية المناخ له سابقة أيضاً فالرئيس الأسبق بل كلينتون أعلن انضمامه لاتفاقية كيوتو ثم جاء الرئيس بوش من بعده ليُعلن انسحابه منها.

2-3-2. الانسحاب من خطة العمل المشتركة الشاملة
لعلّ انسحاب ترامب من الاتفاق النووي أو ما يطلق عليها خطة العمل المشتركة الشاملة تمثّل ذورة السياسة الأحادية لإدارة ترامب على الصعيد الدولي. لقد أوفى ترامب بوعوده الانتخابية و أعلن في أبريل/نيسان 2018 م انسحاب الولايات المتحدة بصورة رسمية من الاتفاق النووي. و هي خطوة لقيت معارضة شديدة من معظم بلدان العالم٬ و انتقدها الاتحاد الأوروبي و روسية و الصين بوصفها البلدان الأخرى الموقعة على الاتفاق المذكور (Beauchamp, 2018). و لم يستند هذا العمل إلى أيّ وسيلة قانونية أو إعلامية ناهيك عن أنّه يعدّ انتهاكاً صريحاً لقرار مجلس الأمن أيضاً. لم تكترث الولايات المتحدة لمطالبات حلفائها الأوروبيين٬ و لم تكتف بهذا بل رفضت منحهم أيّ إعفاءات أو استثناءات بشأن العقوبات التي فرضتها لاحقاً على إيران (Landler, 2018). إنّ موضوع الانسحاب من خطة العمل المشتركة عدا عن جوهر هذا الاتفاق٬ يعتبر في نظر الكثيرين فرصة للطرفين ليظهروا مدى جديّة مساعيهم: من ناحية بسط الولايات المتحدة هيمنتها المطلقة على العالم و تصدّي القوى المقابلة لها.

2-4. روسیة
منذ انتخاب ترامب و روسية تشكّل موضوعاً حسّاساً على صعيد السياسة الداخلية و الخارجية للولايات المتحدة. فملف التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 2016 م لم يُغلق بعد. و من ناحية أخرى٬ كان هذا الموضوع مطروحاً على صعيد السياسة الخارجية الأمريكية. فقد شهدت علاقات روسية بالاتحاد الأوروبي منذ 2011 م  فما بعد توترات شديدة. فالمواجهة الطويلة بين الطرفين حول موضوع تمدّد حلف الناتو في الشرق و الحضور العسكري على تخوم روسية٬ و نصب الدرع الصاروخي بذريعة النشاطات الإيرانية على الحدود الروسية و وصوله إلى تخوم روسية، و الأزمة في سورية و محاولات الغرب للإطاحة بالحكومة الشرعية في سورية٬ و دعم موسكو لبشار الأسد٬ و أخيراً أزمة أوكرانيا التي طال أمدها بسبب تدخلات الغرب في السياسات الداخلية لهذا البلد٬ و لكن بعد عام 2014 م أخذت منحىً تصاعدياً بعد مطالبة شعب شبه جزيرة القرم بالانفصال عن أوكرانيا و الاندماج مع روسيا و قد وافقت الأخيرة على الطلب٬ بالإضافة إلى حروب الانفصال في شرق البلاد٬ و ما يزال الوضع كما هو. و ساعد على زيادة حدّة الأزمة موضوع الجاسوس الروسي الذي تمّ تسميمه في إنجلترا.
ولقد عبّرت إدارة ترامب عن موقفين متباينين فيما يخصّ موضوع العلاقات الروسية الأمريكية تسبّبا في حدوث تعارض بين الولايات المتحدة و أوروبا. في أوائل ولاية ترامب و في ضوء الوعود الانتخابية التي قطعها والمتمثلة في حل المشاكل التي تعترض العلاقة مع روسية و كذلك الشواهد الموجودة على التدخل الروسي في الانتخابات لصالح ترامب٬ كانت لدى الأوروبيين مخاوف جدية من أن تعمد الولايات المتحدة إلى تجاهل الأوروبيين و تقوم بحل مشاكلها مع روسية بصورة منفردة٬ و هي مخاوف ناشئة عن إعلان ترامب في السابق أنّه مستعد للاعتراف بضمّ روسية لشبه جزيرة القرم و رفع العقوبات الاقتصادية عنها.
 و طبعاً كان هذا الاحتمال في غاية الخطورة من وجهة نظر الأوروبيين٬ أعني٬ أن تفضّل الولايات المتحدة روسية عليهم. و قد خلق هذا الاحتمال إلى جانب تصريح ترامب بعدم أهمية أمن أوروبا بالنسبة للولايات المتحدة و الاستدارة نحو الشرق خلق شعوراً متفاقماً بانعدام الأمن لدى الأوروبيين. و كان الزعماء الأوروبيين في ذلك الوقت يطالبون الولايات المتحدة بصورة متكررة بعدم التوقيع على اتفاق أحادي مع روسية.
إلّا أنّ الحوادث ذهبت باتجاه معاكس تماماً٬ فنتيجة للضغوط الداخلية و الاتهامات بالتواطؤ مع روسية في الانتخابات اتّخذ ترامب سياسة متشدّدة معادية لروسية٬ و قد ذهب بعيداً في هذا النهج ويشهد عليه تصريح المسؤولين الأمريكان و الروس على السواء مراراً بأنّ العلاقات بين البلدين لم تكن يوماً بهذا السوء منذ انتهاء الحرب الباردة٬ و قد تسبّب ذلك في توتّر شديد بين الطرفين. فأصبح ترامب هنا هو المعترض على الأوروبيين بسبب علاقاتهم الاقتصادية مع روسية (Turak, 2018). و في المقابل ليس هناك رغبة لدى الأوروبيين في بلوغ التوتّر مع روسية هذا المستوى العالي و يفضلون تخفيضه عبر الحوار. 
وقد أثارت بعض التدابير التي اتّخذها ترامب مثل الانسحاب من معاهدة الصواريخ النووية المتوسطة حفيظة أوروبا و قلقها ما دفعها إلى المطالبة بإجراء محادثات مع روسية و مزيد من التعاون بين الولايات المتحدة و روسية من أجل خفض التوتّر بين البلدين. فالموضوع الروسي يشكّل هاجساً بالنسبة لدول شرق أوروبا٬ و لذلك فهم مستعدون لأي نوع من التعاون لرفع هذا الهاجس. الأمر الذي يفسّر تماهي السياسة الخارجية لهذه البلدان في السنوات الأخيرة بصورة تامة مع السياسة الأمريكية بما يجعلها أكثر نقاط العالم تأييداً لتوجهات إدارة ترامب٬ فأحدث هذا الموضوع شرخاً داخل الاتحاد الأوروبي.

