فصلنامه مطالعات سیاست خارجی تهران
 

حرب قره باغ ٢٠٢٠؛ الخصائص، اللاعبون،آفاق المستقبل

محمد محبوبي
طالب دكتوراه في العلوم السياسية بجامعة طهران

ملخص 
يتمحور الخلاف الرئيسي في مسألة قره باغ حول الأراضي التي يتنازع عليها الأرمن و الآذريين في تلك المنطقة الجبلية حيث يمكن ملاحظة آثار الصراع القومي و الدينيّ فيها أيضاً. و حتى عام (٢٠٢٠ م) جرت الكثير من محاولات الوساطة لإنهاء هذا الصراع لكنّها جميعاً باءت بالفشل و بقيت القضية الأهمّ للخلاف بين طرفيْ النزاع هي تحديد الوضع النهائيّ لمنطقة قره باغ الجبلية.
ومع تغيّر ميزان القوى لصالح أذربيجان في نوفمبر/تشرين الثاني (٢٠٢٠ م) نجحت روسيا في إنهاء الحرب في قره باغ عَبر اتفاقية ثلاثية و استطاعت أن تثبت تفوّقها في المنطقة؛ و لكن بما أنّ اتفاقية السلام المذكورة لم تبتّ بالوضع النهائيّ لقره باغ و لم تجد لها حلّاً مناسباً بل جاء التوقيع عليها بسبب التغيّر في موازين القوى، فإنّها بلا شكّ اتفاقية هشّة و غير دائمة و سوف تنهار بمجرّد عودة تلك الموازين إلى ما كانت عليه.
المُتوقَّع بالنسبة لمستقبل القوقاز الجنوبي هو استمرار التوتّر و التنافس و عندئذ ستصبح الاتفاقية (٢٠٢٠م) بسبب الصراع المجمّد مؤقّتة و هشّة للغاية، فمن جهة يُطالب الرأي العامّ في أرمينيا باستعادة المناطق التي فقدتها، فقد تعزّزت احتمالات نقض الاتفاقية المذكورة بعد سقوط حكومة (باشينيان) المضطربة أصلاً و صعود رئيس و زراء أكثر يسارية، و من جهة أخرى فإنّ الاتفاقية تنتهك سيادة طرفيْ النزاع و ذلك للوجود العسكري الروسي في القوقاز الجنوبي حيث أصبحت روسيا عملياً شرطي المنطقة، كما يتوقّع أن‌يبادر اللاعبون الغربيون إلى لعب دور في هذه الأزمة للتعويض عمّا فاتهم في المنطقة.
الكلمات الأساسية: منطقة قره باغ الجبلية؛ أذربيجان؛ أرمينيا؛ روسيا؛ اتفاقية نوفمبر/تشرين الثاني (٢٠٢٠ م).

 

 

مقدّمة:
منطقة قره باغ منطقة صغيرة نسبياً حيث لا تتجاوز مساحتها (٤٤٠٠) كيلو متراً مربّعاً، و هي تابعة لسيادة أذربيجان وفقاً للقوانين الدولية. و تتألّف هذه المنطقة الصغيرة من قسميْن: «ناغورنو قره باغ» (وتُدعى أيضاً قره باغ العُليا أو قره باغ الجبلية) و «نيجني قره باغ» (وهي قره باغ السفلى أو قره باغ السهلية). تقطن منطقة (نيجني قره باغ) غالبية مسلمة بينما يشكّل الأرمن غالبية سكّان منطقة (ناغورنو قره باغ) و هو ما تسبّب باندلاع الصراع عَبر التاريخ المعاصر حول قره باغ الجبلية أدّى إلى نزاعات حقوقية و حروب متعدّدة.
وعند تحليل قضية قره باغ نجد أنّ لكلّ طرف من طرفيْ النزاع ادّعاءاته الخاصة به، فأرمينيا مثلاً تستند إلى مبدإ حقّ الشعوب في تقرير مصيرها نظراً للغالبية الأرمنية التي تقطنها٬ و تعتبر أنّ معيار الملكية الأرضية هو آراء الناس في قره باغ.
وبالاستناد إلى المعلومات الإحصائية فقد كان الأرمن يشكّلون الأغلبية المطلقة في قره باغ إبّان حكم الاتّحاد السوفياتي (سابقاً)، فوفقاً للإحصاء السكاني الذي أجري في عام (١٩٨٩ م) قبل انهيار الاتّحاد السوفياتي كان تعداد القاطنين في منطقة قره باغ ذات الحكم الذاتي حوالي 190 ألف نسمة، (٧٧٪) من هؤلاء كانوا من الأرمن و (٢٢٪) آذريين و (١٪) من سائر القوميات الأخرى1. و في مقابل هذه الإحصائية يقول الآذريّون إنّ التركيبة الديموغرافية الحالية لقره باغ هي نتيجة لاحتلال الأرمن لها لسنوات طويلة و إنّ أغلب سكّانها كانوا من المسلمين و الآذريين في القرنيْن الماضييْن. و تشير إحصائية أخرى أجرتها الإمبراطورية الروسية بعد معاهدة (تركمن چاي) عام (١٨٣٢م) إلى أنّ (٦٨٪) من سكّان قره باغ كانوا من الآذريين التتار و (٣١٪) من الأرمن بينما شكّل الغَجر و اليونانيين النسبة الباقية2. و قد تابع الخبراء الأذربيجانيون تلك الإحصائيات السكانية حتى ثورة أكتوبر في روسيا و ما بعدها، و وفق المعلومات الإحصائية الروسية عام (١٩١٧ م) فإنّ (٥٧٪) من سكّان منطقة قره باغ كانوا آذريين و (٤١٪) من الأرمن3، و على هذا الأساس لا يمكن الركون إلى التغيير الديموغرافي الذي حصل و منح التركيبة السكانية التي تمّ تغييرها حقّ تقرير المصير. و في مقابل هذا، ترى المصادر الأرمنية أنّ قره باغ الجبلية كانت جزءاً من أرمينيا القديمة من الناحية التاريخية4 و أنّ مزاعم احتلالها من قبلها واهية.
في الجانب الآخر من القضية فإنّ جمهورية أذربيجان و وفقاً للمعاهدات السابقة و القانون الدولي تركّز على مبدأ سيادة الدول على أراضيها ، بما يعني سيادتها على قره باغ الجبلية. و بالاستناد إلى قانون حقّ الانفصال عن الاتّحاد السوفياتيّ المُصادق عليه في (١٩٩٠ م) يدّعي الخبراء الأرمن أنّ استفتاءً جرى في قره‌باغ ذات الحكم الذاتي و أظهرت نتائجه أنّ الغالبية العظمى من السكان أجمعت على الاستقلال و تمّ اعتبار قره باغ جمهورية مستقلّة عن الاتّحاد السوفياتي في الثاني من سبتمبر/أيلول من عام (١٩٩١ م)5، و بناءً على هذا  لايحقّ لأذربيجان فرض سيادتها على قره باغ الجبلية. و من وجهة نظر الكُتّاب الأرمن فإنّ حرب قره باغ التي وقعت بعد انهيار الاتّحاد السوفياتيّ هي حرب مُعادية فرضتها أذربيجان، أمّا الخبراء الآذريون فيجيبون على هذا الادّعاء بأنّ قره باغ لم تستوف الإجراءات القانونية المتعلّقة بالانفصال6.
إلى جانب الخلافات الحقوقية و العسكرية الموجودة ثمّة عامل آخر جعل مسألة قره باغ أكثر تعقيداً و هو الدور الفاعل الذي يؤدّيه اللاعبون الأجانب و الدوليون هناك، و على رأس هؤلاء اللاعبين الولايات المتحدة و روسيا و إسرائيل و الاتّحاد الأوروبي و تركيا و إيران. و قد أدّى دخول اللاعبين الأجانب على خط النزاع في قره باغ إلى خروج المسألة من مجرّد حرب من أجل السيادة و اتّخاذها أبعاداً أخرى.
في مقالتنا هذه، سنقدّم نبذة تاريخية لمسألة قره باغ الجبلية منذ بداية القرن العشرين إلى ما قبل نشوب الحرب في (٢٠٢٠ م) و كذلك السياسة الإيرانية تجاه هذه المسألة. و من خلال البحث التاريخي سنتمكّن من تحديد الأبعاد المختلفة لمسألة قره باغ، ثمّ سنبحث في حرب قره باغ التي نشبت في (٢٠٢٠م) و نجيب عن السؤال: «لماذا لم تكن هذه الحرب امتداداً للنزاع التاريخيّ المعهود بل تغيّر جوهرها؟». و تُمثّل مواقف طرفيْ الصراع و اصطفافات اللاعبين الأجانب أبعاداً مختلفة للموضوع و هي التي أدّت إلى هذا الانحراف التاريخيّ و إلى اختلاف الأهداف و تغيّرها خلال حرب قره باغ الأخيرة بالمقايسة مع الحروب السابقة.
 
