مقابلة خاصة مع الدكتورإبراهيم الجعفري (الجزء الأول)
محمدمهدي شريعتمدار
مساعد رئيس التحرير
        الدكتور إبراهيم عبد الكريم حمزة الأشيقر الجعفري ولد في كربلاء المقدسة  عام١٩٤٧ و التحق بحزب الدعوة الإسلامية و هو دون العشرين و تخرج من كلية الطب بجامعة الموصل.
        هاجر إلى سوريا عام ١٩٨٠ وانتخب عام ١٩٨١ عضواً في مجلس القيادة للحزب و عمل في المكتب السياسي و انتخب عام ١٩٩٦ ناطقاً رسميّاً للحزب، ثم هاجر إلى إيران و شارك في تأسيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق و مثل الحزب فيه منذ تأسيسه و كان رئيس المكتب التنفيذي للمجلس. و بعد ذالک هاجر من إيران إلى لندن عام ١٩٩٠، وشارك في تشكيل وقيادة لجنة العمل المشترك للمعارضة العراقيةعام 1991، وفي المؤتمرات السياسية العراقية كمؤتمر بيروت، وفي تشكيل وقيادة المؤتمر الوطني العراقي الموحد عام 1992، ودعا إلى تشكيل ائتلاف القوى الوطنية العراقية عام 2002 الذي انضمت إليه 17 من القوى السياسية إلى جانب 33 شخصية سياسية عراقية. 
        عاد إلى العراق بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003، و شغل منصب أول رئيس لمجلس الحكم في آب 2003، و منصب نائب رئيس الجمهورية عام 2004م، ومنصب رئيس الوزراء عام 2005، و منصب وزير الخارجية عام 2014و انتخب عضواً في البرلمان العراقي لدورتين انتخابيتين (2006-2010) و (2010-2014) و أسس تيار الإصلاح الوطني في 2005، وشغل رئاسة التحالف الوطني العراقي.  
      یعتبر الدکتور جعفري من رواد العلم و المعرفة و له عدة بحوث ومؤلفات و له آراء معمق فی القضایا السیاسیة و الدولیة، قد یری بأن الإنسان هو الحجر الأساس في بناء الصرح السياسي و یصرح بأنه ما دامت البلدان الإسلامية قد توافرت على الثروات المتعددة كالنفط والزراعة والماء والموقع الستراتيجي إضافة إلى الثروة المعنوية والفكرية، ستبقى بمرمى سهام الأعداء ولن يقرّ لها قرار، إلا أن توفر لنفسها قوة الدفاع لحماية السيادة والأمن والممتلكات.
 کما یؤکد بأن هذا العصر هو عصر انتصار الحق وأن يقظة الأمم التي بدأت لنتتراجع ولا تتوقف وإن لواء العدالة سينشر ظلّه على كل ربوع العالم.
 یری الدکتور جعفري بأن الاضطرابات الحالية في العراق ترتبط بشكل مباشر بما تخطط له أميركا والكيان الصهيوني ومما يؤسف له أن موقف التيارات الإسلامية الشيعية في غفلة عمّا يجري على الأرض وبالأعم  الأغلب أنها مستغرقة في خلافاتها الجزئية على حساب الأمور الأساسية والمصيرية في العراق.
 وعندما یتحدث عن دور قائد الثورة الاسلامیة في ایران [الإمام الخامنئي] في جمع وحدة المسلمين، یؤکد بأنّ اهتماماته في جمع وحدة المسلمين والابتعاد عن كلّ ما يفرّقهم تجسّد من خلال خطبه وما عُقدت من مؤتمرات للوحدة الإسلامية لتشهد حضوراً متميّزاً لعلماء المسلمين من شتى الطوائف وما انعكس على مجتمعاتهم من ترويج أدب الوحدة والترفّع على الخلافات المذهبية ومع توالي المؤتمرات اتسعت قاعدةُ الوحدة الإسلامية.
 فصلية طهران لدراسات السياسة الخارجية أجرت مقابلة خاصة معه حیث أرسلت الأسئلة خطية بسبب الكورونا ، وأجابها معالیه كتابةمشکوراً. وستنشر الفصلية الحوار في قسمین في هذا العدد و العدد القادم إن شاء الله.
فصلیة طهران: بداية و بعد الشكر لكم؛ جمعت أنت  في سيرتك بين العلم و الفقه و كنت من رواد الحركة الإسلامية و رجالات الدولة بعد السقوط. كسياسي مخضرم كيف ترى مستقبل الكفاح من أجل الاستقلال و بناء القوة  في منطقتنا لاسيما و أننا على أعتاب الذكرى السنوية لانتصار الثورة الإسلامية  في إيران و التي فتحت صفحة جديدة  في هذا الطريق؟
د. إبراهيم الجعفري: ابتداءً لا بد من التمييز بين "فن الثورة" و"فن الانتفاضة" من جهة وبين "مفهوم الثورة" و"مفهوم الدولة" من الجهة الأخرى كما لا بد أن نميز بين "مدى الثورة" و"مدى الدولة" فالانتفاضة تكون محدودة الأفق  في سعتها الجماهرية و في أهدافها و في آلياتها التنفيذية و في مدياتها الزمنية وحتى في هويتها الإسلامية وطبيعة رموزها المتصدية
عادة ما تكون الانتفاضة محددة الهدف كمعالجة نقص رواتب العمال أو ساعات عملهم ومحدودة الزمن اذ ينتهي أمدها بتنفيذ أهدافها التي انطلقت من أجلها وما أن يلمس المعنيون بها بأنّ أهدافهم قد تحققت إلا وتتوقف حركتها ولَم يعد ما يبرر تواصلها فضلاً عن عدم امتدادها لشرائح اجتماعية أخرى أوسع انتشاراً وأعمق جذوراً  في المجتمع.. 
تاريخ الانتفاضات في العالم يزخر عادةً بالشواهد عليها والتي حصلت وانتهت مع تحقيق أهدافها..  
فحرب الطحين في أسپانيا وحرب الخبز  في فنزويلا وباقي الحروب ذات الأهداف المحددة التي تتحرك  في أطر لاتتجاوز تلك الأهداف وسرعان ما تنتهي بانتهاء أهدافها تلك..  