2-5. غرب آسیا
منذ فترة و منطقة غرب آسيا تشهد قلاقل و أزمات شديدة بحيث يكفي لأزمة واحدة منها أن تدخل المنطقة بأكملها في دوامة لسنوات طويلة. و لا شكّ في أنّ السياسة الأمريكية قبل ترامب تجاه العديد من قضايا المنطقة كانت المحرّك الرئيسي للكثير من تلك الأزمات٬ فجاء ترامب بمقارباته غير الواقعية و الأحادية ليزيد من اضطرام تلك الأزمات. و تتمثّل سياسات ترامب في الأزمتين الرئيسيتين في المنطقة هي الدعم اللامحدود للسعودية و إسرائيل. و للأوروبيين نفس السياسة في كلتا الأزمتين لكنّهم سعوا دائماً إلى التعبير عن هذه السياسة و تطبيقها على نحوٍ تكون قابلة للتناغم مع شعارات حقوق الإنسان و المساعي التي تصبّ في مجال حل الخلافات٬ لكنّ ترامب أثبت أنّه لا يأبه كثيراً لقضايا هذه المنطقة. 
و ثمّة ملاحظة مهمة جداً هي أنّ السياسة في منطقة غرب آسيا و شمال أفريقيا ممتزجة و متشابكة بالأمور الذهنية و البريستيج و القضايا الاجتماعية٬ و عدم اهتمام ترامب بها يثير خشية متزايدة لدى الأوروبيين من استمرارها. فخطوة ترامب في نقل السفارة الأمريكية إلى القدس جوبهت بانتقادات و عدم ترحيب من قبل الاتحاد الأوروبي (Sampathkumar, 2018). كما أنّ دعم ترامب اللامحدود و المتواصل للسعودية في الداخل و في حربها في اليمن طمعاً في الاستحواذ على عقود التسليح و جذب الاستثمارات السعودية أثار دهشة و معارضة الأوروبيين حيث يعتقدون بأنّ هذه السياسات سوف تتسبّب على المدى الطويل في توسيع الأزمات الإقليمية في هذه المنطقة المضطربة أصلاً و التي تحظى بأهمية كبرى لمجاورتها القارة الأوروبية.

2-6. الإرهاب
منذ مدّة تحوّل موضوع الإرهاب إلى أهم هاجس يؤرّق البلدان الأوروبية. فقد تحوّلت سياسة مكافحة الإرهاب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر̸ أيلول 2001 م إلى يافطة رسمية في السياسة الخارجية الأمريكية٬ و ما تزال حتى اليوم. لقد خلق الغرب بتصرّفاته هذه ظروفاً صار معها أمن مواطنيه مهدداً في كل يوم. فقد تعرّضت العواصم الأوروبية للعديد من الحملات الإرهبية خلال السنوات الأخيرة و شاهد الناس كيف تحوّل منظر الجنود المدجّجين بالأسلحة في شوارع معظم المدن الأوروبية إلى مشاهد عادية و يومية. و لا يخفى هنا دور الولايات المتحدة في صنع بعض هذه الجماعات الإرهابية٬ و قد اعترف ترامب نفسه بهذا الأمر خلال حملته الانتخابية. ربما يكون موضوع محاربة الإرهاب أهم المحاور التي تُسجّل للتعاون المشترك في السياسة الأمريكية و الأوروبية في عهد ترامب (Tankel, 2018). في بداية ولايته و في أول رحلة له إلى أوروبا أعلن ترامپ صراحةً أنّ الموضوع الوحيد الذي يجد نفسه مستعداً لمناقشته دون أيّ هواجس بشأن التمويل و النفقات هو موضوع محاربة الإرهاب.

3. علاقات الولايات المتحدة و بريطانيا في عهد ترامب
بريطانيا هي الحليف الأهم للولايات المتحدة في أوروبا بل و في العالم. فقد حافظت هذه العلاقات على مستواها المتميّز منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية حين كان ونستون تشرتشل يطلق عليها بأنّها علاقات خاصة٬. آخر مثال على عمق هذه العلاقات مساندة بريطانيا للرئيس بوش في حرب العراق. و ينظر الكثير من أصحاب الرأي إلى بريطانيا كعميل للولايات المتحدة في أوروبا٬ و لهذا السبب يعتقدون بأنّ انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو إيذان باستقلال أوروبا عن الولايات المتحدة. في المباحث التالية سنناقش أهم القضايا ذات الصلة بعلاقات البلدين في فترة ولاية ترامب:

3-1. تباين القيم
برزت إحدى بوادر الخلاف بين الولايات المتحدة و بريطانيا في بداية عهد ترامب و بيّنت أنّ الحديث عن القيم المشتركة على ضفتي الإطلسي ربما يكون غير صحيح. فبعد الحملات العنصرية التي وقعت في ولاية فيرجينيا و عدم صدور أيّ إدانة عن ترامب للحادث٬ بينما أدان رئيس الوزراء البريطاني الحادث. كما أنّ تباين النظرة إزاء المرأة أيضاً كان سبباً في التقابل اللاحق. طبعاً هذه الأمور لم تتعدّ الإطار الرمزي و بالتالي لم تترك أيّ أثر سلبي على السياسات العملية. 

3-2. تباين التوجهات
تدور حكومة تيريزا مي مدار التجارة العالمية الحرة و توسيع المبادلات الاقتصادية المنظمة٬ و قد بذلت مساعي لتعزيز هذه الفكرة على الصعيد العالمي٬ لتضمن بهذه الطريقة تأمين مصالحها الاقتصادية. لكنّ ترامب بطرحه شعار «أمريكا أولاً» و «اشتر السلعة الأمريكية٬ لتضمن فرصة عمل للأمريكي» كان ينتهج٬ بنحوٍ ما٬ سياسة حمائية تتنافى مع توسيع التجارة الحرة. و قد تجلّت هذه الخلافات بشكل أوضح في موضوع التعرفة التجارية. و وجّه رئيس الوزراء البريطاني انتقادات لاذعة لمسألة وضع التعرفة التجارية معتبراً إيّاها خطراً جدياً يهدّد التجارة الحرة.

