فصلنامه مطالعات سیاست خارجی تهران
 

الصراع الدولي والإقليمي في البحر الأحمر وباب المندب بعد ظهور الكيان الصهيوني

عباس عبدالله السيد
* مدير تحرير صحيفة " الثورة " اليمنية.

لمحة
يروى عن القديس أوغستين، أن أحد القراصنة وقع أسيراً لدى جيش الإسكندر الكبير، فسأله الإسكندر : كيف تجرؤ على إزعاج العالم بأسره ؟! أجاب القرصان : لأنني أفعل ذلك بسفينة صغيرة فحسب، أدعى لصاً، و أنت الذي يفعل ذلك بأسطول ضخم، تدعى إمبراطوراً*


*تشومسكي، نعوم، قراصنة وأباطرة، ترجمة دار حوران سوريا، الطبعة الأولى 1996م، ص : 5

 

 

 


مقـــــــــــدمة : 
تكمن الأهمية الإستراتيجية للبحر الأحمر في موقعه الجغرافي الذي يربط بين ثلاث قارات : أفريقيا وآسيا و أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط، مروراً بقناة السويس المصرية، فهو يعتبر ممراً ملاحياً مهماً في مجال الجغرافيا السياسية والاستراتيجية.
تتداخل هذه الأهمية وتتفاوت بالنسبة الدول المشاطئة و القوى الإقليمية والدولية، ما بين أهميته الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولكن تبقى الأهمية الاقتصادية والأهمية العسكرية والأمنية هما أكبر الدوافع للتنافس الإقليمي والدولي على البحر الأحمر والتخوم المجاورة له.
هذه الأهمية جعلت الدول والقوى الكبرى، قديماً وحديثاً، تحاول الهيمنة على البحر الأحمر وباب المندب، وتسعى بشتى السبل لأن يكون لها موضع قدم على شواطئ البحر الأحمر بشكل عام وعلى مضيق باب المندب بشكل خاص . وكانت شواطئ الدول المطلة عليه سبباً في استعمارها .
صراع النفوذ والهيمنة على البحر الأحمر يأخذ ثلاثة مستويات متداخلة : محلية، إقليمية، دولية، وهو مستمر بأشكال مختلفة . وفي هذه الورقة، سنحاول معرفة القوى الدولية والإقليمية المؤثرة في الصراع مع التركيز لمعرفة الدور الإسرائيلي. ونبحث عن إجابة للسؤال : هل يصبح البحر الأحمر منطقة نفوذ غربية إسرائيلية خالصة في ظل الأحادية القطبية ؟ وأين تقف القوى الشرقية الممثلة بالصين و روسيا وإيران وتركيا في هذه المواجهة ؟.
كما سنقف على واقع الدول المطلة على ضفتي البحرالأحمر وباب المندب ومدى تأثرها بفعل الأطماع والصراع، و نحاول معرفة لماذا تغيب الدولة الصومالية منذ ثلاثه عقود، وعلاقة الحرب على اليمن بالبحر الأحمر الأحمر وباب المندب ؟. 

أولأ  : البحر الأحمر وباب المندب .. أرقام وأحداث   
يقع البحر الأحمر بين قارتي آسيا وأفريقيا، و يبلغ طوله من أقصى الشمال حتى باب المندب 2100كم، وتصل مساحته الإجمالية إلى 438 ألف كيلومتر اً مربعاً . أما أقصى عمق له فهو 9850 قدماً. وهو أشد ضحالة عند طرفيه . 
ظهرت أهميته الاقتصادية منذ القدم، لكن أهميته بدأت تشكل بؤرة للصراع الدولي بعد شق قناة السويس التي ربطت البحرين الأبيض المتوسط والأحمر، واختصرت طريق التجارة العالمي التي كانت تستخدم رأس الرجاء الصالح ممراً لحركتها، مما أدى إلى تخفيض أسعار السلع، والنقل، وتوفير الوقت والجهد، إذ يوفر للسفن والناقلات العملاقة نحو 57-59% من المسافة، كذلك يوفر من 50-70% من كمية الوقود اللازمة تبعاً للحمولة والسرعة، وكل ذلك يتيح للسفن والناقلات زيادة عدد الرحلات، وسرعة الإمداد بالوقود والسلع، مما يؤثر على مستويات الأسعار. 
كما أن قربه من أعلى مخزون نفطي في العالم، حيث يوجد نحو 70% من احتياطي النفط العالمي في منطقة الخليج الفارسي القريب من البحر الأحمر، زاد من أهمية هذا البحر كونه الطريق المختصر للوصول إلى هذا المخزون(2). 
ومن هذا المنطلق يمكن اعتبار البحر الأحمر أحد الشرايين الرئيسية للتجارة الدولية، ليس لأن 86% من صادرات النفط العربي في الخليج الفارسي تمر عبره فحسب، وإنما لكونه معبراً لحركة التجارة بين أوروبا وآسيا وأفريقيا، وكذلك أمريكا، إذ يبلغ عدد السفن التي تمرمن خلال بوابته الجنوبية، باب المندب، نحو 25 ألف سفينة وقطعة بحرية في العام، و 30% من النفط العالمي سنويًّا يمر عبره، بمعدل 4.5 مليون برميل يومياً.
وتقدر قيمة السلع والبضائع التي تمر عبر البحر الأحمر بنحو 2.5 تريليون دولار سنوياً، تمثل نحو 15% من التجارة العالمية. ومن خلاله تمر 60 % من الاحتياجات الأوروبية من الطاقة، ونحو 25 % من الاحتياجات الأمريكية من البترول الخليجي . 

مضيق باب المندب 
مضيق باب المندب يعد البوابة الجنوبية للبحر الأحمر، ويقع بين اليمن وجيبوتي. المسافة بين ضفتي المضيق 22 كم، وتعمل جزيرة "ميون"(2)التابعة لليمن على تقسيم المضيق إلى قناتين، الشرقية منها تعرف باسم باب إسكندر عرضها 3 كم وعمقها 30 متراً . أما القناة الغربية واسمها "دقة المايون" عرضها 16 كم وعمقها بين 100 إلى 200 متراً، وهي المستخدمة في الملاحة الدولية . فيما يبلغ عرض الطريق البحري المزدوج نحو 3.5 كم غربي الجزيرة اليمنية ميون، لأن المياه عند الساحل الجيبوتي ضحلة . ويبلغ طول المضيق نحو 150 كيلومتراً ممتدة من جنوب إريتريا حتى الحدود الجنوبية لجيبوتي مع الصومال .
وقد منحت جزيرة ميون اليمن أفضلية في الإشراف على المضيق . ووفقاً للقانون البحري الدولي، فإن المياه الإقليمية للدولة تبلغ 12 ميلا من نقطة على الساحل، ما يعني أن الممر الملاحي في باب المندب يقع في المياه الإقليمية اليمنية، لكن مساع القوى الكبرى لتدويل الممرات المائية في المضائق والتي بدأت عام 1982م، ثم توجت بـ"اتفاقية جامايكا " في نوفمبر 1994م، التي قلصت الحقوق السيادية للدول المشاطئة للمضائق والممرات البحرية وبينها باب المندب .
على الضفة الغربية لباب المندب تقع دولة جيبوتي، وهي دولة صغيرة في القرن الأفريقي، مساحتها نحو 23200 كم . مربع وسكانها يقاربون المليون نسمة . تتمتع جيبوتي بأهمية استراتيجية وموقع متميز بإشرافها على باب المندب، وتعتمد في اقتصادها على " الاستثمار " في استضافة القواعد العسكرية للدول الأجنبية، إذا تمتلك كل فرنسا، الولايات المتحدة، الصين، اليابان، ودول أخرى أوربية وعربية قواعد عسكرية في جيبوتي، وتحصل بالمقابل على مئات الملايين من الدولارات سنويا من عوائد تأجيرالأرض للقواعد الأجنبية . 
كما يعتبر الجزء الجنوبي من إريتريا ضمن المجال الحيوي لباب المندب .