وبعد فإن الثورة ذات قاعدة جماهيرية تتسع لكل أبناء الشعب و إنها تستهدف تغيير النظام السياسي القائم بنظام بديل يختلف اختلافاً جوهرياً  في قيمه وفي أهدافه وآلياته وقد تميّزت الثورات الكبرى بالتاريخ عن غيرها من الثورات وهي البريطانية و الأميركية و الفرنسية و الروسية والصينية و إذا ما تحرّينا الدقة  في تعريف الثورة فستجد إنها تتجلى  في أنصع صورها بالثورة الإسلامية  في إيران من حيث سعة المشاركة الجماهيرية ومن حيث الأهداف وطبيعة القيادة المتصدية والتفاف الجماهير حول القيادة.. 
وقد أشارت  مادلين أولبرايت وهي أول إمرأة تتسلم منصب وزير الخارجية  في الولايات المتحدة الأمريكية بعد أنسماها الرئيس بيل كلينتون  في 5 ديسمبر 1996 لهذا المنصب لتكون وزيرة خارجية فترته الرئاسية الثانية، وتسلمت المنصب  في 23 يناير 1997 لتصبح وزيرة الخارجية الأولى كإمرأة
وقد أشارت بكتابها الموسوم الجبروت والجبار إنها  في بداية الحراك الثو ري في إيران ظنّوا أنها مجرّد تحرك آني محدود ثمّ اتضح لهم بأنها ثورة اجتماعية ذات قاعدة عريضة وهي  في عداد الثورات التاريخية التي حصلت  في العالم كالثورة الفرنسية.. 
فهي أي الثورة مضافاً لما حملت من سمات الثورات العالمية الكبرى فقد تميّزت بأنها شملت أوسع القطاعات الاجتماعية من حيث الحجم السكاني  وتحلّت بأروع الصور الإنسانية  في السلوك وكيف حملت الجماهير باقات الزهور وتوجهها إلى الجنود الذين اعتلوا الدبابات لمواجهة المتظاهرين وأكثر من ذلك فقد استلمت توجيهاً من القيادة بتجنب الصخب عند المرور إلى جانب المستشفيات!! 
ومن آفات الثورات العالمية التي نخرتها من داخلها هو انكفاؤها على ذاتها وما أصابها من تراجع عن أهدافها الستراتيجية! فأمريكا ثارت ضد الاحتلال  البريطاني لكنها تجردت عن تلك القيم و قل مثل ذلك بحق فرنسا! وهو ما يشير إلى أن الثورة قد تأكل أبناءها من جانب و قد تنقلب على مبادئها وقيمها من جانب أخر!! 
كان من الخطأ تحديد مدى انتهاء الثورة أيّ ثورة!! لأن ذلك سيكون على حساب مبادئها وجماهيرها والناظر بدقة لدول الثورات الكبرى الخمس يجدها لا تمثّل شعوبها فيما يحملون من طموحات وما يعانون من عذابات أما الثورة الإسلامية الإيرانية الكبرى فقد كانت كما عُبّر عنها إنها زلزالّ  في المنطقة بما فتحت من عيون شعبها وعموم الناظرين من دول العالم ومنذ انطلاقتها و إلى الآن وضعت هدف الاستقلال الذي لخّصه شعار "لا شرقية لا غربية" كما إنها وضعت نصب أعينها هموم الفقراء وعملت كلّما أمكنها على تحسين ظروفهم المعيشية وفتح أفاق الفرص أمامها حتى يشتركوا ببناء النظام الجديد.. 
وإذا كان الكيان الصهيوني قد احتل المرتبة المتقدمة  في اهتمام الشاه فإن خطوات الثورة ومنذ اليوم الأول بغلق السفارة الإسرائيلية وقد تمّ رفع العلم الفلسطيني بدلاً عنها ليشعر العالم أنّ الثورة جادّةٌ  في تطبيق مبادئها وماضيةٌ  في الطريق المرسوم لها وبذلك قطعت الطريق بجديّة أمام التدخلات الأجنبية من الشرق والغرب.. 
كما تقدّمت الطبقة الفقيرة! التي كانت مضطهدةً  في زمن الشاه! إلى الخطوط الأمامية كما تقدّمت المرأة بشكل لافت لتطوي مسافة العزلة التي مُنيت بها أبّان حكم الشاه المقبور.. 
وكان من الطبيعي والمتوقع أن يثير ذلك التحوّل الجذري والشامل مخاوف أعداءها  في الداخل والخارج 
فصلیة طهران: نرجو منكم بيان الوضع السياسي و الأمني الجاري في العراق و التحديات الفعلية لتحقيق الاستقرار و الديمقراطية و عودة العراق إلى مكانته الإقليمية الطبيعية. 
د.إبراهيم الجعفري: الوضع السياسي  في العراق يتصف بأنه قلق وغير مستقر ذلك لافتقاره للقاعدة الجماهيرية التي تؤمن به وتناضل من أجل الحفاظ عليه وكذلك غياب الثقافة الوطنية التي تشد أبناء الشعب مع بعضهم من جانب وتربطهم مع البنى الفوقية للسلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية من الجانب الآخر كما أن عدم قطع دابر التدخلات الأجنبية المختلفة التي نفذت في أجهزة الدولة بل تحكّمت  في إرادة كثير من القوى والأحزاب والأفراد واستفرغتها من مهامها الوطنية بل و قدعملت على إشعال نيران الفتن الطائفية والعنصرية لإشغاله عن بناء الدولة وما آل اليه من عدم الاستقرار!! 
ورغم كل المحاولات الجادة التي بذلت  في فتح العلاقات على الصعيد الإقليمي والدولي و ماانعكس ذلك على مكانة العراق  في دول العالم  وفي المنظمات الدولية و الذي جعلته يحظى باحتلال سبعة عشر موقعاً أمميّاً بالأمم المتحدة 
بما فيها موقع نائب أمين العام فيها وهو ما لم يتسنى له الحصول عليه لا  في مرحلة عصبة الأمم و لا  في هيئة الأمم المتحدة.. 