3-3- الحاجة المشتركة لحليف
لعلّ موضوع البريكسيت هو أهم قضية برزت في علاقات الولايات المتحدة و بريطانيا في السنتين الأوليين من فترة رئاسة ترامب. فحتى قبل فوزه بالرئاسة دافع ترامب عن البريكسيت و كان لهذا الموقف وقعٌ حسن لدى مؤيّدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. و بعد وصوله إلى البيت الأبيض اعتبر ترامب البريكسيت خطوة مناسبة تتيح الفرصة لإعادة اللحمة من جديد بين الولايات المتحدة و بريطانيا. و بالنسبة لإدارة ترامب التي كانت تواجه تحديات على أكثر من صعيد في تعاملها مع معظم بلدان العالم٬ فإنّ انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي و حاجة الولايات المتحدة إلى حليف جديد كانت تمثّل فرصة ذهبية يمكن استغلالها لتطويع بريطانيا كإحدى البلدان العالمية و بذلك يخرجا سوية من عزلتهما بين القوى الكبرى.
من ناحية أخرى٬ كان هناك تعهد مشابه لبريطانيا٬ فحكومة تيريزا مي التي كان أصل تشكيلها يقوم على تنفيذ اتفاق البريكسيت و التفاهمات ذات الصلة٬ كانت تواجه منذ بداية مجيئها سؤالاً كبيراً و هو: في حال انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي ما الذي سيعوّضها عن خسارة مصالحها في هذا الاتحاد؟ من المعلوم أنّه لو كان لديها بديل جاهز و موثوق فستكون لبريطانيا اليد الطولى في مفاوضات الانسحاب من الاتحاد٬ و لرفعت سقف توقعاتها من الاتفاق. 
عند انسحابها من الاتحاد كان لبريطانيا مطلبان رئيسيان: الأول٬ الدخول في تحالف سياسي جديد٬ الثاني٬ و هو أهم بكثير من الأول٬ ويتمثّل في العثور على مكان تستطيع التعويض فيه عن خسائرها الاقتصادية جراء انسحابها من الاتحاد الأوروبي. و ربما الولايات المتحدة تشكّل بديلاً مناسباً لتأمين كلا المطلبين معاً. و هذا التحالف هو الأنكلو أمريكي الذي له سابقة تاريخية طويلة٬ و من ناحية أخرى٬ يمكن للاقتصاد الأمريكي العملاق أن يساعد بريطانيا على نحوٍ ممتاز. و ربما لهذا السبب كانت السيدة مي أول مسؤول أجنبي يلتقي ترامب في البيت الأبيض٬ و تحدّثت عن تدشين فصل جديد في العلاقات الثنائية. ترامب أيضاً سعى أن يُظهر رغبة متقابلة في هذا الموضوع. و كان الانطباع الذي تبلور لدى الكثير بعد هذا اللقاء أنّ التعاون الثنائي بين القوتين على ضفتي الأطلسي هو على غرار ما كان في أيام بوش و بلير أو ريغان و تاتشر (Reuters,2018).
وتبيّن من تواصل هذه العلاقات خطأ التصور آنف الذكر. فترامپ يسعى إلى إنعاش اقتصاد الولايات المتحدة٬ و لهذا لم يكن يستطيع منح امتيازات اقتصادية لبريطانيا٬ و كل ما يطمح إليه هو اتحاد سياسي مع بريطانيا في مواجهة أوروبا في القضايا الخلافية بين الطرفين. في حين أنّ الموضوع الاقتصادي هو ما كان يحظى بأهمية حيوية بالنسبة لحكومة تيريزا و حلّ مشاكل ما بعد الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. من هنا٬ لم تكن مطامح الطرفين من هذه العلاقات متطابقة و لذلك لم‌تسفر عن أيّ نتيجة.
وسرعان ما ظهرت مؤشرات جعلت الحكومة البريطانية تدرك بأنّ هذا الطريق لن يصل إلى غايته٬ من بينها اختلاف الطرفين حول موضوع التعرفة التجارية٬ و القيم الليبرالية٬ و البيئة٬ و قضايا الشرق الأوسط٬ و طبيعة تعامل ترمب مع الإنجليز أثناء زيارته إلى بريطانيا. و من ناحية أخرى٬ تولّدت لدى الزعماء الإنجليز قناعة بأنّ الاتكاء على الولايات المتحدة لن يعود عليهم بنفع اقتصادي يُذكر نظراً للمسافة الشاسعة التي تفصل بريطانيا عن الولايات المتحدة و في نفس الوقت مجاورتها لبلدان الاتحاد الأوروبي المهمة اقتصادياً. و قد عزّز هذه القناعة بعض التصرّفات غير المحسوبة لترامب.
مع اتّضاح أبعاد هذا الموضوع٬ قرّرت بريطانيا التراجع عن متبنّياتها في بداية مجيء إدارة ترامب و التوجّه صوب الاتحاد الأوروبي و مواصلة التعاون معه حتى ما بعد انسحابها من الاتحاد٬ و تبيّن ذلك بجلاء في المشروع المرحلي لاتفاقية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. فالاتفاقية المرحلي كشف عن هذا الخيار الجوهري و هو توصّل بريطانيا إلى استنتاج مفاده أنّ عليها البحث عن مصالحها الاقتصادية الرئيسية مع جيرانها الأوروبيين٬ و إذا أرادت جني أرباح أكبر فعليها التوجّه إلى مستعمراتها السابقة في غرب آسيا و شرقها حتى غرب المحيط الأطلسي.
مع اتّضاح هذا التوجّه أدرك ترامب أيضاً و بخلاف استنتاجاته الأولية أنّه لاأمل يرُجى من الاتفاق الثنائي مع بريطانيا. بعد إبرام الاتفاق المبدئي بين بريطانيا و أوروبا٬ قال ترامب في أول تصريح له في 27 نوفمبر̸ تشرين الثاني 2018 م لا شك أنّه اتفاق جيد جيداً بالنسبة للاتحاد الأوروبي لكنّه يضع علامة استفهام حول العلاقة مع الولايات المتحدة. و يقصد من عبارته هذه أنّ الاتفاق قد يمنع بريطانيا من إبرام اتفاق للتجارة الحرة مع أمريكا.

