فصلنامه مطالعات سیاست خارجی تهران
 

حلقة حوارية تخصصية مسار التطبيع بين العرب و إسرائيل؛ الأفق و النتائج

 

الخلاصة:
من التحديات الدائمة للحكومات العربية في العقود الأخيرة هو كيفية مواجهة إسرائيل، بعض الحكومات العربية تعتبر القضية الفلسطينية و الاحتلال الصهيوني مسألة عربية، في حين تعتبرها عدد أقل من الحكومات قضية إسلامية. مع وجود ذلك فإن عامة الحكومات العربية -سواء اعتبرت فلسطين قضية عربية أو إسلامية- تتفق و تتفاهم في شئ واحد و هو مخالفة إسرائيل و عدم شرعية احتلالها.
في ظل ذلك يعتبر التصالح وإقامة العلاقات بين بعض الدول العربية و إسرائيل بمثابة كسر للعرف،و يمكن اعتبار الصلح بين مصر و إسرائيل في اتفاقية كامب ديفيد أول خطوة في هذا المجال، الاتفاق الذي اعتبرته مجموعات المقاومة بمثابة صفقة "الأرض مقابل الشرعية"، أما اتفاقية وادي عربة بين الأردن وإسرائيل فيمكن اعتبارها الخطوة الثانيةعلى طريق تطبيع العلاقات بين الحكومات العربية و إسرائيل. الوجه المشترك للموجة الأولى لتطبيع العلاقات بين العرب و إسرائيل هو أن تلك الدول العربية كانت جارة لفلسطين المحتلة و الاتفاقيات الثنائية المذكورة كانت نوعاً من إضفاء الشرعية على إسرائيل و ترسيخ نظامها.
قامت الموجة الثانية من تطبيع العلاقات بين العرب و إسرائيل في عام 2020 و يعتبر اتفاق السلام الإبراهيمي بدايتها و قد أدى إلى تطبيع علاقات إسرائيل مع الإمارات العربية المتحدة و البحرين. بعد ذلك قام كل من السودان و المغرب أيضاً  بإيجاد تحول في علاقاتهما مع إسرائيل. تختلف طبيعة الموجة الثانية من التطبيع بشكل كامل عن الموجة الأولى، فليست أي من هذه الحكومات العربية التي تقع على الخليج و في شمال أفريقيا جارة لفلسطين . لقد لعبت الولايات المتحدة دور الوسيط في عقد هذه الاتفاقيات و السمة العامة البارزة لها هي كونها موجهة ضد إيران و محور المقاومة.
في ظل هذه الوقائع عقدت مجلة دراسات السياسة الخارجية الفصلية في طهران طاولة بحث تحت عنوان "مسار التطبيع بين العرب و إسرائيل، الأفق و النتائج" بحضور متخصصين في السياسة الخارجية و العلاقات الدولية لبحث الأبعاد المختلفة لسياسة التطبيع. تم عقد هذه الجلسة بحضور السادة الدكتور مجتبى أماني، الرئيس السابق لمكتب رعاية المصالح الإيرانية في مصر، و الدكتور مجتبى فردوسي بور، السفير السابق لإيران في الأردن، و الدكتور مهدي هنرمند زاده، الخبير في شؤون غرب آسيا، و يونس كوليوند، المتخصص في شؤون منطقة بلاد الشام.

الكلمات الأساسية: فلسطين، إسرائيل، تطبيع العلاقات، الإمارت، البحرين

 

كوليوند: أتقدم بالشكر للأساتذة المحترمين المشاركين في هذه الجلسة، بالنظر إلى الموضوع الذي اختير للجلسة و هو تطبيع العلاقات بين الكيان الصهيوني و الدول العربية و الذي هو نتاج للمرحلة الجديدة للتطبيع، في البداية سيقوم الدكتور هنرمندزادة بطرح مقدمة حول هذا الموضوع.
هنرمند زادة: سأقوم بعرض مقدمة بعنوان طرح البحث كي يتفضل السيد فردوسي بور و الدكتور أماني بطرح الموضوع الأصلي. فيما يخص تطبيع العلاقات بين الدول العربية و الكيان الصهيوني فإن الأخير كان قدحدد سابقاً ثلاث مستويات لعلاقاته مع الدول العربية و الإسلامية: 1- المستوى الأول هو العلاقات السرية مع أجهزة الاستخبارات، و قد كان لأجهزة استخبارات الطرفين علاقات مع بعضها منذ قديم الأيام. 2- المستوى الثاني هو العلاقات الاقتصادية و التبادل التجاري الذي يشمل المصالح الاقتصادية للدول العربية و الإسلامية. 3- أما المستوى الثالث فهو المستوى السياسي، و قد بذل الكيان الصهيوني الكثير من الجهود لأجل تطبيع علاقاته السياسية مع الدول العربية و الإسلامية و سعى من خلال هذه المستويات الثلاثة لحل أزمة شرعيته في منطقة الشرق الأوسط (غرب آسيا) إلى حد ما.
في الماضي عندما كان يدور حديث حول تطبيع العلاقات كانت الإشارة تعود إلى تطبيع العلاقات و السلام بين مصر و إسرائيل و إلى فترة ما بعد عام 1994 عندما طبع الأردنيون علاقاتهم مع إسرائيل. تختلف طبيعة الفصل الجديد من التطبيع عن الفصل السابق له، ففي الفصل السابق كان يقال بأن شرط تطبيع العلاقات بين العرب و إسرائيل هو حل القضية الفلسطينية، و كان العرب يقولون بأنه إذا ما تم حل القضية الفلسطينية و إعطاء الفلسطينيين حقوقهم فإن الدول العربية مستعدة لإقامة علاقات سياسية مع الكيان الصيوني في إطار آلية معينة. أما في الفصل الجديد من التطبيع فنرى بأن دولاً مثل الإمارات و البحرين و ذلك بمحورية السعودية من وجهة نظري الشخصية و التي لم‌تجعل هذا الأمر علنياً، قد قامت ببدء عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني. علاوة على أنه في هذا المشروع الجديد لم‌تشكل الإمارات و دول الخليج مانعاً أمام التطبيع فحسب، بل إنها أيضاًعملت على تسهيل إقامة العلاقات مع إسرائيل. علينا في هذه الجلسة أن‌ندرس طبيعة و خصوصيات التطبيع مع الكيان الصهيوني في هذه المرحلة في مقابل المرحلة السابقة و المراحل التي قبلها.
النقطة الأخرى التي يجب أن نبحثها هي أنه في إطار مشروع صفقة القرن التي قدمها ترامب للشرق الأوسط هل يعتبر التطبيع جزءاً أصلياً من هذا المشروع أم أنه مشروع منفصل تم طرحه و تقديمه إلى جانب صففقة القرن؟ مما يبدو فإن تطبيع العلاقات بين الدول العربية و إسرائيل هو جزء أصلي من صفقة القرن.
النقطة الأخيرة التي يجب بحثها هي هل أن برنامج التطبيع في هذه المرحلة من إقامة العلاقات بين الطرفين العربي و الإسرائيلي هو برنامج أمريكي أم صهيوني؟ و هل أن الصهاينة قاموا بالسعي لتحقيقه من خلال الأهداف التي كانت لديهم من قبل و بسبب أزمة مشروعيتهم أم هناك حاجة لمتابعة الموضوع من قبل الدول العربية؟ و هل تغيرت أولوية الدول العربية من القضية الفلسطينية إلى المسألة الأمنية و نجح مشروع التخويف من إيران بحيث غير من أولوياتها و ذهب بها باتجاه تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني؟ و هل أن هذا الفصل من التطبيع هو حاجة عربية للتقرب من إسرائيل أو أن جميع هذه الأمور يمكن أن تكون صحيحة بالنظر إليها من جوانب مختلفة؟
لقد قمت بطرح بحث و أسئلة في هذا الإطار، و السيد كوليوند هو من أعضاء المجلة الجيدين و يقوم بمتابعة الأمور و قد أرسل أسئلته إلي، أعتقد بأنه لو سار البحث في هذا الإطار فإن ذلك سيكون أمراً جيداً.

كوليوند: قبل أن ندخل في أسباب اتخاذ هذه الاستراتيجية التي نعتبر أنها كانت من طرف الكيان الصهيوني و أنه هو الذي قام بابتكارها، فلنتحدث أولاً عن التطبيع الجديد و القديم، بمعنى أنه ما الفرق بين  التطبيع القائم حالياً و التطبيع الذي قامت به كل من مصر و الأردن؟

أماني: أريد أن أبدأ بالحديث عن مفهوم‌ما و هو مفهوم "التطبيع" كما يقول العرب، و هو جعل العلاقة طبيعية. باعتقادي فإننا لم ندخل مرحلة التطبيع أصلاً حتى في حالة مصر، فعندما تدخل دولة ما مجال تطبيع فإنا تقوم أولاً بإنهاء حالة العداء ثم تقيم علاقات سياسية مع الطرف المقابل و الذي يعني الاعتراف بذلك الطرف، و من ثم تقوم بتطبيع العلاقات معه.
لقد عرفت حالات التطبيع الواقعية بهذه الصورة، أن يتنقل مواطنوا تلك الدولة بحرية و أن لا يكونوا عرضة للكراهية من قبل الناس و أن‌لايكونوا تحت أنظار الأجهزة الأمنية لكلاالدولتين، بمعنى أن‌يتقبل كل من الحكومة و الناس أنهم مواطنون عاديون يتنقلون جيئة و ذهاباً و يمارسون التجارة و في بعض الحالات -مع الأخذ بعين الاعتبار الخلفية الثقافية- قد يتزاوجون فيما بينهم، و ايضاً يذهبون إلى البلد الآخر للعمل و يقيمون أسبوعاً للأفلام و أسبوعاً للكتاب و معارض خاصة و هذه من حالات التطبيع. 
اليوم و بعد مرور اثنين و أربعين سنة على إقامة العلاقات بين مصر و الكيان الصهيوني لم نصل بعد إلى مقدمات هذه الأمور التي ذكرتها، و حتى بعد مرور عشر سنوات على المحاولات التي جرت تحت غطاء ثورات الدول العربية للترويج  للخوف من إيران و الخوف من الشيعة و تبديل القضية الفلسطينية إلى مسألة من الدرجة الثانية، فإنه يكفي أن يصور شخص مقطعاً من الكاميرا الخفية و يضع علم إسرائيل في مكان ما، سيزيلونه في غضون دقائق، أو أن يحاول بيع منتج مصنع في الكيان الصهيوني، أو أن تنزل مجموعة سياحية أسرائيلية في فندق بهوياتهم الحقيقية، أو أن يقول شخص كان يعمل في إسرائيل بأنه كان يقيم هناك في السابق، هذا الأمر يعد عيباً و عاراً.

