فصلنامه مطالعات سیاست خارجی تهران
 

إستراتيجية الأمن القومي لروسيا الإتحادية في المعادلات الجارية في غرب آسيا

محمدتقي نادري

الملخّص

 مبدئياً إن التواجد المباشر والفاعل لروسيا في تطورات غرب آسيا، و سوريا خاصة، يعود في الدرجة الأولى إلى قضايا الأمن القومي لها لأنها تعتبر الحالة في سوريا تهدیداً لأمنها القومي بشكل مباشر. وتسعى موسكو عبر لعبها دور القوة المؤثرة أن تحقق أهدافها المعلنة والمخفية ضمن قيامها بالتفاوض والتفاعل مع القوى الكبرى والصغيرة في المنطقة لتثبيت موقعها الجيوسياسية، بالإضافة إلى وجود منحى اقتصادي لها في أهدافها الجانبية.

وبناء على مفروضات النظرة الواقعية، فإن استراتيجية روسيا الجديدة في المنطقة يمكن تفسيرها ضمن الاستراتيجية المعاكسة الجادة لها، لقبول قوتها ومكانتها الدولية من قبل القوى الغربية في المجتمع الدولي. ولذلك ترتكز الاستراتيجية البراغماتية لروسيا على أساس فرضيات «التدخل المحدود» التي تحقق سياسة موسكو في تأمين مصالحها. فالمبادرة العسكرية لموسكو في سوريا تمثل استراتيجية متعددة الأبعاد وفق مبدأ تكوين ميزان القوى ضد القوة المهدّدة. ووفق مذهب الواقعية الجديدة إن موسكو بسبب شعورها بالتهديد من ناحية الإرهاب، قررت الاتحاد مع الدول التي تشاركها في هذا الشعور لتحقيق توازن ضد القوة المهددة.

ومن أهم أهداف روسيا الحفاظ على الموقع الوحيد لاستقرارها الجيوسياسي في غرب آسيا وأطراف البحر الأبيض المتوسط للاستفادة منه كمنطلق للنفوذ في معادلات المنطقة. ومن أجل إيجاد موازنة في القوة الخاضعة للنفوذ الأميركي في المنطقة اختارت موسكو طرطوس واللاذقية وحميميم، والشرق الأوسط تباعاً، كوسيلة لاستمرارية حكم الآلية المطلوبة لديها في سوريا. وتحاول موسكو عبر تواجدها العسكري للحؤول دون
سقوط هذا البلد في أيدي المتطرفين لأن ذلك له تأثير مباشر على الأمن القومي في روسیا الأتحادية.

وبما أن تركيا استهدفت القوة الروسية في التأثير على الساحة السورية لذلك واجهت ردود أفعال شاملة في جميع الأبعاد، حيث تصدت الكرملين لكل محاولات التوسع والنفوذ التركية في أطرافها بكل حزم وقوة. إن دخول القوات الروسية في الأزمة الجارية في سوريا أدى إلى ارتقاء مكانة موسكو الدولية. فالنجاح الاستراتيجي الذي قد تحققه موسكو في سوريا يستهدف هدفين:

الأول هو اثبات قدرة روسيا على إدارة الأزمة في اوكرانيا ونتائجها السلبية وما ترتب عليها من عزلة لها، والثاني هو إثبات أنها لاعب مهم في المنطقة والعالم.

 

الكلمات الأساسیة: الاستراتيجية، الأمن القومي، غرب آسيا، روسیا الأتحادية.

 

المقدمة

 تشهد الساحة الدولية المعاصرة تحولات خطيرة وبسرعة متناهية ومتغيرات غير متوقعة في الساحة الدولية عامة وغرب أسيا خاصة الذي يعد محوراً النزاعات الاقليمية. فقد شهدت المنطقة منذ أحداث الحرب العالمية الثانية وإلى يومنا هذا حالة من الصراعات والحروب التي ساهمت في تمزيق ساحتها. ونظراً للأهمية التي يحظى بها البعد الأمني في هيكلة النظام الدولي، فلابد من الالتفات الى الدور الذي تلعبه منطقة غرب آسيا على هذا الصعيد. ومن هنا ينبغي أن تحظى الاستراتيجيات الامنية بأهمية بالغة في المنطقة وأن يتصدر الهاجس الأمني للمنطقة الألوليات فيها. على أن يؤخذ بنظر الاعتبار المؤشرات الاساسية الفاعل في الساحية الأمنية من قبيل الجيوسياسية Ghrbasya لغرب أسيا والمصادر العظمى للنفط والغاز التي تتوفر في المنطقة والتي يسيل لها لعاب القوى العظمى، والتطرّف والتوترات العرقية، والإرهاب الطائفي، فضلاً عن الى ضعف الحكومات وهشاشتها، وانعدام الثقة بين اللاعبين في المنطقة.

 يمتاز الاتحاد الروسي والذي يعد أحد أكبر بلد من حيث الجغرافيا وإحدى الدول العظمى والقوى الأكثر نفوذا على الساحتين الاسيوية والعالمية بقدرات كبيرة على خلق الأزمات في المنطقة وفي الوقت نفسه يمتلك القدرات العالية في السيطرة على التهديد والأزمات التي تثار هنا وهناك. ولاريب أن جهود الروس للعب دور فاعل خلال الألفية الثالثة، ضمن السياسات الوطنية التي يتبعها "فلاديمير بوتين" في نواح كثيرة، ارتبطت وتشابكت بنحو ما مع المصالح الأمنية والوطنية لبلدنا [إيران].

 التعددية الروسية والموقف الروسي قبال النظرة الأحادية لواشنطن، وكذا التصدي لتمدد الناتو في الشرق والمنطقة، ورفض نشر أنظمة الصواريخ الأمريكية في المنطقة، وأخيراً تفعيل الاستراتيجية الروسية بشأن الأزمة السورية، كل ذلك يحكي الموقف الجديد في ضوء الاستراتيجيات الأمنية للروس على صعيد العلاقات الدولية.

