فصلنامه مطالعات سیاست خارجی تهران
 

أسباب ودوافع العدوان السعودي على اليمن

الدكتور فؤاد ابراهیم
الباحث والناشط السياسيّ الحجازي

الخلاصة
كان قرار الرياض الاندفاع، على نحو عاجل، إلى حرب خارجية قبل استكمال شروط نجاحها المضمون محفوفاً بأسئلة استراتيجية. وفي سابقة هي الأولى من نوعها، كان إعلان الحرب من عاصمة أخرى غير معنيّة، في الظاهر على الأقل، بصورة مباشرة بالحرب. في عشية السادس والعشرين من العام 2015، خرج  وزير الخارجية عادل الجبير، وزير الدلولة للشؤون الخارجية حالياً، ليعلن من واشنطن عن بدء العمليات العسكرية على اليمن. رمزية المكان أبعد من كونها مجرد تعضيد معنوي، بل ثمة رسالة بليغة يراد إيصالها لخصوم وحلفاء المملكة السعودية.
يمكن رصد ثلاثة دوافع رئيسة وراء انخراط السعودية في الحرب على اليمن:
- وقف مسار ومفاعيل الثورة الشعبية، لاسيما في طورها التصحيحي في 21 أيلول (سبتمبر) 2014
- الصراع على العرش 
- إحياء التحالف بين الرياض وواشنطن

 

 

 


كان قرار الرياض الاندفاع، على نحو عاجل، إلى حرب خارجية قبل استكمال شروط نجاحها المضمون محفوفاً بأسئلة استراتيجية. وفي سابقة هي الأولى من نوعها، كان إعلان الحرب من عاصمة أخرى غير معنيّة، في الظاهر على الأقل، بصورة مباشرة بالحرب. في عشية السادس والعشرين من العام 2015، خرج وزير الخارجية عادل الجبير، وزير الدلولة للشؤون الخارجية حالياً، ليعلن من واشنطن عن بدء العمليات العسكرية على اليمن. رمزية المكان أبعد من كونها مجرد تعضيد معنوي، بل ثمة رسالة بليغة يراد إيصالها لخصوم وحلفاء المملكة السعودية.
في كل الأحوال، كانت الحرب العدوانية على اليمن أول اختبار للعهد الجديد، بعد شهرين على صعود سلمان العرش في 23 كانون الثاني (يناير) 2015، في وقت كان يتأهب فيه فريق الحكم لعملية انتقال واسعة النطاق تطاول كل مرافق الدولة والمجتمع والتي توّجت في "رؤية السعودية 2030" المعلن عنها في  نيسان (إبريل) 2016. بعد مرور سنوات على الحرب، بدا واضحاً أن التقديرات العسكرية والجيوسياسية لدى الجانب السعودي غير مكتملة في الحد الأدنى، الأمر الذي انعكس في المرحلة الأولى على بنك الأهداف المقرّرة للحرب، والتي تبدّلت بصورة مفاجئة بعد شهر من اندلاعها من "عاصفة الحزم" إلى "استعادة الأمل" ثم ما لبثت أن دخلت مرحلة المجهول. وبعد مرور ما يربو على خمس سنوات بات السؤال المركزي داخلياً: ماجدوى هذه الحرب؟ وإلى متى؟ بالنظر إلى الاستنزاف المالي والبشري لهذه الحرب، حيث قدّرت بعد أيام من الحرب كلفة الطلعات الجوية لمئة طائرة حربية بـ 175 مليون دولار شهرياً، فيما قدّر دبلوماسي خليجي كلفة الهجمات الجوية بمليار دولار شهرياً1.  ومنذ العام 2015، قادت السعودية تحالفاً عربياً للحرب على اليمن بهدف إعادة ما أسمته "الشرعية" ممثلة في عبد ربه منصور هادي إلى السلطة، الا أنّه، وعلى الرغم من آلاف الغارات الجوية والحصار الجوي والبحري بكلفة تتراوح بين 5 و6 مليارات دولار شهرياً، فإن الرياض فشلت في تحقيق هذا الهدف2.
في المشهد العام، يبدو انخراط السعوديّة في حروب المنطقة،  رد فعل على مشكلات داخليّة جديّة تواجه النظام، وفي الوقت نفسه للحفاظ على الدور القيادي الحاسم للمملكة في المنطقة، وكذلك لتقوية علاقاتها مع الحلفاء الإقليميّين والغربيّين الأساسيّين .3
لقد بدا واضحاً أنّ انخراط السعوديّة في حرب خارجيّة بعد شهرَيْن على تولّي سلمان العرش، وبعد أقلّ من ذلك على تولّي نجله منصب وزير الدفاع، يتجاوز الأهداف العسكريّة المباشرة أو حتّى السياسيّة المعلنة. فقد كانت للحرب أجندة أخرى خفيّة، عبّرت عن أحد وجوهها في زيادة مستوى التنسيق بين الرياض وواشنطن. ولا بدّ أن‌ينعكس ذلك على الموقف من الأمير الشاب الطموح الّذي يتطلّع لأن يكون رجل أميركا ليس في المملكة فحسب، بل في المنطقة.
ثمّة أبعد من مجرّد التطلعات الذاتيّة لدى الملك أو نجله، فالانخراط الواسع والكثيف في حروب المنطقة يؤول حكماً إلى إنهاك المجهود السياسي والاقتصادي، والأمني والعسكري، لدى الدولة السعوديّة. طبيعة انغماس الأخيرة في حروب وأزمات المنطقة ودرجته تنطوي على مخاطر وجوديّة، أي مرتبطة بمصير الكيان، وليس من قبيل التدخل الحذر. وإنّ خطوط الرجعة تبدو شبه معدومة في الإستراتيجيّة السعوديّة الّتي بدأت منذ عهد الملك عبد الله، وازدادت رسوخاً في عهد الملك سلمان. وهذا ما تناوله أمير، من أحفاد عبد العزيز، في رسالته بما نصّه: "ثمّ كيف رضينا بسياسة خارجيّة تضعف ثقة شعبنا فينا وتؤلّب علينا الشعوب الأخرى؟ وكيف رضينا الدخول في مخاطرات عسكريّة غير محسوبة مثل الحلف العسكري لضرب العراق وسوريا وحرب اليمن؟ وكيف رضينا أن يكون مصيرنا رهين نزوات مراهقين وتطلعات مستعجلين؟"4.
دوافع الحرب
يمكن رصد ثلاثة دوافع رئيسة وراء انخراط السعودية في الحرب على اليمن:
1ـ وقف مسار ومفاعيل الثورة الشعبية، لاسيما في طورها التصحيحي في 21 أيلول (سبتمبر) 2014
كانت الرياض ترقب تهاوي عرش نفوذها في البلد الذي الذي ظلّت تنظر اليه على مدى عقود طويلة باعتباره حديقة خلفية وجزءاً من مجالها الحيوي..
في المرحلة الأولى للثورة في شباط (فبراير) 2011 لجأت السعودية إلى الخيارات المتاحة، بما في ذلك إرسال باخرة محمّلة بالأسلحة إلى ميناء عدن لمواجهة الثورة.. وفيما كان الشعب اليمني بكل أطيافه ينصب خيام ثورته في الميادين العامة خصوصاً في العاصمة صنعاء، ويتمسّك بمطالبه في الحرية والعدالة وحكم القانون، تحرّكت السعودية على نحو عاجل لإطلاق مبادرة أسبغت عليها عنوان (المبادرة الخليجية)، وذلك في الثالث من نيسان (إبريل) سنة 2011.