الديمقراطية والاستقرار كلّي لا يتجزّأ بين الداخل والخارج مما جعل مسؤولية إقامتها تقع على عاتق العراقييّن ابتداءً لكنها أي المسؤولية تمتد إلى الخارج العراقي كذلك وهو ما يؤكد أهمية بناء أقوى العلاقات مع دول الجوار الجغرافي خصوصاً وأن ما يربط العراق بها الكثير من المصالح المشتركة كالثروة المائية والنفطية و السياحية و الثروة المعنوية بوجود العتبات المقدسة والتجارة والتصاهر الاجتماعي والتداخل القبلي  في المناطق الحدودية..
ما دامت الديمقراطية قائمة على احترام حقوق الإنسان بل على نظرة المساواة بين الناس فإن المأمول والحالة هذه أن تغيب تلك الظواهر الشاذة من عالم الشعوب التي حكمتها أنظمةٌ ديمقراطيةٌ على اختلاف أنواعها.. 
الإنسان هو الإنسان وهو الحجر الأساس في بناء الصرح السياسي للدولة والمؤثر  في مجمل مجريات أموره بالداخل والخارج.. 
يبقى العراق محطّ أنظار العالم عموماً والإسلامي خاصة بتجسيد وحدته رغم تعدد مكوناته بفضل ما يتمتع به من تاريخ حضاري عريق موغل  في القدم وثقافة متميزة تؤهّله للتعامل مع الآخر دينيّاً ومذهبيّاً و قوميّاً و جغرافيّاً و عشائرياً وهي سمةٌ تكشف عن جذوره الحضارية الضاربة بالعمق.. 
أما عن عودة العراق لمكانته الطبيعية فهي مرهونة بانفتاحه على هذه الدول و احترام سيادتها واعتماد سياسة تبادل المصالح والتعاون معها  في تجنب كل المخاطر المحفوفة بها مع الأخذ بنظر الاعتبار مصادر الثروة المتعددة التي حباها الله فهو ملتقى الثروات المائية منها والنفطية والزراعية والثقافية والعتبات المقدسة وملتقى النهرين والموقع الستراتيجي والتعدد السكاني هذه المميزات من شأنها أن تضفي عليه قوّة بنّاءة لإقامة أحسن العلاقات مع دول العالم عامة و دول الجوار الجغرافي على وجه الخصوص.. 
مثل هذه الأهداف وغيرها تتطلب نظرية حكم لإدارة البلد ورجال حكم بمستوى المسؤولية ومشاركة جماهيرية واسعة سعة التنوعات الديموغرافية التي التي تتشكل منها.. 
ولما كانت دول الجوار الجغرافي العراقي متعددة الهوية كان لابد من التعاطي معها بنظرية عمل سياسية تقيم معها أحسن العلاقات دون تدخّلٍ  في الشؤون الخاصة فإيران نظام جمهوري إسلامي وتركيا نظام ليبرالي إسلامي و سوريا نظام قومي عربي و الكويت نظام أميري و السعودية نظام ملكي عشائري وراثي والأردن نظام ملكي هو الآخر و بمثل هذا الوسط المتنوع بالهويات لابد أن يقيم العراق علاقاته وفق نظرية سياسية تتعاطى معها وتمنع أي تدخلات من شأنها استفراغ إرادته السياسية خصوصاً  و أن تداخل إرادات الدول الأجنبية ذات المصالح الستراتيجية الكبرى مع الدول الإقليمية  في المنطقة قد ساهم بتعقيد المشهد السياسي  وترك أثاراً خطرة على مسيرة العراق و حاول تشتيت جهوده  في البناء و الإصلاح!! وقد طرح الشعار المزيّف الذي يتهم العراق بالطائفية والارتهان لارادة إقليمية على هذا الأساس!!
فصلیة طهران: كيف تقيمون علاقات الأحزاب و القوى و أصحاب القوة و النفوذ  في العراق، و ما هو تأثيرها على العلاقات الخارجية و الدولية للبلاد؟
د.إبراهيم الجعفري: العمل الحزبي صيغة متطورة من العمل تجتذب أعضاءها من خلفيات متعددة و تعمل على صهرهم  في بوتقةٍ واحدة لأجل خدمة الأهداف وتحقيق المصالح المشتركة والعمل الحزبي ليس هدفاً بحد ذاته إنما هو وسيلة لتحقيق أهداف اجتماعية فالحزبي الإسلامي النموذجي موزع بين هذه العناصر الثلاثة مع دقة التفريق بينهما وهي "الوسيلة والهدف والغاية" وهذا الثالوث هو المتحكم بسلوك الداعية والضابط لتصرفاته على الصُّعد كافة.. 
من هذا المنظور آلية الحزب وهدفية ما يسعى له و الغاية المعنوية التي يرتبط بها كلّ المنتمين له مهما زاد عددهم و تعددت  خلفياتهم سيبقون صفّاً واحداً تحكمهم معايير الإسلام وينتظمون  في مسيرتهم نحو أهداف واحدة.. 
فما الذي ربط بين المهاجرين والأنصار وجعلهم يتعاملون بتفاني و إيثار؟؟ إنها الغاية المعنوية ذوّبته بإرادة الله تعالى و الأهداف الملموسة  في إقامة المجتمع الإسلامي  في شتى مناحي الحياة بحيث تجلّت عظمة الإسلام اقتصادياً وسياسياً و روحياً!! و كلما تجذّرت  في نفوسهم تلك الأهداف و هذه الغاية كلما تجلّت عظمة الإسلام!!.. 
وحين يكون صفُّ المجموعة متراصّاً والهدف واضحاً و الغاية خاليةً من أية شائبة من الشوائب غير مرضاة الله عز وجل يتحقق فيها مفهوم الأمة التي وعد الله بها  في القران الكريم "وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّة يَدْعُونَ إلَى الْخَيْر وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ". إنها الأمة المتماسكة بالمبدأ و المتجهة نحو تحقيق الأهداف والمتجهة نحو الغاية القصوى وهي مرضاة الله تعالى.. 
حتى تكون المسافات بين الفرقاء على أساس الفكر والهدف والغاية و ليس على أساس العواطف المادية!! 
