فصلنامه مطالعات سیاست خارجی تهران
 

حلقة حوارية تخصصية السياسة الخارجية لبايدن؛ هل تتغير؟ (الجزءالثاني)

الدكتور رضاداد درويش
سكرتير الشؤون الدولية

لمحة
يمكن فهم و تحليل السلوك الاستراتييجي للبلدان على الصعيد الدولي في ضوء عناصر القوة الوطنية٬ و المحددات٬ و التحديات و القدرات و الإمكانات و ذهنية صانع القرار و رؤيته لهذه المفاهيم و إرادته في توظيفها.
مع مجيء إدارة جديدة يتواصل باراديغم و مسار السياسة الخارجية في البلدان لاسيّما القوى العظمى في أجواء من «الاستمرارية» و «التغيير». نموذج السلوك الاستراتيجي للحكومات يتبلور و يتعملن ضمن عملية تراكب العناصر و أدوات السياسة الخارجية.
ويشير النموذج السلوكي للإدارات الأمريكية المتعاقبة خلال العقود الماضية إلى تواصل البنية المتشكّلة من الممكنات و المحذورات و الإمكانات المنبثقة عن التوفيق بين مقومات القدرة و الأدوات و إدراك المسؤولين في إطار من الاستمرارية و التغيير. فبوش الإبن كانت تدور في خلده فكرة الإمبراطورية٬ و أوباما كان يسعى إلى الهيمنة٬ و ترامب إلى التميّز و بايدن يحلم باستعادة زعامة أمريكا في العالم. إنّه مسار متواصل نسبياً مع التغييرات المتكيّفة مع الظروف و المقتضيات٬ و مع مجيء ترامب رجح باراديغم التغيير على الاستمرارية. طبعاً دون أن يعني ذلك تحولاً استراتيجياً (Strategic Shift) في السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
الآن٬ و بعد انتخابات مثيرة للجدل و مطعون في مشروعيّتها على الصعيد الداخلي و الدولي٬ من المقرّر أن يستلم بايدن دفّة الحكم في البيت الأبيض بوصفه الرئيس السادس و الأربعين للولايات المتحدة. فيما يعكف الكثير من أهل الخبرة و الاختصاص و محلّلي قضايا السياسة الخارجية الأمريكية في داخل الولايات المتحدة و خارجها على فكّ رموز السياسة الخاريجية الأمريكية في عهد بايدن.
السؤال الرئيسي المطروح هنا هو: ما هي الأسس و المحاور التي ستبنى عليها السياسة الخارجية الجديدة للولايات المتحدة؟ و أيّ شكل سوف يتّخذه النموذج السلوكي لأمريكا بايدن؟ للحصول على أجوبة هذه الأسئلة هناك مجموعة من الأسئلة الفرعية ستطرح خلال وقائع الندوة التخصصية «السياسة الخارجية لبايدن؛ هل تتغير؟» و ستتمّ الإجابة عنها.
فصلية "طهران" لدراسات السياسة الخارجية و من خلال عقد هذه الندوة التخصصية التي شارك فيها نخبة من المختصّين و الباحثين في مجال السياسة الخارجية الأمريكية تسعى إلى تحليل و فك الرموز الاستراتيجية عن نموذج السياسة الخارجية لبايدن على ضوء آرائه و مواقفه و بياناته و كذلك آراء مستشاريه.
وقد شارك في هذه الندوة السادة: الدكتور محمود یزدان فام باحث استراتيجي في الشؤون الأمريكية٬ و الدكتور بهزاد أحمدي باحث في الشؤون الأوروبية٬ و الدكتور عيسى كاملي باحث في القضايا الأمريكية٬ و الدكتور رضا داد درويش سكرتير الشؤون الدولية في مجلة "طهران" لدراسات السياسات الخارجية. الشكر الجزيل للأساتذة الكرام على مشاركتهم و جهودهم٬ و ندعو القارئ الكريم إلى قراءة الجزء الثاني ما دار في هذه الندوة.  

 

 

الفصلية: هل لكم أن تشرحوا بشكل أوسع طريقة إدارة الولايات المتحدة لمشاكل المنطقة؟
د. أحمدي: لقد تمّ التطرّق إلى هذا الموضوع إلى حدّ ما في الحديث الذي دار حتى الآن. الولايات المتحدة تمتلك عشرة دولارات لكنّ مطالباتها أيضاً كثيرة. من هنا فهي مضطرّة لإدارة النفقات على النحو الأمثل، و إلّا فإنّها ليس فقط لن تستطيع التغلّب على التحديات التي تواجهها فحسب٬ و إنّما سوف تتساقط هذه التحديات على رأسها كحمم البركان. أكثر من 71 مليون ناخب صوّتوا للترامبية، هذا أمر غريب جداً. هذا ليس تحدٍّ بسيط بالنسبة لإدارة بايدن و أمريكا. هذه الملايين تشعر بالخطر لذلك صوّتت لترامب. الأمر لا يتعلّق بمسألة العرق الأبيض فقط٬ فالبطالة و هبوط الإنتاج و قضايا أخرى هي التي دفعت الرجل الأبيض قليل التعليم أو الرجل الأبيض كبير السنّ أو الرجل الأبيض الذي يعيش على الهامش أو في القرى للتوجّه صوب اليمين المتطرّف. حتى مستوى المقترعين لبايدن و ترامب أيضاً أمر مهم٬ فمعظم المقترعين لبايدن اختاروا التصويت عبر البريد بسبب جائحة كورونا ٬ في حين اختار المقترعون لترامب٬ في معظمهم٬ الذهاب إلى صناديق الاقتراع و التصويت حضورياً٬ و هذا يدلّل على أنّ الترامبيين أكثر استعداداً للتضحية في التحديات الميدانية الطارئة. و نفس هذا النموذج تكرّر في نهضة اليمين المتطرّف في أوروبا و الحالتان متشابهتان تماماً من حيث القدوة. هذه التحديات الداخلية تملي على المسؤولين الأمريكيين أن يبتعدوا عن التوترات على الساحة الدولية و أن‌ينهوا الحروب اللانهائية و العبثية في منطقة الشرق الأوسط. فتبرز أهمية الدبلوماسية هنا لتصبح أولوية٬ و يتم صنع الآليات و الحلول عبر المحادثات و المقترحات التفاوضية لإدارة المشاكل. فتشكّل العودة إلى إحياء دور المنظمات الدولية جزءاً من هذه العملية. إنّهم بصدد خلق مسارات جديدة في النظام الدولي. مثلاً٬ تشكيل ناتو اقتصادي لاحتواء الصين، طبعاً ليس بالمعنى العسكري للكلمة أو استيحاءً منها٬ بل تأسيس منظومة اقتصادية جديدة يمكن من خلالها احتواء العملاق الصيني.
يشكّل فريق إدارة بايدن رجال من ذوي الخبرة الطويلة في الساحة الدولية و لاينبغي الاستهانة بقدراتهم. علاوة على ذلك فهم محيطون بنقاط ضعفهم و الضعف الأكبر الذي يعتورهم. و عليه٬ و جواباً على سؤالكم يمكن القول بأنّهم دخلوا الساحة برؤية استراتيجية و حشدوا طاقاتهم للتعاطي مع الأولويات الرئيسية للولايات المتحدة. و في هذا الإطار فإنّهم بصدد خفض النفقات و وضعوا في حسبانهم إناطة المسؤوليات بلاعبين آخرين ممّن يستطيعون القيام بما هو مطلوب منهم في بعض الحالات. على سبيل المثال٬ لمواجهة التغوّل الصيني٬ عزموا على تشكيل ناتو اقتصادي مؤلف من لاعبين آسيويين. و هناك موضوع مهم آخر و هو احتواء روسية طبعاً ما أمكن ذلك٬ لأنّ اقتصاد روسية قائم على النفط و الغاز و يعاني من الاستنزاف٬ ممّا يعني أنّ هذا الموضوع لا يشكّل أولوية قصوى٬ و يمكن إيكاله إلى لاعبين آخرين. الموضوع الإيراني أيضاً يمكن إحالته على الآخرين. كما يتضمّن جدول أعمال الإدارة الأمريكية الجديدة خلق نُظُم و منظمات دولية جديدة. و لكن هل ستتكلّل مساعيهم في هذا المضمار بالنجاح أم لا٬ سنترك تقييم ذلك للمستقبل بعد أن يتمّ إنجاز هذه الخطوات. 