أراد النظام السعودي احتواء الثورة عبر المبادرة الخليجية، فأصرّ على تنفيذها وجَعْلِها واقعاً لا يمكن الفكاك منه. وكيما تحظى بمشروعية وقوة على الأرض، وفّر للمبادرة غطاءً دولياً أميركياً وبريطانياً إلى جانب تأييد مجلس الأمن الدولي. 
أما الأطراف اليمنيّة الموقّعة على المبادرة الخليجية فكانت: حزب المؤتمر الشعبي العام (الحزب الحاكم سابقاً) والتي كانت الثورة الشعبية تستهدف إسقاطه، وأحزاب المعارضة (اللقاء المشترك) المؤلَّف من مجموعة أحزاب صغيرة وذات تمثيل شعبي منخفض، فيما تمّ تفويض كل من مبعوث الأمم المتحدة جمال بن عمر، وأمين عام مجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني، لإدارة عملية تنفيذ المبادرة الخليجية. 
أول ما تنص عليه المبادرة، هو نقل السلطة من رئيس الجمهورية، أي من علي عبدالله صالح، إلى نائبه الفريق عبد ربه منصور هادي، وهذا أول اعتراض تقدّم به الثوّار، على قاعدة أن النظام المسؤول عن قتلهم يراد إعادة إحيائه مرة أخرى، بل وشرعنته محلياً وإقليمياً ودولياً. 
لقد رسمت المبادرة الخليجية مساراً قهرياً على الأطراف المعنية بتنفيذ المبادرة، وجعلت طريقة تنفيذها إلزامية وتتابعية، بأن يتم تطبيق بنودها بصورة متوالية، بحسب البند الرابع من المرحلة الثانية. 
وفي النتائج، سلبت المبادرة اليمنيين استقلالهم حتى بعد فرض المبادرة. فقد منحت دول مجلس التعاون الخليجي والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية "الرعاية الفعّالة"، ولأن هذه الأطراف لن تكون من الناحية العملية مشاركة، إذ سوف تحتكر السعودية والولايات المتحدة هذه "الرعاية" فإن اليمنيين بدوا بلا خيار ولا إرادة في تقرير مصيرهم بأنفسهم. 
وهذا ما حصل خصوصاً بعد أن تقرّر جعل الرياض مكاناً لاطلاق المبادرة الخليجية، وإلزام الفصائل اليمنية بها تحت رعاية النظام السعودي. 
المعارضة اليمنية بما تمثل من ثقل شعبي في الشارع، وعلى وجه الخصوص حركة أنصار الله، والحراك الجنوبي، وحزب الإصلاح، رفضت المبادرة الخليجية، فيما قبل بها حزب المؤتمر الشعبي الحاكم وحلفاؤه وكذلك أحزاب اللقاء المشترك. 
انفجرت التظاهرات الشعبية الغاضبة في المدن تنديداً بالتدخل السعودي في الشأن اليمني. ورفضوا المساومة على ثورتهم منتقدين الأحكام التي تمنح الحصانة للرئيس علي عبد الله صالح من الملاحقة القضائية والتي تطلب من المعارضة الانضمام مع صالح ووزرائه في حكومة وحدة وطنية.
عادت التظاهرات الشعبية المندّدة بالتدخل الخارجي في شؤون اليمنية. وكانت العاصمة اليمنية، صنعاء، مركزاً لتظاهرات شعبية واسعة في مايو ويونيو ويوليو وأخذت في الظاهر شكلاً مطلبياً بطابع خدماتي فيما كان الشعار العام يدور حول رفع الوصاية الخارجية (الأميركية والسعودية على وجه الخصوص) عن اليمن. وقدّر أعداد المشاركين في الحشود في (جمعة رفض الوصاية) في الثامن من يوليو سنة 2011 بأكثر من خمسة ملايين وفدوا للمشاركة بالرغم من الأوضاع المعيشية الخانقة التي تمر بها البلاد وانعدام الوقود وارتفاع أجور النقل إلى أكثر من الضعف.
وفي 23 نوفمبر 2011، تمّ في العاصمة السعودية، الرياض، التوقيع على الخطة للانتقال السياسي، الذي كان قد رفضه صالح سابقاً. ووافق على نقل سلطات الرئاسة إلى نائبه عبد ربه منصور هادي في غضون 30 يوماً، على أن تقام الإنتخابات رسمياً في 21 فبراير 2012 ، مقابل منح صالح الحصانة من الملاحقة القضائية له ولأسرته. ووقّع ممثلوالمؤتمر الشعبي العام، وأحزاب اللقاء المشترك على الآلية التنفيذية المزمنة للمبادرة الخليجية، بعد أن وقع عليها علي عبدالله صالح. 
وفي 21 فبراير 2012 أجريت انتخابات رئاسية ليس فيها سوى منصور هادي مرشحاً، ففاز بنسبة 99.8%، وأدى اليمين الدستورية في 25 فبراير 2012، وانتهى حكم صالح في السلطة رسمياً، الذي حكم البلاد لمدة 33 سنه.
في حقيقة الأمر، أن المبادرة الخليجية كانت موجّهة إلى طرفين هما الحزب الحاكم (المؤتمر الشعبي العام) وحلفائه والذين أصبحوا ضمن عنوان (التحالف الوطني)، والآخر هو أحزب اللقاء المشترك وشركائه والمنضوين تحت عنوان (المجلس الوطني)، فيما بقية الأطراف جرى إلحاقها فيما بعد ضمن الحوار الوطني.. ووضعت المبادرة الخليجية كمرجعية ملزمة لكل الأطراف بحسب المادة الرابعة من الآلية التنفييذية: «يحل الاتفاق على المبادرة الخليجية وآلية تنفيذها محل أي ترتيبات دستورية أو قانونية قائمة، ولا يجوز الطعن فيهما أمام مؤسسات الدولة». بل ووضعت المبادرة في إطار دولي بحيث أصبحت المبادرة من متبنيات مجلس الأمن الدولي. 
حصل عبد ربه منصور هادي على صلاحيات علي عبد الله صالح كاملة بل وأكثر من ذلك، وصار بمثابة "مندوب" أو "ممثل" للسعودية في النظام اليمني بعد تنحي علي عبد الله صالح. وفي النتائج، فإن ما حدث كان ثورة مضادة بالمعني الحرفي للكلمة، لأن اليمن بات منزوع السيادة بصورة شبه كاملة، فكان الخارج هو من يقرر لليمن شكل الحكم وطريقة إدارة شؤون الدولة. 
في الخلاصة، كانت المبادرة الخليجية في جوهرها محاولة لإعادة انتاج سلطة مرتبطة بالخارج الإقليمي (السعودي على وجه الخصوص)، والدولي (الأميركي أولاً).
بطبيعة الثورة في اليمن، ما كان لهذه المعادلة السياسية أن يكتب لها النجاح إذ عاد اليمن إلى المربع الأول برغم مما قدّمه شعبه من شهداء وتضحيات كبيرة. 
كان لا بدّ من ثورة تصحيحية لتصويب مسار الثورة ولتحقيق أهدافها. فأعلن في 21 سبتمبر 2014 عن المرحلة الثانية من الثورة اليمنية، وكان فيها إسقاط المبادرة الخليجية، وتالياً إسقاط النفوذ السعودي..
اجتاحت الجماهير العاصمة اليمنية صنعاء بمظاهرات غاضبة وقطعت الطريق على عبد ربه منصور هادي وفريقه ووكلاء آل سعود في اليمن بمن فيهم اللواء علي محسن الأحمر من تنفيذ أهداف الثورة المضادة.. 