الخلفية التاريخية لمسألة قره باغ
ليست لمسألة قره باغ خلفية تاريخية بعيدة بل تعود في الغالب إلى أوائل القرن العشرين لأنّ الأرمن و الآذريين قبل ذلك كانوا يتعايشون في سلام و وئام و لم تكن توجد أيّ حدود محلية أو إقليمية أو دولية بين أذربيجان و أرمينيا كما هو الحال اليوم. قبل الحربيْن التي اندلعت بين إيران و روسيا و ما تلاهما من انعقاد مُعاهدة (گلستان) و (تركمن چاي) في العقود الأولى من القرن التاسع‌عشر، كانت جميع الأراضي في القوقاز الجنوبي و منها أذربيجان و أرمينيا و جورجيا تابعة لإيران؛ لكن، و بعد عقد معاهدة (تركمن چاي) عام (١٨٢٨م) خضعت تلك المناطق لسلطة الإمبراطورية الروسية إلّا أنّه لم يتمّ تعيين أيّ حدود على المستوى الفيدرالي أو الحكوميّ بين أذربيجان و أرمينيا.
وبعد وقوع الثورة الروسية الأولى عام (١٩٠٥م) نشبت الحرب الدموية الأولى بين الأرمن و الآذريين في منطقة القوقاز الجنوبي و لا سيّما قره باغ و التي اشتهرت باسم حرب (الأرمن-التتار). و جدير بالذكر أنّ أذربيجان لم‌تكن تُعرَف حتى ذلك الوقت بهذا الاسم بشكل رسميّ بل سُميت بذلك عام (١٩١٨م) بعد ائتلاف حزب المساواة و حزب لامركزية الأتراك. لكنّ الحرب المذكورة التي اشتعلت بتحريض من الحكومة الروسية القيصرية و استمرّت لسنتيْن لم تكن مقصورة على الأراضي القوقازية بل وصلت نيرانها إلى إيران أيضاً. فقد أرسل التتار ممثّلين عنهم إلى البلاط الإيراني في عهد مظفر الدين شاه و طلبوا من الحكومة الإيرانية التدخّل في الحرب ضدّ الأرمن الإيرانيين؛ لكنّ الحكومة الإيرانية آنذاك آثرت عدم التدخّل في الحرب الأرمنية التتارية للحيلولة دون انتشارها داخل الأراضي الإيرانية، و أرسل مظفر الدين شاه – الذي كان آنذاك في رحلة إلى أوروبا – رسالة إلى حكومته يأمرها فيها بحماية الجالية الأرمنية في إيران و المحافظة عليهم من أيّ اعتداء مُحتَمَل؛ كما كان رجال الدين و المُعتمَدون في مدينة تبريز و سائر المدن الآذرية في شمال إيران يحذّرون الناس من التدخّل في الحرب المذكورة.
بعد تأسيس الاتّحاد السوفياتي أبدت مختلف الجماعات الأرمنية و الآذرية اهتماماً كبيراً أكثر من السابق بمسألة قره باغ، و مع إبعاد أعضاء حزب المساواة من الحكومة الأذربيجانية و الطاشناقيين من الحكومة الأرمنية نجح البلاشفة في الاستيلاء على أذربيجان في أبريل/نيسان (١٩٢٠م) و على أرمينيا في ديسمبر/كانون الأوّل من العام نفسه. و في تلك الأثناء طالب الأرمن مكتب القوقاز (Kavburo) إلحاق الأجزاء الجبلية لقره باغ بجمهورية بأرمينيا. مكتب القوقاز عبارة عن تشكيلات أوجدها البلاشفة الروس للإشراف على اتّباع منطقة القوقاز لأوامر الحزب الشيوعي الروسي.
وفي المجمع العمومي لمكتب القوقاز الذي التأم في (تفليس) عام (١٩٢١م) قدّم الأعضاء مُقتَرحَيْن اثنيْن للبتّ في وضع قره باغ، تضمّن المُقتَرح الأوّل إجراء استفتاء عام، حيث أصرّ بعض الأعضاء من أمثال (نريمانف) و (ماخر أدزه) على تطبيق الاستفتاء في منطقة قره باغ بأسرها بما فيها قره باغ الجبلية و السهلية لكي يتمكّن الأرمن و المسلمون معاً من المشاركة في ذلك الاستفتاء. أمّا الطرف المنافس الذي كان يمثّله كلّ من (مياسنيكيان) و (أرجنيكيدزه) فكان يسعى إلى حصر الاستفتاء المذكور في قره باغ الجبلية و الأرمن فقط. و المُقترح الثاني كان يستند إلى حقّ السيادة، فأصحاب المقترح الأوّل أرادوا أن‌تبقى سيادة قره باغ تحت حكم أذربيجان، بينما حاول الفريق الخصم إيكال الحكم في القسم الجبليّ من قره باغ إلى أرمينيا7. و أخيراً اتّخذ مكتب القوقاز قراره ببسط أذربيجان سيادتها على كامل منطقة قره باغ، و هو القرار الذي ظلّ ساري المفعول حتى انهيار الاتّحاد السوفياتي رغم مواجهته بعض التحدّيات بين الحين و الآخر.
ما كان يتّسم بالأهمية في عهد الاتّحاد السوفياتي (السابق) هو أنّه طبقاً للقوانين السوفيتية فإنّ منطقة قره باغ كانت تعدّ جزءاً من أراضي جمهورية أذربيجان، و لم تتعرّض سيادة أذربيجان على قره باغ لأيّ انتهاك رغم المحاولات التي قام بها الأرمن لجمع التواقيع المعارضة للقرار الشيوعيّ؛ إلّا أنّ ذلك لم‌يكن بمثابة وجود توتّر في المنطقة أو انتهاء مطالبات الأرمن، فقد كان نظام الاتّحاد السوفياتي يوشك على الانهيار في الوقت الذي وصلت فيه الخلافات بين جمهورية أذربيجان و أرمينيا ذروتها بشأن مسألة قره باغ الجبلية و كانت منطقة القوقاز الجنوبي مُعرّضة للحروب على الأراضي في ظلّ الفراغ الحكومي الذي سبّبه انهيار النظام الاشتراكي في روسيا.
 
حرب قره باغ الأولى (١٩٩٢-١٩٩٤ م)
في الثلاثين من أغسطس/آب من عام (١٩٩١م) أعلنت جمهورية أذربيجان استقلالها عن الاتّحاد السوفياتي، و بعد مرور يوميْن على ذلك أعلنت منطقة قره باغ الجبلية استقلالها أيضاً عن أذربيجان، و بهذا اتّخذت الحرب الدموية في قره باغ شكلاً رسمياً أكثر من السابق. ففي الثالث و العشرين من سبتمبر/أيلول من نفس العام انعقدت جلسة برعاية (بوريس يلتسين) الرئيس الأسبق لجمهورية روسيا و (نور سلطان نظرباييف) رئيس جمهورية قزاقستان حضرها كذلك زعماء أرمينيا و أذربيجان و ممثّلين عن منطقة قره‌باغ. و في نهاية تلك الجلسة تمّ التوقيع على بيان مشترك دعا إلى وقف إطلاق النار حتى الأوّل من كانون الثاني (١٩٩٢ م) ، إلّا أنّ وقف إطلاق النار هذا لم يدخل حيّز التنفيذ أبداً بسبب استمرار المناوشات بين طرفيْ النّزاع.
ومع حلول سنة (١٩٩٢ م) اشتدّت نيران الحرب في قره باغ و توالت المحاولات الدولية من أجل تطبيق وقف إطلاق النار و لا سيّما الجهود التي بذلتها روسيا و إيران. و في العشرين من فبراير/ شباط من العام نفسه اجتمع وزيرا خارجية أرمينيا و أذربيجان في موسكو بدعوة من وزير خارجية روسيا آنذاك (أندريه كوزيروف)، و بعد أربعة أيّام سافر وزير خارجية إيران في ذلك الوقت (علي أكبر ولايتي) إلى منطقة النّزاع، و في السادس عشر من مارس/آذار تمّ التوقيع على بيان ثلاثيّ في طهران من قِبَل إيران و أرمينيا و أذربيجان نصّ على وقف إطلاق النار في منطقة الصّراع لمدّة أسبوع واحد، ولكن  لم‌يلتزم أيّ من الطرفين بالقرار8. و في أبريل/نيسان قام وفد من وزارة الخارجية الروسية وآخر برئاسة وكيل وزارة الخارجية الإيراني (محمود واعظي) بزيارتين منفصلتين إلى منطقة قره باغ، و في السابع من مارس/آذار (١٩٩٢ م) عُقِدت جلسة أخرى في طهران ضمّت رئيس جمهورية أرمينيا (ليفون تر بترسيان) و رئيس جمهورية أذربيجان (يعقوب ممدوف)، و بعد انتهاء الجلسة صدر بيان مشترك وقّعه رئيس جمهورية إيران الإسلامية آنذاك (أكبر هاشمي رفسنجاني) و هذه المرة أيضاً لم يتمّ احترام وقف إطلاق النار، بل قامت القوات الأرمينية باحتلال مدينة (شوشا) بعد مرور يوم واحد فقط على صدور البيان. و مع احتلال أرمينيا لمدينة (لاتشين) بعد أيام من ذلك أعلنت أذربيجان أنّها لن تشارك في مؤتمر الوساطة أو التوقيع على وقف إطلاق النار إلّا بعد تحرير (شوشا) و (لاتشين)9.
وهكذا بدأت حرب قره باغ الأولى في عام (١٩٩٢ م) و انتهت بتوقيع طرفيْ النزاع على وقف إطلاق النار عام (١٩٩٤ م)، و تمّ تقدير الخسائر التي نجمت عن تلك الحرب بثلاثمئة ألف قتيل و جرحی و تهجير أكثر من مليون شخص من موطنه، كما حصل تطهير عرقي بحقّ الآذريين في منطقة قره باغ10. و كانت نتيجة الحرب أن ضمّت أرمينيا إلى أراضيها منطقة قره باغ الجبلية إلى جانب سَبع مناطق أخرى كانت تابعة لأذربيجان وهي لاتشين (١٨٣٥كم2) و كلبجر (١٩٣٦ كم2) و جبرائيل (١٠٥٩ كم2) و قبادلي (٨٠٢ كم2) و آغ دام (١٠٩٣ كم2) و فضولي (١٣٨٦ كم2) و زكيلان (٧٠٧ كم2).
 و من وجهة نظر أرمينيا فإنّ لاتشين و كلبجر تُمثّلان ممرّيْن رئيسيْن يوصلان عمق منطقة قره باغ بالأراضي الأرمينية، أمّا المدن الخمس الأخرى فهي منطقة حائلة تمنع هجمات الجيش الأذربيجانيّ المحتمَلة. و قد استمرّ احتلال أرمينيا لتلك المناطق منذ عام (١٩٩٤م) حتى وقت قريب.
ويُذكَر أنّ أرمينيا كانت تواجه ضعفاً ملحوظاً في حرب قره باغ الأولى بالمقارنة مع أذربيجان، فعدد سكّان أرمينيا لم يتجاوز آنذاك ثُلث سكّان أذربيجان، كما لم‌تكن إيروان تمتلك المصادر الطبيعية و الثروات التي كانت لدى (باكو) فضلاً عن أنّ و ضع الآذريون من الناحية الجيوسياسية كان أفضل، و مع هذا كلّه استطاع الأرمن تحقيق النّصر و احتلال المناطق المذكورة.
وللإجابة عن سبب هذا الوضع لا بدّ من الإشارة إلى عامليْن مهمّيْن: الاضطرابات الداخلية في أذربيجان و دَعم روسيا و حمايتها لأرمينيا11. و بشكل عام يمكن القول إنّ حرب قره باغ و إن كانت قد اختُتِمت بوقف إطلاق النار و إنهاء الصراع إلّا أنّه لم يتمّ التوصّل إلى أيّ معاهدة للسلام أو وضع برنامج مُحدّد لحلّ الخلاف، و يُسمّى مثل هذا الوضع بالمُصطلح الدولي بالصّراع المُجَمَّد (Frozen Conflict) و هي حالة يتمّ فيها إنهاء الصراعات المسلحة الفعلية و لكن لا توجد معاهدة سلام أو أيّ إطار سياسي آخر يحلّ الصراع بما يُرضي المقاتلين؛ و لذلك تكون حالة وقف إطلاق النار أو فضّ الاشتباك هشّة لا يُعوّل عليها إذ قد يشتعل فتيل الاشتباك المسلّح بين الأطراف المتنازعة لأدنى سبب أو حتى بدونه.
 