الفصلية: في الحقيقة هذا هو سؤالي بالتحديد. حيث أنيطت بأوروبا مسؤولية التعاطي مع الأزمة الليبية المصطنعة. كما أحالوا الأزمة و الحرب الداخلية السورية على بعض حلفائهم الإقليميين و كذلك بعض التنظيمات الإرهابية المؤتمرة بأوامرهم. أمّا مشكلة اليمن فقد وكّلت السعودية و الإمارات بحلّها. هذا المسار بدأ في عهد أوباما٬ و استمرّ في إدارة ترامب٬ لكنّ نتائج إناطة المسؤولية بالآخرين لم تجلب لشعوب المنطقة سوى الدمار و الخراب و ارتكاب المذابح بحق المدنيين و إيجاد ملاذات آمنة للتنظيمات الإرهابية. فهل يا ترى استقوا الدروس و العبر اللازمة من هذه الكوارث الإنسانية التي لا مثيل لها في التاريخ ؟
د. أحمدي: نعم٬ يمكن القول أنّهم تعلّموا الدرس.
الفصلية: أرجو أن توضّحوا كيف ذلك؟
د. أحمدي: لإضاءة الموضوع أعطي مثالاً عن أزمة القوقاز. يقول الكثير بأنّ الأمريكان لم يتمكّنوا من التدخل في الحرب الأخيرة بين أذربيجان و أرمينيا بينما جاء الروس و وضعوا نهاية لها بالتعاون مع تركيا. على عكس هذا الرأي٬ فإنّ إعادة النظر في أهمية المناطق بالنسبة للولايات المتحدة على الرغم من جميع المشاكل التي تكتنفها٬ و التي يتّفق عليها الجميع هنا٬ فإنّ تكاليف التدخل الأمريكي في أزمة قره باغ كانت أكبر من منافعها بالنسبة للولايات المتحدة. كما هو الحال مع حرب اليمن و التي هي في الواقع نوع من الملهاة للسعودية و إيران في أزمة اليمن٬ بأموال سعودية و تضحيات الشعب اليمن. لذا٬ فطبقاً للتحقيقات فإنّ البنتاغون لم يتدخّل تدخلاً عسكرياً مباشراً في اليمن و إنّما اكتفى بالدعم اللوجستي و الاستخباراتي. لماذا؟ لأنّ الولايات المتحدة كانت بحاجة إلى عودة الاستثمارات المالية السعودية إلى سوق الاستثمار و الإنتاج في أمريكا و ذلك عبر مبيعات الأسلحة لهذا البلد. من ناحية أخرى٬ و طبقاً لبرنامج عمل محدد من قبل واشنطن فإنّ السعودية أيضاً قامت بدور٬ على أيّ حال٬ في اليمن و جرى إلهاؤها. و يتمّ تقييم هذه الخطوة في إطار الخطة الأمريكية لتخفيض حضورها في المنطقة. 
الفصلية: و ما الذي يعنيه تخفيض حضور أمريكا في المنطقة ؟
د. أحمدي: موضوع تخفيض الحضور العسكري مطروح و طبعاً إلى جانب التركيز على المناطق الحساسة في المنطقة. مثلاً٬ سورية لم تعد ضمن دائرة اهتمامات الولايات المتحدة٬ على عكس العراق الذي يحظى بأولوية لعوامل استراتيجية. فالعراق يحظى بأهمية كبرى بالنسبة للولايات المتحدة نظراً لثقله الثقافي و موقعه في العالم العربي و لقربه من إيران و لكونه يشكّل حاجزاً بين إيران و إسرائيل. إنّ إدارة بايدن و على الرغم من تعاطفها مع الأكراد و رغبتها في صداقتهم لكنّها لا تميل إلى إبقاء قواتها العسكرية في سورية كما هو الحال مع العراق. على هذا الأساس٬ فإنّ هذه الإدارة وضعت لنفسها خطة عمل محدودة في منطقة الشرق الأوسط تكون الولايات المتحدة في موقع الزعامة و القيادة٬ و أنا أطلق عليها الضغط على الباب المفتوح٬ بمعنى٬ تحويل التهديد إلى فرصة. منذ أكثر من سنة ذكرت في مقالاتي أنّ الولايات المتحدة و بناءً على الإلزامات الاستراتيجية تنوي خفض حضورها العسكري في المنطقة٬ مع المحافظة على المراقبة الاستخباراتية و الأمنية و الارتقاء بها. و سوف تتيح هذه السياسة قدرات العسكرة٬ بشرط أن لا يسعى أنصار الحضور العسكري الأمريكي في المنطقة إلى تأجيج الأزمات. و تقوم هذه السياسة على تحليل المسارات الموجودة في المنطقة و العالم. و الشواهد و القرائن على هذا الأمر قوية و إلى حدّ ما مفهومة و مقبولة. فمن وجهة نظر الولايات المتحدة٬ إنّ البرنامج النووي الإيراني يمكن إدارته لفترات قادمة (مثلاً لعشر سنوات قادمة) و أنّ إيران لن‌تسعى إلى صنع القنبلة النووية.
منذ أن أمسك مايك بومبيو بدفة السياسة الخارجية الأمريكية٬ تحوّلت السياسة الأمريكية في المنطقة من المقاربة العسكرية إلى المقاربة الاستخباراتية الأمنية. و في هذه المنطقة الرمادية بدأ الاشتباك بين إيران و الولايات المتحدة٬ و تلقّى كل منهما ضربات من الآخر. اغتيال القائد سليماني و الحملة الصاروخية على قاعدة عين الأسد التي تضمّ قوات أمريكية كانت على رأس هذه الخطوات في المنطقة الرمادية. لذا٬ لم أر في السنتين الأخيرتين لعبة سوى اللعبة الاستخباراتية الأمنية ضدّ إيران في المنطقة و في سورية. و في إطار هذه اللعبة و استمراراً للحرب النفسية جاءت التحركات العسكرية و تحليق المقاتلات الاستراتيجية (B52) في المنطقة و زيارة الغواصات و حاملات الطائرات للخليج الفارسي. 
الفصلية: بالإشارة إلى انتقال بومبيو من وكالة الاستخبارات المركزية إلى وزارة الخارجية و بعكسه انتقال وليم بيرنز من وزارة الخارجية إلى وكالة الاستخبارات المركزية فإنّ ذلك ينطوي على أمر مثير للاهتمام. فوليم بيرنز٬ و بخلاف بومبيو٬ رجل ذو خبرة في عالم الدبلوماسية و الدبلوماسية الخفية٬ و مطلع على القضايا الأمنية٬ بسبب موقعه كسفير سابق لدى موسكو. بينما بومبيو كان مستجدّاً و قليل الخبرة في عالم الاستخبارات و الدبلوماسية٬ و بالإضافة إلى ذلك كان شديد التأدلج و يحمل رؤية خيالية إزاء القضايا. الهدف من هذا التوضيح هو التأكيد على ما طرحه الدكتور أحمدي من أنّ اللعبة الاستخباراتية لإدارة بايدن و بهذه الخصوصيات التي يتّسم بها فريقه السياسي و الأمني يمكن أن تُلعب بشكل أكثر نشاطاً ممّا في السابق. إلّا إذا كان لدى الأساتذة الحاضرين رأي آخر فليتفضّلوا ليطرحوه.
د. أحمدي: الجدير بالذكر هنا هو أنّ اغتيال الشهيد سليماني و الشهيد أبومهدي المهندس و مرافقيهما في مطار بغداد الدولي لم تكن رمزاً للحرب الاستخباراتية المعقدة و الاحترافية. فهذا الاغتيال بأيّ صورة تمّت٬ كان تعبيراً عن يأس و إحباط الطرف الآخر و ليس قدرة الجهة المنفّذة للاغتيال. و يصدق هذا القول أيضاً على اغتيال الشهيد الدكتور فخري زاده على الرغم من التعقيدات الاستخباراتية للعملية.