مع سقوط المشروع السعودي في اليمن الذي كان عنوانه المبادرة الخليجية، أدركت المملكة الغارقة في هواجسها، أنها لم تعد اللاعب الفاعل في اليمن، وأن العالم يتغيّر من حولها فيما ينهار نفوذها في الإقليم أمام عينيها. 
تغيّر التاريخ في اليمن لمصلحة الثورة الشعبية فكان فصلها الثاني إسقاط الحكومة التي جاءت بها المبادرة الخليجية بقيادة السعودية.. بل إن رئيس الحكومة المستقيل سالم باسندوه وجّه في خطاب الاستقالة انتقاداً مباشراً إلى المبادرة الخليجية وإلى رئيس الجمهورية، لاستئثاره بالسلطة وعدم قبوله تقاسم السلطة بينهما..
وعلى وقع التحوّل الثوري المتسارع، أحبط الثوّار مفعول الخطاب الطائفي الجاهز للاستخدام، بفعل عاملين رئيسيين: المشاركة الشعبية المتنوّعة حيث شاركت المحافظات المصنّفة على السنّة الشافعية مثل تعز والحديدة وشبوة، والخاتمة السياسية السريعة والكفوءة. فالمنجز الميداني الذي حقّقته اللجان الثورية بدعم الجيش اليمني عزل الحوادث الأمنية على خلفية طائفية التي استخدمتها المخابرات السعودية في صنعاء كأحد أدوات إفشال الثورة اليمنية..
بدأت تتساقط التحصينات السعودية في اليمن الواحد تلو الآخر، واستبدال المبادرة الخليجية باتفاق السلم والشراكة، والذي فرض على عبد ربه منصور هادي التراجع عن قرارات مصيرية، من بينها تكليفه أحمد عوض بن مبارك، مدير مكتبه، لرئاسة الحكومة بعد التشاور مع السفيرين الأميركي والسعودي في صنعاء، ولم يكن تلك الصيغة تحظى بقبول من الثوار، وكذلك تعيين عدد من الوزراء لم يحظوا بقبول الممثلين عن القوى السياسية. 
وكان رفع الدعم عن الوقود وزيادة الضريبة أو ما يسمى "الجرعة" قد زاد من وتيرة الغضب الشعبي..وكانت الحكومة اليمنية التي غلب عليها الإخوان قد طبقت على مدى أربع سنوات سياسة البنك الدولي القاضية برفع الدعم عن المواد الاستهلاكية والوقود بوجه خاص،  ما أضاف عنصراً آخر للثورة الشعبية. 
ولكن العنصر التفجيري الأقوى كان طرح مشروع الأقاليم الستّة الذي عمل هادي مع السعودية على إقراره في اليمن، الأخطر لناحية تقسيم اليمن. في 9 شباط (فبراير) 2014 أقرّت رئاسة الجمهورية اليمنية وبصورة نهائية دولة اتحادية مقسّمة إلى ست أقاليم: الأول يضم: المهرة، حضرموت، شبوة، سقطرى، ويسمى إقليم حضرموت وعاصمته المكلا. والإقليم الثاني يضم: الجوف، مأرب، البيضاء، ويسمى إقليم سبأ وعاصمته مأرب. أما الإقليم الثالث فيضم: عدن، أبين، لحج، الضالع، ويسمى إقليم عدن وعاصمته عدن. والإقليم الرابع يضم: تعز، إب، ويسمى الجند وعاصمته تعز. والإقليم الخامس يضم: صعدة، صنعاء، عمران ذمار ويسمى إقليم آزال وعاصمته صنعاء. والإقليم السادس يضم: الحديدة، ريمة، المحويت، حجة ويسمى إقليم تهامة وعاصمته الحديدة. 
وكان المشروع بمثابة الصاعق الذي فجّر الغضب الثوري، لدى غالبية الفئات المهمّشة اقتصادياً وسياسياً. بدا واضحاً أن مشروع الأقاليم يؤسس لتقسيم اليمن إلى أقاليم متباعدة، وإن جرى تجميلها على أساس منح هذه الأقاليم صلاحيات وسلطات مستقلة.. 
وفيما كان هادي والأطراف الإقليمية السعودية بدرجة أساسية، والدولية الأميركية والبريطانية بوجه خاص، يتجهون إلى إقرار مشروع الأقاليم الستة في الدستور اليمني، أعلن زعيم حركة "أنصار الله" السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي في الثالث من يناير 2015 رفض مشروع الأقاليم، وعدّ ذلك "محاولة لتفتيت اليمن" معتبراً "تضمين الدستور تقسيم البلد إلى 6 أقاليم مسعى لتدمير اليمن"، مضيفاً إن مشروع الأقاليم الستة، "محاولة لتفتيت البلد وتجزئته إلى كانتونات صغيرة وضعيفة يسهل التحكم فيها". وفي خطابٍ متلفز بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوي، أكد السيدعبدالملك ضرورة أن تتعامل القوى الدولية مع بلاده على أساس الاحترام المتبادل وحسن الجوار، وعدم التدخل في شؤون اليمن الداخلية، مشيراً إلى "ضرورة الحفاظ على مكاسب ثورة 21 سبتمبر". ودعا إلى"عدم الانجرار وراء المخططات الخارجية الرامية إلى تفتيت اليمن" في إشارة إلى السعودية والولايات المتحدة، مؤكداً أن "التحرك الثوري متواصل في اتجاهاته الثلاثة: مكافحة الفساد، فرض الشراكة لإنهاء الاستبداد، والتعاون بين اللجان الشعبية والجيش والأمن" لمواجهة ما سمّاها "القوى الإجرامية". واتهم زعيم أنصار الله الولايات المتحدة الأميركية، وقوى إقليمية يقصد بها السعودية والإمارات بتسليط هذه القوى على أبناء الشعب اليمني. 
نجح الثوار في إفشال مخطط تقسيم اليمن، وبدا إن الجيوسياسية اليمنية تتغيّر على نحو معاكس للتطلعات الخارجية، الاميركية والسعودية، لاسيما وقد بدأت القوى الثورية الوطنية في الإعداد لمرحلة جديدة تؤسس لإعادة بناء اليمن وفق شروط محلية ووطنية بامتياز. فقد جرى تصويب مسار الحوار الوطني الذي بدأ بقرار من عبد ربه منصور هادي في 14 يوليو سنة 2012 وضمّ ممثلين عن المجموعات المقرر مشاركتها في مؤتمر الحوار، وفق محددات المبادرة الخليجية. وفي 25 يناير سنة 2014 عقدت "الجلسة الختامية للحوار"، وتمّ خلالها إعلان وثيقة الحوار الوطني الشامل، وذلك في مبنى القصر الجمهوري بصنعاء، وسط حضور دولي وعربي كبير، وكان الهدف الخفي تمرير خطة تقسيم اليمن إلى أقاليم ولكن مع تعديلات شكلية لا تطاول جوهر الخطة. فقد تضمنت بنود الوثيقة إعادة هيكلة البرلمان ومجلس الشورى، لتكون مناصفة بين الشماليين والجنوبيين، كما دعت لحظر وجود مليشيات مسلحة، وتسليم الأسلحة للدولة وبسط نفوذها في كافة اليمن، والإتفاق وأن تكون اليمن دولة اتحادية من 6 أقاليم، على أن يكون لصنعاء وعدن وضع خاص وغير خاضع لسلطة أي إقليم. 
تنبّهت القوى الثورية إلى خطورة ما يدبّر خلف كواليس مؤتمر الحوار الوطني خصوصاً الدستور الذي تعمل عليه أطراف يمنية مرتبطة بقوى إقليمية ودولية لاينسجم مع أهداف الثورة. أنهت لجنة صياغة الدستور مسودة الدستور الجديد، وفي 17 يناير 2015 كان أمين عام مؤتمر الحوار أحمد عوض بن مبارك وهو مدير مكتب هادي، يغرق في موجة اتهامات بعد أن عثر الثوّار على تسجيلات تكشف تورّط هادي وبن مبارك في مؤامرة الأقاليم الستّة5. 