 ومن الملاحظ أن هيمنة حكومة السيد بشار الأسد قد انحصرت قبل التدخل العسكري الروسي على الساحل الغربي من البلاد بالقرب من الحدود مع كل من لبنان وإسرائيل وساحل البحر الأبيض المتوسط، فيما وقعت سائر البلاد تحت هيمنة داعش والمسلحين المعارضين للحكومة السورية. اعتمد الرئيس "فلادمير بوتين" بعد تدخله العسكري في سوريا ثلاثة محاور أساسية تمثلت بإسناد الجيش السوري، والاقتصار على الضربات الجوية ووضع جداول زمنية محددة. وقد مثل العمل العسكري في الساحة السورية تجربة جديدة للجيش الروسي، خاضها الروس بثقة عالية وبطلب رسمي من الحكومة السورية. وقد أشار البيان الذي صدر عن الكرملين الى أن الحملة العسكرية في سوريا يهدف إلى مكافحة الإرهاب والحفاظ على السيادة الوطنية ووحدة أراضي سوريا، فضلاً عن بدء ضمان الاستقرار الإقليمي في غرب آسيا.

 تتكفل هذه الدراسة رصد استراتيجية الأمن الروسية في غرب آسيا، والتمحور حول دراسة الأزمة السورية والتواجد الروسي المباشر في المنطقة.

 لقد انعكس التدخل الروسي المباشر في سوريا والمنطقة منذ عام وبشكل مباشر على العلاقات بين الاتحاد الروسي والدول الأخرى في المنطقة ونشطت الحركة الدبلوماسية والحركات المكوكية في كلّ من المملكة العربية السعودية، والمملكة الادرنية الهاشمية ومصر ولبنان وسائر بلدان الخليج الفارسي والنظام الصهيوني فضلا عن الازمة اليمنيّة.

 وقد أشار السيد "نيكولاي باتروشيف" سكرتير مجلس الأمن الروسي بتاريخ ٤/٥/٢٠١٦م، إلى تكثيف العداء بين واشنطن وحلف شمال الاطلسي ضد موسكو بقوله: ستعيد روسيا النظر باستراتيجية الأمن القومي الروسي حتى عام 2020 وعقيدة أمن المعلومات لتتناسب مع التهديدات العسكرية الجديدة على الصعيد العالمي، مضيفاً: إن ذلك يرتبط بالتحولات والتهديدات العسكرية الجديدة بعد التطورات التي شهدتها السنوات القليلة الماضية في أكثر من ساحة عربية كسوريا والعراق، والموضع في الساحة الأوكرانية والدول المحيطة، مشيراً الى العداء المتزايد لكل من الناتو وأمريكا تجاه روسيا، قائلا: إن تلك الدول زادت من منشآتها العسكرية بالقرب من الحدود الروسية (Интервью Секретаря Совета ... 2016)

 ويمكن القول- انطلاقا من النظرة المعمقة والدقيقة القائمة على رصد الوضع الداخلي لروسيا وحساسية المنطقة الإقليمية والدولية- أنه كلما رفع الغرب من وتيرة المواجهة مع الروس، زاد ذلك من إصرار مسؤولو الكرملين على تفعيل استراتيجية التصدي الفعال من أجل مواجهة ما يرسمه المعسكر الآخر. فلم يقف الساسة الروس مكتوفي الايدي لينظروا كيف يحرك الامريكان وحليفهم الناتو بيادق الشطرنج. بل كان التحرك الروسي العسكري الاخير خارج حدود جمهوريات الاتحاد السوفيتي ظاهرة جديدة وتحولا في السياسات الدولية في العقود الاخيرة. فهذه المرة الاولى التي تشهد فيها روسيا تحركا يحمل اهدافا استراتيجية والخوض في أزمات أقليمية كبيرة بعد ستة وعشرين عاماً مضت على انسحاب الجيش الاحمر من الساحة الافغانية.

 وقد ورد في احدث وثيقة استراتيجية للأمن القومي الروسي: تهديد الأمن القومي يعني مجموعة من الظروف والعوامل التي قد تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر وتوجه ضربة الى المصلحة الوطنية وتمثل تهديدا لها. وقد جاء في الوثيقة أيضاً: لا تنظر روسيا الى سائر البلدان نظرة ثنائية العدو والصديق أو الجيدة والسيئة، بل تقيّم العلاقة وتقيّم نظرتها اليها من خلال مبدأ الفعل وردّ الفعل، وهذا يعني أن الدول التي قد تتصرف مع الجانب الروسي بموضوعية واحترام ستواجه ردّة فعل روسية مماثلة فتعمد موسكو الى اختيار نفس السلوك الايجابي معها، وإلا فإن موسكو سترد على التهديد بخطوات رادعة. وقد أكدت الوثيقة على أن الروس سيعمدون الى تعزيز العلاقات مع الدول غير الغربية والدول الضعيفة من بلدان العالم الثالث. (Указ Президента Российской ... 2015)

 والغرض من هذا المقال بيان استراتيجية الاتحاد الروسي بشأن التطورات في غرب آسيا والاجابة عن السؤال التالي من خلال تحديد أهداف وأسباب الإجراءات الروسية المعتمدة طيلة السنة الماضية: ما هي استراتيجة الاتحاد الروسي في المعادلات والتطورات الحاصلة في غرب القارة الآسيوية؟

ومما لاريب فيه أن الواقعية من الأساليب التقليدية في العلاقات الدولية السائدة والقيم السياسية، ومما لاريب فيه أن تعزيز الأمن القومي وبقاء الدولة في البلدان المتحالفة يقتضي النظر في كيفية توزيع الأرباح أو الفوائد المترتبة عليها فيما بين تلك البلدان؛ لذا هناك طريقتان يمكن اعتمادهما لتقسيم الأرباح، الأول: أن يعمد كل فريق الى الاستحواذ على الحدّ الأعلى من تلك الارباح؛ والثاني: أن يصار الى آليه تعتمد التوزيع النسبي لتلك الارباح.

 ففي واقعنا الحالي نجد البلدان- حتى المتحالفة منها- تعيش حالة من الخشية والقلق من زاوية العدالة في التوزيع، فتخشى هضم حقها والتجاوز على نصيبها لصالح الدولة الاخرى. ومن هنا تجد التحالفات تنطوي في الوقت نفسه على منافسة كامنة، وهذا يعني أن حوافز الاستيلاء والهيمنة بين الدول وتجاوز بعضها البعض تبقى راسخة وقوية. (عبد الله خاني 2010م: 66- 59).

