فصلنامه مطالعات سیاست خارجی تهران
 

دول جنوب الخليج الفارسي و الانتخابات الأمريكية

حسین آجورلو
أستاذ مساعد في جامعة العلامة الطباطبائي، طهران، hoajorloo@yahoo.com.

ملخص:

تناول كاتب المقال بالبحث و التحليل تأثير الانتخابات في الولايات المتحدة الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني (٢٠٢٠ م) على السياسة الخارجية لدول جنوب الخليج الفارسي، و كذلك بحث وجهة نظر كلّ دولة من تلك الدّول إزاء مرشّحي الانتخابات، دونالد ترامب (الحزب الجمهوريّ) و جو بايدن (الحزب الديمقراطي). و كانت هذه الانتخابات – كما هو الحال مع الانتخابات الماضية – موضع اهتمام دول جنوب الخليج الفارسي بسبب تأثيرها في السياسة الخارجية الأمريكية و لا سيّما تطبيق تلك السياسة على منطقة الخليج الفارسي و غرب آسيا.
ورغم أنّ دول جنوب الخليج الفارسي و غرب آسيا لا تُصرّح بموقفها الرّسمي تجاه أيّ من المرشّحين مراعاةً لاعتبارات الوضع الداخلي في الولايات المتحدة و كذلك علاقاتها الطيبة مع كلا الحزبيْن، و لكن، بالنّظر إلى أهداف تلك الدّول السياسية و الأمنية و العسكرية و الاقتصادية فإنّها ترصد بدقّة البرامج و الخلفيّات و الإجراءات و الرّؤى لدى كلّ مرشّح إزاء تحوّلاتها الداخلية إلى جانب المُعادلات الإقليمية، و تؤيّد أحد المُرشّحيْن و لو بشكل خفيّ و غير رسميّ لكي تصل إلى غايتها الأصلية و إنجاح مرشّحها في الانتخابات.
من الواضح أنّ دونالد ترامب كان الخيار المفضّل لدى أغلب حكّام دول جنوب الخليج الفارسي لأسباب كثيرة أهمّها تشديد ترامب سياسة العقوبات الاقتصادية على الجمهورية الإسلامية في إيران من أجل احتوائها فضلاً عن دعمه لتوجّهات أولئك الحكّام الداخلية و الخارجية، و إن كان المرشّح الآخر – جو بايدن – يحظى بدعم بعض الحكّام و عناصر السلطة في تلك البلدان بسبب مقارباته التي تتميّز بليونة أكبر.
الكلمات  الأساسية: الانتخابات الأمريكية؛ السياسة الخارجية للولايات المتحدة؛ دول جنوب الخليج الفارسي؛ احتواء الجمهورية الإسلامية في إيران.

 

 

 

 

مقدّمة:
تُمثّل الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة عملية يصل بواسطتها شخص إلى رأس السلطة هناك بدعم من حزبه (الجمهوريّ أو الدّيمقراطيّ) ليحظى ذلك الشخص فيما بَعد بصلاحيات خاصّة و استثنائية ناجمة عن سلطته المُقرّرة بموجب الدستور الأمريكي. و يتيح هذا الموقع صلاحيات واسعة لاتّخاذ العديد من الاستراتيجيات و السياسات الكلية في المجالات السياسيّة و الاقتصاديّة و الأمنية و كذلك السياسة الخارجية. و بالنّظر إلى كون الولايات المتحدة دولة عُظمى في تركيبة النظام العالمي فلا شكّ أنّ لرئيسها المُنتخَب تأثيراً على ذلك النظام، و هناك لاعبون آخرون يحاولون التأثير و بأشكال مختلفة في الرئيس و سياساته بعيداً عن المنافسات السياسية الداخلية. على سبيل المثال٬ من بين المسائل المثيرة للجدل التي تطرحها التيارات الداخلية و خصوصاً التيار الذي يخسر الانتخابات الأمريكية هي مسألة التدخّل الخارجيّ في تلك الانتخابات. و من ناحية أخرى فإنّ للنجاح و الفشل في السياسة الخارجية تأثيراً٬ إلى حدّ ما٬ على قرار النّاخب الأمريكي، و لهذا يسعى المرشّحون إلى الدّفاع عن برامجهم في السياسة الخارجية و توجيه النَقد للبرنامج السياسي الخارجيّ للمرشّح الخصم في محاولة للحصول على أعلى قدر ممكن من الأصوات، و لم تكن انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني (٢٠٢٠ م) مُستثناة من هذه القاعدة.
واجهت الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 م حالة من عدم اليقين الشديدة في استطلاعات الرأي بسبب الوضع المضطرب الذي كان يُعاني منه دونالد ترامب (الرئيس الأمريكي السابق)٬ و قد ترك ذلك تأثيره المباشر على الساحة الدّولية فضلاً عن الداخل الأمريكيّ. كما زادت حالة عدم اليقين تلك من أهمية الانتخابات في الولايات المتحدة لدى بعض اللاعبين الدّوليين و لا سيّما أولئك الذين يرتبط أمنهم و بنيتهم الدّفاعية بالاستراتيجية الأمريكية و سياساتها بشكل مباشر (مؤيّدين كانوا أم معارضين)، و لهذا فإنّ كلّاً من أولئك اللاعبين حاول التأثير في الانتخابات الأمريكية و برامج الحملات الانتخابية بما ينسجم و توجّهاته و أهدافه بالاستناد إلى حجم تأثيره لتحقيق مصالحه الخاصّة، أو في الأقلّ عدم التفاجؤ بالنتائج المُحتمَلة للانتخابات و لئلا ينفق الأموال الطائلة بسبب تصوّراته الخاطئة.
وبالنّظر إلى مستوى العلاقات الاستراتيجية و تشابك مصالحها السياسية و الأمنية و العسكرية فإنّ دول جنوب الخليج الفارسي تُصَنَّف ضمن اللاعبين الذين يحاولون التأثير بطرق مختلفة في الانتخابات و البرامج الانتخابية لحملات المرشّحين في الولايات المتحدة، لذلك تُعتبر انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني (٢٠٢٠ م) مهمّة للغاية بالنسبة إلى تلك الدّول فالرئيس الذي سيتمّ انتخابه لا بدّ أن يكون كسابقيه من الرّؤساء ضامناً لمصالح تلك الدول.
وجدير بالذّكر أنّ الولايات المتحدة تُعدّ أهمّ شريك استراتيجيّ لدول جنوب الخليج الفارسي و لهذا فإنّ أيّ تغيير في السياسة الخارجية الأمريكية يمكن أن يؤثّر مباشرة في أمن تلك الدّول و استقرارها.
وبالاستناد إلى ما قيل يُطرح ههنا سؤال: ”ما هو موقع الانتخابات الأمريكية في السياسة الخارجية لدول جنوب الخليج الفارسي، و ما هي القدرة التي تمتلكها تلك الدّول للتأثير في الانتخابات؟ ثمّ ما هو موقف أيّ منها حيال انتخابات عام (٢٠٢٠ م)؟“
للجواب عن هذا السؤال نقول: إنّ الانتخابات الأمريكية تحظى بأهمية كبيرة لدى دول جنوب الخليج الفارسي بسبب ارتباطها السياسي و الأمني بأمريكا، و لتلك الدّول القدرة المالية و النّفوذ الذي يمكّنها من التأثير – و لو بشكل محدود – في الانتخابات الأمريكية، و كانت رغبة مُعظم تلك الدّول في أن يتمّ إعادة انتخاب ترامب لفترة رئاسية ثانية.
وسوف نحاول في هذه الورقة الخوض أوّلاً في موضوع السياسة الخارجية لدول منطقة الخليج الفارسي إزاء الانتخابات الأمريكية على الصعيد النظري، ثمّ بعد ذلك نتناول بالتحليل تأثير هذا المتغيّر في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، و في القسم اللاحق سنتطرّق إلى موقف دول الخليج الفارسي من الانتخابات الأمريكية، و  بعد ذلك مُتغيّر الجمهورية الإسلامية في إيران من أجل رسم السياسة الخارجية لدول منطقة الخليج الفارسي إزاء الانتخابات الأمريكية، و أخيراً سنقدّم خلاصة للبحث.