وفي 22 يناير 2015 تقدم عبد ربه منصور هادي باستقالته من منصبه بسبب ما وصفه بتدهور الأوضاع في البلاد. وجاءت استقالة هادي في أعقاب استقالة حكومة خالد بحاح قبل أقل من ثلاثة أشهر من تشكيلها. وبعد يوم من إعلان هادي عن التوصل لاتفاق مع الحوثيين يقضي بانسحاب المسلحين من المواقع التي سيطروا عليها والإفراج عن مدير مكتب الرئاسة أحمد بن مبارك6.
أفرج عن بن مبارك في 27 يناير 2015، وبقي منصور هادي في صنعاء بانتظار التحرّك الإقليمي والدولي.. في الوقت نفسه، تنبّهت قيادة "أنصار الله" إلى ما يحاك خلف الكواليس لجهة التخطيط للعودة إلى اليمن عبر عناوين أخرى، فبادرت القيادة الحوثية إلى طمأنة الجانب السعودي بشأن تحركهم في الداخل اليمني، وفي  20 يناير 2015، أي قبل ثلاثة أيام من موت الملك عبد الله، زار وفد من حركة أنصارالله الرياض وأبلغ المسؤولين الأمنيين الذي التقاهم بأنهم لا يستهدفون أمن المملكة السعودية وأكدوا على حسن الجوار، لكن الجانب السعودي تعاطى بخفّة مع الوفد، وأصرّ على منطق الوصاية، ووضع شرطين أساسيين: تسليم الأسلحة الثقيلة إلى الدولة برئاسة هادي و قطع العلاقة مع إيران.
عاد الوفد إلى صنعاء، وأعطيت التعليمات إلى السفير السعودي بالانتقال إلى عدن،  تلاها تفجيران انتحاريان في مسجدي بدر والحشحوش والذي أودى بحياة أكثر من 120 شخصاً من بين المصلّين وأكثر من 250 جريحاً. 
مصادر "أنصار الله" أكدت وجود أصابع سعودية واضحة في العمليتين الإرهابيتين، فيما نفى تنظيم "القاعدة" في اليمن صلتها بهما، بل حتى بيان "داعش" الذي وُضع على مواقع التواصل الاجتماعي لم يؤخذ بصورة جديّة وجرى إهماله من قبل الحركة لأن المعطيات المتوافرة لديها تشير إلى السعودية حصرياً7.
كانت تلك الرسائل السعودية الاولى لمرحلة جديدة تخوضها مع اليمن، من أجل وقف مسار التحوّل الثوري. وفي 21 فبراير 2015 انتقل هادي إلى عدن، جنوب اليمن، وتبعه عدد من الوزراء من بينهم وزير الدفاع. وشنّ هادي هجوماً على حركة أنصار الله واعتبر صنعاء عاصمة محتلة من جماعة الحوثيين وأعلن أن مدينة عدن عاصمة مؤقتة لليمن، وأكّد تمسكه بتقسيم البلاد إلى ستة أقاليم، وكشف للمرة الأولى أنه أفلت من قبضة الإقامة الجبرية التي فرضتها عليه الجماعة بعد سيطرتها على القصر الرئاسي عبر نفق أوصله إلى منزل مجاور يملكه أحد أقاربه.
أطراف هادي اتّهمت، المبعوث الدولي السابق جمال بن عمر الذي جاء إلى صنعاء لتطويق الخلاف المتصاعد بين هادي وحركة أنصار الله، ونفى بن عمر في بيان له في 7  مارس 2015 اتهام بعض القوى بالاتفاق مع أنصار الله من أجل تشكيل مجلس رئاسي، وقال أنه "لم ولن يكون طرفاً في أي اتفاق لأنه يمثل جهة محايدة ليست لديها مصالح سياسية في اليمن، كما تفعل الأطراف المتفاوضة"، وأضاف أن صيغة المجلس الرئاسي ليست فكرته وإنما هو "خيار تبنته أطراف متفاوضة عدة، ولم‌يكن الخيار الوحيد المطروح على الطاولة".
وكشف بن عمر أن وفداً من الأحزاب المشاركة في الحوار – من بينها حزب "الإصلاح" تطوّع لعرض الخيارات المطروحة مباشرة على الرئيس هادي خلال زيارة له في بداية مارس 2015.
هنا بدت المعركة تمتد على مساحة اليمن، فقرر "أنصار الله" والجيش اليمني وحلفاؤهم أن يخوضوا معركة من نوع آخر. فبدت فكرة تحصين الداخل أساسية عبر ملاحقة عناصر القاعدة وبسط سيطرة الجيش على كامل التراب اليمني، وسقطت البياضة التي كانت معقلاً للقاعدة لتمهّد لدخول الجيش لبقية المحافظات، ومن بينها محافظة مأرب الغنية بالنفط والغاز الطبيعي لتجنيب سقوطها بيد التكفيريين، كما تغذي مأرب اليمن بنصف الطاقة الكهربائية المستهلكة. 
وكان السيد عبدالملك الحوثي قد حذّر في الثالث من يناير 2015 بأن "الشعب لن‌يقف مكتوف الأيدي إلى ما لا نهاية"، مضيفاً إنه في حال عدم قيام الجهات الرسمية بواجباتها، "سيقف الشعب إلى جانب الشرفاء من أبناء مأرب"..
تحركت القوات النظامية اليمنية معزّزة بقوات أنصار الله إلى المحافظات الأخرى حتى اقتربت من عدن، وهنا جمعت السفارات الخليجية أمتعتها ورحلت، وتبعها سفارة الباكستان ومصر اللتان انضمتا باكراً إلى الصدام السياسي إلى جانب السعودية. وأخيراً لحق بهم الرئيس المستقيل عبد ربه هادي، ليصل إلى الرياض قبل أيام من إعلان الحرب على اليمن بعنوان إعادة الشرعية ومنذئذ أخذت الأحداث مساراً آخر.
قطعت الرياض الطريق على الحوار بين اليمنيين، كما قال جمال بن عمر، ووضعتهم أمام خيارين أحلاهما مرّ: أن يعود اليمن إلى بيت الطاعة السعودي، وإلا فالحرب...
القرار السعودي بتصفية الحساب مع اليمن عبر الحرب لم يستغرق وقتاً طويلاً، وأن معطيين رئيسين قادا إلى التسريع باتخاذ قرار العدوان على اليمن:
 الأول: قرب التوصل إلى اتفاق نووي بين إيران والسداسية الدولية، وما سيترتب عليه من تفاهمات سياسية شاملة في المنطقة.
 والثاني: استكمال الثورة التصحيحية التي انطلقت في 21 أيلول 2014 لمراحل بسط سيطرتها على كامل التراب اليمني، الأمر الذي يعني خروج اليمن من مجال الهيمنة السعودية التي دامت أكثر من ثمانية عقود من الزمن.
بدت الحسابات العسكرية غير متطابقة مع المعطيات السياسية. فالعدوان السعودي على اليمن كان يفتقر للإجماع العربي والإجماع الدولي. 