قد لعبة هذه النظرة التجزيئية للأهداف مع فقدان الأولويات من زاوية وغياب الغاية المعنوية "مرضاة الله تعالى" من الزاوية الأخرى دوراً خطيراً بما آلت اليه من طغيان المادة على محتوى المواقف 
وباختصار فإن ضعف الجانب الروحي واستبداد الجوانب المادية من شأنها أن تحيل حياة المسلم إلى وحل الجهالة!! 
إن الكبت السياسي التي عاشته القوى السياسية عموماً إبّان الحكم الصدامي الجائر على مدى العقود الأربعة التي مضت وحتى ما قبلها و إن كانت بدرجة أقل خطورة مما آلت إليه  في المرحلة الصدامية الحالكة التي تسببت بتدمير العراق و ترويج للحروب المحلية بين أبناء الشعب و ما نشب جرّاءها من ثورات وانتفاضات راح ضحيتها آلاف المواطنين و ما خلّفت من المقابر الجماعية  في وسط العراق  وجنوبه و التي شملت شرائح اجتماعية واسعة من النساء والأطفال وبطريقة مروّعة من التعذيب والهتك!! 
تلك الحقبة السوداء من الحكم خلّفت تركة ثقيلة من المآسي وانقسامات حادة  في بنية المجتمع العراقي وتدمير متعمد لكافة أنسجته!! 
وهو ما تسبب بظاهرة الهجرة خارج العراق والتي شملت كل الشرائح الاجتماعية رغم أن المجتمع العراقي ليس له سابقة هجرة  في التاريخ بهذه السعة!! 
مثل هذه الهجرة رسمت معالم علاقة جديدة مع الدول وكشفت النقاب عن حقيقة ما كان يجري بالعراق وقد خفي عن كل دول العالم.. 
موجات المهاجرين العراقيين بما زخرت به من شرائح متنوعة سياسياً واجتماعياً وعلمياً اضطروا لترك العراق والتوجه إلى مختلف بلدان العالم فراراً بدينهم وبحثاً الحرية والكرامة مما أدّى إلى توعية بلدان الهجرة عن حقيقة ما يجري بالعراق رغم التعتيم الإعلامي الخانق!! 
وبدأت دول العالم ومجتمعاتها تتفهم ولأول مرة حقيقة ما يجرى على العراق من جرائم ومثلما كان رحم الهجرة زاخراً بالعطاء كان محفوفاً بالتحديات لكنها صبّت بالمحصلة النهائية بصالح العراق ووفّرت أجواء الدعم لتغيير نظام الحكم الصدامي الجائر.. 
ولأول مرة بدأ العالم يكتشف حقيقة ما يجري بالعراق من مآسي وويلات عمل النظام الحاكم على إخفائها وقد تواطأت معه أصابع السوء والجريمة من بعض الدول.. 
العلاقة السياسية العراقية على الصعيد الإقليمي والدولي لم تعد وقفاً على الحكومة كما كانت في زمن النظام المقبور لقد انفتح العالم على القوى السياسية العراقية من جهة ورفعت كل المحاذير في إبرام العلاقات مع القوى السياسية ما يجعل المسؤولية تقع على عاتق الجميع.. 
وكثير من القوى والشخصيات الوطنية العراقية ارتقت إلى المستوى المسؤول بالتصدي لكن البعض منها ظلّ يراوح في مصالحه وهمومه الخاصة بل أخذ يتداول اسرار الداخل العراقي بكل ما فيها من أخطار في أروقة الدوائر الدولية والإقليمية عامة مما ألحق الضرر البالغ بالعراق..
فصلیة طهران:  ما هي جذور و منطلقات الأزمات التي تشهدها منطقة غرب آسيا و ماذا يمكن القيام به للتغلب عليهاابتداءً نحدد مفهوم غرب أسيا جغرافياً واقتصادياً واجتماعياً وسياسياً.. ؟ ما هي التحديات أو الأزمات التي تواجهها الدول و الشعوب في منطقة غرب آسيا بعد الاحتواء و السيطرة إلى حد كبير على داعش و التيارات التكفيرية و المتطرفة  في العراق و المنطقة؟
د.إبراهيم الجعفري: تضم منطقة غرب آسيا 19 دولة يعيش فيها حوالي 300 مليون نسمة ومساحتها تبلغ حوالي 2.4 مليون ميل مربع.
تتواجد منطقة «الشرق الأوسط» في «غرب آسيا»، وكلاهما منطقتان تتشابهان في المساحة والدول، باستثناء أن الشرق الأوسط يشار أيضاً إلى دولة مصر.
تشكل الدول العربية غالبية الدول الواقعة في غرب آسيا، وهذا يشمل جميع دول شبه الجزيرة العربية، والتي تغطي وحدها مساحة 1.2 مليون ميل مربع، ويعيش فيها 77 مليون نسمة.
من حيث عدد السكان، تركيا هي أكبر دولة في غرب آسيا، بعدد سكان يبلغ 82 مليون نسمة، ومن حيث المساحة، المملكة العربية السعودية هي الأكبر.
ذلك ما يعني إن غرب أسيا هي من أغنى مناطق العالم من حيث الثروات المادية والمعنوية والموقع الستراتيجي ومن حيث المساحة ومن الناحية الحضارية كل ذلك وغيره من الثروات لفت انتباه الدول المعادية للإسلام في "زمن السطو والقرصنة" ما جعل دول العالم تتكالب على بسط نفوذها عليها أو على الأقل الهيمنة على ثرواتها الاقتصادية!! 
منطلقات التحرك المضاد لغرب أسيا هي المنطلق العقائدي والاقتصادي والموقع الستراتيجي والتي حركت كلها نزعات الشر لدى بعض "دول السطو"
«يقتصر الأعضاء الوطنيون في هيئات إدارة الرياضة في «غرب آسيا» على البحرين وإيران والعراق والأردن والكويت ولبنان وسوريا وعمان وفلسطين وقطر و السعودية والإمارات واليمن.. يتنافس رياضيون يمثلون هذه البلدان الثلاثة عشر على دورة ألعاب غرب آسيا للمجلس الأولومپي المتعدد الرياضات. من بين المنظمات الرياضية في المنطقة اتحاد غرب آسيا لكرة السلة  واتحاد غرب آسيا للبليارد والسنوكر واتحاد غرب آسيا لكرة القدم، واتحاد غرب آسيا للتنس.»
 https://mimirbook.com/ar/f42a0f25cec
ولئن سمحت بعض الدول ذات "النزعة الاحتلالية" لهذه الدول لتظهر وتتنافس في مجالات الرياضة فلكي تغطي على أهدافها الشريرة الخفية باحتوائها بباقي المجالات الحيوية!! 