ضمان السياسة الخارجية هو سبب تدخّل دول الخليج الفارسي في الانتخابات الأمريكية
تقوم الدّول عادة بتبنّي سياسة خارجية تتناسب و إمكاناتها و ظروفها الداخلية و الإقليمية و الدّولية من أجل ضمان مصالحها و الوصول إلى أهدافها1.
يُعرّف (فيليب رينولدز Philip Alan Reynolds) السياسة الخارجية بأنّها الإجراءات المُتّخذة خارج الإطار الداخلي لغرض الوصول إلى الأهداف المنشودة، و يقول غيره إنّ السياسة الخارجية هي الإجراءات الخاصة بما وراء الحدود الداخلية و التي يتّخذها أصحاب القرار في البلدان من أجل بلوغ الأهداف البعيدة و القصيرة المدى على حدّ سواء2.
ومن الأهداف الأساسية التي يسعى قادة دول الخليج الفارسي و أصحاب القرار فيها إلى تحقيقها في ظلّ البيئة المضطربة و العدائية التي تسود منطقة الخليج، هي الحفاظ على بقائها في مقابل التهديدات الخارجية و الداخلية، و كذلك حماية مداخيلها النفطية و الغازية التي تُعتبر الأساس الذي تقوم عليه السياسة الخارجية لتلك الدّول.
وتجدر الإشارة إلى أنّ منطقة الخليج الفارسي حظيت منذ القدم و ما تزال بأهمية جيو-سياسية و جيو-استراتيجية، و في ضوء ذلك فإنّ أكبر تحدٍّ يواجه هذه المنطقة هو الموضوع الأمني3.
وهناك تحديات من خارج المنطقة تواجهها هذه الدول أيضاً و تدخّل القوى الأجنبية٬ بالإضافة إلى تحديات أخرى إقليمية ناجمة عن سوء فهم الجيران بعضهم لبعض بحيث أصبح كلّ بلد من بلدان المنطقة ينظر إلى الآخر نظرة مريبة و عدائية و أنّه يشكّل تهديداً لبقائه و أمنه.
وبما أنّ أغلب دول الخليج الفارسي و إلى حدّ ما المملكة العربية السعودية تُعتبر قوى صغيرة مقارنةً بالقوى الأخرى الموجودة في غرب آسيا و شمال أفريقيا مثل الجمهورية الإسلامية في إيران و تركيا و مصر، فقد اضطرّت تلك الدّول إلى اختيار استراتيجية التّبعية و التوازن و الانعزال و إن كانت تتّبع أنماطاً أخرى من الاستراتيجيات كذلك.
وبالاستناد إلى الاستراتيجية المذكورة يتمّ اختيار مبدإ الانحياز (alignment) أو التّحالف (alliance) أو الائتلاف (coalition)، إلّا أنّ المشكلة الرئيسة في هذه العقيدة تكمن في عدم الاطمئنان إلى المتّحدين و الشركاء الاستراتيجيين لأنّ القوى العظمى لا تضمن للشريك حماية دائمة، و هناك احتمال كبير دائماً للمخادعة أو كما يُقال الوقوع في الشّرَك (entrapment).
والمسألة الأخرى التي قد تنجم عن اختيار إحدى تلك العقائد فقدان الاستقلال الاستراتيجيّ بحيث تصبح تلك الدّول مرتبطة مباشرة بالقوى الكبرى أمنياً و خارجياً و هو ما يُهدّد وضعها و يؤثّر في تنوّع اختياراتها. و بالنّظر إلى أهمية الحصول على القدرة الناعمة في عالمنا اليوم و لكي تزيل التهديدات القائمة تقوم الدّول التابعة بترتيب أولوياتها و استثمار المصادر الموجودة و خصوصاً في مجال القدرة المذكورة و تعزيز قدراتها و الاستراتيجيات الهادفة المركّزة (Niche strategies) حيث يقوم مُعظمها على الدبلوماسية الهادفة۴.
ويمكن القول بأنّ الحضور الفاعل لدول الخليج الفارسي في الانتخابات الأمريكية هو لمتابعة سياساتها الخارجية، أي ضمان بقائها على مستوى الداخل و الخارج بالوسائل الدبلوماسية و الاستعانة بالقوة الناعمة، فهذه الدّول على الرغم من امتلاكها المصادر المالية و القدرة التسليحية إلّا أنّها عاجزة عن ضمان أمنها و تظلّ نظرة المتّحدين و استراتيجيّتهم بالنسبة إليهم أمراً حيوياً. و تُتيح فرصة الانتخابات في الولايات المتحدة باعتبارها الحليف الاستراتيجيّ الأرضية المناسبة لكي تتّخذ تلك الدّول السياسة الخارجية الفاعلة و المؤثّرة و استثمار هذه الفرصة الثمينة و المحدودة من أجل تحقيق أهدافها.