وفي فجر السادس والعشرين من مارس 2015 انطلقت أسراب من الطائرات الحربية السعودية باتجاه العاصمة اليمنية صنعاء ومدن أخرى ونفّذت سلسلة غارات جوية ضد المنشآت الحيوية والبنية التحتية والمطارات والموانىء ومخازن الصواريخ والقواعد الحربية والمعسكرات والجسور..وخرج وزير الخارجية حينذاك عادل الجبير،  وزير الدولة للشؤون الخارجية حالياً، ليعلن عن بدء عاصفة الحزم بقيادة تحالف مؤلّف من عشر دول تضم مصر والأردن والسودان والمغرب إلى جانب دول مجلس التعاون الخليجي باستثناء سلطنة عمان، وضمّ إليه باكستان وتركيا و إن‌لم‌يشاركا عملياً.. 
وأعلن المتحدّث باسم التحالف عن أهداف الحرب وهي:
ـ إعادة الشرعية الممثلة في الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي. 
ـ حماية حكومة عدن. 
ـ القضاء على الجماعة الحوثية، بعد إضعاف القدرات العسكرية للجماعة، وتقويض مصادر التهديد التي تشكلها الجماعة على الأمن العربي! 
ـ درء الحرب الأهلية عن اليمن. 
ـ تقويض النفوذ الإيراني في اليمن وفي المنطقة عموماً. 
أهداف بدت كما لو أنها خارج السياق، وأما القوى الثورية في اليمن فقد رصدت هدفين أساسيين: 
أولاً: إخضاع اليمنيين وإعادة اليمن إلى بيت الطاعة السعودي. 
ثانياً: إنقاذ "القاعدة" بعد أن فقدت قدرتها على تهديد اليمنيين، حيث تساقطت مواقعها الواحدة تلو الأخرى بفعل تقدّم الجيش اليمني، وبمساعدة اللجان الثورية اليمنية. 

ـ عاصفة الحزم..البعد الداخلي
مهما تكن الحسابات الجيوسياسية والاستراتيجية في الحرب على اليمن، فإن ثمة بعداً داخلياً تجعل الحرب مهمة إنقاذية ضرورية للعهد الجديد.
إن الفراغ الحاصل بغياب الملك عبد الله لم يكن بالإمكان ملؤه بسهولة، فقد كان بمثابة "الأمل" بالنسبة لطيْف كبير من المواطنين بإدخال إصلاحات سياسيّة، وتحرير المرأة، ونقل المملكة إلى مرحلة جديدة. وبصورة إجماليّة، إنّ المكانة الّتي حظي بها الملك عبد الله، بصرف النظر عن واقعيّتها، لا يمكن لسلمان تعويضها إلّا بعمل استثنائي وخارق، فكان بحاجة إلى "خارج" يمكن الرهان عليه في تحقيق أهداف عدّة من بينها: مشاغلة الداخل بحدث خارجي، والحصول على "منجز" ما  يمكن من خلاله بناء كاريزما خاصّة، ويكون المنجز في جزء منه رافعةً لابنه محمّد بن سلمان، وزير الدفاع، الّذي سوف يتحوّل إلى "قائد تاريخي" فيما لو نجح في كسب رهان "عاصفة الحزم"، والإصرار على تعبير "رهان" لأنّ محمّد بن سلمان كان بالفعل سيحدث تغييرات كبيرة في حال جاءت نتائج العدوان على اليمن كما تمنّاها. 
بدأت الحرب وتغيّر المشهد الإعلامي والسياسي سريعاً، وبات خطاب جديد يفرض نفسه في السعوديّة ويقوم على مبدأ "من ليس معنا فهو خائن"، على حدّ قول المغدور به جمال خاشقجي، وفجأة نهب اهتمام الداخل نحو "خارج" جديد. وبدأت لغة مدقعة تسود "الداخل" لا فرق بين المثقّف الليبرالي ورجل الدين التكفيري، فكلاهما تحوّل إلى قاضي "تفتيش" يصدر أحكام التخوين، ويوزّع شهادات في الوطنية. صار الجميع يتقن لغة إقصائيّة واحدة.
وفي المقابل، بدا ما يشبه الاستعداد النفسي لقبول "القاعدة" و"داعش" كمكوّنات "جهاديّة" يمكن الاعتماد عليهما في مواجهة "الروافض" و"الحوثيّين" في اليمن والمنطقة عموماً. كانت حاجة النظام السعودي إلى "خارج" للخلاص من احتقانات الداخل تدفع لناحية القبول بأيّ طرف يمكن توظيفه في معركة ذات أبعاد عدّة. 
في التداعيات، وضع العهد الجديد بقيادة سلمان نفسه أمام عاصفة من الأسئلة في الداخل، أي وسط جمهور السلطة الّذي خضع تحت تأثير خطاب موتور وإقصائي على مدى عقود في التعليم الرسمي - المناهج الدينيّة الّتي تنطوي على رؤية إقصائيّة إزاء كلّ ما هو آخر غير وهابي - وفي المساجد ومراكز التوجيه الديني - المدارس والمعاهد الدينيّة ومراكز الدعوة والمخيّمات الصيفيّة، إلخ - ودخلت المؤسسة الإعلاميّة بكلّ أدواتها وعلى رأسها القنوات الفضائيّة لتشعل ثورة غرائزيّة غير مسبوقة، وإذا بالتطابق المذهل بين لغة المثقّف الرسمي والعامي، القريب من السلطة،  ولم يعد بالإمكان التمييز بين ما هو متعالٍ ومتسافل. 
ولعلّ واحدة من التناقضات الملفتة للانتباه أنّ النظام السعودي وفي سعيه لتحقيق اصطفاف وطني، لجأ إلى استخدام لغة غير وطنية، أي طائفيّة، وانعكست في الصحافة اليوميّة، والفضائيّات المموّلة من السلطة، وفي خطب المساجد التابعة للدولة. وهذه الظاهرة تؤكّد على حقيقة أنّ النظام السعودي لم يكن يمتلك أدوات تعبئة فاعلة وسط جمهوره، دع عنك على مستوى المملكة بصورة عامة، الأمر الّذي يدفع به نحو إعادة إنتاج خطاب ما قبل الدولة، أي في الزمن الّذي كان يحشد لغزو المناطق عبر تكفيرها وإعلان الجهاد عليها كما لو أنّ آل سعود لم ينشئوا كيانهم بعد.
وبقدر ما يبعث الهيجان العاطفي لدى جمهور السلطة السعوديّة القلق لدى المكوّنات السكانيّة الأخرى، فإنّه يؤشر في الوقت نفسه إلى الخطر المحدق بالنظام السعودي والكيان برمته؛ لأنّ وجهة هذا الهيجان لا بدّ أن تكون خارجيّة، ولذلك فإنّ الحكّام السعوديّين كانوا في أمّس الحاجة إلى قنوات لتصريف مخزون التوتر المتراكم بفعل خطاب الدولة في التعليم والإعلام والدين والسياسة. وهنا يكمن الخطر الّذي كان يواجه النظام السعودي في الملف اليمني، فقد أوصل جمهوره إلى سقف توقعات شاهق، وإنّ أيّ انخفاض أو تخفيض، لأيّ سبب كان، سوف يترك تداعيات خطيرة على صدقية ومصداقية السلطة.
2ـ الصراع على العرش 
تضاربت مقاربات الأمراء السعوديين للمسألة اليمنية، ليس في ذلك ما يدعو للغرابة، فقد اختارها الطامح للعرش بمثابة مكافأة مؤجّلة يحقق من خلالها محمد بن سلمان، ولي العهد الحالي، حلمه الأكبر. 