4. علاقات الولايات المتحدة و فرنسا في عهد ترامب
خلال انتخابات الرئاسة الأمريكية أعرب فرانسوا اولاند الرئيس الفرنسي السابق عن تأييده فوز هيلاري كلينتون معتقداً أنّ هذا الفوز ضروري لعلاقات أفضل بين الولايات المتحدة و أوروبا. لهذا السبب٬ تلاشت الآمال بعلاقات جيدة مع فرنسا بعد انتخاب ترامب. بعد خمسة أشهر على تولّي إدارة ترامب زمام الأمور في الولايات المتحدة٬ أصبح إيمانويل ماكرون رئيساً لفرنسا. و قد أدّى رد الفعل الإيجابي الذي أبداه ترامب على انتخاب ماكرون الرئيس الشاب٬ و تصريحات الأخير حول ضرورة تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة أدّى إلى توجيه الأنظار نحو علاقات أفضل بين واشنطن و باريس. أهم القضايا التي برزت في علاقات الطرفين خلال فترة رئاسة ماكرون هي:
4-1. بداية واعدة
زيارة ماكرون الأولى للبيت الأبيض كانت مفعمة بالحميمية حتى أنّ وسائل الإعلام اختارت لها عنوان «اللقاء الحميمي». و كان حديث ترامب يزخر بالآمال العريضة و قام أمام عدسات المراسلين خلال اللقاء بنفض الغبار بيده عن سترة ماكرون تعبيراً عن ذروة الاحترام و التقدير للرئيس الضيف. ماكرون٬ الرئيس الشاب الذي شعر بحاجته الماسة للولايات المتحدة لترسيخ قدرته الداخلية و الخارجية٬ و كان بعضهم يتحدّث عن أنّ ترامب في قراراته الخارجية يهتمّ بشكل خاص بنصائح ماكرون٬ و أنّه قد بدأ فصل جديد من العلاقات الوثيقة بين الولايات المتحدة و فرنسا.
استمرّ هذا الحديث حتى أواخر عام 2018 م٬ و ما تزال وسائل الإعلام تحلّل مسار اللقاءات بين الرئيسين و ترصد مؤشر ازدياد أو انخفاض حرارة العلاقات الودية بينهما (Straits Times,2018). الفكرة التي كانت سائدة في فرنسا آنذاك هي أنّ تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة يمكن أن يساعد على تحسين الوضع الاقتصادي لفرنسا و سمعتها الدولية٬ و بمقدور هذا البلد في ظلّ وجود علاقات طيبة مع الولايات المتحدة أن يستعيد دوره كقوة مؤثرة و مهمة على الصعيد الدولي. لكنّ هذا لم يحدث.

4-2. الخلاف حول الالتزام بالاتفاقيات الدولية
منذ انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ و الخلافات بينها و بين فرنسا تأخذ طابعاً جدياً. فقد وعد ترامب أثناء حملته الانتخابية بالانسحاب من هذه الاتفاقية و بالفعل أوفى بما وعد به في الأيام الأولى من تولّيه منصبه و ألغى جميع القرارات التنفيذية لأوباما المتعلّقة بموضوع البيئة٬ و لم يُدلِ بأيّ تصريح رسمي حول طلب ماكرون بشأن الاتفاقية المذكورة٬ و على الرغم من كل ذلك أعلن ترامب بعد أشهر الانسحاب رسمياً من اتفاقية باريس حيث لم تثمر نداءات فرنسا و سائر الحلفاء في ثنيه عن عزمه.
  لا شك في أنّ انسحاب أمريكا من اتفاقية باريس مهم لجميع اللاعبين الدوليين٬ إلّا أنّه ينطوي على أهمية خاصة بالنسبة لفرنسا لأنّها الراعي للاتفاقية. و بعد هذا الانسحاب كان ماكرون يشير في جميع المناسبات المشتركة أو الدولية المهمة إلى هذا الموضوع٬ مطالباً أن يعي المجتمع الدولي أهمية هذه الاتفاقيات٬ و آخر مناسبة كانت اجتماع قمة العشرين في الأرجنتين في ديسمبر 2018 م (Nace, 2018).
والخلاف الخطير التالي بين البلدين كان انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي (خطة العمل المشتركة الشاملة). لقد فشل ماكرون في إقناع ترامب في تغيير موقفه من هذه المسألة٬ و في هذا الصدد أعربت فرنسا عن استعدادها في التفاوض مع الطرف الإيراني بشأن المخاوف الأمريكية٬ لكنّ الولايات المتحدة لم تُعر هذه النداءات آذاناً صاغية. و بعد سلوك ترامب هذا صرّح الفرنسيون بأنّ الولايات المتحدة لا تقيم وزناً لآراء حلفائها.

4-3. الخلافات الاقتصادية
في أواخر عام 2018 م وصلت شعبية ماكرون إلى أدنى مستوى في تاريخ رؤساء فرنسا في السنة الثانية من الرئاسة و أهم عامل وراء ذلك كان استمرار المشاكل الاقتصادية الموروثة خلال فترة حكومته. فكان ذلك برأي المراقبين حافزاً لكي يحظى الموضوع الاقتصادي بأهمية شخصية لدى ماكرون٬ و هو ما سيدفعه لاستنفار كل جهوده لتحقيق اختراق على هذا الصعيد. النظرة الحمائية لترامب تجاه الاقتصاد الداخلي الأمريكي و جهوده الحثيثة لإنعاشه و توفير فرص عمل للعمال الأمريكيين أدّت خلال هذه الفترة إلى خلق بعض المتاعب في حقل الاقتصاد مع بعض البلدان من بينها فرنسا. فيما يلي نشير إلى أمثلة لتلك المتاعب:
4-3-1. التعرفات التجارية
لجأت الولايات المتحدة إلى سلاح التعرفة التجارية للمحافظة على أسواقها الداخلية و إجبار شركاتها الاقتصادية على بذل المحاولات لتعديل العجز الكبير في ميزانها التجاري. ففرضت تعرفة تجارية بنسبة 25 في المأة على الفولاذ و 10 في المأة على الألومنيوم كما جرى الحديث عن أنواع أخرى جديدة من التعرفات، الأمر الذي سبّب هلعاً لدى الدول الأوروبية الكبرى. ففرنسا تواجه حالياً مشاكل اقتصادية خطيرة كانت سبباً في زعزعة الموقع السياسي لماكرون. و في ضوء علاقاته السياسية الجيدة طلب ماكرون من الولايات المتحدة أن يستثني فرنسا من هذه التعرفات الجديدة٬ فرُفض الطلب بكل بساطة. و قد برهنت إدارة ترامب عملياً عجزها عن تقديم المساعدة للاقتصاد الفرنسي بسبب مشاكلها الاقتصادية الداخلية٬ لذلك ليس لفرنسا أن تعقد الأمل على واشنطن في هذا الخصوص.
4-3-2. الإعفاءات من العقوبات
بعد فرض الولايات المتحدة عقوبات متنوعة على الكثير من الدول لا سيّما إيران و روسية٬ قدّمت حكومة ماكرون طلباً إلى وزارة الخزانة الأمريكية باستثناء الشركات الفرنسية من العقوبات الأمريكية نظراً لحجم التجارة الفرنسية مع تلك الدول التي تعرّضت للعقوبات. و في ضوء الوعود التي قطعها ترامب لماكرون في بداية ولايته و أنّ بمقدوره الاستفادة من السوق الإيرانية الواعدة٬ ممّا خلق تصوّراً لدى الشركات الفرنسية بإمكان حصولها على استثناءات محددة من وزارة الخزانة الأمريكية تتيح لها مواصلة تجارتها مع إيران٬ فإنّ هذا التصوّر لم يتحقّق عملياً٬ ما دفع وزير الاقتصاد الفرنسي إلى دعوة حكومته لمواجهة هذه السياسة الأمريكية للتعويض عن الخسائر التي تسبّبت بها للاقتصاد الفرنسي.