الاقتصاد هو النشاط البشري الذي يشمل إنتاج وتوزيع وتبادل واستهلاك السلع والخدمات. يُعرّف الاقتصاد أيضاً بأنه مجال اجتماعي يركز جداً جداً على الممارسات والخطابات والتعبيرات المادية المرتبطة بإنتاج الموارد واستخدامها وإدارتها
وما دامت البلدان الإسلامية قد توافرت على الثروات المتعددة كالنفط والزراعة والماء والموقع الستراتيجي إضافة إلى الثروة المعنوية والفكرية ستبقى بمرمى سهام الأعداء ولن يقرّ لها قرار إلا أنتوفر لنفسها قوة الدفاع لحماية السيادة والأمن والممتلكات.. في عالم يستبيح القوي فيه الضعيف وإخترق المنظمات الدولية إلى درجة التحكم بمقدراتها.. 
وستشهد مناطق العالم ذات الأكثرية المسلمة مشاكل التعدديات بسبب الأقليات لتتحول إلى صراعات حادة تستهدف تقويض الأنظمة وإقامة بديل عن كلّ منها يصب في صالح الدول المعادية ولن يهدأ لهم بال مالم يحققوا حلمهم الموهوم في القضاء على كل ما يمت إلى الإسلام بصلة!! 
غير أن هذا العصر هو عصر انتصار الحق وأن يقظة الأمم التي بدأت لن تتراجع ولا تتوقف وإن لواء العدالة سينشر ظلّه على كل ربوع العالم.. 
ليس أمام غرب أسيا شُعُوباً وحكومات  إلا مواصلة طريق الإصلاح والتمسك بقيم الحق.. 
فصلیة طهران: كيف ترون الاتجاهات العامة لتدخلات القوى العالمية في معادلات المنطقة و ما هي الحلول لإعادة التوازن و تقليل دور الحضور الأجنبي في المنطقة؟
د. إبراهيم الجعفري: التدخلات الأجنبية في المنطقة علامة سوء على تلك الدول وعلامة ضعف على دول المنطقة وما من حقيقة أجلى من اقتران التدخل الأجنبي بشتى صور الفساد الأمني والإقتصادي والإجتماعي 
ذلك أن التدخل الأجنبي ينطوي بجملة ما ينطوي عليه من التصديع بالسيادة والتفريط بحقوق الوطن والمواطنة وجعل مقدرات البلد رهينة الإرادات الأجنبية وقد يكون التدخل في بدايته سهلاً وسريعاً لكنه ليس كذلك في إنهاء وجوده وإخراجه حتى عادت مقولة "جئنا محررين لا فاتحين" عكّازةً لدول الاحتلال عبر التاريخ وقد برهنت سنوات ما بعد التدخل إن دول التدخل لا تفكر أبداً بمغادرة البلد الذي دخلته وعملت ما استطاعت من أجل مصادرة الثروات واستفراغ المحتوى الوطني من حيث السيادة وفرض الشخصيات التي توالي قوى الإحتلال وتكرّس وجوده وتتحرك بالإرادة الأجنبية ولو بوجوه محلّية وقد تكون بظاهر وطني!! 
وهنا تتجلى شناعة بعض الدول التي فرضت الموالين لها على ما احتلت من دول على مرّ التاريخ
فصلیة طهران: ما هو دور أمريكا و الكيان المحتل للقدس في الاضطرابات الحالية في العراق و كيف تقيمون موقف التيارات السياسية و الشخصيات الإسلامية و الشيعية المؤثرة من ذلك؟
د. إبراهيم الجعفري: ترتبط الاضطرابات الحالية في العراق بشكل مباشر بما تخطط له أميركا والكيان الصهيوني ومما يؤسف له أن موقف التيارات الإسلامية الشيعية في غفلة عمّا يجري على الأرض وبالأعم  الأغلب أنها مستغرقة في خلافاتها الجزئية على حساب الأمور الأساسية والمصيرية في العراق ففي الوقت التي تتهدد فيها سيادة العراق وتتعرض ثرواته للنهب نجد للأسف الشديد أنه مستغرق في خلافات موسمية جانبية وقد عمدت الإدارات الأمريكية عموماً وإدارة ترامب بشكل خاص إلى افتعال المشاكل والأزمات لإشغاله عن تحقيق الأهداف الأساسية التي تهم المواطنين ويعرّض  -على ضوئها- حاضر العراق إلى شتى أنواع الأخطار وقد يهدد مستقبله كذلك.
التواجد الأجنبي عموماً بالعراق وخصوص الأمريكي والصهيوني لم يكن فقط لا يخدم المصلحة الوطنية العراقية بل يهدده ويعرّض سيادته إلى الإنتهاك مضافاً إلى ما تسبب في هدر الدماء وتبديد الثروات وإشعال الفتن بين أبناء الشعب العراقي..
منذ فترة ليست قصيرة وبعد دخول أمريكا إلى العراق انشغلت في تكوين قواعد ذات طابع فكري وإعلامي وبعناوين مختلفة لغرض إيجاد ثقافة منحرفة وتحريضية من شأنها تدمير البنية التحتية للثقافة العراقية وإنشاء ثقافة بديله تتجه نحو التحلل السلوكي وترويج ثقافة التحلل التي تؤدي لأنواع الشذوذ كالزواج المثلي ونشر مواد المخدرات والتشجيع على القتل وأنواع الجرائم.. 