يجدر لفات الانتباه إلى أن مقاربة ولي العهد السابق ووزير الداخلية محمّد بن نايف للمسألة اليمنيّة كانت تصدر عن عقل أمني، على قاعدة أنّ اليمن مصنّفة كدولة فاشلة، بحسب وثيقة للسفارة الأميركيّة في الرياض تعود إلى شهر مايو سنة 2009 سرّبها موقع ويكيليكس، ونشرت في الأول من ديسمبر من العام 2010. وقال محمّد بن نايف حينذاك: "لدينا مشكلة إسمها اليمن"، وأنّ بلاده تشعر بالقلق بخصوص احتمال استغلال تنظيم القاعدة في جزيرة العرب عدم الاستقرار في اليمن لشنّ مزيد من الهجمات داخل أراضيها بعد أن تمكّنت بمساعدة خبراء أجانب من وقف حملة للمتشددين في العام 2006.8
لا شكّ أنّ الحرب السعوديّة على اليمن والفراغ الأمني الكبير الّذي أحدثه انسحاب الجيش واللّجان الشعبيّة من المحافظات الجنوبية قد وفّرا فرصة مثاليّة لعودة تنظيم "القاعدة" بوتيرة أسرع من السابق. في حقيقة الأمر، ساهمت إدارة محمّد بن سلمان للحرب والإستراتيجيّة العسكريّة الّتي اتبعها منذ الأيام الأولى في استقطاب مقاتلي "القاعدة" و"داعش" كي لا يتحوّلوا إلى لاعبين أساسيّين في الميدان اليمني. وسوف يواجه محمّد بن نايف ارتدادات انتشار هؤلاء المقاتلين في مناطق شاسعة من جنوب اليمن على الأمن القومي السعودي لسنوات قادمة.
وبعد مرور عام على حرب التحالف السعودي على اليمن، وتبدد فرص تحقيق انتصار عسكري، على الرغم من الأحاديث المتواصلة حول الاقتراب من العاصمة، وتالياً الحسم العسكري النهائي، بدأت مؤشرات مأزق سياسي وعسكري تشهده المملكة بالظهور. 
في الأراضي الجنوبيّة للمملكة السعوديّة المتاخمة لليمن معادلة ميدانيّة مختلفة تماماً، إذ تتساقط المراكز العسكريّة والقرى وحتى المحافظات مثل "الربوعة"، وتهدّد محافظة نجران بالسقوط تحت سيطرة الجيش واللّجان الشعبية اليمنيّة، في ظلّ غياب لدفاعات سعودية جدّية. 
مثّلت مبادرة محمّد بن نايف في الحوار مع حركة أنصار الله، والّتي بدأت في مارس من العام 2016 في منطقة علب الحدودية علامة بالغة الدلالة على الانقسام الحاد داخل العائلة المالكة، وأيضاً حول مسار الحرب في اليمن. وأنّ كثيراً من الأمراء عبّروا عن رفضهم لاختطاف محمّد بن سلمان قرار الحرب والسلم وعدم الإصغاء للنصائح بوقف الحرب. وكان هناك قلق من أن ينعكس الاستمرار في الحرب سلبيّاً على تماسك العائلة المالكة في ظلّ تحديات أمنيّة واقتصاديّة وجيوسياسية متعاظمة.
وفيما بقي الأمير محمّد بن سلمان متمسّكاً برهان الخرق العسكري الكبير كالسيطرة على مداخل العاصمة، صنعاء، بما يجعله في موقع القادر على إملاء شروط في المفاوضات، كانت محاولات محمّد بن نايف متواصلة للانسحاب من الحرب بطريقة لائقة، فكانت مفاوضات الكويت الّتي دامت شهوراً ثلاثة دون التوصّل إلى حلّ نهائي ومتوازن. وقد لعب الجانب الأميركي دوراً تخريبياً للحلّ، كما كشف عن ذلك رئيس المجلس السياسي في أنصار الله الشهيد صالح الصمّاد، الرئيس السابق للمجلس السياسي الأعلى في اليمن9.
في غضون ذلك، عمل الملك سلمان على إقناع الإدارة الأميركية بجدارة إبنه محمد بوراثته في العرش. وقد لفت البيان المشترك الصادر عن البيت الأبيض حول لقاء القمّة بين سلمان وأوباما في 4 سبتمبر 2015، والإشادة بالعلاقة الدائمة حمل دلالات خاصة، وأهمها الفقرة الأخيرة من البيان، بالإشارة إلى الدور المستقبلي للأمير محمّد بن سلمان في فتح الآفاق المستقبليّة للشراكة الإستراتيجيّة.
تزايدت التوترات الداخليّة بعد أيام من عودة سلمان وإبنه من واشنطن، كما يفصح عن ذلك إصدار الملك، وبإلحاح من إبنه محمّد، أمراً ملكيًّا في 10 سبتمبر من العام 2015 بإعفاء سعد بن خالد بن سعد الله الجبري وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء من منصبه.
 وكان الجبري، اللاجىء حالياً في كندا، عضواً في مجلس الشؤون السياسية والأمنية، ويعدّ شخصية مقرّبة من محمّد بن نايف، وأمضى سنوات طويلة في وزارة الداخليّة بصفته مستشاراً أمنيّاً، وهو من طلب ترقيته للوزارة، ثمّ أصبح الذراع الأيمن للأمير محمّد بن نايف. وكان الجبري مسؤولًا عن متابعة الملف الأمني والاستخباري الخاصّ باليمن، وقدّم معطيات حول مسار الحرب تتعارض مع ما كان يقدّمه فريق محمّد بن سلمان، الأمر الّذي دفع الأخير لطلب إعفائه، وكان ذلك مقدّمة لإزاحة محمد بن نايف عن السلطة.
أثار إعفاء الجبري قلق الحكومات الغربيّة وأجهزة الأمن القومي في الولايات المتحدة بوصفه واحداً من أهمّ رجالات الاستخبارات السعوديّة الّذين كانوا على صلة بالغرب. ويقال إن ّالجبري أثار أسئلة حول تكتيكات محمّد بن سلمان في الحرب خشية أن تكون "القاعدة" تتنامى بقوّة هناك10.
وبحسب ديفيد أوتاوي فإنّ واشنطن لديها سبباً وجيهاً للنظر باهتمام إلى محمّد بن نايف: "فالأمير ليس فقط من الجيل الشاب، ولكنّه كان مهندس الحملة السعوديّة الناجحة في منتصف العقد الأول من الألفيّة الثالثة لتقويض "القاعدة" في المملكة. كما أصبح بطل العائلة بعد هجوم إرهابي ضدّه داخل قصره في أغسطس من العام 2009، والّتي نجا منها بجروح طفيفة11.
تجدير الإشارة إلى أن زيارة محمّد بن نايف إلى واشنطن في يناير من العام 2013، وإجراؤه لقاءات عالية المستوى مع كلّ من الرئيس أوباما ووزيرة الخارجيّة هيلاري كلينتون ورئيس مجلس الأمن القومي توم دونيلون وعدد آخر من كبار المسؤولين في الإدارة الأميركيّة؛ خلقت انطباعاً لدى كثير من المراقبين، وكذلك المواطنين، بأنّ محمّد بن نايف هو الشخصيّة الأثيرة لدى واشنطن. ولذلك، فسّر المراقبون إعفاء الجبري من منصبه بأنّه محاولة لتجريد إبن نايف من مصادر قوّته الرئيسة. و قدتداولت أوساط مقرّبة من العائلة بأنّ تحقيقاً سريًّا أجراه فريق يقوده محمّد بن نايف، بإدارة سعد الجبري، حول تقييم الأخطاء في حرب اليمن.
في النتائج، انتهى صراع الأمراء إلى تنحية محمد بن نايف في 21 حزيران (يونيو) 2017 وتجريده من مناصبه كافة، وبذلك تكون مفاصل السلطة بالكامل قد أصبحت بيد محمد بن سلمان. 