 إن الصراع على السلطة ونظام الهيمنة هو السائد في العلاقات الدولية حيث تسعى كل دولة أن تكون هي صاحبة الصدارة على الصعيد العسكري والسياسي والاقتصادي وأن تكون اللاعب الاقوى في الساحة. فمن وجهة نظر الواقعيين إن العلاقات الدولية والتعاون بين البلدان رغم ضرورتها، ولكن هذا التعاون له حدوده الخاصة، حيث يرى أصحاب النظرة الواقعية أن حلم تحقق الصلح الذي تغيب فيه المنافسة بين القوى حلم بعيد المنال، فالعالم أمام عدة فروض واقعية:

 الأول: أي يعيش النظام الدولي حالة من الفوضى ويعجّ الهرج والمرج الساحة الدولية لغياب السلطة القادرة على كبح جماح هذا الانفلات في الساحة الدولية.

 الثاني: أن تشهد الساحة الدولية ظهور قوى وبلدان متطورة تقنيّا وذات قدرات عسكرية هائلة تمكّنها من إبادة الدول المنافسة لها.

 الثالث: يرى ان الدول لا يمكن أن تكون هناك حالة اطمئنان من نوايا الدول الأخرى.

الرابع: يعتقد أن الدافع الأساسي والغاية القصوى للحكومات تكمن في بقائها واستمراية الحكومات والحفاظ على سيادتها.

 الخامس: يرى ضرورة أن ترسم الدولة استراتيجية تؤمن لها بقاءها ودوام استمرايتها.

 إنطلاقا من تلك الفرضيات الأمنية يكون الدافع من التدخل الروسي المباشر في الأزمة السورية هو هاجس الأمن القومي الروسي ومحورية الأمن القومي للبلاد.

 يطرح أصحاب النظرية الواقعية تقديم ثلاثة نماذج سلوكية يمكن أن يعتمدها اللاعبون الدوليون:

 النموذج الاول: أن يصار الى اعتماد الخشية بين التعامل مع البلدان، وتقوم هذه الرؤية على أساس أن عالمنا المعاصر يمتلك في طياته إمكانية أن تهاجم الدول وخاصة القوية منها بعضها البعض، فلابد للدول التي تريد لنفسها البقاء أن تعتمد مبدأ عدم الثقة والحذر من الدول المنافسة.

 النموذج الثاني: تسعى الدول في النظام العالمي لتأمين استقرار بقائها وعليه لا يمكنها أن تتكئ في الآخرين لتأمين أمنها القومي، حيث تعتبر كل دولة نفسها عرضة للخطر، وبتعبير كينيث والتز على الدول أن تعتمد نظام المساعدة الذاتية.

 النموذج الثالث: أن يصار لتحقيق اقصى حد من الاقتدار النسبي والتفوق العسكري في مجال التقنيّة الحربية مقارنة مع الدولة المنافسة؛ إذ العلاقة طردية بين شاخص التفوق العسكري واستقرار الامن القومي.

 يقول مير شايمر(3) في كتابه السياسة الدولية: تراجيديا ومأساة سياسة القوى العظمى، إنها تؤطر مذهب الواقعية الهجومية بإطار منهجي، وقد أشار الى العديد من الشواهد التي تؤكد هذه المنهجية الحاكمة على سلوك القوى العظمى. ويرى هذا المفكر أن تلك الدولة تعتمد الحدّ الاقصى من القدرات لتامين الحد الاكبر من التأثير في الساحة السياسية الدولية.

ءإن مصير كافة البلدان القوية والضعيفة يرتبط بطبيعة القرارات والإجراءات التي تتخذها تلك الحكومات والتي تسهم بشكل فاعل في معظم نقاط القوة الخاصة بها. وقد أكد مير شماير كثيرا على مقولة العنصر العسكري والتقنية الحربية في تحديد مفهوم القوى العظمى، حيث يرى أن السياسات الدولية للقوى العظمى يقوم على أساس قدراتها العسكرية، وان الشاخص الامثل لادراج أيّ دولة في مصاف الدول العظمى إنما هو في مدى رقيّها العسكري واستحكام معداتها العسكرية التي تؤهلها للخوض في حرب واسعة النطاق ضد أقوى دولة في العالم وباسلحة غير تقليديّة.(4)

 ولما كان المفترض هو أن التواجد الروسي ينطلق من المنهج الواقعي؛ فمن الطبيعي والمتوقع اعتماد الواقعية منهجا في إدارة الأزمات. فالنهج الواقعي لإدارة الأمن يبتني على: مبدأ الهجوم، مبدا الدفاع، مبدأ ايجاد الاختلاف ومقولة فرق تسد، أو على اساس مبدأ تعزيز الثقة. ولاريب أن مبدأ الهجوم في العلاقات الدولية يستند إلى منطق القوة. وأما مبدأ التحالفات بين الدول فينطلق عادة من وجود عدو مشترك يهدد أمن البلدان المتحالفة. (مير حسيني 2013م).

 وجاء في مقال للباحث بول بيلار(5) نشره في مجلة «نشنال انترست»(6) بتاريخ 17 أغسطس 2016 تحت عنوان «الواقعية الروسية في غرب آسيا»: ما ينبغي لنا أن نتعلمه من بوتين وفريقه الخاص للسياسة الخارجية في المنطقة، هو كيف يمكن لقوة أجنبية توظيف كافة الطاقات لتحقيق أهدافها وخططها ومن خلال التعاون مع جميع البلدان المشاركة في هذه المسألة، حتى وإن لم يكن بعض تلك البلدان من حلفائها.

 إن اعتماد بوتين لغة السياسة المرنة يمثل في حقيقة الأمر اعتماد الواقعية التقليدية. وهذه النقطة بالذات تمثل حلقة التفوق الروسي على السياسة الأمريكية، ذلك لأن أمريكا تتبع سياسة غير واقعية قائمة على التحالفات الثنائية وتقسيم العالم الى معسكري الحلفاء والاعداء، ففي الوقت الذي نرى فيه أمريكا تفقد الفرص الواحدة تلو الاخرة نرى الرئيس بوتين يستخدم حكمته لتعزيز مواقعه وتسجيل الكثير من الارقام في سجلّ نجاحاته. (Pillar 2016)

 التصدي لنظرية نظام القطب الواحد واستعادة مكانة روسيا الجيوسياسية في العالم يمثلان إحدى العناصر المهمة والأسباب الرئيسية في التواجد الروسي في معادلات غرب آسيا، وقد كتب فيودور لوكيانوف (7) مقالا تحت عنوان (سياسة بوتين الخارجية: محاولة لاستعادة الدور الروسي في الشؤون العالمية) نشرته الفاردين في عدد مايو- يونيو 2016م، تعرض فيه للدور الروسي في الازمة السورية، جاء فيه: لقد انتهى نظام الهيمنة والاحادية القطبية الأمريكية، وان القطبين الروسي والامريكي يسعيان كلا على انفراد لتحديد دوره ومكانته في الساحة الدولية، ولكن كل واحد منهم يشعر بأن خصمه تجاوز الخطوط ووضع قدمه في ساحة خارج عن الحدود التي ينبغي التحرك فيها. فلم تكن الازمة بين البلدين وليدة المشكلة الاوكرانية أو السورية، بل هي نتاج استمرار الاختلافات في معنى انهيار الاتحاد السوفياتي بالنسبة الى النظام العالمي.

