فصلنامه مطالعات سیاست خارجی تهران
 

مقابلة خاصة مع المغفورله أستاذ أحمد جبريل

حسین صفدري
رئیس التحریر

إنا لله و إنا إلیه راجعون
        عشية انتشار هذا العدد من الفصلية تلقینا نبأ وفاة أستاذ أحمد جبریل، الرجل الفلسطيني الشجاع الذي كرّس حياته للنضال الدؤوب من أجل تحرير القدس الشريف، سائلین المولی عزوجل أن یتغمده برحمته الواسعة و یسكنه فسیح جنانه، آمین رب‌العالمین.
       إن هيئة تحرير وطاقم فصلیة طهران لدراسات السياسة الخارجية، تقدمون العزاء لأسرة الفقيد ولرفاق دربه و لكل المقاومین الأبطال و تتمنی النصر للشعب الفلسطینی المقاوم. 
        أننی أتذكر عندما التقیت بجنابه فی منزله بدمشق و ذلك فی مطلع شتاء 2017 سألته عن عدة الأسئلة حول القضایا السیاسیة و عن كیفیة و بدایات العمل النضالی ضد الاحتلال الإسرائیلی  و جیشه المتغطرس في القدس الشریف؟ أجاب بكل حفاوة و دقة.  و قد نُشِر هذا الحوار في العدد الثالث في هذه الفصلية.
نقدم إلی قرائنا الكرام مرة أخری نص المقابلة بكل ادب و احترام؛
رئیس التحریر

رئیس التحریر: بدایة أود أن أشكر جنابكم الكریم لمنحي هذه الفرصة الثمینة وأرجو أن تسمح لي بالسؤال فیما یتعلق بالقضیة الفلسطینیة وما یدور في المنطقة بعد العقود التي مرّت علی نضال الشعب الفلسطیني، الیوم كيف تقيمون أنفسكم كمجموعات فلسطینیة ومناضلة وما هو تقییمكم عن الظروف التي یعیش بها العدو الإسرائيلي؟

أحمد جبريل: أولاً بدون أن نتحدث في القضايا الاستراتيجية ثم في قضايا المنطقة (لا نستطيع أن ندخل) في القضية الفلسطينية. اسمح لي قليلاً، هذه الطريقة العلمية الصحيحة. نحن شعوب ضعيفة أمام قوى ووحوش عالمية أنتم ترونهم، هم وحوش كبيرة. دون أن تدرس هؤلاء الوحوش ثم تدرس المنطقة ومن ثم تدرس نفسك سيكون تحليلك غير دقيق ومجتزأ. إذا أردنا أن نتكلم، نحن لم نفكر في يوم من الأيام، وأكتب هذا الكلام بدقة، لم نفكر في يومٍ من الأيام أن الشعب الفلسطيني قادرٌ لوحده أن يحرر فلسطين وهذا من اليوم الأول والمبادئ الأولى. بل كنا نقول علينا أن نكون طليعة تحريضية لهذه الأمة العربية الإسلامية باتجاه هذا الهدف الذي هو فلسطين. وما هو السبب؟
 ليس لأن هناك مجموعة من اليهود سكنوا فلسطين في غفلة من الزمان باتفاق سايكس بيكو ووعد بلفور، لا. لأن هناك مخطط من هؤلاء الوحوش للسيطرة على هذه المنطقة وأنتم تتذكرون حتى في الجمهورية الإسلامية في إيران هؤلاء الوحوش كيف دخلوا ووصلوا إلى طهران في الحرب العالمية ومن ثم مؤتمر طهران الدولي الذي حصل بين تشرتشيل وروزفيلت واستالين في داخل طهران ومن ثم اتفقوا أن تكون إيران للإنجليز، ومركز نفوذ لهم. وبقيت إيران مركزاً للإنجليز لسنوات متعددة حتى قام الشعب الإيراني بحركة ثورية وشعبية و (في عهد) محمد مصدق. ومن خلال انتخابات وإلخ وهرب شاه إيران إلى الخارج ثم حدث الإنقلاب السري الأمريكي في إيران و انتهی مصدق وحل الأمريكان محل الإنجليز في إيران إلى حين قامت الثورة الإسلامية في إيران بعام 1979. يعني بدون أن نفهم هذه القضايا لا نستطيع فهم القضايا الأخرى.