تأثير مُتغيّر دول الخليج الفارسي في انتخابات الرئاسة الأمريكية
ذكرنا في المقدّمة أنّ الولايات المتحدة تُعتبر واحدة من القوى المؤثّرة في بنية النظام العالمي، فمن الناحية الواقعية تمتلك القدرة على تعيين و تحديد شكل النظام العالمي أيضاً. و لهذا، فإنّ اختيار أعلى مسؤول تنفيذيّ قادر على تحديد استراتيجيات السياسة الخارجية للولايات المتحدة يمكنه أن يؤثّر بشكل مباشر على التحوّلات الدولية، و تهتمّ مُعظم دول العالم بالانتخابات الأمريكية خصوصاً إذا ما علمنا بأنّ الغموض التامّ كان يكتنف تلك الانتخابات بسبب وضع ترامب المتزعزع.
وفيما يتعلّق بانتخابات عام (٢٠٢٠ م) فإنّها كانت متأثّرة جداً بالمسائل الداخلية للولايات المتحدة بحيث قلّ تأثير متغيّر السياسة الخارجية و الموضوعات الخارجية للولايات المتحدة في برامج المرشّحين بالمقارنة مع الانتخابات السابقة. على سبيل المثال و بالاستناد إلى الاستطلاع الذي أجراه مركز (بيو Pew) للبحوث احتلّ موضوع السياسة الخارجية بالنسبة إلى الولايات المتحدة المرتبة السادسة في آراء الناخبين الأمريكيين في انتخابات عام (٢٠٢٠ م)۵، بينما كانت السياسة الخارجية تمثّل الأولوية الثالثة لدى الشعب الأمريكيّ في انتخابات عام (٢٠١٦ م)۶.

 

لتضاؤل الاهتمام بالقضايا المرتبطة بالسياسة الخارجية أسبابه لدى الناخب الأمريكي، أهمّ تلك الأسباب:
١- الآثار و النتائج التي خلّفتها جائحة كورونا على الاقتصاد الأمريكي و كيفية إدارة هذه الأزمة.
٢- القرارات المثيرة للجدل التي اتّخذها ترامب في مجال السياسة الداخلية والتي أدّت إلى توتّر الساحة السياسية في الولايات المتحدة بحيث أصبحت تواجه اليوم أحد أكبر التحدّيات السياسية الناجمة عن الصراعات العنصرية ممّا قسّم المجتمع الأمريكيّ إلى قطبيْن رئيسيْن.
٣- كانت بعض الإجراءات التي قام بها ترامب مخالفة للأعراف السياسية التي عرفتها الولايات المتحدة الأمر الذي أوجد السخط و الاستياء داخل التيارات الأصلية في الحزبيْن الجمهوري و الديمقراطي.
وبالنظر إلى النقاط أعلاه فإنّ انتخابات الرئاسة الأخيرة في الولايات المتحدة الأمريكية تأثّرت مباشرة بالمُتغيّرات الداخلية مقارنة بسابقاتها من الانتخابات٬ بينما ضعف المتغيّر الخارجيّ فيها بشكل ملحوظ، و لهذا فإنّ تأثير متغيّر الخليج الفارسي و المسائل المرتبطة به في الانتخابات الأمريكية كان تأثيراً ثانوياً حتى أنّ ترامب لم يكن يمتلك برنامجاً خاصّاً في حملته الانتخابية رغم الجهود التي بذلها من أجل بيان نجاح برنامجه في السياسة الخارجية، وفقاً لضعف دور متغيّر السياسة الخارجية و الاستطلاعات الخاصة بالانتخابات.
ورغم ضعف المتغيّر الموضوعي لدول الخليج الفارسي في الانتخابات الأمريكية إلّا أنّ تلك الدّول كانت تمتلك الوسائل التي تمكّنها من التأثير في الانتخابات و إن بشكل ضعيف، و من أهمّ تلك الوسائل:
١- الدّعم المالي الذي تقدّمه للحملات الانتخابية: تمتلك دول الخليج الفارسي و لا سيّما المملكة العربية السعودية و الإمارات العربية المتحدة و قطر و الكويت، قدرات مالية ضخمة، و لهذا فإنّ الدعم المالي الذي تقدّمه هذه الدّول بشكل سريّ و غير مباشر للحملات الانتخابية لكلا الحزبيْن الأمريكييْن هو دعم كبير و ملحوظ من أجل التأثير في الرأي العام الأمريكيّ و توجيهه لانتخاب المرشّح المطلوب و كذلك التأثير في موضوع كتابة الشعارات التي ترفعها الحملات الانتخابية لصالح تلك الدّول. و قد بيّن تاريخ الانتخابات في الولايات المتحدة أنّ الحملات الانتخابية التي تحصل على الدّعم الكافي و الأموال اللازمة غالباً ما تكون أقرب إلى النّجاح في الانتخابات.
٢- الاستعانة باللوبي الرّسمي و غير الرّسمي: يمكن أن يكون للّوبي الرّسمي و غير الرّسمي لدول الخليج الفارسي تأثيراً كبيراً في اجتذاب الدّعم الحزبيّ و العامّ و في كتابة الشعارات للحملات الانتخابية. فبالنسبة إلى اللوبي الرّسمي المرتبط بتلك الدّول و الموجود في الولايات المتحدة هنالك جماعات تستطيع التأثير في العمليات و الاتجاهات السياسية الداخلية و الخارجية للحملات الانتخابية من أجل تحقيق أهداف و مصالح رؤسائها من خلال استغلال الظروف و الإمكانيات الحقوقية و السياسية و الإعلامية و الفكرية و مراكز الدراسات في الولايات المتحدة۷. و تجدر الإشارة إلى أنّ موضوع توظيف اللوبي أصبح أمراً معهوداً و عادياً في الولايات المتحدة، بل و وضعت لهذه العملية القواعد و الضوابط اللازمة أيضاً سواء بشكل مباشر (من خلال تقديم الشهادات في جلسات استماع الكونغرس أو الاتّصالات الرسمية و غير الرسمية مع بعض المسؤولين لتبادل الآراء و الاقتراحات و بيان النتائج و الإحصائيات البحثية و تحضير مسوّدات اللوائح و تقديم الاستشارات للمُشرّعين و أصحاب القرار) أو بشكل غير مباشر (عن طريق تشكيل الائتلافات و الحملات المشتركة و محافل الرأي و العلاقات العامّة)۸و هو ما يسلكه المسؤولون خلال الحملات الانتخابية كذلك۹.
وجدير بالذّكر أنّ معظم اللوبي الذي تمارسه دول الخليج الفارسي في انتخابات الولايات المتحدة الأمريكية هو لوبي غير رسمي بحيث يتمّ الاستعانة ببعض العناصر الأمنية و السياسية في هذه الدّول أو لوبي محترف تستخدمه للتقرّب إلى الشخصيات المؤثّرة كرجال السياسة و أصحاب المراكز الإعلامية داخل الحملات الانتخابية و إغرائهم بشتّى الوسائل۱۰لكسب الدّعم الكافي لسياساتها.
٣- العمل على تقوية أو إضعاف ملفّ السياسة الخارجية للمرشّحين: رغم أنّ متغيّر السياسة الخارجية في الانتخابات الأمريكية لعام (٢٠٢٠ م) لم يحظ بالاهتمام المطلوب بالمقارنة مع الانتخابات السابقة لكنّه ما زال مهمّاً إلى حدّ ما، فوجود الملفّات الناجحة في السياسة الخارجية يمكن أن يحسّن وضع الحملات الانتخابية و مسارها، و في أثناء ذلك بإمكان بعض الدّول التصريح بكون البرنامج السياسي الذي اتّبعه الرئيس دونالد ترامب كان ناجحاً أو فاشلاً و ذلك من خلال اعتمادها بعض السياسات و التكتيكات. على سبيل المثال قيام بعض دول الخليج الفارسي مثل الإمارات العربية المتحدة أو البحرين بتطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيونيّ أعطى دفعة قوية لملفّ السياسة الخارجية لترامب و لهذا يُعتبر متغيراً مؤثّراً في الانتخابات الأمريكية و إن كان ضعيفاً.
٤- أسعار النّفط كوسيلة ضغط: بالنظر إلى أهمية سعر الوقود و التأثير المباشر لتذبذباته على حياة الشعب الأمريكي، فإنّ أيّ زيادة أو ارتفاع فاحش في أسعار الوقود عن حدّه الاعتيادي يمكنه أن يؤثّر في آراء الناس و أصواتهم في ذلك البلد و لا سيّما في الانتخابات الرئاسية. كما أنّ هذه المسألة ترتبط ارتباطاً مباشراً بمُنتجي النّفط في العالم و منهم دول الخليج الفارسي بحيث إذا ازداد الانتاج أو تقلّص أثّر ذلك في سعر الوقود في الولايات المتحدة. و من ناحية أخرى فإنّ من بين السياسات التي كان ترامب يتّبعها لتوفير العمل في الولايات المتحدة زيادة صادرات النفط الخامّ و خصوصاً عَبر  النفط الـ (شيل) لذا فهبوط سعر النّفط الخامّ يجعل إنتاج الـ(شيل) غير مربح وغير اقتصادي. و على سبيل المثال، في ذروة انتشار فايروس كورونا في أبريل/نيسان عام (٢٠٢٠ م) هبطت أسعار النفط بشكل حادّ فتكبّدت الصناعة الأمريكية خسائر فادحة، و بالتالي ازدادت نسبة البطالة هناك و كان لهذا الأمر تأثيره المباشر على الانتخابات الأمريكية. و بالنّظر إلى ذلك كان ترامب مرتاحاً لبقاء سعر النّفط ضمن حدود الخمسين دولاراً للبرميل الواحد لأنّ ارتفاع السعر عن ذلك يتسبّب في سخط الناس و انخفاضه إلى ما دون الخمسين دولاراً يضرّ بصناعة النفط في الولايات المتحدة. في هذه الأثناء فإنّ معظم دول الخليج الفارسي – باعتبارها الدول الرئيسة المنتجة للنفط في العالم - كانت تحقّق معظم أهدافها و مصالحها من الولايات المتحدة عن طريق تحديد سعر النفط و كان هذا المُتغيّر مؤثّراً أيضاً في الانتخابات الأمريكية الأخيرة بحيث يبدو أنّ قيام بعض الأقطار الخليجية مثل العربية السعودية و الإمارات و الكويت بتخفيض مستوى إنتاج النّفط كان سببه٬ بالإضافة إلى المحافظة على الأسعار٬ عوامل أخرى مثل الضغوط التي كان ترامب يمارسها و رغبة تلك الدّول في انتخابه لولاية رئاسية ثانية.