4-4. العلاقات العسكرية و الأمنية
بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت فرنسا و الولايات المتحدة حليفتين على صعيد العلاقات العسكرية و الأمنية. و شكّل الهاجس المشترك للإرهاب و حضورهما المشترك في العديد من الملفات مثل سورية و التدخلات خارج الحدود مثل أفريقيا سبباً لوحدة مواقفهما أو تنافرها في العديد من الأزمات العالمية الخطيرة. و تواصل هذا التعاون أو الاختلاف بينهما في عهد ماكرون أيضاً حيث نشير هنا إلى بعض الأمثلة.
4-4-1. الأزمة السورية
لقد دعمت الولايات المتحدة و فرنسا الإرهابيين في سورية منذ بداية تفجّر الأزمة في هذا البلد٬ و طالبتا بتنحّي الرئيس الأسد عن السلطة. من ناحيتها تعتبر فرنسا أنّ لها حقّاً خاصاً في التدخل من حيث أنّها تنظر إلى القضية من زاوية العلاقة الاستعمارية التقليدية التي تربطها بالمنطقة. و مع انحسار الأمل بانتصار الإرهابيين في سورية بفضل الدعم الروسي و الإيراني و حزب الله اللبناني للحكومة الشرعية في سورية، بات همّ البلدين هو كيفية إنهاء الأزمة هناك٬ ففي كل مرة حقّقت القوات الحكومية و حلفاؤها تقدماً في الميدان السورى طيلة السنتين الماضيتين تعالت أصوات الاعتراض في فرنسا و الولايات المتحدة و تجدّدت المحاولات لتلفيق الاتهامات في حصول هجمات كيميائية. و من الأمثلة على هذه السياسات المواقف المتّخذة أثناء معركة استعادة حلب و كذلك مزاعم القيام بهجوم كيميائي في ضواحي دمشق. و آخر موقف مشترك خطير للولايات المتحدة و فرنسا في الملف السوري كان الحملة المشتركة للبلدين و بمشاركة بريطانيا على سورية في 14 أبريل̸ نيسان 2018 م٬ ردّاً على مزاعم استخدام السلاح الكيميائي٬ و لم تكن الحملة بتفويض من مجلس الأمن٬ و طبعاً لم يكن لها تأثير يُذكر على مسار الأحداث في سورية.

4-4-2. الجيش الأوروبي
تعود فكرة الجيش الأوروبي الموحد إلى أيّام حكومة الجنرال ديغول في بداية الجمهورية الفرنسية الخامسة لكنّها لم تتّخذ طابعاً جدياً. لقد وضعت لجنة السياسة الدفاعية و الخارجية المشتركة (Common Foreign and Security Policy (CFSPفي الاتحاد الأوروبي هذه الفكرة ضمن جدول أعمالها و لكن لأسباب عدّة لم يكتب لها النجاح بعد. في السنوات الأخيرة تعزّزت الآمال بتطبيقها لعدّة عوامل٬ منها٬ أولاً٬ بعد الإعلان عن انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي٬ خرج أشدّ المعارضين لهذه الفكرة و بذلك أزيحت عقبة بريطانيا عن طريقها. و عليه٬ يمكن الخوض في الموضوع بجدية أكبر. ثانياً٬ بعد تصريحات ترامب التي حمل فيها على حلف النيتو و وصفه بالمنظمة التي عفا عليها الزمن٬ برز هذا السؤال من جديد٬ من الذي سيضمن أمن أوروبا؟ ممّا دعا الأوروبيين إلى دراسة إمكانية تأسيس الجيش الموحد. ثالثاً٬ بعد الضغوط التي مارستها الإدارة الأمريكية لزيادة المساهمات العسكرية للدول الأوروبية الأعضاء في النيتو٬ بدأ الساسة الأوربيون يتساءلون أنّنا إذا كنّا سنزيد المساهمات العسكرية٬ فلماذا لا نرصد تلك الأموال لتأسيس الجيش الأوروبي الموحد لتكون أوروبا هي المتحكمة بزمام هذا الجيش بدلاً من النيتو الذي يأتمر بأوامر الولايات المتحدة (HOLMES, 2018).
كان الرئيس الفرنسي ماكرون من أكثر المتحمسين لفكرة الجيش الأوروبي الموحد. و هذه الفكرة طبعاً كانت تمثل دائماً تهديداً ضمنياً للتفوق الأمني للولايات المتحدة على أوروبا٬ و هو ما يفسّر معارضة الأمريكان للفكرة إن بشكل مباشر أو عبر تحريض بلدان أوروبا الشرقية. و يعود آخر جدال بين البلدين حول الجيش الأوروبي إلى عام 2018 م أثناء زيارة ترامب لفرنسا في نوفمبر̸ تشرين الثاني. كان ماكرون قد أعلن قبل لقائه بترامب أنّه لا مفر أمام أوروبا سوى التحرّك صوب تأسيس جيش مستقل لتعمل بهذه الطريقة على تأمين احتياجاتها. فردّ عليه ترامب بسخرية: أجدر بأوروبا أن تدفع مستحقاته للنيتو أولاً و من ثم الخوض في هذه الأفكار٬ و قد كشف هذا الموضوع عمق الخلافات بين الطرفين في هذا المجال. (Brown, 2018).