مبادرات السلام لمجموعة (مينسك) و أزمة (الوضع النهائيّ)
تُعتبر مجموعة (مينسك) أهمّ وسيط في أزمة قره باغ الجبلية فمنذ تأسيسها و لغاية اليوم قدّمت العديد من المبادرات المتنوعة لحلّ الأزمة ولكن لم يسفر أيّاً منها عن نتيجة.
انبثقت مجموعة (مينسك) عام (١٩٩٢ م) في أثناء انعقاد مؤتمر الأمن و التعاون الأوروبي (والتي تحوّلت بعد ثلاث سنوات إلى منظمة الأمن و التعاون الأوروبي) و كانت مهمّتها إنهاء الصراع القائم بين إيروان و باكو. و في عام (١٩٩٧م) أصبح كلّ من فرنسا و روسيا و الولايات المتحدة رؤساء المنظمة المذكورة بالتشارك.
ولأجل وضع نهاية لحرب قره باغ الأولى في (١٩٩٤ م) بذلت مجموعة (مينسك) جهوداً حثيثة لمناقشة عدد من المقترحات الخاصّة بحلّ النزاع، و لكن لم يلقَ أيّاً منها تجاوباً ملحوظاً و ذلك لاعتراض أحد الطرفين في كلّ مرّة. و يبدو أنّ الخلاف الرئيسي الذي كان يُفشل المبادرات المذكورة يتمثّل في مسألة الوضع النهائيّ لقره باغ الجبلية التي ظلّت مُعلّقة.
وكانت أوّل مبادرة قدّمتها مجموعة (مينسك) في ديسمبر/كانون الأوّل عام (١٩٩٦ م) تلك التي عُرفت فيما بعد بمبادرة (لشبونة)، و السبب في هذه التسمية هو انعقاد إحدى جلسات مجموعة (مينسك) في مدينة لشبونة (عاصمة البرتغال)، و قد تضمّنت المبادرة منح أقصى خيارات الحكم الذاتي لقره باغ داخل التراب الأذربيجانيّ، كما تمّ الاتّفاق في اجتماع لشبونة على ثلاثة أمور هي:
أ) الحفاظ على سيادة الأراضي الأذربيجانية و جمهورية أرمينيا.
ب) يتمّ بحث الوضع النهائي لقره باغ الجبلية في اتفاقية منفصلة على أساس حقّ تقرير المصير، و ضرورة أن تحصل قره باغ على أقصى صلاحيات الحكم الذاتي رغم كونها تقع داخل أراضي أذربيجان.
ج) لا بدّ من ضمان أمن قره باغ و سكّانها بشكل كامل12.
ومع ذلك فإنّ حزمة المقترحات التي قدّمتها جلسة لشبونة لم تحظ بموافقة إيروان و ذلك لإحساسها بأنّ الوضع النهائيّ لمنطقة قره باغ ظلّ مبهماً و معلّقاً.
وبعد عدّة أشهر قدّمت مجموعة (مينسك) في يونيو/حزيران من عام (١٩٩٧ م) حزمة أخرى من المقترحات تتمحور حول أن تكون قره باغ الجبلية خاضعة لسيادة قانونية لجمهورية أذربيجان ومالكية واقعية لأرمينيا، و لا يحقّ لأفراد شرطة أذربيجان أو جيشها أو رجال الأمن التابعين لها الدخول إلى منطقة قره باغ13. لكنّ الاقتراح المذكور واجه مخالفة طرفيْ النزاع معاً، فاعتراض أذربيجان كان بسبب تجاهل سيادتها على أراضيها، و أمّا اعتراض أرمينيا فهو أنّها تريد الاستقلال التام للمنطقة و ليس سيادة على أرض الواقع.
وبعد مرور خمسة أشهر على ذلك أُعلِن عن تقديم مجموعة أخرى من الاقتراحات لحلّ النزاع، و ضمّت الاقتراحات الجديدة حلّاً تدريجيّاً في إطار (الأرض مقابل السلام)، وبموجبه تقرّر أوّلاً انسحاب القوات الأرمينية من المناطق المحيطة بقره باغ ما عدا منطقة (لاتشين) التي تربط بين قره باغ و أرمينيا، ثمّ تبدأ قوات منظمة الأمن و التعاون الأوروبي بتطهير المنطقة المذكورة من أيّ قوات عسكرية. و في المرحلة الثانية ينبغي لطرفيْ النزاع الوصول سريعاً إلى حلّ نهائيّ و الاجتماع و البحث بشأن الأبعاد الأخرى للقضية مثل البُعد السياسي14؛ لكنّ الاقتراح المذكور تمّ رفضه من قِبل الأرمن لعدم وجود ضمانات أمنية كافية و انعدام الثقة بالطرف الآخر.
ثمّ قُدِّمت المبادرة التالية من قِبل مجموعة (مينسك) بعد مرور سنة تقريباً على الاقتراح السابق، أي في نوفمبر/تشرين الثاني من عام (١٩٩٨ م) و كانت الفكرة الأصلية في المبادرة هي (الحكومة المشتركة) على مبدأ (الأرض مقابل الوضع) بحيث تشترك جمهورية أذربيجان و منطقة قره باغ الجبلية في حكومة تشبه ما يُعرَف بالكونفيدرالية15. و هذه المرّة كانت أذربيجان هي المُعترضة على الاقتراح لاعتقادها بانتقاص حقّها في السيادة الوطنية.
وفي عام (١٩٩٩ م) عقد حيدر علييف (رئيس جمهورية أذربيجان) و روبرت كوتشاريان (رئيس أرمينيا) عدداً من الجلسات الثنائية المباشرة فيما بينهما، و قدأحرزت مباحثات الطرفين بعض النجاح بفضل وساطة الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك في مارس/آذار من عام (٢٠٠١ م)، دعت الولايات المتحدة في أبريل/نيسان من نفس العام طرفيْ النزاع و رؤساء مجموعة (مينسك) إلى الاجتماع في (كيوست) في ولاية فلوريدا لمواصلة محادثات السلام هناك. و رغم أنّ مبادرة (كيو ست) للسلام كانت سرية و غير رسميّة، إلّا أنّه كان على أساس (تبادل الأرض) أو (الأرض مقابل الأرض) و تقوم جمهورية أذربيجان بموجبه بتسليم السيادة على قره باغ و ممر (لاتشين) إلى أرمينيا و في مقابل ذلك تتخلّى أرمينيا عن ممرّ (مغري-باكو) إلى أذربيجان ممّا يعني بقاء الاتّصال الأرضي بين نخجوان و أذربيجان16. و بعبارات أخرى، فإنّ مبادرة (كيوست) للسلام منح طرفيْ النزاع إمكانية الاتصال (الجغرافي) بالوطن الأمّ، أي اتّصال قره باغ بأرمينيا و نخجوان بأذربيجان. و رغم أنّ كولن باول – وزير الخارجية الأمريكيّ – أتاح للطرفين فرصة تعديل مشروع (كيوست) فإنّ أيّاً منهما لم‌يقبل بالمشروع المذكور، حيث أعلنت أذربيجان من جانبها أنّ هذا المشروع من شأنه أن ينتقص من سيادتها على أراضيها.
بعد مرور ستّ سنوات، أي في نوفمبر/تشرين الثاني عام (٢٠٠٧ م) تقدّمت مجموعة (مينسك) حزمة جديدة من الاقتراحات عُرضت للمرّة الأولى في الاجتماع الوزاري لمنظمة الأمن و التعاون الأوروبي في (مدريد) وتضمّنت عدداً من المبادئ الأوليّة لطرفيْ النزاع و لهذا سُميت هذه الحزمة بمبادئ مدريد. و أمّا المحاور الرئيسة التي اشتملت عليها فهي:
أ) إعادة المناطق المحيطة بقره باغ الجبلية إلى أذربيجان.
ب) ضمان الأمن و الحكم الذاتي لمنطقة قره باغ كإجراء مؤقّت.
ج) إيجاد ممرّ للانتقال بين أرمينيا و قره باغ.
د) تقرير الوضع النهائيّ لقره باغ في المستقبل وفق الموادّ القانونية المُلزِمة.
هـ) منح اللاجئين حقّ العودة إلى مناطق سكناهم الأصلية.
و) ضمان الحماية الدولية عبر عمليات حفظ السلام17.
إلّا أنّه لم يتمّ تحديد طريقة إجراء الاستفتاء لمواصلة المفاوضات في المستقبل. و قد وافق الطرفان مبدئياً على بعض المبادئ و المواد لكنّهما لم‌يتّفقا على موضوع (الوضع النهائي لقره باغ) و (المهلة الأخيرة لانسحاب القوات الأرمينية من المنطقة).
وكانت أرمينيا تصرّ على إجراء استفتاء عامّ حول استقلال قره باغ و انفصالها، في حين أنّ جمهورية أذربيجان كانت تعتقد بأنّ أيّ تغيير في حدودها لا بدّ أن يحصل وفق استفتاء وطنيّ على مستوى البلاد كلّها و ليس في قره باغ وحدها. و لم يتمّ إنهاء الخلاف بين الطرفين على الرغم من التعديلات و الإصلاحات التي أُجريت على مبادئ مدريد في السنوات التي تَلت ذلك.
وفي السنوات اللاحقة لم تحرز مفاوضات السلام، بل لم يُبد أيّ من رئيسيْ البلديْن استعداده لحضور جلسة منظمة الأمن و التعاون الأوروبي التي عُقدت في آستانه في ديسمبر/كانون الأوّل من عام (٢٠١٠ م). ثمّ أُجريت مفاوضات للسلام في (كازان) في يونيو/حزيران (٢٠١١م) بدعوة من (مدفيديف) رئيس جمهورية روسيا، و لم تُسفر كذلك عن أيّ نتيجة تُذكَر. و كان فشل مفاوضات (كازان) يعني أنّ مسألة قره باغ دخلت طريقاً مسدوداً بالفعل، و قد أدّت حرب قره باغ التي نشبت في أبريل (٢٠١٦م) إلى توتّر الوضع أكثر ممّا كان عليه في السابق ممّا جعل الوصول إلى حلّ لهذه الأزمة أكثر صعوبة.
وخلال الفترة التي كانت فيها مفاوضات السلام في قره باغ جارية كانت مجموعة (مينسك) و منظمة الأمن و التعاون الأروبي تلعبان دوراً محورياً في تلك المفاوضات، بينما تمّ استبعاد الجمهورية الإسلامية في إيران عن تلك المفاوضات و صنع القرار و الوساطة رغم أنّها اللاعب الأهم في المنطقة و البلد الوحيد الذي يملك حدوداً مشتركة مباشرة مع كلّ من أرمينيا و أذربيجان و قره باغ، و لذلك لم يسجّل لإيران أيّ دور متميّز خلال تلك الفترة. و لا بدّ من الالتفات هنا إلى أنّ لاعباً آخر مهمّاً في المنطقة كان قد أُقصي أيضاً عن مفاوضات السلام و هو تركيا. لا شكّ في أنّ أهمّ مسألة خلافية كانت قائمة بين طرفيْ النزاع و أدّت إلى فشل الوساطات هي (تعيين الوضع النهائي لقره باغ الجبلية)، و قد قدّمت مجموعة (مينسك) و منظمة الأمن و التعاون الأوروبي العديد من المقترحات حتى الآن لوضع حدّ للنزاع في قره باغ لكنّها لم‌تُفلح في إقناع أيّ طرف من طرفيْ الصراع بقبول أيّ من تلك المقترحات.
 
