فصلنامه مطالعات سیاست خارجی تهران
 

كلمة رئيس التحرير

حسین صفدري

في قلب العاصفة

يمكن تفسير و تحليل عملية التطبيع بين الكيان الصهيوني و بعض دول الخليج الصغيرة و التي أصبحت جزءاً من برنامجها بناء على الاتفاق الذي تم في شهر أغسطس من العام 2020  برعاية أمريكية من عدة جهات مختلفة، فيما يلي بعض النقاط التي تستحق الاهتمام:
أ‌. على الرغم من أنه قد تم الإعلان عن أن أهداف هذا الاتفاق هي ثقافية و سياسية و اجتماعية و قالوا بأنه سيتيح للمسلمين زيارة بيت المقدس و بقية الأماكن الدينية و الإسلامية هناك و سيوفر الفرصة لحكومات المنطقة لتعزيز التعاون الثنائي من خلال تأسيس السفارات و سيعزز كذلك من السياحة و التجارة بين دول المنطقة، و على الرغم من أنه تم إبراز هذا النوع من الأهداف على هامش الاتفاق و لكن الحقيقة هي أن الأساس في بناء اتفاقيات من هذا النوع هو وجود فراغ أمني. تشير الشواهد إلى أن الإحساس الكبير بعدم الأمن لدى قادة كل من البحرين و الإمارات و الكيان الصهيوني قد دفعهم باتجاه التوقيع على اتفاق من هذا النوع.
          1-إن الكيان الصهيوني الذي يقوم بتخزين أسلحة غير تقليدية في ديمونا بفضل الدعم المطلق من القادة في البيت الأبيض و يسعى من خلال ذلك إلى التعويض عن‌ضعفه الأمني يشعر بعدم الأمان أكثر من أي وقت مضى، فالمسؤولون الأمنيون و العسكريون في هذا الكيان الذين كانوا يشعرون من قبل بالضعف و القلق في مواجهة أحجار و مقاليع المقاومين الفلسطينيين يجدون أنفسهم اليوم في مواجهة تهديد جديد هو عبارة عن صواريخ يصنعها الشباب الفلسطينيون بأيديهم. صواريخ سخرت من أسطورة القبة الحديدية و تحدت استراتيجية الأمن للكيان الصهيوني، فهي تصيب المؤسسات و الأهداف الآمنة لإسرائيل في أي بقعة من الأراضي المحتلة، و على الرغم من التكلفة العالية له إلاّ أن النظام الدفاعي للكيان الصهيوني لا يستطيع التصدي لهذه الصواريخ، و قد اعترف وزير دفاع الكيان رسمياً بأن النظام الدفاعي و الصواريخ التي تبلغ قيمتها مئات الآلاف من الدولارات المزود بها جيشه لا تستطيع مواجهة صواريخ الشباب الفلسطينيين اليدوية الصنع و التي تبلغ تكلفتها 300 دولار. 
لقد عزز التأثير النفسي  للعجز الأمني للكيان الصهيوني في مقابل الصواريخ التي تطلق من غزة الإحساس بفقدان الأمن في إسرائيل و زاد من مستوى الهجرة العكسية. تقنية و استراتيجية المقاومة الفلسطينية في صناعة و تخزين و إطلاق الصواريخ قد غيرت من توازن القوى في الأراضي المحتلة و زعزعت الأفق الأمني للكيان المحتل، و في ظل امتلاك مجموعات المقاومة في شمال و جنوب الأراضي المحتلة لقدرات صاروخية و طائرات من دون طيار و تجهيزات فنية و الكترونيكية ناجعة يعجز النظام الأمني و الجيش الإسرائيلي عن تحديدها و التصدي لها و ما نتج عن ذلك من تغير ميزان الأمن لصالح تيار المقاومة جعل القادة الصهاينة المضطربين أكثر من أي وقت مضى يتوصلون إلى نتيجة مفادها أن الحل يكمن في إقامة علاقات مع دول المنطقة و هم يسعون من خلال هكذا اتفاقيات إلى الالتفاف حول المجموعات الفلسطينية و إيران التي تعتبر المصدر الرئيسي لدعم المقاومة مادياً و معنوياً و كذلك علاج الجراح و التحديات الأمنية الإسرائيلية من خلال دعم دول المنطقة العربية. عند الكشف عن الاتفاق بين بلاده و كل من البحرين و الإمارات و ضمن امتداحه لدور ترامب في دعم إسرائيل وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي المهزوم بنيامين نتنياهو الاتفاق بأنه نوع من الوقوف في وجه إيران.