موقف دول الخليج الفارسي و الانتخابات الأمريكية
كما بيّنا آنفاً تعدّ الانتخابات الأمريكية فرصة ثمينة لدول الخليج الفارسي من أجل تحقيق أهدافها عَبر التأثير فيها – و لو بشكل محدود-. و رغم إحجام تلك الدول عن إبداء أيّ رأي بشأن المرشّحين بشكل مباشر بسبب علاقتها الطيبة مع كلا الحزبيْن الرئيسييْن (الجمهوريّ و الديمقراطي) و لتفادي اتّهامها بالتدخّل في الانتخابات في بَلد أجنبيّ فضلاً عن خشيتها تحمّل النفقات لدعم مُرشّح قد يخسر في الانتخابات، إلّا أنّه يمكن تحليل و بيان رغبات تلك الدّول من خلال الخلفية التاريخية و توجهاتها السياسية و تعاملها مع كل من الحزبيْن.
وفيما يأتي سنوضّح موقف كلّ بَلد من بلدان الخليج الفارسي و أهدافه من الانتخابات الأمريكية بالدراسة و التحليل:
المملكة العربية السعودية؛
 تُعتبر المملكة العربية السعودية من أقوى الحلفاء للولايات المتحدة من بين دُول الخليج الفارسي و غرب آسيا، و بسبب مكانتها المهمّة في العالم الإسلامي بفضل احتضانها للحرمين الشريفيْن و امتلاكها لحقول النفط العملاقة التي يُصدَّر الكثير منها إلى الولايات المتحدة فإنّها تحظى بأهمية أكبر من غيرها من الدول الأخرى. و هكذا فإنّ أيّ موقف تتّخذه السعودية إزاء الولايات المتحدة و سياساتها في المنطقة يمكن أن يعود بالنفع على الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها في المنطقة. في مقابل ذلك و من حيث أنّ المملكة العربية السعودية بَلد تحكمه أسرة مالكة فإنّها في حاجة ماسّة إلى حماية القوى الأجنبية و خصوصاً الولايات المتحدة باعتبارها قوّة عسكرية و أمنية عظمى، كما أنّ السعودية و رغم امتلاكها لمصادر اقتصادية جمّة لكن، و بسبب ضعفها الجيوسياسيّ مثل قلّة عدد السكّان، فإنّها تُعتبر بلداً ضعيفاً نسبياً مقابل منافسيها في المنطقة مثل الجمهورية الإسلامية في إيران و العراق و مصر و تركيا ما دفعها إلى التحالف مع الولايات المتحدة. و حاجة السعودية إلى التحالف مع الولايات المتحدة مكّن الأخيرة من التأثير مباشرة في زيادة أو التقليل من نفوذ أمراء أسرة آل سعود و الإمساك بزمام الحكم ، و لهذا يسعى أمراء آل سعود إلى بناء علاقات استثنائية مع رموز التيارات الحاكمة في الولايات المتحدة. و في المقابل و لكي تتخلّص السعودية من التهديد الذي يشكّله المنافسون لها في المنطقة مثل الجمهورية الإسلامية في إيران فإنّها بحاجة إلى وجود لاعبين أقوياء كالولايات المتحدة و تدخّلهم في منطقة الخليج الفارسي.
وبناءً على هذه التوضيحات يمكن القول بأنّ المملكة العربية السعودية تحت حكم محمّد بن سلمان استطاعت أن تحظى بدعم خاصّ و استثنائيّ من الولايات المتحدة و بناء علاقات حميمة مع البيت الأبيض إبّان حكم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أجل تعزيز قدراتها المستقبلية و تمهيد الأوضاع لملك المستقبل و الحصول على دعم و حماية أكبر، كما لم يتوان دونالد ترامب عن تقديم الدعم لمحمّد بن سلمان في المنطقة بكلّ الوسائل و ذلك من خلال فرض أقصى الضغوط و الحصار الجائر ضدّ الجمهورية الإسلامية في إيران نزولاً عند رغبة ابن سلمان المعادية لإيران. و من جهة أخرى فإنّ مُغامرات محمّد بن سلمان في أزمة اليمن و اغتياله الصحفيّ جمال خاشقجي إلى جانب تدخّلاته في الشؤون اللبنانية، كلّ ذلك أدّى إلى تعزيز الرؤية المُضادّة للسعودية داخل الحزب الديمقراطي في أمريكا و جعل من دونالد ترامب الخيار المفضل للسعودية.
وإذا ألقينا نظرة عابرة على الشعارات التي رفعتها الحملة الانتخابية لجو بايدن و التي أشارت جميعها إلى تقليص الدّعم المُقدَّم للسعودية من أجل إنهاء الحرب في اليمن و العودة إلى الاتفاق النووي1۱، سوف نتبيّن بأنّ هذا البرنامج ليس ما يسعى إليه محمّد بن سلمان، و رغم أنّ هذا الأخير لم يُدلِ بأيّ تصريح واضح يشير إلى دعمه لدونالد ترامب لكنّنا نستطيع أن نلحظ دعمه المستمر لولاية ثانية لترامب.
وجدير بالذّكر أنّه على الرّغم من كون محمّد بن سلمان الشخصية النافذة الرئيسية داخل المنظومة السياسية الحاكمة في المملكة العربية السعودية، لكن و بسبب تعدّد طبقات الساحة السياسية هناك فإنّ ثمّة أمراء آخرين يحظون بمكانة سياسية و أمنية و عسكرية داخل السعودية من أمثال محمّد بن نايف و أحمد بن عبد العزيز و متعب بن عبدالله و الوليد بن طلال، و لكلّ منهم اتّصالاته و ارتباطاته الخاصة بأركان السلطة في الولايات المتحدة. و بسبب تقدّم الملك سلمان بن عبدالعزيز في السنّ فإنّ هناك احتمال كبير لانتخاب ملك جديد خلال مرحلة انتخابات الرئاسة الأمريكية و لا سيّما أنّ ترامب بيّنَ من خلال تصرّفاته ترجيحه محمّد بن سلمان كملك للعربية السعودية، إلّا أنّ الوضع قد يتغيّر لصالح الأمراء المُعارضين بعد مجيء بايدن إلى السلطة.
وبالنّظر إلى الأخطاء الكثيرة التي ارتكبها محمّد بن سلمان فيما يتعلّق بالملفات الإقليمية فإنّ التّغير السياسي الحالي قد يضع بعض الحدود لصلاحيات محمّد بن سلمان بل و ربّما تنحيته من الحكم في السعودية من قِبل الديمقراطيين في أمريكا، و هو أمر لا يبدو بعيد المنال. و لهذا يمكن القول بأنّ هؤلاء الأمراء و بالنظر إلى علاقاتهم بالحزب الديمقراطي الأمريكيّ و كذلك قدرتهم الاقتصادية على دعم الحملات الانتخابية باستطاعتهم الولوج إلى العملية الانتخابية في الولايات المتحدة و بلوغ هدفهم في الظروف الحالية و هو انتخاب بايدن لرئاسة الجمهورية.
هذا و قد بذل محمّد بن سلمان الكثير من الجهود لدعم ترامب أهمّها الدعم غير المباشر لعملية التطبيع بين أكبر حلفائه الإمارات العربية و البحرين و بين إسرائيل من أجل تعزيز ملفّ ترامب في السياسة الخارجية. و بالنظر إلى الشكوك التي انتابته بشأن بقاء ترامب كرئيس للولايات المتحدة، يبدو أنّ محمّد بن سلمان قد بادر إلى تثبيت سلطته و زيادة صلاحيّاته و قمع مُعارضيه و خصوصاً الأمراء الأقوياء الآخرين في المملكة و قد شهدنا بوادر مقاصده هذه من خلال شنّه حملة شعواء على الأمراء السعوديين و المُقرّبين منهم و  اعتقال العديد منهم و تشويه صورتهم في الساحة السياسية و العسكرية و الأمنية بحجّة محاربة الفساد، و تصفية حساباته السياسية معهم بشتّى الوسائل و بذلك تمكّن من تفويت الفرصة على الديمقراطيين لاختيار بديل له في الساحة السياسية السعودية بعد وصول بايدن إلى السلطة.
