فصلنامه مطالعات سیاست خارجی تهران
 

البحث في المسؤولية الدولية للولايات المتحدة فيما يخصّ تعاونها مع‌السعودية في حرب اليمن

مصطفی فضائلي
خبیر في شؤون الدولية

ملخّص:
مَضت حوالي أربع سنوات على الحرب الوحشية و اللاإنسانية في اليمن بين الحكومة المركزية و إحدى الحركات الإسلامية باسم (حركة أنصار الله) أو ما يُسمّون بالحوثيين، لكن، ما من دلائل تشير إلى عودة الهدوء بَعد، و قد راح ضحية هذه الحرب آلاف المدنيين و أُجبِر ملايين آخرين على الفِرار من منازلهم و ما زال الكثير من الشعب اليمني يُعاني الفقر و الجوع.
لقد تشكّل الائتلاف من بعض الدول بقيادة المملكة العربية السعودية بهدف تقديم الحماية و الدّعم للرئيس المُستقيل عبد ربّه منصور هادي، و شنّ الائتلاف حملات عسكرية واسعة على الحوثيين، و اتّهِمت السعودية بانتهاك القوانين الدولية لحقوق الإنسان بسبب تلك الهجمات و قيام الائتلاف بقتل مئات المدنيين عن طريق الحملات الجوية و محاصرة اليمن ممّا أدّى إلى وقوع كارثة إنسانية لم يسبق لها مَثيل.
ورغم أنّ الولايات المتحدة ليست عضواً في الائتلاف السعودي المذكور إلّا أنّها تقوم ببيعه السلاح و تزويد طائراته بالوقود و تقدّم له الدّعم اللوجستي و سائر التدريبات و الاستشارات الأخرى، و لا شكّ في أنّ الدّعم و التعاون الذي تقدّمه الولايات المتحدة يطرح أسئلة جادّة و كثيرة بشأن المسؤولية القانونية المحتمَلة التي تقع على عاتقها وفق القانون الداخلي و القوانين الدولية.
سنتناول في هذه المقالة بالبحث و التحليل دور الولايات المتحدة في اليمن و مسؤوليتها الدولية و لا سيّما فيما يخصّ بيعها للأسلحة.
تتألّف المقالة من قسميْن، يجيب القسم الأول عن السؤال التالي: «هل تتحمل الولايات المتحدة أيّ مسؤولية دولية بسبب إجراءاتها و تعاونها مع الائتلاف السعودي و تقديم الدعم له أم لا؟» أمّا القسم الثاني فيبحث بشكل خاص في مسؤولية الولايات المتحدة إزاء بيعها الأسلحة و العتاد.

 