محطات من تاريخ الصراعات والأطماع 
كان لتدخلات القوى الدولية أثر كبير على أمن شعوب البحر الأحمر منذ عهد الفراعنة والأشوريين والرومان والفرس والبطالمة، وتواصل هذا التأثير بظهور البرتغال التي امتلكت أسطولاً بحرياً كبيراً، لكنها اصطدمت بالعثمانيين على سواحل الحبشة منتصف القرن الـ 16 الميلادي .
أواخر القرن التاسع عشر تضاعفت الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر بعد فتح قناة السويس في 1869م، وتضاعفت بالتالي اهتمامات القوى الدولية في السيطرة عليه وحرصها على أن تكون قريبة من باب المندب، وسعت القوى الغربية، فرنسا، بريطانيا وإيطاليا إلى تثبيت أقدامها في المنطقة، وكانت موانئ البحر الأحمر محل اهتمام ونقطة التحول في عملية استعمار منطقة البحر الأحمر وما حوله  . 
بعد الحرب العالمية الثانية، تراجع الحضور البريطاني والفرنسي وتحول البحر الأحمر إلى ميدان تنافس بين الولايات المتحدة الأميركية والإتحاد السوفيتي .
ومنذ الحرب العالمية الثانية مارست الولايات المتحدة حرباً سرية في منطقة جنوب السويس ضد الاحتكارات البريطانية المسيطرة في ذلك الوقت، ومن خلال علاقاتها مع أثيوبيا حصلت على قاعدة " كاجينو ستيشن " في إريتريا قبل استقلالها، واتخذت منها منطلقاً استراتيجياً فيما بعد قناة السويس إلى داخل البحر الأحمر(3).
بينما مد الاتحاد السوفييتي جسور التعاون إلى مصر بعد العام 1956م لضمان مرتكز استراتيجي يستند إلى خصائص مصر الجيوسياسية بإطلالتها على البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط . أما على صعيد جنوب البحر الأحمر فقد ركز السوفييت على كسب صداقة اليمن حيث وقّعوا مع " المملكة المتوكلية اليمنية " التي حكمت شمال اليمن بين 1918 و 1962م، معاهدة صداقة في نوفمبر 1955م، ثم لاحقاً مع اليمن الجنوبي، وتوجت هذه العلاقات بتوقيع معاهدة صداقة وتعاون بين البلدين الآخر عام1979 م.

ثانياً: ظهور الكيان الصهيوني واستراتيجينه في البحر الأحمر 
قبل ظهور دولة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين عام 1948م، كان البحر الأحمر بحيرة عربية إسلامية خالصة - بالنظر إلي ثقافة السكان في الدول المطلة علية، بما في ذلك سكان الساحل الإريتري الذين استنجدوا بالسلطنة العثمانية لطرد البرتغاليين الذين استدعاهم ملك الحبشة منتصف القرن السادس عشر . (5)
بعد تأسيس دولة الكيان الإسرائيلي، أخذ الصراع في منطقة البحر الأحمر أبعاداً جديدة، وأججت الأطماع الصهيونية في البحر الأحمر حمى الصراع والإستقطابات .       

البداية من " أم الرشراش " 
عام 1949م، بعد عام من تأسيس الكيان الإسرائيلي، احتل الصهاينة قرية أم‌الرشراش العربية المصرية، وحصلوا على ساحل بطول سبعة كيلومترات أطلوا من خلاله على مياه البحر الأحمر .
كشف "ديفيد بن جوريون " أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني، استراتيجية دولته في البحر الأحمر وقال : " إن سيطرة إسرائيل على نقاط في البحر الأحمر هي ذات أهمية قصوى لأن هذه النقاط ستساعد إسرائيل على الفكاك من أي محاولات لمحاصرتها وتطويقها كما ستشكل قاعدة انطلاق عسكري لمهاجمة أعدائنا في عقر دارهم قبل أن‌يبادروا إلى مهاجمتنا " (6)
وفي عام 1956 قال قائد البحرية الإسرائيلية السابق : " نحن نملك أسطولاً بحرياً ضخماً يعمل في كافة موانئ العالم، ولهذا علينا أن نعد العدة في المستقبل كي تستطيع أساطيلنا البحرية والحربية أن تحطم الحصار العربي المفروض علينا وأن نفرض الحصار بدورنا على الدول العربية عن طريق تحويل البحر الأحمر إلى بحيرة يهودية ".(7)

من الشاطئ إلى المضائق 
يضم البحر الأحمر ثلاث ممرات مائية هامة هي : باب المندب، قناة السويس، مضائق تيران . وقد كانت هذه المضائق سبباً رئيسياً في العديد من الصراعات والحروب في منطقة البحر الأحمر، وكانت دولة الكيان الإسرائيلي طرفاً في معظمها .
شرع الإسرائيليون في تنفيذ أهدافهم منذ وقت مبكر، ولخص "بن جوريون" غاية إسرائيل من التحكم بمنافذ البحر الأحمر بثلاثة أهداف:
1 ـ  جعل البحر الأحمرمنفذاً إسرائيليا إلى القارة الأفريقية و بلدان شرق آسيا.
2 ـ  استخدامه كشريان إسرائيلي والإفادة منه عوضاً عن قناة السويس.
3 ـ  تفكيك الروابط القومية للعالم العربي(8)

مضيق تيران في خليج العقبة
مضيق تيران هو ممر مائي عرضه 4.5 كم، ويقع عند مدخل خليج العقبة . وتوجد جزيرتان في الممر المائي وهما تيران وصنافير، ومنه يتم المرور من وإلى مينائي العقبة الأردني و " إيلات " الإسرائيلي " أم الرشراش " شمال الخليج .
وقد حاولت دولة الكيان الإسرائيلي السيطرة على المضيق بطرق شتى، حرباً وسلماً، كون وضعه القانوني يتيح لأي نظام مصري محاصرة اسرائيل من خلاله، وقد تغير هذا الوضع بعد إنتقال السيادة على جزيرتي تيران وصنافير من مصر إلى السعودية . وبهذا التغيير، اكتسب الممر الملاحي في مدخل خليج العقبة صفة " ممر دولي " بموجب القانون الدولي، نظراً لوقوعه بين أراضي دولتين، السعودية بملكيتها للجزر شرق الممر، والبر المصر من الغرب . 
قبل ذلك، كانت المياه المحصورة بين جزر تيران وصنافير و الساحل المصري مياه مصرية خالصة، وهو وضع يمنح مصر حق إغلاق الممر الملاحي في وجه أي دولة معادية أو عندما تستشعر مخاطر على أمنها، وهذا ما حدث عام 1951 حين منعت مصر مرور السفن الإسرائيلية بمياه خليج العقبة واستخدمت القوة من أجل ذلك، كما أعلن جمال عبدالناصر في 23 مايو 1967 إغلاق مضائق تيران في وجه الملاحة الإسرائيلية، وبعد هزيمة مصر في حرب 1967 مع إسرائيل، احتلت الأخيرة الجزيرتين، واستمر المضيق مفتوحا أمام السفن الإسرائيلية. وفي عام 1978 انتهت المشكلة بين إسرائيل ومصر باتفاقيات كامب دييفد التي نصت على ما يلي : 
-  حرية مرور السفن الإسرائيلية في قناة السويس، واعتبار مضيق تيران وخليج العقبة ممر دولي.
-  تتمركز قوات الأمم المتحدة في شرم الشيخ بضمان حرية المرور في مضيق تيران.
وفي البروتوكول العسكري لمعاهدة كامب ديڤد وضعت كل من جزيرة صنافير وجزيرة تيران ضمن المنطقة (ج) المدنية التي لا يحق لمصر أي وجود عسكري فيها حتى تضمن اسرائيل أن مصر لن تتحكم بهذه المنطقة الحيوية من البحر الأحمر. (9). 
هذا الاتفاق المجحف الذي فرضه إنتصار دولة الكيان في حرب 1967، يتنافى مع القانون البحري الدولي الذي يعتبر المياه في مضائق تيران " مياه محلية مصرية " وليست دولية، لأنها واقعة بين أراضي الدولة نفسها، وهذا ما يمنح مصر حق التخلي عن الاتفاق في أي وقت . 

