فصلنامه مطالعات سیاست خارجی تهران
 

حلقة حوارية تخصصية المقاومة في اليمن؛ الإنجازات، الفُرص و التحدّيات

الدکتور محمد مهدي شریعتمدار
الدکتور مقداد نيلي

لمحة
يمتاز اليمن بموقع جغرافي و سياسيّ فريد على الصُعُد الجيوسياسية و الجيوإقتصادية و الجيوإستراتيجية، كما يزخر التاريخ المعاصر لهذا البلد بالكثير من التحوّلات المرتبطة مباشرة بالخصوصيات آنفة الذكر.
في خضمّ الصحوشة الإسلامية التي شهدتها بعض الأقطار العربية في (٢٠١١م) و التحولات التي أعقبتها، دفع اليأس و عدم الثقة بالنظام الفاشل الجاثم على صدر الشعب منذ ثلاثة عقود بالجماهير اليمنية إلى تنظيم مسيرات احتجاجية في شوارع البلاد و طرح مطالبه السياسية. في نوفمبرتشرين الثاني من العام نفسه - و بعد أشهر من المفاوضات - و في ذروة الصراع العسكري توصّلت الأحزاب السياسية و التيارات الناشطة إلى حلّ وسط يقضي بنقل السلطة السياسية بشكل سلميّ خلال مدّة لا تتجاوز السنتيْن، و بموجب هذا الاتّفاق يحصل رئيس الجمهورية السابق علي عبد الله صالح على الحصانة السياسية لقاء تخلّيه عن السلطة على أن‌يتسلّم نائبه عبد ربّه منصور‌هادي زمام السلطة كرئيس مؤقت.
ولكن بسبب الثغرات التي شابت عملية انتقال السلطة و تواصل المفاوضات و الحوار الوطني بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، تعرّضت جميع المساعي السياسية للفشل فحال ذلك دون تحقيق الأهداف التي سعت إليها الانتفاضة الشعبية٬ فحدث اقتتال داخلي نتيجة لتفاقم الأوضاع على أرض الواقع. و في أثناء هذه الصراعات تحوّلت جماعة أنصار الله التي كانت تحظى بدعم شعبيّ كبير إلى قوة عظيمة منسجمة تسيطر على جزء واسع من أرض اليمن. و لمّا شعرت المملكة العربية السعودية أنّ التغييرات الحاصلة داخل اليمن – جارها الجنوبي – لاتصبّ في مصلحتها قرّرت في السادس و العشرين من مارسآذار عام (٢٠١٥م) شنّ الحرب على بعض مناطق اليمن، و بدعم من الولايات المتحدة شكّلت السعودية تحالفاً عسكرياً ضمّ كلّاً من الإمارات و الكويت و البحرين و قطر و السودان و مصر و الأردن أملاً منها في إجبار الشعب اليمني المناضل على الاستسلام بعد أن انتفض ضدّ سياسة الاستكبار التي مارستها القوى العظمى للتخلّص من الضعف و الاستضعاف.
وتقديراً لنضال الشعب اليمني العظيم و تطلّعه إلى تحقيق الاستقلال و تضحياته و مقاومته الباسلة خلال السنوات الماضية للدفاع عن مبادئه الدينية و الوطنية و البطولات الخالدة التي سطّرها هذا الشعب في سجلّ تاريخه، و للكشف عن الأبعاد الخفيّة لهذه الفترة المهمّة و الحسّاسة من تاريخ اليمن الصامد بادرت إدارة مجلة (فصليةطهران لدراسات السياسة الخارجية) اإلى تشكيل ندوة خاصة شارك فيها مختصّون من إيران و اليمن من أجل تحليل الأحداث السياسية و الأمنية في اليمن. و قد بذلنا في هذه الندوة جهداً كبيراً لغرض تقييم التحوّلات التي وقعت خلال العقد الماضي (لا سيّما بعد الصحوة الإسلامية) و آفاقها المستقبلية من منظار استراتيجيّ دقيق.
هذا، و شارك في الندوة المذكورة كلّ من السادة إبراهيم الديلمي (سفير الجمهورية اليمنية لدى إيران) و الدكتور عبدالسلام راجح (المحلل السياسي و الناشط الإعلامي اليمني) و محمّد علي بك (الرئيس السابق للدائرة اليمنية بوزارة الخارجية الإیرانية) و حسن عابدين (القائم السابق بالأعمال في سفارة الجمهورية الإسلامية في اليمن) و الدكتور محمد مهدي شريعتمدار (نائب رئيس تحرير المجلة) و قد أدار الندوة الدكتور مقداد نيلي (رئيس قسم الخليج الفارسي في المجلة). نتقدّم بالشكر و التقدير للأساتذة المشاركين و ندعو القرّاء الأعزاء إلى مطالعة الجزء الأوّل من الندوة المذكورة.

 

الفصلية: بالنظر إلى التحولات التي وقعت في اليمن خلال العقد الأخير٬ و السخط الشعبي ضدّ سياسة علي عبدالله صالح و السياسات المختلفة للقوى الإقليمية و الدولية و مساعيها لإدارة تلك التغييرات بأقلّ الخسائر و الأضرار و تدخّل النظام السعودي في المعادلات الداخلية لليمن؛ فإنّ أوّل سؤال يُطرَح ههنا هو: «ما هي المقاربة الاستراتيجية للسعودية بعد الصحوة الإسلامية و التغييرات التي وقعت في (٢٠١١م)؟ أي بعبارة أخرى: أيّ يَمن كانت السعودية ترغب في وجوده؟ و ما هي الأهداف التي أغرت النظام السعودي لشنّ عدوانه على اليمن؟».
إبراهيم الديلمي: في البدء أودّ تقديم الشكر و الامتنان للإخوة الأعزاء في فصلية (طهران لدراسات السياسة الخارجية) لإتاحتهم هذه الفرصة، كما أشكر الأخ العزيز السيد شريعتمدار الذي أبدى اهتماماً كبيراً خلال هذه الفترة بحقل دراسات البلدان العربية بشكل خاص و البلدان الإسلامية بصورة عامة٬ إلى جانب جهوده لتسليط الضوء على المواضيع التي تهمّ قرّاء الفصلية سواء في العالم الإسلامي أو العالم العربي٬ أو التي تهمّ الإيرانيين.
فيما يخصّ البُعد الحضاري لليمن و التحولات الحاصلة فيه، أعتقد أنّه لكي نفهم تلك التحولات لا بدّ أولاً من إلقاء نظرة فاحصة على تاريخ الشعب و الحكومة في اليمن بعيداً عن المسمّيات و الاصطلاحات للحوادث الواقعة منذ عام (٢٠١١م) و موقف الجمهورية الإسلامية  الإيرانية منها و التي وصفتها بأنّها صحوة إسلامية و هو وصف دقيق يلامس الواقع٬ و من ثمّ سمّيت بالربيع العربي، و قد كان في الحقيقة شتاء قارص و صيف قائظ و ربما خريف قاسٍ. مع كلّ ذلك أعتقد أنّ ما حصل خلال تلك الفترة (الصحوة الإسلامية أو الربيع العربي) في بعض الدول العربية كانت ثورات حقيقية حدثت بسبب المشاكل المتراكمة و الانسداد السياسي الناجم عن أداء الطبقة الحاكمة في تلك البلدان، سواء في تونس أو مصر أو البحرين و سائر الدول العربية الأخرى و خاصة الدول التي كانت معروفة بأنظمتها الناصرية (أي الأنظمة السياسية ذات التوجهات الاشتراكية المستلهمة من سياسة جمال عبد الناصر رئيس جمهورية مصر العربية الأسبق).
على سبيل المثال ما حدث في العراق قبل عام (٢٠١١م) و قدّم صورة مفادها أنّ هذه الأنظمة الجمهورية الفاشلة و العاجزة و المتخلفة حضارياً قد فشلت في تلبية طموحات شعوبها في الحرية و الكرامة و الرفاه الاقتصادي.
ولا بدّ أن أضيف بأنّ تلك الأنظمة و الجمهوريات الدكتاتورية في العالم العربي لجأت إلى ربط مصيرها بالولايات المتحدة و المشروع الصهيوني بعد أن‌تبيّن عجزها و فشلها، و تخلّت بذلك عن الشعارات التحرّرية بل و وضعت شعار تحرير فلسطين جانباً و انسحبت من الجبهة العربية الإسلامية المقاومة للمشروع الأمريكي الصهيوني.
وإلى جانب ذلك العجز المتراكم برزت قضايا أخرى من قبيل الفشل في إدارة البلاد و تفشّي الفساد في دوائر و مؤسسات النظام و البنية الحكومية٬ أضف إلى ذلك الرغبة الجامحة لمعظم حكّام تلك البلدان لتوريث الحكم لأبنائهم.
والمشكلة الرئيسية التي تجلّت بعد الصحوة الإسلامية أو الربيع العربي هي افتقاد تلك البلدان للبديل أو النّخب السياسية التي يمكنها أن تحلّ محلّ الحكّام الموجودين و تأخذ بزمام الأوضاع و تقود بلدانها إلى شاطئ الأمان باستثناء جماعة منظمة واحدة استطاعت أن‌تلعب دوراً في تلك الأقطار و هي جماعة الإخوان المسلمين. و رغم نجاح هذه الجماعة في لعب دور سياسيّ في بعض البلدان إلّا أنّ مُعارضيها كانوا يتربّصون بها و السبب في ذلك هو السياسة الإخوانية التي انتهجتها تلك الجماعة و غياب الرؤية التحليلية الصحيحة للواقع و عدم مواكبتها للأحداث و التطورات الحاصلة في بلدان الصحوة أو الربيع العربي التي كانت شعوبها تصبو إلى إحداث تغيير حقيقي.
إنّ الأنظمة الجمهورية الدكتاتورية التي تسلّطت على رقاب الدول العربية في العقود الأخيرة و كانت تعاني من أزمة بنيوية سارت في طريق التطبيع مع الكيان الصهيونيّ و وجدت نفسها في نهاية المطاف في أحضان المشروع الأمريكي الصهيوني٬ و المؤسف أنّ‌الإخوان المسلمين كانوا قد ارتكبوا نفس الخطأ، و ربما يتذكّر الأخوة الحاضرين الرسالة التي بعثها محمّد مرسي إلى شمعون بيريز و إصرار الإخوان المسلمين في تلك الفترة على تعزيز العلاقات مع إسرائيل و عدم اعتراضهم على معاهدة (كامب ديفيد) أو المواقف الأخرى.
لكنّني أودّ هنا التحدّث بشكل خاص عن تجربة الإخوان المسلمين في مصر و ذلك لتأثيرهم على الإخوان المسلمين في اليمن، و لأنّ الإخوان المسلمين كانوا يتصدّرون المشهد في اليمن بعد أحداث عام (٢٠١١م) ممثّلين في حزب التجمّع اليمني للإصلاح.
وفي ضوء ما قلت٬ لا أريد هنا مجرّد التحدّث عن أطماع السعودية من وراء شنّ الحرب على اليمن٬ لأنّ التغييرات التي وقعت في اليمن عام (٢٠١١م) كشفت عن وجود تيّاريْن: الأوّل هو ثورة عام  (٢٠١١م) و التيار الثاني ثورة عام (٢٠١٤م)، و يمكن اعتبار التيار الأوّل بمثابة ثورة شعبية حقيقية شارك فيها كلّ أفراد الشعب اليمني و الأحزاب و التيارات السياسية في أنحاء اليمن كافة. و على الرّغم من وجود الكثير من علامات الاستفهام حول مواقف بعض الجماعات و التيارات السياسية إلّا أنّه لا يمكن التشكيك في أصل و جوهر التيار الأوّل و الثورة اليمنية. و قد تزامنت هذه الأحداث مع بروز بعض التحولات في البحرين ممّا دفع النظام السعودي و من ورائه الولايات المتحدة إلى القلق بشأن إمكان تغيّر الأوضاع في جنوب شبه الجزيرة العربية، فهبّوا إلى تعبئة كلّ طاقاتهم و نفوذهم الإقليمي و العالمي و بغطاء و مواكبة أممية لإفشال تجربة الثورة اليمنية و الحؤول دون حدوث تحولات ثورية.