5. العلاقات الأمريكية الألمانية في عهد ترامب
في الحقيقة٬ تعدّ ألمانيا قلب الاتحاد الأوروبي النابض٬ و نظراً للقوة السياسية و الاقتصادية التي تتمتّع بها بالإضافة إلى موقعها الجيوسياسي فإنّ التعاطي مع سياسات الاتحاد الأوروبي يكتسب معناه من خلال التعاطي مع ألمانيا. سجّلت المستشارة الألمانية إنغيلا ميركل أطول فترة حكم بين الزعماء الحاليين للقوى السياسية الأوروبية٬ و هي تجسّد رمز الاتحاد الأوروبي. و يعود الفضل لهذه السيدة في تحقيق أوضاع اقتصادية مناسبة في بلدها في خضم الأزمات الاقتصادية التي عصفت بأوروبا في العقد الماضي. مرّت العلاقات الأمريكية الألمانية في عهد أوباما بفترة ذهبية٬ لدرجة كان يقال عن وجود صداقة حميمة بينه و بين المستشارة ميركل. و لكن بعد تولّي ترامب زمام الأمور في بلاده شهد مسار العلاقات انعطافة مغايرة٬ و هو ما سنوضّحه في السطور القادمة.

5-1. العلاقات الأمنية بين الولايات المتحدة و ألمانيا
العلاقات العسكرية و الأمنية هي٬ من وجهة نظر الألمان٬ من أهم الأبعاد في العلاقات الأمريكية الألمانية. فمن بين البلدان الأوروبية٬ تعدّ ألمانيا الأكثر تبعية من الناحية العسكرية للولايات المتحدة للدفاع عن نفسها. و يعود ذلك إلى عوامل بنيوية فرضتها ظروف الحرب العالمية الثانية من أجل تحييد أوروبا من الصراعات و الخصومات. و لذلك فإنّ ألمانيا هي البلد الأكثر تضرراً من إضعاف النيتو لأنّها لاتملك خياراً آخر للدفاع عن نفسها بإزاء التهديدات الخارجية.
ومن المعلوم أنّ خطاب ترامب في عدم وفاء دول النيتو بالتزاماتها المالية تجاه الحلف كان موجّهاً بالدرجة الأساس إلى ألمانيا. و كان حوالي 1.23 في المأة من الناتج القومي الإجمالي لهذا البلد مخصّص للأغراض العسكرية. و طبعاً ارتفع هذا الرقم في عهد السيدة ميركل حيث قامت في السنوات الأخيرة بتخصيص 23 مليار يورور للنفقات العسكرية في بلادها. و نظراً لقوة الاقتصاد الألماني٬ فإنّ المسافة المتبقية للوصول إلى الرقم الذي وعدت دول الحلف لإنفاقه في الأغراض العسكرية أي 2 في المأة هو رقم كبير بالنسبة لألمانيا٬ و لهذا نجد الولايات المتحدة لم تتوقف عن ممارسة ضغوطها لزيادة التخصيصات العسكرية الألمانية (Allen, 2018). و في أول لقاء له بالسيدة ميركل أعلن ترامب أنّ ألمانيا مدينة للولايات المتحدة بمبلغ ثلاثة مليارات دولار تتعلق بالنفقات العسكرية٬ و عليها أن تسدّده بأسرع وقت٬ وقد أثار هذا التصريح دهشة السيدة ميركل٬ و على أي حال وافقت ألمانيا على تسريع وتيرة زيادة النفقات العسكرية٬ و لكن في نفس الوقت تحدّث الساسة الألمان في داخل البلاد عن أنّه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية و تقسيم الأدوار جرى الحديث عن ضرورة أن تضطلع ألمانيا بمسؤولية الدفاع عن نفسها و تقليل اعتمادها على واشنطن. ويشار إلى أنّ أنصار تأسيس الجيش الأوروبي الموحد في تزايد مضطرد.

5-2. العلاقات الاقتصادية الألمانية الأمريكية
تمثّل قضية توازن العلاقات الاقتصادية إحدى نقاط التحول في علاقات مختلف البلدان مع الولايات المتحدة في عهد ترامب. لقد بذل ترامب مساعي كبيرة للتقليل من العجز الهائل في الميزان التجاري الأمريكي٬ و في هذا الإطار ركّز بشكل خاص على الدول التي يعاني الميزان التجاري الأمريكي عجزاً كبيراً في علاقاته التجارية معها٬ و طبعاً ألمانيا إحدى تلك الدول. فقد سجّل الميزان التجاري بين البلدين في العام الماضي 51 مليار دولار لصالح ألمانيا و هو بلا شك رقم كبير. الجزء الأعظم من التعرفات التي فرضها ترامب على أوروبا تشمل الصناعات الألمانية٬ و بالأخص صناعة الفولاذ و التعدين. كما أنّ خطر التعرفات المفروضة على صناعة السيارات سوف يضرّ الاقتصاد الألماني بشكل كبير٬ و هو ما أشار إليه ترامب صراحة عندما قال أنّه في شارع الخمسين الراقي بنيويورك نجد عند باب كل منزل سيارة مرسيدس٬ و لكن كم من السيارات الأمريكية تجوب شوارع ألمانيا. كان لمثل هذه التدابير آثار سلبية شديدة على العلاقات الألمانية الأمريكية.
ربما نجحت ضغوط ترامب في زيادة طلبات الاستيراد الألمانية من الولايات المتحدة و لكن في نفس الوقت حفّز هذا الإجراء الألمان على البحث عن أسواق جديدة و حلفاء جدد٬ و في هذا الاتجاه يتابعون حثيثاً توسيع علاقاتهم الاقتصادية في المستقبل القريب مع الصين و الهند كأكبر قوتين اقتصاديتين في العالم٬ و تجلّت هذه المساعي في الاجتماعات العديدة لألمانيا أو الاتحاد الأوروبي لتوسيع التعاون مع الصين و الرحلات المكررة للمسؤولين الألمان إلى الهند. لا شك في أنّ مثل هذه السياسة تتطلب إحداث تغييرات واسعة في البنية الاقتصادية بل و حتى في الأفكار السائدة في هذا البلد و طبعاً لا يمكن أن يحدث هذا بين ليلة و ضحاها.