          2-البحرين بلد صغير قامت فيه ثورة تم خلالها قمع المحتجين بقوة حربة الجيش السعودي و يقبع فيه المعارضون في سجون قادة البلد المستبدين و عدد آخر كبير منهم مثل آية الله الشيخ عيسى قاسم و الذي يحظى بمكانة قيادية لدى المعارضين البحرينيين قد تم نفيهم إلى أنحاء مختلفة من أرض البلاد. من الواضح بأن هذا البلد المضطرب يفتقد لدعامة ديموقراطية و يرتبط أمنه بدعم دول أخرى كالسعودية و أمريكا و الكيان الصيوني. إن النظام الحاكم في البحرين لا يستطيع أن‌يدير معادلاته الداخلية بسب ثنائية القمع الداخلي و مواجهة الناس لهذا القمع و يستطيع ممارسة السلطة على شعبه فقط من خلال الاعتماد على دعم الحكومات الخارجية. في وضع كهذا اعتبر حكام هذا البلد التوقيع على اتفاق مع الكيان الصهيوني بمثابة جسر يعبر بهم إلى الأمن و اهتموا به على أمل أن التطبيع مع الكيان الصهيوني سيعوض عن الثغرة الأمنية لآل خليفة في مواجهة المطالب الحرة لشعب هذ البلد.
          3-الإمارات العربية المتحدة هي دولة صغيرة تواجه تحديات كبيرة. أولاً،  نظام البلد يقوم على الاتحاد بين سبع إمارات صغيرة تُدعم من قبل عائلات و عشائر مختلفة و متنوعة. المشهد الإماراتي يشبة قماشاً يتألف من أربعين قطعة خيطت ببعضها بخيوط المصالح الأمنية للعائلات الحاكمة. ثانياً، الرؤية السياسية و مواقف شيوخ هذه الإمارات تختلف فيما يتعلق بطريقة التعامل مع التطورات في اليمن و إيران و قطر، و لأجل ذلك فإن بروز وجهات نظر متباينة و الاختلاف بين عناصر السلطة في المعادلات الداخلية أو الخارجية للإمارات سرعان ما سيترك أثراً ًعلى هيكلية السلطة في هذا البلد. على سبيل المثال هناك الاختلاف بين إمارتي دبي و أبوظبي حول دور الإمارات في اليمن و الذي تسرب إلى خارج القصور على الرغم من التعتيم الإعلامي و كشف عن الهشاشة الأمنية لهذا البلد. في هذا الاختلاف قام محمد بن‌زايد الحاكم الفعلي لأبوظبي بمواصلة الحرب في اليمن و قتل الشعب في ذلك البلد الفقير من خلال إرسال قوات عسكرية إلى جنوب اليمن تماشياً مع السياسات الإقليمية للسعودية، في حين أن إمارات أخرى كالفجيرة و عجمان لم‌يرحبوا بهذه السياسة و اعتبروا أن نهجاً كهذا يهيئ الأرضية لزيادة رقعة الاضطراب في المنطقة و لجعل الإمارات أكثر فقراً، من هذا المنطلق فهم لم يدعموا هذا النهج و عارضوا حاكم أبوظبي في ذلك. في موضوع قطر أيضاً لم تكن المواقف المتطرفة لمسؤولي أبوظبي و التي كانت تصب في إطار زيادة و استمرار العقوبات على هذا البلد تنسجم مع سياسات بقية الشيوخ في الإمارات العربية المتحدة، و هذا النوع من التحديات يهدد استقرار الاتحاد بين الإمارات المختلفة.