وقد عمدت إلى تطبيق منهج النشاط المخرب والذي يهدف إلى اللعب على حبال الاختلافات لغرض إيقاع الفرقة بين أبناء الشعب العراقي الواحد سياسة "فرق تسد" والتي لم يكن قد اعتاد عليها من ذي قبل سواء كانت بمنظور طائفي بين السنة والشيعة أو منظور أو قومي بين العرب والأكراد والتركمان أو من منظور ديني بين المسلمين وغير المسلمين ولم تكن سياسات التفرقة هذه بعيدة عن أذهان الطبقة الواعية لكن اتساع القواعد الاجتماعية للتخلف 
جعل منها أوساط تستلهم ثقافة النعرات الطائفية والقومية والتعصب العنصري بمختلف أنواعه ويشكل بمجموعه عقبات حقيقية في طريق بناء العراق الموحد وتمتين بنيته الاجتماعية.. 
هذه الدول المعادية بمختلف اتجاهاتها عملت منذ وقت بعيد على إشاعة ثقافة تكريس النعرات وتهيئة الأجواء المضادة لتفكيك البنية الاجتماعية العراقية و قد حسبت حسابها قبل أن تغادر العراق لتجعل من هذه الفتن هي المتحكمة في حاضر العراق و مستقبله وبذلك عادت القواعد الفكرية والقيمية المضادة هي البديل عن القواعد العسكرية.. 
تبقى عملية استهداف القواعد الجماهيرية العريضة واستبدال حالة الوعي بحالة "التجهيل الموجه" هدف أساس لغرض رسم معالم المجتمع الجديد الذي يخضع للإرادة الأجنبية على حساب المصالح الوطنية العراقية الكبرى وقد استخدمت على هذا الصعيد سياسة "الإعياء والإملاء" وهذه السياسة أثبتت إمكانية تحقيقها بالنسبة لمثل بعض المجتمعات التي يسود فيها الجهل وتنمو فيها النعرات العاطفية المختلفة بحيث تتجه في النهاية إلى ما يريده لها أعداؤها!!.. 
لقد اعتادت أميركا لاعتماد سياسات غير مباشرة للتدخل وفرض هيمنتها فمثلاً حين تنوي التدخل في شؤون بلد ما تفتعل أزمةً فيه ثمّ تدخل كحامية "سياسة التأزيم والحماية"..
القوى السياسية عموماً لم تزل بغياب تام عمّا يحيط بها من أخطار والإسلامية منها خاصة مطالبة بأن تقرأ خارطة الأخطار وتحدد مسارها المسؤول على ضوئها..
فصلیة طهران: كم هي المسافة حتى وصول العراق إلى موقعه الاستراتيجي الطبيعي في المنطقة و ما هي الأولويات لوصول العراق إلى المستوى المطلوب؟
د.إبراهيم الجعفري: المسافة ما بين واقعه الحالي إلى الواقع الذي يطمح اليه لا زالت بعيدة وأنّ اختزالها يعتمد على جملة أمور منها؛ 
«الرؤية المستقبلية» التي ينبغي أن يكون عليه العراق رغم وجود كل التحديات مسخراً بذلك إمكاناته وتوفير وتعبئة خيرة عناصره ورجالاته للوصول بهذا المشروع إلى حيز التطبيق.
 المسافة ليست مسافة رياضية أو فيزيائية بل مسافة نهج سلوكي يقوم على بذل الجهود الإنسانية المتحضرة ضمن رؤية حياتية جادة مقرونة بعملٍ متواصل لتحسين حالها والتحول مما هي عليه الآن إلى ما ينبغي أن يكون عليه.
 دروس التاريخ كشفت عن حقيقة التحولات التي حصلت بفترات زمنية قصيرة أحياناً وبركود زمني أشبه بالنوم أو بالسباة أحياناً أخرى "الثالوث الزمني" الذي أشار  له القرآن الكريم في سورة العصر يبقى هو سر التحول النوعي حين يقول الله تبارك وتعالى: «والعصر أن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر» في كل يوم في من عمر الإنسان يخسر يوماً وفي كل عام يخسر عاماً وهكذا لكن الاستثناء من حقيقة الخسران  هو من يتمتع بهذه المواصفات وهي "المنطلق الإيماني والسلوك العملي والتواصي المعنوي بالحق والصبر".. 
ففي القاعدة الإيمانية تتوفر للإنسان نقطة الشروع الصحيحة وهي الركن الأصح في مسار الأمم "الذين أمنوا" والركن العملي في السلوك "وعملوا الصالحات" أما الركن الثالث فهو "التواصي بالحق والتواصي بالصبر".. 
العراق يحتاج ومن أجل أن يحقق طفرةً نوعيةً ويتجاوز الحال التي هو فيها من التخلف الثقافي والمعنوي والسياسي إلى مراجعة حقيقية وطرح ثقافة البديل  مقرونةً بوجود شخصيات متفانية من  أجل رفض هذا الوضع البائس و صناعة البديل الجديد.. 
المسافات التي قطعتها الأمم ما بين مستوى التردي منتقلةً إلى مستوى البناء اقترنت بوجود المجتمع الصالح والقيادة المتفانية ومنهج العمل البنّاء وقد تظافرت جهودها بالبذل والعطاء حتى وصلت إلى ما تصبو اليه.. 
وهكذا يكون اختزال زمن الصعود يعتمد على توفّر المجتمع الصالح والقيادة الفذّة والبرنامج الحياتي الشامل..
فالأولويات إذن هي الارتقاء إلى مستوى الأهداف الكبرى والأخطار  الكبرى والتعالي على الجزيئات وتجنب المعارك الجانبية كمان من الأولويات مراعاة الأخطار التي تحيط في البلد و توظيف كل الجهود والشخصيات التي يمكن أن تساهم في بناء العراق ودفع الأخطار عنه وتبقى الاستفادة من تجارب الأمم والشعوب الأخرى مهمة جداً لتعزيز  التجربة لدى الشعب العراقي و ليس من الضعف أننا نتعلم من الآخرين ومن نجاحاتهم على وجه الخصوص فإن تراثنا وقيمنا تحرص على التعلم من الآخرين حتى إذا كان من الأعداء فكيف إذا كانوا من أخلص الأصدقاء وهكذا وعملاً بالحديث الشريف "الحكمة ضالّة المؤمن فخذ الحكمة ولو من أهل النفاق" نهج البلاغة المختار من الحکم80
شعوب العالم التي بنت نفسها وحققت  سعادتها واختزلت مسافة الصعود حتى وصلت إلى قمة المجد سلكت درباً طويلاً لكنه كان مكللاً بالنجاح وأن طال الزمن
من الأولويات المطروحة هو تأمين سبل العيش الكريم وتأمين الثقافة الأصيلة وتعميق روح التضحية في النفوس عامة ولدى الشباب خاصة والانتباه إلى مكائد الأعداء لغلق طرق الاستغلال أمامهم ومعرفة الأصدقاء الحقيقيّن الذين عُرفوا بالشدائد وتفانوا من أجل العراق..