" قناة البحرين " الحلم الصهيوني 
" قناة البحرين " مشروع إسرائيلي يهدف لربط البحر الأحمر بالبحر الميت ويمتد إلى البحر المتوسط، ومنافسة قناة السويس . جرى التخطيط لها منذ عقود، لكن تنفيذها بقى مؤجلاً ومرهوناً بالظروف السياسية الملائمة .
بعد توقيع الكيان الإسرائيلي معاهدة السلام مع الأردن في عام 1994م، وقبلها اتفاقية " أوسلو " مع الفلسطينيين عام 1993م، أصبح المشروع " إسرائيلياً، أردنياً، فلسطينياً " .
وفي عام 2002 كشفت الحكومتان الأردنية والإسرائيلية في مؤتمر قمة الأرض للبيئة والتنمية الذي عقد في جوهانسبورغ بجنوب أفريقيا عن مشروع " قناة البحرين".
وقوبل المشروع وقتها بغاضب ورفض من الدول العربية والدول المشاطئة للبحر الميت، بحجة أنه ينطوي على أبعاد تهدد المصالح الفلسطينية والعربية السياسية والاقتصادية والبيئية.
وفي عام 2005، وقع الأردن وإسرائيل و السلطة الفلسطينية اتفاقاً لشق "قناة البحرين"، وفي ديسمبر/كانون الأول 2006، أعلن ممثلو الأطراف الثلاثة إطلاق "دراسة جدوى" لبناء قناة تربط البحر الأحمر بالبحر الميت. وتشير دراسة أجراها البنك الدولي مع الأطراف الثلاثة إلى أن كلفة المشروع الكلية تقدر بحوالي 11 مليار دولار. (10)
و حول هذا المشروع قال " آبا إيبان " وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق : " إن موطئ قدم لإسرائيل على البحر الأحمر يعوضها عن الحصار الإقليمي المفروض عليها، وعن طريق ربط المحيطات الشرقية والغربية عبر قطاع ضيق من الأرض يمكن لإسرائيل أن تصبح الجسر الذي تعبره تجارة الشعوب في القارات جميعها وبذلك يمكن تحرير شعوب آسيا وإفريقيا من الاعتماد على قناة السويس” (11)
ومن أجل ذلك، سعت إسرائيل إلى الوصول إلى وضع قانوني يضمن لها حرية المرور في مضائق تيران بصورة دائمة، قبل أن تغامر بتنفيذ مشروع بهذا الحجم يبقى خاضعاً لتقلبات العلاقة مع مصر . و كان لها ما أرادت في إنتقال السيادة على جزر تيران وصنافير من مصر إلى السعودية . (12)
وهو ما تمّ في 8 أبريل 2016، بتوقيع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، مع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز اتفاقية ترسيم الحدود السعودية المصرية. وبمقتضى تلك الاتفاقية انتقلت ملكية جزيرة تيران إلى السعودية .
الوضع القانوني السابق المضائق، كان يعوق الطموحات الإسرائيلية في إقامة مشاريع كبرى على غرار مشروع " قناة البحرين" المؤجل، الأن، يمكن لدولةالكيان الإسرائيلي تنفيذ حلمها في مشروع " قناة البحرين " وربط البحرين والمتوسط، مروراً بالبحر الميت، وبذلك لن يكون لمصر من خيار، سوى الدخول في منافسة صعبة مع القناة الإسرائيلية (13)

باب المندب و محاولات التدويل 
في الوقت الذي كان فيه الاستعمار البريطاني يتهيأ للرحيل عن الجنوب اليمني أواخر الستينات من القرن الماضي، بعد ١٢٨ عاماً من الإحتلال، أبدى الكيان الإسرائييلي مخاوفه من تعرض الملاحة الإسرائيلية للخطر في حال خروج القوات البريطانية من جنوب اليمن، واستلام الدولة اليمنية المستقلة لجزيرة ميون الواقعة في مضيق باب المندب. المخاوف الإسرائيلية كانت واضحة على لسان وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق آبا إيبان، وفي تصريح له في 29 يونيو 1966م، قال : " إذا سقطت جزيرة بريم "ميون" في أيد غير صديقة، فقد ينجم عن ذلك موقف خطير، مشابه لماحدث في خليج العقبة وقد يكون أكبر خطراً ". (14)وطلب الإسرائيلي من بريطانيا عدم الإنسحاب من الجزيرة والاحتفاظ بها حتى وضعها تحت الإدارة الدولية. (15)
وقد حاولت بريطانيا بالفعل تحقيق الطلب الاسرائيلي، لكن محاولاتها فشلت بسبب معارضة المجموعة العربية في الأمم المتحدة. فتحولت دولة الكيان نحو أثيوبيا 
استثمر الإسرائيليون علاقتهم مع أثيوبيا ـ قبل استقلال إريتريا ـ وحصلوا على موطئ قدم في جزيرة " دهلك " في البحر الأحمر سنة 1975م . ليقام عليها أول قاعدة عسكرية إسرائيلية . ثم تمكنوا من التغلغل في الدولة المستقلة إريتريا وعززوا تواجدهم جنوب البحر الأحمر من خلال استئجار جزيرتي " حالب و فاطمة " في الجنوب الغربي للبحر الأحمر ثم جزيرتي " سنشيان " و " دميرا " والأخيرة هي أقرب الجزر الاريترية إلى باب المندب (16)
قناة السويس 
قناة السويس هي ممر مائي اصطناعي ازدواجي المرور على الأراضي المصرية، يبلغ طولها 193 كم وتصل بين البحرين الأحمر والمتوسط، أفتتحت في العام 1869 م خلال الاحتلال الفرنسي لمصر . بإفتتاحها تضاعفت الأهمية الإستراتيجية للبحرالأحمر، ومعها تضاعفت الأطماع الدولية و زادت حمى الصراعات . وتعرضت مصر لعدوان ثلاثي عام 1956 من قبل بريطانيا وفرنسا و الكيان الإسرائيلي، بعد تأميم الرئيس عبدالناصر لشركة قناة السويس، وتحويلها إلى شركة مصرية مساهمة .
وبسبب الحرب بين مصر والكيان الإسرائيلي عام 1967، أغلقت على إثرها لأكثر من 8 سنوات، وأعيد افتتاحها في يونيو 1975، شهدت القناة بعد ذلك عدة مشاريع لتوسيع مجراها وتقليل وقت عبورها بدأت عام 1980 وكان آخرها في 6 أغسطس 2015 مع افتتاح مشروع قناة السويس الجديدة . استطاعت دولة الكيان الإسرائيلي وبدعم حلفائها الغربيين من الحصول على حق الملاحة في قناة السويس، وكانت مساعي الدول الغربية لتدويل الملاحة في القناة قد بدأت عام 1885 بأجتماع في باريس، تلاه أجتماع في إسطنبول عام 1888م، ووقعت تركيا الإتفاقية نيابة عن مصر . (17)

ثالثاً : القوى المؤثرة في الصراع على النفوذ في منطقة البحر الأحمر وأهدافها 
يمكن توزيع القوى المؤثرة في الصراع على النفوذ، وفقاً لتحالفاتها أو ترابط مصالحها وتوجهاتها، في أربع مجموعات . 
ألف ـ القوى الغربية : أميركا و أوروبا 
تضم الولايات المتحدة والدول الأوربية ممثلة في الناتو، وتعمل الولايات المتحدة الإميركية كدفة قيادة للقوى الغربية في المياه الدولية، ومنها البحر الأحمر وخليج عدن، وتحظى دولة الكيان الإسرائيلي برعاية ودعم أميركي أوروبي غير محدود . وتستند القوى الغربية إلى موروث إستعماري في المنطقة يمتد إلى القرن السادس عشر الميلادي . 
وتسعى القوى الغربية وفي المقدمة أميركا، من تواجدها في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي، إلى ما يلي : 
1 ـ  ضمان حركة أساطيلها وسفنها العسكرية في مياه البحر الأحمر التي تربط البحر المتوسط بالمحيط الهندي، كأداة لاستراتيجتيها العسكرية والأمنية والسياسية في العالم . 
2 ـ  استمرار تدفق النفط إلى الغرب، وخصوصاً الدول الأوربية التي يمر 60 في المائة من احتياجاتها النفطية عبر باب المندب و البحر الأحمر . وقد عبر السيناتور الأميركي " أوين بروستر " عن هذه الأهمية عام 1947م وقال : من يقعد على صمام النفط في منطقة الخليج الفارسي يستطيع التحكم بمصير أوروبا .  
3 ـ  ضمان حركة التجارة من وإلى الأسواق الغربية . إذا تمثل نسبة الحركة التجارية المارة عبرالبحر الأحمر نحو 15 في المائة من التجارة العالمية. 
4 ـ  حرص القوى الغربية الدائم على النفوذ في هذه المجال، يندرج في إطار التنافس بين قوى الشرق والغرب على الممرات الملاحية حول العالم . 
وتعتبر الصين و روسيا و إيران و تركيا، أبرز القوى الشرقية المستهدفة من قبل الغرب في معركة السيطرة على البحر الأحمر وباب المندب .