رئیس التحریر: طيب، كيف كان تأثير الثورة الإيرانية على القضية الفلسطينية والنضال الفلسطيني

أحمد جبريل: عندما بدأنا العمل في عام 1959 بشكل سري، في أدبياتنا لم نقل نحن الشعب الفلسطيني نستطيع أن نحرر فلسطيني لأننا كنا نعرف أن هؤلاء اليهود الذين أتو إلى فلسطين، وهنا أعطيكم مثلاً من خلال حقائق تاريخية، وعد بلفور كان في عام. كان عدد اليهود في فلسطين عبارة عن 40 ألف يهودي والفلسطينيون حوالي المليون. هذا وعد بلفور ثم أتانا سايكس بيكو وكيف قسموا دولتين عظمايتين، بريطانيا وفرنسا، نفوذهم في المنطقة. بريطانيا أخذت إيران والعراق والسعودية والجزيرة العربية كلها والأردن وفلسطين ومصر، قناة السويس، وعدن. والفرنسيون أخذوا شمال أفريقيا ولبنان وسوريا وقسموهم إلى دويلات. في هذا الشأن هذا ما حصل في سايكس بيكو. 
عندما أنشئ هذا الكيان هل أنشأه الغرب لأنه يحب اليهود؟ في الغرب لا يحبون اليهود. لو تدرس (تاريخ) اليهود في أوروبا، من مجازر لمجازر، ومشاكلهم في إسبانيا، في فرنسا، في بريطانيا، في ألمانيا قبل النازية ومابعدها، وفي روسيا قبل البلشفية أيام القياصرة وما بعد الثورة البلشفية. هم لم يحبوا هذا الموضوع. وأحد الرؤساء الأمريكان، لو ترجع للأرشيف (تجده) يقول ممنوع هجرة اليهود إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكل شيء يهودي ممنوع يأتي. من منطلق قد يكون ديني أن اليهود تآمروا على السيد المسيح إلخ... أو خصائص اليهودي في حب المال ومسك المال والتحكم بقوت الناس والشعب، كان اليهود مكروهين في أوروبا. 
وبين عشية وضحاها يؤلف أن هيتلر عمل فيهم مجزرة. طيب عدد الضحايا الروس في الحرب العالمية الثانية كان 22 مليون، قتلوا في المعركة ماعدا في فرنسا و... يعني من هم (و ما فرقهم بباقي الناس) هم قتلوا مثل باقي الناس وأعداد (قتلاهم) بسيطة. فانعملت «المحرقة اليهودية» والغاية منها هو، كيف يحضر هؤلاء اليهود إلى المنطقة. هم يشعرون أن هذه المنطقة الشرق أوسطية من إيران إلى بلادنا إلى شمال افريقيا، (يشعرون) أن من يمسكها يمسك العالم ويصبح الدولة الأعظم في العالم، وبقيت بريطانيا اسمها بريطانيا العظمى وكان لا يغيب عنها الشمس، هذه الإمبراطورية عبرالتاريخ. أو فرنسا، نصف أفريقيا مستعمرات فرنسية وفي شرق آسيا الهند الصينية وإلخ كلها مستعمرات فرنسية.
 في الحرب العاليمة الثانية أتوا الأمريكان وانتصروا وقالوا هذه الإمبراطوريات البريطانية والفرنسية، شاخت وكبرت. عليها أن تذهب ونحن نحل مكانها وخاصةً أن هناك عدواً أمامنا وهو الشيوعي، استالين، هكذا (كان) تفكيرهم لإنشاء الوطن القومي اليهودي على أرض فلسطين . قالوا نحن لو أنشأنا هذا الوطن القومي كحاملة طائرات ونضع فيها 3– 4 ملايين يهودي ونقول لهم العدو أمامكم والبحر ورائكم ويجب أن تقاتلوا معنا وتكونوا مركزاً لنا. 
والصهيونية العالمية بعد مؤتمر هرتزل في عام 1898 أقرّت أن تكون الصهيونية والإمبريالية يشتغل مع بعضهم البعض ويخدموا بعضهم البعض. وأنشئت هذه الدولة. يعني نحن عندما نقول إننا نحارب في فلسطين، لا نحارب اليهود فقط بل نحارب الأمريكان والغرب ونحارب قوى دولية.
 (إذن) الشعب الفلسطيني المسكين كيف يستطيع أن ينتصر بوحده ويقضي على هذا الكيان الصهيوني وتعود القدس ويافا وحيفا وينتهي هذا الكيان الصهيوني. لذلك من الأيام الأولى نحن كفصيل كنا نقول نحن طليعة تحريضية . في بعض المرات حتى كنا نحكي لعامة الناس بأسلوب آخر. مثلاً نقول لهم هذا الحليب، حليب البقر الذي تودون تحويله إلى لبن وإلى جبن، تمسك روبه وتضعها وتغطيها ليتحول الحليب من حالة إلى حالة. كنا نقول نحن يجب أن نكون مثل الروبة، مثل الخميرة في العجين لنحولها من حالة إلى حالة وهذا فهمنا لتحرير فلسطين.
 أما ماتخيلنا أن الشعب الفلسطيني يستطيع تحرير فلسطين (لوحده). والذي يقول لك هذا الكلام هو كذاب ومنافق وبياع لفلسطين. إذن ليس أمامنا إلّا أن نغير موازين القوى في هذه المنطقة لمصلحتنا. وتغيير موازين القوى أتى لمصلحتنا وهناك بوادر إيجابية