الفصلية: الدكتور يزدان فام إذا كانت لديكم ملاحظة حول إحياء زعامة الولايات المتحدة و كيفية ذلك في المنطقة تفضّلوا؟
د. يزدان فام: بالنسبة لكيفية إحياء زعامة الولايات المتحدة للعالم يتطلّب الأمر أن نذكر عدّة نقاط. من أجل وصف هذا الموضوع يلزم أن نعتبره محوراً في أحد اتجاهيه الإمبراطورية و في وسطه الهيمنة و في الاتجاه الآخر الزعامة. إدارة بوش في الأعوام 2001 إلى 2004 م كانت تقترب من الإمبراطورية٬ فقد أقصى علناً دور مجلس الأمن و نحّاه جانباً و قام بغزو أفغانستان و العراق. في الأدبيات السياسية و العلاقات الدولية هناك فارق جوهري بين مفهومي الإمبراطورية و الهيمنة. في الإمبراطورية٬ يكون الإمبراطور على رأس القمة و يصدر أوامره و على الجميع الطاعة. هذه كانت سياسة بوش الإبن و قد تحرّك بهذا الاتجاه. غير أنّ الهيمنة تختلف عن الإمبراطورية اختلافاً أساسياً و هو ضرورة وجود قبول للدولة التي تتربع على رأس الهرم من قبل الذين في أسفل الهرم. بمعنى٬ لا بأس بأن‌تفرض سيطرتك لأنّك الأقوى٬ و لكن إلى جانب ذلك لديك أداؤك٬ و أهمّه في النظام العالمي هو الذي يعبّر عنه بإنتاج الأمن. لا إشكال في سيطرتك و هيمنتك إذا حقّقت الأمن في النظام العالمي٬ و في المقابل سنكون راضين عن أدائك و لن نُشكل على تفوقك و سيطرتك. في الحقيقة إنّ قوة السيطرة بحاجة إلى قبول الذين في القاعدة٬ بينما قبول القاعدة في الإمبراطورية ليس مطروحاً قط. في السيطرة يجب أن تمتلك التفوق الاقتصادي و القدرة على صنع الخطاب الأقوى، و القدرة العسكرية و الإرادة الكافية على تنفيذ القدرة العسكرية الأقوى. هذه هي الخصوصيات الأربع لقوة السيطرة. في وثيقتي الأمن القومي الأمريكي للسنتين 2002 و  2006 م  ذُكرت بنحوٍ ما إمبراطورية أمريكا و سيطرتها، و لكن في وثيقتي الأمن القومي الأمريكي للسنتين 2010 ، 2015 م كان التركيز على زعامة أمريكا. و الزعيم يتربّع في القمة لكنّه يقول طيب لدينا هذه المشاكل و علينا جميعاً أن نتعاون على حلّها. و طبعاً أنا الذي أمارس دور الزعيم و أمسك بزمام الأمور بيدي. صحيح أنّ الزعيم يمتلك السلطة الأقوى سواء في حالة الإمبراطورية أم في الهيمنة٬ إلّا أنّ دور الدول الأخرى في إدارة القضايا أقل مقارنة بدور الزعيم. و بايدن حالياً يتّجه في هذا الاتجاه أي إحياء زعامة الولايات المتحدة٬ و لا يريد في هذه الزعامة أن تتحمّل بلاده لوحدها جميع تكاليف إدارة القضايا و توجيهها و مواجهة التحديات العالمية. إذن٬ بايدن يطمح لمثل هذا الموقع و الدور بالنسبة للولايات المتحدة٬ و لهذا السبب يريد أن يستميل الصين و في نفس الوقت احتواءها. هذه السياسة و إن كانت٬ نوعما ما٬ سياسة الجمهوريين في المراحل الأولى٬ إلّا أنّ الديمقراطيين دخلوا على هذا الخط بقوة أكبر و طبقوها. لذا٬ و من هذا المنطلق يريدون تخفيض نفقات الولايات المتحدة في العالم و كذلك تعميق الدور المناط بالآخرين. و هذا يعني إناطة المسؤولية بهم و في توزيع المسؤولية هذا تتقوّم زعامة أمريكا و تتعزّز.
الفصلية: هل ستكون مقترنة بخفض التصعيد و إدارة التوترات؟
د. یزدان فام: نعم مقترنة بخفض التوترات و إذا أمكن إدارتها. سوف يعملون على الدفع بهذه السياسة المقترنة بالدبلوماسية الذكية، و في نفس الوقت يحافظون على زعامتهم للعالم في مواجهة الصين و يعملون على إيجاد توازن في القوة بالتعاون مع سائر الحلفاء. يمثّل بايدن و فريقه في الفكر نوعاً من الزعامة الذكية الجديدة و التي لم يكن لها مكان في النظام الفكري لجورج بوش أو ترامب٬ لكنّها كانت واضحة و مميزة في النظام الفكري لأوباما٬ و يعتقد هذا الفريق الجديد أنّ لديه القدرة على عملنة هذه الفكرة٬ و هي عبارة عن نمط من الزعامة الذكية لأمريكا في العالم و لكن بكلفة أقل٬ حيث سيبقى زمام الأمور و توجيهها بيد أمريكا. هذي هي مواقفهم و برامجهم٬ و لكن إلى أيّ مدى ستحرز نجاحاً فهذا موضوع آخر.
الفصلية: أريد أن أسأل الدكتور كاملي إن كانت لديه ملاحظات حول أجواء العلاقة بين روسية من جهة و أوروبا و الولايات المتحدة من جهة أخرى؟
د. كاملی: للوهلة الأولى٬ المتوقّع بالنسبة لروسية هو أن يزداد التوتّر بينها و بين الولايات المتحدة في عهد بايدن٬ و إن كان بمقدور وليم بيرنز رئيس وكالة الاستخبارات المركزية أن يلعب دور جسر تواصلي قوي بين البلدين و ذلك لسابقته في الخدمة كسفير في موسكو. فقد كان في الفترة من 2005 إلى 2012 م إذا لم أكن مخطئاً سفيراً لبلاده لدى روسیة. إذا كان ينبغي تطبيق سياسة التقارب مع روسية٬ فلديه رصيد جيد لتلطيف أجواء عدم الثقة القائمة٬ إلّا أنّ هناك عامل ينغّص على هذه الجهود و يزيد من التوتّر و هو مسألة تدخّل روسية في الانتخابات الأمريكية في 2016م  حيث ينظر الديمقراطيون إلى روسية بوصفها العامل الذي أدّى إلى هزيمتهم في تلك الانتخابات. أجواء عدم الثقة و الريبة هذه لدى المسؤولين في البيت الأبيض إزاء روسية جدّ عميقة و سوف تؤدّي إلى زيادة التوتّر بين روسية و الولايات المتحدة. العامل الثاني هو موضوع الهجمات السايبرانية التي تُتّهم بها روسية و التي ستشكّل عامل زيادة التوتّر بينهما. أي٬ إنّ تركيز أمريكا في الحقيقة سيكون في هذا الاتجاه٬ و سوف تستفيد من هذه التكنولوجيا بشكل مؤثّر في احتواء الصين و كذلك في مواجهة روسية. و باعتقادي إنّ إحدى المنظومات التي من المحتمل أن تتشكّل في النظام العالمي خلال السنوات الأربع القادمة هي منظومة مواجهة الهجمات السايبرانية. و بحسب رأيي سيأخذ الأمريكان٬ على الأرجح٬ بزمام المبادرة في هذا المجال. و عليه٬ فمن بين الملاحظات التي أريد إضافتها إلى كلام الدكتور أحمدي هي نظام مواجهة الهجمات السايبرانية على الصعيد الدولي. و على أيّ حال٬ إنّ تلك الهجمات تحوّلت إلى تهديد كبير٬ و أنّ جميع بلدان العالم معرّضة لهذا التهديد. كلفة هذا النوع من التهديد منخفضة جداً بالنسبة للمهاجم٬ و لكن في نفس الوقت تترتّب عليها نتائج باهظة بالنسبة للبلد الهدف و للعالم بأسره. و يوماً بعد آخر تزداد وتيرة الهجمات السايبرانية في العالم٬ أي٬ كلما تقدّمنا إلى الأمام٬ يتعاظم التهديد الذي يشكّله هذا السلاح.
ومع ذلك٬ سيحاول فريق بايدن وضع نظام دولي مناسب لهذا الموضوع٬ و ربما يصل إلى بعض التفاهمات مع روسية في هذا الشأن. علاوة على ذلك٬ سوف يضع ضمن جدول أعماله إحياء بعض الاتفاقيات مع روسية المتعلّقة بمنع انتشار الأسلحة الاستراتيجية من صواريخ و أسلحة نووية و في نفس الوقت ممارسة الضغوط على الصين للدخول في هذه الاتفاقيات. و إذا استطاع هذا الفريق ضبط علاقاته مع روسية و إدارتها٬ فسوف يسعى إلى الضغط على الصين عبر روسية.