وأمّا الموضوع الآخر الذي ينبغي الإشارة إليه فهو الخلافات القائمة –مع الأسف – بين الأحزاب السياسية اليمنية، كالإخوان المسلمين و أنصارالله و الأحزاب السياسية اليسارية و الوطنية– رغم كونها أحزاباً ثورية و وطنية٬ و قدانعكست تلك الخلافات على جماهير الشعب أيضاً التي كانت تتوقّع من تلك التيارات أن تقودها إلى شاطئ الأمان. و في ظلّ تلك الأوضاع السيئة دخلت الولايات المتحدة على الخط و قدّمت مبادرة عبر دول مجلس التعاون الخليجيّ بلباس عربي خليجي، و لم تمارس دوراً مباشراً في الأزمة اليمنية. و كان (جو بايدن) نائب الرئيس الأمريكي وراء تلك المبادرة، و قد التقى آنذاك بالملك السعودي السابق عبد الله و أشار خلال لقائه إلى ضرورة بذل كلّ الجهود الممكنة في الأزمة اليمنية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه و إبعاد اليمن عن تأثيرات و نتائج الصحوة الإسلامية و الربيع العربي لأنّ الأمريكيين كانوا يعتقدون بإمكان إبقاء بعض الدول بعيداً عن تأثيرات الصحوة الإسلامية لئلا يقوم محور المقاومة و المواجهة مع الصهيونية و الولايات المتحدة بتوظيف هذه الأوضاع لصالحه.
أخوتي الأعزّاء! كما تعلمون أنّ أغلب الثورات التي وقعت في بعض البلدان العربية في تلك الفترة كان سببها اليأس و الإحباط و اختطاف طموحات و إرادة شعوب تلك البلدان من قِبل الولايات المتحدة و الكيان الصهيوني٬ و بالأخص بروز بعض القضايا مثل عملية تطبيع العلاقات مع إسرائيل التي تسارعت وتيرتها بعد اجتياح العراق. و كما قلت، فقد التقى (جو بايدن) الملك السعودي عبد الله و قدّم له الإطار العامّ لِما عُرِف لاحقاً بمبادرة دول مجلس التعاون الخليجيّ، و قد تضافرت جهود المجتمع الدولي و مجلس التعاون الخليجيّ و مجلس الأمن لتتمكّن السعودية و دولة قطر التي اضطلعت بدور رئيسي من خلال هذه المبادرة من التصدّي لصعود القوى الشابة و الواعدة مثل حركة أنصارالله التي كان بمقدورها تغيير الأوضاع في اليمن.
صحيح أنّ الخلافات بين الأحزاب الدينية و السياسية اليمنية في تلك الفترة كانت بارزة في كل بقعة من اليمن إلّا أنّ جماعة أنصار الله كانت تؤمن بأنّ الوقت غير مناسب للتركيز على الفوارق الاجتماعية و أنّه ينبغي وضع جميع الخلافات جانباً للوصول إلى إجماع و توافق حول الثورة الشعبية لكي يتسنّى المضي قدماً نحو المستقبل، و في هذا الإطار٬ نوقشت المبادرة الخليجية سيئة الصيت من أجل رفع اختلافات أفراد الطبقة السياسية الحاكمة في اليمن (لأكثر من ثلاثة عقود).
وأقصد بالطبقة السياسية الحاكمة: التياران الرئيسيان في معادلة الحكم في‌اليمن، أحدهما علي عبد الله صالح و الآخر علي محسن الأحمر و ارتباطاته القبلية و الإخوانية المتمثّلة اصطلاحاً بالاتّجاه الدينيّ و المذهبي برئاسة الشيخ عبدالمجيد زنداني أو شيوخ السلفية الذين كان لهم دور فاعل في تلك الفترة.
لقد كان الجميع يظنّ أنّ انتخاب عبدربّه منصور هادي (نائب علي عبدالله صالح) لمدّة سنتيْن (من ٢٠١٢ إلى ٢٠١٤م) لرئاسة الجمهورية في ذلك الوقت كفيل بتطبيق بنود مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي لتقوم الولايات المتحدة مرّة أخرى بإعادة اليمن إلى وضعه السابق، و السيطرة على مقدّراته و إبعاده عن محور المقاومة و التغييرات الجيوسياسية. و الحقيقة أنّني شخصياً لا أوافق على مصطلح محور المقاومة و الممانعة إذ لايمكن في الوقت الحاضر حصر ذلك في هذا المحور خصوصاً مع اتّساع دائرة المواجهة مع المشروع الصهيوني الأمريكي في المنطقة كما أنّ القوى الناشطة و الفاعلة في تزايد مستمرّ ضدّ المشروع المذكور الذي يتضمّن في الوقت نفسه أبعاداً حضارية.
لقد كان وصول عبدربّه منصور هادي إلى سدّة الحكم عام (٢٠١٢م) مجرّد مسرحية هزلية حيث كان المرشح الوحيد للمنصب الرئاسي، و كانت الضغوط الأمريكية و السعودية في ذلك الوقت قد بلغت أوجها ممّا أدى إلى اتّحاد التياريْن الحاكميْن الرئيسيين (علي عبدالله صالح و علي محسن الأحمر) - بعد أن‌كانت الخلافات بينهما في السابق قد بلغت أشدّها – و شكّلا حكومة وحدة وطنية مع بدء فترة الرئاسة الانتقالية لعبد ربّه منصور هادي الذي أصبح رئيساً للجمهورية في انتخابات صورية و اختيار السيد محمد سالم باسندوة رئيساً للوزراء، و تمّ إلغاء نشاطات المجلس و صلاحيّاته وفقاً للمبادرة الخليجية، و بالاستناد إلى المبادرة المذكورة أصبح من الضروري الحصول على موافقة جميع التيارات و الأحزاب في المجلس لغرض المصادقة على القوانين.
وبعد دخول المبادرة الخليجية حيّز التنفيذ عاد جميع المعارضين إلى بيوتهم و خَلت شوارع العاصمة صنعاء و ميادينها من المحتجّين٬ و بقيت جماعة أنصار الله لوحدها في الساحة اليمنية. لقد كانت الأوضاع في تلك الفترة صعبة للغاية، و كان المطلوب من حركة أنصار الله أيضاً أن تخلي الساحة كغيرها و السماح للمبادرة الخليجية و المشروع الأمريكي بالعمل و الاستمرار و انتظار ما سيحدث في المستقبل، و هو ما كان البعض يردّده و يدعو إليه و يقول: لقد خضع اليمن لحكم علي عبد الله صالح لثلاثة عقود، فلنرى ما ستقوم به الحكومة الجديدة. لكنّ حركة أنصار الله أصرّت على البقاء في الساحة و عدم إخلائها أملاً في اجتذاب عدد أكبر من أفراد الشعب و العناصر الجديدة، فتشكّلت خلال تلك الفترة جماعات و تيارات أخرى مثل جبهة إنقاذ الثورة و جمعية أحزاب الشباب الثوري، و في الحقيقة فإنّ كلّ تلك التيارات تُعدّ جزءاً من تشكيلة حركة أنصار الله.
الفصلية: إذن، فالبقاء في الساحة و استمرار الاعتراضات كان قرار حركة أنصارالله؟
إبراهيم الديلمي: نعم، كقوّة و حركة أصلية، و بعد ذلك، و بالنظر إلى تزايد عدد الجماعات و القوى في سوح الاعتراضات، تقرّر تشكيل جمعية القوى الثورية.
الفصلية: ذكرتم في حديثكم أنّ التعاون السعودي الأمريكي كان يهدف إلى تغيير ظاهر النظام السياسي مع بقاء نفس سياسات نظام علي عبدالله صالح و لكن بغطاء جديد من أجل تحفيف حدّة النقمة الشعبية و تتم السيطرة على تيار الاحتجاجات الذي انطلق بسبب اليأس و الإحباط خلال فترة تتراوح بين سنة إلى سنتين. سؤالنا هو: ماذا انتفعت المملكة العربية السعودية من علي عبدالله صالح في السابق لكي تصرّ على بقائه و إبقاء سياسته و ممارساته؟ يهمّنا فهم هذه النقطة.
إبراهيم الديلمي: بالتأكيد لم يكن هدف السعودية بقاء علي عبدالله صالح شخصياً في سدّة الحكم بل بقاء نفوذها و هيمنتها على عملية صنع القرار في اليمن على الصعيد السياسي و على سيادة البلاد، هذا هو الهدف الأصلي الذي كانت السعودية تسعى إلى تحقيقه. لكن، ينبغي لي هنا الإشارة إلى نقطة مهمّة و هي أنّ السعودية لم ترغب أبداً في أن تكون لها سياسة أو مشروعاً مستقلّاً أو مختلفاً عمّا تريده الولايات المتحدة في المنطقة و لا سيّما في الوقت الحاضر.
وفي الفترة الأخيرة كان بالإمكان ملاحظة مثل هذه السياسة المختلفة إلى حدّما للسعودية، و كان تفاوتاً واضحاً في‌ الحقيقة، لكنّها لم تعد كذلك في الوقت الحاضر. في الماضي كانت السعودية تعتبر اليمن بمثابة حديقتها الخلفية و كانت بصدد تحقيق أهدافها و سياستها، و في الواقع أنّ النظام السعودي لديه هواجس ومخاوف تاريخية وطائفية وحضارية إزاء اليمن، كانت هذه هواجس صنّاع القرار في السعودية، على حين لم يكن لدى الشعب اليمني مثل هذا الشعور إزاء السعودية بمعنى لم يكونوا يشعروا أنّهم يشكّلون تهديداً للسعودية و لا حتى للبلدان العربية الأخرى.
لقد كانت تلك مشكلة تجلّت ملامحها في عام (٢٠١١م)؛ و أمّا المسألة الأخرى هي أنّ النخب في اليمن قد تعوّدت على عدم رفض أيّ طلب للنظام السعودي. و قبل (٢٠١١م) كانت النخبة السياسية – سواء الذين كانوا في السلطة أو في المعارضة – مستعدة لتلبية كلّ طلبات حكّام السعودية، و لم تكن هناك مشكلة من جانبهم تحول دون ذلك، و في المقابل٬ لطالما كانت لدى السعودية مخاوف بشأن حدودها الجنوبية مع اليمن٬ و كانت تعتقد أنّ أيّ انحسار لسلطتها و نفوذها في هذه المنطقة٬ يعني أنّ إيران سوف تملأ الفراغ الناجم عن ذلك.