ب - القوى الشرقية : الصين و روسيا 
على الرغم من وجود دول كبيرة ذات وزن اقتصادي وعسكري كبير في القارة الآسيوية، كالهند واليابان وماليزيا والباكستان وغيرها، إلا أن تأثيرها محدود في التنافس والتأثير في التنافس على النفوذ في منطقة البحر الأحمر، ولذلك، اختزلنا القوى الدولية الشرقية بالصين و روسيا باعتبارهما قوتين دوليتين كبيرتين ولهما تأريخ في الصراع والتنافس مع الغرب، كما أن الصين بدأت تبرز كمنافس كبير للولايات المتحدة الأميركية، القطب الدولي الأوحد بعد سقوط الإتحاد السوفيتي مطلع تسعينات القرن الماضي . وسنبدأ هنا في معرفة الاهتمام الصيني بمنطقة البحر الأحمر وأهدافها .

1 ـ الصين : ترقب وحذر 
يرتبط اهتمام الصين بالبحر الأحمر بالدرجة الأولى باعتباره خطاً أساسياً من مشروع طريق الحرير الجديد، المشروع الصيني الضخم لإعادة رسم خريطة التجارة العالمية، وباستراتيجيتها للسـيطرة عبـر شـركاتها عـلى موانئ البحر الأبيض المتوسط لتأمين تجارتها إلى أوروبا، حيث تمر 80 بالمائة من الصادرات الصينية بالبحر الأحمر .  
ولعل مبادرة الحزام والطريق التي أعلنها الرئيس شي جين بينج في العام 2013م هي أكثر البرامج الجيوسياسية والاقتصادية طموحاً منذ خطة مارشال التي نفذت في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية بل تتفوق عليها في النطاق والتكاليف، وستكون للموارد خاصة الطاقة (النفط والغاز) والموقع الاستراتيجي والمعابر والموانئ في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي أهمية كبرى في هذا الصدد 
سيبقى باب المندب بمثابة مضيق استراتيجي أساسي للتجارة و التدفق الحر لناقلات النفط و الغاز. و في الوقت نفسه، يشكل عقدة سلطوية لنجاحات الصين في الشرق الأوسط و أفريقيا. علاوة على ذلك، ستواصل دول شبه الجزيرة العربية النظر باتجاه الشرق، إلى الصين وغيرها من القوى الصاعدة في أوراسيا، من أجل الشراكة الاقتصادية و الحصول على الدعم.(18)
في أغسطس 2018م قامت الصين بافتتاح قاعدتها اللوجستية في جيبوتي مقابل باب‌المندب، وهي أول قاعدة بحرية خارجية لها، تضم 10 آلاف جندي، الكبيرة . وتعلن الصين أن القاعدة ضرورية للمساعدة على الوفاء بالتزاماتها الدولية ولا علاقة لها بالتوسع العسكري وأنها مصممة على سلوك نهج التنمية السلمية وأن يكون لديها سياسة دفاعية غير هجومية .
وتتعامل الصين مع التطورات الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط، أوغرب اسيا بحذر، فهي تسعى للتركيز على توسيع استثماراتها المالية وزيادة تدخلها في مجال المبادرات الخاصة بالبنى التحتية، ولا تظهر الصين دلائل بشأن مطامع استراتيجية صينية في المنطقة لجهة الإبقاء على تواجد عسكري للصين بشكل دائم في البحر الأحمر والمتوسط، إلا أن هذه السياسة لا تنفي إحتمال حدوث تحول في الموقف الصيني العام مستقبلاً، وهو ما قد يضع عندها الدول الأوروبية والولايات المتحدة في حال مواجهة وحرج كبير إذا قررت الصين الإبقاء على قوات عسكرية وقواعد ضخمة لها في المنطقة كجزء من استراتيجيتها العالمية، وفي المنافسة بينها وبين الولايات المتحدة التي تبدي قلقاً متزايداً من النفوذ والتمدد الصيني في المنطقة.

2 ـ روسيا ؛ أولويات أخرى 
لم يترك الإتحاد السوفيتي ميراثاً من النفوذ للدولة الروسية، فجميع الأنظمة التي كانت متحالفة مع الإتحاد السوفيتي السابق سقطت أو أنتهت بسقوطه، بما في ذلك حلفائه في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي ـ الصومال واليمن الجنوبي ـ حيث دخل الحزب الإشتراكي اليمني الذي كان يحكم الجنوب اليمني في وحدة إندماجية مع الشمال، كما حدث في ألمانيا الغربية والشرقية، وسقط نظام الرئيس الصومالي محمد سياد بري في عام 1991م . 
وبعكس الصين،لا تبدي روسيا اهتماماً كبير بالبحر الأحمر وباب المندب لأسباب عديدة،منها :  
ـ اعتماد روسيا على مضيقي البوسفور والدردنيل اللذان يمران عبر الأراضي التركية ويربطان الطريق الملاحي بين البحر الأسود غرب روسيا والبحر الأبيض المتوسط .
ـ إنشغال روسيا بمواجهة التغلغل الغربي في الدول المستقلة عن الإتحاد السوفيتي القريبة من حدودها . 
ومع ذلك، لا يزال ينظر إلى الدولة الروسية كوريثة للقوى العظمى " الإتحاد السوفيتي " الذي كان له دور في إحداث توازن دولي مع الولايات المتحدة خلال سبعة عقود . وقبل ذلك كان لروسيا القيصرية دوراً مؤثراً في التنافس مع القوى الغربية في العالم، ما يعني أن الدولة الروسية لديها من المقومات التاريخية والإقتصادية والعسكرية ما يؤهلها لأن تلعب دوراً مؤثراً في العالم، وأن تعمل لإستعادة نفوذ الشيوعيين والقياصرة . 

ج  ـ القوى الإقليمية 
1 : إيران وتركيا  
تعد كل من إيران وتركيا أكثر الدول الإسلامية تأثيراً في الأحداث التي تمر بها منطقة غرب آسيا . هذا الدور ليس طارئاً على الدولتين اللتين تعدا امتداداً للإمبراطوريتين، العثمانية والفارسية، وكلاهما كانتا ضمن القوى الدولية التي تتنازع السيطرة على البحر الأحمر وباب المندب في مراحل تاريخية مختلفة .
وخلال العقود الثلاثة الأخيرة، سعت الدولتان إلى تعزيز استراتيجياتها السياسة وحماية مصالحهما في منطقة البحر الأحمر من خلال تعزيز علاقاتهما بعدد من الدول المطلة على البحر الأحمر و دول القرن الأفريقي . لكن التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة بالإضافة إلى الكيان الصهيوني وحلفائهم في المنطقة وجدوا في التواجد التركي والإيراني خطراً على مشروعهم في المنطقة، والذي يعد السيطرة على البحر الأحمر وباب المندب أهم أركانه. (19)
في مقال له في صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية في يناير 2018، قال الكاتب الإسرائيلي زفي مازل : " أن فكرة تشكيل تحالف خليجي ضد طهران أصبحت في مهب الريح بعد التحالف بين قطر وتركيا. وقد بات التواجد التركي الكثيف في البحر الأحمر تهديداً لمصر وإسرائيل على السواء " . 
وكانت إيران عززت وجودها في البحر الأحمر بإنشاء قاعدة عسكرية على الساحل الإريتري، وإنشاء مركز لتموين السفن الإيرانية التي تجوب البحر الأحمر، كما تمكنت من الحصول على تواجد وتسهيلات في جيبوتي حيث وقعت معها اتفاقية تعاون مشترك خلال زيارة الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد لجيبوتي في فبراير 2009، كما كان لها علاقات متميزة مع السودان، قبل أن ينخرط النظام السوداني في إطار تحالف الحرب على اليمن الذي تقوده السعودية، وشارك أكثر من 30 ألفاً من الجيش والمرتزقة السودانيين في الحرب على اليمن المستمرة منذ 2015 . 
تركيا هي الأخرى، حصلت على مكاسب عديدة من تحالفها مع نظام الرئيس السابق عمر البشير، بامتلاكها منصة جديدة في البحر الأحمر، بعد حصولها على حق إعادة تأهيل جزيرة سواكن السودانية التي كانت ميناء للدولة العثمانية في الفترة من القرن الخامس عشر حتى القرن التاسع عشر، بالإضافة إلى تواجدها في الصومال، وزيادة استثماراتها الاقتصادية عدد من دول القارة الأفريقية . 
تحاول تركيا جاهدة عقد صلات مع السلطة الانتقالية الجديدة في السودان بعد أن كانت أحد أبرز الداعمين لنظام الرئيس المعزول عمر البشير، ويشكل فقدان تركيا لنفوذها في السودان ضربة موجعة لطموحاتها وانفتاحها في المنطقة وفي القارة الأفريقية(20)
وعلى الرغم من أن إيران وتركيا تواجهان تحالفاً إقليمياً ودولياً موحداً في البحر الأحمر، إلا أن الدولتان تعملان بشكل منفرد، واستمرار غياب التنسيق والتعاون بين الدولتين سيؤدي إلى تلاشي حضورهما وتأثيرهما في منطقة البحر الأحمر تماماً .
في عام 2018 أعلنت إيران أنه لا يوجد مانع لديها من التنسيق مع تركيا في هذا الصدد حيث ذكرت إيران على لسان القائد العام للجيش الإيراني للشؤون التنسيقية، الأدميرال حبيب الله يساري، أنه في حال قررت الحكومة التركية التواجد لضمان الأمن في خليج عدن فإننا مستعدون للتعاون معها . (21) 
فهل يشعر الأتراك بالحاجة إلى تنسيق جهود مشتركة مع الإيرانيين، وخصوصاً بعد أن خسروا كثيراً من المكاسب التي كانت قد تحققت لهم في البحر الأحمر قبل سقوط الرئيس السوداني عمر البشير ؟