فصلیة طهران: كيف تقيمون دور الشهيد سليماني في النضال ضد الاستكبار و الصهيونية في المنطقة؟هل يعرف الرأي العام العراقي دور و مكانة الشهيد في عملية إنقاذ العراق من أيدي الفصائل الإرهابية؟ و ما هي توصياتكم لتكريم هذا الدور و تظهيره؟
د.إبراهيم الجعفري: كان الشهيد قاسم سليماني رجلاً استثنائياً بكل ما تعنيه كلمة الإستثناء من معنى فقد أبى إلا أن يتعدد بما وهبه الله من صفات  و أن يكون في كل واحدة من هذه الصفات مثلاً رائعاً في التطبيق وهو يحاول أن يصل إلى القمة في تلك الصفة فقد عرفه كل من تعامل معه بأنه لم يكن أنانيّاً على مستوى الشخص أو الوطن أو المذهب أو القومية  إنما كان يتحرك كإنسان ليعبر بذلك إلى الآخر مهما كان بعيداً ليعمم الفائده على كل بلدان العالم ولا غرابة أن يحظى بإعجاب من التقاهم أو سمعوا عنه حتى قال الرئيس الأميركي أوباما بحقه "إنني معجب بهذا الرجل رغم أنه يكرهني" كان له من الثقافة سعةّ نوعية ومتنوعة وهو دائم الحرص على التزوّد منها وعلى لسان أيّ معط ثقافي وعادة ما كان دفتره معه لتدوين الجديد ممن يتحدثون معه  ولا يجد ثمة حرجٍ من التعلّم رغم غزارة ثقافته وعمق وعيه.. يأخذ علماً ممن يتوسم فيه من ذووي العلم أولا ومن ذوي الأخلاق ولا يستحي من ذكر من أخذ منهم العلم بل يتشرف أنه تعلّم منهم 
ولابد أن أثبّت له ما لمست منه من بعض الصفات التي يندر إن لم ينعدم اجتماعها في شخصية واحدة 
صفته الإيمانية طاغيةٌ على كلّ ما يصدر عنه من أقوال أو أفعال وقد أضفت عليه 
حالةً من الطمأنينة كشفت عن قلبٍ مشبعٍ بالإيمان وروحٍ  متشربة بالتقوى ولا يحتاج الناظر لشخصيته مزيد عناء ليجد نفسه أمام إنسان اتسم بعفة اللسان وصدق الحديث ونفاذ البصيرة مكللة بجلال التواضع وسمو الأخلاق. 
وهو لا يخفي حبه للعلم والعلماء وكان يزين حديثه بكلما تجود به سيرتهم من الخلق الكريم والمواقف الحكيمة معززة بالشواهد العلمية وليس عسيراً على أي مستمع له فضلاً عن من عاشره تلمّس تلك الثروة الأخلاقية الجزيلة.
أما حبّه للعلم والعلماء فقد سلبت هذه الصفة كلَّما مني به الآخرون من الحسد الذي تفشّى في أوساط طلّاب العلم ممّا جعل نجوم المؤثرين على انفسهم كالشهيد سليماني ساطعةً في سماء المشاهير غير المقام المحمود عند الله عز وجل. 
وليست تلك على أهميتها بديلاً عن أهمية تجسيدها في التعامل السلوكي في حياتنا الدنيوية حتى يعمروا الأرض ومن عليها وينشروا ألوية العدل والحرية والإنصاف في ربوع الأرض في وقت يعمّ فيه الظلم وتنتشر به الجرائم!! 
تواضعه ما من صفحة أروع من صفات التواضع بصورة عامة في السلوك الإنساني و بصورة خاصة لأصحاب المواهب والمتفوقين في المجالات المختلفة فكلما زادت نجاحاتهم وتوالت انتصاراتهم كانوا بأمس الحاجة إلى معادلات داخلية في النفس وإلى المزيد من التواضع حتى يجنبهم مغبة الغرور ويحميهم من كيد الطغيان الذي قد يعصف بهم وبكل  من حولهم من الناس لأن ذلك تعبيراً عن الغرور المحتمل مع تضخم الكفاءة
تنوعه الثقافي: لايتصوّر البعيد عنه ما يحمل الرجل من حمولة ثقافية وإلى سعةٍ في التنوع الثقافي وتعدده إلا الذين باشروه عن قرب.. 
وإذا كان الخطاب صفةً أساسية في الإنسان عموماً وفي الثائر بصورة خاصة فقد تميّز الرجل بقوة الخطاب وبتنوع موضوعاته وتعدد أساليبه مما جعله خطيباً مفوّهاً نوعيّاً رغم كثرة خطاباته..  
لقد مزج بين السلوك العملي  والثقافة التنظيرية ويعبر من موضوع لموضوع آخر من دون تكلّف محافظاً على جودته وشدّه لمستمعيه وأحلى شيئ فيه هو عدم حرصه على إظهار مواهبه وقد غطّته أغشية الحياء حين يُمدح ويحاول أن يكون بعيداً عن مواضيع مدح الذات وما أكثرها!! ليكون مربّياً وليس مجرد معلماً ممّا جعل الكثيرين من المنصفين وبعد أن لمسوا هذه الصفة أن يشيروا إليها في أكثر من مناسبة.. 
ليس سهلاً أن يتحلّى الإنسان بملكة التواضع وهو متعدد المواهب ومشهود له بذلك إنها التقت كمواهب بانقطاعه إلى الله حتى يكون تواضعه مصداقاً لقوله تعالى "وَعِبَاد الرَّحْمَن الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأرض هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا".. لقد عفّ لسانه عن ذكر الآخرين بسوء دون أن يكتم شهادة أو يشهد زوراً.. 