بيد أنّ مخاوف النظام في السعودية و خشيته إزاء الحضور الإيراني لم يكن مقصوراً على اليمن فقط بل تعدّاه إلى مناطق أخرى كالعراق و البحرين و سورية و ليبيا و السودان، و حتى داخل المملكة نفسها، و لسنا هنا بصدد تقييم ما إذا كانت تلك المخاوف محقّة أم لا، فقدكانت مخاوف السعودية من الحضور الإيراني في المنطقة قائمة على الدوام. و بالطبع نحن اليمنيون لانستطيع أن نفعل شيئاً لتهدئة تلك المخاوف لأنّنا لسنا المتسبّبين بها، لذا٬ فمصلحة النظام السعودي كانت تقتضي بقاء نظام (علي عبدالله صالح) في اليمن الذي وقّع على معاهدة ترسيم الحدود بين اليمن و السعودية عام (٢٠٠٠م) و المستندة إلى معاهدة الطائف الموقّعة عام (١٩٣٤م) و كان اليمن قد وافق في السابق على مراجعة قضايا الحدود بين البلدين كلّ عشرين سنة، غير أنّ علي عبدالله صالح في عام (٢٠٠٠م) استجاب لجميع مطالبات السعودية بشكل كامل فيما يتعلّق بالقضايا الحدودية سواء في الحدود الجنوبية أو الشمالية لليمن.
والقضية الأخرى هي إطلاق يدالوهابيين و نشاطاتهم في اليمن، لكنّ هذه السياسة لم تكن مقصورة على عهد علي عبد الله صالح وحده بل كان معمولاً بها في زمن الرؤساء اليمنيين الذين سبقوه بحيث كانت تتضمّن زيادة حرية النشاط الوهابي في اليمن و تغيير مذهب المواطنين اليمنيين و تغيير المناهج الدراسية و تعاظم نفوذ السعودية في هذا البلد.
وأمّا الأنظمة السياسية التي توالت على الحكم بعد عام (١٩٦٧م) منذ عهد الرئيس عبد الرحمن الإرياني حتى فترة ما بعد الوحدة اليمنية (الشمال و الجنوب) في عام (1994م) و حكم علي عبد الله صالح في فترة الاتّحاد، أقول: كلّ تلك الأنظمة فتحت أبواب اليمن على مصراعيها أمام السعودية للنفوذ في النسيج الاجتماعي اليمني بحيث أنّ‌المئات من شيوخ القبائل اليمنية كانوا يستلمون رواتب شهرية من النظام السعودي، فوصل الأمر حدّاً أن اتّهم علي عبد الله صالح أحد السياسيين في اليمن الجنوبي بالخيانة و استلام أموال من السعودية فلم ينكر ذلك السياسي هذه التهمة بل اتّهم صالح أيضاً بنفس التهمة، ممّا يفسّر اتّساع النفوذ السعودي في اليمن آنذاك.
والقضية الأخرى هي الأمن فعندما كانت السعودية تواجه مشكلة أمنية سواء بسبب تنظيم القاعدة أو غيره كانت بعد أن تتمكّن منهم ترسلهم إلى اليمن، و كانت أحداث الحادي عشر من أيلول بالنسبة للسعودية فرصة لإرسال عناصر التنظيم إلى اليمن و التخلّص من تبعاتهم. كما أنّ العديد من الانتحاريين الذين دخلوا العراق لتنفيذ بعض العمليات تمّ إرسالهم من اليمن حيث وجد هذا البلد في العراق ميداناً يمكن من خلاله التخلّص من عبء عناصر التنظيم. و لا بدّ لي هنا أن أضيف بأنّ النظام السعودي كان يعتبر اليمن بمثابة احتياطي للموارد البشرية يستخدمه عند الحاجة و الشعور بأيّ تهديد أو نشاطات معادية من قِبل إيران أو الإخوان المسلمين.
لقد كان موقف السعودية إزاء حركة أنصارالله منذ ظهورها إلى يومنا هذا موقفاً عدائياً، سواء في عام (٢٠٠٤م) أو قبل ذلك خلال المعارك مع الحوثيين و استشهاد السيد حسين الحوثي، و كانت تدعم نظام علي عبد الله صالح بكلّ الوسائل في السنوات اللاحقة و في عام (٢٠٠٩م) في أثناء الحروب في صعدة، بل و دخلت الحرب ضدّ الحوثيين بصورة مباشرة و علنية.
وبالعودة إلى الموضوع الرئيسي، في عام (٢٠١٢م) و بعد التوقيع على مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي و تنحّي علي عبد الله صالح و منحه الحصانة القضائية، يجب الالتفات إلى أنّ بنود المبادرة الخليجية كانت قد وُضعت بشكل يمكّن السعودية من إرجاع علي عبدالله صالح أو نَجله إلى سدّة الحكم بعد فترة رغم حصول علي عبدالله صالح و بطانته التي كانت معه في النظام على الحصانة القضائية، لكن وفق المبادرة المذكورة فإنّ علي عبد الله صالح لم يُمنَع من مواصلة النشاط السياسي، فكان يرأس حزب المؤتمر الشعبي العامّ – الحزب الحاكم في اليمن آنذاك – حتى مقتله.
وأمّا الموضوع الآخر فهو أنّني لا أوافق على كلمة «اغتيال» التي ذكرها الدكتور، فعلي عبد الله صالح قد قُتل و لم يُغتال، لقد كان شرّاً مطلقاً و نحمد الله على خلاص اليمنيين من شرّه.
حسن عابدين: هنا أشير إلى موقفي الشخصي و وجهة نظري الشخصية و ليس كمسؤول في وزارة الخارجية أو قائم بالأعمال سابق في السفارة الإيرانية في اليمن، بل كفرد تابع الأحداث التي وقعت في اليمن. أعتقد أنّ وجودي في اليمن على مدى ستّ سنوات يتيح لي إبداء وجهة نظري إزاء التطورات التي حدثت في اليمن، هذا البلد الشريف الكريم، و قد استنتجتُ من حديثكم (باعتباري سفيراً سابقاً) أنّ علي عبد الله صالح في الواقع كان عميلاً للسعودية، أليس كذلك؟
إبراهيم الديلمي: لا بدّ من تفصيل الكلام الذي قلته، فعلي عبد الله صالح لم يكن عميلاً للسعودية فقط بل كان عميلاً للجميع، كان مستعداً للعمالة لأيّ بلد.
الفصلية: لم يقل سعادة السفير صراحةً بأنّ علي عبد الله صالح كان عميلاً، بل عندما تبادل صالح الاتّهامات مع أحد قادة الحركة الانفصالية في الجنوب، أجابه ذلك القائد قائلاً: «نحن و أنتَ نأخذ رواتبنا من السعودية»، و أعتقد أنّ علي عبد الله صالح كان يُلاعب الجميع، السعودية و غيرها.
حسن عابدين: لقد كان علي عبد الله صالح و في مراحل زمنية مختلفة يُعارض سياسة السعودية تماماً، فخلال اجتياح صدام للكويت مثلاً كان صالح يؤيّد صدّام ممّا أدّى إلى طرد السعودية للكثير من اليمنيين المُقيمين فيها.
عبدالسلام راجح: لقد مرّت علاقات صالح مع السعودية بمراحل من المدّ والجزر.
عابدين: هذا صحيح.
إبراهيم الديلمي: لكنّه صار يتماهى مع السياسة السعودية لا سيّما بعد الحروب الستّة (على صعدة).
الفصلية: أريد أن أطرح السؤال التالي على السيد (علي بك) لكي ندخل في صميم الموضوع. ذكر الإخوة أنّ السعودية لم تكن راغبة بعد عام (٢٠١١م) في التخلّي عن مصالحها الاستراتيجية التي كانت تجنيها بوجود علي عبد الله صالح، و كانت تؤيّد إيجاد بعض التغييرات الهامشية دون نفوذها إلى العمق. فما الذي حصل في اليمن بعد عام (٢٠١٤م) فأدّى إلى تحوّل الأوضاع؟ و ما هي الحقائق التي لم‌تضعها السعودية في حسبانها فاضطرّت على أثر ذلك إلى القبول بخيار الحرب؟ و نحن نعلم بأنّ السعودية كانت تخطو خطوات مدروسة بعد عام (٢٠١١م) و كانت سياستها مع اللقاء المشترك على نحوٍ٬ و مع القوات في الجنوب على نحوٍ آخر لكي تتمكّن من إدارة المشهد٬ لكنّها كانت تعلم أيضاً بعدم قدرتها على فعل نفس الشيء مع حركة أنصار الله٬ لقد حاولت احتواؤها لكنّها فشلت. فما الذي حصل عام (٢٠١٤م) بحيث لم تَجر الرياح بما اشتهت سُفن السعودية و اضطرّت في أوائل عام (٢٠١٥م) إلى ترجيح كفّة الحرب؟
علي بك: لا بدّ أولاً من الإشارة إلى أنّ العلاقات السعودية اليمنية قديمة و متجذّرة و تصبّ في مصلحة البلديْن، لكنّ المسألة تكمن في ما تريده السعودية من اليمن؟ ما زالت وصية الملك عبدالعزيز موجودة و التي يقول فيها: «إنّ خير السعودية و شرّها يأتي من اليمن» ممّا يشير إلى أهمية اليمن بالنسبة للسعودية، كما أوصى الملك عبدالعزيز أبناءه كذلك بقوله: «إنّ مصلحة السعودية هي في إبقاء اليمن ضعيفاً!».
ما أريد قوله أنّ نظرة السعودية لليمن معروفة و محدّدة منذ أقدم الأزمنة، و هي إبقاء اليمن ضعيفاً دائماً و هي في الحقيقة سياسة ثابتة و معمول بها قبل حكم علي عبد الله صالح و بعده. أمّا لماذا هذه السياسة السعودية في جعل اليمن ضعيفاً فليس موضوع بحثنا هنا.
الفصلية: هل تعتقدون أنّ الخصائص الجيوسياسية لليمن هي التي تفرض ذلك على السعودية؟
علي بك: سؤالكم هذا يثير سؤالاً آخر و هو: لماذا تغيّر موقف السعودية إزاء اليمن عام (٢٠١٤م)؟ ألفت انتباهكم إلى أنّ اليمن شهد تحولات جمّة و حوادث جسام منذ (٢٠١١م) حتى (٢٠١٤م). و قدأشار سعادة السفير إلى الاحتجاجات التي حدثت في اليمن، و كان حزب الإصلاح هو المحرّك الأصلي لها٬ و الذي كانت علاقته بعلي عبد الله صالح تشوبها مشاكل كثيرة. و كان واضحاً في تلك الفترة أنّ الحزب المذكور كان المدبّر الرئيس للاحتجاجات في ميادين التغيير، و هو الذي تكفّل بحمايتها و دعمها مالياً، و كما قلت فإنّ حزب الإصلاح كانت له مشاكل مع علي عبد الله صالح بالتحديد، إلّا أنّ العلاقة بين حزب الإصلاح و آل الأحمر من جهة و بين السعودية من جهة أخرى كانت جيدة و طيبة منذ القدم، و قد وافقت السعودية على تنحّي صالح نزولاً عند رغبة حزب الإصلاح.