الإمارات العربية المتحدة؛
 الإمارات العربية هي إحدى الدول النفطية و التجارية حيث استطاع حكّامها بواسطة الثروات الناجمة عن تصدير النفط و ممارسة التجارة ادّخار مقدار كبير من العملة الصعبة، و يحاول حكّام الإمارات أيضاً ربط سياستهم الدفاعية و الأمنية في إطار اتّحادهم و تحالفهم مع الولايات المتحدة الأمر الذي جعل العملية الانتخابية في أمريكا مهمّة للغاية بالنسبة إليهم.
وتقوم الإمارات العربية المتحدة بتوسيع مساحة دورها في منطقة غرب آسيا و شمال أفريقيا عَبر تعزيز مكانتها التجارية و مواجهتها للتيارات الإسلامية كمنظمة الإخوان المسلمين و الثورة الإسلامية في إيران. فسياسات ترامب المعادية لإيران و التي كانت تُواجَه بسياسات رجب طيب أردوغان (الرئيس التركي) الذي يميل إلى جانب الإخوان و كذلك دعم ترامب المتعاظم للإمارات العربية و المملكة العربية السعودية ضدّ قطر في الأزمة المعروفة، كلّ ذلك مهّد أرضية مناسبة شجّعت حكّام الإمارات على دعم ترامب و حمايته أمام جو بايدن. و من ناحية أخرى فإنّ حكّام الإمارات و على رأسهم الشيخ محمّد بن زايد ولي العهد الإماراتي بحاجة ماسّة إلى دعم الولايات المتحدة لغرض تثبيت أركان سلطته، و لهذا، فإنّه يسعى إلى اتّباع سياسات محبّذة من قبل دونالد ترامب و يؤيّدها بعض الديمقراطيين إلى حدّ ما من أجل تعزيز مكانته و استمرار سياسات الإمارات العربية في المنطقة.
وتتجلّى أهمّ محاولات الإمارات العربية لدعم ترامب في مساعيها و مبادرتها تطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني، حيث يُعتبر هذا التطبيع ورقة رابحة تُضاف إلى أوراق دونالد ترامب لتمكينه من الفوز في الانتخابات الرئاسية عن طريق حصوله على قسم من الآراء الصهيونية المؤيّدة. لكنّ الإمارات العربية لم تتجاهل الديمقراطيين و مرشّحهم فيما قامت و تقوم به، ذلك أنّ تطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني يحظى بتأييد كلا الحزبيْن الأمريكييْن، و بهذه العملية فقد أكّدت الإمارات العربية المتحدة تأييدها و دعمها لتيارات القوى في الولايات المتحدة بشكل عامّ حتى و إن لم ينجح ترامب في الانتخابات الرئاسية.
وتجدر الإشارة إلى أنّه لا ينبغي التغاضي عن دور اللوبي الرسمي و غير الرّسمي للإمارات في السياسة الداخلية للولايات المتحدة، فهي تحظى بقدر كبير من النفوذ داخل الولايات المتحدة بالمقارنة مع سائر الأقطار العربية الأخرى بحيث يرى الكثير من الخبراء أنّ اللوبي الإماراتي فعّال و نشيط سواء بين الديمقراطيين أو الجمهوريين، و يُعدّ يوسف العتيبة – سفير الإمارات العربية في الولايات المتحدة – من النشطاء البارزين في واشنطن، كما يمكن للإمارات العربية المتحدة التأثير في الحملات الانتخابية بواسطة الدّعم المالي و تقديم الكثير من المساعدات الأخرى. و رغم النشاط الكبير للإمارات في حملات كلا الحزبيْن إلّا أنّ ترامب و بقائه على رأس السلطة يمثّل بالنسبة إليها الخيار الأفضل بالمقارنة مع جو بايدن بسبب عدائه لإيران. و بطبيعة الحال فإنّ بعض الإمارات داخل الاتّحاد، و خاصة إمارة دُبي و الفجيرة، لا ترغب في زيادة التوتّر بسبب حاجة نشاطاتها و تبادلاتها التجارية إلى الثبات و الاستقرار و كذلك توسيع علاقاتها الاقتصادية مع الجمهورية الإسلامية في إيران باعتبارها شريكاً رئيسياً في تجارتها، و عليه، فإنّ الرئيس الحالي جو بايدن هو الخيار الأفضل لها، لكن، و بسبب طبيعة النظام السياسي الحاكم في الإمارات العربية المتحدة و الالتزام بقرارات أبوظبي في مجال السياسة الخارجية، قد لاتستطيعان البوح برغباتهما الحقيقية.
البحرين؛
 البحرين مملكة صغيرة تقع جنوب الخليج الفارسي حيث تحكم أقلية الأغلبية الشيعية هناك. و قد أدّى عدم شرعية حكّام البحرين إلى ارتمائهم في أحضان الولايات المتحدة و المملكة العربية السعودية للحصول على الدّعم، كما تنظر البحرين إلى إيران بوصفها التهديد الأكبر – بزعمها - لوجودها و أمنها و لهذا بادرت إلى دعم المرشّح الأمريكيّ الأشدّ عدوانية لإيران.
وبالنظر إلى السياسة العدائية لترامب ضدّ الجمهورية الإسلامية في إيران يبدو أنّه كان الخيار المُفضّل للبحرين بل و كانت تعتبره المرشّح الأكثر استراتيجية من غيره. و قد أسهمت أيضاً في دعم برنامج ترامب الخاصّ بتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيونيّ و أيّدت حملته الانتخابية بطرق مختلفة. و تجدر الإشارة إلى أنّ البحرين تحتلّ مكانة خاصّة و أهمية كبيرة بالنسبة إلى الولايات المتحدة لاستضافتها القواعد الأمريكية، و في الحقيقة٬ إنّ أيّ رئيس للولايات المتحدة – سواء أكان ديمقراطياً أو جمهورياً – يسعى إلى الإبقاء على البحرين كحليف مخلص و الحؤول دون تأثّرها بالنفوذ الإيراني.
قطر؛
 تُعتبر قطر دولة صغيرة ذات مصادر و ثروات كثيرة حيث استطاعت بفضل استثماراتها في مختلف المجالات الاقتصادية و الإعلامية احتلال موقع حسّاس و مهمّ في منطقة غرب آسيا، كما أنّها تمتلك نفوذاً في كلا الحزبيْن الأمريكييْن من خلال سياستها المؤثّرة في الولايات المتحدة. و تحتضن قطر القاعدة الجويّة الأمريكية في منطقة (العُدَيْد) حيث تمكّنت من إقامة تحالف وثيق مع الولايات المتحدة التي لعبت دوراً مهمّاً في إبقاء قطر بعيداً عن مُغامرات دول المنطقة و تدخّلاتها و خصوصاً المملكة العربية السعودية و الإمارات.
وحول المنحى الذي اتّخذته قطر في الانتخابات الأمريكية لعام (٢٠٢٠ م) فقد قلّص ترامب دائرة التأثير القطري بالقياس مع ما كانت عليه على عهد الرئيس السابق (أوباما) بعد دعمه للسعودية و الإمارات العربية، لكن، و من ناحية أخرى فإنّ دعم ترامب لقطر في مقابل السعودية و الإمارات حال دون إضعاف قطر أمام منافسيها في المنطقة أكثر من ذي قبل. و لتركيا – الحليف الرئيس لقطر – برئاسة رجب طيب أردوغان نظرة إيجابية إزاء ترامب في مواجهته لجو بايدن1۲ ممّا زاد من احتمال تأييد قطر و دعمها لترامب، بل و ترى أنّ انتخابه لولاية ثانية يُعدّ خياراً استراتيجياً لها٬ إلّا أنّ السياسة العدائية لترامب تجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية أتاحت المجال أمام ازدياد نفوذ السعودية و الإمارات بحيث أصبحت تُهدّد مصالح قطر على المدى البعيد، و لهذا فإنّ الرئيس الجديد للولايات المتحدة يحظى بقبول قطر و رضاها أكثر من ترامب. و يبدو أنّ قطر و من خلال نشاطها في الحملات الانتخابية لكلا المرشّحَيْن تسعى إلى الحصول على الدّعم المستقبليّ لمرشّح الرئاسة القادم كما أنّ فوز أيّ منهما لا يوثّر كثيراً في استراتيجية هذا البلد.