 لقد سعى الروس من خلال استعادة السيطرة على شبه جزيرة القرم، وبدء بالتدخل العسكري المباشر في الساحة السورية، عن عزمهم على استعادة مكانتهم في الساحة الدولية والكشف عن دورهم الريادي في الصراعات الدولية. لم تكن روسيا قد انسجمت تماما مع النظام الليبرالي ولم تكن قد رسمت النظام البديل لها، ومن هنا اعتمد الكرملين- الى حد ما- النموذج السوفياتي المجرد عن الايدلوجية الشيوعية، والرضا بالتحدي المباشر مع الغرب، حتى في المناطق النائية. وقد خطا الكرملين في الازمتين الأوكرانية في سوريا خطوات تجاوزت فيها- الى حد ما- منافسيه الغربيين، وإن جوبه بتحدي كبير أمام تحركه لاعادته مكانه ضمن واقع الاقطاب المتعدد، الا أن الروس أجادوا في السنين الأخيرة استغلال الفرص المتاحة و أظهروا قدرا كبيرا من المهارة في استغلال عثرات منافسيهم الغربيين.(Lukyanov 2016)

 العامل الآخر الذي حدا بالروس للتواجد في المنطقة الحفاظ على خط الصد الأخير وتعزيز الاستقرار الدائم منطة البحر الأبيض المتوسط، وقد اشار الاستاذ على رضا النوري في معهد دراسات أبرار المعاصر في طهران يوم 3/ 10/ 2015م، الى الهدف الاساسي وراء التحرك العسكري الروسي في المنطقة وأنه يكمن في الحفاظ على (النقطة الوحيدة للاستقرار والجيوسياسية) الروسية في الشرق الاوسط وساحل البحر الابيض المتوسط من خلال دعم وتعزيز نفوذ الحكومات الحليفة لها في المنطقة، والانطلاق منها كمنصة للحضور في معادلات الشرق الاوسط. (نوري 2016م).

 ومن الاهداف التي جرّت الى الحضور العسكري الروسي في المنطقة محاربة الارهاب والحفاظ على وحدة الاراضي السورية وتعزيز الحكومة الشرعية في البلاد. وهذا ما اشار اليه الكاتب جهانگير كرمي على صفحات موقت تابناك بتاريخ 12/ 12/ 2015م، مؤكداً أن روسيا تسعى لمحاربة الإرهاب والحفاظ على وحدة الاراضي السورية ودعم الحكومة الشرعية وتأمين الاستقرار في منطقة الشرق الاوسط (كرمي 2015م).

 ويعد العامل الآخر الباعث على التواجد الروسي في المنطقة هو الدور الروسي الهام في إدارة الأزمات والنزاعات الدولية والقضايا الاقليمية، وقد رصد الباحث جورا غريغورويج آوتيسيان(8) هذه الغاية في مقالة الذي نشره تحت عنوان (الاتجاهات الأساسية للسياسة الخارجية الروسية في غرب آسيا) مشيرا في الوقت نفسه الى خصوصيات السياسة الخارجية الروسية وعلاقتها مع دول الشرق الاوسط وشمال أفريقا، والدور الروسي في معالجات الازمات وقضايا المنطقة عامّة والسورية خاصة، مضافا الى الصراع العربي الاسرائيلي وبرنامج ايران النووي.(Аветисян 2015)

 وأخيرا، البراغماتية الروسية وتهيئة الظروف المناسبة لتحقيق الانتعاش الاقتصادي للبلاد فضلا عن الأسباب السالفة التي دفعت الروس للحضور في المنطقة.

وقد رصد الباحث ايوان خودياكف (9) ومن اكثر من زاوية في مقال له تحت عنوان (السياسة الخارجية الروسية المعاصرة في الشرق الأوسط) الاساس الذي تقوم عليه السياسة الخارجية الروسية والقائم على مبدأ مبدأ «البراغماتية والتدخل المحدود» واستغلال الظروف الناشئة في الشرق الأوسط من أجل تحسين الاقتصاد الروسي وتأمين المصالح الوطنية. (Худяков 2013)

 وبشكل عام، الواقعية السياسة الدولية تقوم على الصراع على السلطة، وتكتسب القوة أهمية فائقة في استراتيجات الدول اذ تحت ظل القوة تستقر البلاد ويؤمن البعد الامني فهيا، كذلك القوة وسيلة فاعلة لحماية أو تعزيز مصالح الدولة والحفاظ على تفوقها في الساحة الدولية. ومن هنا ينظر الى الحرب في أدبيات تلك البلدان على أنّها وسيلة للحفاظ على توازن القوى. وفي الواقع فإن القوة تخلق حالة من التوازن بين الدول وتتحد في مقابل ما يهددها، وبعبارة اخرى انها تتوازن في قبال القوى المهددة. وقد اعتمدت الحكومة الروسية إنطلاقا من وجهة النظر هذه، استراتيجية رئيسية تهدف لمحاولة لخلق توازن قوى قبال التهديدات المضادة. وتشمل استراتيجية الأمن الروسية على مجموعة من الابعاد والأهداف المختلفة في المنطقة، منها:

 1- مكافحة الإرهاب، شهدت الساحة السورية ومنذ شهر مارس عام 2011م والى يومنا نزاعات مسلحة، حيث واجه الجيش السوري مجموعة من الميليشيات المسلحة التي تم استيرادها من بلدان مختلفة، و في طليعتها داعش، حيث تمكنت من الهيمنة على مساحات شاسعة من الاراضي السورية والعراقية لتتحول الى واحدة من أكبر الأزمات الدولية. وقد بدأ الجيش الروسي هجومه ضد الارهابيين في سوريا حين لاحت في الأفق علامات الضعف على الجيش السوري وبدأت مؤشرات الخسارة تبين أمام تلك الهجمة الشرسة التي تعرض لها ذلك الجيش وكادت أن تؤدي إلى سقوط حكومة بشار الأسد (بحران سوريه[أزمة سوريا] 2016).