الموضوع هو أنه يجب أن تقام علاقات سياسية و بعد ذلك يتم إجراء مراحل التطبيع، في زمن صدام أقيمت بين إيران و العراق علاقات سياسية و لكن لم يكن هناك تطبيع، بمعنى أنه لو ذهب زائر من إيران للعراق فإن الأجهزة الأمنية كانت تراقبه و لم يكونوا يسمحون له بالتنقل بحرية و كان يتم تعيين الفندق الذي يقيم فيه و تحركاته مراقبة. لهذا السبب فإنني أود التركيز على كلمة التطبيع، فالتطبيع لم يتم و الشيء الذي يتم الآن هو إقامة علاقات سياسية، ولوتوسعت هذه العلاقات السياسية و تمكنوا من فتح أقسام في السفارة من قبيل الملحقية العسكرية و الملحقية الأمنية أو الملحقية الثقافية أو التجارية فعندها يمكن التفكير في أنهم يقومون بتطبيع علاقاتهم.
هناك مفاهيم أخرى فيما يخص ذلك حيث يمكن إقامة علاقات استراتيجية خارج إطار التطبيع بعد أن يتم تطبيع العلاقات و هذا في الغالب عمل الحكومات و لا تتدخل فيه الشعوب، و لكن في التطبيع فإن الأساس هم الشعوب، بمعنى أنه من الممكن أن تكون هناك علاقة استراتيجية بين أمريكا و مصر و لكن لا يكون هناك تطبيع و يجب عليهم دائماً أن يحرسوا سفاراتهم كي لايهجم عليها أحد لأن إحدى حالات تطبيع العلاقات هي أن يتقبل الناس وجود السفارة و أن لا تحتاج الحكومة للتركيز عليها من أجل حمايتها و أن لا تتم مراقبة التحركات حولها. بناء على هذا التوضيح سندخل في موضوع ما قد جرى مؤخراً.
لقد سعى ترامب بسبب ظروفه الخاصة لتقوية العلاقات بين الدول العربية و الكيان الصهيوني، و في رأيي بخصوص الأسباب وراء ذلك فإنه علاوة على ما تقوم به الولايات المتحدة من جهود للدفاع عن الكيان الصهيوني و المحافظة عليه، فإن أحد الأمور الأخرى هو أن تكلفة الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني قد زادت بالنسبة للأمريكيين. على سبيل المثال فإنهم منذ سنوات لايستطيعون تحمل التكاليف الاقتصادية و السياسية و لم‌يستطيعوا نقل عاصمة إسرائيل إلى القدس مع أنه كان هناك قرار بذلك قد تم التصويت عليه، عملياً لم تقم أي من الحكومات التي وصلت إلى السلطة في أمريكا بالقيام بهذا الأمر، إلا أن ترامب جاء و قام به و لكن رأينا بأنه لم يحدث شيء حيث أن الموضوع هنا هو موضوع تطبيع، فمثلاً إذا أعلن بأن سيتم تغيير عاصمة إيران إلى إصفهان فلن تكون هناك مشكلة و ستنتقل السفارات إلى هناك في غضون ثماني سنوات و ستتم إقامة مؤسسات هناك، و لكن لا تزال لدى الأمريكيين مشكلة في هذا الخصوص و لم يتمكنوا من دفع عدد كبير من الدول للقيام بهذا الأمر، و الإسرائيليون كذلك لديهم نفس المشكلة. من هنا كان إقدام ترامب من أجل تخفيض تلك التكاليف. من المعلوم بأن الكيان الصهيوني يطلب مساعدات عسكرية من أمريكا و أنه لا يجب أن تحصل أي دولة عربية على معدات عسكرية أحدث من المعدات العسكرية للكيان الصهيوني و هذا مانع مهم في هذا الصدد حيث أن هذا الأمر و التعهد الأمريكي به يشكل عبئاً اقتصادياً على شركات التصنيع العسكري الأمريكية، فمثلاً عندما تريد الإمارات أن تشتري طائرات إف35 فإن الإسرائيليين يعترضون على ذلك، من الأمور التي تمت ملاحظتها في العلاقات الإسرائيلية الإماراتية هو أن تستطيع الإمارات شراء طائرات إف35 عند إقامة علاقات مع إسرائيل، و هو الأمر الذي لم يحصل بعد. يعني ذلك أن‌أحد موانع بيع المزيد من الأسلحة من قبل الأمريكيين يرتبط بتقلص نطاق العداء بين إسرائيل و الدول العربية.
في الوقت الحاضر يقوم الأمريكيون بتطبيق قيود إلكترونية على الطائرات أو المعدات الأخرى بحيث لا تتجاوز حدوداً معينة أو لا تستطيع أضراب أهداف معينة، و يجب أن يكون أمرها بيد بعض المستشارين العسكريين و المتخصصين التقنيين حتى يتمكنوا من التحكم بها. على سبيل المثال، لقد تم بيع طائرات إف16 للمصريين، لماذا بيعت لهم؟ لأنه قد تم سحب الحجة من إسرائيل حيث أن بينها و بينهم اتفاق سلام، مع العلم بأنه من الممنوع عليها أن‌تحلق في صحراء سيناء و أيضاًعملوا من الناحية التقنية بطريقة بحيث لاتستطيع هذه الطائرات أن تدخل المجال الجوي للكيان الصهيوني. كل هذه القيود من أجل أن يستطيعوا بيع منتجاتهم، بسبب أن مشاكل و تكاليف أمريكا فيما يتعلق بالكيان الصهيوني قدزادت فقد قام بهذا الأمر كي يخفض من تلك التكاليف، هذا في ما يتعلق بسبب الموضوع. التفكير في المستقبل هو أن نرى ماذا صنعوا الآن و نرى الماضي كذلك و ماذا صنعوا مع مصر قبل 42 عاماً؟ ما حصل هو أنهم كم استطاعوا أن يحرزوا من تقدم في مجال التطبيع؟ هذه مواضيع أخرى و قد أردت من خلال هذه المقدمة أن أصل إلى جواب سؤالك الأصلي.

كوليوند: كونك متخصصاً في شؤون مصر، برأيك ما هو الفرق بين التطبيع الذي حصل مع مصر و المرحلة الجديدة منه؟ مع الإشارة لحالات معينة إن أمكن
.
أماني: لم يحصل التطبيع بينهما بعد، لدى مصر سفارة في تل أبيب و للإسرائيليين كذلك سفارة في مصر و لكن سفارة الكيان الصهيوني ليست في متناول الناس.

كوليوند: في هذا المستوى من العلاقة التي تشكلت، لأنك تعتقد بأن التطبيع لم يحصل  بعد، سواء في ما يتعلق بمصر أو بهذه المرحلة الجديدة التي تشكلت و مع كونك ملماً بهذه الأمور، ما الفرق بين تلك المرحلة السابقة و المرحلة الجديدة؟

هنرمند زادة: هذا الأمر الذي يقوله صحيح، أن الأردنيين و المصريين لم‌يطبعوا مع الكيان الصهيوني بعد و أنهم فقط لديهم سفاراتهم لدى بعضم البعض...
أماني: أنا لا أريد نفي خطرهم و لكني أقول بأنه من الأفضل أن نتعرف على الموضوع.
هنرمند زادة: في الواقع الموضوع هنا هو موضوع المصريين و الأردنيين الذين يعارضون هذه المرحلة الجديدة من التطبيع، إن المرحلة الجديدة تدخل من خلال طبقات أخرى و الموضوع هنا هو موضوع تجميع، أو لدينا موضوع الجنسية في الإمارات. هناك صهاينة يوقعون عقوداً مع الإمارات بحجة التجارة أو العلاقات في مجال التكنولوجيا و توسيع العلاقات في المجال الطبي، لقد وقعوا على 12 عقداً أو أنهم على وشك التوقيع عليها و من الواضح بأنه إذا كان التطبيع لم يحصل في المرحلة السابقة بحسب التوضيح التخصصي الذي تفضلت به، فإننا نستطيع أن نطلق اسم التطبيع على العلاقات بين الإمارات و إسرائيل في المرحلة الجديدة لأنهم يسيرون في هذا الاتجاه. من هذا المنطلق فإن السؤال كان هل هناك اختلاف بين المرحلتين أم لا؟
أماني: هناك فرق واحد بين مصر وبقية الدول التي أقامت علاقات مع إسرائيل، و مع الأخذ بعين الاعتبار هذه الخاصية التي أريد أن أتحدث عنها فإن أقرب شيء لها هو موضوع السودان، فالسودان هو أقرب شكل لما أريد الإشارة إليه، إنه شكل المجتمع و العلاقات الثقافية و تأثير الشعب على الحكومة، إنكم لا ترون ذلك في الإمارات و البحرين، فالناس هناك لا يملكون أي شغف و حماس و خصوصاً في الإمارات، بالطبع موضوع شيعة البحرين مختلف.
 لو أردنا أن نصنف فإن للإمارات هذا الاختلاف عن مصر و من ثم تأتي البحرين و السودان و مصر، ففي الإمارات لا يوجد أدنى خوف و خطر من ردود أفعال الناس أو أن ذلك قليل جدا. هذا الأمر و علاقة المواجهة موجودة في البحرين و لكنه أقل، ربما لا ينزل شيعة البحرين غلى الساحة بشكل كبير فيما يخص هذا الموضوع. في السودان الأمر صعب و عسير و أما في مصر فإنه يثير جلبة. من هذا المنطلق فإن الإماراتيين يستطيعون التوقيع على مثل هذه العقود التي يجب أن ننظر إليها في إطار حجمها الحقيقي، عدد كبير من السكان فيها لا تربطهم أي علاقة بالبلد سوى علاقة العمل، أعتقد بأن الدعاية التي يقومون بها لعلاقات كهذه هي من أجل أن يقولوا بأن الأمر قد انتهى و يتمكنوا بذلك من جذب المزيد من الدول للانضمام إليهم في هذا الأمر. برأيي أن السعوديين أيضاًقد استخدموا البحرين كبالون اختبار كما يقول العرب، بمعنى أنهم يقومون بالأمور الصعبة من خلال البحرين كي يروا ما هي نتيجتها و البحرين قد أصبحت مختبراً للسياسة الخارجية السعوديين. من وجهة نظري فإن العمل الذي يقومون به هنا كبير بالمقارنة مع مصر من بعض النواحي الشكلية، و لكن من حيث تأثيره فلايمكن مقارنته بذلك أبداً.
هناك عدد من الأمور التي تقال و الأوهام التي تحصل، على سبيل المثال تريد كل من الإمارات وإسرائيل أن‌ينشئوا ممراً بحريا! يمتد من انتهاء خليج العقبة كي يصبح بديلاً لقناة السويس و هذه أوهام ليس لها أي أساس واقعي، لأنها أمور و أعمال تواجه الآلاف من المشاكل و العقبات في الطريق و هذا مجرد كلام خَطّوه على الورق و طبعته جرائدهم. هذا الأمر موجود منذ القدم، أعتقد بأنني رأيته في القاهرة في عام سبعين بأن إسرائيل تريد أن تقوم بأمر كهذا، أو أن المصريين كانوا يقولون بأنهم يريدون إيصال مياه نهر النيل إلى إسرائيل من أسفل البحر الأحمر، و لكن هذا الكلام هو كلام رمزي كي يقول الإسرائيليون بأن قد وصلوا إلى مياه النيل أيضاً،  ولكنها كلها أمور صحفية و هناك الكثير منها في مصر أيضاً.
أريد أن أذكر أمراً يتعلق بمخالفة المصريين للأحداث الجديدة، في عام 94 أقام الأردنيون علاقات مع إسرائيل وقد عارض المسؤولون في مصر ذلك، موضوع حصرية علاقة مصر مع الكيان الصهيوني هو سبب لحصول مصر على مكانة سياسية خاصة، فمثلاً نرى في حرب غزة بأنه لا خيار لحماس سوى أن يجلسوا مع المصريين و يتفاوضوا مع الإسرائليين عن طريقهم، أو مثلاً موضوع تردد سكان غزة و خروجهم من القطاع، المصريون هم الذين يقررون. للمصريين مصلحة في أن تبقى هذه العلاقة حصرياً و أن لا يدخل الآخرون في هذ المجال، عندما دخل الأردن هذا المجال استخدموا كلمة الهرولة، أن الملك حسين يهرول لإقامة علاقات و للتطبيع مع إسرائيل. اليوم فإن نفس الكلمة و نفس المعارضة تصدر من هذه الدول لأنها لا تريد أن تتوسع هذه الدائرة و يريدون أن تبقى العلاقات العربية الإسرائيلية محصورة بهاتين الدولتين، على الرغم من أن لمصر و الأردن علاقات مع الكيان الصهيوني. على أية حال أريد أن أقول بأن هذا الأمر هو ليس تطبيعاً و إنما إقامة للعلاقات و بعد ذلك يجب علينا أن نعارض هذه العلاقات على هذا المستوى و أن نسعى لأن نجد جذورها حتى نتمكن من منع استمرارها، سواء من ناحية ازدياد عددها أو من ناحية شكلها فإنه يتوجب علينا أن نجد طرقاً للحل.
لدي توضيح آخر بخصوص أن أي دولة تقيم علاقات مع إسرائيل فإنها تبتعد بنفس القدر عن إيران، و هذا ليس شرطنا فحسب و إنما شرط الإسرائيليين كذلك، فامتلاك البحرين لعلاقة معنا يعني بأنها تستطيع بشكل أقل إقامة علاقات مع إسرائيل كذلك، و أقصد بذلك العلاقات البسيطة و العادية. نفس الشيء بالنسبة للإمارات أيضاً، بمعنى أنه أينما صار لنا حضور من الناحية السياسية فيجب عليهم أن يلملموا جزءاً من بساطهم، و هذه سياسة استراتيجية يتبعها الأمريكيون و الإسرائيليون، في مصر تؤثر بنفس المقدار أيضاً، و من المحتمل أيضاً أنهم في الأردن يحققون مباشرة في أي لقاء أو سفر يحصل، ماذا دار بينكم و بينهم؟ بناء على ذلك فإنه في المكان الذي تغلق فيه سفارتنا نستنتج بأن ذلك يعني أنهم يسعون وراء بديل استراتيجي و أحياناً يكون ذلك بإقامة علاقات مع إسرائيل.