5-3. العلاقات السياسية بين ألمانيا و الولايات المتحدة
في عهد الرئيس السابق أوباما كانت للألمان علاقات سياسية وثيقة مع الولايات المتحدة٬ انعكست في المجالات الاجتماعية و العامة أيضاً. و وفقاً لاستطلاعات الرأي التي أجريت في فترة رئاسة أوباما فإنّ أكثر من 86 في المأة من الألمان كانوا ينظرون إلى الولايات المتحدة كحليف موثوق و كانوا يثقون بأوباما. ومع مجيء ترامب إلى السلطة انخفض هذا الرقم إلى 9 في المأة بما يؤشّر التغيير الهائل الذي طرأ على العلاقات بين البلدين.
يمكن دراسة القضايا السياسية الرئيسية التي تهمّ البلدين في محورين:
5-3-1. تباين النظرة العالمية
تتمركز النظرة العالمية للفريق الحاكم في ألمانيا حالياً على قضية التعاون العالمي و السعي الجاد لحل المشاكل بصورة جماعية٬ و كان للسيدة ميركل خطابات عديدة في هذا الخصوص. و من الشواهد الدالة على هذه النظرة الأزمة الاقتصادية في أوروبا و أزمة الهجرة و المساعي الألمانية لحلّها. فالقيادة الألمانية تسعى بالتعاون مع الدول الأخرى إلى عولمة الأزمات القائمة و تحويلها إلى فرص و من ثم استثمارها. في حين يرنو ترامب في ظلّ الشعار الذي رفعه أمريكا أولاً إلى إحياء نوع من الشعور القومي المحلي. و قد أدّت هذه القضية إلى حدوث مواجهة سياسية بين البلدين في الكثير من الميادين. من الأمثلة على ذلك تراجع ترامب عن توقيعه على البيان الختامي لقمة مجموعة السبع في كندا و الذي جوبه بردّ فعل شديد من قبل ألمانيا. ناهيك عن محاولات اللحظة الأخيرة لإقناع الولايات المتحدة للبقاء في الاتفاق النووي و لقاء ميركل بترامب حول هذه القضية و عدم اكتراث الإدارة الأمريكية للمحاولات الألمانية. بدورهم ينظر الألمان إلى هذه التصرفات الأمريكية على أنّها نوع من الهجوم على قيم العولمة. فقد استهجنت السيدة ميركل في خطاب لها في سبتمبر̸ أيلول 2018 م هذه الممارسات و اعتبرتها بمثابة محاولة لتحقيق نصر شخصي عوضاً عن نصر جماعي و طالبت بتغيير هذا السلوك.

5-3-2. السياسات الإقليمية
لطالما سعى الألمان في السياسات الإقليمية إلى إدارة الأزمات المنتشرة حولهم و تحجيمها٬ و بالتالي فهم لا يحبذون سياسة تأجيج الصراعات و الأزمات أبداً. و من أمثلة ذلك علاقاتهم بروسية. فقد كان الألمان السبّاقون إلى مواجهة التدابير الروسية في أوكرانيا و ضمّها لشبه جزيرة القرم٬ و كان إقرار الاتحاد الأوروبي للعقوبات ضدّ هذا البلد بتأثير من ألمانيا. كما أنّ الرؤية الإيجابية الأولية لترامب تجاه روسية جوبهت برفض ألماني. و لكن مع ذلك٬ لا يفضّل الألمان تفاقم أزمة العلاقات مع روسية و خروجها عن السيطرة٬ و يقفون بوجه المحاولات التي تبذل في هذا الإطار و هو ما تجسّد في الاستثمارات الألمانية في مشروع مدّ خط أنابيب الغاز الجديد و المباشر من روسية٬ و اللقاءات المتعددة للسيدة ميركل مع بوتين٬ و قد أثارت هذه الخطوات حفيظة ترامب و انتقاداتها الشديدة٬ حيث هاجم السياسة الألمانية و صرّح في يوليو̸ تموز 2018 م في اجتماع لحلف النيتو بأنّ ألمانيا في قبضة روسيا٬ و كان يشير بذلك إلى واردات الغاز و الطاقة من روسية (Allen, 2018). و عليه٬ فقد كانت العلاقات الاقتصادية الألمانية الروسية موضع انتقاد دائم من قبل ترامب٬ و قالها صراحة بأنّ أمن حلفائنا هو مسؤوليتنا و أنّهم يقيمون علاقات مع أعدائنا٬ و بدورها رفضت ميركل هذه الاتهامات. ربما تكون الضغوط الأمريكية قد نجحت في إجبار ألمانيا على زيادة واردات أل أن جي من الولايات المتحدة٬ لكنّ ألمانيا لم تتراجع عن الاستثمار في مشروع واردات الغاز من روسية.
6. خلاصة البحث
حاولنا في هذه الورقة الإجابة عن سؤال رئيسي هو: ما التغييرات التي طرأت على العلاقات بين الولايات المتحدة و أوروبا في عهد ترامب؟ و تركّزت الإجابة عبر أربعة محاور هي: علاقات أمريكا بالاتحاد الأوروبي٬ و بالبلدان الأوروبية الرئيسية الثلاثة أعني بريطانيا و فرنسا و ألمانيا. و تناولنا في حديثنا عن علاقات أمريكا بالاتحاد الأوروبي عن النظرة السلبية للولايات المتحدة تجاه الجهود الموحدة للاتحاد الأوروبي٬ و الخلافات الاقتصادية حول العجز في الميزان التجاري الذي يبلغ 150 مليار دولار، و النظرة إلى التعاون الدولي٬ بالإضافة إلى قضايا إقليمية و أزمات الشرق الأوسط. و ذكرنا بأنّ التعاون في مواجهة الإرهاب كانت النقطة المشتركة في علاقات التعاون بين الطرفين خلال السنتين الماضيتين. و في العلاقة مع بريطانيا خلقت الحاجة المشتركة للتعاون تصوّراً بأنّ آفاق التعاون سوف تتّسع٬ و لكن في نهاية المطاف تغيّر اتجاه مسار التعاون البريطاني صوب أوروبا بدلاً من الولايات المتحدة. بالنسبة لفرنسا و في ضوء قدرات الرئيس الفرنسي و المشاكل الاقتصادية الشديدة التي تعصف بهذا البلد٬ فإنّ العلاقات الأمريكية الفرنسية اتّخذت طابعا شخصياً فشهدت في بداياتها قفزات كبيرة٬ و لكن تبيّن فيما بعد بأنّ الولايات المتحدة و بسبب مشاكلها الداخلية غير قادرة على تقديم أيّ مساعدة لفرنسا في هذا المجال. ربمّا العلاقات الأمريكية الألمانية كانت المتضرّر الأكبر في هذا الإطار بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض. فالخلافات التجارية و الخلافات داخل حلف النيتو و الخلافات حول السياسات الإقليمية بل و حتى الخلافات القيمية كلّها أدّت إلى ابتعاد ألمانيا عن الولايات المتحدة. و كان لهذا الأمر تأثير كبير حتى على التصوّر الاجتماعي للطرفين. فمستوى ثقة الألمان بالرئيس الأمريكي انخفض حوالي 80 في المأة٬ و قد يكون رقماً قياسياً طيلة الخمسين سنة الماضية.
ربما تشكّل هذه العلاقات المتوترة فرصة مناسبة للجمهورية الإسلامية الإيرانية لتوظيف الإمكانات الاجتماعية المتوفرة بالقوة باتجاه الاستفادة من الخيار الأوروبي للتخفيف من الضغط الأمريكي. طبعاً لا بدّ أن نذكر نقطة مهمة و هي أنّ الأوروبيين أنفسهم قد تحرّكوا نحو الشرق للتخفيف من مستوى الأضرار بسبب الضغوط الأمريكية و يمكن أن يقدّم هذا نموذجاً يحتذى لإيران.