وفي الميادين الاقتصادية يسعى إلى إحداث توازن بين أوروبا و الصين من جهة٬ و بين الهند و الصين من جهة ثانية. و نتائج هذه الخطوات أعتقد ستكون لصالح الهنود أكثر من أيّ طرف آخر٬ فالهند في عهد ترامب كانت تحظى بالأولوية٬ و ستظلّ تشكّل من أولويات أمريكا في إدارة بايدن. هذه فرصة ذهبية بالنسبة للهنود للعمل على تعزيز قدراتهم. على أيّ حال٬ فإنّ الهنود في وارد زيادة قدراتهم بتؤدة و طمأنينة. هذا في حين تحاول الولايات المتحدة توظيف الهند لإحداث التوازن عن بعد في احتواء الصين و مواجهتها في نفس الوقت. و هي فرصة للهنود لكي يحظوا بدعم الولايات المتحدة في موضوع التوتّر بين الهند و الصين. 
الفصلية: طبعاً الصينيون مطلعون منذ مدة على هذه الخطط الاستراتيجية للأمريكان ٬ و لهذا السبب قاموا بعملنة استراتيجية الطريق الواحد و الحزام الواحد. و السؤال الراهن هو ما هي النتائج بالفعل و بالقوة المترتبة على امتداد هذه الاستراتيجية الصينية في الشرق الأوسط في ضوء الاستراتيجية الأمريكية و رد فعلهم إزاء معاهدة الـ 25 للتعاون الاستراتيجي بين إيران و الصين؟ 
د. یزدان فام: عند التعاطي مع هذه القضايا ينبغي لنا أن نتبنّى نظرة استراتيجية إزاءها٬ و رؤية تتضمّن مشاركة جميع قوى المنطقة في إدارة و تنظيم تركيبة القوة و النظم الإقليمية. لو نظرنا نظرة استراتيجية ثاقبة إلى المقابلة الصحفية الشهيرة التي أجريت مع الرئيس الأسبق أوباما في المجلس الأطلسي و نشر نصّها في موقع أتلانتيك سنجد أنّه و في الشهور الأخيرة من إدارته طالب بنوع من توزيع النفوذ في المنطقة بين إيران و السعودية. و الحقيقة أنّه في تلك المقابلة مارس ضغطاً على السعودية للقبول بعملية توزيع النفوذ التي طالب بها٬ لأنّه كان يعتقد أنّ مقاربة عربستان لقضايا المنطقة عامل زيادة التوتّر و عدم الاستقرار في المنطقة٬ و أنّها هي التي ترفض أيّ دور لإيران في المنطقة. و قد وجّه خطابه للسعودية قائلاً عليكم أن تقبلوا بموقع إيران و دورها٬ عندها ستقوم إيران بدورها كلاعب متوازن يساهم في تعزيز الاستقرار و الثبات في المنطقة. الفريق الحالي في البيت الأبيض أيضاً يطلق تصريحات معادية في معظمها للسعودية٬ و قلّما يتّخذ موقفاً حيال إيران. و أعتقد أنّ علينا أن نقيّم هذه الفرصة و نستغلّها لإحياء الدور الإقليمي لإيران في المنطقة و تعزيزه عبر كبح التوتّر. طبعاً دون أن يعني ذلك الخضوع لسطوة الهيمنة٬ و إنّما قبول هذه الهيمنة بوضع إيران و مكانتها في المنطقة٬ و الالتزام بقواعد اللعبة التي تنسجم مع الالتزامات المتبادلة. 
الفصلية: اسمح لي سعادة الدكتور. كما تفضّل الدكتور أحمدي أيضاً فإنّ خطوات أمريكا المستقبلية في المنطقة ستكون على الأغلب على شكل ردود أفعال. ففي مقابل جميع أفعال الجمهورية الإسلامية في المنطقة كانت هناك ردود أفعال عليها. ثماني سنوات من الدفاع المقدس ضدّ عدوان البعثيين المدعوم من الغرب و المحور السعودي٬ و دور المستشارين الإيرانيين في لبنان و تشكيل حزب الله لطرد القوات الغازية خارج بوابات بيروت و جنوب لبنان٬  و دور المستشارين الإيرانيين في العراق و سورية في إطار الدفاع عن سيادة البلدين و وحدة أراضيهما و استقلالهما في مواجهة قوات الاحتلال الأمريكي و الإرهابيين المدعومين من قبل الأمريكان و حلفائهم في المنطقة. و كذلك دعم اليمن في مواجهة عدوان القوات السعودية و الإماراتية المدعوم من قبل الولايات المتحدة استخباراتياً و لوجستياً. كل هذه الأمور كانت ردود أفعال على الأعمال العدوانية لسائر اللاعبين و دفاعاً عن المظلوم في مواجهة الظالم. ربما جاءت تصريحات أوباما الشهيرة في المجلس الأطلسي المعادية للسعودية بعد إدراكه هذه الحقائق و كرد فعل على دعمه للسعودية في عدوانها على اليمن و فشلها في السيطرة عليها في غضون ثلاثة أسابيع كما زعمت.
د. أحمدي: في معرض تأييدي لكلام الدكتور درويش أريد أن أؤكّد على أنّ هذه التجارب و الحوادث كانت صحيحة و منطقية٬ و لكن أودّ أن أضيف عبارة واحدة في وصف هذه التجارب و أقول أنّ حزب الله وصل إلى ما وصل إليه اليوم عندما تشكّلت في أعماقه قوة سياسية بوصفه لاعباً سياسياً بمعنى الكلمة يؤدّي دوره في شطرنج السياسة اللبنانية. يشارك بصورة فعالة في تشكيل الحكومة يمارس دوره في النظام الدولي كجزء من الحكومة. و عندما أصبح حزب الله لاعباً صار ينهض بمسؤولياته أيضاً٬ الأمر الذي أدّى إلى استمراريته و بقائه و خفض التوتّرات في لبنان٬ و لم تعد إسرائيل تجرؤ على مهاجمة لبنان. و بناءً عليه٬ هناك حاجة لأن تنخرط سائر جماعات المقاومة على صعيد المنطقة أيضاً في العملية السياسية و بناء الدولة.
الفصلية: نعم على شاكلة الخطوات التي تجري في أفغانستان و العراق من تشكيل الحكومة.
د. أحمدي: في عام 2007 م كانت سياسة الجمهورية الإسلامية تجاه الأزمة العراقية هي الأنجح. في وقت كان الأمريكان فيه منخرطين في لعبة سياسية و أمنية طبقاً لتقرير هملتون. فقد قامت إيران بدعم مختلف الجماعات العراقية و تشجيعها على المشاركة في عملية بناء الدولة في العراق٬ فاضطر الجنرال بترايوس قائد القوات المركزية و الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية إلى القبول بدور للقوى العراقية في الحكومة العراقية. هذه الأمور كانت بمثابة مواكبة للجمهورية الإسلامية لسائر اللاعبين لخلق الاستقرار و بسط الأمن في المنطقة. و لولا ذلك لكنّا نشهد اليوم عدم استقرار الأوضاع في أفغانستان و العراق و سورية كما هو حاصل في ليبيا الغارقة في عدم الاستقرار و الأزمات و على شفا التقسيم و التجزئة.
الفصلية: إنّ مصالح بلدان المنطقة و أمنها و استقرارها متشابكة بشدّة و لا يمكن النظر إليها بصورة منفردة و مستقلة.
 د. أحمدي: مصالحنا و دول المنطقة تستوجب بعد هزيمة داعش و سائر التنظيمات الإرهابية على يد قوى المقاومة أن تنخرط الأخيرة في بناء الدولة. 