العناصر المؤثّرة في قضية قره باغ
تشير الخلفية التاريخية للمفاوضات الخاصة بشأن قره باغ أنّ هذه المشكلة القديمة تتضمّن الكثير من الأبعاد المعقّدة بالإضافة إلى تأثير اللاعبين الدوليين عليها. و لا شكّ في أنّ مسألة قره باغ تنطوي على بعد قوميّ-سيادي إلّا أنّ مصالح اللاعبين الأجانب زادت من تعقيدات المسألة. و فيما تفصيل لكلّ عامل من العوامل الداخلة في هذا الموضوع بشكل منفصل.
عند مناقشة مسألة قره باغ تبرز ثلاثة عوامل رئيسة هي الجغرافيا السياسية للمنطقة و القدرة الاقتصادية و الاستثمارات العسكريّة. فالجغرافيا السياسية بالنسبة لكلّ واحد من طرفيْ الصراع مؤثّرة في الوضع السياسيّ الحاكم في قره باغ؛ ثمّ يأتي بعد ذلك عامل القدرة الاقتصادية للطرفيْن في قره‌باغ الجبلية و الذي يتركّز بصورة خاصّة على آبار النفط في باكو. و أمّا العامل الثالث فهو الاستثمارات العسكريّة لكلتا الدولتيْن (أرمينيا و أذربيجان) و التي تشكّل إحدى عناصر القوة العسكرية لكلّ منهما خلال الصراع. يُضاف إلى ذلك فإنّه كلّما كان حجم التخصيصات المالية كبيراً كان ذلك إشارة إلى ازدهار تجارة السلاح في المنطقة٬ لهذا فمن الطبيعي أن لا يرغب تجار الأسلحة و المعدات العسكرية في حلّ هذا النزاع و إنهائه سريعاً.
أ) الجغرافيا السياسية في المنطقة: فيما يخصّ هذا العامل يمكن القول بأنّ منطقة قره باغ الجبلية تُمثّل أرضاً خارجة و غير رسمية بالنسبة إلى أرمينيا لأنّها تقع داخل أراضي أذربيجان، و في مقابل ذلك فإنّ نخجوان تقع خارج أراضي أذربيجان تقطعها أراضي أرمينيا. و منذ انتهاء حرب قره باغ الأولى في (١٩٩٤ م) و إلى يومنا هذا استطاعت أرمينيا الوصول إلى منطقة قره باغ بريّاً و ذلك من خلال احتلالها للمناطق المحيطة بقره باغ مثل ممرّ لاتشين و استطاعت أن‌تسجّل تفوقاً نسبياً على منافستها أذربيجان، في الوقت الذي لم يحدث مثل هذا الاتّصال البريّ بين نخجوان و أذربيجان. هذا، و سعت مجموعة (مينسك) في المبادرة التي قدّمتها في (كيو ست) إلى إجراء مبادلة بين ممرّ لاتشين مع المعبر البريّ لمغري، لكنّ جمهورية أذربيجان رفضت الاقتراح معتبرة أنّ التخلّي عن قره باغ و المدن المحيطة بها ينتقص من سيادتها.
وأمّا المنفعة الأخرى التي تقدّمها المناطق المحتلّة حول قره باغ لأرمينيا فهي كونها منطقة فاصلة (Buffer Zone) بين أرمينيا و القوات الآذرية و في حال شنّ الآذريون أيّ حملة على قره باغ فإنّ الحرب تبدأ أوّلاً في المناطق المتاخمة لقره باغ (أي المناطق المحيطة الفاصلة) قبل وصولها إلى أرمينيا.
وخلافاً لجمهورية أذربيجان التي تطلّ على بحر قزوين فإنّ أرمينيا محاصرة من جميع الجهات بالأرض (Landlocked) و لا تربطها علاقات ودية مع اثنين على الأقل من جيرانها المحيطين بها أعني أذربيجان و تركيا و ذلك بسبب النزاع في قره باغ ممّا أدّى إلى تشديد الخناق على أرمينيا.
وخلال حرب قره باغ في (٢٠٢٠ م) كانت جورجيا البلد الثالث الذي أغلق حدوده مع أرمينيا فأصبحت الأراضي الإيرانية هي المعبر الوحيد لانتقال أرمينيا إلى المناطق الأخرى؛ أمّا اتّصال أذربيجان ببحر قزوين و علاقاتها الوديّة مع جاراتها أكسبها تفوقاً نسبياً بالمقايسة مع أرمينيا.
ب) القدرة الاقتصادية: إذا عقدنا مقارنة بين أذربيجان و أرمينيا في مجال القدرة الاقتصادية فإنّ لأذربيجان اليد العُليا بفضل حقول النفط و الغاز التي تمتلكها في باكو و قد أدّت صادراتها من النفط و الغاز إلى حصولها على دخل سنويّ كبير بالمقارنة مع الدخل الذي تمتلكه أرمينيا. و إلى جانب ضعف القدرة الاقتصادية لأرمينيا٬ فإنّها محرومة من أيّ نوع من أنواع التعاون بينها و بين جاراتها من الدول المتاخمة لها و كذلك من المشاريع التنموية المشتركة مع تلك الدول. فخطّ أنابيب النفط الذي يربط باكو - تفليس - جيحان و أنابيب الغاز الطبيعي المعروفة بـ(ترانس آناتولین TANAP) و خطوط الغاز الموجودة في القوقاز الجنوبي ثمّ خطّ سكك الحديد الذي يربط باكو بتفليس و قارص هي ثلاثة مشاريع مشتركة أسهمت فيها كلّ من أذربيجان و جورجيا و تركيا و ما زالت قيد الإنشاء و لا تمرّ عبر أراضي أرمينيا فحرمتها من الانتفاع بأيّ منها، و يُمثّل هذا الحرمان عقاباً فرضته أذربيجان و تركيا على أرمينيا بسبب مشكلة قره باغ الجبلية.
ج) الاستثمارات العسكريّة: إذا بحثنا في الإحصائيات الخاصة بالبرامج و الميزانية العسكرية لكلّ من أرمينيا و أذربيجان سنجد تنافساً شديداً بينهما في مجال التسلّح خلال السنوات الطويلة الماضية، و يمكن ملاحظة هذا الأمر من خلال الإحصائيات الصادرة عن مؤسسة أباوث السلام العالمية في ستوكهولم.
وفيما يأتي جدول يبيّن النفقات العسكرية لكلّ من أرمينيا و أذربيجان في السنوات من (٢٠٠٠م) إلى  (٢٠١٦م) - الأرقام المدوّنة محسوبة بملايين الدولارات:
جدول (١): الميزانية العسكرية لأذربيجان و أرمينيا بملايين الدولارات (٢٠٠٠-٢٠١٦م)
 