من التحديات الأمنية الأخرى للإمارت هو أن 78 في المأة من سكان البلد البالغ عددهم عشر ملايين نسمة هم من المهاجرين الأجانب و أغلب هؤلاء قد جاؤوا من الهند و باكستان و بنغلادش و إيران و دول عربية و يمارسون دوراً في الهيكل الاقتصادي للبلد. هذه الظاهرة ساهمت في أن يرى المواطنون الإماراتيون أنفسهم كمستأجرين في هذا البلد و أن لا يكون لهم تعلق به، بمعنى أن الدافع لدى المجتمع للصمود و الوقوف في وجه التهديدات المحتملة هش و ضعيف. لقد لعبت دولة الإمارات دوراً سلبياً في معادلات المنطقة و خصوصاً في تطورات السنوات الأخيرة في اليمن الذي تعرض للهجوم و الاحتلال من قبل السعودية، و هذا الأمر جعل من الأفق الأمني للإمارات مبهماً و مقلقاً مع الأخذ بعين الاعتبار التركيبة الاجتماعية للبلد و الحضور الكبير لليمنيين فيه. هذا الأمر ظهر خصوصاً عندما قام السيد عبدالملك الحوثي رسمياً بانتقاد السياسات الإماراتية في اليمن و حذر من القيام بهجمات صاروخية على بعض الأهداف المهمة في الإمارات. كان لتلقي هذا التحذير تأثير جدي على توجهات دولة الإمارات و أدى إلى استدعاء العسكريين الإماراتيين من اليمن. في وضع كهذا يتصور قادة الإمارات أن التوقيع على اتفاق مع الكيان الصهيوني و اتباع سياسة تطبيع العلاقات معه سيرفع من درجة أمنهم و سيؤدي إلى أن تحظى هذه الدولة الصغيرة و غير المستقرة بدعم أمريكا و الكيان الصهيوني و حلفائهما.
            4-على الرغم من أن السعودية تخطو خطوات محتاطة على طريق التطبيع مع الكيان الصهيوني بالمقارنة مع البحرين و الإمارات إلاّ أن لديها تحديات أكثر من الناحية الأمنية و حاجة كبيرة للإتلاف معه، فضعف السعودية و فشلها في اليمن و فشلها في مشروع استخدام الجماعات المتطرفة و داعش من أجل مواجهة محور المقاومة و كذلك الفشل في العراق و سوريا و غير ذلك، كلها أمور تزيد من حاجة هذا البلد للائتلاف مع الكيان الصهيوني و خصوصاً أن النظام السعودي الحاكم يعاني من الافتقار إلى الديموقراطية و عدم التمتع بدعم شعبي داخلي.
          ب‌.إلى جانب التحديات الأمنية التي تشجع الكيان الصهيوني و الإمارات و البحرين على اتخاذ سياسة التقارب بينهم، فإن الحكومة الأمريكية كذلك تسعى من خلال هذا الطريق للتعويض عن الثغرات السياسية و الاستراتيجية لها. طوال فترة حكم ترامب تعرضت الحكومة الأمريكية للفشل و تراجعت في مجال أحداث السياسة الخارجية و خصوصا المتعلق منها بمنطقة غرب آسيا، ففي أحداث سوريا و العراق و افغانستان و اليمن فشلت و أجبرت على التراجع، و فيما يتعلق بالاتفاق النووي و النشاطات النووية لإيران فعلى الرغم من العقوبات و التهديدات المتكررة بالقيام بعمل عسكري ضد إيران إلاّ أنها لم تتمكن من تحقيق أهدافها و إجبار إيران على التراجع، و لقد انهار غرور أمريكا كقوة عظمى مع استهداف طائرتها من دون طيار و قاعدة عين الأسد من قبل النظام الدفاعي و الصاروخي الإيراني. 
