فصلنامه مطالعات سیاست خارجی تهران
 

كلمة رئيس التحرير

حسین صفدري


اليمن ثابت و صامد

يتألّف اليمن من تركيبة سكانية متنوعة تضمّ الزيدية و أهل السنّة و الشيعة الإثنى‌عشرية و الإسماعيلية٬ و قد شهد تاريخه السياسي تحوّلات جمّة صعوداً و هبوطاً. و على الرغم من أنّه يستحوذ على مضيق باب المندب الذي يعدّ واحداً من أهم خطوط الملاحة المائية الاستراتيجية في العالم٬ إلّا أنّه و للأسف يعدّ أحد أفقر دول العالم. فمؤشر الجوع و الفقر و انعدام البنى التحتية الصحية في هذا البلد (لاسيّما في زمن انتشار فيروس كورونا المستجد) بلغ الذروة. 
و تعدّ التحديات الداخلية و صراعات التيارات السياسية و العدوان العسكري السعودي مصدر الأزمات الاجتماعية و الاضطرابات التي يعاني منها هذا البلد. 
في شهر مارس̸ آذار 2015 م شنّت العربية السعودية متخفيةً تحت ستار تحالف مصطنع عدواناً عسكرياً واسعاً على اليمن. و منذ اللحظة الأولى لبدء العمليات العسكرية تحت اسم «عاصفة الحزم» لم تتوقف الاعتداءات الجوية و الهجمات الصاروخية ضدّ الأحياء السكنية و المناطق المدنية في هذا البلد. و قد ألحقت هذه الهجمات حتى الآن خسائر مادية و معنوية فادحة بالشعب اليمني. إنّ طيش الحكام الجدد في السعودية و دعم الإدارة الأمريكية للعدوان العسكري السعودي و صمت الدول الغربية قد زاد من تكاليف الحرب على الشعب الفقير و من تعقيد الأوضاع السياسية في اليمن٬ و لكن مع ذلك لم ينجح هذا العدوان في كسر إرادة قوات المقاومة الشعبية أمام القوى الأجنبية٬ بل بفضل المقاومة الإسلامية في اليمن و صمودها بوجه التهديدات المتصاعدة للعدو استطاع هذا البلد أن يخطو خطوات واسعة على طريق فرض معادلة التوازن الاستراتيجية باستهدافه لمواقع حيوية و مهمة مثل تأسيسات شركة آرامكو في قلب العربية السعودية عبر شنّ هجمات صاروخية و استخدام الطائرات المسيّرة.
اليوم و بعد مرور أكثر من خمس سنوات على بدء العمليات العسكرية السعودية ضدّ اليمن  و فرض الحصار البحري و البري و الجوي عليه و التسبّب بمجاعة و قحط و استخدام مختلف وسائل القمع ضدّ الشعب اليمني فإنّ الضمائر الحيّة و النخب السياسية في العالم مدعوة لتقييم الحقائق الموجودة في هذه النقطة من العالم و هي ترى بأنّ:
1-لقد عجزت العربية السعودية عن إعادة عميلها المدعو "عبد ربه منصور هادي" إلى السلطة٬ أو بحسب زعمها إزاحة حركة أنصار الله من المعادلة السياسية للبلاد٬ و إنهاء النفوذ الإيراني على الحدود الجنوبية للسعودية.
2-الفشل الذريع لمقاربة الولايات المتحدة و حلفائها في السعي إلى تحويل المناطق الصحراوية البعيدة عن سيطرة الحكومة المركزية إلى أفغانستان ثانية مستغلة الفراغ الحكومي هناك٬ و تدريب التيارات الإرهابية – التكفيرية من أجل تحقيق الأهداف الإقليمية للولايات المتحدة٬ و التصدّي لتعاظم المد الإسلامي الأصيل. كما أنّ الدول التي حاولت أن تستغلّ هذا الوضع لصالحها مثل دولة الإمارات و تركية و قطر قد فشلت هي الأخرى في مساعيها ممّا اضطرّت إلى إعادة ترتيب أوراقها و تعديل بعض سياساتها. 
3-الدول التي انضمّت إلى التحالف بقيادة السعودية لشنّ العدوان على اليمن كلّ لأسباب خاصة مثل التهديد و التطميع و الوعود بتحقيق النصر في أقل من شهر٬ بدأت بتقليص دورها وصولاً إلى تصفيره و الانسحاب من المشهد كلٌّ لأسباب خاصة أيضاً. أما أكثر أعضاء هذا التحالف وفاءً للعربية السعودية أعني دولة الإمارات العربية المتحدة فقد قامت بسحب قواتها من اليمن٬ حيث أعلن هذا الخبر عیسی المزروعي، قائد العمليات المشتركة الإماراتية في اليمن مضيفاً: على مدى السنوات الخمس الماضية أدّى 15 ألف جندي إماراتي واجباتهم في مختلف المناطق اليمنية٬ و قد قُتل منهم 108 عنصر على أرض اليمن. 
4-لقد كانت الولايات المتحدة الرابح الأكبر من حرب اليمن و ذلك بفضل مبيعاتها من الأسلحة للعربية السعودية و بعض دول المنطقة. فلا شك في أنّ استمرار الحرب في اليمن يزيد من انتعاش صادرات الأسلحة للسعودية٬ و قد أدّت هذه المسألة إلى الحؤول دون طرح مبادرات جادة و فعالة لإنهاء الحرب. 
5-ما تزال جماعة أنصار الله صامدة و راسخة كما في الأيام الأولى للحرب و كلها عزم على المحافظة على وحدة اليمن و سيادته الوطنية و سلامة أراضيه. و هي تعتبر نفسها جزءاً من محور المقاومة الإسلامية في المنطقة و تقف بصلابة بوجه الكيان الصهيوني أسوةً بسائر أطراف المقاومة في المنطقة٬ و على الصعيد الداخلي ترحب بأيّ حوار أو محادثات مع جميع التيارات السياسية اليمنية و تؤكّد على ضرورة بناء الدولة المنبثقة عن آراء الشعب.
6-بفضل صلابة و صمود الشعوب و بخاصة الشعب اليمني الثوري الصابر٬ تغيّرت الصيغ الأمنية السائدة و معادلة توازن القوى في العالم. و على إثر هذا التغيير استطاع أضعف و أفقر البلدان العربية أن يصمد بوجه أعتى عدوان لأغنى الدول العربية المدعوم أمريكياً و غربياً٬ و أن يفرض مطاليبه على الأطراف الأخرى من موضع القوة و الاقتدار.
تؤكّد أحداث اليمن بأنّ الطريق الذي انتهجته العربية السعودية و بدعم من الولايات المتحدة يؤدّي إلى المجهول و لا أفق أمامه. إنّ التوازن الحالي في أرض الميدان و الأوضاع السياسية و الرأي العام و .. كلّها ليست في صالح العربية السعودية لذا فليس أمام هذه الدولة سوى الخضوع لإرادة الشعب و تلبية مطاليبه. يجب على هذه القوى الإذعان لخيارات الشعوب و السماح لها بتقرير مصائرها بنفسها٬ و إلّا فإنّ مصائر الحكام هي التي سوف تتغيّر و بنحوٍ مختلف.  


قراءة: 568