الفصلية: هذه العملية تعدّ جزءاً من السياسة الثابتة للجمهورية الإسلامية الإيرانية و بعض الدول الأخرى على الرغم من العراقيل التي يضعها سائر اللاعبين الإقليميين و الدوليين. و بالنسبة لأزمة اليمن فإنّ إيران قد طرحت في المراحل الأولى للأزمة مبادرة من أربعة بنود في هذا الإطار٬ و الآن أيضاً بصدد متابعة هذه المبادرة. إلّا أنّ العربية السعودية رفضت المبادرة على الرغم من هزائمها المتكرّرة و ارتكابها كوارث إنسانية في هذا البلد بدعم الكيان الصهيوني و إدارة ترامب. و في هذا الإطار٬ فإنّ الأخبار الواصلة من واشنطن تفيد بأنّ إدارة ترامب و من أجل إفشال المبادرة الإيرانية تنوي إدراج أنصارالله على قائمتها الخاصة بالمنظمات الإرهابية و ذلك نزولاً عند رغبة المسؤولين السعوديين و الكيان الصهيوني. دكتور كاملي أنتم كيف تقيّمون أفعال و ردود أفعال روسية و الصين و سائر اللاعبين على مشروع إحياء زعامة الولايات المتحدة خاصة؟
د. كاملي: لقد ذكر الأساتذة الأفاضل أهم المحاور الرئيسية٬ لذا أودّ أن‌أضيف نقطتان أو ثلاث إلى ما تفضّلوا به. السيد بايدن يريد أن يحقّق فكرة إحياء زعامة أمريكا على أرض الواقع٬ لكنّ الحقيقة هي أنّ الظروف الدولية الراهنة اختلفت كثيراً عمّا كانت عليه في عهد أوباما. لقد زادت سياسات ترامب الأوضاع سوءاً٬ من جهة٬ تعزى مسألة إحياء زعامة أمريكا في العالم إلى القضايا الداخلية الأمريكية٬ أحياناً يكون تحقيق هذا الأمر خياراً٬ و في أحيان أخرى قد يكون اضطراراً. بيد أنّ حقيقة الأمر هي أنّ هذا الموضوع عبارة عن مزيج من الاختيار و الاضطرار. بمعنى٬ إنّ الولايات المتحدة ملزمة للقيام بذلك لأنّها تريد إصلاح ما أفسده السيد ترامب. و السؤال الرئيسي المطروح هو: هل بالإمكان تحقيق هذا الأمر عملياً بالسرعة و المثالية التي تريدها أمريكا؟ لا أعتقد ذلك. فهناك الكثير من التحديات في هذا الطريق. و لماذا على اللاعبين الآخرين أن يثقوا بمثل هذا المشروع الذي تطرحه الولايات المتحدة. ففي الوقت الذي تستمر فيه التحولات الجارية داخل أمريكا وإذا بشخص مثل ترامب يأتي بعد أربع سنوات إلى البيت الأبيض فيعيد أمريكا إلى الأحادية مرة أخرى. في هذه الحالة٬ أيّ تفسير سيقدّمه زعماء البلدان الأخرى لشعوبهم عن الأضرار التي ستنجم عن الوثوق مجدّداً بالولايات المتحدة. فالشركاء و القوى الكبرى و المنظمات الدولية في العالم تشعر بعدم الثقة و الريبة إزاء الظاهرة الترامبية. صحيح أنّ ولاية بايدن تعدّ فرصة٬ و لكن هل تستحقّ هذه الفرصة أن تعود الاستثمارات؟ في ظنّي أنّ إحياء زعامة أمريكا بالطريقة السابقة لغو لا معنى له. فإذا كان هذا الموضوع يستحقّ الطرح فيمكن أن يكون ذلك ضمن نموذج القيادة التشاركية لا القيادة المتفرّدة. و عليه٬ فإنّ بايدن٬ و بسبب الإكراهات و القيود الداخلية و الدولية مضطرّ للقبول بنموذج القيادة التشاركية.
الفصلية: إذا قبل بهذه القيادة التشاركية٬ فما هو التعريف الذي ينبغي طرحه لهذا النمط من القيادة لتحظى بقبول سائر اللاعبين الآخرين؟
د. كاملی: من الطبيعي أن لا تقبل أوروبا بهذا النمط كما في المرة السابقة٬ لأنّها أدركت أنّ الولايات المتحدة أيضاً لم تعدّ كما في السابق. فقد تعلّم زعماء أوروبا من فترة ترامب درساً خطيراً و هو أنّ عليهم أن يفكّروا بدرجات من الاستقلال عن الولايات المتحدة. فقد بيّنت مشاريع مثل اينستاكس أو مشروع نورد ستريم بأنّ أوروبا مضطرة إلى البحث عن استقلالها و في نفس الوقت القبول بإحياء زعامة الولايات المتحدة و لكن بشكل جديد. طبعاً التحولات الجارية في حقل الاقتصاد العالمي و تأثير كورونا على هذا الحقل أيضاً تستدعي الاهتمام. و التسريع في تحقيق مشروع إحياء زعامة العالم أيضاً يحتاج٬ اضطراراً٬ إلى تقييم لتأثيرات كورونا على اقتصاد هذه البلدان و الاقتصاد العالمي. و بالنسبة لمسألة أولويات الاقتصاد المتأثّر بالكورونا هل تيسّر مشاركة سائر البلدان مشروع إحياء الزعامة التي يطمح إليها بايدن٬ فهذا في حدّ ذاته يحتاج إلى تقييم دقيق. و هناك موضوع آخر و هو طبيعة تعاطي الولايات المتحدة مع القوى الكبرى الصاعدة. فهل تريد أن يتمّ هذا التعاطي في إطار تعاون – تنافس أو تنافس - تعاون. و بالنسبة لموضوع روسية أو الصين فإنّ تفسير طبيعة دور هاتين القوتين أيضاً مهم جداً و سوف يساعد على رسم ملامح و شكل هذه الزعامة العالمية. و هناك إمكانية أخرى تنضوي تحت شعار السيد أوباما في التعامل مع الخصوم٬ فبعد نشر وثيقة الأمن القومي الأمريكي الجديدة سوف تتحدّد مدى أهمية هذا الموضوع بالنسبة إليهم. أضف إلى ذلك موضوع علاقة الولايات المتحدة بالمنظمات الدولية و الإقليمية. و إذا ما أردنا تلخيص كل ذلك سوف نستنتج أنّنا في مرحلة انتقال استراتيجي، أي٬ في عملية تدوين الاستراتيجيات العالمية، فإذا كانت الولايات المتحدة أو القوى الكبرى بصدد استرجاع دورها٬ فما هو فهمنا لهذا الموضوع؟ سوف ينطوي هذا الأمر على أهمية كبرى بالنسبة لنا. هل ينبغي أن نفسّر كل شيء من خلال التعاطي الثنائي مع الولايات المتحدة٬ أم إنّنا في عملية وضع و تدوين الاستراتيجية ينبغي أن نتجاوز هذه المرحلة. و عليه٬ لا بدّ من استغلال هذه الفرصة لكي نرتقي إلى مستوى أعلى٬ و أن نطرح لأنفسنا فرصاً استراتيجية و توظيفها في ضوء القضايا المطروحة في التعاطي مع الصين و روسية. بالنسبة لروسية فإنّ الموضوعات المطروحة تتعلّق بمستويات التعاون معها في القضايا الكبرى أو حتى في مسألة النفط و الغاز. و كذلك مع أوروبا و بلدان الخليج الفارسي بصورة خاصة٬ ما نوع التعاون الممكن عملنته معهم؟
الفصلية: شكراً جزيلاً للدكتور كاملي٬ و سؤالي موجّه إلى الدكتور أحمدي إن كان لديه ملاحظات تكميلية حول طبيعة التعاطي مع أوروبا و الآخرين فليتفضل. 
د. أحمدي: بالنسبة لأوروبا لديّ ملاحظة أو بالأحرى عدّة ملاحظات و إن كان الدكتور كاملي قد أشار إلى الأمور الضرورية بصورة صحيحة. إنّ تحسين العلاقات عبر الأطلسي هو بين أوروبا و الولايات المتحدة٬ إلّا أنّها لن تعود إلى سابق عهدها قبل مجيء ترامب إلى البيت الأبيض. و التغيير الأكبر الذي سيطرأ عليها يتمثّل في أنّ أوروبا سوف تسعى لأن‌تكون في القضايا العالمية شريكة لأمريكا بدلاً من أن تكون تابع لها. و هي مسألة تنطوي على أهمية بالنسبة لأوروبا التي تفكّر بالاستقلال الاستراتيجي و أمور من هذا القبيل. حالياً يتمّ تداول هذه الآمال في أوروبا أو التفكير بصوت عالٍ من قبل فرنسا و تالياً ألمانيا. ففي ألمانيا يدافع الحزب الاشتراكي الديمقراطي بشدّة عن هذه الفكرة. كما أنّ الرئيس الألماني شتاين ماير صار يتحدّث بهذه الأمور٬ لكنّ زعماء الحزب الديمقراطي المسيحي قلّما تحدّثوا عن ذلك٬ فهذا التيار ما زال يعوّل على الشراكة مع الولايات المتحدة٬ و يرغب في تعزيز العلاقات عبر الأطلسي مع بعض التغيير في طبيعة التعاطي و الارتقاء من مرتبة تابع إلى شريك. أمّا أن تكون هذه الشراكة بمثابة حلم و ربما لا يقبل بها الأمريكان٬ فهذا بحث آخر. لكنّ الحقيقة هي أنّ أوروبا قد تبلورت لديها قناعة في آخر المطاف أو عرفت بالتحديد نقاط افتراقها عن الولايات المتحدة.