القسم الأوّل: بحث مسؤولية الحكومة إزاء الدعم الأمريكي للمملكة العربية السعودية
١- إنّ لائحة القوانين الخاصة بالمسؤولية الدولية للحكومات المذكورة في مسوّدة مسؤولية الدولة التي وضعتها لجنة القوانين الدولية، تفتح المجال أمام تحميل الإدارة الأمريكية المسؤولية بسبب مساعداته و تعاونها مع الائتلاف الذي تقوده السعودية، و قد تحقّق وجود المسؤولية عن طريق إثبات نوايا الولايات المتحدة و علمها بأنّ مساعدتها لدول الائتلاف تؤدّي إلى تسهيل ارتكاب عمل دولي مشين.
أ) مسؤولية الولايات المتحدة إزاء القصف السعودي
٢- تنصّ المادة (١٦) من مسوّدة مسؤولية الدولة1 و التي تميّزت بالطابع التقليدي أيضاً على التالي: «إذا قامت دولة بدعم دولة أخرى على ارتكاب جريمة دولية، فإنّ الدولة الأولى تصبح مسؤولة كالدولة الثانية في ارتكاب تلك الجريمة. و إذا:
أ. قامت الدولة الأولى بهذا و هي عالمة بطبيعة الجرم الدولي؛  
ب. إذا قامت الدولة الأولى بذلك الفعل، يُعدّ الفعل جرماً من الناحية الدولية»2.
٣- هناك حالات تشير إلى أنّ المعيار المذكور ينطبق على أفعال الولايات المتحدة، و بالنظر إلى ممارسات السعودية و التعاون الأمريكي فإنّ الشرط الثاني (ب) المذكور أعلاه متحقّق تماماً، فالولايات المتحدة مشاركة في الحملات الهجومية عَبر دعمها للائتلاف السعودي بالعتاد و الاستخبارات و تزويد الطائرات بالوقود لتسهيل العمليات العسكرية للائتلاف. و في الحقيقة فقد أدّى هذا الدّعم إلى تسهيل عمليات القصف، و ليس بالضرورة أن يتمّ تقديم هذا النوع من الدّعم بشكل مباشر وفق المادّة (١٦): «يكفي أن يكون دور الدولة المُعينة فعّالاً»3. و يمكن بحث المعيار الذي يُحدّد أهمية الفعل من خلال: الحجم و العلاقة البعيدة4.5
أشار نيكولاي أوشاكوف عضو (لجنة القانون الدولي ILC) في جلسة اللجنة عام (١٩٧٨م) قائلاً: «ينبغي أن تكون المشاركة مباشرة و فعّالة، مع ذلك لا ينبغي أن‌تكون مباشرة تماماً٬ لأنّه في هذه الحالة سيكون المُعين أحد مُرتكبي الجريمة6 و هذا يتجاوز دور الإعانة. و من ناحية أخرى فقد تكون المشاركة غير مباشرة تماماً فقد لا يكون المُشارك قد شارك أصلاً». و بصرف النظر عن الميزان و المقدار7 فإنّ عملية التجهيز و التزويد بالوقود في الجوّ يمكن اعتبارها بلا شكّ مشاركة واضحة في عملية القصف.
٤- السؤال الأصعب هو: هل ينطبق الشرط الأوّل على تعاون الولايات المتحدة – و هو أنّ الولايات المتحدة كانت تعلم أنّ تلك المساعدة أو المساعدات تُعدّ عملاً شائناً دولياً؟ و كما ورد في نصّ تفسير الـ(ILC): «إذا كانت الدولة المُعينة غير عارفة بالأوضاع و الأحوال أو أنّ تلك المساعدات سيتمّ تسخيرها من قِبل دولة أخرى لعمل شائن فلا مسؤولية دولية تقع على عاتقها»8.
٥- فيما يتعلّق بمسألة العلم التي أشارت إليها المادة أعلاه فلا شكّ في أنّ الولايات المتحدة كانت تعلم بوجود الكثير من الادّعاءات القائلة بانتهاك القانون الإنساني الدولي (IHL) و على هذا فإنّ دعمها للائتلاف بقيادة السعودية كان على علم منها تماماً.

ب) مسؤولية الولايات المتحدة في تسهيل عملية التعذيب
٦. إنّ الإمارات العربية المتحدة – و هي عضو في الائتلاف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية – متّهمة بتعذيب المشتبه بهم (AQAP) في مُعتقل الإرهاب في اليمن. و قد ذكرت وكالة (الأسوشيتدبرس) أنّ المسؤولين في الإدارة الأمريكية شاركوا بصورة مباشرة في التحقيقات في المراكز المذكورة9. فإذا تمّ إثبات عملية التعذيب و التصرّفات الظالمة و غير الإنسانية عندئذ سيتمّ تشكيل جلسة حول ارتكاب (عمل شائن دولياً) بموجب البند «ب» كعنوان لموضوع المعاهدة و القوانين الدولية التقليدية.
٧. فيما يتعلّق بمعيار البند «أ» فإنّه في الوقت الحاضر لا توجد معلومات كافية بخصوص مدى مشاركة القوات الأمريكية في عملية التعذيب المزعومة أو علمها بشأن عملية التعذيب حتى يتمّ إصدار حكم قاطع إزاء ذلك، لكن يوجد ما يكفي من المعلومات لتحقّق المعيار المذكور بالقوة (وليس بالفعل)، و بناءً على ذلك فإنّ التحقيقات تُعتبر ضرورية.