رئیس التحریر: اذاً كيف نستطيع تغيير موازين القوى؟

أحمد جبريل: هناك بوادر إيجابية أتت. أولاً حدث الاجتياح الإسرائيلي (طبعاً) بالأول طردنا من الأردن في مؤامرة أيلول 1970، شاركت فيها السعودية والإسرائيليون وصدام حسين والأردن وكل هذه الدول حتى خرجنا من ساحة مهمة جداً وهي شرقي الأردن الملامسة لفلسطين. سوريا ملامسة لفلسطين لكن في جبهة ضيقة، ولبنان ملامسة لكن في جبهة ضيقة. بعدما تأمروا علينا في أيلول 1970 ذهبنا إلى لبنان. تكررت نفس المشكلة في لبنان وتم الإجتياح وعندما تم الإجتياح في 1982 كنتم أنتم في عز الحرب والتآمر والحرب الظالمة التي فرضها صدام عليكم ورغم هذا، والله أنا دمعت أعيني عندما علمت أنه بحدود تشكيل كتيبة من الحرس أتت بالطائرات إلى لبنان لتقاتل معنا في 1982، فهل من المعقول أن أُناس مشغولة بالقتال وهناك جبهة (مفتوحة) واكفان تتحرك بمواجهة صدام الذي أخذ آبادان ودخل كارون وإلخ... وهم يأتوا ويقولوا لنا (إاننا نريد القتال إلى جانبكم) هذا صدق الثورة الإسلامية وصِدق الإمام الخميني(قدس سره).
وتمت المؤامرة علينا في 82 وياسر عرفات (عقد) صفقة مع الأمريكان عن طريق فيليب حبيب، وريغان قال له يجب أن تخرج من لبنان وتأخذ هؤلاء المسلحين إلى تونس (أو) الجزائر (أو) إلى السودان (أو) اليمن الشمالي (أو) اليمن الجنوبي ونحن سنعطي حكماً ذاتياً في الضفة الغربية وقطاع غزة. نحن وقفنا بمواجهته، عمل اتفاق 17 أيار، (و آنذاك) لم يكن حزب‌الله موجوداً، هذا الكلام في عام 1982. 
فواجهنا هذا الموضوع وأنا تكلمت بعد حصار 3 أشهر ونحن في بيروت، خرجنا والناس استقبلتنا بمئات الألوف وكأننا منتصرين. وبدأت قيادات كانت تجلس في الأقبية ولا تقاتل وأنا ظهري مكسور من جبهة لجبهة وأقاتل. أتوا الناس وقالوا يجب أن تتكلم كما تكلم أي شخص عمل بطولات، قلت أنا لا أود أن أتكلم. كان رئيس الوزراء السوري وعشرات الألاف من الناس يستقبلوننا في طرطوس وقلت لا أود أن أتكلم. لكن أجبروني على الكلام. تكلمت وقلت لهم: بسم الله الرحمن الرحيم. أقول لكم وأعترف أننا خسرنا معركة، لكن لم نخسر الحرب ونحن لسنا فرّارين، بل نحن كرّارين إن‌شاءالله.
 أولئك ذهبوا إلى تونس والجزائر ونحن رجعنا إلى سوريا وهناك نظمنا أنفسنا والتقينا مع الرئيس حافظ الأسد ومع معمر القذافي و(تلقينا) السلاح والمال وكنا أسقطنا اتفاق 17 أيار وعادت بيروت وبدأت نوايات حزب‌الله تنشأ. كان الرئيس حافظ الأسد يعتبر لبنان حصته ليواجه بها المعادلة الدولية. كيف يعيد الجولان؟ يجب أن تكون معه قوة، فلبنان هي قوته.
أنا مؤمن يا أخوان سواء كنا نحن أحیاء أو أموات، هذه فلسطين لن تعود إلّا بإیجاد محور وتغيير موازين قوى من طهران لبغداد لدمشق لبيروت، (يجب أن) نغير موازين القوى وآنذاك أمريكا ستركع. أما أن تقولوا لنا أنتم الفلسطينيون ماذا تودون أن تفعلوا، ماذا نستطيع أن نفعل لوحدنا؟ وكل هذه القوى الغاشمة (تتكالب) علينا. 