أوروبا بوصفها إحدى حلفاء الولايات المتحدة قد أبرمت عقداً مهماً في حقل التجارة. من ناحية أخرى٬ فإنّ أستراليا و اليابان و سائر البلدان في المنطقة قدشكّلوا مع الصين مجموعة تجارية. و يعدّ هؤلاء لاعبين رئيسيين تعتمد عليهم أمريكا اعتماداً كبيراً. و بالنسبة لاتفاقية باريس فقد كانت نقطة افتراق أوروبا عن أمريكا. بحسب اعتقادي أنّ العالم خطا خطوات أبعد من موضوع السيبرانية و المجال الافتراضي ليدخل مرحلة الاقتصاد الرقمي. الملاحظات المهمة في هذا النقاش هو وجود قانونين في الاتحاد الأوروبي باسم قانون الأسواق المنفردة و الآخر قانون الخدمات الرقمية. و قد تمّت المصادقة على هذين التشريعين في الأسابيع الماضية٬ و هما يشكّلان حالات فراق جديدة مع الولايات المتحدة. 
الفصلية: هل لكم أن توضّحوا أكثر مفهوم و أبعاد هذا الفراق الجديد؟
د. أحمدي: القانون الأول يركّز على كيفية تقاسم البيانات مع الأطراف الثالثة. و الثاني أيضاً هو قانون مكافحة الاحتكار (Antitrust). و هنا يبرز الفرق و الفراق بين أوروبا و الولايات المتحدة. فأوروبا تسعى إلى ملكية البيانات الخاصة بها٬ و في الاقتصاد الرقمي و الذكاء الصناعي تبحث عن حصّتها في الاستثمار. هذه هي الملاحظات التي برأيي سوف تحوز على الأهمية و بالتبع ستؤثّر في فهم أوسع للسايبر، و أنا أطلق عليه فراق في معسكر «أيديولوجية السايبر للمجموعة الأولى». ففي حقل السايبر هناك أربع مجموعات. مجموعة روسیة و الصين٬ مجموعة الولايات المتحدة و حلفائها، المجموعة الثالثة الشركات الدولية و المنظمات الدولية٬ و المجموعة الرابعة بعض البلدان على شاكلة الباندول مثل الهند التي بعد قوانين السايبر تتبع الـ «جي‌تي‌پي‌آ» لأوروبا٬ و في موضوع الاستقلال السايبراني تعمل مثل روسية و الصين.
النقطة التالية هي ملاحظة الدكتور كاملي حول تعزيز العلاقات عبر الأطلسي على الصعيد السايبراني. فهناك متابعة لمسار استراتيجي استقلالي متعاظم في مختلف الميادين الأمنية و السياسية و الاقتصادية و حتى العسكرية٬ ثم انعكس ذلك المسار على موضوع السايبر أيضاً. و على الرغم من نقاط الافتراق هذه بين أوروبا و الولايات المتحدة إلّا أنّ الطرفين متفقان حول الموضوع الإيراني. ففرنسا ستلعب دور الشرطي السيء نيابةً عن أوروبا انطلاقاً من ثقتها بأنّ بايدن لن يعمل بالضدّ من المصالح الأمنية لأوروبا في العالم و لا سيّما في منطقة الشرق الأوسط كما فعل ترامب عندما سدّد ضربة للمصالح الأوروبية في هذه المنطقة٬ عندما دعم ترامب٬ على سبيل المثال٬ العربية السعودية في حرب اليمن و قدّم لولي العهد محمد بن سلمان شيكاً على بياض. و في النزاع بين قطر و السعودية وقف إلى جانب الأخيرة. و في المسألة السورية تخلّى عن الأكراد مرات عديدة٬ لدرجة أثار سخط الفرنسيين. إذن٬ مع مجيء بايدن لن نشهد مثل هذه التصرفات في السياسة الأمريكية. على أيّ حال٬ فإنّ منابع أمريكا و قوتها محدودة و لا بدّ من صرف هذه القوة في أماكن أخرى مثل الشرق الأقصى. و لدى الولايات المتحدة رغبة شديدة في متابعة قضايا الشرق الأوسط و شمال أفريقيا بالوكالة في إطار التوازن عن بعد٬ إلّا إذا مال ميزان القوة في المنطقة لغير صالح الولايات المتحدة و اضطرت إلى التدخل المباشر. طبعاً موضوع حقوق الإنسان في العربية السعودية مطروح على جدول أعمال إدارته و ستقوم بمتابعته من حين لآخر و خاصة ما يتعلّق بمقتل الصحفي خاشقجي٬ و سجن الناشطات السياسيات و اضطهاد الشيعة في هذا البلد.
الفصلية: إذن لن نشهد تغييراً ملموساً في السياسات الأمريكية في المنطقة؟ 
د. أحمدي: الجوهر الاستراتيجي للعلاقات لن  يطرأ عليه تغيير٬ و لكن شكل هذه العلاقات سيتغيّر. فلن تمنح الإدارة الجديدة شيكاً على بياض  للسعودية لإثارة الأزمات في المنطقة٬ كما حصل في عهد ترامب. فمحمد بن سلمان فعل تقريباً كل ما يحلو له دون محاسبة من ترامب. لن تصدّر الولايات المتحدة بعد الآن الأسلحة الفتاكة إلى السعودية كما في الإدارة السابقة٬ و لن تقدم الدعم الدولي للسعودية على انتهاكاتها المروعة ضدّ الإنسانية. على هذا الأساس٬ سيتمّ طرح و متابعة موضوع المشروعية الأخلاقية و الدولية في الحرب ضدّ اليمن. فتضطرّ السعودية إلى إنهاء تلك الحرب. 
الفصلية: هل كانت محاولات إدارة ترامب بالتعاون مع المحور الصهيو - سعودي إدراج حركة أنصارالله على لائحة التنظيمات الإرهابية الأمريكية من أجل عرقلة أو وضع العوائق على طريق احتمالات إنهاء الحرب في اليمن في عهد بايدن؟
د. أحمدي: بكل تأكيد٬ و لكن حتى لو أدرجت حركة أنصارالله في لائحة الإرهاب٬ فإنّ الولايات المتحدة مضطرة إلى حذف الحركة المذكورة من اللائحة و التصالح معها تحت عناوين مختلفة لخفض التوتّر٬ فلم يعد المجتمع الدولي يتحمّل مزيداً من الانتهاكات السعودية في ارتكاب المذابح بحق المدنيين و الأطفال في اليمن. و إذا تكرّرت هذه التصرّفات فلن يبقى لمشروعية زعامة الولايات المتحدة الدولية أيّ معنى أو مفهوم. و بناءً عليه٬ يجب احتواء التوترات في منطقة الشرق الأوسط و إدارتها بنحوٍ ما. في هذه الحالة يمكن للولايات المتحدة أن تركّز جهودها على القضايا الدولية ذات الأولوية القصوى و تصل إلى حالة من التوازن. إذن٬ متى حصل هذا التركيز و ذاك التوازن حينئذ يمكن أن نتوقّع مقاربة أكثر قسوة و حدّة إزاء الشرق الأوسط. و بالنسبة لموضوع حقوق الإنسان٬ فإنّ نائبة الرئيس كامالا هاريس و بقية المسؤولين في الإدارة سوف يتابعون قضية القتل المفجع لخاشقجي بحسب ما صرّح به بايدن. 
برأيي إنّ مسألة «محمد بن نايف» أيضاً ستشكّل قضية مهمة، على الأقل لكبح جماح محمد بن سلمان و توجيهه. و في موضوع إيران و السعودية و الولايات المتحدة٬ فأعتقد أنّ الضغوط سوف تزداد على السعودية. و من المحتمل أن‌تقدم هذه الأخيرة على مقامرة سياسية. فمقاربتها إزاء إيران يمكن أن‌تترجم إلى ثلاثة مواقف: أولاً٬ استمرار الموقف العدائي الحالي٬ فتستعين بالقدرات الإسرائيلية و تلجأ إلى التعاون الرسمي معها٬ ثانياً٬ التعاون مع إيران لتخفيض منسوب التوترات التي تشوب العلاقات الثنائية. ثالثاً٬ أن تقوم باللعب على الحبلين فتعمل على خلق نوع من الموازنة في علاقاتها بين إيران و إسرائيل. و لكن إذا حصل تطوّر في مسار العلاقات الأمريكية الإيرانية أدّى إلى تخفيض مستوى التوتّر في المنطقة٬ فإنّ هذا الأمر سيؤدّي بدوره إلى تخفيض التوتّر و العداء في العلاقة بين السعودية و إيران. 