اهتمامه بعائلته ورعايته لبنته فهو ورغم كثرة التزاماته الميدانية عموماً وحضوره في الميادين الساخنة منها خاصة تراه يعتني عناية خاصة بالعائلة وببنته زينب لترافقه ببعض زياراته للعراق!! 
تحلّيه بعقلية المراجعة الجادة من خلال إعادة النظر فيما لا يعرف عند من يظن إنه يعرف دون أن يشعر بحياء أو حرج
وما عُرف عنه من تعدد المواهب لا تكشفه كلماته إنما تكتشفه أنت بالسلوك العملي والمعاشرة العميقة..
فكرمه على المحتاجين جنوني ولمن يستحق بعيداً عن الضوء إلا أن يقوله بحقه من جادت كفّه بالعطاء لهم.. 
أما عن عشقه للشهادة فقد كان عشقاً جنونياً ولا خير في الشجاعة أو الكرم إن لم يكونا بجنون ونسب لأميرالمؤمنين (ع) "جنونان لا شافاني الله منهما الشجاعة والكرم!!" حديث حبّه للشهادة لم يفارقه أي لقاء!! ومع أب صديق من أصدقائه
تواصله من بُعد مع اخوانه وأصدقائه لم ينقطع مهما كان عددهم وأيّاً كانت المسافة بينهم.. وبعد فليس متكلفاً من يقول بحقه أنه استثنائي بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى.. 
وأخيراً حصل على الشهادة وعلى يد ألعن خلق الله ليلتحق بركب الصالحين في جنات النعيم.. 
ولتشهد له بالحق الجماهير المليونية التي غطّت شوارع إيران في تشييعه بصورة ليس لها سابقة من شمال البلد لجنوبه كما تعاطفت معه جماهير من خارج إيران كذلك.. 
ولأعبد ما قلته سابقاً بحقه مَنْ قتل مَنْ!! فأين سليماني وأين قاتله؟! 
إنه درسٌ بليغٌ للطغاة من أن "يوم  المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم"
فصلیة طهران:  کیف تقیمون أداء المقاومة والجمهورية الإسلامية  في عهد الإمام الخامنئي؟
د. إبراهيم الجعفري: لا زلت أتذكر تأريخ أول وصولي إلى إيران عام 1980 وتأريخ تشكيل المجلس الأعلى بعد ذلك وكيف اجتمع شمل المتصدين وكان السيد (حفظه الله) ممثلاً عن السيد الإمام (ره) وكانت الاجتماعات تتم في مقر رئاسة الوزراء والذي تم تفجيره فيما بعد واستشهد فيه الشهيدان رجائي رئيس الجمهورية وباهنر رئيس الوزراء مما لفت انتباهي هو نسخة القران الكريم الموجودة في غرفة رئاسة الوزراء وهي كثيرة الأخطاء!ما يعكس مخلّفات حكومة الشاه وعدم اهتمامها بالقرأن الكريم بينما تبنى السيد القائد العناية بالعلوم القرانية وكان هو شخصياً يهتم بالقران ويؤكد على حفظه وفعلاً انتشر الاهتمام له تلاوةً وحفظاً وتفسيراً بشكل لافت وقد تخرّجت مجاميع كبيرة من حفظة القران كباراً وصغاراً رجالاً ونساءاً وبشكل شدّ إعجاب العالم وتم ترويج مسابقات قرآنية عالمية وأصبحت المدرسة الإيرانية في العلوم القرآنية متفوقة على نظيراتها من المدارس الأخرى!! 
اهتماماته في جمع وحدة المسلمين والابتعاد عن كلّ ما يفرّقهم تجسّد من خلال خطبه وما عُقدت من مؤتمرات للوحدة الإسلامية لتشهد حضوراً متميّزاً لعلماء المسلمين من شتى الطوائف وما انعكس على مجتمعاتهم من ترويج أدب الوحدة والترفّع على الخلافات المذهبية ومع توالي المؤتمرات اتسعت قاعدةُ الوحدة الإسلامية.. كما حظيت المرأةُ المسلمة بمكانة عالية من الاهتمام عبر مؤمرات المرأة ومشاركتها بالموتمرات العامة.. 
أما القضية الفلسطينية فكان لها القدح المعلّى منذ الخطوة الأولى في عهد السيد الإمام اذ استبدل مقر السفارة الإسرائيلية بالسفارة الفلسطينية وسمّى شارعَ السفارة بشارع فلسطين وتم رفعُ العلم الفلسطيني عليها.. 
وقد سمّيت آخر جمعة من شهر رمضان المبارك إنها جمعة القدس وما حملت من دلالات كبيرة لدى أبناء الأمة الإسلامية ومن خلالها لدى أبناء الأمم الأخرى في العالم.. 
وأما عن حضوره الميداني بالمناسبات المختلفة واللقاءات الرسمية والشعبية وهو يكرّس الأولوية للقضية الفلسطينية فقد تحولت هذه الأنشطة إلى روافد ثقافية تغذّى عليها الجيل المعاصر ليس فقط في إيران إنما بعموم بلدان العالم الإسلامي وهكذا يتحول خطاب الدعم الفلسطيني إلى زاد ثقافي يتغذى عليه النشأ الجديد في بلدان شتى..
الخصوصية الميدانية لقد سجّل حضوراً فاعلاً وحيوياً  في المجالات الثقافية والمناسبات التاريخية والمهرجانات العالمية وهو ما جعلها تقاوم محاولات الحصار الظالمة التي استهدفت إيران ومنذ انتصار الثورة!!.. 
لم تشغله التحديات الداخلية في إيران عمّا يمرّ به العالم الإسلامي من مشاكل بل سجّل حضوراً  نوعيّاً متميّزاً ما أثار إعجاب شعوبها.. 
التنوع الإنساني ربما تفاجئ العالم بما أبدت هذه القيادة من اهتمامٍ بالغٍ بأبناء المذاهب و أبناء الديانات الأخرى و لَمتقتصر على الشيعة فقط و لاالمسلمين دون غيرهم
القسم الثاني في العدد القادم إن شاء الله.
قراءة: 854
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
	             
            
 
            
            