ج) الإجراءات المخفِّفة
٨. بإمكان الولايات المتحدة القيام ببعض الإجراءات المخفِّفة من أجل تقليل خطر المسؤولية المُشار إليه في المادّة (١٦)، و وفقاً للتقارير فقد سعت الولايات المتحدة إلى فعل ذلك على الأقلّ فيما يتعلّق بعمليات القصف. و عندما استأنفت الولايات المتحدة مساعداتها ثانية في حزيران من عام (٢٠١٧م) كان ذلك بعد ضمانات بأنّ السعودية ستأخذ حذرها و احتياطاتها أكثر من السابق و تلتزم ببنود (IHL). (في الحقيقة إنّ قطع الولايات المتحدة الدعم من قَبل ثمّ قرارها فيما بعد باستئنافه لكسب الضمانات يشير إلى أنّها كانت تعلم تماماً بالادّعاءات المعتبرة فيما يخصّ بنقض الائتلاف لبنود الـIHL في الأقلّ حتى ذلك الوقت).
٩. في نيسان عام (٢٠١٨م) شُنّت حملة أخرى على المدنيين في اليمن – و هذه المرّة كان الهدف حفلة عُرس حيث ذُكِر أنّ أكثر من عشرين شخصاً استُشهِدوا و جُرِح العشرات نتيجة القصف10. إضافة إلى ذلك و منذ تجدّد المساعدات الأمريكية وقعت العديد من الهجمات الجوية التي أدّت إلى مقتل و استشهاد المدنيين. إنّ استمرار نموذج مُعيّن من موارد نقض الـ(IHL) - بعد التأكّد – يشير إلى أنّ الولايات المتحدة كانت على علم يقينيّ أو علم قاطع تقريباً بنقض الائتلاف السعوديّ للـ(IHL) في المستقبل، و بالتالي فإنّ الولايات المتحدة مسؤولة وفق المادة (١٦) من (ILC) فيما يتعلّق بالمساعدة و تسهيل ارتكاب العمل الشائن دولياً.

القسم الثاني: بحث المسؤولية الدولية للولايات المتحدة إزاء بيعها الأسلحة إلى السعودية في حربها على اليمن
أ) بحث إجماليّ للوقائع
١٠. غالباً ما يُعتبر بيع السلاح إلى الكثير من الدول عنواناً ثابتاً للسياسة الأمريكية حيث يتمّ دعم ذلك من قِبل نفوذ و ضغوط شركات إنتاج و بيع الأسلحة. و تشير إحصائيات بيع و تصدير الأسلحة الأمريكية في الآونة الأخيرة إلى أنّ المملكة العربية السعودية هي أكبر المستوردين للأسلحة بأنواعها. كما صرّح (معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام Stockholm International Peace Research Institute) في تقريره الخاصّ بالنفقات العسكرية لدول العالم أن ازدياد نسبة شراء الأسلحة في منطقة غرب آسيا خلال السنوات الخمس الماضية يثير القلق بحيث يمكن القول أنّ تلك الزيادة لا مثيل لها منذ فترة الحرب الباردة. و قد ازدادت واردات السلاح في دول غرب آسيا بين الفترة (٢٠١٢-٢٠١٦م) مقارنة بالفترة (٢٠٠٧-٢٠١١م) بنسبة (٨٦٪) و هذه النسبة تعادل (٢٩٪) من كلّ الصادرات العالمية للسلاح خلال السنوات المذكورة. و بناءً على هذا تُعتبر السعودية و قطر من أكبر المستوردين للتجهيزات العسكرية في المنطقة، و قد اشترت السعودية وحدها في عام (٢٠١٥م) سلاحاً بقيمة (9.3) مليار دولار في حملتها على اليمن و تسليح الجماعات الإرهابية في العراق و سوريا، ممّا يشير إلى أنّ هذا الرقم قد ازداد بنسبة (٥٠٪) مقارنة بالسنة الماضية.