رئیس التحریر: فهمت من كلامك بأن فلسطين لن يتحرر بالفلسطينيين فقط، كما أن التحدي لم يكن للفلسطينيين فقط، بل هو تحدي للأمة ويجب على الأمة أن تواجه هذا التحدي، لكن بعكس هذا نرى بأم أعيننا أن بعض الدول العربية والإسلامية متورطة بالتطبيع بدلاً من المقاومة ضد العدو، كيف يمكن لنا أن نقاوم التطبيع ونستنكره؟

أحمد جبريل: قبل أن يتورط ياسر عرفات باتفاقات أوسلو، لم يكن يتجرأ أي حاكم عربي أن يتكلم (عن التطبيع)، ما عدا مصر (التي تورطت) في كمب ديفيد. بما فيهم الملك حسين في الأردن، لم يكونوا يتجرؤوا أن يتكلموا عن تطبيع العلاقات. حتى ورطوا ياسر عرفات واقنعوه أننا سوف نقيم لك دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة ونعطيك الأموال. وتخيل ياسر عرفات- لو ترجعوا للأرشيف لديكم- كان يقول أنا سأحول الدولة الفلسطينية إلى سنغافورة جديدة. إلى قوة اقتصادية.
 تصور! ماذا عمل اتفاق أُوسلوا؟ أنظر إلى الأضرار التي تسبب بها. كانت الهند لايود فيها سفارة إسرائيلية وكذلك الصين، الدول الأفريقية ثلاثة أرباعها كانت مقاطعة لإسرائيل. (لكن) بعد اتفاق أُوسلوا وبعد أن أتبعه الملك حسين في وادي عربة، قالوا هؤلاء هل نحن ملكيين أكثر من الملك؟ إذا الفلسطينيون أنفسهم يقبلون بهذا الصلح والاعتراف والتطبيع وهذا الملك حسين يقف إلى جنبهم، فلماذا لا نعمل نحن؟ وأين كانت نقطة التحول وكيف دفع ياسر عرفات لهذا العمل؟ وطبعاً هو كان جاهز، من يوم خروجنا من لبنان في عام 1982 وهو جاهز لهذا الموضوع وبالمال الذي كان لديه اشترى ذمم الناس. كان المال يأتي لياسر عرفات من كل مكان واشترى به الذمم واشترى  الصغير والكبير وهذا الذي أوصلنا إلیه اتفاق أوسلو.
 ونحن الآن ما نعانيه هو هذا الموضوع. الآن في الضفة الغربية هل فقط الإسرائيلي موجود؟ 150 ألف رجل أمن تدفع لهم أمريكا وأوروبا، بحيث يسلم أي فلسطيني (ولو كان أخاه) للإسرائيليین. هذا هو الواقع. لكن عندما أتكلم لكم عن الانتصارات التي حصلت في لبنان من عام 1982 لعام 2000 حتى انتهى الاجتياح وهذا هو الانتصار ونحن قدمنا 720 شهيد في الجبهة بهذه المعركة.
 واستمراركم أنتم (الإيرانیون) بموقفكم، الكثير من الناس كانوا يراهنون بعد رحیل الإمام الخميني على أن الثورة تتغير وتنتهي، لكن أتوا تلامذته على نفس الخط والمبادئ والمواقف.
 لكن حدث هناك خلل فلسطيني، ماذا فعل هذا الطرف الفلسطيني المتحكم بالساحة الفلسطينية في اتفاق أوسلو. تعرف عدد المستوطنين الآن في الضفة الغربية والقدس كم؟ هم 750 ألف مستوطن، يعني بعد مدة قليلة يصبح عددهم يساوي أعداد الفلسطينيين وكل التلال المهمة بيدهم والضفة الغربية أصبحت أقسام مقطعة، فمن المسئول عن هذا، اذن عندما تأتوا بـ «أبو الأديب» أو "محمود عباس" ليخطب أو "خالد مشعل" يتكلم عن الفلسطينيين، (فنقول له) أنت كنت جزء من المؤامرة على سوريا. أنت قاتلت ضد سوريا. وأقول لك بصراحة، الفصائل الموجودة أغلبها مؤمنة بحل الدولتين و...