 كما ساهمت عملية إطالة أمد الحرب بمرور الأيام الى التآكل التدريجي لمصادر القوة اللازمة لدعم حكومة الأسد من قبل محور المقاومة. إلا أن التدخل العسكري الروسي غيّر المعادلتين السياسية والعسكرية وعزز جبهة المقاومة الداعمة للحكومة السورية وزاد من قدراتها.

  ويرى الساسة الروس في انتشار الإرهاب وتمدده في المنطقة والدولة القريبة من حدودها الجغرافية خطرا كبيرا على المصالح الحيوية لروسيا وأمنها القومي، وقد اعلنوا رسميا عن تحركهم الجاد في مكافحة الارهاب. بل ترى موسكو أن الجماعات الإرهابية تمثل زعزعة لاستقرار أوروبا وروسيا معا، وان انتصار الروس في الساحة السورية يمكنه أن يخلق مكانة عالية لموسكو في الساحة الدولية.  (Концепция национальной безопасности ... 2009)

 ومما لاريب فيه أن قسما من الارهابيين الذين قدموا الى سوريا ينتمون الى الاتحاد الروسي (الشيشان و...) وآسيا الوسطى والقوقاز، وان عودتهم إلى أراضي روسيا وحلفائها سيخلق مشاكل خطرة ويعرض الامن القومي لتلك البلدان للخطر الامر الذي يرضي الساسة الامريكان قطعا. ومن هنا ارتأت سوريا والكثير من بلدان العالم أن الضرورة تقتضي اعتماد استراتيجة إبادة الارهابيين في ساحة الصراع وهي افضل السبل وأكثرها جدوائية من وجهة النظر الروسية، الا ان الروس اشترطوا أن تكون أي مواجهة مع داعش والارهاب في سوريا رهينة بالتنسيق مع حكومة الرئيس بشار الأسد. ويعود هذه الموقف الروسي الى الايام الاولى التي ابتليت بها الساحة السورية بداء الارهاب حيث صرح الرئيس الروسي فلادمير بوتين رسميا عن دعمه للرئيس السوري قائلا: لا نسمح بتكرر التجربتين المصرية والليبية مرّة أخرى في المنطقة. (Интервью американскому ... 2015)

وقد سعت الحكومة الروسية ومن خلال تواجدها العسكري لحماية الدولة السورية من السقوط بيد الارهابيين من (القاعدة وداعش وجبهة النصرة واحرار الشام وجيش الاسلام و....) لأن ذلك سوف ينعكس سلبا على الأمن القومي للاتحاد الروسي. وقد أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بان روسيا ستواجه جميع الفصائل الارهابية في سوريا ولا يقتصر المواجهة على داعش فقط.(Сергей Лавров: «Обижаться ... 2016)» 

ومما لاشك فيه أن الروس قلقون من تمدد الارهاب الى حدود بلادهم الجنوبية الغربية؛ لان المئات من الارهابيين هم من مواطني دول الاتحاد السوفيتي السابق قد انضموا الى داعش، وأن عودتهم تقلق الساسة الروس وتهدد حدودها الجنوبية الغربية وتشعل النار في ذلك الشريط الحدودي، ومن هنا قرر ساسة الكرملين المواجهة مع الارهاب في ساحة هي بعيدة عن حدودهم الجغرافية لتأمين الأمن القومي لبلادهم. (چهار دليل عمليات ... 2015).

علماٌ أن السياسة الروسية الداعمة للرئيس بشار الاسد أدت الى حدوث تغيير نسبي في النهج الامريكي قبال داعش، واجبرت واشنطن على المواجهة الظاهرية مع داعش؛ لذلك، سعت روسيا اغتنام هذه الفرصة لتوفير الأرضية المشتركة للتعاون بين الجانبين الروسي والامريكي، فقد صرح الرئيس الروسي فلادمير بوتين: بأنّ الرئيس بشار الأسد مستعد لتشكيل حكومة مع المعارضة المعتدلة، ولكن الأولوية الرئيسية الآن هي مكافحة الإرها، ولولا الدعم الروسي للحكومة السورية لكان الوضع في البلاد اليوم أسوأ من ليبيا، وهذا هو السبب الذي جعل موسكو تمد يد العون والدعم للحكومة السورية ومواصلة إرسال المساعدات العسكرية إليها.(Путин заявил о ... 2015)»

إن تمدد الارهاب والتكفير وتهديد الإرهاب وانتشار العدوى إلى الدول المجاورة مع السيل الهائل من المهاجرين المتدفق نحو حدود دول أوروبا، كل ذلك أدى في نهاية المطاف بالدول الغربية كي تحيد عن موقفها تجاه النظام السوري والتراجع عن شرط الاستقالة السريعة للرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة، كشرط في انعقاد المفاوضات بين الحكومة السورية والمعارضة. (اهداف پوتين از ... 2015).

2. التصدي للتمدد التركي، ان الحكومة الروسية قلقة من النشاطات التركية في منطقة القفقاز الجنوبية، فلم تكن العلاقات الروسية التركية على وئام، حيث شهدت العلاقات منذ العهد العثماني في تركيا وحكومة القيصر الروسي توترا في العلاقات بين البلدين، فقد خاضت الامبراطوريتان أكثر من حرب، فيما شهد العلاقات بين الحكومتين الحاليتين حالة من التوتر وان لم تبلغ حدّ نشوب الحرب الساخنة بينهما. وقد أدى دعم أنقرة خلال الحرب الباردة، لحلف شمال الأطلسي ضد "حلف وارشو" إلى توتر العلاقات بين البلدين، ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وجدت انقرة الفرصة سانحة لتحسين العلاقات مع موسكو، إلا أن تمددها في الدول المنفصلة عن الاتحاد ورغبة الجمهوريات المستقلة عن الاتحاد السوفيتي في بلاد القفقاز بتعزيز العلاقة مع أنقرة أقلق الروس واعتبروا ذلك تلك الجهوريات خطا احمر لا يمكن التفاوض عليه، الامر الذي أدّى الى توتر العلاقات بين البلدين مرة أخرى، ولم يتمكنا حتى الساعة من اتخاذ خطوات طبيعية لتحسين العلاقة بينهما. ومع تسنم حزب العدالة والتنمية للحكم في تركيا واعتماد سياسة تصفير المشاكل مع الدول الجارة تحسنت العلاقة وانخفض مؤشر التوتر بين الدولتين بشكل ملحوظ، إلا أن شهر العسل هذا لم يدم كثيرا، حيث توتر العلاقة بين موسكو وانقره مجدداً بعد ما يسمى بالربيع العربي وحركة الجماهير في بعض البلدان العربية وشمال افريقيا من جهة وانتهاج انقرة لسياسة خارجية جديدة قائمة على التدخل وخاصة في الشأن السوري. فقد عمدت الحكومة التركية لإسقاط حكومة دمشق بشتى السبل وفي مقدمتها الحل العسكري خلافا للموقف الروسي التي أعلنت رسميا أنها لن تسمح بتكرار التجرب الليبية في سوريا. (افشار 2015م).