الفصلية: بالنسبة لمبيعات الأسلحة للسعودية٬ و ضرورة إنهاء الحرب في اليمن فقد غطّى النقاش هاتين المسألتين بشكل كامل تقريباً. و الآن لنعرّج على مقاربة السعودية إزاء قطر؟
د. أحمدي: هناك عدّة نقاط يمكن رصدها في مقاربة السعودية لقطر. في هذا الملف٬ أعتقد أنّ السعوديين من جهة قد قاموا بالهروب إلى الإمام٬ و من جهة ثانية قدّموا مسبقاً تنازلاً كبيراً لبايدن. بالنسبة لسورية فإنّ رأي بايدن هو عدم سحب القوات الأمريكية من هذا البلد. و لكن لا أعتقد أنّه أمر واقعي٬ فهم يسعون إلى تواجد عسكري استراتيجي ليس الغرض منه المحافظة على القوات العسكرية و إنّما ارتهان منابع النفط السورية و الاستثمارات المالية التي تحتاجها سورية لإعادة الإعمار. إذا نظرنا إلى الآليات اللازمة لإعادة إعمار سورية سيتبيّن لنا بوضوح أنّ أمريكا تتّخذ من هذه المسألة رهينة. لقد بذل الروس مساعي كثيرة لرفع العوائق التي تقف أمام إعادة إعمار سورية حتى أنّهم في وارد التوسّط بين سورية و الولايات المتحدة.
الفصلية: و ماذا عن مصر و القضية الفلسطينية؟
د. أحمدي: مسألة حقوق الإنسان ستكون في دائرة الضوء أكثر من بقية القضايا إذ لم يعد بمقدور بايدن أن‌يتحمّل مناورات السيسي بعد الآن. و لذلك سيعمل على ممارسة الضغوط عليه٬ مع إبقاء الباب مفتوحاً معه من أجل الحفاظ على العلاقة بين مصر و إسرائيل و استمرارها٬ طبعاً مع بقاء العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة و إسرائيل. فهذه الإدارة تدعم اتفاقات إبراهيم للتطبيع بين إسرائيل و الدول العربية الأخرى٬ و سوف تسعى إلى إحياء عملية السلام بين إسرائيل و فلسطين. و في نفس الوقت سوف تفصل بين طموحات إسرائيل الإقليمية و بين الموضوعات ذات الصلة ببقاء إسرائيل. بمعنى أنّها لن تدعم هذه الطموحات في الأراضي الفلسطينية المحتلة و في المنطقة كما كان ترامب يفعل. و ستبقى هذه الإدارة على معارضتها لبناء المستوطنات في المناطق الفلسطينية٬ و لكن لن يعود الوضع إلى سابق عهده قبل خطوات ترامب المعادية للمصالح الفلسطينية و السورية في القدس و الجولان. طبعاً سوف يُقدم على تنفيذ بعض الخطوات الإنسانية مثل تأمين ميزانية برنامج الأمم المتحدة و مواصلة العلاقة مع السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس. و في نهاية المطاف فإنّ إدارة بايدن ستكون مضطرة في إطار إحداث التوازن عن بعد و الحاجة إلى التركيز على الأولويات العالمية للقيام ببعض الخطوات٬ منها مسألة إناطة المسؤولية و صنع التحالفات. و في هذا السياق٬ ستكثّف المشاورات و التواصل مع الحلفاء و لكن مع الحفاظ على البنى الاستراتيجية ذات الصلة بإدارتها لجهة تحقيق أهدافها الأصلية. و بالنسبة لموضوع سحب القوات الأمريكية من المنطقة فإنّها سوف تعمل على ذلك تدريجياً و بالاستناد إلى رؤية منطقية أفضل. و بدلاً من ذلك سوف تسعى إلى القيام بالإجراءات اللازمة لترسيخ الحضور الأمني و الاقتصادي و الاستخباراتي. و ستعيد النظر في نفوذ روسية و الصين في منطقة الشرق الأوسط حيث ستتصدّى لنفوذ روسية في المنطقة. و ستتمثّل هذه الإجراءت المعادية لروسية في الأدوات الناعمة مثل العقوبات و صنع التحالفات و على الأرجح تفعيل التقارب مع الحكومة السورية. و الهدف النهائي لهذه الخطوات هو احتواء روسية في المنطقة. المحاور الرئيسية لإدارة بايدن هي التعاطي مع دول المنطقة و حتى مع إيران من أجل إدارة المنطقة. طبعاً لا نتوقع تحولات حادة و سريعة من قبل الأمريكان٬ بل خطواتهم ستكون بتؤدة و هدوء و تدريجية.
الفصلية: و أنتم دكتور يزدان فام ما هي ملاحظاتكم حول المنطقة؟
د. یزدان فام: أعتقد أنّ المحاور الرئيسية لسياسة بايدن في المنطقة ستكون عبارة عن: 
- إلغاء الأولوية الأحادية التي منحها ترامب لكل من إسرائيل و السعودية. فهذه الأولوية كانت أحادية تماماً و بمعنى تجاهل مصالح الآخرين و معاداتهم. 
 - إلغاء الدور بالوكالة لمحور إسرائيل و السعودية و الإمارات في تحولات المنطقة و الذي كان عبارة عن تفويض هذه الدول مسؤولية السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة بشكل تام و حقيقي.
- ما أقدم عليه ترامب من إجراءات في الداخل و الخارج كلّها كانت استثناءات في التاريخ الأمريكي. نذكر على سبيل المثال٬ لم يحدث في تاريخ أمريكا أن‌قام رئيس أمريكي بأول زيارة له خارج البلاد إلى العربية السعودية، لكنّ ترامب فعلها. و هذا يعني أنّ كندا و المكسيك لاتشكّلان أولوية بالنسبة له٬ و أنّ أمريكا اللاتينية ليست أولوية٬ و لا بريطانيا و لا ألمانيا٬ بل السعودية. لذا٬ فهذه النظرة المتطرّفة إلى المنطقة سوف تتلاشى تماماً في عهد بايدن.
- و لذلك نجد أنّ العربية السعودية قامت مسبقاً بخطوتين لتنظيم علاقاتها مع بايدن. على صعيد إيجابي ستعمد إلى تطبيع علاقاتها مع قطر. و على صعيد سلبي عدم إقامة علاقات مباشرة و رسمية مع إسرائيل. لقد ادّخر محمد بن سلمان هاتين الخطوتين ليقدّمهما هدية لبايدن٬ ليعمل من هذا الطريق على تحسين علاقاته مع الولايات المتحدة. و عليه٬ فإنّ هدف ابن سلمان٬ على عكس الإمارات و البحرين اللتين تسعيان إلى التطبيع مع إسرائيل٬ هو تقديم خدمة لبايدن. فهو يريد أن يقول لبايدن أنّني لم أمنح هذا الامتياز لترامب بل ادّخرته لك. فإذا وصلت علاقات الرجلين في المستقبل إلى حالة من التوازن٬ فذلك سيكون نتيجة للخدمة التي قدّمها ابن سلمان لبايدن. هذه النقطة ينبغي التركيز عليها بشكل خاص٬ لذا هناك احتمال بأنّه في حال تطوّرت الأمور و سارت على ما يرام فإنّها قد تنسحب على إرساء أسس الاستقرار و السلام في اليمن. في الحقيقة٬ لقد حاول ترامب في اللحظات الأخيرة من فترته الرئاسية أن يدرج حركة أنصارالله على اللائحة الأمريكية للجماعات الإرهابية٬ للحؤول دون إقامة جسر احتمالي في أزمة اليمن و تجسير العلاقة بين إيران و الولايات المتحدة و العربية السعودية٬ ذلك أنّ اليمن هو الحلقة الأفضل للتواصل بين إيران و الولايات المتحدة و العربية السعودية في المنطقة. فالأخيرة قدتضرّرت بشدّة جراء هذه الحرب٬ عدا عن تلطّخ سمعتها بصورة متزايدة. طبعاً٬ إيران أيضاً متّهمة بإثارة القلاقل و إشاعة عدم الاستقرار في المنطقة بسبب حرب اليمن. لذا٬ فإنّ انتهاء الحرب هي لصالح المنطقة بكل الاعتبارات لا سيّما الشعب اليمني المضطهد و الشجاع٬ فبهذه الطريقة سوف يشارك أنصارالله في الحكومة و السلطة السياسية. طبعاً وقف الحرب يستدعي تعاون بعض الدول الأخرى مثل أوروبا و روسية أيضاً٬ و إن حصل ذلك فسيكون في صالح المجتمع الدولي أيضاً.