ومع تنحّي علي عبد الله صالح تمّ إزالة القسم الأكبر من خيم المعارضة من الميادين و لم يبق منها سوى القليل في بعض سوح العاصمة كانت لأصحابها مطالب أخرى٬ لكنّ ما تبقّى من المتظاهرين لم يكن له أيّ تأثير يُذكَر. و هكذا، توصّل مجلس التعاون الخليجيّ بقيادة السعودية إلى توافق مفاده أنّه إذا أرادت الأخيرة إدارة الأوضاع في اليمن و منع حدوث أيّ تغيير جوهريّ في النظام السياسي هناك خلال تلك الفترة فعلى السعودية وقف دعمها لعلي عبد الله صالح و استبداله بآخر يعمل على تحقيق المطالب الرئيسة للمحتجين الممثّلين بحزب الإصلاح و في الوقت نفسه تحقيق المصالح السعودية. كان ذلك بمثابة الفصل الأوّل من التغيير الذي حصل في اليمن؛ لكن، لماذا تغيّرت الأوضاع بعد ذلك؟ من بين الأخطاء التي حدثت هي اختيار عبد ربّه منصور هادي، و لاأعلم بالضبط كيف حصل ذلك؟ ألم تكن هناك شخصية أخرى غيره؟ لقد أدّى ضعف شخصية هادي إلى مضاعفة مشاكل اليمن، كما أنّ رئيس الوزراء المُنتَخَب لم يكن بالمستوى الذي كان حزب الإصلاح و السعودية يطمحان إليه٬ فنجم عن ذلك تأزّم الوضع السياسي أكثر ممّا كان عليه في السابق بل و تكرار المشاهد نفسها. و بالنظر إلى أنّ نصف وزراء كابينة (باسندوة) كانوا من حزب الإصلاح فقد أمسك هذا الحزب بزمام الأمور في البلاد. لكنّ هذا الوضع خلق بعض الخلافات بين باسندوة و عبد ربّه منصور هادي و أدّى إلى حدوث تغيير في الأوضاع السياسية، و بالتزامن مع تلك التغييرات و التحوّلات كان وضع أنصار الله في الشمال يتقوّى و يتعزّز بينما كان الخلاف بين هادي و باسندوة يتعاظم يوماً بعد يوم. و خلال الحركة التي قامت بها جماعة أنصار الله بدءاً من الشمال حتى مدينة (دماج) ازدادت قوّة تلك الجماعة أكثر من ذي قبل ممّا مكّنها من الاتّجاه نحو الجنوب، و لم يُبدِ عبد ربّه منصور هادي أيّ مقاومة تُذكَر فكان بسكوته يجامل الوضع٬ ربّما كان تحليله للموقف هو أنّ أنصار الله قادرة على إضعاف حزب الإصلاح إلى حدّ ما ليتسنّى له السيطرة على الأوضاع. و حتى عندما وصل أنصار الله إلى قاعدة قبيلة (هاشم) لم يُبدِ هادي أيّ مقاومة لدرجة جعل التكهنات تذهب إلى أنّ ثمّة توافق ثنائي سرّي بينه و بين أنصار الله من أجل إضعاف حزب الإصلاح.
وعندما وصل أنصار الله إلى مشارف العاصمة صنعاء ارتكب باسندوة خطأً استراتيجياً فيما يخصّ رفع أسعار الوقود و الضرائب فأدّى ذلك إلى إيجاد عامل مشترك بين علي عبد الله صالح و حركة أنصارالله لمواجهة عبد ربّه منصور هادي، فمنح ذلك أتباع أنصارالله فرصة مناسبة للخروج في مسيرة حاشدة في صنعاء، و عندما وقّعت الحركة على وثيقة (السلم و الشراكة) تعزّز موقعها فكانت تلك بداية لانطلاقة جديدة لأنصار الله. فالشيء الذي أغفلته السعودية في تلك المرحلة هو ضعف شخصيّة عبد ربّه منصور هادي و محمد سالم باسندوة، فاستغلّت حركة أنصار الله ذلك لتغيير الموقف لصالحها و تعزيزه، و هذا هو الخطأ الذي ارتكبته السعودية عام (٢٠١٤م). لكن، لماذا اشتعلت الحرب، فذاك موضوع آخر.
الفصلية: أودّ أن أطرح سؤلاً على الأخ الدكتور راجح؛ في تلك الفترة و بعد بدء العمل بالمبادرة الخليجية، و تشكيل البرلمان اليمني على أساس المحاصصة و انتخاب عبد ربّه منصور هادي رئيساً للجمهورية ضمن خطّة تتضمّن مرشحاً وحيداً٬ و كان لجماعة أنصار الله حضور في هذا المشهد، بعد كلّ ذلك وقعت بعض الأحداث التي سأذكرها لكي نصل إلى أصل بحثنا، أوّلاً وقعت مواجهات في مدينة (دماج) و صِدامات مع الحوزة العلمية السلفية، و من هناك انطلقت شرارة الأحداث الشريرة ضدّ حركة أنصارالله، و الشيء نفسه حدث في محافظة (عمران) أيضاً. فتقدّمت حركة أنصار الله نحو العاصمة صنعاء لدفع الشرّ حتى وصلت إلى بوابات العاصمة، و هناك أعاد السيد عبد الملك طرح الشعارات الثورية التي كانت قد غُيّبت و ذلك بالتزامن مع ارتفاع أسعار الوقود و السخط الشعبي و عجز الحكومة عن السيطرة على الأمور. أريد أن أعرف سبب خروج أنصار الله من صعدة و دخولهم صنعاء؟
حسن عابدين: أودّ تصحيح معلومة هنا؛ ليس لمدينة (دماج) أيّ دور في القضايا المذكورة، فحركة أنصار الله – من صعدة إلى صنعاء – بدأت بحادثة في منطقة تُدعى (حوث) و ليس لذلك أيّ علاقة بدماج، فحادثة دماج وقعت لاحقاً حيث قام أنصار بني الأحمر باغتيال عدد من العوائل في (حوث) بينهم نساء و رجال و كان لأتباع حسين الأحمر يَد في تلك الحادثة، و طالبت حركة أنصار الله بالقبض على القتلة و معاقبتهم، لكنّ قوات بني الأحمر لم تستجب لذلك، و من هناك بدأ أوّل حراك لجماعة أنصار الله.
عبد الرحمن راجح: في البدء أودّ أن‌أقدّم الشكر لكم و لأسرة الفصلية لدعوتكم إيّانا. و للإجابة عن سؤالكم أقول أنّه يتعذّر الجواب من دون الأخذ بعين الاعتبار الأحداث التي سبقت دخول أنصارالله إلى صنعاء، و لفهم هذا الموضوع ينبغي لنا العودة إلى المراحل التاريخية الماضية.
أوّلاً، إنّ الثورة في اليمن في تلك السنة ما كانت لتقع أصلاً لولا جماعة أنصار الله و قد كنتُ ذكرت هذا في أطروحة الدكتوراه التي قدّمتها بشأن الدلائل الخاصة بنشوء الثورة في اليمن، و ليس ذلك بفضل مشاركة تلك الجماعة في الاحتجاجات بل بسبب الحروب التي فُرضت على الحوثيين بين سنة (٢٠٠٤) و (٢٠١٠م) حيث أدّت تلك الحروب إلى إضعاف الجيش اليمني و نشوب الكثير من الخلافات بين قادة حزب الإصلاح من جهة و بين علي عبد الله صالح من جهة أخرى، و لولا حدوث ذلك لَما استطاع الشباب و الثوار الخروج إلى الشوارع و تفجير الثورة بين عامي (٢٠١٠) و (٢٠١١م).
إذن الحروب ضدّ الحوثيين في صعدة (شمال اليمن) أدّت إلى ضعف الجيش و سلطة علي عبدالله صالح و بروز الخلافات٬ و كذلك تبلور حركة الاستقلال في جنوب اليمن عام (٢٠٠٧م) ليُصار كنتيجة لهذه الأحداث إلى تصدّع بنية النظام السياسي نفسه و تصاعد الخلافات بين علي عبد الله صالح و محسن الأحمر و تراكم هذه التطورات جعلت الجماهير مهيّأة للنزول إلى شوارع اليمن و تفجير ثورتها بمجرّد تلقّف الشرارة الأولى للثورة في تونس.
وأمّا ما يتعلّق بسؤالكم حول كيف تعاطت السعودية مع أحداث عام (٢٠١١م)، لا بدّ من القول أنّ السعودية و الولايات المتحدة و البلدان الغربية سعت إلى كبح جماح هذه الثورة التي ولدت من رحم الربيع العربي أو الصحوة الإسلامية، سواء عن طريق المصالحة السياسية أو الانتخابات؛ أي أنّها بذلت جهوداً كبيرة لكي تتمكّن من احتواء الثورة و السيطرة عليها، لكن وقعت بعض الأحداث أدّت إلى خروج زمام الأمور في اليمن عن سيطرة السعودية و عجزها عن التحكّم في مجريات الأوضاع، فطرحوا المبادرة الخليجية كحلّ للأزمة اليمنية و استطاعوا إقناع حزب الإصلاح بتشكيل حكومة وحدة وطنية تضمّ قوات محسن الأحمر و علي عبد الله صالح و دفعوا بعبد ربّه منصور هادي إلى سدّة الرئاسة.
وخلافاً لِما قيل٬ لقد جاؤوا بعبد ربّه منصور هادي باعتباره شخصية ضعيفة يمكن التحكّم بها، فالسعودية و سائر الأحزاب و الجماعات اليمنية بالتأكيد لم تختَر هادي لشخصيّته القوية أو البارزة بل لكونه ضعيفاً يمكن فرض إملاءاتهم عليه٬ علّهم يتمكّنون من لجم الثورة و مراقبتها.
لقد أقصت مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي حركة أنصار الله و التيارات البارزة عن المشاركة السياسية، و هي التيارات التي كانت معارضة للمبادرة الخليجية في وقتها و إن كانت اليوم لاتبدو مقرّبة من جماعة أنصار الله.
لقد وضعت مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي على أُسس باطلة و لذلك لم‌تستطع حلّ المشاكل الرئيسية التي تعود جذورها إلى عام (١٩٩٤م) مثل حروب الشمال و الجنوب أو وضع حدّ للأحداث في صعدة، و قد نوقشت القضيّتان الأصليّتان كذلك في الحوار الوطني: إحداهما موضوع الحروب المفروضة على صعدة (أي الحوثيين) و القضية الأخرى قضية الجنوب (حركة الاستقلال في جنوب اليمن)، إلّا أنّ المبادرة الخليجية تجاهلتهما تماماً.
وعلى أيّ حال فقد تطوّرت الأحداث ككرة الثلج المتدحرجة، فدخلت حركة أنصار الله على الخط بعد دراسة دقيقة للوضع و استطاعت تحقيق مكتسبات عظيمة، كما أنّ القرار الذي اتّخذته بشأن دخول صنعاء لم يكن قراراً متهوّراً أو غير مسؤول، و لو نظرنا إليه من منظار التحليل السياسي لرأينا أنّ ما كسبته بلحاظ حجم القاعدة الشعبية التي حظيت بها أكثر ممّا خسرته٬ و فائدته أعظم من ضرره، فدخول جماعة أنصار الله صنعاء حوّلها إلى حكومة و لو لم تفعل ذلك لبقيت في إطار جماعة صغيرة أو حزب سياسي مغمور في اليمن.
ومهما يكن من أمر فقد كانت هناك دلائل كافية دفعت أنصار الله إلى دخول صنعاء منها ما هو متعلّق بالمطالب الثورية التي طُرِحت عام (٢٠١١م) إذ لم يُنفّذ بعضها مثل تحسين الأوضاع الاقتصادية و محاربة الفساد. لا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ الشعب اليمني كان يحمل مشاعر كراهية لآل الأحمر لكنّهم ظلّوا في السلطة، كما أنّ علي عبد الله صالح كان مكروها من قبل معظم الشعب اليمني مع ذلك ظلّ في السلطة، و هكذا تردّت الأوضاع هناك و بدأت حركة أنصار الله تتحوّل إلى قوة سياسية٬ خصوصاً و أنّ الأمور خرجت عن سيطرة السعودية؛ هذا فيما يخصّ العوامل الداخلية في اليمن، لكنّ العوامل الخارجية كان لها دور كبير أيضاً في إشعال فتيل الحرب، فقد حصلت بعض التحوّلات في السعودية مثل موت الملك عبد الله ليخلفه الملك سلمان.