2 : السعودية ودولة الكيان الصهيوني 
تحاول السعودية و دولة الكيان الإسرائيلي أن يظهرا كقوى إقليمية مؤثرة في المنطقة، لكنهما في الحقيقة لا يمتلكان المقومات الذاتية لذلك. فدولة الكيان الإسرائيلي تعتمد على الدعم الأميركي اللامحدود، وتستغل ضعف الأنظمة العربية، بينما يرجع تأثير السعودية في   في المنطقة إلى سببين  : ثروتها النفطية، والعمل في إطار الإستراتيجيات الغربية في المنطقة، ومنها التطبيع مع دولة الكيان الإسرائيلي .
 في كتابه " الشرق الأوسط الجديد " يطرح رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي الأسبق، شمعون بيريز الآتي : " لا بد من سلام في المنقطة وتشكيل كيان في مواجهة الخطر الإيراني " وقال : " السلام يبدأ بإنشاء شرق أوسط جديد، وأن هذا الشرق لابدّ أن‌يبدأ بتنفيذ مشاريع مشتركة على البحر الأحمر " (22) 
وقد تناولنا سابقاً الإستراتيجية الإسرائيلية في البحر الأحمر وباب المندب، ووجودها كمحور فاعل، ليس فقط من خلال تأثيرها هي فحسب ـ بل من خلال كونها جزء من الإستراتيجية الغربية للولايات المتحدة التي تعد " حماية إسرائيل " ضمن أهدافها . 
عملت الولايات المتحدة منذ عقود على دمج دولة الكيان الإسرائيلي بمحيطها العربي بوسائل شتى، وقد أثمرت تلك الجهود على تغيير السياسات والمفاهيم والتحالفات، وأصبحت الكيان الصهيوني المغتصب للأرض العربية والمقدسات الإسلامية في فلسطين، في حلف واحد مع بعض الدول والإمارات العربية، في مواجهة جمهورية إيران الإسلامية، وتركيا أيضاً . 
نعود إلى كتاب بيريز الذي قال في كتابه أيضاً : " يمكن لنا أن نبدأ في نقطة البحر الأحمر، فقد تغيرت شطآن البحر الأحمر مع الزمن وأصبحت مصر والسودان وإريتريا تقع على أحد الجوانب فيما تقع اسرائيل والأردن والسعودية على الجانب الآخر وهذه البلدان تجمعها مصلحة مشتركة، ويمكن القول إنه لم يعد هناك اسباب للنزاع، فأثيوبيا من بعد نظام " منجستو " و إريتريا المستقلة حديثاً تريدان إقامة علاقات سليمة مع جاراتهما بما في ذلك إسرائيل، في حين أن مصر وقعت بالفعل اتفاقية سلام مع إسرائيل، أما الأردن والسعودية واليمن فتريد تأمين حرية الملاحة والصيد وحقوق الطيران ".(23)
د  ـ الدول المشاطئة
ـ  أمواج التطبيع تضرب الضفتين
.بإلقاء نظرة سريعة على الدول المشاطئة للبحر الأحمر على الضفتين،الأفريقية والأسيوية يتبين لنا ما يلي : الضفة الأفريقية أوالغربية للبحر الأحمر، والممتدة من خليج السويس وحتى جنوب باب المندب، بالإضافة إلى السواحل الصومالية، أصبحت إقليماً يعمل في إطار مشروع الهيمنة الغربية بطريقة أو أخرى، بعض تلك الدول يرتبط بمعاهدات وعلاقات رسمية مع دولة الكيان الإسرائيلي، مثل مصر وإريتريا، وأخرى في طريقها للتطبيع كالسودان(24)، والبقية تحت سيطرة حلفائها .
وفي الضفة الأسيوية التي تضم كل من الأردن، والسعودية واليمن، ترتبط الأردن بمعاهدات سلام وعلاقات ثنائية مع دولة الكيان الإسرائيلي، كما لم يعد خافياً أن‌السعودية التي تمتلك أكبر شاطئ على البحر الأحمر يزيد عن 1800 كيلومتر، باتت تعمل مع دولة الإمارات كقاطرة لجر الدول العربية الأخرى نحو التطبيع مع دولة الكيان الإسرائيلي، فما الذي تبقى ؟
ـ  تحالفات مضطربة 
في ديسمبر 2018 أعلن في الرياض عن تأسيس " تحالف دول البحر الأحمر وخليج عدن " يضم كل من، السعودية، مصر،السودان، جيبوتي، الصومال، الأردن واليمن ممثلة بالحكومة التي تقيم بالرياض منذ 2015م، وكان لافتاً غياب إريتريا التي تمتلك ثالث أطول شاطئ على البحر الأحمر بعد مصر والسعودية، بطول ألف كم . 
وزارة الخارجية السعودية أوضحت، أن الكيان يعتبر مبادرة من الملك سلمان لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، وإيجاد تناغم في التنمية بين الدول في هذه المنطقة الحيوية والحساسة، وتضمنت الأهداف المعلنة إنشاء مناطق حرة في موانئ جميع الدول المشاطئة، ومن ضمن المشاريع " مدينة نيوم " السعودية المزمع إنشائها شمال البحر الأحمر ضمن "رؤية 2030 " السعودية، وتقدر تكاليف إنشائها بنحو 500 مليار دولار. 
وعلى الرغم من محاولة إظهار الطابع الاقتصادي للتكتل، إلا أن الأهداف العسكرية والأمنية كانت واضحة وطاغية، إذ تنص الإهداف على : " حماية التجارة العالمية وحركة الملاحة الدولية، وتعزيز الأمن والاستثمار والتنمية لدول الحوض .. " مع التأكيد على أهمية " مواجهة استراتيجيات الدول المتوغلة في البحر الأحمر ودول القرن الأفريقي لتأمين متطلبات السيطرة الاستراتيجية على هذا الممر المائي على ضوء خبرات الماضي وحقائق الحاضر ومصالح دول الكيان المستقبلية." وتشير تقارير وتحليلات إلى التحالف باعتباره موجهاً بصورة أساسية لتحجيم النفوذ والتأثير الإيراني والتركي في البحر الأحمر (25). 
وهذا يؤكد أن الكيان الجديد يعمل في إطار تحالف مشروع الهيمنة الغربية و حماية المصالح الإسرائيلية، حتى وإن لم تشارك دولة الكيان الإسرائيلي في هذا التحالف بشكل مباشر، ويتأكد أيضاً من خلال المناورات العسكرية المشتركة لعدد من دول التحالف المعلن التي أقيمت طيلة العامين الماضين .