 
 
المصدر: Stockholm International Peace Research Institute (SIPRI), 2017.
ما يلفت النظر في الجدول أعلاه هو تفوق أذربيجان الواضحة في الإنفاق العسكري، و التي كانت قد أعلنت قبل بضع سنوات أنّ ميزانيتها العسكرية ستفوق قريباً الميزانية الوطنية برمّتها لأرمينيا بمراحل18.
ويعزى تفوق أذربيجان في هذا المجال إلى عدد من العوامل، منها: امتلاك أذربيجان للكثير من الثروات الهيدروكاربونية و صادرات النفط و الغاز و حصولها على دخل كبير إزاء ذلك مقارنة بأرمينيا ممّا يمنحها قدرة أكبر على الاستثمار في المجال الدفاعي و الأمني، كما يمكّنها ذلك من شراء مقادير أكبر من الأسلحة و المعدّات العسكرية. يُضاف إلى هذا تأسّست في جمهورية أذربيجان سنة (٢٠٠٥ م) وزارة جديدة باسم (وزارة الصناعات الدفاعية) بأمر من رئيسها إلهام علييف، بهدف تعزيز قدراتها العسكرية أكثر فأكثر.
وأمّا العامل الآخر لتفوق أذربيجان في مجال شراء الأسلحة و المعدات العسكرية فهو حلفاؤها الاستراتيجيون و خصوصاً تركيا و إسرائيل، فبالإضافة إلى الأسواق العالمية أصبحت باكو قادرة كذلك على شراء الأسلحة التي تحتاج إليها من إسرائيل و تركيا، لكن لا بدّ هنا من الإشارة إلى نقطة مهمّة و هي أنّ إيروان عضو في منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO) بقيادة موسكو و بهذا يمكن لأرمينيا استيراد الأسلحة التي تريدها من روسيا بالثمن الداخلي ممّا يخفّض النفقات عليها بشكل كبير19.
اللاعبون التقليديون المؤثّرون في قضية قره باغ
إلى جانب العوامل التي كانت مؤثّرة في تحديد مجريات الحرب في قره باغ هناك لاعبون آخرون أيضاً في حرب قره باغ لا يمكن تجاهلهم. من بين هؤلاء أعضاء في مجموعة (مينسك) مثل روسيا و الولايات المتحدة و بعض أعضاء الاتّحاد الأوروبي، و قد لعب كلّ منهم دوراً بشكل أو بآخر في نزاع قره باغ و إن كان دوراً فاشلاً في بعض الأحيان. هذا بالإضافة إلى لاعبين آخرين أثبتوا وجودهم في الصراع المذكور مثل تركيا و إيران و إن كانوا بعيدين عن عملية صنع القرار في النزاع، و لكن لا مفرّ من الرجوع إليهما و الأخذ بآرائهما للوصول إلى حلّ نهائيّ.
روسيا: ما ينبغي معرفته بشأن روسيا و موقفها حيال جنوب القوقاز هو أنّ موقفها من أرمينيا و أذربيجان و جورجيا هو موقف أمنيّ يمكن ملاحظته في حضور روسيا العسكري داخل الأراضي الأرمينية، فالقاعدة العسكرية الروسية (١٠٢) تقع في منطقة (غيومري) شمال غرب أرمينيا و بالقرب من الحدود التركية، و ترغب روسيا في بقاء أرمينيا حليفة أمنية لها لتحول دون لجوئها إلى القوى العالمية الكبرى الأخرى و في الوقت نفسه كسب ودّ أذربيجان.
ناهيك عن أنّ روسيا نفسها مكوّنة من خليط من القوميّات و يُعتبر الأرمن و الآذريين و الجورجيين أقلّيات تعيش داخل روسيا، و يرى بعض المهتمّين بشؤون القوقاز أنّ قوقازاً جنوبياً داخلياً موجوداً بالفعل داخل المجتمع الروسيّ20. فمن جهة يمثّل الأرمن القومية الكبرى الرابعة في المجتمع الروسي بعد القومية الروسية نفسها و التتر و الأوكرانيين، و من جهة أخرى فإنّ أغلب الآذريين في الخارج يعيشون في روسيا بعد إيران و أذربيجان.
وقد أدّت كلّ تلك العوامل إلى اتّخاذ روسيا موقفاً متبايناً إزاء قره باغ الجبلية بالمقايسة مع أبخازيا و أوسيتيا الجنوبية، و هي تحاول في حرب قره باغ عدم اتّخاذ أيّ موقف ثابت إزاء أيّ من طرفيْ النزاع بل تحرص على أن تبقى علاقاتها متوازنة معهما. إضافة إلى ذلك يسعى طرفا النزاع في قره باغ إلى الحصول على دعم القوى الأجنبية الكبرى، و لذلك فإنّ كلّاً من باكو و إيروان يعقدان الأمل على روسيا و حمايتها، و في المقابل استطاعت روسيا المحافظة على سياسة التوازن الإيجابي كما تعمل جاهدة للعب دور فعّال وعدم الانحياز لمصلحة طرف ضدّ الطرف الآخر. لكنّ ذلك لا يعني بأيّ حال أنّها لا تبيع السلاح و العتاد لأرمينيا و أذربيجان أو أنّها لا تعمل أحياناً على ترجيح كفّة أحدهما على الآخر.
الولايات المتحدة: على الرغم من أنّ منطقة جنوب القوقاز لا تخلو من الأهمية بالنسبة إلى الولايات المتحدة إلّا أنّ تلك المنطقة تُعتبر أهمّ بالنسبة إلى إيران و تركيا و روسيا بالمقايسة مع أهميّتها للولايات المتحدة؛ بعبارة أدقّ فإنّ جنوب القوقاز بحدّ ذاته ليس مهمّاً بالنسبة إلى الولايات المتحدة بل تكمن أهميّته في ارتباط قضاياه بالشرق الأوسط و المصالح الإقليمية و مواجهة المدّ الروسيّ و الإيرانيّ، لهذا ومن أجل فهم المقاربة الأمريكيّة إزاء قره باغ الجبلية ينبغي بحث النزاع فيها وفق المصالح الأبعد و السياسات الإقليمية للولايات المتحدة.
وبالنظر إلى هذه النقطة لا بدّ من الالتفات إلى أنّه من وجهة النظر الأمريكية فإنّ أرمينيا و أذربيجان معاً تؤلّفان منطقة واسعة تَفي بالغرض الأمريكيّ الذي يشكّل سياستها في الشرق الأوسط. و بعبارة أخرى فإنّ أرمينيا و أذربيجان في نظر المسؤولين في البيت الأبيض تُمثّلان مفتاحيْن للوصول إلى مصالحهم في الشرق الأوسط، فالولايات المتحدة تحصل على مصالحها عن طريق حلفائها المقرّبين و لاسيّما إسرائيل و في الوقت نفسه تسعى إلى الحفاظ على مصالح إسرائيل أيضاً.
وبالاستناد إلى التصريحات الأمريكية فإنّ مشروع الشرق الأوسط الكبير ما زال يواجه الكثير من العوائق و منها ضمان أمن إسرائيل و السيطرة على مصادر الطاقة الرئيسية في المنطقة. و ترى الولايات المتحدة أنّ القوقاز الجنوبيّ يُمثّل عقبة في طريق الوصول إلى الشرق الأوسط الكبير و لذلك لا بدّ من استتباب الأمن و الاستقرار فيه. و تزداد أهمية منطقة القوقاز الجنوبي عندما تدعو الضرورة إلى وجود نفوذ أمريكيّ على طول حدود تلك المنطقة مباشرة مع الحدود الإيرانية و الروسية و هما المنافسان الأصليان للولايات المتحدة.
هذا، و تُبدي الولايات المتحدة رغبة كبيرة في تمتين علاقاتها مع باكو، ففي عام (٢٠١٠ م) صرّحت هيلاري كلينتون (وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك) في أثناء زيارتها لباكو بأنّ أولويات الولايات المتحدة الأمريكية الأصلية إزاء أذربيجان تكمن في مجال الطاقة و التقنية العسكرية21. و أمّا موقف الولايات المتحدة من أرمينيا فهو يندرج في إطار الموقف ضدّ تركيا و الحفاظ على مصالح إسرائيل. و في الحقيقة أنّ واشنطن تعتبر أرمينيا وسيلة لمواجهة المدّ التركيّ فسياسة العثمنة الجديدة التي امتدّت إلى خارج المنطقة أيضاً جعلت الولايات المتحدة مصمّمة أكثر من السابق على اتّخاذ هذا الموقف.
كلّ هذه الأمور دفعت الولايات المتحدة إلى اتّباع سياسة متوازنة في قضية قره باغ، فواشنطن لا ترغب في الانحياز إلى أحد طرفيْ النزاع بل تسعى إلى اتّخاذ موقف وسط٬ ليس لنفس الأسباب التي لدى روسيا ولكن ضمن سياسة مشابهة. كما لاتحبّ تعكير روابطها مع أيّ من طرفيْ النزاع في قره باغ، و لهذا عندما تميل المفاوضات إلى إيجاد حلّ نهائيّ للقضية فحينئذ لن تكون هناك ضرورة لاتّخاذ موقف متوازن بل ستكون مضطرّة إلى ترجيح كفّة أحد الطرفيْن على الآخر. و في الواقع فإنّ الولايات المتحدة تتّبع سياسة مشابهة لروسيا و هي التهرّب من الوضع، و لذلك فإنّ بقاء مسألة قره باغ دون حلّ حتى الآن و اعتبارها (صراع مُجَمَّد) يصبّ في مصلحة كلّ من الولايات المتحدة و روسيا و هو أفضل الأوضاع بالنسبة إليهما.
الاتّحاد الأوروبيّ: تغيّرت سياسة الاتّحاد الأوروبي و موقفه إزاء قضية قره باغ على مرّ الوقت، ففي عام (١٩٩١ م) عندما انهار الاتّحاد السوفياتي (السابق) كان الاتّحاد الأوروبي (الذي كان يسمّى السوق الأوروبية و لم يزد عدد أعضائها عن اثني عشر عضواً) يُمثّل معسكراً اقتصادياً و ليس معسكراً سياسياً و لم يكن يعبأ بدول الشرق؛ إلّا أنّ السياسة الخارجية للاتّحاد الأوروبيّ تغيّرت مع مرور الوقت و اكتسبت أهمية أكبر.
وهكذا اتّسمت سياسة هذا الاتّحاد أوّلاً بصبغة سياسية إضافة إلى البعد الاقتصادي، و ثانياً ازداد اهتمامه بالأقطار الشرقية من القارة، الأمر الذي يعزو اختلاف السياسة الأوروبية حيال منطقة القوقاز و قره باغ خلال جولتي الصراع في هذه المنطقة  في (١٩٩٢ م) و(٢٠٢٠ م).
ولكي نفهم الموقف الحالي لأوروبا إزاء مسألة قره باغ لا بدّ أن نأخذ في الاعتبار تحوّلين جوهريّين في السياسة الأوروبية تجاه القوقاز، ففي عام (٢٠٠٩م) أسّس الاتّحاد الأوروبي منظمة باسم (الشراكة الشرقية Eastern Partnership) و التي تُعرَف اختصاراً بـ(EuP) و ضمّت أعضاء الاتّحاد الأوروبي و ستّ دول مستقلّة أخرى هي: أوكرانيا و مولدافيا و بيلاروسيا و جورجيا و أذربيجان و أرمينيا.
أمّا الخطوة الأخرى للاتحاد الأوروبي فهي تدوين سياسته الخارجية المعروفة بـ(سياسة الجوار الأوروبي The European Neighbourhood Policy) أو (ENP) اختصاراً ليتمكّن الاتّحاد من إنهاء الصراعات التي تقع في المناطق المحيطة بأوروبا و لا سيّما الدّول التي انفصلت عن الاتّحاد السوفياتي السابق. و الهدف من سياسة الاتّحاد الخارجية هذه توفير بيئة تتّسم بالأمن و السعادة و الديمقراطية في جوار الاتّحاد الأوروبي22. و هكذا يمكن وصف السلوك الجديد للاتّحاد الأوروبي إزاء قره باغ الجبلية بأنّه توليفة من الشراكة الشرقية و سياسة الجوار الأوروبية. فالاتّحاد الأوروبي لا يرغب في تجاهل وساطة منظمة الأمن و التعاون الأوروبي لكي يحافظ على الإمساك بزمام المبادرة. و ثانياً، إنّ الدّول الأعضاء في الاتّحاد تسعى إلى إثبات حضورها الفعّال في عملية السلام من خلال تينك السياستين حيث يمكن لهذه العملية أن تحفظ مصالح الاتّحاد السياسية و الأمنية و الاقتصادية على حدّ سواء.
 