الفصلية: سنتحدّث فيما بعد عن استمرار الحرب، لكنّني أودّ هنا طرح السؤال التالي: هل كان لمُخرجات الحوار الوطني أيّ دور أو أثر في إشعال الحرب أم لا؟ كأن تتمّ إدارة اليمن مثلاً على أساس الأقاليم؟
عبد الرحمن راجح: لقد كانت مُخرجات الحوار الوطني إيجابية تماماً إلّا أنّه تمّ تحريفها عن مسارها.
الفصلية: أقصد مُخرجات الحوار الوطني المتعلّقة بتقسيم اليمن إلى ستّ أقاليم و إبعاد المناطق التي تسيطر عليها جماعة أنصار الله عن الوصول إلى البحر و مصادر الطاقة؛ هل كان لهذه القضايا أيّ تأثير أم لا؟
عبد الرحمن راجح: إنّ مُخرجات الحوار الوطني لم تتضمّن أيّ إشارة لا من بعيد و لا من قريب إلى تقسيم اليمن إلى ستّ أقاليم، بمعنى لم تكن هناك أيّ مدوّنة في هذا الشأن، إلّا أنّه تمّ الاتّفاق على أن‌يكون التقسيم الجغرافي وفقاً للأقاليم دون ذكر عدد الأقاليم و الخصائص الجغرافية، لكنّها كانت تندرج في إطار السياسة السعودية الأمريكية الرامية إلى احتواء حركة أنصار الله في اليمن.
وعندما رأوا أنّهم بدأوا يخسرون في جميع الملفات و شاهدوا بأعينهم غليان مشاعر الشعب اليمني اقترحوا مشروع التقسيم إلى أقاليم. و لو نظرنا إلى المشروع لوجدنا أنّ هدفه كان التضييق على حركة أنصار الله، إلّا أنّ تضافر الكثير من الأحداث أدّى إلى حصول هذه التطورات. أمّا إذا أردنا التحدّث عن أسباب شنّ السعودية عدوانها على اليمن فهي، أوّلاً احتواء الثورة و ثانياً تغيير موازين القوى في المنطقة بعد الأحداث السورية و تنحّي الرئيس المصري حسني مبارك و الأوضاع في مصر و احتلال الولايات المتحدة للعراق عام (٢٠٠٣م).
وفي إطار التحولات الخاصة بموازين القوى وجد الأمريكان أنّ موقفهم ضعيف في مقابل إيران فراحوا يفكّرون في الوقوف بوجه ما يسمّى النفوذ الإيراني بعد أن تأكّد لهم و للسعوديين من أنّ إيران قد تكون لها اليد الطولى في اليمن٬ فعزموا على إيجاد شخص يقوم بالإمساك بزمام الأمور في المنطقة فاقترح الملك سلمان أن يكون ذلك الشخص ابنه الأمير محمّد، لقد ظنّ هؤلاء أنّ اليمن ضعيف و أنّهم سيدخلونه فاتحين و ينهون الحرب خلال شهر أو شهرين كأقصى حدّ٬ و بعدها يصبح الأمير محمّد بن سلمان قائد الأمة العربية المنتصر في مواجهة الجبهة المقابلة بقيادة إيران.
الفصلية: جاء قرار السعودية بشنّ الحرب (وهو قرار نادر لم يسبق أن اتّخذته من قبل) بعد حسابات طويلة إلى جانب دوافع أخرى، و قد أشار السيد راجح كذلك إلى أنّ من بين تلك الدوافع التصدّي للنفوذ الإيراني أو ربما الدافع الشخصي للأمير محمّد بن سلمان هو ليقول للناس: إنّني عبد العزيز الثاني! لكنّ مسألة الحرب لا يمكن أن تكون مسألة شخصيّة، كما أنّ غرفة عمليات الحرب لم تكن سعودية لأنّه ليس لها أيّ تجربة في الحروب٬ بل كان الدور  للولايات المتحدة و الدول الغربية مثل بريطانيا٬ بل أشارت بعض التقارير إلى مشاركة إسرائيل كذلك. أوّلاً، ما هي دوافع السعودية من شنّ الحرب؟ ثانياً، ما هي حساباتها من دخول تلك الحرب، إذ لم يتحقّق في الواقع ما كانت السعودية تصبو إليه؟ و ثالثاً، أين أخطأت السعودية في حساباتها؟
حسن عابدين: أعتقد أنّ السيد راجح قد أجاب عن جزء من هذا السؤال و أشار إلى طموح محمّد بن سلمان كأحد الدوافع، فثمّة منافسة شديدة بين أعضاء الأسرة المالكة، و محمّد بن سلمان يفكّر في المُلك و السلطان على الأسرة السعودية و لهذا فهو مستعدّ لفعل أيّ شيء في هذا السبيل، مثال ذلك اعتقال بعض الأمراء و إقصاء محمّد بن نايف، فلاأحد يشكّ في أنّ محمّد بن سلمان يطمع في المُلك بل و أشار الكثير من المسؤولين الغربيين أيضاً إلى هذه النقطة. فمحمّد بن سلمان يشغل منصب وزير الدفاع٬ و قد أنفقت السعودية عشرات المليارات من الدولارات على الجيش السعودي و جهّزته بأحدث الأسلحة البرية و البحرية و الجوية. و لا شكّ في أنّ الطرف المقابل و هو اليمن، أفقر بلد عربي٬ أضف إلى ذلك أنّ بلداناً عربية كثيرة وقفت إلى جانب السعودية. و أمّا ما يتعلّق بالولايات المتحدة فإنّ سفيرها في اليمن (فالرشتاين) هو الذي كان يقود الحوار الوطني و قد أدّى دوره ببراعة٬ و كان يمتاز بشخصيّة قوية و استطاع أن يدمّر الجيش اليمني بمهارة و دهاء، فلم يكن هناك جيش بالمعنى الكلاسيكي ليتصدّى للعدوّ في بداية الحرب. و بعد مرور بعض الوقت على الحرب تمّ تشكيل بضعة وحدات عسكرية، لكنّ الولايات المتحدة كانت قد قضت على قوات الحرس الجمهوري منذ البداية و قامت بنقل الوحدات الأخرى، و قد نفّذت هذه الخطة بمساعدة عبد ربّه منصور هادي و موافقته، و هكذا تمّ القضاء على الكثير من الوحدات اليمنية.
الفصلية: هل يعني هذا أنّه لم يكن من أحد ليقف بوجه السعودية؟
حسن عابدين: الحقيقة أنّ كلّ تلك الإجراءات تمّت خلال فترة الحوار الوطني و بعدها.
الفصلية: لماذا فعلوا ذلك يا سيد عابدين؟
حسن عابدين: ببساطة أرادوا تدمير الجيش اليمني تماماً.
الفصلية: صحيح، و لكن لماذا؟
حسن عابدين: لأنّ الأمريكيين كانوا يشعرون بالتهديد.
الفصلية: لماذا؟ ألم تكن الولايات المتحدة تخشى تنظيم داعش و تنظيم القاعدة؟ فلماذا فعلت ذلك؟
شريعتمدار: لم يكن الأمريكان يمتلكون أيّ معلومات حول قدرة حركة أنصار الله في تلك الفترة؟ هذا كلام خطير حقّاً.
حسن عابدين: أريد أن أنقل هنا خاطرة٬ بمناسبة الاحتفال باليوم الوطني لقطر جرت مراسيم خاصة و في ذلك الوقت لم‌تكن حركة أنصار الله قد دخلت صنعاء بعد. كنّا نجلس هناك كالغرباء و كان المجلس يضمّ بعض الأفراد من حزب الإصلاح و حزب الرشاد و السلفيين، و كنّا نحن موجودين باعتبارنا ممثّلين عن الجمهورية الإسلامية في إيران. كنّا و حيدين تماماً في ذلك المكان٬ جالسين حول طاولة الضيافة، و أعتقد أنّ الشخص الذي كان جالساً أمامي في الطرف المقابل هو هاشم الأحمر و هو من الشخصيات العسكرية المعروفة و قد يكون أشهر من محسن الأحمر كذلك. لقد بقيت هذه الخاطرة المثيرة في ذهني و لن أنساها؛ كان هؤلاء يعلمون بأنّنا إيرانيون، و كان واضحاً من حديثهم أنّهم يخشون قوة أنصار الله المتعاظمة رغم أنّ هذه الحركة لم تكن معروفة و بارزة حتى ذلك الوقت. بعدها مرّ من أمامنا أحد أعضاء حزب الإصلاح – و هو الآن موجود في السجن – و اسمه محمّد قحطان و قال لنا: «قولوا لأصحابنا من أنصار الله أن يخفّفوا الوطء!». فتعجّبت من كلامه، فحركة أنصار الله لم تفعل شيئاً حتى ذلك الوقت، فما الذي كان هؤلاء يخشونه؟ هنالك مَثل معروف و شائع يقول: «أهل البيت أدرى بما في البیت»، فهؤلاء كانوا يعلمون أصلاً بالقوة الكامنة لأنصار الله و هو ماانكشف بعد ذلك بوضوح.
وقد يكون هذا التصوّر موجود لدى الأمريكيين و السعوديين كذلك فقد كان الأمريكيون يصرّون خلال مفاوضات الحوار الوطني في الرياض (والتي عُرِفت بالمبادرة الخليجية) على نقطة مهمّة و أدرجوا هذا البند على هامش المبادرة و هو على الجماعات التي لم تحضر هذا الحوار٬ أن تنخرط فيه لاحقاً، لكنّهم لم‌يذكروا اسم حركة أنصار الله صراحة بل أشاروا إليها ضمناً٬ و هو ما حصل بالفعل حيث شارك حوالي ثلاثين عضواً من حركة أنصار الله في الاجتماعات اللاحقة للحوار الوطني، و أعتقد أنّ تلك كانت خطوة ذكيّة منها. 
وبناءً على هذا، كان تصوّر السعوديين أنّ اليمن بلد ضعيف لا يملك جيشاً و أنّ الخلافات على أشدّها بين الجماعات السياسية و أنّ الانقسام و التشتّت بين الأحزاب واضح و جلي.
شريعتمدار: إذا كان ذلك هو تصوّر السعوديين و الأمريكان حول قدرة حركة أنصار الله فلماذا عمدوا إلى إضعاف الجيش اليمني الذي كان بإمكانه الوقوف بوجه الحركة و ما كانت السعودية مضطرّة للدخول في الحرب بشكل مباشر؟
الفصلية: إنّ النقطة التي أراد السيد عابدين الإشارة إليها هي أنّ حزب الإصلاح كان يعرف القوّة الداخلية لأنصار الله لذلك كان يخشى أن تتدخّل الحركة و تنهي كلّ تلك الأمور. لكن، هل كانوا يتصوّرون أيضاً أنّه إذا هجم الائتلاف العربي على حركة أنصار الله فإنّ هذه الأخيرة ستُبدي المقاومة اللازمة أم لا؟
حسن عابدين: هذه نقطة مهمّة، لقد نقل الأمريكيون مئة أو مئتيْن عربة مصفّحة ناقلة للجنود إلى مطار صنعاء (في الوقت الذي لم تكن فيه السفارة البريطانية كبيرة و واسعة بالمقايسة مع السفارة الأمريكية)، ثمّ تركوا جميع تلك العربات و رحلوا، و كانت تلك العربات مجهّزة بالأسلحة التي كان الجنود الأمريكيون يحملونها معهم، ممّا يشير إلى استعدادهم للمرحلة التالية و هي الحرب لأنّهم أخلوا كلّ شيء بالكامل و لم يتركوا أيّ قوّات لهم هناك ممّا يعني أنّ ثمّة توافقاً حول المرحلة التالية و هي مرحلة الحرب – كما ذكرنا.