كوليوند: أشكرك كثيراً، سأتوجه بنفس السؤال الذي سألته للسيد أماني إلى الدكتور فردوسي بور، مع الفارق بأنه مع أخذ تجربته بعين الاعتبار و مع الخبرة التي لديه فيما يخص الأردن و السنوات التي قضاها في السفارة هناك، بشكل عام ما هو الفرق بين المرحلة الجديدة و المرحلة السابقة؟ سواء اعتبرنا الأمر تطبيعاً أو مستوى من العلاقات، خصوصاً الزمن الذي ذهب فيه الأردن في اتجاه تلك الاتفاقية التي تم إمضاؤها، بماذا يختلف ذلك عن المرحلة الجديدة؟

فردوسي بور: لقد استفدت بدوري من توضيحات و كلام السيد هنرمندزادة و السيد أماني. أود أن أحلل الموضوع بطريقة أخرى، أعتقد بأنه قبل الإجابة على سؤالك يجب علي أن أقدم بعض التوضيح و أعود إلى الماضي بخصوص السؤال الذي أرسلتموه كسؤال أول و هو لماذا اتبع الكيان الصهيوني هذه الطريقة و ماهي استراتيجيته و أية أهداف و نتائج كانت لها؟
مقدمات ما حصل الآن تعود إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى و وعد بلفور و العمل الذي قام به سايكس و بيكو الشخصيتان الإنجليزية و الفرنسية من تقسيم لمنطقة الشرق الأوسط. كانت أوروبا في ذلك الوقت تريد ترتيب وضع اليهود حتى يرتاحوا من شرهم و كانوا يسعون وراء إيجاد مأوى و سكن و أرض يستطيعون جمعهم فيها. اتخذ مجلس العوام البريطاني إجراءات في عام 1917 قادت إلى ما حدث عام 1921 و مع مرور الوقت قاموا بإنهاء الأمر في البرلمان الدولي و أقدموا على الاحتلال. في أعوام 1946 و 47 و 48 أعلن الكيان الصهيوني عن وجوده رسمياً و تشكلت معادلة الـ20 في المأة مقابل الـ80 في المأة من الأرض التي ترتبط بأجداد الفلسطينيين و في نهاية المطاف وصلنا إلى العام 1967. بناء على ذلك فإنه لدينا مرحلة التشكل التي تجاوزناها، و لدينا مرحلة بناء الشرعية للكيان الصهيوني و التي كانت في الفترة بين العام 1967 و 1989. بشكل متوسط هناك 12 إلى 20 قراراً صادراً من قبل المؤسسات الدولية سواء كانت الجمعية العمومية للأمم المتحدة أو مجلس الأمن الدولي، مما يعني مئات القرارت لكل منهما، منها حوالي المئتي قرار صدرت من أجل شرعنة الكيان الصهيوني و أول هذه القرارات كان القرار181 الخاص بالتقسيم. لقد ذهب الإسرائيليون أبعد من ذلك و هم يسعون لتثبيت مكانتهم.
كي أدخل في البحث فإن هناك ثلاثة عناصر أفكر بها  وأود التركيز عليها. أول ما قام به الكيان الصهيوني بعد شرعنة عملية الاحتلال هو زيادة مستوى أمنه الداخلي، قبل العام 67 كانت هناك معادلة الـ20 - 80 في المأة أو الـ18 - 82 في المأة، في عام 67 نلاحظ بأن المعادلة انعكست و استولى الكيان الصهيوني على ما يقارب الـ82 في المأة من فلسطين، و صارت حصة فلسطين من الأرض حوالي الـ20 في المأة أو أقل، 18 في المأة. من أجل أن يتمكنوا من تحقيق الوضع و المعادلة التي يريدونها في مجال تثبيت أمنهم فإن العنصر الأول الذي لجأ الإسرائيليون لتحقيقه هو ما أسميه أنا بالعمق الاستراتيجي، بمعنى مجال التطبيع الذي سألتم عنه. العنصر الأول هو إيجاد عمق استراتيجي، و مع تعيين هذا كهدف لهم دخل الإسرائيليون مجال تطبيع العلاقات مع المحيط المجاور للأراضي المحتلة، لماذا؟ لأنه من خصائص حرب 67 أن الإسرائيليين لم يكتفوا بالأراضي الفلسطينية فقط و إنما ذهبوا إلى ما هو أبعد من ذلك و احتلوا ايضاً أراض عربية محيطة بالأراضي الفلسطينية المحتلة، على سبيل المثال استولوا على سيناء من مصر ومرتفعات الجولان من سوريا و احتلوا كذلك جزءاً من الأراضي اللبنانية التي لاتزال ترزح تحت احتلالهم، لقد اغتصبوا مزارع شبعا و أجزاء من جنوب لبنان و في عام 82 وقعت بيروت أيضاًتحت احتلالهم. أما على الجانب الأردني فقد تعلق الأمر خصوصاً بالضفة الغربية، فلسطين عموماً كانت تحت السلطة الأردنية و كان الأردنيون يحكمونها، و هذه المناطق بدورها احتُلت من قبل الإسرائيليين.
الخطوة الأولى التي اتخذها الإسرائيليون كانت خطوة عنيفة و بعدها قاموا أيضاً باستخدام الأساليب الناعمة لضمان أمنهم، بمعنى البدء بالتفاوض و الضغط على الأردنيين.إذا نظرنا إلى التاريخ فإننا نجد أنه منذ العام 1967 و حتى العام 1975 عندما شكلت الفتح فإن الأردن كان يرزح تحت الضغط من كلا الطرفين الأمريكي و الإسرائيلي كي يتفاوض باعتباره الطرف المسيطر على الضفة الغربية. كان الأردنيون يشعرون بالخوف و الخطر و كانوا حذرين لأنهم كانوا يشعرون بأنهم إذا دخلوا في مفاوضات فإن عليهم أن‌يتفاوضوا حول شيء تعريفه و وصفه و مفهومه هو شعب بلاأرض، و أنهم إذا ما توسطوا لشعب بلا أرض و تفاوضوا حوله فما الذي سيحصل؟ سيصبحون الضامن لأمن و بقاء إسرائيل. 
لذلك كانوا كارهين لهذا الأمر من جهتين، الجهة الأولى هي أنهم لم‌يكونوا يودون أن يصبحوا الضامن لأمن إسرائيل، و الثاني هو ماذا يقولون نيابة عن العرب و للعرب؟ أننا ضمنا أمن الكيان الصهيوني! لذلك لم‌يكونوا يرغبون بالأمر. 
استمر هذا الأمر حتى العام 1975 عندما تشكلت الفتح، حين تشكلت منظمة التحرير الفلسطينية تنفس الأردنيون الصعداء و اختبأوا خلفها و قالوا لهم بأنكم أنتم من يتولى أمر فلسطين الآن فاذهبوا و تفاوضوا، إلى أن حل العام 1982 و اقتراح ريغان الذي كان بالأساس رغبة الملك حسين، عندما أعلن بأن الفتح تتفاوض نيابة عن الشعب الفلسطيني كانت هذه رغبة الملك حسين الذي دعم الفتح و عرفات من أجل الدخول في مفاوضات. لو نظرنا إلى الأمر بعيون الكيان الصهيوني نجد بأن معنى هذه المفاوضات بعد العام 67 و الأهداف التي تترتب عليها ليس تحرير الأراضي المحتلة في محيط فلسطين و إنما إيجاد الكيان الصهيوني حائلاً لنفسه، بمعنى الدخول في اتفاقية كامب ديفيد مع مصر، العام 1973 يمثل نهاية الحروب التقليدية بين الجيوش العربية و الكيان الصهيوني و بعده نصل إلى العام 1979 و اتفاقية كامب ديفيد، يقول المصريون لقد استطعنا استعادة سيناء، و لكن أي سيناء؟ سيناء المسلوبة الإرادة و التي لا يمكنهم أن يتصرفوا فيها كما يشاؤون، فحتى دخول قوات عسكرية إليها و نوع الأسلحة المسموح لهم بإدخالها من خفيفة و متوسطة و ثقيلة قد تم إدراجها في المعاهدة، و قد جاء في بنودها أعداد القوات التي يسمح لمصر بإدخالها إلى هناك و تجهيزاتهم و تركيب القوات و الحالات التي يسمح لهم فيها بالدخول إلى المنطقة و هذه الأمور خلقت حائلاً لهم. إذا فالعنصر الأول في دخول الإسرائيليين المفاوضات من ناحية أهدافهم و من منطلق رؤيتهم هو إيجاد عمق استراتيجي. لقد بدؤوا هذه المفاوضات مع الجميع، حتى مع حافظ الأسد أيضاً، و قد تمسك بكلامه و قال في المفاوضات غير المباشرة التي جرت: خط الرابع من حزيران لعام 1967، لا أكثر و لا أقل، لقد قمت بالسباحة في طبريا في السابق و يجب أن أتمكن من فعل ذلك الآن أيضاً. لذلك واجه الموضوع عقبة و تراجع.
في صفوف الكتائب اللبنانية و الذين كانوا صهاينة، عندما وصل بشير الجميل ابن بيير الجميل إلى السلطة بدؤوا بالارتماء في أحضان إسرائيل من تلقاء أنفسهم من دون أن يطلب الإسرائيليون ذلك وبسرعة أعلن بشير عن اتفاقية من جانب واحد و قد أدت إلى مقتله، دامت فترة رئاسته أقل من سنة، لم تدم أكثر من الفترة من سبتمبر و حتى نوفمبر من عام 1983 حيث تم قتله. عندما خلف أمين الجميل أخاه قلب الطاولة و أعلن بأنه ليست بيننا و بين الإسرائيليين معاهدة، بمعنى أن ضمان بقاءه في السلطة و خلافته لأخيه كانت مشروطة بإدارة ظهره للاتفاق و عدم الالتزام به.
 إذا ما تقدمنا إلى الأمام فإننا سنصل إلى أوسلو، نفس أوسلو التي قدمها ريغان عام 1982 على أساس تشكل الفتح في العام 1975 هي أوسلو العام 1991، و تبدأ المفاوضات و يصبح العام 1993 عام أسلو رقم واحد. هنا يتعهد الإسرائيليون بأنهم سيقومون بمنح الفلسطينيين دولة ضمن مشروع التقسيم للأمم المتحدة  الذي يشرعن دولتهم مقابل أن يضمنوا التعهد باوسلو واحد من خلال أوسلو اثنين بعد خمس سنوات.
 في العام 1995 أعلنو بأن ما نعطيكم إياه لا يتجاوز سلطة حكم ذاتي و لانعترف بكم كدولة أبدا. ما أريد قوله هو أن النموذج  الذي بدأ بعد العام 1967 مع كامب ديفيد هو أن إسرائيل أحست بأن الحروب التقليدية و المتكافئة و التي هي موضوع بحثنا قد انتهت فائدتها مع نهاية العام 1973 و لم تعد الحرب تحقق الشرعية لإسرائيل، الشيء الذي يضمن أمن و بقاء إسرائيل هو العمق الاستراتيجي، و قد تم إنشاء هذا العمق الاستراتيجي و لكن إسرائيل ليست مستعدة لدفع ثمنه و إنما تريد من الطرف المقابل أن‌يدفعه، وهل الطرف المقابل مستعد للتفاوض؟ و إذا ما أراد صحراء سيناء فيجب عليه التعهد بضمان الأمن و الحفاظ على العمق الاستراتيجي حتى يتم التعامل معه. ما تفضل به السيد أماني صحيح، لقد تم الحفاظ على الشكل الظاهري للتعامل السياسي و لكن من الناحية الدبلوماسية لا نرى أي تعامل، فالسفيران الإسرائيليان في مصر و الأردن لا يستطيعان بأي شكل من الأشكال التجول بحرية في المدينة وسط الناس و داخل المجتمع.
عندما قامت الثورة الشعبية في مصر في 25 من يناير عام 2011 رأيتم بأنهم ذهبوا أولاً إلى السفارة الإسرائيلية، إذا هم لا يملكون شرعية وسط المجتمع المدني و لا يستطيعون تقديم براغماتيتهم كعلاقات دبلوماسية متعارفة، لهذا السبب فإن أول هدف سعى الإسرائيليون لتحقيقه هو إيجاد عمق استراتيجي و هو ماتمكنوا من تحقيقه إلى حد ما من خلال اتفاقية كامب ديفيد و في وادي عربة من بعد أوسلو عندما خلعوا سلاح الفتح و لم يعترفوا بها كأكثر من سلطة غيرمستقلة و غير حكومية، سلطة ذاتية. كذلك فإنهم لم يمنحوها الشرعية و مثلوا بها، بمعنى أنهم رتبوا أوضاعهم الداخلية و اتجهوا للمحيط الخارجي حولهم. لقد قلت كيف كان وضع لبنان، مع سوريا لم‌يصلوا إلى نتيجة، و مع مصر تمكنوا من الوصول إلى نتيجة، مع الأردن أيضاً وقعوا على اتفاقية وادي عربة مع الملك الحسين في سنة 1994. دخل الملك حسين المفاوضات لأن باله كان مرتاحاً من ناحية الفتح و لم يكن يريد تحمل تبعات القضية الفلسطينية من الناحية العربية، و أيضاً لكي يحافظ على دور الأردن كمسؤول عن إدارة القدس، فتبقى القدس تحت إدارة الأوقاف الأردنية و تبقى للأردن هذه الشرعية و المكانة التي حاز عليها من خلال ذلك و يبقى متولياً لشؤون أول مسجد للمسلمين و قبلتهم، و من ناحية أخرى يقدم نفسه في العالم العربي كمدافع عن الشعب الفلسطيني. على أية حال كان الأردن أول دولة تحملت العبئ الثقيل للهجرة بعد العام 67 و لكنهم وصلوا إلى يوم الجمعة الأسود عام 1970 و حصل ما حصل حيث اشتبكوا مع الفتح، لقد تحاربوا مع عرفات و أخرجوهم إلى سوريا و بعد ذلك حصلت التطورات في سوريا و لبنان و الحرب الأهلية اللبنانية و في النهاية أخرجهم الللبنانيون تحت ضغط الكيان الصهيوني و ذهبوا باتجاه تونس، و هذا أمر لا أود الدخول فيه.