عُمان؛
 تحاول سلطنة عُمان اتّباع سياسة الحياد إزاء قضايا المنطقة لكي لا تقع في فخّ التنافس و التوتّر الذي تسببه القوى الإقليمية و الدولية، و قد انتهجت السياسة نفسها أيضاً حيال الانتخابات الأمريكية، و يبدو أنّ هذه السياسة العُمانية باتت مقبولة كذلك من قِبل الإدارة الأمريكية، فالخيارات الموجودة في الولايات المتحدة لاتمثّل الخيار الاستراتيجي لعُمان٬ و فوز أيّ من المرشّحيْن (الديمقراطي أو الجمهوريّ) لا يعني حدوث أيّ تغيير ملموس في السياسة. و ليس لعُمان أي موقف مُحدّد إزاء الخيارات الموجودة، لكن فيما يخصّ الاستراتيجيات الدبلوماسية مثل الاتفاق النووي الذي وعد جو بايدن بإحيائه٬ فإنّ زيادة حظوظ تلك الاستراتيجيات في المنطقة سيجعل عُمان مهيّأة للعب دورها المرسوم كوسيط مساعد ممّا يرفع من مكانة عُمان في المنطقة.
وجدير بالذّكر أنّ سلطنة عُمان بسبب التغيير الأخير الذي شهدته بانتقال مقاليد السلطة إلى سلطان جديد كانت منشغلة بشؤونها و ترتيب بيتها الداخلي أكثر من انشغالها بالانتخابات الأمريكية.
الكويت؛
 سعت الكويت دوماً إلى خلق توازن بين قوى المنطقة بفضل موقعها الخاصّ بين ثلاثة لاعبين أصليين في منطقة غرب آسيا و الخليج الفارسي يعني الجمهورية الإسلامية الإيرانية و العراق و المملكة العربية السعودية بحيث أصبحت تخشى تنامي قدرة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في المنطقة بشكل ملحوظ كما تخشى تعاظم قدرة المملكة العربية السعودية أكثر من اللازم. و تحاول الكويت ضمان أمنها و استقرارها من خلال التحالف مع القوى العظمى مثل الولايات المتحدة، و من ناحية أخرى ثمّة تحدّ كبير تواجهه الكويت بسبب ازدياد حالة التوتّر في الخليج الفارسي و العراق باعتباره منطقة مواجهة بين إيران من جهة و الولايات المتحدة و المملكة العربية السعودية من جهة ثانية.
وفيما يتعلّق بموقف الكويت إزاء الانتخابات الأمريكية يمكن القول أنّها تتبنّى إلى حدّ ما موقف الرئيس دونالد ترامب المعادي لإيران في العراق و الخليج الفارسي و تعتبر أنّ سياسات ترامب في هذا المجال كانت إيجابية، كما ترى الكويت أنّ ترامب هو الرئيس الأمثل للولايات المتحدة و خصوصاً بعد الاحترام الذي نالته منه عندما أقدم مؤخّراً على منح أميرها أعلى وسام في الولايات المتحدة و امتداح الكويت بسبب موقفها الإيجابي في أزمة قطر و بعض دول الخليج.
لكن و من ناحية أخرى فإنّ الكويت تنظر إلى السياسة الدبلوماسية لجو بايدن في منطقة غرب آسيا نظرة إيجابيّة إذ سيتعزّز موقفها نتيجة لتعزيز عملية تعدّدية الأقطاب في الخليج الفارسي بشكل طبيعيّ، و لهذا فإنّ بايدن يحظى بقبول كويتي واضح أيضاً. و في الوقت نفسه تخشى الكويت إلى حدّ ما من تنامي قدرة المملكة العربية السعودية و لا سيّما السياسة الهجومية التي يتّبعها محمّد بن سلمان و العلاقات التي تربطه بدونالد ترامب و التي أثّرت في مواقف الكويت.
ويبدو أنّ الكويت تنتهج سياسة مماثلة لسياسة عُمان فيما يتعلّق بعدم التدخّل في الانتخابات الأمريكية و الاستمرار على موقف الحياد إزائها لكي لا يؤثّر انتخاب الرئيس الأمريكيّ في علاقاتها بالولايات المتحدة في المستقبل، و الخلاصة٬ ليس للكويت أيّ استراتيجية خاصّة بشأن الانتخابات الأمريكية.
المتغيّر الإيراني و سياسة دول الخليج الفارسي إزاء الانتخابات الأمريكية
برز بين دول الخليج الفارسي و بين الجمهورية الإسلامية في إيران شكل من أشكال المنافسة في البنية و المعادلات الإقليمية للعديد من الأسباب منها: ١- التناقضات التاريخية؛ ٢- الخشية من خطاب الثورة الإسلامية؛ ٣- السياسة المستقلة للجمهورية الإسلامية في إيران؛ ٤- الخلافات على الأراضي و الحدود؛ ٥- الاختلاف في مستوى القوّة.
ويُعدّ جزءاً من تلك المنافسة أمراً طبيعياً في العلاقات الدولية إلّا أنّ الجزء الآخر منها و خصوصاً القضايا التي تؤدّي إلى خلق صراعات و توتّر في العلاقات فتعود أسبابها إلى تصوير حكّام دول المنطقة إيران على أنّها تهديد حقيقيّ من أجل التعمية على الرأي العام في بلدانهم عبر تضخيم صورة العدوّ الخارجي، و كذلك تدخّل بعض القوى الأجنبية لتحقيق أهدافها السياسية و الأمنية و الاقتصادية. على سبيل المثال فإنّ تصوير إيران على أنّها تهديد جدّي لأمن المملكة العربية السعودية يُعتبر فرصة ثمينة أمام حاكم مثل محمّد بن سلمان لزيادة صلاحياته و سلطته و بالتالي قمع المعارضة في الداخل، كما يضمن ذلك للولايات المتحدة تطبيق سياساتها و فرضها على المُعادلات الإقليمية و الهيمنة عليها، و فرصة ثمينة أيضاً لتصدير السلاح باعتباره تجارة مُربحة. و بالمآل يصبّ كلّ ذلك في مصلحة الكيان الصهيوني الذي يحاول إثبات وجوده و شرعيّته من خلال استمرار الصراع بين الدول الإسلامية و بلوغ أهدافه التوسّعية في منطقة غرب آسيا.
وهكذا تحوّل التهديد الإيراني المصطنع بالنسبة لأقطار دول الخليج الفارسي إلى متغيّر مصيريّ دفعها إلى الانحياز إلى القوى الكبرى و دعمها لمرشّحها المفضّل في الانتخابات الأمريكية كما أشرنا آنفاً. و قد أدّى المتغيّر المذكور إلى قيام بعض دول الخليج الفارسي كالمملكة العربية السعودية و البحرين و الإمارات المتحدة (التي تكنّ لإيران أشدّ خصومة) بدعم و حماية المرشّح الأمريكي الذي يتضمّن برنامجه أعلى مستوى من الخصومة لإيران.
وجدير بالذكر أنّ دونالد ترامب كان قد اتّخذ موقفاً عدائياً و هجومياً صارخاً إزاء الجمهورية الإسلامية في إيران بعد خروجه من الاتفاق النووي و اعتمد سياسة الضغوط القصوى، و هو أمر كان له وقعٌ حسن عند الدول الثلاث المذكورة و دفعها إلى دعم الحملة الانتخابية لترامب.
وفي مقابل تلك الدول الثلاث فإنّ قطر و عُمان و الكويت تعتبر أنّ السياسة الأمريكية الهجومية هي السبب في تزايد التوتّر في المنطقة و تعاظم الأزمات في منطقة الخليج الفارسي رغم أنّها كذلك ترى في المتغيّر الإيراني تهديداً لأمنها و استقرارها.