 خامساً : نموذج من الضفتين .. الصومال واليمن 
اليمن والصومال نموذجان متشابهان من الضفتين،متقابلان جغرافيا و تفصل بينهما مياه خليج عدن الذي يربط المحيط الهندي بالبحر الأحمر، ويعيشان ظروفاً سياسية وأمنية متشابهة . ويمكن القول أنهما،كانا ولا يزالا، الأكثر عرضة للتدخلات الخارجية و الحروب والنزاعات، وكلاهما يعيشان تحت " الفصل السابع " (26) الذي شرعن للقوى الدولية والإقليمية، استباحة أرضهما وبحرهما وسمائهما . 
ولعل قراءة الظروف والأحداث التي يعيشها البلدان تساعد في فهم ما يجري و معرفة الخلفيات و الأبعاد وعلاقتها بالصراع على النفوذ في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي .

1 : الحرب على اليمن و علاقتها بالصراع الإقليمي والدولي في البحر الأحمر  
اليمن دولة بحرية بامتياز. تبلغ مساحته نحو نصف مليون كم مربع، ويبلغ عدد سكانه نحو 25 مليون نسمة، وهو بلد بحري بامتاز بشواطئ تمتد أكثر من 2200 كم .على البحر الأحمر و وباب المندب و خليج عدن.
بالإضافة إلى موقعه الإستراتيجي، يمتلك اليمن عدداً من الجزر ذات مواقع استراتيجية هامة في البحرين الأحمر والعربي أهمها :  
جزيرة ميون : وتقع في مضيق باب المندب، ومن خلالها يمكن التحكم بطرق الملاحة في مدخل المضيق. 
مجموعة جزر حنيش: وتقع بالقرب من المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، وتشمل جزيرة حنيش الكبرى والصغرى، وزقر، بالإضافة إلى مجموعة صغيرة من الجزر في ارخبيل حنيش يزيد عددها عن عشرين جزيرة .
جزيرة سقطرى : تقع جزيرة سقطرى في البحر العربي، وتبعد نحو 350 كيلومتراً عن الشاطئ الجنوبي اليمن . وتعد من أكبر الجزر في العالم، إذ تبلغ مساحتها 3500 كيلومتراً مربعاً، ويسكنها نحو 80 ألف نسمة .وتشرف الجزيرة على خطوط الملاحة الدولية غرب المحيط الهندي . 
 
خمس سنوات من الحرب والحصار 
 الحرب التي أعلنها تحالف دولي بقيادة السعودية في 26 مارس 2015م، على اليمن، لاتزال مشتعلة . مرت  أكثر من خمس سنوات من الحرب المدمرة والحصار الجائر، وشنت طائرات التحالف السعودي أكثر من ٢٥٠ ألف غارة، قتل عشرات الآلاف من اليمنيين ونزح الملايين ..وأرقام الخسائر لا تحصى .
حتى الآن، لا يبدو أن هناك أفقاً لإنتهاء الحرب والتوصل إلى تسوية تحقن دماء اليمنين وتصون وحدة أرضهم . 
كما لا تبدو الأهداف التي أعلنها التحالف السعودي عند إعلان الحرب متوافقة مع ما يجري على الأرض اليمنية منذ أكثر خمس سنوات . فاستعادة السلطة الشرعية التي كانت على رأس الأهداف المعلنة، لم يتم، ولا تزال هذه السلطة تقبع في العاصمة السعودية على الرغم من سيطرة قوات التحالف والميليشيات المدعومة منه على نحو 70 في المائة من الأراضي اليمنية . 

الدور الإسرائيلي في الحرب على اليمن 
كان لدولة الكيان الإسرائيلي دوراً هاما في التحريض للحرب على اليمن، بعد سيطرت حركة " أنصار الله " اليمنية على العاصمة صنعاء في21سبتمبر 2014م، و لجوء الرئيس عبدربه منصور هادي إلى السعودية .
أنتابت قادة الكيان الإسرائيلي حالة قلق مشابهة لتلك التي أصابتهم حين كانت بريطانيا تتهيأ لمغادرة الجنوب اليمني و تخلي قواعدها في عدن وباب المندب بعد 128 عاماً من الإحتلال . ولذلك شن قادة الكيان الصهيوني حملة تحريض للحرب على اليمن و " أنصار الله " الذين يرفعون شعار : الموت لأميركا، الموت لإسرائيل . (27)
لم يقتصر الدور الإسرائيلي على التحريض فحسب، فقد شاركت طائراتها في الحرب بشكل مباشر، و استخدمت قنابل نيترونية تكتيكية في غارتين على الجبال المحيطة بالعاصمة صنعاء، زعموا أنها تحوي مواقع لتخزين الصواريخ الباليستية . وقد نشرت صحيفة الثورة اليمنية الخبر نقلاً عن موقع " فيترانز توداي " الذي حلل صور الإنفجارات من قبل عالمين دوليين أحدهما عمل  في  الوكالة الدولية للطاقة النووية . (28)وسقط في الغارات المئات من الضحايا المدنيين بين قتيل وجريح .
كما أسهمت دولة الكيان من خلال قواعدها في الساحل الإريتري قبالة اليمن، بتقديم دعم لوجستي ومعلوماتي لطائرات التحالف السعودي التي تنطلق من قواعد في إريتريا وجيبوتي، وكذلك للسفن التي تحاصر السواحل اليمنية .( 29)

إسرائيل تقطف الثمار 
إطالة أمدالحرب في اليمن  يخلق أوضاعاً جديدة على الأرض تخدم أهداف القوى الإستعمارية وتحقق المصالح الإسرائيلية، فالتحالف بقيادة السعودية يقوم بتسليم المدن والمناطق التي يدعون تحريرها، بما في ذلك الجزر والسواحل الممتدة لأكثر من 2200 كيلومترا إلى ميليشيات متعددة مدعومة من السعودية والإمارات، وتعمل بأجندات مناطقية وانفصالية ومذهبية . ومن بين تلك المكونات ما يسمى "المجلس الإنتقالي الجنوبي" الذي يسيطر على ثلاث محافظات جنوبية، بينها مدينة عدن ذات الموقع الإستراتيجي على خليج عدن والقريبة من باب المندب، ويتبنى هذا الكيان مطالب فصل الجنوب اليمني عن شماله بشكل واضح، ولا يخفي قادة هذا الكيان استعدادهم للإنخراط في قطار التطبيع مع دولة الكيان الإسرائيلي . 
وفي هذا السياق، كشفت صحيفة إسرائيلية في تقرير لها نشر في يونيو 2020م، عن وجود اتصالات بين مسؤليين إسرائيليين وقيادات في " المجلس الإنتقالي الجنوبي " باليمن، وحمل التقرير" أمنيات الإسرائليين وتهانيهم للدولة الجديدة التي يدخل باب المندب في إطار حدودها " (30)