ما حصل هو أنه بعد بسبب قبح أمر إقامة علاقات مع الكيان الصهيوني و الذي كان الهدف منه إيجاد عمق استراتيجي له نبذ العالم العربي مصر لخمس سنوات و ضغطوا عليها و قالوا بأنه من اليوم فصاعدا لايجب أن يُكسر قبح العلاقة مع إسرائيل، كان الحل هو أن يكون في العالم العربي مندوبان هما طرفان في معاهدة مع إسرائيل و يلعبان دور حلقة الوصل بين العالم العربي و الكيان الصهيوني، في الواقع كان من المفترض بأن يتم ترسيخ المعادلات في المفاوضات و أن‌تذهب المفاوضات باتجاه حل المعضلة الفلسطينية، و لكن ليس عن طريق 22 دولة عربية و إنما يكون هناك ممثلان خاصان قد أعطيا صلاحيات كاملة، و من هنا يأتي موضوع دور الأردن كطرف موازن على مستوى المنطقة. على صعيد الوضع القديم و الجديد الذي تفضلتم به ما الذي حصل؟ هنا تم كسر قبح إقامة علاقات مع إسرائيل، بمعنى أنه قد تم خداع الأردن و موضوع العلاقات تحت الطاولة مع الكيان الصهيوني الذي ذكره السيد هنرمندزادة سواء في المجال السياسي أو الثقافي أو التجاري و الاقتصادي قد أصبح علنياً. بمعنى أن‌تولي مصر و الأردن لموضوع الارتباط بين 22 دولة عربي و إسرائيل قد انتفى عندما صار هؤلاء يتفاوضون علناً، و هذا هو الاختلاف الذي حصل.
العنصر الأول هو عنصر العمق الاستراتيجي، الكيان الصهيوني كان يسعى عن طريق تلك الحروب للدخول إلى عمقهم الاستراتيجي من أجل ضمان الأمن. السبب وراء ذلك هو أنكم لو نظرتم إلى خريطة فلسطين ستجدون أنها شريط جغرافي طويل و لو نظرتم إلى أعرض جزء منه فستجدون أن الضفة الغربية تقع في داخله، إحدى الأسباب التي تجعل يريدون الاستيلاء على الضفة الغربية هو الممرات الثلاثة للأراضي المحتلة، الممر الشمالي و الأوسط و الجنوبي. الممر الجنوبي لا يمكن الاستفادة منه، ذلك من وجهة النظر الإسرائيلية، فهناك صحراء النقب التي لايوجد فيها سوى منشآت ديمونة.
 تعالوا إلى إيلات المشتركة في ميناء العقبة الأردني و التي فيها القاعدة البحرية للكيان الصهيوني في الجنوب، في الوسط و المركز لديهم قواعد جوية، و بسبب الضفة الغربية فإن هذه المنطقة قد أصبحت ضيقة. منطقة الممر الأوسط ليست في حالة هادئة لذلك فإنهم يسعون في صفقة القرن إلى أن تكون حصة الفلسطينيين من الأراضي المحتلة سواء في الضفة أو غيرها شيئاً يتراوح بين 11 إلى 12 في المأة، و قد قلت بأنها 15 في المأة في صفقة القرن و لكنها لاتصل إلى هذه النسبة، و إذا ما حدث ذلك و تراجعت حصة الفلسطينيين إلى 11 في المأة فستتراوح حصة إسرائيل بين 89 و 90 في المأة.
إذا ما ذهبنا إلى الممر الشمالي فسنجد أن لديهم ثلاث قواعد نووية، إذا الموضوع الأساسي بالنسبة لهم هو جنوب لبنان، و هو ما نسميه بالجبهة الشمالية. الجبهة الشمالية مهمة بالنسبة لإسرائيل لأن لديها قاعدتين جويتين و قاعدة بحرية في أشدود و أيضاً ثلاث قواعد نووية وهي ذات أهمية كبيرة لهم من الناحية العسكرية و الاستراتيجية. الآن لو أخذنا هذه الجغرافيا الممتدة فإننا نحتاج إلى التحكم في أطرافها الأربعة إذا ما أردنا أن نضمن الأمن، و لا يمكن تحقيقه من دون عمل ذلك. فعنصر العمق الاستراتيجي هو الذي دفع بهم للتقدم و تحقيق هذه النتائج، مثلاً حققوا أوسلو و نزعوا سلاح الفلسطينيين و لا زالوا مستمرين في قضم أراضيهم لأنهم لم يحصلوا على الشرعية كدولة.
 في اتفاقية كامب ديفيد تمكنوا من جعل سيناء عاملاً لأمنهم أو حائلاً لهم و لا يستطيع المصريون الدخول إلى المنطقة و تحكمهم شروط صعبة، على الرغم من من عودة سيناء إلى مصر إلا أنها ليست كسيناء القديمة ما قبل العام 67. كذلك بالنسبة لاتفاقية وادي عربة، فقد أخذوا منطقتي الغمر و الباقورة من الملك حسين طبق اتفاق مدته عشرون سنة و بناء على مطالبة الأردنيين أعادوهما للملك عبدالله بعد العام 2017. مناطق قالوا بأنها غير صالحة للزراعة و لا تفيدكم في شيء، جاءوا و استصلحوها و وفروا لها المياه من خلال تحليتها و زرعوا فيها أفضل أنواع النخيل و صدروا تموراً ذات جودة عالية يفوق عائدها أي برميل نفط. 
لم يكن نتنياهو و الإسرائيليون راغبين بإعادة الباقورة و غمر للأردنيين و لكن بحسب القوانين الدولية و لأن مدة الاتفاقية كانت عشرين سنة اعترض الملك عبدالله و اشتكى و أخذ المنطقتين و لكنهم لم يعطوا الأردنيين خرائط العبوات الناسفة المزروعة في الأرض و أجهزة التجسس و التنصت.
بل إنني أريد القول بأن الأردن وأي دولة تدخل في اتفاقية مع إسرائيل و تقيم علاقات معها تتعهد بأن لا يكون لها جيش أو على الأقل أن لا يكون لها الحق بإدخال قوات عسكرية بمعدات ثقيلة بعد نقطة ما، بمعنى أن لا تكون لديهم وضعية عسكرية و إنما وضعية أمنية. لو أمعنتم النظر في الجيش الأردني فستجدون أنه عبارة عن قوات للتحكم بالمجتمع المدني من أجل رفع مستوى الأمن لإسرائيل، فإذا ما ذهبتم إلى البحر الأحمر الذي هو نقطة حدودية مشتركة مع الأراضي المحتلة فستجدون بأن جمع الرشاشات موجهة إلى داخل الأردن لا إلى إسرائيل.
العنصر الثاني و الذي أطلق عليه اسم المقاربة التكتيكية هو أن الإسرائيليين لم يتمكنوا من امتلاك عمق استراتيجي و لكنهم قالوا بأنه يجب يكون لدينا الحد الأدنى من هذه المعادلة و الاستراتيجية و اتخذوا خطوات تكتيكية، ما هي إعمالهم التكتيكية؟ المحافظة على مشهد و شكل المفاوضات مع الأطراف المحيطة. العمل التكتيكي يتعلق بالجوار المحيط، فقد تفاوضوا مع لبنان حول الجرف القاري، كما تعلمون فإن كل منطقة الجرف القاري في البحر المتوسط شرق لبنان و فلسطين المحتلة هي محل اختلاف في مجال النفط و قد تم التفاوض حولها مراراً، يعتقد حزب الله بأن القوة العسكرية هي التي يجب أن‌تكون حاضرة على طاولة المفاوضات لاالسياسية و الاقتصادية، و لكن الحكومة اللبنانية ذهبت للمفاوضات ضمن إطار سياسي اقتصادي. كذلك هو الحال مع سوريا، منذ سوريا حافظ الأسد و حتى سوريا بشار الأسد كانت المفاوضات موجودة، و أيضاً في موضوع الأسرى اللبنانيين كانت هناك مفاوضات و التي أطلق عليها اصطلاح مفاوضات تكتيكية، بمعنى أنه في المواقع التي لا تستطيع الحصول فيها على عمق استراتيجي تحتاج إسرائيل من خلال اتخاذ خطوات تكتيكية إلى الحصول على تلك العوامل خلال فترات زمنية معينة.
العنصر الثالث الموجود يتعلق بموضوع بحثنا لليوم، وقد بدأ السيد الدكتور أيضاً هذا البحث و الذي أسمية التغيير الجيوسياسي، الشيء الذي يتعلق من خلال النظرة الإسرائيلية بالتغيرات الجيوسياسية و هي تشمل التطورات الدولية و التطورات و التغيرات الإقليمية. هناك أيضاً نظرة إسرائيل لإيران كعدو، يعني أن هذا ليس أمراً خارجاً عن قواعد اللعبة، فإذا ما أقامت إسرائيل قواعد عسكرية حول إيران في أفغانستان و كردستان العراق و أذربيجان و أرمينيا و تركمنستان فإن من أهدافها الرئيسية محاصرة إيران و مراقبتها استخباراتياً و العمل ضدها في المناطق المحيطة بها التي تتناسب ثقافياً و حضارياً معها، و الإسرائيليون يعملون بجهد من أجل احتواء إيران و التحكم بها.
ما أود طرحه هو التغييرات الجيوسياسية، ما هي التغييرات الجيوسياسية؟  قلنا بأنهم أوجدوا عوامل للأمن و عمقاً استراتيجياً، و على المستوى التكتيكي قاموا باحتواء الأمور، صحيح أنهم لم يستطيعوا أن‌يصبحوا عاملاً مؤثراً في معادلات تغيير النظام السوري، في حقبة الثمانينات لدينا المقاومة الإسلامية، سنة 1979 و مطلع عقد الثمانينات لدينا قيام الثورة الإسلامية و تغير معادلات المنطقة التي انتقلت بعد العام 73 من الحروب التقليدية إلى الحروب غير المتكافئة و هو المجال الذي تملك فيه المقاوة الإسلامية الريادة. هنا تنقلب المعادلات العسكرية و موضوع المعدات العسكرية، بمعنى أن الإسرائيليين لايستطيعون أن‌يكونوا أصحاب الأفضلية هنا، و كما ترون فإنهم يبنون حولهم حائطاً، يعني نعود إلى الشيء الذي كانت إسرائيل تريد تحقيق نتيجة فيه و كانت تسعى وراء الهدف من العمق الاستراتيجي. مع الثورة الإسلامية و ظهور المقاومة الإسلامية تنعكس الأمور، الإسرائيليون الذين جعلوا من سيناء و الضفة الغربية و الخلافات السياسية و الحرب الداخلية اللبنانية عامل أمن و عمقاً استراتيجياً لهم يبنون اليوم جداراً حولهم في الأراضي المحتلة.
النقطة المهمة هي أنه مع الأخذ بعين الاعتبار التطورات الإقليمية و الدولية فإنها ترتبط بالمقاربة الأمريكية، و في جواب للسؤال عن أمريكا سأجيب بأنه ماذا كانت الاستراتيجية الأمريكية فيما يتعلق بإسرائيل؟ هنا سأذكر نقطة حول ذلك بأنه لماذا قلت عمقاً استراتيجياً؟ بسبب أن الأمريكيين قد وضعوا ثلاث استراتيجيات سأذكرها الآن و لو احتاج الأمر لأن أوضحها فسأفعل ذلك في المرحلة الثانية.
 لقدوضع الأمريكيون ثلاث استراتيجيات تحت مسمى الإبهام المتعمد، واحدة استخدموها مع الفلسطينيين و أخرى استخدموها مع الإسرائيليين بحيث يأتون لطاولة المفاوضات و لكن من دون أن الحصول على نتيجة، و نرى خلاصة ذلك في أوسلو حيث لم يحصل الفلسطينيون على شيء. هذا الأمر امتد من بعد نهاية الحرب الباردة و حتى المرحلة الأولى من عهد ترامب، و في عهد ترامب تغيرت الاستراتيجية الأمريكية و أصبحت شراكة استراتيجية، ما حدث في صفقة القرن هو حسم الأمر لصالح جهة واحدة، يعني تأسيس دولة واحدة صهيونية على الأراضي الفلسطينية المحتلة. اليهود و اللغة اليهودية أو العبرية و الدولة اليهودية الواحدة لا مكان فيها لأي حضور فلسطيني، هذا ما ترسمه صفقة القرن.
في عهد بايدن تغيرت الاستراتيجية، يعني بعد خروج الجمهوريين من السلطة، يقول السيناتور الأمريكي تد كروز بأن هذا فيه تضعيف لإسرائيل، أنا لا أعتقد بذلك لأن لديهم استراتيجية مشتركة و عوامل استراتيجية مشتركة مع بعضهم و ليس هناك تضعيف لإسرائيل أبدا، و لكنه يأتي بشواهد و أمثلة على ذلك مثل موضوع أرامكو و حرب الـ12 يوماً حيث يقول بأنه خلال الحرب التي امتدت لـ55 يوماً أطلقت المقاومة 390 صاروخاً، أما في حرب الـ12 يوماً أطلقت 4360 صاروخاً، هنا لم‌يكن الباتريوت حاضراً في المعادلات الدفاعية و إنما استخدمت القبة الحديدية و بان مستواها بحيث أن رئيس الأركان الإسرائيلي بني غانتر ذهب بعد ذلك مباشرة إلى أمريكا كي يستطيعوا صيانتها و إعادة بناءها بمليار دولار. أما الأمر الذي يحصل في العنصر الثالث الذي هو التحول الجيوسياسي وهو ما تريده إسرائيل، بمعنى أن استراتيجية إسرائيل هي التغيير الجيوسياسي على مستوى المنطقة و الذي قلت بأنه يتحقق من خلال أحداث المنطقة و كذلك احتواء إيران في المعادلة، ما الذي يحدث؟ دول صغيرة لم يكن أحد حتى الأمس القريب يحسب لها حساباً و كان يطلق عليها أقاليم زجاجية صحراوية قبائلية، ترون اليوم بأن أكبر عدد من القواعد و أكبر قدر من الاستثمار في المجال الجيوسياسي للبحر الأحمر يعود لدولة الإمارات الصغيرة. لقد رأوا بأنهم إذا ما أرادوا لعب دور يتجاوز منطقة الخليج الفارسي فإنهم يحتاجون إلى داعم، و هذا الداعم هو الكيان الصهيوني، لماذا؟ لأن الكيان الصهيوني يملك القدرات و هم يملكون المال و إذا ما جمع هذان الشيئان فإنهم يستطيعون خلق قدرة و إمكانية.