ب) بحث المسؤولية الدولية و الجزائية للولايات المتحدة
١١. بشكل عامّ لا يوجد منع لبيع الأسلحة بجميع أنواعه٬ و مع ذلك فإنّ بيع الأسلحة التقليدية و غير الممنوعة ليس دليلاً على عدم المسؤولية الدولية المطلقة بل يمكنه أن يكون سبباً للمسؤولية الدولية الجنائية و غير الجنائية في حال توفر شروط أخرى.
وفي هذه المقالة سيتمّ بحث الموضوع المذكور في قسميْن منفصليْن: بيع الولايات المتحدة للأسلحة الممنوعة، و بيعها الأسلحة التقليدية و غير الممنوعة أيضاً.

١) بَيع الأسلحة الممنوعة
١٢. في أيلول من عام (٢٠١٦م) نشرت صحيفة (واشنطن بوست) تقريراً جاء فيه: «تقوم المملكة العربية السعودية باستخدام قنابل الفوسفور الأبيض في اليمن من صنع الولايات المتحدة. و وفقاً لقوانين الولايات المتحدة فإنّ استخدام الفوسفور الأبيض يقتصر على إعطاء الإشارة للجنود و تقليص مدى الرؤية في المجالات المفتوحة. و لكن ليس واضحاً بعد كيف استخدمت السعودية القنابل المذكورة٬ لكنّ حكومة السعودية تواجه باستمرار الكثير من الانتقادات و الإدانات بسبب قصفها للمناطق المدنية في اليمن منذ بدء حملات الائتلاف في (٢٠١٥م)». و أضافت الصحيفة المذكورة: إنّ الولايات المتحدة كانت قد زوّدت السعودية في الماضي بقنابل الفوسفور الأبيض، لكنّ السلطات السعودية تحجم عن ذكر كيفية انتقال تلك القنابل و متى تمّ ذلك11. و أعلن الخبراء العسكريون أنّ: «الأسلحة التي استخدمتها المقاتلات السعودية في الحملة على منطقة (فج عطان) في العاصمة اليمنية صنعاء كانت أمريكية الصّنع و كانت تحتوي على مادّة (اليورانيوم المنضب Depleted Uranium) و قد قُتِل خلال تلك الحملات غير التقليدية (٨٤) يمنياً و خلّفت (٧٨٦) جريحاً». و في أحد التقارير طالبت منظمة الأمم المتحدة بريطانيا و الولايات المتحدة بالامتناع عن بيع الأسلحة الفوسفورية و العنقودية الممنوعة إلى المملكة العربية السعودية بسبب استخدام الأخيرة تلك الأسلحة في المدن و ضدّ المدنيين12.
١٣. إنّ بيع القنابل العنقودية و الفوسفورية للمملكة العربية السعودية و الكيان الصهيوني و استخدام تلك الأسلحة ضدّ المدنيين و حتى العسكريين يعني المشاركة في ارتكاب الجرائم الدولية، و غالباً ما يكون جزاء المشاركة و الإعانة مساوياً لارتكاب الجرم نفسه وفق وثائق المحكمة الجنائية الدولية. لكن، لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار بأنّ اليمن و الولايات المتحدة غير موقّعين على معاهدة (روما) و عليه، فالمحكمة المذكورة لا تمتلك صلاحية البتّ أو التحقيق في هذا الموضوع. و في الكثير من الحالات يتمّ تصدير و نقل الأسلحة إلى الدول بشكل مباشر و يُشرع في استخدامها، و مهما يكن من أمر فإنّ هذا النوع من الأسلحة يفرض مسؤولية دولية حتى و إن استُخدمت ضدّ العسكريين في ساحات المعركة.
١٤. و بالاستناد إلى (اتفاقية القنابل العنقودية the Convention on Cluster Munitions) فإنّه يحظر استخدام مثل هذه الأسلحة، و أصبحت الاتفاقية المذكورة نافذة و مُلزِمة في الأوّل من آب عام (٢٠١٠م) و انضمّت إليها (١١٨) دولة في أكتوبر من عام (٢٠١٥م) على حين لم توقّع السعودية و الولايات المتحدة بَعد على تلك الاتفاقية. و بالنظر إلى جوهر مثل هذه القنابل و الدول الكثيرة التي وقّعت على الاتفاقية فإنّه يمكن اعتبار القواعد المذكورة في الاتفاقية أعلاه نفس القواعد التقليدية الدولية و أنّها مُلزمة حتى بالنسبة إلى الدول غير الموقّعة على الاتفاقية و أنّ عدم تطبيقها يفرض المسؤولية الدولية.
١٥. لا شكّ في أنّ استخدام الأسلحة الفوسفورية ليس ممنوعاً بشكل مطلق، إذ إنّه يجوز استخدام مثل هذه الأسلحة كوقود أو أرسال علامات دخانية في المناطق المفتوحة، إلّا أنّه لا ريب في أنّ استخدامها ضدّ المدنيين و المناطق السكنية ممنوع تماماً، و استخدامها في زمن الحرب يُعدّ جريمة حرب و في غير زمن الحرب يُعتبر جريمة ضد الإنسانية.
١٦. بالنظر إلى منع استخدام هذا النوع من الأسلحة فلا شكّ في أنّ بيعها و استخدامها لأغراض إجرامية يفرض على الولايات المتحدة مسؤولية دولية كذلك.