أحدثت السياسة الخارجية الروسية التي اعتمدتها في عام 2015م ظروفا غير متوقعة بالنسبة الى الحكومة التركية أدت الى خلخلت الحسابات التركية وتعطيل أهدافها ومصالحها في المنطقة، بل كان التدخل العسكري الروسي في سوريا تهديدا حقيقيا لكل من العربية السعوية وتركيا، يضاف الى ذلك أن الاتراك شعروا باطباق حلقة الحصار الروسي عليهم من خلال التحرك العسكري الروسي في شبه جزيرة القرم الواقعة في الحدود الجنوبية لتركيا.

وقد أقلق السلطة في أنقرة- التي وقفت داعمة للارهاب- كثيراً اختراق الطائرات الحربية الروسية للمجال الجوي التركي وسقوط حليفها المصري من جهة وثبات الحكومة السورية وعدم تزعزع عرش الرئيس الاسد، بل ازداد مؤشر الدعم له من خلال حصوله على حليف قوي لم يبخل بمدّ كافة أنواع الدعم السياسي والعسكري له، الأمر الذي حدّ من طموحات الأتراك وتطلعاتهم في المنطقة (كرامي  1394 شمسي)

وفي الوقت نفسه أثار قلق الروس التحرك التركي في الساحة القريبة من الحدود الروسية، حيث لم تولِ حكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا في تحركاتها في القضايا الإقليمية وخاصة سوريا أيّ أهميّة للجهات الفاعلة في الساحة بما فيهم اللاعب الروسي. فعلى سبيل المثال كانت تركيا السبّاقة في إرسال وزير خارجيتها الى شبه جزيرة القرم إبان الأزمة التي أعقبت انهيار الحكومة الأوكرانية وسقوط يانوكوفيتش، الأمر الذي مثّل جرس إنذار للحكومة الروسية، ولم ينس الروس وقوف الدول الغربية الى جانب تركيا في حرب القرم التي اندلعت بينهم وبين الاتراك في القرن التاسع عشر وانتهت بهزيمة الجيش الروسي. لم يكن التدخل الروسي في المنطقة لتحصيل موطئ قادم أو إقامة قاعدة لهم في المنطقة او الدفاع عن حليفهم التقليدي بشار الاسد رغم أهمية أن يكون للروس قاعدة في المنطقة، بل يكمن القلق الروسي في حالة التنافس والتضاد بين اللاعبين الاساسيين والمنافس التركي في المنطقة وفي مختلف المجالات ذات الاهمية الاستراتيجية، فكان الموقف الروسي بمثابة التصدي والرد على التحركات التركية في المنطقة.

وقد سعت الحكومة التركية من خلال استهدافها لطائرة السوخوي الروسي لاشعال فتيل الحرب والمواجهة بين الغربيين والروس، كي يقف الناتو بوجه الدب الروسي.(كرمي 2015م).

لقد كشفت الازمة التركية الروسية ان الخاسر الوحيد في تلك الحرب هو الحكومة التركية؛ وذلك لأنّها حشرت نفسها في معركة مع قوة عظمى ودولة فاعلة على الساحة العالمية، ومن جهة أخرى تحظ بما كانت تتوقعه من الدعم الغربي ومن سائر حلفائها في الناتو( الازمة السورية 2016م)

3. تثبيت القواعد العسكرية الروسية في البحر الأبيض المتوسط؛ تعتبر القاعدة العسكرية الروسية في سوريا، واحدة من أقدم وربما القاعدة العسكرية الروسية الوحيدة في أراضي الدول الأخرى التي ما زالت روسيا محتفظة بها.

ومن الأهداف الرئيسية لروسيا التي تتوخاه من وراء اقامة تلك القاعدة الحفاظ على «الموقع الجيوسياسي الروسي «الوحيد في الشرق الأوسط وعلى سواحل البحر الأبيض المتوسط، فضلا عن استخدامها كمنصّة للنفود في معادلات الشرق الأوسط.

وقد تحول ميناء «طرطوس» في الحقبة السوفيتية إلى قاعدة لإرساء السفن الروسية التي تبحر في شواطئ الأبيض المتوسط. وقد استأجرت القوات البحرية الروسية قاعدة بحرية في مدينة طرطوس الواقعة شرق البحر المتوسط لغاية عام 2042م، فاذا ما خسرت وإذا خسرت تلك القاعدة، حينئذ يقع البحر الابيض المتوسط تحت سيطرة حلف الشمال الأطلسي (الناتو) بالكامل. من هنا تكتسب مدينة طرطوس البحرية أهمية ستراتيجة في العلاقات الروسية السورية.

واحدة من الأسباب الرئيسية للقلق الروسي اختلال المعادلات الإقليمية والجيوسياسية في المنطقة، وتزعزع قوتها في البحر الأسود وعدم تمكنها من الوصول الى البحر الأبيض المتوسط؛ ومن هنا تكتسب قاعدة طرطوس العسكرية أهميتها لوقوعها في سواحل البحر الابيض فضلا عن قربها من الحدود التركية التي تمثل تهديداً مستمرا للمصالح الروسية اشتدّت قوته في السنين الاخيرة. (كرمي 2015م)

وقد احتضن ميناء طرطوس ولعقود طويلة الاسطول البحري التابع للجيش الروسي، كما تحتض البلدات المحاذية للميناء الآلاف من مواطني هذا البلد الذين يعيشون على مقربة من موقع الأسطول العسكري الروسي، الأمر الذي يفرض على روسيا الدفاع عنهم وحماية رعاياها والا فستفقد مصداقيتها على الساحة الدولية.