رئیس التحریر: كون أغلب الفصائل مؤمنة بهذه الفكرة أم لا، هذا شيء وأفكار السيد القائد لدينا شيء آخر. هو يؤكد على مبدأ البحر إلی النهر واحدة لاتتجزأ وأنها لكل الفلسطينيين ولكل مواطن فلسطیني صوت واحد (ایّاً كان دیانته) ليحدد مستقبل فلسطين

أحمد جبريل: يا أخي: محمود عباس صريح، أنا أعرفه وعلى المستوى الشخصي كان صديقي. يقول أنا ميزانيتي السنوية 3، 4 مليار دولار، من يعطني هذه الميزانية؟ ولو توقفت أمريكا وأوروبا ودول الخليج (الفارسي) عن إعطاء الأموال وقطعت هذه الميزانية سوف تنهار السلطة. أرسلت له خبر (وقلت) سوف تنهار السلطة يا أخي، أخلط الأوراق، اطلعوا من رام الله لعمان واقلبوا الطاولة. آنذاك هنا سینحل جهاز الأمن الفلسطيني ولن يبقى جهاز أمن. جهاز الأمن هو الذي (يقف) على رقاب الفلسطينيين. يعني (هو) حرامي البيت. لدينا مثل يقول حرامي البيت ... بمعنى إذا كان الحرامي من أهل البيت لا يمكن كشفه بسهولة. يعني يجب أن تفتح عيناك جيداً لأن الحرامي من داخل البيت ويعرف كل شيء. ونحن أيضا لدينا الحرامي من داخل البيت ومن هؤلاء الناس، محمود عباس يرشي كل شخص موجود في السلطة. تعرف جندي الأمن لديه كم يأخذ؟ 1200 أو 1300 دلار شهرياً و (راتب) الموظف  2000 دولار أو 3 الآف وهناك من يأخذ 4 الآف دولار شهرياً. الناس متعايشون (مع هذا الواقع) وهؤلاء يقولون الأربعة مليار دولار هي عبارة عن أموال لتأكل الناس وتشرب وتشتري البضائع الإسرائيلية من الأسواق.

رئیس التحریر: ماهو الطریق الذي یؤدي إلی انتصار الشعب الفلسطیني؟

أحمد جبريل: المقاومة الفلسطينية هي التي تستطيع أن ترجع فلسطين وليس المفاوضات. (لن ترجع فلسطين) بالتفوق في المفاوضات وتحقيق مكاسب على طاولة المفاوضات. مثلاً الاتفاق النووي الذي حصل، من أين أتى؟ أتى من قوة إيران الاقتصادية والعسكرية وإلخ. وليس فقط حنكة المفاوضين. صحيح أنها تلعب دور.