 النقطة المحورية و المركزية لذلك البحث هو الخليج الفارسي الذي نرى فيه اليوم خلافات بين الإمارات و السعودية، لو أحست السعودية أن إيران ستغلق مضيق هرمز في يوم من الأيام فإنها تستطيع الوصول إلى بحر عمان من خلال الإمارات، هذه الخلافات وصلت إلى حد ذهب معه هيثم، سلطان عمان إلى السعودية، إنه عمل عجيب أن تروا طريقاً كبيراً يمتد من السعودية إلى سلطنة عمان و أن تمتد أنابيب النفط من المنطقة الشرقية و الإحساء في السعودية إلى سلطنة عمان بحيث تصبح موانئ عمان على بحر عمان أو مدخل المحيط الهندي منفذ السعودية لتصدير النفط.
 النقاط المركزية و الأماكن الموجودة هي أولاً، مضيق هرمز و ثانياً، مضيق باب المندب، و ثالثاً قناة السويس، و لكن ما حصل هو أن إسرائيل من خلال استثمار هذه الدول و إغراءهم بإعطائهم دوراً يتعدى الإقليم بحيث يخرجون من إطار الأقاليم الزجاجية الملكية و يستطيعون القيام بدعاية سياسية، قد وضعتهم على مسار وضع الأسس الجيوسياسية، أين؟ إذا ما أمعنتم النظر فستجدون بأنه إذا ذهبنا من مدخل المحيط الهندي إلى الأعلى فإننا نجد الصومال و جيبوتي في مدخل مضيق باب المندب، في ذلك الطرف أيضاً هناك الحرب السعودية اليمنية، يعني يريد السعوديون أن يكون لهم حضور و نفوذ هناك ليستخدموه كورقة ضغط. كذلك هو الوضع في إريتيريا، للإسائيليين قاعدة في سوقطرة حتى، و في إريتيريا لديهم أربع قواعد اثنتان منها على الأقل مشتركة مع الإمارات العربية المتحدة.
أتوجه إليكم بهذا السؤال، لقد تفاوضنا قليلاً في إريتيريا و مع أننا دولة يبلغ عدد سكانها 85 مليون نسمة و تبلغ صادراتنا من النفط 4 ملايين برميل إلا أننا لم نستطع أن‌نحصل على قاعدة هناك و أن يكون لنا ممر آمن من القراصنة من خلال مرافقة السفن الحربية للتجارية و ليست لدينا قاعدة هناك، أما الإسرائيليون فقواعدهم تملأ تلك المنطقة، من جهة هناك دولة جنوب السودان و من جهة أخرى هناك مصر التي يتفقون و يتفاهمون معها.
 ما يحصل هو أننا نحاصر في هذه المنطقة من الشمال إلى الجنوب، نعلق في عنق الزجاجة، و يكون الميدان الاقتصادي للمنطقة في يد إسرائيل. 
السيد أماني يعرف أكثر مني بأنه منذ العام 1973 وقع حادثان في قناة السويس، الأول حرب 73 و الثاني هو السفينة اليابانية التي أغلقت القناة لعدة أسابيع و توقفت حركة السفن في القناة. لقد ضغطوا على المصريين و قالوا لهم أن يعطوا تيران و الصنافير للسعودية و فعلوا ذلك و بنت السعودية مدينة نيوم في ذلك المضيق. ما يحصل في نيوم هو الاتصال مع مدينة حيفا، ما تقوم به أمريكا من خلال الضغط على العراق مع الشام الجديد لتشكيل مثلث العراق و الأردن و مصر هو الاتصال بحيفا، بمعني أنهم يجبرون العراق على الاتجاه نحو إسرائيل في المجال الاقتصادي بحيث يضطر تحت الضغط إلى أن‌يكون على الطرف الإسرائيلي، لماذ؟ لأن لمصر اتفاقاً لتصدير الغاز إلى إسرائيل و الأردن أيضاً لديه اتفاقية لاستيراد الغاز من إسرائيل منذ العام 2016 و هذان الأمران مرتبطان. كيف يمكن لخط أنابيب البصرة أن يصل إلى العقبة و من هناك إلى الإسكندرية من دون أن يصل في النهاية إلى حيفا؟ الإسرائيليون يسعون لإحداث تغيير جيوسياسي في المنطقة و قد أمسكوا بأمن الممرات، فهناك السعودية التي لا ترى عيباً في العلاقات مع إسرائيل و بينهما مفاوضات سرية بحيث لوكان الجمهوريون و ترامب في السلطة لكان لإسرائيل اتفاقية تطبيع مع السعودية كذلك، و لكن السعودية ليست مستعدة أبداً للظهور بمظهر سيء أمام العالم الإسلامي، فهم يتزعمون العالم السني و يدعون خدمة الحرمين و أرادوا كذلك سحب البساط من تحت قدمي ملك الأردن ليصبحوا خدام ثالث الحرمين كذلك، لقد قال بن سلمان لنتنياهو أعطنا هذا و ارتاحوا منه لأن الأردنيين لهم ادعاء في الحجاز و لطالما كانت هناك خلافات تحت السطح بين السعودية و الأردن فيما يتعلق بسايكس بيكو.
 ما يجري هو الأن الإسرائليين ينتظرون الفرصة لشق قناة بين إيلات و ميناء أشدود، و إذا ما حصل ذلك فإن قناة السويس ستفقد أهميتها و سيصبح المصريون بلاهوية أو أهمية و سيعانون من مشاكل اقتصادية، هذا علاوة على موضوع سد النهضة الذي تنفخ إسرائيل على جمره لتزيده اشتعالاً و تقوم حرب بسببه، فهم يريدون أن‌تتدمر أي قوة عسكرية تقع حولهم. في ظل هذه التغيرات الجيوسياسية تهدف السعودية لنقل خطوط أنابيبها من جنوب المملكة بعيداً عن مضيق هرمز.
 قطر كذلك تحدثت مع الإمارات للاستفادة من موقع من أجل الوصول إلى سلطنة عمان، مع العلم بأن السعودية تتحرك كذلك من الجنوب إلى الشمال ليكون لهم خطوط أنابيت تصل إلى البحر الأحمر كذلك.
يقدم الإسرائيليون أنفسهم على أنهم مركز الطاقة و الاقتصاد في المنطقة حتى يتمكنوا من الحفاظ على أنفسهم في ظل التغيرات الجيوسياسية. لذلك فإنه إذا ماسارت الولايات المتحدة باتجاه الخلاف مع الصين و روسيا فسيكون على إسرائيل أن تحافظ على نفسها، و هذا الأمر يتطلب استثمارات وهذه الاستثمارات يجب أن تأتي من جيبهم. هذه المعادلة، معادلة ضمان الأمن و الاقتصاد للمنطقة هي من جيب المنطقة و من خلال العمل المشترك مع الكيان الصهيوني. أنظروا إلى جميع الصفقات حتى الإسلامي منها، فتركيا تستفيد أيضاً من التغيرات الجيوسياسية، يعني إيطاليا التي تمد خط سيرها حتى قبرص الشمالية، إذا ما رسمت خط سيرها على بعد كيلومترين من تركيا فإنها ستخرج كل منطقة شرق المتوسط من أيدي الأتراك. حتى يتمكن الأتراك من إيجاد هذا الخط الممتد قاموا باستعراض عضلاتهم في ليبيا و القرن الأفريقي، و حتى يثبتوا الوضع الراهن فإنهم يسعون للاستفادة من منطقة شرق المتوسط باسم إسرائيل من خلال الوزن الذي تمثله التقنيات و المعدات الإسرائيلية و تهديد الاتحاد الأوروبي و تحريك سفنهم و السيطرة على الساحة الاستراتيجية شرق المتوسط. 
إذا الأمر الذي يحدث هو أن التغيرات الجيوسياسية في المنطقة هي أمر مسلم به و يجب علينا أن ندخل هذه المعركة أيضاً و نستعرض عضلاتنا. مستوى الحاجة لهذا التنافس الإقليمي عال في منطقتنا بسبب أن نظرة الأمريكيين للمنطقة لطالما كانت منقسمة بين الخليج الفارسي و شرق المتوسط و المنطقة التي تقع بينهما مركزها هو فلسطين و الأردن. كانت نظرة الأمريكيين للأردن هي أن الأردن ذو دورين، بمعنى أنه يستطيع لعب دور بلد شرق أوسطي خليجي و شرق أوسطي متوسطي. بناء على ذلك فإن ما يقوم به الإسرائيليون في هذه العملية الجديدة يهدف للتحكم بهذه التغيرات و التأثير في مجال التغييرات الجيوسياسية، الأمر الذي لو تمكنوا من تحقيقه و تنفيذه فسيستفيدون من الإمكانات الاقتصادية لدول جنوب الخليج الفارسي و هذه في الأصل حاجة متبادلة يتم إيجادها.
ما تفضل به السيد أماني محكم و صحيح، يعني إذا تركنا الإسرائيليين يتحركون بحرية في المنطقة فمن الممكن أن يصبح مستوى أمنهم و قدرتهم على الإضرار في منطقة الخليج الفارسي أعلى بكثير من مصر و الأردن، و لكن في نفس الوقت هم مغضوب عليهم و مذمومون و لا أحد يحمدهم، و مع ثقافتهم التي تتعارض مع الإسلام فإنهم لا يستطيعون ترتيب أوضاعهم، لهذا أرادت السعودية القيام بأمر ما و في البداية ضغطت على العراق بمحورية الشام كي يقوم بهذا العمل عن طريق أمريكا، بمعنى أن العراق الشيعي يتعامل مع إسرائيل و يكسر قبح هذا الشيء في العالم الإسلامي و من ثم يستطيع العالم السني و قيادته الدخول في هذا الأمر بشكل أسهل بكثير
 الأمر الثاني هو أن السعودية بنت مدينة نيوم كي يأتي الإسرائيليون و يستثمروا هناك، بمعنى أن يقولو بأن لدينا مكة و المدينة و لدينا كذلك أماكن أخرى، كما شاهدنا في موضوع التغييرات الثقافية داخل السعودية حيث قالوا بأنه في المدينة و حيث المساجد و الأماكن الدينية المقدسة لا ينبغي أن يكون هناك وجود لأي مظاهر ثقافية منفرة أو قبيحة أو مخالفة للأحكام الإسلامية و لكن ما المشكلة في أن تكون تلك المور في مدينة جدة و تكون هناك مناطق حرة يستطيعون الاستفادة منها سياحياً إلى جانب السياحة الدينية؟
 أعتقد بأن السعوديين قد تنحوا جانباً و لكنهم مصمّمون على أن‌تكون لهم علاقات مع إسرائيل و هم يقومون بإعداد الساحة الداخلية و خصوصاً في بعدها الإسلامي لذلك الأمر كي يتمكنوا من القيام به في المستقبل. ما يحدث في إطار التغييرات الجيوسياسية فيما يتعلق بالإمارات و البحرين وبقية الدول كالسودان هو أن السعودية بمساحتها الجغرافية الواسعة من جهة، و حربها على اليمن من جهة أخرى تسعى للتمكن من السيطرة على باب المندب، و إذا ما استطاعت التحكم بكل المحيط الجيوسياسي للبحر الأحمر بالإضافة إلى مدخل تيران و الصنافير فإنها ستستطيع مع نيوم الاتصال بحيفا و الاستفادة من هذه التغيرات.
 تلك الدول الصغيرة لا تستطيع التوسع كثيراً و تحتاج إلى السير خلف قوة مادية باسم إسرائيل حتى يستطيعوا الصرف على قواعد مشتركة في منطقة البحر الأحمر و الدخول إليها. أعتقد بأن الأمر الذي يحصل في المقولة الثالثة هو التغيرات الجيوسياسية التي يجب أن ننتبه لها جيداً.
هنرمند زادة: أشرتم بأنه في موضوع أمن المنطقة فإن حضور الكيان الصهيوني في محيط الجمهورية الإسلامية في إيران هو نهج قد اتبعوه لسنوات و يقومون الآن باستكماله في منطقة الخليج الفارسي و هو يتحول إلى خطر أمني كبير على الجمهورية الإسلامية، بمعنى أن جزءاً من التغيرات الجيوسياسية التي تفضلتم بها يتعلق بالحضور الأمني للكيان الصهيوني في المنطقة حول إيران. لقد اجتهدت الجمهورية الإسلامية و جبهة المقاومة لسنوات من أجل أن يبقوا إسرائيل محصورة في منطقة تواجدها في فلسطين المحتلة، و المقاومة في غزة و لبنان و امتدادها في سوريا تقع جميعها في هذا الإطار، حتي مسألة الضفة الغربية و الانتفاضة و موضوع التسهيلات التي تحدث عنها السيد، كل هذا كان في إطار حصر إسرائيل في الأراضي المحتلة و قد حققت هذه الاستراتيجية النجاح في مراحل و حروب منذ العام 2000 عند تحرير الجنوب و خروج الإسرائيليين من غزة و وصلت إلى ذروتها في حروب الـ33 و الـ22 يوماً إلى أن وصلنا إلى اليوم و حرب الـ12 يوماً على غزة و النجاحات الكبيرة التي حققناها في هذا المجال. النقطة هنا هي أن الإسرائيليين قاموا بالمقابلة بالمثل، حضورنا و المقاومة في المنطقة المحيطة بالكيان الصهيوني و الذي له طبيعة نهضوية و عسكرية قابله تواجد إسرائيلي في محيطنا سواء من خلال حضورهم السابق في أذربايجان و كردستان العراق و افغانستان و باكستان و الذي استمروا فيه، أو من خلال الوضع الجديد في منطقة الخليج الفارسي فيما يخص بناء و توسيع علاقات أمنية. هذا نوع من المواجهة بالمثل لكي يشغلونا في محيطنا الأمني، و كما أننا دخلنا محيطهم الأمني فإنهم يدخلون محيطنا الأمني. برأيي أن نركز على هذا الأمر و ندرس أخطاره علينا و ماذا يمكن أن يكون الفارق بين هذين الأمرين؟