اللاعبون الجُدد في حرب قره باغ (٢٠٢٠ م)
يشير وجود اللاعبين الحاليين في حرب (٢٠٢٠ م) في قره باغ الجبلية إلى أنّ هذه الحرب تختلف بشكل جوهريّ و واضح عن حرب عام (١٩٩٢ م) و حالة وقف إطلاق النار الهشّة خلال الستّ و العشرين سنة الماضية، فهؤلاء اللاعبين الجُدد تسبّبوا في إخراج حرب قره باغ الجبلية من إطارها التقليديّ، أي الصراع القومي و الصراع على الأرض لتكتسب أبعاداً جديدة أخرى. و هنا يمكن الإشارة بشكل خاصّ إلى بعض اللاعبين مثل تركيا و إسرائيل و كلاهما يؤيّدان سياسة أذربيجان و يُطالبان بخروج القوات الأرمنية من قره باغ الجبلية.
أ) تركيا: تُعتبر تركيا أحد أقدم حلفاء أذربيجان حيث وقفت إلى جانبها في حرب قره باغ في الأعوام (١٩٩٢ -١٩٩٤م) و قطعت علاقاتها مع أرمينيا. و للاتّحاد التركي الأذربيجانيّ جذور قومية و مذهبية يستند في أساسه إلى سياسة كمال أتاتورك التي تتضمّن العداء التقليديّ للأرمن فيما تشتدّ الضغوط الدولية لإثبات التطهير العرقي للأرمن على يد الدولة العثمانية، و لكن منذ عام (٢٠٠٢ م) خصوصاً بعد صعود حزب العدالة و التنمية إلى سدّة الحكم في تركيا تعرّضت السياسة الخارجية لتركيا في المنطقة إلى الكثير من التغييرات، فقبل ذلك التاريخ كانت السياسة التركية متأثّرة بالسياسة الكمالية (نسبةً إلى كمال أتاتورك) التي كانت تصرّح بنقاء الجنس التركيّ و الاستناد إلى المعسكر الغربي، و مع مجيء حزب العدالة و التنمية و على رأسه الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان أصبحت العثمانية الحديثة أساس السياسة الخارجية التركية.
وتستند السياسة العثمانية الحديثة إلى إحياء التراث الإمبراطوري للعثمانيين و الاستيلاء من جديد على المناطق التي كانت تحت سيطرتها في الزمن الغابر، و لهذا فإنّ المسائل التي تحيط بتركيا مثل قبرص و مسألة كردستان و الحرب في سوريا و احتلال بيت المقدس و الضغط الممنهج على الفلسطينيين و ضمّ شبه جزيرة (القرم) إلى روسيا و قضية قره باغ هي من ضمن القضايا التي تهتمّ بها الإيديولوجيا السياسية للعثمانية الحديثة23.
واليوم٬ فإنّ حضور تركيا الواضح في مسألة سوريا و ليبيا و تنافسها مع إيران و روسيا يصبّ في إطار السياسة المذكورة أيضاً، أمّا دعم تركيا للقوات الأذربيجانية في حرب قره باغ (٢٠٢٠ م) فلا يخرج عن الإطار نفسه.
وبإيجاز فإنّ ما تتطلّع إليه السياسة التركية في حرب قره باغ هو بقاء المصالح السياسية و العسكرية و الأمنية لحزب العدالة و التنمية في المنطقة، و من بينها الحضور العسكري المباشر لتركيا في منطقة القوقاز الجنوبي و الوصول بشكل مباشر إلى مياه بحر قزوين و آبار النفط في باكو، و هو ما يسعى إليه حزب العدالة و التنمية الذي يقوده رجب طيّب أردوغان. كما أنّ عدم استخدام الأراضي الإيرانية يمكن أن يقلّل من من مصالح المنافس (إيران) و يُقلّل من مضايقة الحصار الأمريكيّ أو التعرّض له.
ب) إسرائيل: وفقاً لِما بيّنته بعض التقارير بوضوح أصبحت إسرائيل و أذربيجان حليفيْن كبيريْن و لا سيّما خلال فترة رئاسة إلهام علييف في السنوات الأخيرة حيث لم يقتصر التعاون بين هاتيْن الدولتيْن على تجارة الأسلحة و المعدّات العسكرية بل تعدّاها ليشمل المجال الزراعي و العلمي و الصحيّ و غير ذلك ممّا زاد في تعزيز العلاقة بينهما. و بالاستناد إلى التقرير الذي نُشِر في صحيفة (جيروزاليم بوست) فإنّ إسرائيل تستورد ما يقرب من (٤٠٪) من النفط الذي تحتاجه من أذربيجان، و من ناحية أخرى فإنّ حدود أذربيجان مع إيران – العدوّ اللدود لإسرائيل – توفّر لإسرائيل فرصة ثمينة لاستكمال حصولها على المعلومات الاستخبارية و الأمنية و العسكرية من كثب. و كتبت صحيفة (إسرائيل ها يوم) بأنّ أذربيجان سوف تسمح للقوة الجوية الإسرائيلية باستخدام قواعدها لقصف بعض المناطق داخل إيران24. و قد أدّى هذا التعاون الوثيق بين باكو و تل أبيب في المجال العسكري و الأمني و التجاري و في مجال الطاقة و الزراعة و الصحة و ما شابه إلى توسيع نطاق المصالح و الأصدقاء والأعداء المشتركين.
وتُعدّ مسألة قره باغ الجبلية واحدة من المصالح المشتركة بين أذربيجان و إسرائيل و هو ما صرّح به كذلك المسؤولون في أذربيجان، و منها تصريح (ألين سليمانوف) سفير أذربيجان لدى واشنطن في المؤسسة اليهودية لشؤون الأمن القومي (JINSA) بعد أيام قلائل من نشوب حرب قره باغ، و بالتحديد في الثامن من أكتوبر/تشرين الأوّل عام (٢٠٢٠ م).
قال سليمانوف إنّ أذربيجان لا تختلف بالضرورة عن الولايات المتحدة أو إسرائيل، فإذا نظرنا إلى المنطقة بدقّة فإنّ أذربيجان تواكب الدول المسيحية الأخرى و إسرائيل و غيرها، لكنّ أرمينيا بشكل عام تسير في الطريق المُغاير بشكل واضح. و أكّد سليمانوف على أنّ أرمينيا تستخدم نفس البروبوغاندا التي كان الاتحاد السوفيتي السابق يستخدمها ضدّ إسرائيل في الماضي. و جواباً على ما ذكره سليمانوف قال (سوانت كورنل) الخبير في المؤسسة اليهودية لشؤون الأمن القومي إنّ الشعبيْن الأذربيجاني و البحرينيّ أثبتا بجدارة أنّ وجود أغلبية شيعية فيهما لا يعني بالضرورة أن يتصرّفا مثل إيران25.
وإضافة إلى تلك التصريحات الصادرة عن المسؤولين الأذربيجانيين فإنّ تجارة الأسلحة بين أذربيجان و إسرائيل كانت تمثّل جانباً آخر لحلفهما و موقفهما من قره‌باغ. و بالاستناد إلى تقرير مؤسسة بحوث السلام الدولي في ستوكهولم فقد صدّرت إسرائيل وحدها إلى أذربيجان حوالي ثُلثي السلاح الذي استخدمته أذربيجان، أي ما يُعادل نسبة (٦١٪). و من بين الصادرات الإسرائيلية الطائرة الانتحارية من دون طيّار من طراز (IAI Harop) و القنابل العنقودية (M095 DPICM)، و تشير التقارير الخاصّة بصادرات الأسلحة الإسرائيلية إلى أذربيجان إلى مقدار الأرباح التي تحصل عليها تل أبيب بفضل تجارة الأسلحة و بالتالي رغبتها في استمرار الصراع في قره باغ، و أمّا أرمينيا فهي محرومة من سوق السلاح الإسرائيليّ. و قد أثار بيع إسرائيل الأسلحة إلى أذربيجان احتجاج أرمينيا فقامت باستدعاء سفيرها في إسرائيل للتشاور. و تشير هذه المسألة بالذات إلى أنّ هدف إسرائيل من حرب قره باغ ليس بيع للسلاح و حسب بل تسعى كذلك إلى إيصال حليفتها باكو إلى مشارف النّصر في تلك الحرب.
ونستنتج من دعم إسرائيل لأذربيجان أنّ مصالح تل أبيب تتجاوز موضوع بيع السلاح و العتاد لحليفتها في المنطقة فبيع السلاح يُمثّل جانباً واحداً من المسألة برمّتها والجانب الآخر من المسألة يتمثّل في حرمان الطرف الثاني في الصراع من السلاح الإسرائيلي رغم حاجته الماسّة لذلك. كما أنّ المصالح الإسرائيلية تتعدّى تثبيت موطئ قدم لها في أذربيجان لتكون قريبة من الحدود الإيرانية فمثل هذه الميزة كانت موجودة بالفعل فهي لا تُحسب ميزة جديدة بالنسبة إلى إسرائيل، أمّا الشيء الجديد فهو إبعاد توتّرها مع إيران عن حدودها و نَقله إلى الحدود الإيرانية. و من خلال وجودها في الأراضي الأذربيجانية فقد تنجح إسرائيل بالفعل في إبعاد التوتّر عن حدودها و دفعه نحو الأراضي الإيرانية مع الأخطار التي يشكلّها الموقع الجغرافيّ؛ و بعبارة أخرى فإنّ دعم إسرائيل لأذربيجان في حرب قره باغ يعني كسب عُمق استراتيجيّ (Strategic Depth) أبعد، ممّا يعني نَقل التوتّر إلى الحدود الإيرانية.
 