خلاصة البحث:
يحاول أصحاب القرار في دول جنوب الخليج الفارسي – باعتبارها قوى صغيرة – اتّخاذ سياسة خارجية قائمة على أساس الاحتماء بالقوى العظمى و المتقدّمة من أجل الحفاظ على أمنها في الداخل و الخارج، عبر إنشاء تحالفات مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد أدّى ذلك إلى ازدياد اهتمام المسؤولين الأمريكيين و توجّههم بمنطقة الخليج الفارسي، و بالتالي فإنّ انتخاب الشخص الذي من المُقرّر أن يأخذ بيَده مِقوَد السياسة الخارجية في الولايات المتحدة على الساحة الدولية و الإقليمية يُعدّ شخصاً مهمّاً للغاية بالنسبة للدول الخليجية، و لهذا نجدها تستخدم كلّ وسائل القوة و القدرة المالية و اللوبي لدعم مرشّحها المفضّل. و أمّا انتخابات عام (٢٠٢٠م) و بسبب اضطراب وضع ترامب فكانت الأهمّ بالنسبة لدول الخليج الفارسي التي لم تبخل في بذل الجهود للتأثير في تلك الانتخابات وفق متطلّبات سياستها الخارجية و بالاستناد إلى المقدورات و المحذورات.
ولو ألقينا نظرة على الخيار الأفضل بالنسبة لدول جنوب الخليج الفارسي من أحد المرشّحيْن الأمريكييْن – الجمهوري دونالد ترامب و الديمقراطي جو بايدن – رأينا أنّ البحرين و المملكة العربية السعودية و الإمارات العربية المتحدة كانت تميل بشدّة إلى فوز دونالد ترامب بسبب الإلزامات الاستراتيجية و كذلك متطلّبات سياساتها الخارجية و الأمنية و إن كانت بعض القوى و التيارات الداخلية في تلك الدول و خصوصاً المملكة العربية السعودية و الإمارات تتوق إلى فوز المرشّح الديمقراطي جو بايدن.
أمّا قطر و عُمان و الكويت فرغم أنّها كانت تأمل كذلك في فوز ترامب إلّا أنّ فوزه لم يكن يعني بالنسبة إليها شرطاً استراتيجياً، ثمّ إنّ بايدن لم يكن اختياراً سيئاً في نظرها. و إذا أردنا تصوير متطلّبات و رغبات كلّ بَلد من تلك البلدان وفق الإلزامات الاستراتيجية في إطار لوحة واحدة جامعة يمكن القول إنّ تلك الدول كانت تميل إلى انتخاب ترامب أكثر من غيره و هو ما بيّناه في الشكل أدناه الذي يشير إلى أكثر الدول التي كانت تواقة لفوز ترامب ثمّ تلك التي لم يؤثّر فيها انتخابه أو انتخاب بايدن بالترتيب هي: البحرين و المملكة العربية السعودية و الإمارات العربية و قطر و عُمان و الكويت، لكن و بشكل عامّ فإنّ رغبة هذه الدول في انتخاب جو بايدن كانت ضعيفة بشكل واضح.
وبالنظر إلى أنّ جزءاً من رغبات و ميول دول جنوب الخليج الفارسي كانت ترجّح كفّة ترامب بسبب سياسة الضغط التي مارسها ضدّ الجمهورية الإسلامية في إيران، كان لا بدّ لمسؤولينا في السياسة الخارجية و الأمنية من رَصد التحوّلات التي تواجهنا بدقّة و بذل كلّ الجهود من أجل تقليل التوتّر في الخليج الفارسي و إجهاض محاولات تلك الدول في زيادة الضغوط على إيران في حال تمّ انتخاب ترامب لولاية ثانية و كذلك انفتاح فضاء جديد أمام الجمهورية الإسلامية في إيران إلى حدّ ما لكي تتمكّن من التحرّك و تحقيق مصالحها السياسية و الأمنية و الاقتصادية بالشكل المطلوب.