٢) بيع الأسلحة التقليدية و غير الممنوعة
١٧. «وقّع الرئيس الأمريكي ترامب مع المسؤولين في السعودية عقداً لبيع معدّات عسكرية بقيمة (١٠٠) مليار دولار»13، في الوقت الذي كانت فيه السعودية قد تورّطت في بعض الحروب الإقليمية معنوياً و مادياً٬ مباشرة أم بشكل غير مباشر. و قد ارتكبت السعودية الكثير من جرائم الحرب في اليمن و مع ذلك فإنّها لم تحقّق أهدافها في أيّ من الحروب المباشرة أو بالوكالة بل فشلت و اندحرت. و من الوثائق الأخرى المتعلّقة بجرائم السعودية في اليمن و التي حصلت عليها (رويترز) وفق قانون حرية الحصول على المعلومات، وثيقة تتعلّق بالفترة ما بين مايو/أيار (٢٠١٥م) حتى فبراير/شباط عام (٢٠١٦م)، و هي الفترة التي وافقت خلالها وزارة الخارجية الأمريكية على بيع معدات و وسائل عسكرية جديدة إلى السعودية لاستخدامها في حربها على اليمن.

١٨. تسعى منظمة الأمم المتحدة إلى استتباب الأمن و السلام الدولييْن14 بأقلّ نسبة لتسليح المصادر الاقتصادية و البشرية العالمية و ذلك وفق البنود المتعددة للمنشور، منها المادّة (٢٦). و صرّحت المنظمة الدولية في مقدمة (معاهدة تجارة الأسلحة The Arms Trade Treaty) بأنّ هدفها الرئيس هو السلام و الأمن و التنمية و حقوق الإنسان و أنّ حقّ الشعوب في إنفاذ سيادتها مرهون بتطبيق تلك البنود. فالهدف الأصلي من هذه المعاهدة هو بيان المعايير الدولية التقليدية بخصوص تجارة السلاح المُتعارَف كالدبابات و الطائرات الحربية و المروحيّات و الصواريخ و الأسلحة الخفيفة.
١٩. على الرغم من أنّ حقّ الدفاع المشروع وفق المادة (١٥) من الميثاق هو حقّ ذاتي لجميع الدّول و كذلك حقّ بيع و شراء الأسلحة المنبثق عنها، لكن لا ينبغي لهذا الحقّ أن يكون سبباً لارتكاب الجرائم الدولية أو إعانة الآخرين على ارتكابها.
٢٠. يُحدّد البند الثالث من المادة الخامسة من (معاهدة تجارة الأسلحة) التعريفات الوطنية بتعريفات منظمة الأمم المتحدة للأسلحة التقليدية، أمّا البندان الأول و الثاني من المادّة السادسة ينصّ على أنّ المنع الذي يشمل تجارة الأسلحة لا يجب أن يكون خلافاً للالتزامات المُلقاة على البلد وفقاً للفصل السابع الصادر عن مجلس الأمن أو المعاهدات الدولية. تشير أهمّ نقطة في البند الثالث في المادة المذكورة إلى أنّه «لا يجوز للدول الأعضاء المتاجرة بالسلاح التقليدي إذا كانت تعلم أنّه سوف يستخدم لارتكاب جرائم ضدّ البشرية أو التطهير العرقي أو نقض معاهدات (جنيف ١٩٤٩م) بشكل كبير أو الهجوم المباشر على أهداف مدنية غير عسكرية مشمولة بالحماية أو الجرائم الحربية الأخرى».
٢١. ثمّة قاعدة أخرى كفيلة بإلقاء المسؤولية الدولية على الولايات المتحدة إزاء بيع مثل تلك الأسلحة و إثبات سوء نيّتها و العنصر المعنوي للجرائم المرتكبة. و لإثبات المسؤولية الجنائية أعلاه يُشار إلى أنّه لا بدّ للطرف أن يكون عارفاً بالجرائم التي هي أدنى من ذلك أو كان ينبغي له أن يعرفها، و رغم أنّ هذه القاعدة تخصّ مسؤولية القادة إلّا أنّ ذلك يمكنه أن يكون أساساً لمعاقبة الدول كذلك. و بالنظر إلى الجرائم الدولية التي ترتكبها الدول التي تشتري السلاح من الولايات المتحدة فإنّه ليس باستطاعة الأخيرة أن تبرّئ نفسها من المسؤولية بسبب بيعها مثل هذا النوع من السلاح و لاسيّما الأسلحة الممنوعة. يُضاف إلى ذلك فإنّ الكثير من مبيعات السلاح الأمريكية تكون متزامنة عادة مع ارتكاب المشترين الجرائم الدولية بذلك السلاح و من أمثلة ذلك حملات الكيان الصهيوني على غزّة و هجمات السعودية على اليمن.