مستقبل الصراع في قره باغ
قد يبدو للوهلة الأولى أنّ المعاهدة الثلاثية التي وقّعت بين كلّ من روسيا و أذربيجان و أرمينيا لإنهاء حرب قره باغ (٢٠٢٠ م) قد أنهت جميع المسائل العالقة والصراع التاريخيّ في قره باغ إلى الأبد٬ حيث استرجعت أذربيجان سبعاً من مناطقها التي كانت أرمينيا تحتلّها حول منطقة قره باغ٬ ومن الناحية الثانية فإنّ ممرّ لاتشين يصل قره باغ بأرمينيا تحت إشراف قوة حفظ السلام الروسية. و قد تعهّدت إيروان بإتاحة ممرّ في أراضيها يربط بين نخجوان و أذربيجان حيث تقع مسؤولية الحفاظ على أمنه على عاتق الروس أيضاً. و بهذا، نجحت موسكو - باعتبارها المنتصر الأكبر في حرب قره باغ – في فرض وقف إطلاق النار على كلّ من أذربيجان و أرمينيا و تعهّدت بمراقبة سلوك الطرفيْن و بذلك لعبت دور شرطي المنطقة هناك.
ما ينبغي الالتفات إليه بالدرجة الأولى هو احتمال عودة اتفاق السلام المُبرمة إلى المربّع الأوّل، فهذا الاتفاق الثلاثي لم يُنه الخلافات الموجودة بين طرفيْ النزاع حول قره باغ نهائياً، و السبب الذي دفع الطرفيْن إلى توقيع اتفاق السلام المذكور هو اختلال ميزان القوى في الحرب، فأرمينيا كانت قد خسرت كلّ حلفائها و داعميها قبل ذلك و كانت شبه محاصرة من جميع الجهات تقريباً، ثمّ أنّها فقدت الكثير من المناطق التي كانت تحتلّها من قَبل، و لهذا فإنّ خسارتها السريعة في الحرب كانت أمراً متوقّعاً تماماً. يُضاف إلى ذلك فإنّ رجحان كفّة ميزان القوة لصالح أذربيجان أدّى بالفعل إلى انتهاء الحرب و التوقيع على الاتفاق، و لهذا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ سريان اتفاق السلام (٢٠٢٠ م) بين طرفيْ النزاع مرتبط إلى حدّ كبير و بشكل مباشر بتوازن القوی لدى الطرفيْن، فإذا استطاع الأرمن تجديد قوّتهم و إمكانيّاتهم فلا شكّ في أنّ الاتفاق سوف ينتقض.
وعلى الرّغم من انتصار أذربيجان على عدوّها في حرب قره باغ (٢٠٢٠ م) إلّا أنّ المراقبين يتوقّعون مصيراً آخر ينتظر المنطقة في المستقبل، و هو ما صرّحت به كذلك صحيفة (ناشيونال إنترست) في تقريرها حيث قالت إنّ فرحة الآذريين سرعان ما ستتحوّل إلى قَلق حقيقيّ بعد أن يدركوا أنّ انتهاء حرب (٢٠٢٠ م) في الحقيقة قد سلبهم استقلالهم الذي كانوا ينشدون26.
وبعبارة أخرى فإنّ انتصار إلهام علييف في حرب قره باغ الأخيرة كان ثمنه انتقاص سيادة أذربيجان، فقد تعهّدت القوات الروسية بالحفاظ على أمن أراضي أذربيجان وفقاً للاتفاق المذكور. و يُذكَر أنّ تركيا ترغب هي الأخرى بإيجاد موطئ قدم عسكريّ لها في أذربيجان.
هذا و يمكن القول بأنّ إلهام علييف استبدل انتقاص سيادة أراضي أذربيجان (من قِبَل أرمينيا) بانتقاص سيادة بلاده الوطنية لصالح الروس و تركيا. و قد لا تظهر الآثار و النتائج الوخيمة لهذه المسألة على المدى القريب، لكن إذا خَبت نيران التوتّر بين الآذريين و الأرمن و استمرت حالة الاستقرار و الثبات في أذربيجان، عندئذ ستكون مسألة انتقاص السيادة الوطنية بداية تفجّر الخلافات الداخلية في جمهورية أذربيجان.
لن يقتصر التوتّر الداخلي الناجم عن الاتفاق الثلاثي على أذربيجان وحدها بل سيكون على أشدّه في أرمينيا أيضاً، فإذا كان الآذريون فقدوا سيادتهم الوطنية فقد خسر الأرمن في مقابل ذلك سيادتهم الوطنية و معنوياتهم القومية معاً؛ فمن جهة نصّت معاهدة (٢٠٢٠ م) على محافظة القوات الروسية على أمن المعبر الواصل بين نخجوان و أذربيجان، و في هذه الحالة فإنّ أرمينيا تشبه أذربيجان تماماً من حيث تعرّض سيادتها الوطنية و حكومتها المركزية للانتهاك و الانتقاص، و من جهة أخرى، انتقد الرأي العامّ الأرمني بشدّة أداء رئيس وزرائه (نيكول باشينيان) و لا سيّما في حرب قره باغ وقد انعكس ذلك بالهجوم على المباني الحكومية في أرمينيا و المظاهرات المتواصلة ليلاً و نهاراً و اشتباك المواطنين الأرمن مع قوات الشرطة و الأمن، كلّ ذلك أظهر سخط عموم الأرمن من التوقيع على معاهدة نوفمبر/تشرين الثاني (٢٠٢٠ م) بل و محاولات الشعب المتكرّرة لإسقاط حكومة (باشينيان)، فلطالما سعى الأرمن في الماضي إلى تأسيس دولة أرمينيا الكبرى و خاضوا على مرّ التاريخ العديد من الحروب العنصرية مع أذربيجان، و ها هم اليوم يتعرّضون لهزيمة قاسية بتخلّيهم عن قره باغ صاغرين بل وحتى روسية حليفتهم الكبرى طبّقت بحقّهم سياسة عقابية.
والأهمّ من التوتّر الحاصل داخل أرمينيا و أذربيجان هو الوضع السائد في العلاقات بين باكو و إيروان، إذ يبدو أنّ معاهدة (٢٠٢٠ م) الثلاثية ليس فقط لم‌تُحقّق النهاية المطلوبة للصراع في قره باغ بل قد تشكّل نقطة انطلاق لتوتّرات أعظم في المستقبل، و الرغبّة التي تسود الأرمن بشكل عامّ تتمثّل في الانتقام من الآذريين، فبعد أن خابت آمالهم في تحقيق تلك الرغبة في حرب قره باغ قد يتفجّر هذا الصراع من خلال توتّر آخر.
الأمر المؤكّد بشأن بين أذربيجان و أرمينيا هو احتمال استمرار حالة العداء أو ربّما زادت سوءاً، و قد تنتابها بعض التغييرات الظاهرة أيضاً، و مع ذلك فإنّ نقض معاهدة (٢٠٢٠ م) الهشّة أصلاً مرهون بشكل كبير بقدرة أرمينيا على استعادة حلفائها الذين فقدتهم و كسب ودّهم مرّة أخرى لتغيير ميزان القوى، و من هنا يمكن عقد الأمل على الأفق الرابع من آفاق قضية القوقاز الجنوبي، فمعاهدة (٢٠٢٠م) ضمنت المصالح الروسية و التركية و الإسرائيلية على حدّ سواء، أمّا الولايات المتحدة و الدّول الأوروبية فلم تجن من تلك المعاهدة أو الحرب أيّ فائدة و فقدت نفوذها و مكانتها السابقة في المنطقة و تخلّت عنها بشكل عمليّ.
 