كوليوند: إذا ما أردنا أن نبحث هذه النقطة التي ذكرها الدكتور هنرمندزادة فسنجد أنها نفس المحور الذي أشار إليه السيد فردوسي بور في إجابته على السؤال الأول. إذا أردنا أن‌نطرح نفس النقطة التي تفضل بها الدكتور هنرمند زادة بصورة أوسع فإنه في المرحلة الجديدة من التطبيع و بالنظر إلى التواجد الذي تم في المناطق المحيطة بالجمهورية الإسلامية الإيرانية بصفتها قائدة محور المقاومة، فهل طبيعة هذا التواجد ضد فلسطين أم أنه ضد إيران و محور المقاومة؟

أماني: إذا ما عدنا عشر سنوات إلى الوراء و رسمنا الوضع في المنطقة بداية من مصر و قمنا بتفحص المناطق المحيطة بالكيان الصهيوني كل على حدة فإننا نرى بأنه في حالة مصر لم يصل الأمر ابداً إلى ما كان يُتصور حولها من أن بال الإسرائيليين سيرتاح منها، و لكن الآن تغيرت الأمور لصالح الكيان الصهيوني، بمعنى أن مصر أصبحت ضعيفة.
أريد أن أبحث نقطة ما قبل عشر سنوات و حتى الآن، لقد ضعف المصريون و قل مستوى إحساس الكيان الصهيوني بالخطر منهم. الدولة التالية هي السودان و التي أيضاً  قل مستوى خطرها، في ذلك الوقت كان للسودان علاقات استراتيجية مع إيران، سأتجاوز الحديث عن الدول الصغيرة، اليمن تبدل من دولة غير فاعلة فيما يتعلق بالكيان الصهيوني إلى دولة فاعلة و في طور الانضمام لمحور المقاومة. السعوديون إلى جانب البحرين و الإمارات قاموا بالكشف عن علاقاتهم مع إسرائيل. القطريون الذين كانوا أول دولة خليجية تقيم مكتباً تجارياً للكيان الصهيوني يريدون على ما يبدوا أن يكونوا غير مبالين بهذه العلاقة بسبب اعتباراتهم الإقليمية و أن لا يكون لديهم موقف من إسرائيل. ربما تصورت قطر حينها بأنها تستطيع أن تصبح دولة محورية في هذه العلاقة و تغيرت سياستها، ثم قبل السعوديون هذه المسؤولية. عمان كان لها دوماً علاقة متوسطة و سعت خفية إلى أن تضع يدها في يد الأمريكيين و البريطانيين في المسائل الإقليمية مع الإحجام عن القيام بخطوات علنية تثير غضب الدول الإقليمية الأخرى.
هذه هي مجموعة الدول العربية التي ننظر إليها في هذا الصدد، العراق تحول من دولة غير فاعلة إلى دولة فاعلة أو نصف فاعلة ضد الكيان الصهيوني، و إن كانت لا تزال هناك بعض الأمور المرتبطة بصدام و موضوع دعم حزب البعث و علاقاته ضد الإسرائيليين في الأشهر الأخيرة من عهد صدام و التي لا تزال تلقي بظلالها على تصرفات الشيعة هناك، و لكن يبدوا أنهم في طور التبدل. موقع سوريا في موضوع دعم محور المقاومة و لبنان و فلسطين ازداد قوة، و سواء في الضفة أو في غزة فإن عداء هؤلاء  للكيان الصهيوني قد زاد و قوي.
ما حصل في السنوات الأخيرة هو أنه تدريجياً تحول موقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مقابل مواقف دول إقليمية أخرى و خصوصاً السعودية و البحرين إلى صراع للبقاء، بمعنى أنهم ينظرون إلينا بنفس النظرة التي ننظر بها إلى الكيان الصهيوني و هي نظرة سقوط و انحلال و يسعون لتغيير النظام في إيران، كذلك فإنه قد تشكلت مشاعر هائجة ضد السعوديين في بلدنا يستطيعون من خلالها تبرير سلوك السعوديين. بناء على ذلك فكما أننا نهدف في سياستنا لمحو الكيان الصهيوني من الوجود و نريد أن تنضم دول أخرى إلى هذا المعسكر، فإن الإسرائيليين كذلك يسعون إلى زيادة عدد الدول التي تنشد سقوط النظام في إيران و إلى إعطاء دور لها، و من الواضح بأن السعوديين يقفون في الصف الأول لهذا الأمر.
مقدمة هذه السياسة التي يريدها الصهاينة هي قطع العلاقات، و هو ما حصل من قبل عدد من الدول التي قطعت علاقاتها مع إيران، أو أنه تم إيجاد أجواء لقطع هذه العلاقات، و قد كان للسعوديين الدور الأول في هذا الأمر من خلال دفع أموال لتلك الدول و تشجيعها على قطع علاقاتها مع إيران.
أعتقد بأن السعوديين رأوا سياساتهم في المنطقة على هذا الأساس 1. زعزعة الأمن في محيط إيران من خلال قطع العلاقات 2. إقامة علاقات مع الكيان الصهيوني و إيجاد أجواء تمكن الأمريكيين من القيام بتدخل عسكري، بمعني أن مجموع المساعي السعودية طوال العشر سنوات الأخيرة كان يهدف في النهاية لتشجيع الأمريكيين على الهجوم على إيران و لو بصورة محدودة أو عن طريق هجوم صاروخي، هذه كانت من تحركاتهم، حتى أنهم في مرحلة ما شجعوا أوباما بطريقة وصلت فيها الأمور في شهر حزيران من عام 2013 إلى درجة كادت معها أن‌تطلق صواريخ كروز الأمريكية على سوريا، إلا أن الأمريكيين لم‌يفعلوا ذلك لأسباب مختلفة. طلب ترامب من السعوديين بأن يدفعوا المال لأجل هذا الأمر كانت واضحة، و من جهة أخرى فإن ترامب كان يريد أيضاً أن يلبي هذا الطلب السعودي من خلال بيع الأسلحة، الأمر الذي لم يكن ممكناً للسعوديين، يعني أن السعوديين لم‌يكونوا يتصورون إمكانية حدوث ذلك من دون وجود دعم عسكري أمريكي واضح و قيامهم بالهجوم على إيران. في مقابل ذلك على إيران أن تتخذ سياسة في المنطقة تأخذ بعين الاعتبار أن الخلافات بين العرب و الكيان الصهيوني تتجاوز الدين، بمعنى أن خلافهم عرقي و ليس دينياً، و هذا موضوع مهم يجب أن‌نأخذه بعين الاعتبار في سياساتنا.

كوليوند: في إطار موضوع النسبية و المحور و المقاومة و التطبيع ما هي الأمور التي نستطيع فعلها؟

أماني: أريد القول بأن خلافنا مع الصهاينة له أساس ديني، أما أساس خلافهم هم فهو عرقي، و إن كانوا قدسعوا من خلال تسمية الاتفاق الأخير باسم الاتفاق الإبراهيمي و هو اسم يشمل البعد الديني و كذلك البعد العرقي بأن يقولوا أننا من أب واحد، أبناء نبي واحد و امتداد له، و هو ما لا يغطي المسألة الدينية و لكنه لايخلق مشكلة في البعد العرقي و القومي، بمعني أنه في رأيي إذا ماأردنا بحث اسم اتفاقية إبراهيم من الناحية الدينية فإن الكثير من المشكلات ستظهر بين الرأي العام لتلك الدول مع اليهودية لأنه لامعنى للبقاء على الدين اليهودي من الناحية الإسلامية، أما إذا أردنا أن‌ننظر إليه من الناحية العرقية فالأمر مختلف، يريدون أن يربطوا الأمر بكون أن جميعنا أبناء إبراهيم و من نسل واحد ويقولوا بأنه علينا أن‌نضع هذه الخلافات جانباً، و لذلك يجب أن‌ننتبه لهذا الأمر.
التضاد بين مسيحيي لبنان و في كل شرق آسيا مع الكيان الصهيوني كبير، و أساس نظرتهم في هذا الصدد هو العرق و العروبة. فيما يتعلق بمسائل محيطنا فإنه يجب علينا في أن نتجنب أي عمل و دعاية يتم تفسيرها على أنها تغيير للنظام أو سياسة تغيير للنظام في الدول العربية، يعني أن هذه السياسة تذهب بهم باتجاه أعداءنا و هذا الأمر يجب أن يكون له مكان في سياساتنا. في اعتقادي فإن السعوديين يبذلون جهوداً كتلك في المنطقة بسبب خوفهم من الفناء و أنهم يعتبرون الجمهورية الإسلامية الإيرانية عامل فناءهم. هذا في حين أننا نستطيع أن نجعل سياستنا تتركز على تغيير سلوكهم، و هذه هي سياستنا الرسمية.
بقدر ما يخافون من الجمهورية الإسلامية الإيرانية و يبتعدون عنها؛ فإنهم يلجؤون إلى السياسات الأمريكية و الصهيونية من أجل أن‌يوجدوا لأنفسهم عمقاً استرتيجياً كما عبر السيد فردوسي بور، و هذا أيضاً تمحور الصهاينة من أجل يتمكنوا من إيجاد جزء معاد لإيران في المنطقة، بمعنى أنه كما أننا قمنا بتشكيل محور مقاومة يمتد من داخل فلسطين إلى لبنان و سوريا و العراق و حتى اليمن و أفغانستان، فإنهم كذلك يسعون لتأسيس محور في مقابل محورنا بحيث يُرسم خط واضح في المنطقة بين المحور بقيادة إيران و المحور الآخر بقيادة السعودية، حيث يريد أحدهما أن يحتوي و يحصر الكيان الصهيوني في منطقة محددة و أن يعزله على الأقل ، في حين يسعى الآخر لأن يخلق لنفسه محيطا آمنا بالاستناد إلى هذه القوة الإقليمية التي تسمى الكيان الصهيوني.
كوليوند: لقد دخل السيد أماني بشكل جيد في بحث النسبة و المحور و المقاومة و استراتيجية التطبيع. في ما يخص هذا المحور أطرح على السيد فردوسي بور السؤال التالي، هناك شبهة تطرح بأن موضوع التطبيع الذي حصل هو نتيجة لسلوك الجمهورية الإسلامية في إيران و محور المقاومة، و أطلب أن‌توضح هذا الأمر أيضاً  إن أمكن.