وللإجابة عن سؤال السيد شريعتمدار و ما إذا كان الغربيون يعرفون قدرة أنصار الله الفائقة، فإنّه لا شكّ في ذلك أبداً، فقد كانت النتائج التي توصّلوا إليها تشير إلى أنّ الجيش اليمني قد تلاشى تماماً و كان بعضهم يؤيّد عبد ربّه منصور هادي و من أهل الجنوب من كان يُعارض ذلك و منهم مَن كان يؤيّد علي عبد الله صالح و آخرون دعموا حزب الإصلاح و طبعاً تعلمون خطّة علي محسن الأحمر فأرادوا العمل وفق خطّتهم.
والمسألة الثانية هي مسألة الانقسام السياسي، و أودّ تسليط الضوء على هذا البحث، و حبذا لو نستمع إلى آراء كلّ من السيد علي بك و السيد الديلمي بشأن الانقسام السياسي. فعندما كان اللقاء المشترك مطروحاً – و أنتم تعلمون أنّ حكومة الوحدة الوطنية (الوفاق) كانت متأثّرة باللقاء المشترك – كانت الوحدة الوطنية قائمة و لم تكن السعودية و لا الولايات المتحدة تجرؤان على إشعال الحرب، و عندما قام الحزب الناصري (التجمّع الناصري اليمني) بمقاطعة الحوارات الوطنية حدث الانقسام السياسي، و هو أمر مهمّ أرجو التركيز عليه في هذا البحث.
شريعتمدار: و ما هو تأثير حزب التجمّع الناصري هذا؟
حسن عابدين: في الحقيقة لم يكن له أيّ تأثير إيجابي، بل كانت كلّ تأثيراته سلبية، مثلاً قد ترى شخصاً موجود ضمن جماعة معيّنة و لكن لا يستقطب أيّ اهتمام أو انتباه٬ و مع ذلك يصبح غيابه ذريعة للتأثير على الآخرين و عدم الوفاق. فهذه الجماعة الصغيرة قامت بمقاطعة الحوار الوطني و تسبّبت في انقطاع سلسلة الحوارات و عدم استئنافها لفترة طويلة. و قد بذل بن عمر (مبعوث الأمم المتحدة) جهوداً كبيرة لإعادة الحوار و استمراره لكنّ جهوده باءت بالفشل و ازدادت هوّة الانشقاق و الفُرقة و تعاظم الانقسام و لا سيّما بعد الإجراءات اللاحقة (التي قامت بها حركة أنصار الله) في صنعاء، و بعد حزب التجمّع الناصري اتّخذ الاشتراكيون أيضاً نفس الخطوة و قاطعوا الحوار و للأسف الشديد استفحل الخلاف بين أعضاء اللقاء المشترك ثمّ تبع ذلك اعتقال محمّد قحطان.
عبد السلام راجح: يبدو أنّ العامل الخارجي أيضاً كان مؤثراً.
حسن عابدين: أريد أن أقول أنّه عندما تلاشت الوحدة السياسية في اليمن عن قصد أو بغير قصد، تلاشى الجيش اليمني كذلك، و كان محمّد بن سلمان مجرّد شخص انتهازي مُدجّج بالسلاح و تعشعش في رأسه الأوهام و لم يدخل في أيّ حرب من قَبل، فلو كنت مكان السعودية ماذا كنت ستفعل؟ بالإضافة إلى أنّ السعودية كانت قد تلقّت خبراً مزعجاً للغاية و هو أنّ حركة أنصار الله بدأت بتدشين روابطها العسكرية.
الفصلية: حسناً، هذا فيما يتعلّق بالدوافع و الحسابات السعودية، لكن، ما هي الأخطاء في الحسابات؟ كان السعوديون يعتقدون أنّهم سينهون الحرب في أقصر وقت ممكن، فشرعوا بالقصف العشوائي الوحشي و كانت الأهداف معروفة و محدّدة من قبل، لكنّ الخسائر كانت فادحة و محبطة، فلماذا لم يتحقّق ما أرادوا؟
حسن عابدين: نعم، سأشير إلى بعض الأخطاء في الحسابات، في الحقيقة ارتكب السعوديون خطأيْن كبيريْن في الحسابات و ربّما ارتكب غيرهم كذلك بعض الأخطاء. و أعتقد أنّ الغربيين راغبين في استمرار الحرب لأنّها تدرّ عليهم الكثير من الأرباح، لكنّ السعوديين ارتكبوا خطأيْن – كما قلنا – الأوّل أنّهم قلّلوا من أهمية المقاومة الشعبية و استخفّوا بها، فاليمنيون في نظرهم مجرّد أُناس حُفاة. و قد أراني أحد اليمنيين صورة ليمني يحمل قنبلة يدوية و هو حافي القدميْن يقوم بإلقائها على إحدى القواعد في العمق السعودي.
كان ذلك هو الخطأ الذي ارتكبه السعوديون لأنّهم قلّلوا من قوة الشعب اليمني، و ظنّوا أنّ اليمن لم يَعد يملك جيشاً و أنّ بإمكانهم إنهاء الحرب سريعاً. و أمّا الخطأ الثاني الذي ارتكبته السعودية فهو اعتمادها على قوّاتها الجوية بالدرجة الأولى ذلك أنّ قوّاتها البرية ضعيفة كما نعلم حيث يسمّى الجيش السعودي بالجيش البطين.
عبدالسلام راجح: نعم، إنّه جيش (الكَبسة) و هو طعام سعودي و يمنيّ معروف.
حسن عابدين: صحيح، فالجيش السعودي في الواقع جيش كسول و مُنغمس في الملذات، فإذا كان أفراد قوّته الجوية يقومون بإلقاء قنبلة أو اثنتين من مقاتلاتهم الجوية، فإنّ أفراد قوّته البرية ضعيفة و غير فاعلة، و لذلك ركّز السعوديون على قوّتهم الجوية أكثر من غيرها و قالوا بأنّهم سوف يقصفون أيّ موقع يريدون ثمّ ينهون مسألة الحرب في الوقت الذي يشاؤون.
عبد السلام راجح: فيما يخصّ الجيش السعودي فإنّي لا أعتقد أنّ الموضوع هو موضوع شجاعة٬ لأنّ الأسرة الحاكمة في السعودية لاترغب في امتلاك جيش قوّي، بل و يخشى المسؤولون أنفسهم الجيش تماماً، فلماذا إذاً قرّرت السعودية الدخول في الحرب؟ و قد كانت السعودية تسيطر على سائر الأقطار العربية و تتدخّل في شؤونها عن طريق حكوماتها، و كانت تدير شؤون لبنان و تتدخّل في شؤونه الحكومية عبر نفوذها هناك؛ و كذلك الحال في اليمن و في مصر، لكن، مع اشتعال فتيل الثورات (الصحوة الإسلامية) تغيّرت الأوضاع تماماً فقد كانت شعوب تلك البلدان مناهضة للسعودية و لهذا نلاحظ تدخّل السعودية و الولايات المتحدة لأنّ سياسة هذه الأخيرة تشبه سياسة السعودية فهي تسيطر على الدول عَبر حكوماتها.
في اليمن و مع تجلّي المشاركة الشعبية في الثورة شعرت السعودية أنّها تفقد نفوذها هناك و الذي استمرّ لقرن كامل، فبادرت إلى إنفاق مليارات الدولارات و كان (٩٠٪) أو (٩٥٪) من النخبة السياسية و الاجتماعية اليمنية يتلقّون رواتبهم من النظام السعودي، و كذلك الضباط و المراتب العليا و رئيس الجمهورية و أغلب أعضاء المجلس؛ إذن، فعندما تغيّرت الحكومة أدّى ذلك إلى خلق أزمة للسعودية و كان ذلك سبباً وجيهاً للتسريع في وتيرة الحرب.
الفصلية: لا شكّ في أنّ الدافع الذي ذكرتموه في الحرب هو دافع مهمّ، كما أشار السيد عابدين أيضاً إلى أمريْن مهمّيْن فيما يخصّ أخطاء السعودية في حساباتها، الأوّل تقليلها من شأن مقاومة الشعب اليمنيّ و الثاني اعتمادها بالدرجة الأولى على قوّاتها الجوية في الحرب.
والآن، سعادة السفير، أودّ أن أطرح عليكم سؤالاً يخصّ الاستراتيجية العسكرية. بالطّبع ما من أحد يتوقّع أن يحتلّ أرضاً ما بقوّته الجوية، فما الذي كانت السعودية تتوقّعه عَبر قصفها الأهداف الاستراتيجية لأنصار الله في صنعاء؟ هل كانت تنتظر مثلاً أن تقوم قوّات عبدربّه منصور هادي البريّة باحتلال مواقع أنصار الله؟ لماذا لم تُفلح في ذلك؟ هل‌كان السبب هو عدم تعاون القبائل معها أم التحصينات التي كانت تتمتّع بها صنعاء؟ هل كانت عناصر حركة أنصار الله تسيطر بالكامل على المدن؟ ما هي العوامل التي أدّت إلى إخفاق السعودية في بلوغ أهدافها المنشودة؟
حسن عابدين: أريد أن أشير هنا إلى نقطة مهمّة و هي نقطة يُجمع على صحّتها المحلّلون الغربيون جميعهم تقريباً و هي أنّ محمّد بن زايد استطاع بالفعل خِداع محمّد بن سلمان.
الفصلية: في الحقيقة فإنّ السؤال الثاني يتعلّق بهذا الموضوع، تفضّلوا!
إبراهيم الديلمي: بدايةً أودّ الإشارة سريعاً إلى أنّه بالنسبة للثورة في اليمن كان للجماعات الثورية مثل أنصار الله و التيارات و الجماعات الموالية لها دور مؤثّر في مجال تغيير الوضع السياسي و الثوري في البلد. أتمنى على الإخوة المحلّلين أن يطالعوا بدقّة الموجة الثانية للثورة عام (٢٠١٤م)، فالموجة الثانية في الحقيقة كانت استكمال للموجة الأولى للثورة، تلك الثورة التي استطاعت إخراج قوات المارينز الأمريكية من صنعاء، و هذه مفخرة صنعتها الثورة و لابدّ من تسليط الضوء عليها و ذكرها بما تستحقّ من تكريم. إنّها ثورة وضعت حدّاً للوجود العسكري و النفوذ الأمريكي في اليمن و تأثيره على صنع القرارات السياسية و العسكرية. لا بدّ من تحليل ذلك كلّه بدقة، فعند دخول هذه الثورة إلى صنعاء بقيادتها السياسية، أجرت اللجنة الثورية حوارات مع سائر الجماعات و الأحزاب بإشراف منظمة الأمم المتحدة. لا شكّ أنّ هذه الثورة تستحق كل احترام و تقدير لأنّها لم تكن ثورة الإعدامات و المشانق، فكلّ التيارات السياسية التي نراها اليوم في اليمن كانت حاضرة في صنعاء، و تلك الأحزاب و التيارات التي كانت تعتبر أنصار الله عناصر انقلابية كانت موجودة في صنعاء و لم تَقُم بما يضرّ الثورة حتى شنّت السعودية عدوانها. حتى بعد مرور ستة أشهر على دخول أنصار الله إلى صنعاء كانت كلّ تلك الجماعات و التيارات ما تزال موجودة هناك، و خلال سيطرة الحركة على المدن خلال يوميْن لم يظهر أيّ سخط أو معارضة تُذكَر من قِبل الشعب إلّا نادراً، و استمرّ هذا الوضع حتى و قوع الحرب ممّا جرّأ تلك الجماعات على الاعتراض و المقاومة. لا بدّ لنا أن نعرف هذه الحقيقة. لقد اجتمع الجميع في فندق (موفنبيك) في صنعاء بمن فيهم عبد ربّه منصور هادي و حزب الإصلاح و هذه التيارات و الأحزاب و الجماعات و وقّعوا على اتفاقية تحت إشراف مبعوث الأمم المتحدة، اتّفاقية كاملة تشمل السلطة التشريعية و التنفيذية كما تتضمّن مواضيع تتعلّق بالمرحلة الانتقالية.