رئیس التحریر: الرئيس الأمريكي الجديد ینوي نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وهذا له دلالاته وإن دل على شيء يدل على اعتراف الأمريكان بالقدس عاصمة للصهاينة، ما تعلیقكم علی هذا القرار و هل یمكن لهم تنفیذه؟

أحمد جبريل: الروس يقولون كما قال لافروف في كلامه مع الفلسطينيين أنهم لايعتقدون أن الأمريكان سينقلوا السفارة وهذا الموقف للإعلام. وممكن أن السفير الأمريكي يأخذ بيت في القدس، لكن السفارة ستبقى في تل أبیب. هكذا قال لافروف. 

رئیس التحریر: كیف كانت بدایاتكم في العمل الجهادي أو الفدائي؟

أحمد جبريل: أنا صار لي 60 سنة، أنظر إلى هذه الصورة الصغيرة لي وأنا أدخل الكلية الحربية في مصر بعام 1957 ويمكن لم تكونوا ولدتم بعد في تلك السنة وكنت أنا ضابط في الجيش وكنت في تنظيم سري. يعني 60 عاماً ونحن نقاتل من معركة لمعركة، وعندما أقول من معركة لمعركة، يا إخوان لسنا نحن من القادة الذين يجلسون في مقاعدهم وبيوتهم ومكاتبهم ويأمرون الناس بالقتال. كنّا نقول لهؤلاء المجاهدين والمقاتلين معنا تعالوا ورائنا لنعلمكم كيف قتال هذا العدو الإسرائيلي ولنعلمكم كيف تقاتلوا.
 وليس هناك معركة من المعارك والله وأقسم بالله في حدود فلسطين من رأس الناقورة، يعني جنوب صور، إلى خليج العقبة، ليس هناك كيلومتراً واحداً من فلسطين إلّا وأنا قاطعه على أقدامي قتالاً. جبال ووديان (قطعناها). كان لدي أطفال صغار أغيب عنهم 6 أشهر وعندما أرجع لهم بعد 6 أشهر وأراهم يلعبون تحت الطاولات، لا يعرفوني. و كان يتطلب الأمر أن أظل معهم يومين حتى يتعرفوا علي ويعرفوا أني ابوهم.
 قضينا حياتنا كلها صراع وقتال ومعركة وراء معركة. كلنا شباب ميدان، هذا أبو نضال يوسف كان في سجون العدو الإسرائيلي لمدة 12 عاماً. والإسرائيليون لم يفرجوا عنه بسهولة بل غصباً عنهم وبعملية صفقة تبادل. الآن هناك كتاب جديد في إسرائيل أخبروني عنه يقول أن هذه الصفقة التي عملوها معنا في الجليل كانت (بتعبيرهم) صفقة العار ولن تتكرر. أجبرناهم على 1150 أسير كلهم بأحكام سجن مؤبد بما فيهم الشيخ أحمد ياسين. وكل الاتجاهات الإسلامية لم‌تكن موجودة آنذاك. وكان زياد نخالة وأبو سعيد من بين هؤلاء الأسرى. لماذا؟ لأننا كنا نعرف أن هؤلاء في داخل السجون اتجاههم إسلامي وقلنا الإسلام يجب أن‌يدخل المعركة، عبرهم.