3ـ إحياء التحالف بين الرياض وواشنطن 
أملت أوضاع ما بعد الحرب الباردة وأفول معادلة القطبية الثنائية تبدّلاً جوهرياً في طبيعة التحالفات بين الدول الكبرى وحليفاتها. فالسعودية التي لعبت طيلة فترة الحرب الباردة كدولة وظيفية، وأحد الأذرع المالية الأساسية للولايات المتحدة في حروبها القذرة في الشرق الأوسط، وأمريكا اللايتينية، والقارة الأفريقية، وصولاً إلى حرب أفغانستان وما أنتجته من تنظيمات راديكالية برعاية وكالة الاستخبارات المركزية، وجدت نفسها على هامش استراتيجية الولايات المتحدة الجديدة بعد تراجع أهمية الشرق الأوسط.
فقد تبدّلت صيغة العلاقة بين الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط، وهذا التبدّل لم يكن رهن وصول دونالد ترامب إلى رئاسة البيت الأبيض في يناير 2017، بل سبق ذلك إلى عهد الرئيس جورج بوش الإبن حين شهدت العلاقة انعطافة حادة كما تعكسها جملة التوترات التي شابتها تلك العلاقة خلال سنوات عهد بوش، ولم‌تكن هجمات الحادي عشر من سبتمبر سوى تظهيرها التراجيدي.
ما تلاه ترمب من شروط على حلفاء واشنطن للإبقاء على صيغة التحالف، هو استعلان لما هو مضمر لدى الإدارات الأميركية المتعاقبة. منطلق الشروط وأساسها هو الوهن البنيوي لدى كيانات الخليج وحاجتها للحماية، وهو ما عبّر عنه ترمب بقوله: "أن هناك دولاً في الشرق الأوسط وبعضها غني للغاية ـ في إشارة إلى السعودية والإمارات ـ لن تدوم إسبوعاً بدون حماية الولايات المتحدة". وأضاف: "نحن نحميهم. وعليهم الآن أن يكثفوا ويدفعوا ثمن ذلك". وكرّر ترامب ذلك فى مؤتمره الصحفى مع نظيره الفرنسى في 26 نيسان (إبريل) 2018 فى البيت الأبيض "إن دول منطقة الشرق الأوسط لم تكن لتبقى أسبوعاً لولا الحماية الأمريكية"، مطالباً ما وصفها بـ"الدول الغنية" بالدفع لمواجهة نفوذ إيران، وقال: "دفعنا 7 تريليونات دولار خلال 18 عاماً فى الشرق الأوسط، ولم نحصل على شىء فى المقابل بل أقل من لا شىء، وعلى الدول الغنية الدفع مقابل ذلك، ونرغب فى أن ترسل دول أخرى جنودها إلى سوريا"12. 
تصويب ترامب على أقرب الحلفاء للولايات المتحدة، وهما السعودية والإمارات، يشي بنزعة برغماتية متعاظمة لدى الإدارة الأميركية لجهة إعادة إنتاج تجربة المحميات في التاريخ الاستعماري الحديث، وفق اشتراطات جديدة. 
إن فرض ترامب شروطاً مقابل تأمين الحماية لحلفاء الولايات المتحدة، يؤسّس لزمن جديد تشهده علاقات واشنطن ودول الخليج. ولا ريب أن ترامب الذي وصل إلى البيت الأبيض في ظروف غامضة وغير متوقّعة، كما يكشف مايكل وولف مؤلف كتاب "نار وغضب"، يشعر بأن ثمة فرصاً تاريخية غير قابلة لأن تتكرر ولابد من استغلالها للحصول على أكبر قدر من المكاسب. التزام القادة السياسيين في الرياض الصمت قد يفسّر على أنه تفهّم تام لطبيعة شخصية ترامب، ومحاولة لدرء المزيد من الاستفزاز الذي قد ينعكس سلبياً وهذا ما ظهر في تعليق ولي العهد محمد بن سلمان على تصريحات ترامب، متمسّكاً بالتعامل معه وقال حرفياً:                                                             "I love working with him"13.
مهما يكن، فإن التحالف الأميركي السعودي وبعد مرور أكثر من سبعة عقود على ولادته غير الطبيعية عقب لقاء روزفلت ـ عبد العزيز على باخرة كوينسي في العام 1945، وصل، في لحظة ما، إلى مرحلة التفسخ البيولوجي، بعد أن تبدّلت شروط تشكّله، وأصبح غير قابل لأن يزخم شرايينه بدماء جديدة تمكّنه من تجديد خلاياه. بكلمات أخرى، إن التحالف كان رهين نظام دولي بدأ يلفظ أنفاسه، وسوف ينفجر عاجلاً أم آجلاً. ويمكن لنظام جديد خفياً أو ظاهراً أن يطيحه أو يرثه، فآيات فناء النظام القديم بالتحالفات المصاحبة له تتجلى يوماً بعد آخر في طبيعة السيرورة المعلولة لنظام يتفكك ويتناثر.
لم تكن نبوءة رسولية تلك التي وردت في قراءات استشرافية للأعوام 2020 حتى 2030 وتتفق على أن عوالم جديدة تتشكّل الآن وسوف تفرض نفسها على المستقبل، كما ظهر في تقرير (Global Trends 2030) الصادر في العام 2012 عن مجلس الاستخبارات القومي (National Intelligence Council)14.
  شرق أوسطياً، تضعف المناعة بصورة دراماتيكية إزاء عاصفة التغييرات التي تضرب المنظومات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ومن شأنها أن تحدث تحوّلات جيوسياسية عميقة. 
وبصورة إجمالية، فإن المملكة السعودية كانت تقاتل على صعيدين: محلي وإقليمي بأبعاد كونية. إن النزعة المتجذّرة نحو تجديد الخلايا المسؤولة عن إبقاء النظام السعودي متماسكاً محلياً ونافذاً إقليمياً، هي التي تلجؤه إلى النضال ضد كل القوى التي تهدّده، ليس في الخارج، بل بالدرجة الأساسية في الداخل. ولذلك، حين يتحصّن مجدّداً بفكّرة الاعتصام بنظام الحماية القديم ولكن وفق شروط جديدة، فهو يدافع عن وجوده في الداخل قبل توفير شروط ردع الخصوم الخارجيين. 
ليس في الأمر ما يثير الدهشة، فالجهاز المناعي لدى النظام السعودي يضعف حين يعجز عن إنتاج وتوفير كمية كافية من المال لشراء زمن إضافي لوجوده غير الراسخ شعبياً. 
مصادر التهديد التي تواجه المملكة السعودية متعدّدة، وإن تطوير نسخة "النفط مقابل الحماية" وإحلال أخرى "الاستثمار مقابل الحماية" لا يغيّر من الطبيعة الحقيقية للخطر الوجودي. فهي تكرّس قدراً وازناً من مجهودها الدبلوماسي والذهني وثروتها الوطنية من أجل ضمان دعم الحلفاء في الخارج وتأمين محازبين وأنصار وأتباع، أي تحصين الجبهة الداخلية. 
ما يجهل صنّاع القرار مفاعيله الخفيّة والخطيرة أن ما تعتقده المملكة السعودية مصدر حمايتها يلتزم اليوم، كما الأمس، بالشروط الدفترية التي أنبنت عليها معاهدة الحماية الأولى، وهذا يفترض بقاء الحاجة لدى طرف والقدرة لدى الآخر، أي وجود منفعة متبادلة يعبّر عنها بالنفط مقابل الحماية. 