ب : الصومال .. ضحية " الأباطرة والقراصنة "(31)
في العام 2005 م، بدأت ظاهرة القرصنة في المياه الممتدة من جنوب البحر الأحمر و حتى غرب المحيط الهندي على بعد ألف ميل من السواحل الصومالية . كانت الظاهرة انعكاساً لحالة الفوضى التي يعيشها الصومال منذ العام 1991م، بعد سقوط نظام الرئيس محمد سياد بري، ودخول البلاد في حالة من عدم الإستقرار والحروب الأهلية التي غذتها التدخلات الخارجية.
وعلى مدى ثلاثة عقود، لم يُسمح له بأستعادة دولته وبناء مؤسساته، وحين تمكنت حركة " المحاكم الإسلامية " من السيطرة على 80 بالمئة من الأراضي الصومالية بينها العاصمة مقديشو بين العامين 2006- 2007م، توقفت عمليات القرصنة ولم تسجل حادثة واحدة، لكن الولايات المتحدة دفعت حلفائها في الإقليم لإسقاط حكومة " المحاكم " التي كانت تتهم واشنطن بالوقوف خلف صناعة القراصنة. (32)
وبعد تدخل الجيش الإثيوبي و احتلاله مقديشو. سقطت حكومة "المحاكم الإسلامية" وحلت مكانها سلطة ضعيفة لاتتجاوز سيطرتها بضعة أحياء في العاصمة مقديشو .
حتى الأنظمة العربية خذلت الصومال " وهي عضو في الجامعة العربية " وبدلاً من مساعدتها للخروج من محنتها، شكلت الخصومات بين دول " مجلس التعاون الخليجي " عاملاً إضافياً لزعزعة الاستقرار في الصومال، حيث أسهم نقل الأزمة الخليجية إلى الصومال في زيادة التوترات بين مقديشو والأقاليم الصومالية وخروجها عن نطاق المركز . (33) وبدلاً من ضرب قواعد القراصنة داخل الصومال، تم تدويل وعسكرة المياه جنوب البحر الأحمر و خليج عدن، حتى غرب المحيط الهندي، و أصدر مجلس الأمن الدولي ثلاثة قرارات حملت الأرقام : 1814و 1816 في يونيو 2008، ثم القرار رقم 1851 والصادر في يناير 2009م، لمواجهة القراصنة وحماية الملاحة الدولية (34)، وشرعنت تلك القرارات لتواجد القوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو في المياه الممتدة من جنوب البحر الأحمر وحتى غرب المحيط الهندي. وضعت البلاد تحت الفصل السابع .
دمرت الصومال وغدت نموذجاً دولياً لما يعرف بـ "الدولة الفاشلة" . انحسرت سلطة الدولة الفاشلة المعترف بها دولياً على بعض أحياء العاصمة مقديشو، وفقدت سلطتها على الأرض و المياه والشواطئ الممتدة على خليج عدن والمحيط الهندي بطول 3700 كيلومتر .
دفعت الصومال ثمناً باهضاً لموقعها في " رأس القرن الأفريقي " المطل على طرق الملاحة في باب المندب وخليج عدن والمحيط الهندي، وكانت أبرز ضحايا " الأباطرة والقراصنة " . أرض بلادولة، يحكمها " الفصل السابع " ومياه مستباحة، ومن لم‌يجد من أبنائه متسعاً للعيش في وطنه الذي دمرته أطماع أباطرة الغرب، واضطر للسير في أرض الله الواسعة، لن يسلم من الإهانة، حتى وإن حصل على الجنسية الأميركية وبلغ "عضوية الكونجرس" (35)
يبدو أن هناك من يدفع كي يذهب اليمن في نفس الطريق، فالحرب التي تقودها السعودية على اليمن منذ 2015م، بدعم أميركي، تندرج في إطار مشروع الهيمنة الغربية الإسرائيلية على البحر الأحمر الأحمر وباب المندب، لن تلحق الضرر باليمن وحده فحسب، آسيا كلها ستنال نصيبها، دولها العظمى قبل الصغرى . وهو مايقتضي من القوى الأسيوية المتضررة من من المشروع الغربي، العمل على إيقاف الحرب على اليمن ومنع تفكيكه، لأن بقاء اليمن موحداً يضمن حالة من توازن المصالح الدولية في منطقة البحر الأحمر، وباب المندب تحديداً.


خــــــــــــــــــــــاتمة 
يعمل البحر الأحمر وباب المندب مثل ترموتر لقياس درجة "حرارة العالم" فكلما زادت التوترات بين القوى الدولية والإقليمية، انعكس ذلك على حالة البحر الأحمر بارتفاع حمى الأطماع والتوترات، وتتزايد التدخلات ومساعي النفوذ للهيمنة على مياهه ومضائقه وشواطئه، والعكس صحيح .
 وإذا كان مضيق "ملقا" (36)يوصف بأنه "حنجرة آسيا" فإن باب المندب يمكن وصفه بـ "حنجرة العالم" لأنه يربط العالم شرقه وغربه ربطاً جيواستراتيجياً " . 
ويبدو واضحاً من خلال ما استعرضناه سابقاً، أن الغلبة في النفوذ والهيمنة بمنطقة البحر الأحمر وباب المندب والقرن الأفريقي للقوى الغربية، بقيادة الولايات المتحدة، إذ تعمل هذه القوى، ومعها دولة الكيان الإسرائيلي، كجبهة موحدة في مشروع الهيمنة، من خلال استراتيجية واضحة تستند إلى قرون من الموروث  الإستعماري . 
في حين تعمل قوى الشرق - الدولية : الصين و روسيا، والإقليمية : إيران و تركيا - لحماية مصالحها في ذات النطاق بشكل منفرد، و بل أن مواقف القوى الأسيوية يبدو وكأنها تقر بمشروعية النفوذ الغربي في هذه المنطقة الحيوية والحساسة من العالم . 
 ويمكن إجمال أسباب استمرار التنافس والصراع على النفوذ في البحر الأحمر وباب المندب إلى ما يلي :
 1 - ظهور دولة الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطين، وسعيها للهيمنة على البحر الأحمر و ممراته في إطار حربها ضد الدول العربية و سعيها لإقامة "إسرائيل الكبرى" . ولأن ظهور هذا الكيان لم يكن طبيعياً، بل طارئاً على المنطقة بقوة الاحتلال والقهر، إحتلال استيطاني دائم، يختلف عن طبيعة الاحتلالات التي شهدتها المنطقة، فإن هذا الكيان يسعى باستمرار إلى تأمين وجوده في محيطه بإستخدام القوة والقهر و الإحتيال  والعمل دائماً لتأمين نطاقه الجغرافي بالتوسع شرقاً وغرباً .
إلى جانب ذلك، يعمل الكيان الصهيوني على إثارة الفوضى والنزاعات بين شعوب المنطقة، وإعادة رسم خرائطها على أسس عرقية، وطائفية ومذهبية، بما يتلائم مع أحلامه ومشاريعه، من خلال الترويج لمفاهيم و مشروعات سياسية واقتصادية على غرار "الشرق الأوسط الكبير "  و الشراكة في بناء "السلام الاقتصادي" وغيرها من المشروعات المشابهة  .
2-  زوال التواجد والنفوذ السوفيتي في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي بعد تفكك الإتحاد السوفيتي مطلع التسعينات من القرن الماضى، ذلك التواجد الذي كان يحقق قدراً من التوازن الدولي في تلك المنطقة الحساسة من العالم .
3 - السياسة الأمريكية لكبح جماح الصعود الصيني الذي ينذر بزوال حقبة القطب الأوحد، و إعاقة الطموحات الصينية الممثلة في مشروع "الحزام والطريق" إذ يمكن للصين من خلال هذا المشروع، رسم خارطة اقتصادية تجارية جديدة للعالم . 
4 - التوتر القائم بين طهران والرياض، والذي تعمل دولة الكيان الإسرائيلي لتغذيته وإطالة أمده . وكذلك الخلافات العميقة التي نشأت بين تركيا و السعودية بعد حادثة قتل الصحفي،  جمال خاشقجي، في القنصلية السعودية بإسطنبول في أكتوبر ٢٠١٨م، و تستخدم الرياض البحر الأحمر كساحة لتصفية الخصوميات .

تداعيات ومخاطر 
 لا حدود للأطماع ولا أفق لإنتهاء حمى المنافسة والصراع على النفوذ في البحر الأحمر و باب المندب، واستمرار هذا الوضع سيكون له تداعيات سلبية على الصعيد المحلي أو القطري، والإقليمي والدولي، قد تتجسد واقعاً على النحو التالي :
١ - معظم دول البحر الأحمر والقرن الأفريقي ذات أنظمة هشة وهي عرضة للتفكك والتمزق على غرار ما حدث للصومال، أو السودان في أحسن الأحوال، ومن الواضح أن القوى الغربية المهيمنة تعمل لإضعاف السلطات في الدول المشاطئة، ولاتسمح بقيام أنظمة وطنية تراعي حقوق و مصالح شعوبها في منطقة البحر الأحمر . ولذلك ترك الصومال دون سلطة فعلية منذ ثلاثة عقود . وفي اليمن، لا تبذل القوى الدولية المهيمنة أي جهود لوقف الحرب والتوصل لتسوية سياسية بعد أكثر من خمس سنوات من الحرب .
٢ - استمرار حالة عدم الإستقرار والإضطرابات السياسية في عدد من بلدان حوض البحر الأحمر والقرن الأفريقي، سيفاقم نسبة الفقر و يدفع نحو موجات من النزوح والهجرة، ويخلق بيئة خصبة للإرهاب . بما لذلك من تداعيات على أمن واقتصاد بلدان المنطقة والعالم . 
٣ - حمى التنافس بين الدول الإقليمية، يجعلها تنفق معظم ثرواتها في مجال التسليح، وعلى سبيل المثال، تأتي الموازنة العسكرية السعودية في المرتبة الثالثة عالمياً، بعد الولايات المتحدة والصين .سباق الأسلحة في المنطقة لن يقف عند الأسلحة التقليدية، إذ لم يعد السعي لاقتناء أسلحة الدمار بالنسبة لبعض الأنظمة مهمة تنفذ طي الكتمان، بل تهديداً يجري التلويح به قبل الأوان . 
كما لن يقتصر مجال الصراع في نطاق الدول المشاطئة البحر الأحمر وباب المندب، و قد يمتد إلى دول بحار ومضائق أخرى، وسيعمل على تغذية الصراعات والحروب التي تدور في عدد من دول الإقليم وإطالة أمدها، وما يدور على الأراضي الليبية قد يتكرر في منطقة أخرى، إذ لا تكاد تخلو دولة من بؤرة قابلة للإشتعال .