شريعتمدار: و هل تنحّى عبدربّه منصور هادي؟
إبراهيم الديلمي: نعم، استقال، و نحن نعرف الجهات التي أجبرته على الاستقالة و لا نريد ذكر الأسماء، لكن، و قبل الإجابة على سؤالكم لا بدّ لي أن أقول لا ينبغي النظر إلى اليمن بالمنظار السعودي و نتجاهل النظرة الأمريكية و الإسرائيلية، فهذه النقطة مهمّة للغاية. فقبل ثلاثة أو أربعة أشهر من بدء العدوان على اليمن صرّح (نتنياهو) في ميناء (إيلات) قائلاً: «إنّ ما قام به الحوثيون في اليمن يُعدّ خطراً على إسرائيل!». لكن، و فيما يتعلّق بالتقليل من شأن المقاومة اليمنية في الحرب لا بدّ من القول إنّ السعودية لم تكن واقفة على جوهر الثورة اليمنية و لا على التغييرات التي أحدثتها الثورة في المجتمع اليمني و الصحوة التي أوجدتها داخل الشعب اليمني.
والمسألة الأخرى هي أنّ الحكام السابقين للسعودية كانوا يتّصفون بالحكمة و الحلم و القدرة على قراءة الأوضاع في المنطقة كالأمير سلطان بن عبد العزيز أو حتى الملك عبد الله. ففي عام (٢٠٠٩م) عندما هبّت السعودية لدعم علي عبد الله صالح و مشاركته في حربه ضدّ المجاهدين (في الحرب السادسة في صعدة) كان الأمير سلطان بن عبدالعزيز في زيارة للمملكة المغربية و كان ابنه خالد بن سلطان وزيراً للدفاع، فلمّا علم سلطان بقرار بلاده ترك أمر علاجه هناك و عاد مسرعاً إلى السعودية و كان رأيه أن لا تدخل بلاده في حرب ضدّ اليمنيين لأنّ حمل السلاح بوجه اليمنيين خطأ كبير. لكن، مع وصول الملك سلمان و ابنه محمّد إلى الحكم تغيّرت الأوضاع تماماً، فمحمّد بن سلمان لم يكن يعرف أيّ شيء عن التاريخ بل حتى لم يكن يعلم بديهيّات الأمور.
الفصلية: لنقف قليلاً عند هذه النقطة لكي أطرح السؤال التالي و هو: أنّ السعوديين ما كانوا ليقطعوا أمراً حتى تقول الولايات المتحدة كلمتها الأخيرة. فهوذا سلمان قد وصل إلى سدّة الحكم و أصبح ابنه محمّد الممسك بزمام الأمور لكن، كيف وقع الأمريكان في الفخّ؟ هذا سؤال مهمّ.
إبراهيم الديلمي: عندما أعلن عادل الجبير من واشنطن شنّ الحرب على اليمن و كان آنذاك سفيراً للسعودية لدى الولايات المتحدة، فإنّ ما قاله بدقة هو: «لقد شرعنا بالعمليات العسكرية في اليمن منذ عدّة أشهر بالتنسيق مع الولايات المتحدة!»؛ نعم، كان هذا هو ما قاله الجبير بالضبط.
الفصلية: لماذا وافقت الولايات المتحدة؟
عبدالسلام راجح: لدي بعض الملاحظات حول موقف الولايات المتحدة فوكالة الاستخبارات الأمريكية تعلم كلّ شيء يحدث في المنطقة، و أعتقد أنّ تلك الوكالة هي التي هيّأت الأرضية لاعتلاء محمّد بن سلمان منصبه فيما بعد، و أنا لاأوافق السيد السفير رأيه لأنّه ينظر إلى كلّ شيء بمنظار السياسة الأمريكية و يعتبر النظام السعودي مجرّد منفّذ للسياسة الأمريكية.
إبراهيم الديلمي: كلا، كلا، أنا لم أقصد ذلك.
عبد السلام راجح: أنتم ترون أنّ الأمريكيين هم المسؤولون عن الحرب بشكل كامل، أمّا أنا فأعتقد أنّ‌السعوديين يتّبعون في بعض الأحيان سياسة النّفاق مع الولايات المتحدة.
إبراهيم الديلمي: لا، أنا لم أقصد ما قاله السيد راجح فإنّ ما أراه اليوم و بشكل عامّ أنّ السياسيين الإيرانيين ينظرون إلى أسباب شنّ الحرب ضدّ اليمن من منظار سعودي، أنا أقول إذا أردنا أن ننظر إلى الحرب بهذا المنظار فلا بدّ كذلك من النظر إليها من منظار أمريكيّ.
الفصلية: لديّ سؤال مهمّ، ليس هناك أيّ أهداف اقتصادية أو عسكرية في اليمن، فالجيش منهك و ضعيف، فماهي الأهداف التي أرادت السعودية الوصول إليها عَبر قصفها و تدميرها لتقول بعد ذلك: لقد انتصرنا في الحرب؟ من هم أولئك الذين اعتمدت عليهم السعودية على الأرض ليحتلّوا مواضع أنصار الله رغم معرفتهم بقوة هذه الحركة إذ لا يمكن احتلال أيّ أرض بالاعتماد على القوّة الجوية فقط بل هي مجرّد وسيلة للحدّ من قدرة الطرف المقابل و حسب؟
إبراهيم الديلمي: نعم، فهذه هي المسألة التي كنت أودّ الإجابة عنها في السؤال السابق و هو ما يتعلّق باعتماد السعودية على قوّاتها الجوية بينما ليس بمقدور هذه القوات حسم المعركة. الحقيقة هي أنّ السعودية لم تعتمد على القوة الجوية فقط بل استخدمت كذلك مئات الآلاف من المرتزقة اليمنيين و الإماراتيين و السودانيين إضافة إلى بعض الشركات و المؤسسات مثل (بلاك و وتر) و الوكالات الأمنية الأمريكية و الصهيونية و المصرية و شاركت كلّ من قطر و الكويت و الإمارات أيضاً في ذلك إلى جانب (١٧) دولة أخرى.
ما أريد قوله هو أنّ السعودية لم تستند إلى قوّتها الجوية فقط بل استخدمت أيضاً الحرب البرية و الأسلحة البحرية و الحرب الإلكترونية و النفسية و التكنولوجية الأمريكية بل و استخدمت كذلك الحصار الاقتصادي على اليمن و كلّ تلك الوسائل هي أخطر و أصعب من القوّة الجوية و العسكرية.
وقبل أن نعتبر أنفسنا سياسيين أو محلّلين أو دبلوماسيين لا بدّ لنا أوّلاً من الاعتراف بالبُعد الإيماني في هذه القضية، أي، نؤمن بحضور الله سبحانه الذي يقول: «وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ»و
وقبل أن نعتبر أنفسنا سياسيين أو محلّلين أو دبلوماسيين لا بدّ لنا أوّلاً من الاعتراف بالبُعد الإيماني في هذه القضية، أي، نؤمن بحضور الله سبحانه الذي يقول: «وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ»و «الْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» و «كَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ» إذن، بما أنّنا مؤمنون فإنّه لا يمكن تجاهل هذه المسألة. صحيح أنّ اللجان الشعبية و الجيش اليمني مهمّيْن من الناحية العسكرية و الاستعداد العسكري و وضع البرامج و التعبئة المعنوية و الثقافية، إلّا أنّ كلّ ذلك يقع على امتداد تكميل البُعد الإيماني و المشيئة الإلهية و هو تعالى القائل: «وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ»؛ فأنا أوافقكم رأيكم بهذا الخصوص و أنّ السعودية لم تقرأ الواقع بشكل دقيق و لم تكترث للمتغيرات و المجال الثقافي و الاجتماعي للنسيج اليمني، لكنّني لا أوافقكم على أنّها اعتمدت على القوة الجوية فقط في حربها على اليمن بل استخدمت كلّ الوسائل الممكنة.
الفصلية: أودّ طرح السؤال التالي على السيد علي بك. حتى هذه اللحظة تحدّثنا عن السعودية، لكن، ما الذي حصل حتى أقدمت الإمارات على التدخّل في اليمن و هي عضو فعّال و كان لها دور كبير في المبادرة الخليجية إلى جانب قطر؟ لقد لعبت الإمارات دورها منذ بداية الحرب و تعمّق دورها هذا حتى أصبحت اليوم هي التي تدير المجلس الانتقالي (حركة استقلال جنوب اليمن)، فماهي الدوافع التي دفعت الإمارات إلى التدخّل في الحرب على اليمن؟ تحدّثنا بشأن السعودية و قلنا أنّ لها تاريخاً مشتركاً و طويلاً مع اليمن كما أنّها مرتبطة به جغرافياً و سياسياً و أمنياً، و أنّ مسألة الأمن القومي كانت مسألة مهمّة بالنسبة إلى السعودية، إضافة إلى النقاط التي أشرتم إليها كذلك مثل وصية الملك عبد العزيز المهمّة؛ لكن، ما هو دور الإمارات في كلّ ذلك؟ تفضّلوا بالإشارة إلى هذا الموضوع.
علي بك: عندما بدأ الربيع العربي في المنطقة تغيّرت الكثير من الأنظمة السياسية العربية و الرؤساء العرب على أثر ذلك، أي، تغيّرت رموز الأنظمة الحاكمة في بعض الأقطار العربية كما تغيّرت أدوار بعض الدول العربية كذلك. فنحن نرى مثلاً دوراً مُعيّناً للإمارات في اليمن و دوراً آخر لها في مصر، فالإمارات هي التي جاءت بعبد الفتاح السيسي إلى الحكم، و من الأدوار الأخرى التي لعبتها الإمارات أيضاً دعمها للجنرال خليفة حفتر في ليبيا؛ ما أريد قوله هو أنّ سياسة و تصوّرات النظام الحاكم في الإمارات و السعودية و قطر قد تغيّرت حيال قضايا المنطقة، و هذا يعني أنّ الأمريكيين قد استنتجوا أنّ من الأفضل لهم أن تقوم بعض الأنظمة الحاكمة بلعب دورها هي بالوكالة، أي أن تكون النفقات و التطبيق على عاتق الأقطار الثلاثة المذكورة و في مقابل ذلك تقوم الولايات المتحدة بدعم تلك الدّول سياسياً متى تطلّب الأمر ذلك. على سبيل المثال، قدّمت الولايات المتحدة بعض الدّعم اللوجستي و الاستخباراتي و العسكري لتلك الدول في حربها على اليمن؛ أي أنّ السياسة الأمريكية صارت توكل تلك الأقطار لتلعب دورها بدلاً عنها، فراقَ هذا الأمر لتلك الأنظمة الوصولية و الطموحة.
عندما توفي الشيخ زايد بن سلطان في الإمارات أصبح ابنه (خليفة) رئيساً للدولة و أخيه محمّد بن زايد ولياً للعهد و الشخص الثاني في نظام الحكم و قائداً للجيش و أميراً على إمارة (أبو ظبي). و محمّد بن زايد هذا هو شخص وصولي و طموح مثل محمّد بن سلمان لكنّ الأوّل أكثر نضجاً من الأخير في القضايا السياسية كما أنّه لا يواجه التحدّيات التي تواجهها السعودية. و قد تزامنت ولاية عهد محمّد بن زايد مع التغييرات التي حصلت في المملكة العربية السعودية حيث توفّي الملك عبد الله و خلّفه في الحكم أخوه سلمان ثمّ أصبح ابنه محمّد بن سلمان وليّاً للعهد.