كما ويحظى ميناء طرطوس بأهمية ستراتيجة ورمزية لدى الفصائل الارهابية، فعندما تحركت جبهة النصرة التابعة لمنظمة القاعدة الارهابية من تركيا باتجاه مدينة كسب (التي تقع أقصى الشمال السوري وعلى مشارف محافظة اللاذقية الاستراتيجية) تمكنت في غضون بضعة أيام من الوصول إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، ولكن القوات السورية تمكنت في وقت لاحق من صدهم وإجبارهم على التقهقر باتجاه شرق سوريا.

إن الغالبية العظمى من سكان ميناء طرطوس واللازقية في غرب سوريا من الموالين والمدافعين عن الحكومة السورية المركزية.

تقع محافظة اللاذقية وميناء طرطوس على ساحل شرق المتوسط ويمثلان قطبا زراعيا، وقد لعب مزارعوها دورا كبيرا في دعم الاقتصاد السوري وتغذية السوق السورية بقسم لا يستهان به من احتياجات المواطنين إبان الازمة التي مرت بها الدولة، الأمر الذي يعزز من استراتيجية المنطقة. فضلا عن أن مقاتلي حزبالله اللبناني قاموا وبالتنسيق مع الجيش السوري بتأمين الشريط الحدودي اللبناني المحاذي لجنوب طرطوس لمنع إمكانية التنسيق بين الارهابيين في "طرابلس" و "عكار" اللبنانيين والنفوذ فيهما. فضلا عن الموقف الروسي الداعم للقوات السورية على الحدود الجنوبية لتركيا والذي يهدف الى منع تدفق سيل الارهابيين باتجاه الساحل البحري.

علما أن القاعدة الروسية في طرطوس تمثل المنفذ الوحيد للروس تجاه المياه الدافئة، فلا مجال أمام الروس للتساهل في شأن هذه المنفذ الحيوي والاستراتيجي.

ثم ان تمدد حلف الشمال الاطلسي في شرق أوروبا وبحر البلطيق والبحر الأسود، أدّى عمليا الى هيمنة الامريكان على المنطقة المحاذية للحدود الغربية والجنوب الغربية الروسية، والقيام بمناورات عسكرية وتدريبات نظامية في المنطقة فضلا عن إتخام المنطقة بمختلف الاسلحة الاستراتيجية والخطيرة، الأمر الذي اقلق الروس كثيراً وحذا بهم لخلق حالة من التوازن مع القوة الامريكية نحو طرطوس وبالتالي نحو البحر الابيض المتوسط.

لقد أصبحت منطقة غرب آسيا ملاذا آمنا للإرهاب العالمي؛ الامر الذي فرض على الروس التحرك الجاد للحفاظ على مكانتهم وتعزيز تواجدهم الاستراتيجي في المنقطة التي تمثل ساحة الصراع التقليدي. وفي الوقت الراهن والحساس والذي يحتمل يحتمل أن يتمدد الإرهاب صوب اللاذقية وطرطوس. لذلك تحرك الروس بطريقة غيّرت المعادلة باتجاه تأمين مصالحها وتأمين تواجدها في المنطقة. (ذو الفقاري 2015م)

4. الحفاظ على سيادة الحكومة السورية؛ تحظى سوريا في الوقت الراهن بأهمية كبرى بالنسبة للسياسة الخارجية الروسية في غرب القارة الاسيوية وتلعب دورا محوريا بالنسبة للساسة الروس لكونها آخر حليف استراتيجي للروس في المنطقة. ومن هنا يمكن للمرء أن يخلص إلى أن عدم الاستقرار في سوريا وإسقاط حكومة الأسد يؤديان إلى عواقب سلبية بالنسبة للروس، وذلك لأمور منها:

أولا: إنّ انهيار الحكومة السورية يعني خلق مرحلة جديدة من الحرب الاهلية بين المجاميع المسلحة الامر الذي يزعزع بدوره الأمن في الساحة السورية لفترة لا يعلم مداها.

ثانيا: الاطاحة بالأسد، قد تأتي بحكومة جديدة موالية في سياستها الخارجية لكل من الولايات المتحدة وتركيا وأوروبا والسعودية وقطر. (Худяков 2013)

 ومما لاريب فيه أن المنطق يقتضي بان يدعم قادة الكرملين حليفهم القديم في منطقة تمثل لهم عمقا استراتيجيا في منطقة البحر المتوسط ذات البعد الجيوسياسي؛ ومن هذا المنطلق نزلت موسكو بقوة على الصعيدين السياسي والعسكري ومشاركة اسطولها وقوتها الجوية في الحرب لتقديم الدعم لحليفها وعدم السماح بانهيار حكومته، مستغلة بذلك الثغرات التي حصلت. وعلى هذا الاساس شملت الحملات الروسية كافة الفصائل المعارضة ولم تميز بين فصيل وآخر متواجد في ساحة الصراع السورية.

في ظل الظروف الراهنة يرى الساسة الروس أن أفضل خيار لحماية مصالحهم الجيوسياسية اليوم يتمثل في الحفاظ على الحكومة الموالية لهم، ولذا وجهوا ضرباتهم الجوية لتحقيق هذا الغرض الاستراتيجي.

كما يمكن قراءة التدخل الروسي في سويا من زاوية الاقتدار الروسي، بنحو يفرض علينا القول بان الظروف الراهنة فرضت على الحكومة الروسية التحرك في محيط معقد وعلاقات دولية معقدة حذت بالروس الايمان باستراتيجية مفادها أن الاساس في العلاقات الدولية يتمحور في تأمين المصالح الوطنية، ومن هنا نرى استراتيجية فلادمير بوتين الواقعية قائمة من حيث المبدأ على هذه المسألة المتمثلة بان العلاقات في النظام الدولي يجب ان تتحرك وفقا لهذا الأساس، ولاريب أن سيناريو القضية السورية لا يخرج عن هذا الاطار.