(الحاشية)
1 -أنظر: دهقاني الفیروز آبادي، ٢٠٠٩م.
2- رسولي ثاني آبادي، ٢٠١٢م: 9٤.
3- See: Gresh, 2015.
4- راجع: خالد المزایني، جان مارك ریكلي و آخرون، ٢٠٢٠م: 1٥-٤0.
5- PEW, August 13, 2020.
6- PEW, July 7, 2016.
۷- أحمدي لفوركي، 1387: 19.
۸- المصدر نفسه.
۹- Khatib, 2016: 68-81.
1۰- Bocchi, December 2, 2019.
۱۱- Emmons, July 22, 2020.
1۲- Spicer, August 15, 2020.

مصادر البحث
المصادر الفارسية
۱-أحمدي لفوركي، بهزاد (٢٠٠٨م)، «لابی و  لابیگری در آمریكا»، طهران: مؤسسة (أبرار) الثقافية و الدراسات و البحوث الدولية المعاصرة في طهران.
۲-دهقاني الفیروز آبادي، السيد جلال (٢٠٠٩م)، سیاست خارجی جمهوری اسلامی ایران، طهران، منشورات (سمت).
۳-رسولي ثاني آبادي، إلهام (٢٠١٢م)، بررسی سياست خارجی دولتهای انقلابی جديد در منطقه خاورميانه و  شمال آفريقا بر اساس مدل پيوستگی جيمز روزنا، مجلة (راهبرد) الفصلية، السنة الحادية و العشرين، العدد (٦٣)، الصيف.
٤. المزایني، خالد؛ ریكلي، جان مارك و آخرون (٢٠٢٠ م)، قدرت‌های كوچك خلیج‌فارس: سیاست خارجی و  امنیتی كشورهای كوچك خلیج‌فارس پس از بهار عربی، المترجمون: حمید رضا كاظمي و  صادق قرباني، طهران، منشورات (بید).
المصادر الأجنبية
Gresh, Geoffrey F. (2015), Gulf Security and the U.S. Military: Regime Survival and the Politics of Basing, Stanford, CA: Stanford University Press.
Khatib, Dania Koleilat (2016), "Arab Gulf lobbying in the United States: what makes them win and what makes them lose and why?", Contemporary Arab Affairs, (9)(1).
المصادر الألكترونية:
Bocchi, Alessandra (2019), "Following the Money: Why is the Saudi Lobby so Powerful in America?", Albawaba, December 2nd, Available at: https://www.albawaba.com/insights/following-money-why-saudi-lobby-so-powerful-america-1324722 (27-9-2020).
Emmons, Alex (2020), "Democrats Unveil Draft Foreign Policy Platform with Promises to End Forever Wars and Regime Change", The Intercept, July, 22, Available at: https://theintercept.com/2020/07/22/democrats-unveil-draft-foreign-policy-platform-with-promises-to-end-forever-wars-and-regime-change/ (21-9-2020).
Pew Research Center: https://www.pewresearch.org/.
Spicer, Jonathan (2020), "Turkey slams Biden's past call for U.S. to back Erdogan opponents ", Reuters, August, 15, Available at: https://uk.reuters.com/article/uk-usa-election-biden-turkey/turkey-slams-bidens-past-call-for-u-s-to-back-erdogan-opponents-idUKKCN25B0XK (27-9-2020).


قراءة: 505