فردوسي بور: أريد أقدم توضيحاً فيما يتعلق بالسؤال السابق في تكملة لكلام حضرة السيد أماني و سأجيب عن سؤالك أيضاً. ما حصل هو أنه في البداية كان لمشكلة الاحتلال وجه اختلاف عربي إسرائيلي، و أساسه كان القومية العربية التي قامت من مصر و كانت الأخيرة مركز نشأتها و بعدها تم الانشغال بالجيوش المتحدة العربية و مجموعة الدول العربية في مقابل الكيان الصهيوني و هو نفس موضوع الحروب الكلاسيكية التي بسبب عدم تحقيقها لنتيجة حتى العام 1973 و هزيمة الجيوش العربية و وقوع جزء كبير من الأراضي العربية في المحيط الجغرافي لفلسطين المحتلة تحت الاحتلال الصهيوني؛ فإن المعادلة انعكست. ما يحصل الآن هو أن الإسرائيليين يسعون من خلال ما يقومون به من عمل ألا و هو التطبيع إلى القول بأنه ليست لدينا مشكلة مع العالم العربي و مشكلتنا ليست عربية إسرائيلية، و كما قلت فإن القومية العربية قد انقضى تاريخها و هذا الأمر يحمل معه هذا النوع من الفهم و التفكير كذلك.
في مجال العالم الإسلامي إذا ماأردتم إعطاء معيار أوضح للعالم العربي و كسر طوقه، فإن ما فعلوه مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر هو أنهم ورطوا الدول الإسلامية في الشرق الأوسط بتوترات و صراعات على أساس استراتيجية الولايات المتحدة التي تقوم على ابتلاء هذه الدول بصراعات مصطنعة فتضعف و تتلاشى بذلك. أحد الأساليب التي اتبعوها كان موضوع الإرهاب الإسلامي المتطرف و ما فعلوه أدى إلى ولادة داعش أو تنظيم الدولة الإسلامية و بهذا الأمر شغلوا العالم الإسلامي بموضوع جديد حتي تشعر الشعوب الإسلامية بأن الخطر المحدق بالدول و الشعوب الإسلامية لا يأتي من إسرائيل و إنما من عدة يسمون داعش أو تنظيم الدولة الإسلامية و بالتالي فإنه علينا أن‌نكون في جبهة واحدة ضد الإرهاب و نعمل ضده سوية. مع الأسف فإن موضوع إرهاب الدولة الصهيوني قدنُسي في العالم الإسلامي و صارت أولويته العملية هي محاربة التطرف الإسلامي، الأمر الذي قد يتحول إلى مقاربة غربية.
في الوقت الحاضر فإن الدول الغربية قد ارتاحت من اليهود و غاب شرهم عن مجتمعاتهم و دولهم، و المشكلة التي يواجهها العالم الغربي الآن هي موضوع الإسلام و الأسلمة التي تقف في مقابل الوطنية الغربية و تتعارض معها. إلى ما كان يسعى الصهاينة؟  كانوا يسعون إلى الخروج بنتيجة واحدة من هاتين العمليتين و يقولوا بأنه هناك مشكلة بيننا و بين الفلسطينيين و قد جئنا إلى هنا و أخذنا أشياء و هناك اشياء أخرى نعترف بها في المقابل. كما قلت سابقاً فإن هذا هو نفس ما لجؤوا إليه في العام 1975 بأن تتشكل الفتح و يقولوا بأننا سنتفاوض معهم و ليست لدينا مشكلة معكم، فدعونا نتفاوض و نتوصل إلى اتفاق بيننا.
الأمر الآن هو أن الإسرائيليين يسعون من خلال التأثير على الثقافة الموجودة لأن يقولوا بأن مسألة الخلاف العربي الإسرائيلي أو الإسلامي الإسرائيلي هي مسألة فلسطينية إسرائيلية و يجب أن تحل في داخل الأراضي المحتلة من خلال المفاوضات و الاتفاق، في النهاية على الطرف المقابل أن‌يتنازل و تكون الكلمة الأخيرة للطرف القوى و صاحب اليد العليا، و في ظل طبيعة الأعمال الجديدة و التطورات و ما حصل في أمريكا من وصول الديموقراطيين إلى السلطة فقد تغير الأمر، ففي عهد الجمهوريين و ترامب انتهت استراتيجية الإبهام المتعمد و تحولت إلى شراكة أستراتيجية امتدت لأربعة أعوام. بعد رحيل ترامب و خروج الجمهوريين من السلطة جاء الديموقراطيون و بايدن و جاء معهم موضوع التعددية و المشاركة ، موضوع إعطاء أهمية لفلسطين و تعيين الأولويات. لا أريد أن أقول بأن هذه هي طريقة تفكير الأمريكيين بأنهم ينظرون إلى طرفي الصراع بشكل متوازن و يريدون أن يعطوا للفلسطينيين نفس الثقل، و لكنكم رأيتم ما حدث في موضوع الأنروا، ما سحبه ترامب منها و الأموال التي حبسها عنها و هي عبارة عن حصة أمريكا من دعم المنظمة و تساوي 300 مليون دولار، جاء الديموقراطيون و قاموا بدفعها.
يؤمن الديموقراطيون أساساً بالمؤسسات و من مبادئهم حل المسائل الدولية من خلال المنظمات الدولية، يعني أنهم يتبعون نموذج الاتحاد الأوروبي. ما يحدث هو اتباع سياسة تعددية و جماعية من قبل الأمريكيين، رأيتم بأنهم قاموا بفتح مكتب الفتح في واشنطن و أعطوا للفلسطينيين وزناً، أيضاً  وفروا دعماً مالياً للأنروا و ساعدوا و منحوا السلطة اعترافاً رسمياً، حتى في حرب الـ12 يوماً حدّدوا وقتاً للإسرائيليين و قالوا للإسرائيليين أن ينهوها في خمسة أيام. عندما انتبه الإسرائيليون إلى أنهم أخطأوا في استهداف قادة المقاومة و مخازن الصواريخ و الأسلحة طلبوا منهم مهلة إضافية و قال لهم الأمريكيون 8 أيام، ثم أضافو لها 3 أيام قبل أن‌تمتد لـ12 يوماً لا أكثر و تنتهي و ذلك بضغط من الأمريكيين.
ما حدث هو أنه في ظل الوضع الجديد و طبيعة العمل الجديدة و الوضع الأمريكي فيما يخص موضوع إعادة إعمار غزة أو الاحتقان الموجود بين المقاومة و إسرائيل و ما يقوم به الأمريكيون من استخدام لنفوذهم لحفظ الهدوء و إعادة إحياء المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، فإن كل ذلك يجري في إطار النظرة الصهيونية بأن الخلاف هو بيننا و بين الفلسطيننين و نرجو عدم دخول أي طرف عربي أو إسلامي فيه.
الآن هذا هو الوضع الذي رسمناه، نريد أن نقول بأنه ما الذي يحصل الآن؟ ماذا يجيب أن تفعل المقاومة في ظل الوضع القائم و عملية التطبيع؟ نشعر بأن المقاومة في الأصل قامت بعملها على أكمل وجه، النتائج التي حققناها من وراء حرب الـ12 يوماً و التي جاءت على لسان السيد حسن نصرالله، أمين عام حزب الله أيضاً  حيث قال بأنه من الآن فصاعدا فإن القدس هي خطنا الأحمر، و عندما تضعون القدس كمعيار يعني بأن الأمر ليس فلسطينياً أو عربياً و موضوع القدس يصبح كونها رمزاً و قبلة، موضوع الجانب الديني الذي أشار إليه السيد أماني، بمعنى أن الخلاف بيننا و بينكم هو صراع بين القرآن و التوراة، ما ندافع عنه هو المسجد الأقصى، المسجد الأقصى هو خط أحمر، يعني أن ما حصل في حرب الـ12 يوماً كان دفاعاً عن القدس و لهذا سميت العملية "سيف القدس".
 كان الأمر الآخر الذي نتج عن فعل المقاومة حينها بعد سيف القدس هو "حلف القدس"، بمعنى أن جميع المسلمين متحدون في موضوع حرمة القدس. لذلك قال السيد حسن نصرالله بأنه هذه المرة إذا ما حصل أمر ما يتعلق بالقدس فيجب علينا جميعاً أن نعتبر الدفاع عن القدس واجبنا، يعني أن موضوع حي الشيخ جراح و المسائل المرتبطة بالمنطقة المحيطة بالأقصى أصبحت أمراً ثانوياً. هذا كان أحد الأساليب حيث تم إحياء مسألة إسلامية الموضوع من قبل المقاومة.
الأمر الأساسي الآخر الذي حصل هو التعاون و التنسيق بين أطراف محور المقاومة، لقد أخرجوا العنصر الإسلامي من الموضوع باستخدام الإرهاب و وفقوا في ذلك حيث وصل الأمر إلى أن المقاومة أخرجت حركة حماس من سوريا حتى يتركوا الإخوان و صار الإخوان خصومهم. ما حدث الآن من خلال مقاربة المقاومة و آتى ثماره في حرب الـ12 يوماً و كان من المفروض أن لا يتم التحدث عنه علناً إلا أن جريدة الأخبار و أعتقد أيضاً  قناة الميادين كشفوا عنه في مقابلاتهم مع المحللين و كان من أهدافهم الأساسية من وراء ذلك أن يقولوا للطرف المقابل بأن هذا ما حصل و أن يشيروا إلى هذا الأمر باعتباره النقطة الأساسية و عنصر انتصار المقاومة حتى يفهم و يعرف الطرف الصهيوني ذلك، هو إيجاد غرفة عمليات مشتركة. يعني أحد عناصر النصر كان تأسيس غرفة عمليات مشتركة و هذه الغرفة كانت متصلة بإيران و نقطة تركيزها كانت الأقصى، إدراج هذا الموضوع أو عدم إدراجه يعود إليكم. هذه إحدى الأساليب الخاصة التي توصلنا إليها في موضوع تقييم الأضرار في مجال محاربة الإرهاب، يعني لقد انفصلنا في موضوع سوريا، حتى أجهزة الحفر التي وفرناها لحماس، ذهبت إلى داعشيي سوريا و استفادوا منها ضد أبناءهم، ضد مركز المقاومة، ضد أبناء حزب الله و ضد النظام القائم في سوريا.
 لكن هنا نقطة الجمع و الترميم و محورها كان حرب الـ12 يوماً حيث كانت غرفة العمليات المشتركة للمقاومة الإسلامية رمز البقاء و النصر، تعلمون بأن أحد الأساليب التي اتبوعها و أثارت تعجب حماس كذلك هو أنهم قاموا بأخذ إحداثيات النقاط التي قاموا بضربها من الأمريكيين و ضربوها ثانية، و قدأثار هذا تعجب حماس بأنكم قمتم بتدمير القواعد فلماذا تقصفونها مرة ثانية! عندما تم التحقيق في الموضوع قال الإسرائيليون بأنهم أخطأوا و أنهم عندما رأوا صور الأقمار الصناعية أحسوا بأنه كان يجب عليهم استخدام صواريخ أقوى حتى يستهدفوا تلك المخازن في عمق أكبر، و بعدها قالو بأنه فيما يخص الهجوم على فوردو قاموا باختبار صواريخ ضد الخرسانة في الـ12 يوماً حتى يعرفوا إلى أي عمق تسنطيع أن تكون مؤثرة. لقد قاموا بقصف الأهداف المقصوفة مرة أخرى. الأمر الثاني هو أنهم قاموا بمناورة للخداع و أعلنوا أنهم سيقومون بعملية برية و لكن غرفة العمليات المشتركة التي كانت النقطة المركزية كشفت الأمر و لم تخدع بكلام الإسرائيليين.
 لقدكانت لديهم خطة للخداع لو أنها تمت لدخل عدد كبير من قوات المقاومة مع القادة إلى الأنفاق و كان القرار هو استهدافهم هناك و قتلهم من خلال هجوم مكروبي أو كيميائي أو باستخدام القنابل الفوسفورية، و لكن هذا لم ينجح،  و ذلك من نتائج غرفة العمليات المشتركة. ما أريد قوله هو أن ما نراه في سوريا في مجال تقييم الأضرار فإن ترميمه و إصلاحه هنا، و هذه من النقاط الرئيسية.
المبحث الآخر هو بحث محاصرة إسرائيل، كما قلت فإن المراكز المهمة لإسرائيل موجودة في تلك المناطق الثلاثة الشمالية و الوسطى و الجنوبية، في الجنوب يوجد قطاع غزة و أقصى صورايخه مدى صاروخ عياش أو قاسم الذي يصل بمداه البالغ 220 كم إلى مطار إيلات و يستطيعون به استهداف عمق الكيان الصهيوني و كسر الهيمنة الإسرائيلية، و لا يوجد هناك مكان آمن في إسرائيل و لو أرادت المقاومة اليوم، تلك المقاومة الحماسية الموجودة في سجن قطاع غزة أن تستخدم الطائرات من دون طيار و الصواريخ و القذائف المدفعية أو حتى الدخول البري إلى بعض المناطق المركزية الإسرائيلية لاستطاعت، الإسرائيليون لم يتمكنوا من الدخول إلى غزة و لم يمتلكوا الجرأة لذلك و لكن المقاومة تمتلك ذلك.
 ما يجري هو أننا قمنا بمحاصرة الكيان الصهيوني من الناحية الجيوسياسية للصراع و المواجهة معه، و الشيء الذي يسمونه عمقاً استراتيجياً قدانتفى و عليهم اليوم أن يبنوا جداراً حول أنفسهم، بمعني أن الجبهات الشمالية و الجنوبية و الوسطى تقع في مدى نيراننا، من أقصى شمال فلسطين المحتلة حتى لبنان و محور الجولان نزولاً إلى الضفة الغربية و قطاع غزة فإن دائرة الحصار حول إسرائيل قد اكتملت.
إنهم يعملون على المسائل الجيوسياسية، أين هو العمل الجيوسياسي للمقاومة، و هل أحسنت العمل؟ في ما يخص الشهيد المرحوم اللواء قاسم سليماني فقد وقف في وجه الأمريكيين في قضية التنف و أجبرهم على التراجع، أجبر الأمريكيين لا الإسرائليين، و قام بنخطيط النقطة المركزية لاتصال خط محور إيران الشام و تمكن من تثبيته و إثباته. فيما حدث مؤخراً يقال بأن الأمريكيين قد استهدفوا قوات الحشد، و لكن لو دققتم في الأمر فإنهم قد استهدفوا قاعدتنا الترانزيتية التي فيها ما يربو على 1200 شاحنة إيرانية تنتظر الدخول إلى الأراضي السورية، و قد قمنا بالرد على ذلك في مجال الآبار النفطية المحتلة من قبل أمريكا و كان الجواب القاعدة الترانزيتية مقابل القاعدة الترانزيتية و الرد مقابل الرد. ما أريد قوله هو أنه في المجال الجيوسياسي، ما يسميه عبدالله الأردني بالهلال الشيعي و الذي هو نقطة الاتصال المركزية بين طهران و بغداد و دمشق و اللاذقية، يعني الوصول إلى شرق المتوسط، فيما لو استطعنا أن نرمم و نعيد هذا الاتصال في المجال التجاري فإن حاجتنا لتركيا و حتى لمضيق هرمز أو الذهاب إلى قناة السويس و ما يترتب على ذلك من تبعات جيوسياسية تتعلق بالبحر الأحمر ستقل كثيراً، و هذا الأمر يمكن أن يخلق فرصاً لإيران و العراق و أن يكون مانعاً للاعتداء و التهديد في إطار محور الشام الجديد، بمعنى أننا نستطيع العودة إلى الشام القديم، و أعتقد بأن هذا الأمر يصلح إلى حد كبير الوضعية الجيوسياسية المتضررة.
يشعر الأمريكيون بأنه لا يجب عليهم دفع ثمن في هذا الوضع الجديد و أنهم إذا ما أرادوا الحفاظ على مركزهم كقوة مهيمنة فإنه عليهم الدخول في صراع اقتصادي مع روسيا و الصين، لذلك رأيتم بأنهم أخذوا صواريخ الباتريوت و اتجهوا إلى نظام جديد يدعى CRAM حيث رأوا أن الباتريوت لا ينفع لحماية سفارتهم و اتجهوا لهذا النظام الذي هو نظام دفاعي مضاد للقذائف و الكاتيوشا، حيث أن تكلفة الباتريوت عالية و لا‌يستطيع رصد و إصابة تلك الأهداف و مداه بعيد. حتى أنه يقال بأنه في حرب الـ12 يوماً تمكن حوالي الـ1200 صاروخ العبور من حاجز القبة الحديدية الدفاعي و إصابة أهداف مهمة، لذلك فإن ما يجري الآن هو أن الأمريكيين يريدون التقليل من نقاط الضعف و التكاليف و يتجهون إلى التحكم بالمشهد من خلال الحروب غير المتكافئة، الحروب التي لايمكن أن نطلق عليها تعريف الحروب التقليدية و التي غالباً ما تكون على شكل معارك الطائرات من دون طيار و الحرب الإلكترونية و السبرانية، و هي أمور مهمة جداً. 
اعتقد بأنه على المقاومة أن تعمل بشكل مركز على هذا الوضع حتى تستطيع توجيه تفاصيل المشهد و إدارته باتجاه المصالح و المسائل المتعلقة بالمقاومة و ذلك من خلال الأطر التي ذكرتها.
هناك أيضاً الوضع في أفغانستان حيث يريدون أن يجعلوا منها مركز أزمة لنا، ليس فقط لنا، لأنه يوجد هناك أمران، الأول هو نحن، أن نتورط و ننشغل في هذه الساحة، و الثاني هو رسم صورة سلبية لممر الشرق و الغرب لمنطقة آسيا و الباسيفيك.
أماني: لقد أعجبني كلام السيد فردوسي بور كثيراً. النقطة هنا هي أنه أحياناً نطرح موضوع التكلفة و الفائدة، اليوم إذا ما قيمنا نتيجة 42 عاماً من العمل على إيجاد محور المقاومة في إطار الأهداف الكبيرة للدولة فإنها برأيي من أكبر السياسات الناجحة في العالم. في الحرب الباردة ربما كان السوفييت يفرحون و يشعرون بالقوة إذا ما انضمت دولة لهم من خلال انقلاب أو عن طريق آخر، و لكننا في المنطقة تمكنا من ضم دول لنا في إطار هدف واحد بغض النظر عن الشعوب.
تجربة سياسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بخصوص المقاومة كانت تجربة موفقة، فقط يجب علينا تعديل بعض التكتيكات. الشيء الذي يجب أن نأخذه بعين الاعتبار فيما يخص مستقبل المنطقة و العالم الإسلامي هو أن جميع العوامل و المؤشرات تظهر نمو التوجه الإسلامي في داخل و خارج العالم الإسلامي نمواً كبيراً. سأشير هنا إلى نموذج، حتى الأمريكيون أدركوا هذا الأمر، يعني عندما بدأت الثورات العربية و قمنا محقين برؤيتها كصحوة إسلامية انتبهوا إلى هذه الصحوة و لذلك أوجدوا نسخة مزيفة و منحرفة عنها حتى يتمكنوا من تحويل القوى التي كانت مشتاقة لأداء وظيفتها الإسلامية إلى تيارات داخلية تعمل ضد بعضها، و كانت داعش و أحداث سوريا في هذا الإطار، لقد كانت سياسة خبيثة و لكنها شغلت الكثير من القوى داخل المنطقة بنفسها. هذا مصداق لكون التوجه الإسلامي عملة رائجة في المنطقة و أي شخص يقوم بسك هذه العملة فإنه يستطيع أن يقوم بما يريد القيام به.
بعد قرار وقف إطلاق النار في العام 88 قال حضرة الإمام بأن القرن القادم هو قرن الإسلام، يعني إذا ما أردنا يمكننا اعتبار هذا الكلام نبوءة أو هدفاً، برأيي لو عملنا على هذ الأمر فسنتمكن من تحقيق الانسجام في المنطقة و أينما فقدنا امتداداً نستطيع أن نعوضه في أماكن أخرى. على سبيل المثال فإن موضوع أفغانستان موضوع مهم، يعني أن أفغانستان يمكن أن تكون الدولة التالية التي تنضم للمقاومة، من ناحية فإن مكانة الشيعة قوية هناك، و أيضاً  فيما يتعلق بالصهاينة فليست لديهم تجارب كالعراق الذين لديهم خوف في ذهنهم بسبب أفعال صدام، و يمكن التركيز على الأمر التالي في أفغانستان. من الطبيعي أن باكستان تستطيع الانضمام أيضاً إلى هذا المحور حتى تتمكن الدول القريبة من الكيان الصهيوني من زعزعة أمنه في المحيط الجغرافي له.