لم تعد الولايات المتحدة بحاجة ماسة إلى النفط السعودي كما كان الحال في السابق، فقد أصبحت أكبر منتج للنفط على مستوى العالم متجاوزة السعودية وروسيا. وبحسب وكالة الطاقة الدولية في 5 آذار (مارس) 2018، فإن الولايات المتحدة سوف تصبح أكبر منتج للسوائل النفطية بحلول العام 2023. ويقول التقرير إن الزيادة في إنتاج الولايات المتحدة وحدها ستغطي 80 في المائة من نمو الطلب العالمي في السنوات الثلاث المقبلة، حيث تغطي الباقي كل من كندا والبرازيل والنرويج. وسيبلغ إنتاج الولايات المتحدة من النفط الخام رقماً قياسياً قدره 12.1 مليون برميل يومياً بحلول العام 2023، أي بزيادة قدرها 2 مليون برميل يومياً عن العام 2018. من المتوقع أن يتجاوز الإنتاج الأمريكي روسيا، التي تعد حالياً أكبر منتج في العالم بنحو 11 مليون برميل يومياً15.
صحيح إن الولايات المتحدة تستهلك نحو 20 مليون برميل من النفط يومياً، الذي يستوجب توفير نحو 7.9 مليون برميل من دول منتجة أخرى، ولكن هذه الكمية مرشّحة للتقلص بمرور السنوات إلى أن تصبح الولايات المتحدة، بحسب التقديرات، مكتفية ذاتياً بحلول العام 2030.
يجدر إلفات الانتباه إلى أن تنفيذ رؤية السعودية 2030 بدأ عملياً من خلال شراكات اقتصادية بين المملكة والولايات المتحدة، بزيارة محمد بن سلمان، ولي ولي العهد حينذاك، في منتصف شهر آذار (مارس) العام 2017، وبعد مرور شهر ونصف على وصول دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. وصف مستشار محمد بن سلمان الزيارة بأنها "نقطة تحوّل تاريخية" في العلاقات السعودية الأميركية16. 
كان على القيادة السعودية خلق ذريعة مغرية لإقناع الولايات المتحدة بالبقاء في المنطقة وتجديد دماء التحالف الاستراتيجي مع السعودية، في وقت بدأت واشنطن تنقل جزءاً من ثقلها الاستراتيجي نحو منطقة أوراسيا لمواجهة الصين والقوى الصاعدة الجديدة في الشرق.
لم يكن محض صدفة أو خطأ فنياً إعلان الحرب على اليمن من واشنطن، إنها الرسالة البليغة التي أرادت الرياض إيصالها للعالم بأن واشنطن لاتزال الراعي الرسمي للعرش السعودي، وأنها تخوض معها غمار أخطر التحديات. كانت الرياض على استعداد لتسليم واشنطن زمام الحرب والسلم، ولا عجب أن تكون حاضرة في تفاصيل الحرب منذ اليوم الأول، حتى صارت تقرر موعد المفاوضات وشكلها ومحتواها، وهذا ما كان يلحظه الوفد اليمني المفاوض في صنعاء. وليس هناك ما يدعو للدهشة، أن يكون إعلان مفاوضات استكهولم في الفترة ما بين 4 ـ15 كانون الأول (ديسمبر) 2018 من واشنطن. وقدكشف رئيس الوفد اليمني المفاوض محمد عبدالسلام بعد جولة مفاوضات الكويت في رمضان عن تقديم السفير الأميركي في الكويت ورقة إملاءات بديلاً عن الورق المتفق عليها ما أدى إلى فشل المفاوضات.
فيض من الأدلة يثبت أن الحرب على اليمن باتت شأناً أميركياً، وقد توصّل الوفد اليمني إلى هذه الحقيقة في مرحلة مبكرة من العدوان على بلده. وقد سمع أعضاء الوفد من مبعوثين دوليين، ووزراء أوروبيين أن قرار وقف الحرب أو إدامتها هو في البيت الأبيض، ولدى الرئيس على وجه التحديد. ولذلك، ليس مفاجئاً أن ينبري مسؤلون سياسيون وعسكريون أميركيون للحديث عن مواقيت للمفاوضات، أو أجندتها، وشروطها، ولسان الحال أنهم المعنيون بالحرب والناطقون الرسميون فيما يخص شؤونها، وآخرها تصريح قائد القيادة المركزية بالجيش الأمريكي الجنرال فرانك ماكنزي في 20 يونيو 2020: "إن السعودية تسعى بصدق إلى الوصول لنهاية متفق عليها للنزاع القائم في اليمن". وقال "لسوء الحظ، هناك طرف ثالث في هذه المفاوضات وهذا الطرف الثالث هو إيران.. ولا مصلحة لإيران في انتهاء هذه الحرب"17. 
ما تنبىء عنه التصريحات ومستوى الانخراط الأميركي في العداوان على اليمن، أن الرياض كانت على استعداد تام للقبول بتعديل شروط التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة وإن أفضى إلى الغاء جزء جوهري من سيادتها، كشرط لابقاء الحماية الاميركية الذي نجح ترمب في استغلاله حتى النهاية. 

(الحاشية)
1- Cost no barrier to Saudi Arabia's Yemen intervention, Reuters, March 31, 2015; https://www.reuters.com/article/us-yemen-security-saudi-cost/cost-no-barrier-to-saudi-arabias-yemen-intervention-idUSKBN0MR1KZ20150331
2- The United States Could End the War in Yemen If It Wanted To, The Atlantic, September 2018; 
https://www.theatlantic.com/international/archive/2018/09/iran-yemen-saudi-arabia/571465/
3- Martin Reardon, Three bold moves by King Salman, Aljazeera, 01 May 2015, see: 
http://www.aljazeera.com/indepth/opinion/2015/05/saudi-arabia-king-salman-reshuffle-150501053335493.html
4- Hugh Miles, Saudi royal calls for regime change in Riyadh, 28 September 2015, see:
http://www.theguardian.com/world/2015/sep/28/saudi-royal-calls-regime-change-letters-leadership-king-salman
5- https://www.youtube.com/watch?v=uNLYKNSMPOI
6- http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2015/01/150122_yemen_houthis_capital_grip
7- http://goo.gl/EJ4LYy
http://yemen-press.com/news45007.html

8- https://wikileaks.org/plusd/cables/09RIYADH670_a.html
9-  الرئيس الصماد يكشف عن " مؤامرة وتهديد أمريكي" باستهداف الاقتصاد والعملة المحلية، موقع العمل نيوز، 1 تشرين الأول (أكتوبر) 2016، الرابط:
http://www.sahafah24.net/show663088.html

10- David Ignatius, A cyclone brews over Saudi Arabia, Washiongton Post, October 13, 2015, see:
https://www.washingtonpost.com/opinions/a-storm-brews-in-saudi-arabia/2015/10/13/886328c0-71e1-11e5-9cbb-790369643cf9_story.html

11- David B. Ottaway, The Struggle for Power in Saudi Arabia, ibid
12- https://www.youtube.com/watch?v=pRLJoHAw3JY
13- Saudi Crown Prince Discusses Trump, Aramco, Arrests: Transcript, Bloomberg, October 5, 2018;
https://www.bloomberg.com/news/articles/2018-10-05/saudi-crown-prince-discusses-trump-aramco-arrests-transcript
14- https://www.dni.gov/files/documents/GlobalTrends_2030.pdf
15- https://goo.gl/1yt8hx
https://goo.gl/yD5NsB
16- Saudi deputy crown prince, Trump meeting a 'turning point': Saudi adviser, Reuters, March 14, 2017; https://goo.gl/K7PmrD
17- https://www.yemenmonitor.com/Details/ArtMID/908/ArticleID/38345


قراءة: 611