خلاصة البحث
من الصعب القبول في ظلّ الوضع الراهن بوجود حالة الإكراه على العمل بالنسبة لنقض الولايات المتحدة المحتمَل للقوانين الدولية. و بالنظر إلى النقاش المطروح و على الرغم من نقض الولايات المتحدة للكثير من القوانين الدولية و منها المادّة ٢ (٤) من ميثاق منظمة الأمم المتحدة و المادة (١٦) من مسوّدة مسؤولية الدّول (ILC) و المادة المشتركة (١) من معاهدة (جنيف ١٩٤٩)، فإنّ تطبيق تلك القوانين يواجه تحدياً جادّاً. فاليمن لم يوقّع على اتفاقية روما و لهذا فإنّ دعم الولايات المتحدة للإجراءات السعودية التي تنقض المادة (٢) البند (٤) و الذي يحمّلها جريمة محتمَلة، ذلك الدّعم يُعدّ خارج صلاحيات المحكمة الجنائية الدولية. يُضاف إلى ذلك فإنّ العضوية الدائمة للولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي و امتلاكها حقّ النّقض (الفيتو) يجعل من جهود سائر الدول الأخرى في تطبيق و فرض القوانين و العقوبات الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة و منها فرض الحصار غير ممكن.
وممّا يؤسَف له أنّه على الرغم من ادّعاء الولايات المتحدة ريادتها  في وضع القواعد الدولية و القانون الدولي الإنساني إلّا أنّ تصرّفاتها و لا سيّما في اليمن مخالفة لادّعاءاتها، فما يحصل في اليمن كفيل بنسف النظام الحقوقي الدولي. لكن مع النّقض الصارخ للكثير من القواعد الأساسية و هو ما يحصل في اليمن في الوقت الحاضر فإنّ ذلك يشير إلى خطر زوال كلّ المعايير الدولية، فإذا كان الخروج على القوانين يُواجَه بعواقب بسيطة أو غير متناسبة فإنّ تلك القوانين ستفقد بلا شكّ تأثيرها و فاعليّتها مع مرور الوقت.