رئیس التحریر: كیف نضجت علاقاتكم مع الثورة الإسلامیة في إیران؟

أحمد جبريل: بعد أشهر من انتصار الثورة، كنت أنا في زيارة لليبيا والتقیت مع العقيد معمر القذافي وجلسنا نتحدث، ثم تحدثت عن الثورة الإسلامية التي كانت في بدايتها. وقلت يجب أن تقف الأمة كلها وترحب بهذه الثورة الإسلامية التي اعتبرت إسرائيل غدة سرطانية يجب أن تقتلع.
 وطال اللقاء بيني وبين معمر لمدة ساعتين على ما أذكر، وقمت بعدها لأودعه في خيمته، قال لي إجلس، قلت لماذا أجلس؟ خلص اللقاء يا أخي، قال لا، هناك وفد عراقي منذ 45 دقيقة موجود في الغرف المجاورة وأود أن أدخله الآن. وكان الوفد يتشكل من طه الجزراوي (طه ياسين) الذي أعدم وطارق عزيز. دخلوا وأنا أعرفهم معرفة جيدة فأخذونا بالقبلات والأحضان وقلت لهم أنا كنت أنوي الرحيل بالإذن من السيد القائد معمر القذافي ولا أريد أن أكون متطفلاً لاجتماعكم لكن القذافي أصر عليّ أن أجلس لأحضر هذا اللقاء. فأنا أرجوكم افهموا إن وضعي محرج في حضوري. قالوا لا أنت أخ عزيز وأنت كذا و كذا.
 وبدؤوا يتحدثوا عن خطورة الثورة الإسلامية في إيران وعن عمليات المخافر الأمامية (على الحدود)، وأن الجمهورية الإسلامية هي التي تهاجم. أنا كنت أُراقب، أسمع ولا أتحدث، فتدخلت. فقلت لهم: ثورة إسلامية قائمة وحلت الجيش (أعني) كل ضباطه الكبار التابعين للشاه سوى سلاح الجو أو سلاح البحرية أو قوات الجيش وإلى أخره ويريد أن يهاجمكم أنتم في العراق من خلال المخافر (الحدودية) وبينكم وبين إيران اتفاقية الجزائر، كيف يمكن أن يكون هذا الموضوع؟
 قلت لهم أنا أُحذركم أن بعملكم هذا وبالتشجيع (الذي تتلقونه) لهذا العمل، من أميركا ودول الرجعية العربية، وأنتم تقومون بهذا العمل (الحرب ضد إیران على أساس هذا التشجيع). وتعتقدون أن الثورة الإسلامية في إيران أصبحت لاتملك جيشاً ولا قوة، وتستطيعون أن تفعلوا كل شيء. وكان هذا الكلام قبل أن‌يجتاز الجيش العراقي كارون و(يقترب من) آبادان.
 طه الجزراوي قام يضرب ويطبطب على رجلي بصورة ودية. وقال يا أبوشهاب، (العراقيون عندما يتكلمون مع شخص اسمه أحمد ينادونه أبو شهاب كلقب)، قال يا أبو شهاب إطمئن، نحن خلال 25 يوماً سنكون في طهران.
 أنا ضحكت، ابتسمت وقلت لهم أنتم غلطانين. هذه إمبراطورية، ذهب شاه إيران ولكن الشعب الإيراني لم يسمح بهذا الموضوع ولا بأي شكل من الأشكال. قال لا إطمئن.
 وأرسلت رسالة بعدها للرئيس صدام حسين أقول له هذه الحرب التي بدأتموها هي عبارة عن حرب ليست في مصلحة الأمة وستكون نتائجها تدمير العراق وتدمير هذه الثورة الإسلامية في إيران لمصلحة الرجعيات العربية ومصلحة أمريكا.
 وقطعت العلاقة بيننا رغم أن صدام كان يقدم لنا مساعدات والعراق بلد غني. مرةً السفير العراقي في بيروت قال إنه يود زيارتي وأتى ومعه ظرف كبير فيه أوراق. آنذاك كان لدينا في داخل تنظيمنا، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، مئات الشهداء العراقيين من الموصل إلى النجف وكربلا والبصرة وإلى الكوت، كانوا متوزعين بين السنة والشيعة وحتى بعض الأكراد كانوا بين هؤلاء الشهداء. (تلك الأوراق كانت عبارة عن) عريضة كتبوها (أهالي الشهداء) بالدم يقولون لي أیهاالفلسطينيون وأيها الجبهة الشعبية القيادة العامة، نحن وقفنا معكم وقدمنا دماء أولادنا والآن أنتم تقفون مع المجوس وتتركوننا؟
 هي مكتوبة بالدم، لا أعرف دم خروف أو ... المهم كان دماً. وبهذا انتهت العلاقة ونحن كنا الفلسطينيين الوحيدين الذين وقفنا مع الثورة الإسلامية في إيران أثناء هذه المحنة الصعبة والقاسية، ثمان سنوات حرب وما بعدها وبقينا إلى هذه الساعة وسنبقى مادامت هذه الثورة الإسلامية موجودة ومتمسكة بالمبادئ والقيم. 

رئیس التحریر: أشکرکم مرة أخری

-------------------------------------------------
رحمة الله علیه و هنیئاً له الجنة و المغفرة
رئیس التحریر

 

 


قراءة: 450