- بالنسبة لإسرائيل٬ فالإسرائيليون لاعبون سياسيون شديدو الاحتراف لاسيّما في المجتمع السياسي الأمريكي. فقد استغلّوا ترامب إلى أقصى حدود الاستغلال و في الحقيقة جعلوا منه بقرةً حلوباً (وهو الوصف الذي أطلقه ترامب على السعودية) و لكن عندما انتفت الحاجة إليه٬ حذفوه حتى من صفحة التويتر! طبعاً كان ذلك أمراً متوقعاً. في المكالمة التلفونية التي جرت بين الاثنين سأل ترامب نتنياهو – بحضور رئيس و وزير خارجية السودان – هل كان جو النعسان (وهو اللقب الذي يطلقه ترامب على جو بايدن) مستعداً لمنح إسرائيل هذه الامتيازات٬ فردّ عليه نتنياهو: يا سيادة الرئيس أشكرك جداً على ما قدّمته لإسرائيل٬ و لكن كل من يجلس في البيت الأبيض كان سيفعل ما فعلته٬ و سنكون شاكرين له. و هذا هو الجوهر الحقيقي و الواقعي للسياسة في إسرائيل.
- سياسة التوازن بين فلسطين و إسرائيل في عهد بايدن ستكون في جدول أعمال هذه الإدارة٬ فالولايات المتحدة لن‌تقدّم شيكاً على بياض لإسرائيل كما كان ترامب يفعل. 
- ستبذل إسرائیل و السعودية و الإمارات و البحرين كل ما في وسعهم لعدم عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي٬ لأنهم يعارضون إعادة إحياء المكانة الحقيقية لإيران في المنطقة. و بالفعل فقد بدأوا نشاطاتهم التخريبية و بأشكال مختلفة قبل وصول بايدن إلى البيت الأبيض٬ و قد شهدنا ذلك على صعيد المنطقة و العالم. و هذه النشاطات تهدف٬ بالإضافة إلى إيران٬ إلى الحؤول دون تبلور السياسة المستقبلية للولايات المتحدة في المنطقة.
- لقد أعلن بايدن مراراً أنّه سيعود إلى الاتفاق النووي٬ ولكن لم يعلن هو ولا فريقه كيف سيحدث ذلك. و في هذا السياق أضافوا مطالبات  من داخل الاتفاق النووي و من خارجه أيضاً فزادوا الغموض الذي يكتنف إمكان عودة الولايات المتحدة للاتفاق المذكور.
الفصلية: دكتور كاملي هل لديكم ملاحظات إضافية حول مقاربة بايدن للمنطقة؟
د. كاملي: قبل أن أتحدّث عن موضوع المنطقة٬ هناك ملاحظة حول زعامة أمريكا في العالم في ضوء السؤال السابق. إنّ موضوع إحياء زعامة أمريكا في العالم يتصدّر الشقّ السياسي من برنامج بايدن. طبعاً لهذا الموضوع صلة بعوامل عدّة٬ مثل: ما هي المكانة التي ترسمها أمريكا لبريطانيا٬ و المكانة التي ترسمها بريطانيا لنفسها. فضلاً عن نظرة و مقاربة سائر الدول بالأخص الصين و روسية إلى زعامة أمريكا. قبل ترامب كانت الدول٬ على أيّ حال٬ راضية بزعامة أمريكا.
حتى الآن قمنا بتحليل جميع القضايا من زاوية نظرتنا إلى الولايات المتحدة و أوروبا. إنّ إحياء زعامة الولايات المتحدة عبارة عن حقيقة يجب أن ننظر في رؤية روسية و الصين و سائر اللاعبين بشأنها. فرؤية هذه الدول في هذا الموضوع مهمة جداً٬ و ذلك لأنّنا إذا سلّمنا بأنّنا نمرّ بمرحلة انتقالية في النظام الدولي أو مرحلة إحياء٬ و أنّ السيد ترامب تسبّب بضرر كبير بالبنى القائمة أو ألغاها٬ فكم من الوقت و المال و الجهد يحتاج إصلاح هذه الأضرار أو أنّها ستضرّ باللاعبين الآخرين من بينها القوى العظمى مثل الصين و روسية٬ أو مدى استجابة هذه القوى أو عدمها. أو إن كانت المشاريع البديلة لتلك القوى حاسمة في بلورة نظام جديد. لقد جئت على ذكر هذه المقدمة لأنّه في الشهور الأخيرة من ولاية أوباما و بينما كان ترامب يستعد لتولّي مهام الرئاسة كرئيس منتخب في البيت الأبيض٬ صدر تصريحين مهمين للغاية٬ أحدهما عن بايدن و الآخر من سامانثا باور المندوبة السابقة للولايات المتحدة لدى المنظمة الدولية٬ حيث أكّد هذان المسؤولان الأمريكيان على أنّ روسية بتصرّفاتها و سياساتها بصدد إسقاط النظام الليبرالي. و مهما يكن من أمر فإنّ روسية قد استفادت من السنوات الأربع لولاية ترامب، أو أنّها على الأقل حدّت من الضغوط الأمريكية المتزايدة عليها٬ فالولايات المتحدة لم تتمكّن من ممارسة الضغوط اللازمة لإحداث تغيير في روسية. و الآن بعد أن دخل الديمقراطيون و على رأسهم بايدن إلى البيت الأبيض فهل يوظّف الطرفان قدراتهما في إطار التعاون المشترك أم التنافس لإحياء زعامة أمريكا أو الحدّ منها؟ أين تستطيع إدارة بايدن أن‌تساعد على إحياء زعامة الولايات المتحدة إزاء مساعدة روسية لهذا البلد؟ و ماذا لو بقيت أمريكا في أجواء التنافس مع روسية٬ و إذا بقي نظام العقوبات لبايدن قائماً إلى الأبد ضدّ روسية٬ و الاستعانة بالقدرات الأوروبية للمحافظة على نظام العقوبات هذا؟ من الطبيعي حينئذ أن تعمل روسية على وضع العراقيل في طريق عملية و تسريع استعادة زعامة أمريكا٬ و التحالف مع القوى الأخرى ضدّ الولايات المتحدة٬ كالصين مثلاً التي تعكّر علاقتها بها جملة من المشاكل. فهذه الدول تتعاون فيما بينها في مجال العقوبات و التصدّي لهيمنة الدولار و البحث عن نماذج بديلة. و هذه ملاحظة ينبغي أن نقف عندها. طبعاً لا بدّ في التحليلات العامة أن نأخذ بالاعتبار منطقتين مهمتين مثل أمريكا اللاتينية و أفريقيا. فإذا أردنا أن‌نطرح الموضوع الاقتصادي٬ فالصينيون وظّفوا استثمارات ضخمة في أفريقيا٬ و كذلك في أمريكا اللاتينية. و هذه المسألة تنطوي على أهمية كبيرة في إطار الشعور بالخطر و الضيق الذي يحفّ بالأمريكيين. فإذا كان من المقرر استعادة زعامة أمريكا٬ فلا بدّ أن يتجلّى ذلك عياناً في مناطق النفوذ للولايات المتحدة.
كيف كان٬ ففي موضوع الأولويات بالنسبة للولايات المتحدة يبرز سؤال رئيسي هو: أيّ أقطاب القوة من المقرر أن تحظى بالأولوية لدى أمريكا؟ هذه مسألة مهمة لا بدّ من البتّ بها. في رحلته إلى السعودية بيّن ترامب ما هي أولويته٬ و أوباما في مرحلة سابقة بذهابه إلى المكسيك ثم إلى القاهرة كشف عن أولوياته٬ هذه المرة يجب أن ننتظر و نرى ما هي أولويات بايدن. 
الفصلية: أو أن يدعو الجميع إلى واشنطن.
د. كاملي: لو فعل هذا فسيكون بصدد البحث عن نموذج تشاركي٬ و هو ما يُنتظر منه. و إذا ركّز على منطقة معينة في ترتيب الأولويات الإقليمية٬ فذاك أيضاً سيكون مهماً برأيي. طبعاً موضوع الإرهاب لن يلغى من قائمة أولويات الولايات المتحدة. أعتقد أنّه في عهد بايدن سيتم توظيف موضوع الإرهاب لتبرير حضوره في منطقة الشرق الأوسط و كذلك ربما يلجأ إلى تشكيل التحالفات و جذب الدول إليها.

الفصلية: جزيل الشكر لجميع الأساتذة الكرام على حضورهم و مشاركتهم في هذا النقاش.

 


قراءة: 475