 

 

(الحاشية)
1- Application of Convention on Prevention and Punishment of Crime of Genocide (Bosn. and Herz. v. Serb. and Montenegro), Judgment, 2007 I.C.J. Rep. 43, ¶ 420 (Feb. 26); Ryan Goodman & Miles Jackson, State Responsibility for Assistance to Foreign Forces (aka How to Assess US-UK Support for Saudi Ops in Yemeni), JUST SECURITY (Aug. 31, 2016 8:45 AM), https://www.justsecurity.org/32628/state-responsibility-assistance-foreign-forces-a-k-a-assess-usuk-support-saudi-military-ops-yemen [https://perma.cc/MSB5-Z5YF].
2- Rep. of the International Law Commission on the Work of Its Fifty-Third Session, 2 Y.B. Int’l L. Comm’n 26–30, art. 16, U.N. Doc. A/56/10 (2001) [hereinafter Draft Articles].
3- Draft Articles, supra note 298, at art. 16 cmt. 5.
4-  scale and remoteness
5- Harriet Moynihan, State Complicity in Other States’ Bad Acts—and How to Avoid It, JUST SECURITY (Nov. 14, 2016), https://www.justsecurity.org/34379/state-complicity-states-bad-actsand-avoid-2 [https://perma.cc/RL74-KSH7].
6- CRAWFORD, supra note 304, at 402 (citing ILC Ybk 1978/I, 239
7- While the ILC Commentary also contemplates the inclusion of contributions that are less than “significant,” this Article agrees with Ryan Goodman and Miles Jackson that a more lenient threshold has not yet reached the status of customary international law. See Goodman & Jackson, supra note 297.
8- Draft Articles, supra note 298, at art. 16 cmt. 4.
9- Maggie Michael, In Yemen’s Secret Prisons, UAE Tortures and US Interrogates, ASSOCIATED PRESS (June 22, 2017), https://www.apnews.com/4925f7f0fa654853bd6f2f57174179fe [https://perma.cc/M5NL-7V8B].
10-  Shuaib Almosawa, Wedding Is Hit by Airstrike in Yemen, Killing More Than 20, N.Y. TIMES (Apr. 23, 2018), https://www.nytimes.com/2018/04/23/world/middleeast/yemen-weddingbombing.html [https://perma.cc/VFA5-N6W6].
11--https://www.washingtonpost.com/news/checkpoint/wp/2016/09/19/saudi-arabia-appears-to-be-using-u-s-supplied-white-phosphorus-in-its-war-in-yemen/
12- http://iuvmonline.com/fa/8957
13- دویچه و له فارسی، ۲۰/۰۵/۲۰۱۷ (http://www.dw.com)
14- the establishment and maintenance of international peace and security

 

 


المصادر:
الفارسية...
 فضائلي، مصطفی، مداخله‌ی نظامی در یمن از منظر حقوق بین‌الملل، مجلة (حقوق عمومي) الفصلية، السنة (٤٦)، العدد (١) ربيع عام ٢٠١٦م، ٤١-٧٠.
الإنجليزية...
1-Oona A. Hathaway, Aaron Haviland,Srinath Reddy Kethireddy, Alyssa T. Yamamoto Yemen: Is the U.S. Breaking the Law?Harvard National Security Journal ,2019, Vol. 10
  2-Shuaib Almosawa, Wedding Is Hit by Airstrike in Yemen, Killing More Than 20, N.Y. TIMES (Apr. 23, 2018)
3-Maggie Michael, In Yemen’s Secret Prisons, UAE Tortures and US Interrogates, ASSOCIATED PRESS (June 22, 2017)
4-Application of Convention on Prevention and Punishment of Crime of Genocide (Bosn. and Herz. v. Serb. and Montenegro),
5-Judgment, 2007 I.C.J. Rep. 43, ¶ 420 (Feb. 26); Ryan Goodman & Miles Jackson, State Responsibility for Assistance to Foreign Forces (aka How to Assess US-UK Support for Saudi Ops in Yemeni)
6-Harriet Moynihan, State Complicity in Other States’ Bad Acts—and How to Avoid It, JUST SECURITY (Nov. 14, 2016)
7-Common Article 1 and State Responsibility for Non-State Actors, 95 TEX. L. REV. 539, 572 & n.135 (2017).
Geneva Convention for the Amelioration of the Condition of the Wounded and Sick in Armed Forces in the Field art. 1, Aug. 12, 1949, 6 U.S.T. 3114, 75 U.N.T.S. 


قراءة: 579