لقد كان للسعودية حضور فعّال و نفوذ قويّ في المنطقة و دائماً ما كانت تدعم الآخرين، و لكن عُرف عنها دورها المحافظ٬ فلم ترغب في أن تلعب دورها بشكل علني أو تصرّح به إعلامياً بل كانت تحرص دائماً على كتمان سياستها و اللّعب من وراء الكواليس، لكن، منذ مجيء محمّد بن سلمان يقول البعض أنّ محمّد بن زايد هو الذي شجّعه على العمل بشكل مكشوف بينما قال آخرون إنّه كان بمثابة استعراض للقوّة أمام دول مجلس التعاون الخليجي.
الفصلية: عفواً، ما هو هدف الإمارات بشكل خاصّ؟ إذا نظرنا إلى الأمر من الناحية النظامية نلاحظ أنّ للإمارات جمهرة من الدوافع، فقد تدخّلت مثلاً في مصر و ليبيا بل و كان لها دوراً أمنياً و استخباراتياً في العراق كذلك، لكن، ما هدفها من التدخّل في اليمن بشكل خاص؟ ما الذي جذبها نحو اليمن فشاركت في الحرب ضدّه عسكرياً و تكبّدت كلّ تلك الخسائر في (مأرب)؟ صحيح أنّ محمّد بن زايد كان المشجّع لمحمّد بن سلمان على حرب اليمن، لكن، ما الهدف الذي كان بن زايد يلهث وراءه؟ هل هو ما يُقال هنا و هناك من أنّ اليمن كان دائماً مصيدة و فخّاً للسعودية؟ و السؤال الآخر ما الذي تبتغيه الإمارات من الوصول إلى ميناء حضرموت؟
علي بك: لنتحدّث عن السعودية و استعراضها لقوّتها و طموحها في قيادة الأمّة العربية؛ عندما أعلنت السعودية حربها على اليمن ادّعت بأنّه تحالف يضمّ عشر دول تركيا و مصر و السودان و مجلس التعاون الخليجيّ، أي أنّ السعودية قامت بتقسيم عبء الحملة العسكرية، فبعض أسباب الحرب على اليمن يعود إلى المشاكل الداخلية لليمن و هواجس السعودية؛ لكن إذا نظرنا بمنظار أوسع سنلاحظ أنّ موضوع الملف النووي الإيراني كان سبباً آخر إلى جانب تلك الأسباب، فقد كان بعضهم يردّد كلاماً و هو أنّ حرب اليمن كانت بهدف صرف الأنظار عن الملف النووي الإيراني لكي لا تنحاز الولايات المتحدة إلى جانب إيران؛ كان هذا واحداً من التحليلات و التصوّرات.
لا شكّ في أنّ السعودية و الإمارات كانتا على رأس الائتلاف الذي شنّ الحرب، و أمّا هدف الإمارات من ذلك فهو أنّها قامت بتغيير استراتيجيّتها منذ البداية حتى اليوم. فأول الأمر شعرت السعودية و الإمارات و كذلك دول مجلس التعاون الخليجيّ بالقلق و عدم الاستقرار إزاء موضوع اليمن و قدرة أنصار الله و كانوا يرون أنّ إيران هي التي تقف وراء هذه الحركة و تدعمها فكانت تلك الدول تعتبر حركة أنصار الله تهديداً حقيقياً لها، و لهذا كان موضوع الأمن على رأس أولويّاتها في اليمن و إيجاد توازن إقليمي يواجه إيران.
الفصلية: هل كان للإمارات نفس الهدف أيضاً منذ البداية؟
علي بك: نعم، لقد كان للإمارات نفس الهدف منذ أوّل الحرب، كانت تشعر على ما يبدو بعدم الاستقرار.
الفصلية: إذن، كان لها هدف سلبيّ يتمثّل في دفع الخطر.
علي بك: نعم، و لكن بعد مرور بضعة أشهر تغيّرت أولويّات الإمارات بعد الذي حصل في (مأرب)، أي، أصبح هدف السعودية أمنياً و سياسياً أمّا بالنسبة إلى الإمارات فكان الهدف اقتصادياً حيث أصبح الاقتصاد أهمّ من كلّ شيء بالنسبة إليها آنذاك حتى أهمّ من أنصار الله أنفسهم. لاحظوا أنّ الإمارات غير منخرطة أبداً في الأحداث الجارية في شمال اليمن.
الفصلية: هذا مهمّ، إذاً، بنظركم أنّ التغيّر الذي وقع في (مأرب) هو الذي أدّى إلى أن تغيّر الإمارات سياستها؟
علي بك: في الحقيقة كانت الأحداث في (مأرب) إحدى الأسباب، و قد شعرت الإمارات أنّها لا تستطيع فعل شيء إزاء مقاومة أنصار الله في مقابل الحملة العسكرية السعودية و الإماراتية و مرتزقتهما.
الفصلية: هل كان لاستهداف حركة أنصار الله العُمق السعودي بصواريخها أيّ تأثير على تغيير الإمارات لسياستها؟
علي بك: لقد وصلت القوات السعودية و الإماراتية إلى (الحديدة) لكنّها سرعان ما ارتدّت على أعقابها بعد أن أصابتها صواريخ أنصار الله في العُمق و في المنطقة الشرقية و منشأة (آرامكو)، و أعلنت الإمارات ذلك في حينها إعلامياً و لا يهمّ ما كانت تفعله على أرض الواقع.
المسألة العسكرية التي أجبرت الإمارات على الانسحاب و التراجع هي مسألة (الحديدة) فقد كان الإماراتيون يقودون الحملة في تلك المنطقة و يدعمونها مالياً و يدعمون طارق عفاش و كان الهدف من ذلك توجيه ضربة عسكرية لأنصار الله و إجبارها على الدخول في المفاوضات، لكنّ حركة أنصار الله استمرّت في المقاومة و استطاعت المحافظة على (الحديدة) و بقي الموضوع في إطار القنوات السياسية التي تمثّلت في مفاوضات (ستوكهولم).
واليوم فإنّ الهدف الرئيس للإمارات في اليمن هدف اقتصادي وهو ما حقّقه لها جنوبه، لكنّها ما زالت ترغب في البقاء إلى جانب رفيقتها السعودية رغم أنّ التغيّرات في الشمال لا تعني شيئاً بالنسبة لها، فالسياسة التي تتّبعها اليوم هي سياسة التقسيم، و هي مستعدة لتقسيم اليمن إلى قسميْن لتحقيق مطالبها و أهدافها فيكون جنوبها تحت سيطرتها بينما يبقى شماله منطقة أمن للسعودية و سياستها لتتكفل الأخيرة بحلّ مشاكلها هناك.
حسن عابدين: لقد كانت للإمارات بعض الأهداف الواضحة و المعروفة تتركّز حول الخطر الإيراني، هذا هو هدف الإمارات الصريح من وراء المشاركة في الائتلاف المذكور، كما كان لها أيضاً بعض الأهداف الخفيّة منها موضوع حزب الإصلاح في مقابل أنصارالله. فحزب الإصلاح هذا هو حزب يضمّ الإخوانيين الذي كانت الإمارات قد وضعته سابقاً في قائمتها السوداء و كان سيؤدّي ذلك إلى إضعافه، كما أنّ الإمارات واجهت و ما زالت العديد من المشاكل مع جناح الإخوان و لا سيّما في جنوب اليمن. و ثمّة مسألة أخرى أشار إليها السيد علي بك و هي مسألة المصالح الاقتصادية للإمارات إلى جانب طموح محمّد بن زايد و تعطّشه للسلطة.
إذا ألقينا نظرة على سيرة محمّد بن زايد و دوره السياسيّ في الإمارات سنرى أنّه كان يطمح منذ عام (١٩٨٦م) إلى أن تلعب الإمارات دوراً يتعدّى الحدود الإقليمية لأنّ قدرتها كانت محدودة للغاية. و منذ ذلك الوقت لعب محمّد بن زايد دوراً رئيساً و مهمّاً في تجديد الجيش و تجهيزه بأحدث الأسلحة المتطوّرة كما كان للإماراتيين حضور فعّال في بعض المهام الدولية مثل قضية البوسنة و أفغانستان، و كلّ ذلك كان بمثابة مقدّمة للدور الأصلي الذي أرادت الإمارات أن تلعبه في المهامّ السلمية الإقليمية و الدولية المختلفة، و ها هي قوّاتها تستقرّ في القرن الأفريقي بشكل صريح.
وبالاستناد إلى التحليلات المعروفة الخاصّة بـ(MET) التي تحظى بالمصداقية يُقال أنّ الإمارات تسعى إلى توسيع قدراتها إلى خارج الحدود الإقليمية و ليس داخلها فقط، أي إلى الحدود القاريّة؛ هذه هي المسألة، أمّا المسألة الأخرى فهي أنّها تطمع في الاستحواذ و السيطرة على موانئ المنطقة و أماكن كثيرة و لهذا أرسلت قوّاتها إلى القرن الأفريقيّ و أريتريا. و كان ميناء عدن على عهد علي عبد الله صالح مؤجّراً للإماراتيين لمدّة (٩٩) سنة و كانوا يريدون بذلك التعويض عن ميناء (دبي) الذي يفتقر للمقوّمات الأساسية. و يتمتّع ميناء عدن بموقع استراتيجي فريد في المنطقة لكونه يربط بين قناة السويس و القرن الأفريقيّ و لهذا أراد الإماراتيون متعمدين أن يظلّ ميناء عدن متخلّفاً و لا يتطوّر.
الفصلية: إذن، هدف السعودية كان إضعاف اليمن و كانت الإمارات تهدف إلى تعزيز موقع (دبي) من خلال إضعاف ميناء (عدن).
علي بك: لقد كانت الإمارات تتّبع السياسة الاقتصادية للموانئ العالمية لكي تتمكّن من السيطرة على بعض الموانئ في المنطقة، و قد كانت بعض موانئ الولايات المتحدة و هولندة و ميناء جدّة في السعودية و ميناء عدن في اليمن و في الصومال و جيبوتي، كانت تحت إشراف الإمارات و إدارتها، فسياسة الموانئ العالمية التي تتّبعها الإمارات كانت موجودة و ظلّت كذلك حتى بعد الربيع العربي.
حسن عابدين: تذكرون أنّ عبد ربّه منصور هادي كان قد سافر إلى الصين و وقّع معها اتفاقية تبلغ قيمتها – على ما أذكر – (٦٠٠) أو (٧٠٠) مليون دولار لغرض توسيع و تطوير ميناء (عدن)، لقد كان ذلك أمراً مهمّاً. ثمّ عمد وزير النفط و هو من الحزب الاشتراكي الذي يترأسه السيد بازئي و كان معارضاً للسعودية و الإمارات، عمد إلى إلغاء اتفاقية تأجير ميناء (عدن) للإمارات فحرمهم بذلك من الانتفاع من الميناء المذكور. و اليوم يرغب الإماراتيون في العودة ثانية إلى ميناء (عدن) بل و يتطلّعون إلى السيطرة أيضاً على جزيرة (سقطرى) التي تحتلّ المرتبة العالمية الثانية من حيث الأهمية بعد جزيرة (ديغو غارسيا) – جزيرة مرجانية في وسط المحيط الهندي على بعد نحو 1600كم إلى الجنوب من الساحل الجنوبي للهند وسريلانكا. 


البقية في العدد القادم ...


قراءة: 783