الخاسر الأكبر  والرابح الأكبر 
الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر وباب المندب كانت سبباً رئيسياً في استعمار الدول المشاطئة لقرون، وعلى الرغم من مضي عقود على استقلال هذه الدول، إلا أنها لا تزال تعيش حالة عدم الإستقرار، وشعوبها تعاني التخلف والفقر والبطالة، وهم الخاسر الأكبر في هذه المواجهات .
 نعم، رحل المستعمرون عن تراب أوطانهم، لكن أطماعهم ظلت تسبح فوق مياهها، بينما تغرق حقوق الدول المشاطئة وأحلام شعوبها في أعماق البحر .
وما من شك، في تحقيق دولة الكيان الصهيوني لمكاسب سياسية و أمنية و عسكرية كبيرة في البحر الأحمر و باب المندب . الأمر أشبه بمقامر محتال يلعب مع مجموعة من الأغبياء الأثرياء فيستحوذ على أموالهم بالغش والإحتيال .هذا ما حدث. بدأت دولة الكيان بسبعة كيلومترات سرقتها من "أم الرشراش العربية المصرية " عام 1949م، ثم امتد نفوذها حتى باب المندب .
اللعبة مستمرة والأغبياء الجدد يتدافعون لمواصلة اللعب مع المحتال والمقامرة بما تبقى من الشواطئ والجزر العربية، والأمثلة واضحة في الخرطوم و عدن(37)

 

المراجـــــــــــــــــع والهوامش : 

[ 1 ]. تشومسكي، نعوم، قراصنة وأباطرة، ترجمة دار حوران سوريا، الطبعة الأولى 1996م، ص : 5
[ 2 ]. باب المندب، المعرفة،متوفر على الرابط :  https://www.marefa.org/%D9%85%D8%B6%D9%8A%D9%82_%D8%A8%D8%A7%D8%A8_%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%AF%D8%A8 
[ 3 ].  يطلق عليها في المصادر الأجنبية إسم " بريم Brim" .
[ 4 ]. رستم، جمال عبد الرحمن، التنافس الإقليمي والدولي في البحـر الأحمـر وأثره على أمن الدول المتشاطئة.
[ 5 ]. رستم، جمال عبدالرحمن، مصدر سابق.
[ 6 ]. بشير، عمر، مستقبل اليمن بين التهديدات الداخلية والخارجية واستقرار البحرالأحمر، رسالة ماجستير، جامعة الأزهر فرع غزة . مارس 2010م.
[ 7 ]. المصدر السابق .
[ 8 ]. المصدر السابق .
[ 9 ]. https://www.marefa.org/%D8%AA%D9روجع في يونيو 2020
[10]. https://www.aljazeera.net/encyclopedia/citiesandregions/2017/7/13/قناة الجزيرة، روجع في 1يونيو 2020 
[ 11 ].  الموعد، حمد سعيد، أمن الممرات المائية 
[ 12 ].  الكاتب .
[ 13 ].  الكاتب .
[ 14 ].  في اشارة إلى إغلاق المصريين لمضائق تيران أمام الملاحة الإسرائيلية في خليج العقبة .
[ 15 ].  لقمان، حمزة علي، تاريخ الجزر اليمنية.
[ 16 ].  المصدر السابق
[ 17 ].  تأميم قناة السويس، المعرفة، مصدر سابق . 
[ 18 ]. جيفري، ف . جريش، المضيق البحري الحيوي: الصين، باب المندب، المجلة الأسيوية لدراسات الشرق الأوسط .
[ 19 ]. الكاتب . 
[ 20 ]. رستم، جمال عبدالرحمن، التنافس الإقليمي والدولي في البحر الأحمر وأثره على أمن الدول المشاطئة، المركز العربي للبحوث والدراسات، متوفرعلى الرابط :  http://www.acrseg.org/41448  روجع في 27 يونيو 2020 .
[ 21 ]. المصدر السابق . 
[ 22 ]. بيريز، شيمون، الشرق الأوسط الجديد، ص " 90 و91
[ 23 ]. المصدر السابق . 
[ 24 ] إشارة إلى اللقاءات والإتصالات التي تمت بين قيادات في المجلس السوداني، مع مسؤولين إسرائيليين . 
[ 24 ]. عبدالوهاب، شادي، تحالف البحر الأحمر: احتواء التهديدات في نظام إقليمي مضطرب، مركز المستقبل للابحاث والدراسات المتقدمة،16 ديسمبر، 2018
[ 26 ]. إشارة إلى القرارين الذين أصدرهما  مجلس الأمن الدولي و أخضعت البلدين بموجبهما لأحكام الفصل السابع من الميثاق الدولي . الأول يتعلق بالصومال ويحمل رقم1851 عام 2009 . والثاني بشأن اليمن ويحمل رقم 2216عام 2015م .

[ 27 ]. العدوان على اليمن يدخل عامه السادس بخسائر فادحة، تقرير يتضمن تصريحات لوزيرالأعلام اليمن، قناة العالم . روجع في 30 يونيو 2020 https://www.alalamtv.net/news/4819181/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%86-%D9%8A%D8%AF%D8%AE%D9%84%D8%B9%D8%A7%D8%A9
[ 28 ]. صحيفة الثورة اليمنية، شهادة أوربية : انفجار" فج عطان " ناتج عن قنبلة نووية تكتيكة . الخبر على الرابط " روجع في 6 يوليو 2020  http://althawrah.ye/archives/116134
[ 29 ] السعودية تعترف .. إسرئيل تشارك علناً في الحرب على اليمن، تقرير لقناة العالم، نقلاً عن موقع " ليبرتي فايترز " البريطاني، على الرابط :  https://www.alalamtv.net/news/1964989/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B9%D8%AA%% روجع في 30 يونيو 2020
[ 30 ].  ://www.israeltoday.co.il/read/israels-new-secret-friend-in-yemen/
روجع في ٢٧يونيو ٢٠٢٠
[ 31 ]. اشارة إلى عنوان كتاب نعوم تشومسكي " أباطرة وقراصنة " 
[ 32 ] صناعة القرصنة قيمتها ٨٠ مليون دولار وتمتد من مومباسا إلى دبي، القدس العربي، ٢٩ ابريل ٢٠٠٩ 
[ 33 ].  الصومال وأزمة الخليج، تقرير  لـ " مجموعة الأزمات الدولية "، ٦ نوفمبر ٢٠١٩م، متوفر على الرابط : https://www.crisisgroup.org/ar/africa/horn-africa/somalia/260-somalia-and-gulf-crisis
روجع في 29 يونيو 2020م . 
[ 34 ]. . المصدر السابق . 
[ 35 ].  إشارة إلى الصومالية إلهان عمر، التي فازت بعضوية مجلس النواب الأميركي عن الحزب الديمقراطي، وتتعرض باستمرار  لانتقادات عنصرية وسخرية لاذعة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب .
[ 36 ].  مضيق يقع بين ماليزيا وجزيرة سومطرة الأندونيسية .
[ 37 ]. الكاتب . إشارة إلى اللقاءات العلنية والسرية بين قيادات سودانية ويمنية  بمسؤلين إسرائيلين .


قراءة: 1993