المصادر

روزنو، جیمس.(1384). آشوب در سیاست جهان. ترجمه علی رضا طیب. طهران: منشورات روزنه.


Allen, Jonathan (2018) Trump doubles request for NATO defense dollars, calls Germany 'a captive of Russia', NBC news, 11/07/2018, from: https://www.nbcnews.com/politics/donald-trump/trump-blasts-nato-allies-says-germany-captive-russia-n890471, retrieved at: 05/12/2018.
Allen, Nick (2018) Donald Trump says Germany must pay more for defence amid Nato spending tensions, Telegraph, 27/04/2018, from: https://www.telegraph.co.uk/news/2018/04/27/donald-trump-says-germany-must-pay-defence-amid-nato-spending/, retrieved at: 05/12/2018.
Beauchamp, Zack (2018) Trump’s withdrawal from the Iran nuclear deal, explained, vox, 08/05/2018, from: https://www.vox.com/world/2018/5/8/17328520/iran-nuclear-deal-trump-withdraw, retrieved at: 28/11/2018.
Brown, David (2018) Trump fights Macron’s European army over words, not weapons, Politico, 19/11/2018, from: https://www.politico.eu/article/trump-fights-macrons-european-army-over-words-not-weapons-nato/, retrieved at: 28/11/2018.
Cameron, G. T. (2009). Role theory and Foreign policy. International studies Association compendium project, 30(2).
FRIEDMAN, URI (2018) Trump vs. NATO: It's Not Just About the Money, The Atlantic, 12/07/2018, from: https://www.theatlantic.com/international/archive/2018/07/trump-nato-allies/564881/, retrieved at: 28/11/2018.
Gates, Robert M. (2011) Remarks by Secretary Gates at the Security and Defense Agenda in Brussels, U.S Department of Defense official site, 10/06/2011, from: http://archive.defense.gov/Transcripts/Transcript.aspx?TranscriptID=4839, retrieved at: 28/11/2018.
HOLMES, JAMES R. (2018) A pan-European army makes sense — but not because of Trump, Hill, 16/11/2018, from: https://thehill.com/opinion/national-security/416976-a-pan-european-army-makes-sense-but-not-because-of-trump, retrieved at: 28/11/2018.
Hudson, V.M., & Vore, C.J. (1995). Foreign policy analysis yesterday, today and tomorrow. Mershon International Studies Review, 39(2),209-238.
Landler, Mark (2018) Trump Abandons Iran Nuclear Deal He Long Scorned, New York Times, 08/05/2018, from: https://www.nytimes.com/2018/05/08/world/middleeast/trump-iran-nuclear-deal.html, retrieved at: 28/11/2018.
N,n (2018) Top U.S. Trade Partners Ranked by 2017 U.S. Total Export Value for Goods, International Trade Administration, from: https://www.trade.gov/mas/ian/build/groups/public/@tg_ian/documents/webcontent/tg_ian_003364.pdf, retrieved at: 28/11/2018.
N,n (2018) Trump, after visit, slams France's Macron as relations sour, Straits Times, 13/11/2018, from: https://www.straitstimes.com/world/united-states/trump-after-visit-slams-frances-macron-as-relations-sour, retrieved at: 28/11/2018.
N,n (2018) U.S. President Trump's views on UK's May, Brexit, Reuters, 13/07/2018, from: https://www.reuters.com/article/us-usa-trump-britain-sun-factbox/factbox-u-s-president-trumps-views-on-uks-may-brexit-idUSKBN1K31J0, retrieved at: 29/11/2018.
Nace, Trevor (2018) Trump Administration Stands Alone As the Rest of the G20 Pledges To Fight Climate Change, Forbes, 04/12/2018, from: https://www.forbes.com/sites/trevornace/2018/12/04/trump-im-too-intelligent-to-believe-in-climate-change-as-he-stands-alone-against-global-alliance/#7b5ba55a3c4a, retrieved at: 05/12/2018.
Rosenau, J. (1984). A Pre-theory Revisited: World political in an Era of cascading interdependence. Inrernational studies Quarterly,28(3),245-305.
Rosenau, J. (2006). The study of world politics: theoretical and methodological challenges. Madison Ave, New York: Routledge.
Sampathkumar, Mythili (2018) Donald Trump says recognizing Jerusalem as Israel’s capital ‘was a wonderful thing, Independent, 05/03/2018, from: https://www.independent.co.uk/news/world/americas/us-politics/donald-trump-israel-jerusalem-capital-benjamin-netanyahu-a8241036.html, retrieved at: 28/11/2018.
Tankel, Stephen (2018) has Trump Read His Own Counterterrorism Strategy, Foreign Policy, Oct 2018, from: https://foreignpolicy.com/2018/10/12/has-trump-read-his-own-counterterrorism-strategy/, retrieved at: 28/11/2018.
Turak, Natasha (2018) Here’s where Trump has been tough on Russia — and where he’s backed down, CNBC, 16/07/2018, from: https://www.cnbc.com/2018/07/16/heres-where-trump-has-been-tough-on-russia--and-where-hes-backed-do.html, retrieved at: 28/11/2018.
Zhang, Hai-Bin et al. (2017) U.S. withdrawal from the Paris Agreement: Reasons, impacts, and China's response, Advances in Climate Change Research, Vol. 8, Dec 2017, Pages 220-225.


قراءة: 796