من أجل صنع انتصار إلى جانب سلسلة الهزائم و الفشل في السياسة الخارجية عكف سادة البيت الأبيض على إظهار أنهم قد حققوا إنجازاً مهمّاً على صعيد تقوية حلفاء الولايات المتحدة في مواجهة إيران و محور المقاومة، إلاّ أن صنع احتفال مصطنع للتوقيع البطولي على اتفاق على الورق لا يتساوى مع عدة سنوات من الفشل و الهزائم الأمريكية في منطقة غرب آسيا حتى و لو كان هذا الاتفاق حقيقياً و قابلاً للتحقق.
        ج.   فكرة التطبيع بين الدول العربية و إسرائيل قد جُرّبت في السابق و أثبتت عدم نجاحها، لأن التطبيع يختلف عن السلام، فالسلام و وقف إطلاق النار ينتجان عن اتفاق في حين أن التطبيع ليس ظاهرة ترتبط بالاتفاقيات أو القرارات الرسمية و إنما ثقافة و مقاربة و إرادة الشعوب في التعايش و التعامل السلس مع الآخر هي التي تؤدي إلى التطبيع. ليس هناك من شعوب المنطقة أو من المواطنين في الدول العربية من لديه الاستعداد للتطبيع مع محتلي فلسطين حتى و لو قامت الأنظمة الحاكمة في الدول العرية بالاتفاق مع العدو بخط من ذهب.
د. لم تؤدي اتفاقيات تطبيع العلاقات مع الكيان الغاصب للقدس سواء كانت اتفاقية كامب ديفيد مع مصر عام 1978 أو اتفاقية وادي عربة مع الأردن عام 1994 إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية و الأمنية للبلدين، فالأوضاع الاقتصادية و الأمنية لكل من الأردن و مصر بعد مرور سنوات طويلة على هذه الاتفاقيات هي أسوأ بكثير مما كانت عليه عندما شجع القادة الإسرائيليون قادة مصر و الأردن على الجلوس إلى طاولة المفاوضات و التوقيع على اتفاقيات التطبيع الثنائية من خلال وعدهم لهم بتحسن الأوضاع المعيشية و الأمنية لبلدانهم، و إن تزايد الاضطرابات الاجتماعية و المعيشية و حجم الدين الخارجي لهاتين الدولتين في السنوات الأخيرة لهو شاهد على ذلك.
من هنا فقد قيل بأنه من الواضح بأن الاتفاقيات الثنائية بين الكيان الصهيوني و بعض الدول العربية قد بنيت على أساس الحاجات الأمنية للأطراف المشاركة في هذه الاتفاقيات، فأنظمة آل خليفة و آل سعود و آل نهيان يخونون القضية الفلسطينية و يجرون الصهاينة إلى أحضانهم من أجل تحسين أوضاعهم الأمنية. تشير التجربة إلى أن هذا النهج يؤدي إلى تأمين بعض الحاجات الأمنية لإسرائيل و لكنه لا يرفع أي تحد سياسي أو أمني عن كاهل الدول العربية، و أن التطبيع بين هذه الدول و الحكومة الصهيونية و المنوط بالتعامل الودي بين الشعوب لا يتحقق لأن علاقة المحتل و الشعب الذي يرزح تحت ظلم الاحتلال هي كعلاقة السارق بالمسروق، فهي تبقى دائماً عدائية و غير قابلة للإصلاح. إن قادة الدول العربية لن يخرجوا خالي الوفاض من اتباع نهج التطبيع فحسب و إنما يضعون بذلك سلطتهم في قلب عاصفة الغضب الشعبي، و عاجلا أم آجلاً سيكتوون بنار هذا الغضب.  

 


قراءة: 560