خلاصة البحث
ما يمكن ملاحظته بشكل عامّ من حضور إسرائيل و تركيا في حرب قره باغ (٢٠٢٠ م) كلاعبيْن جديديْن هو أنّ الأهداف السابقة لهذه الحرب و هي استعادة أذربيجان لأراضيها المحتلّة لم تَعُد نفسها التي تقف وراء حضور تينك الدّولتيْن بل الهدف الرئيس هو رغبة تركيا في إحياء السياسة العثمانية القديمة مجدّداً و زيادة العُمق الاستراتيجيّ لتل أبيب، و لهذا فإنّ أيّ وقف لإطلاق النار أو مشروع للوساطة في قضية قره باغ سيكون مؤقّتاً و هشّاً. و رغم أنّ تركيا تُعتبر لاعباً قديماً في مسألة قره باغ إلّا أنّها استبدلت سياستها الخارجية الأتاتوركية بالسياسة العثمانية الحديثة في محاولة منها لإحياء الإمبراطورية في المنطقة المحيطة بتركيا. و قد أضافت المصالح الاقتصادية لتركيا في جمهورية أذربيجان عبئاً آخر على كاهل تركيا لتزيد من تصميمها و إصرارها على استعادة منطقة قره باغ.
من ناحية ثانية فإنّ تل أبيب تسعى هي الأخرى إلى تعزيز تواجدها في أذربيجان، و الأهمّ من ذلك نَقل التوتّر إلى الحدود الإيرانية و زيادة عُمقها الاستراتيجيّ هناك، إلى جانب ذلك فإنّ حضور إسرائيل في الشمال الغربي للحدود الإيرانية بحجّة حرب قره باغ يمكنه تسهيل مهمّة حصول القادة العسكريين الإسرائيليين على المعلومات الحسّاسة، و قد تمّ حتى الآن إسقاط عدد من الطائرات الإسرائيلية بدون طيّار حاولت التحليق في سماء الجمهورية الإسلامية في إيران. يُضاف إلى كلّ هذه العوامل فإنّ بيع السلاح الإسرائيليّ لأذربيجان يعود بالكثير من المنافع الاقتصادية على إسرائيل.
الأمر المسلّم به بالنسبة لمستقبل القوقاز الجنوبي هو استمرار التوتّر و التنافس في تلك المنطقة، و أمّا اتفاق (٢٠٢٠ م) فإنّه يقع على امتداد ما يُعرف بـ(الصراع المُجَمَّد) فهو إذاً اتفاق هشّ و ضعيف للغاية؛ فمن جهة يطالب الرأي العامّ الأرمنيّ باستعادة المناطق التي خسرها في حرب قره باغ الأخيرة. و وقد زادت الاحتمالات بنقض الاتفاق بعد سقوط حكومة (باشينيان) المضطربة و مجيء رئيس حكومة يساريّ على سدّة الحكم، و من جهة أخرى فإنّ السيادة الوطنية لكلا البلديْن قد تمّ انتهاكها، بعدما أصبحت القوات الروسية هي الشرطي الحاكم في منطقة القوقاز الجنوبي. كما ينتظر تفعيل دور اللاعبين الغربيين للتعويض عن الخسائر التي مُنوا بها و ضياع مصالحهم في المنطقة.
 
 
 
 
(الحاشية)
1 (Babayev et al., 2020: 17).
2 (Yunusov, 2005: 19).
3 (Yunusov, 2005: 21).
4 (Krüger, 2010: 4).
5 (Krüger, 2010: 24).
6 (Krüger, 2010: 25).
7 (Saparov, 2015: 110).
8 (Kazimirov, 2014: 540).
9 (Kazimirov, 2014: 542).
10 (Babayev, 2020: 21).
11 (Cornell, 2020).
12 (Babayev et al., 2020: 29).
13 (Babayev et al., 2020: 29).
14 (Babayev et al., 2020: 30).
15 (Babayev et al., 2020: 31).
16 (Babayev et al., 2020: 31).
17 (Babayev et al., 2020: 32).
18 (Babayev et al., 2020: 27).
19 (Crisis Group, 2016: 11).
20 (Markedonov, 2013: 133).
21 (Markedonov, 2013: 138).
22 (Brok, 2013: 107).
23 (Yavuz, 2020: xiii).
24 (Weil, 2020).
25 (Petti, 2020).
26 (Rubin, 2020).
مصادر البحث
 
Babayev, Azer; Schoch, Bruno; Spanger, Hans-Joachim (2020). The Nagorno-Karabakh Deadlock: Insights from Successful Conflict Settlements. Wiesbaden: Springer.
Brok, Elmar (2013). “The EU’s New Foreign Policy and Its Impact on the Nagorno-Karabakh Conflict”. Europe’s Next Avoidable War: Nagorno-Karabakh. London: Palgrave Macmillan.
Cornell, Svante (14 Nov. 2020). “How Did Armenia So Badly Miscalculate Its War with Azerbaijan?” (7 Dec. 2020), Online at https://nationalinterest.org/feature/how-did-armenia-so-badly-miscalculate-its-war-azerbaijan-172583?page=0%2C1.
Crisis Group (2016). Nagorno-Karabakh: New opening, or more peril? Baku/ Yerevan/ Vienna/ Brussels: Europe Report 239.
Kazimirov, Vladimir (2014). Peace to Karabakh: Russia’s Mediation in the Settlement of the Nagorno-Karabakh Conflict. Moscow: VES MIR.
Krüger, Heiko (2010). The Nagorno-Karabakh Conflict: A Legal Analysis. Heidelberg: Springer.
Markedonov, Sergey (2013). “The Cold War Legacy in Nagorno-Karabakh: Visions from Russia, the United States and Regional Actors”. Europe’s Next Avoidable War: Nagorno-Karabakh. London: Palgrave Macmillan.
Petti, Mathew (12 Oct. 2020). “Azerbaijan Makes Its Case to Pro-Israel Americans” (7 Dec. 2020), Online at https://asiatimes.com/2020/10/azerbaijan-makes-its-case-to-pro-israel-americans/.
Rubin, Michael (30 Nov. 2020). “Is This the End of Azerbaijan?” (7 Dec. 2020), Online at https://nationalinterest.org/feature/end-azerbaijan-173513.
Saparov, Arsène (2015). From Conflict to Autonomy in the Caucasus: The Soviet Union and the Making of Abkhazia, South Ossetia and Nagorno-Karabakh. New York: Routledge.
Weil, Benjamin (8 Oct. 2020). “How Israel Found Itself on the Same Side as Turkey and Syrian Rebels”. Online at https://www.israelhayom.com/2020/10/08/how-israel-found-itself-on-the-same-side-as-turkey-and-syrian-rebels/.
Yavuz, Hakan (2020). Nostalgia for the Empire: The Politics of Neo-Ottomanism, New York: Oxford University Press.
Yunusov, Arif (2005). Karabakh: Past and Present. Baku: Turan Information Agency.


قراءة: 474