كوليوند: سأكون ممتناً إذا ما تفضلتم بتقديم خلاصة للنقاط التي طرحتموها مع النظر إلى المستقبل.

هنرمند زاده: لا يمكن تلخيص الكلام في جلسة واحدة و لكن النقطة المهمة و التي ذكرها السيد فردوسي أيضاً هي أنه يجب أن ننتبه لأجندة الأمريكيين. برأيي إن موضوع خروج أمريكا من المنطقة أو الخروج العسكري الأمريكي من المنطقة هو أحد المسائل التي يجب أن يتم بحثها. ربما يسعى الأمريكيون من خلال التطبيع و قيام العلاقات بين العرب و إسرائيل إلى إعادة تشكيل الأوضاع الأمنية للمنطقة بحيث تتم الاستفادة من إمكانات المنطقة لإدارة المسائل الأمنية لها. ما قام به ترامب في مجال صفقة القرن و ما يمكن أن‌يقوم به الديموقراطيون، رأيتم كيف أن موضوع الانسحاب الأمريكي من أفغانستان قد بدأ و أنهم مصصمون على الانسحاب و كذلك تقدم طالبان في أفغانستان، لو وضعنا موضوع التطبيع و كل هذه الأمور إلى جانب بعضها يبدوا بأن ما يريد الأمريكيون القيام به هو أن تتم الاستفادة من إمكانات المنطقة من أجل إدارتها أمنياً و أن تتشكل الترتيبات الأمنية الإقليمية في المستقبل بصورة تكون ضد إيران و المقاومة. هذا موضوع يحتاج بحثاً جدياً و إن‌شاء الله سيتم بحثه في المستقبل.
فردوسي بور: إذا ما اردنا التلخيص فإنني أيضاً  أعتقد بإن التطبيع لن يتم بتلك الصورة التي نطلق عليها المسار الطبيعي للعلاقات السياسية، بمعنى أن التطبيع لن يتحقق أبداً، حتى فيما يخص الاتفاقيات التي وقعتها الدول المجاورة لفلسطين المحتلة نرى بأنه لا كامب ديفيد و لا وادى عربة تمكنا من تحقيق تلك الأمور التي جاءت فيها، فما بالكم إذا أردنا أن نقلل مستوى نظرتنا من المستوى الأمني و العمل السياسي الأمني إلى المجال الاقتصادي و التجاري. طبعاً الأضرار المترتبة على هذا النوع من العلاقات مع الجانب الصهيوني متشابهة و ستظهر آثارها في المستقبل، مع ملاحظة أن الدول التي تتعامل مع الكيان الصهيوني على مستوى المنطقة تعاني من نوع من الضعف و فقدان الآليات الديموقراطية، بمعنى أن الأطر المفتقدة للمجتمع المدني في العالم العربي في دول مثل مصر و تونس و دول القرن الفريقي التي هي دول ذات حضارة تمتد لآلاف السنين قدانهارت، فكيف يمكننا أن نفترض أن من هم في كانتونات زجاجية قبائلية ينعمون بالاستقرار؟  لذلك فإن الاختباء خلف الإمكانات الأمنية و الجيوسياسية للكيان الصهيوني لن يدوم كثيراً باعتقادي و تدريجياً سنصل إلى أضرار ذلك و طبعاً سينهار هذا النوع من التناغم و الانسجام و سنشاهد آثاره في مجال العمل في الساحة الداخلية لتلك الدول. هذا علاوة على أن مقاربة المحور الأمريكي الصهيوني و كثير من الدول العربية في الشرق الأوسط و خصوصاً في الوضع المركز للخليج الفارسي هي نظرة تجزيئية، حتى في النظرة الجديدة للولايات المتحدة فقد كانت نظرة بايدن للعراق كنائب للرئيس في عهد أوباما نظرة تجزيئية و من الطبيعي أنهم ينظرون إلى المنطقة بنظرة تجزيئية و يريدون تجزءتها من أجل بقاء و دوام سلطتهم و نفوذهم، و لطالما كانت استراتيجية الإسرائيليين في محيطهم و في المجال الجيوسياسي الذي يخططونه و يرسمونه هي بأن‌تكون الدول الأخرى أضعف و أصغر منهم. كما تفضل السيد أماني بدقة فإن أحد شروط الإمارات كان الحصول على طائرات إف35، الأمر الذي لم يحصل في عهد نتنياهو و لا في عهد ترامب و لن يتحقق في عهد الديموقراطيين أيضاً، فالإسرائيليون يسعون دائماً إلى أن يكون لهم التفوق العسكري في المنطقة كخيار بديل للولايات المتحدة، يعني تكرار ما حدث في عام 1971 عندما خرجت بريطانيا من المنطقة و حل محلها الأمريكيون، يشعرون بأنهم يستطيعون أن يأخذوا مكان الولايات المتحدة في المنطقة و أن يعملوا كحافظ لمصالح أمريكا في المنطقة. لذا فإنهم لن يعطوا مجالاً لهذه الدول و سيتدخلون في مجال الإصلاحات السياسية و ستعود تبعات ذلك على أنظمة و حكومات تلك المناطق و قد نشهد في المستقبل غير البعيد تغييرات أساسية على مستوى المنطقة العربية و يكون الأمريكيون مرة أخرى وراء إبقاء المنطقة في حالة من الالتهاب و التوتر و عدم الاستقرار. التغييرات التكتيكية التي يقوم بها الأمريكيون الآن من إخراج لمنظومات الباتريوت من خمس دول إقليمية هي العراق و الكويت و السعودية و قطر و الأردن تتم على مستوى المنطقة و خصوصاً في السعودية حيث أخرجوا الباتريوت من هناك و حتى أنهم انفضحوا في مجال الحفاظ و الدفاع عن الصناعات النفطية و البتروكيماوية السعودية و خصوصاً أرامكو.
هذه نقاط مهمة و حساسة و لن تغيب عن عن أنظار و أذهان شعوب المنطقة المتيقظين و ذوي النظرة الدقيقة. أعتقد بأن مقاربة شعوب المنطقة للنظرة المستقبلية لتلك العلاقات هي مقاربة سوداء و سلبية، و هذه العلاقات لن تُضمن و لن تجد الاستقرار أو تدوم. الشيء المهم هو أن شعوب المنطقة متمسكون بالدين الإسلامي و بمقدساتهم و يدافعون عنها، إن نظرة الكيان الصهيوني هي نظرة دينية و توراتية و يسعون إلى تثبيت موقعهم و أسسهم و جذورهم في المناطق المحتلة على أساس تعاليم التوراة، و هذا الأمر لا يتعارض مع الإسلام فحسب و إنما مع المسيحية أيضاً، و يمكن أن يكون للتآزر الإسلامي المسيحي في مجال الدفاع عن مقدسات الدينين السماويين تأثيرات مسرة لشعوب المنطقة في المستقبل.
أماني: ليس لدي الكثير لأقوله و لكنني أود التأكيد على أنه بالرغم من أن إقامة الكيان الصهيوني لعلاقات مع دول عربية في محيطنا يجب أن يعتبر خطراً، إلا أنهم بدون شك يسعون إلى استكمال هذه العلاقة من خلال التطبيع، و هو عملية تستغرق وقتا طويلاً جداً و لن يحصل. بمعنى أن‌نرى الكيان الصهيوني يتمكن من إنهاء عزلته في المنطقة من خلال هذه العلاقات السياسية، برأيي أن أمراً كهذا لن يحصل من خلال المساعي التي يبذلونها الآن و هناك  أمثلة كثيرة على ذلك، مثلاً بعد مرور 42 عاماً على اتفاقية كامب ديفيد لم‌تدخل مصر هذه المرحلة بعد بحيث نرى أن علاقاتهم مع إسرائيل عادية، و المشاكل الموجودة ستلقي دائماً بظلالها على علاقاتهم الرسمية.

كوليوند: أشكر الأساتذة المحترمين على الوقت الذي خصصوه لنا.


قراءة: 506