5. استعراض القوة العسكرية الروسية؛ من الاهداف التي يتوخاها القادة الروس من وراء تواجدهم العسكري في سوريا يكمن في: استعراض قوتهم العسكرية وخاصة الاستراتيجية منها كالصواريخ والطائرات المتطورة جداً والحاملات العملاقة، وان استخدام تلك الأسلحة المتطورة في مكافحة الإرهابيين التكفيرية يوفر- فضلا عن فرصة اختبار تلك الاسلحة- فرصة العثور على أسواق جديدة لبيعها بما يدر على الخزانة الروسية أموالاً طائلة.

فقد تمكن الروس من استهواء الكثير من الدول للترسانة الروسية من خلال استخدامهم لـ قاذفات صواريخ بيرش، وصورايخ كاليبر، ودبابات تي 90 وقاذفات اسمرج، ومقاتلات سوخوي 34 وقنابل ارتجاجية 500 الى 1500، وصورايخ فراك، وحاملات الطائرات وصور اريخ اس 300 و400 و... وأخيرا استخدام طائراتهم الاستراتيجية التي تحلق لمسافات طويلة وارتفاع عال جدا.

6. الرد غير المتكافئ للتهديدات؛ شهدت الساحة الدولية على مدى العامين الماضيين، ارتفاع حدة التوترات وبصورة عملية ومعلنة بين القوى الغربية وروسيا، برّزت أهمية الحرب بالوكالة وبطرق شتى أدّت الى: فرض العقوبات الاقتصادية وتجميد الاحتياطيات المالية وحجب الأصول والحسابات المصرفية وفرض الحظر على سفر المسؤولين ومنع تصدير الطاقة و....

وهناك الكثير من المؤشرات التي تدل على وجود مؤشرات لصالح الوضع الطبيعي في المنطقة من وجهة نظر الباحثين الاستراتيجيين، منها: الازمة الاوكرانية، انفصال شبه جزيرة القرم، تغيير معادلة الحرب في شرق أوكرانيا لصالح روسيا، الزيارة الاستفزازية التي قام بها أوباما للجمهوريات الثلاثة في البلطيق (لاتفيا، ليتوانيا واستونيا) في ذروة الأزمة الأوكرانية، مشروع إنشاء قوة للرد السريع تابعة لحلف شمال الأطلسي في أوروبا الشرقية ضد المصالح الروسية، مشروع انضمام أوكرانيا لحلف الناتو، فضلا عن التحولات في استراتيجية السياسة العسكرية الروسية.وكذا إبعاد روسيا من مجموعة G8 سابقا مؤشر لبداية فصل جديد من التوتر، بل كان البداية الرسمية لنشوب حرب باردة بين روسيا والغرب.

إن معادلة المواجهة بين الناتو وروسيا هي تماما معادلة ذات وجهين وثنائية الاتجاه. فقد كان لتمدد الناتو صوب الجمهوريات الصغيرة التابعة للاتحاد السوفيتي سابقا، أثارت ردة فعل الرئيس "فلادمير بوتين" الذي يسعى لإعادة الهيبة الروسية والعودة إلى تحكيم نفوذ الروس في الأراضي التي انفصلت عن سيطرة الاتحاد السوفيتي السابق وإعادتها الى مكانتها السابقة. في المقابل سعى الغرب لايصاد الطريق امام عودة موسكو والتحرك العسكري الروسي الى المنطقة من خلال نشر منظومة الصواريخ المتطورة في بعض جمهوريات أوربا الشرقية. وقد أدت المغامرات والتحركات العالية الطموح والاستفزازية من قبل الناتو والغرب الى ردة فعل روسية تمثلت بتغيير استراتيجيتها العسكرية. ومن جهة أخرى اكتشف الساسة والعسكريون الغربيون أن بوتين قد بدأ جهودا مكثفة لإحياء الاتحاد السوفيتي، فقاموا بتفعيل دور قوات الناتو لمنع نجاح خطط بوتين الاستراتيجية.

لقد أدخلت الازمة الاوكرانية طرفي الصراع في حالة من المواجهة بحيث لا يتردد أي منهما من توجبه فوهات قواته الخاصة صوب حدود الطرف الآخر، وإن كانت هذه التوترات هي بالفعل في مرحلة العقوبات الاقتصادية والتحذيرات السياسية، الا أن طبيعة الاحداث تسير بنحو من الصعب التكهن به والسيطرة عليها.

لقد كشف استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم وتدخل العسكري المباشر في سوريا، عن عزمها على استعادة مكانتها كلاعب كبير في الساحة الدولية. لم تنسجم روسيا تماما مع النظام الليبرالي ولم تضع بديلا صالحا حتى اللحظة، من هنا اعتمد الكرملين- الى حد ما- النموذج السوفياتي ناقص الإيديولوجية الشيوعية، والترحيب بالتحدي المباشر مع الغرب، حتى في المناطق النائية. ومن الملاحظ أن الكرملين تجاوز منافسيه الغربيين في الازمتين الاوكرانية والسورية. ورغم التحديات الكبيرة التي واجهته في إعادة مكانته في عالم متعدد الاقطاب الا انه أبدي في السنين الاخيرة قدرا كبيرا من المهارة في استغلال اخطاء الغرب (لوكيانوف 2016م).

فقد تمكن الروس من خلال دعهم لحكومة السيد بشار الاسد فضلا عن تفعيل دورهم في الصراعات الدولية والاقليمية في غرب آسيا، سعوا لتعزيز مكانة المفاوض الروسي في المحادثات الخاصة باوربا الشرقية عامة والازمة الاوكرانية خاصة.

لقد منح الروس الأولوية في علاقاتهم الدولية لمنطق القوة ومكانتهم في الساحة الدولية، وهذا بالطبع ينطلق من من فكرة "القوة العظمى" التي بقيت تعيش في ذهنية المنظر الروسي والسياسة الخارجية منذ الامبراطورية القيصرية والاتحاد السوفياتي السابقين. بل بقيت هذه الفكرة (روسيا العظمى) تداعب ذهن الروس حتى إبّان العزلة والانزواء التي فرضها عليها الغرب والضعف الذي عاشته موسكو.

ومن الاولويات الرئيسية للسياسة الخارجية الروسية السعى للخروج من العزلة التي فرضتها عليها أزمة جزيرة القرم، الأمر الذي فرض عليها اعتماد سياسة خارجية خاصة. وقد أدّت الازمة بين الامريكان والروس حول القضية الاوكرانية وضمّ شبه جزيرة القرم إلى روسيا لى فرض عقوبات أقتصادية شديدة ضد روسيا، الا ان تلك الإجراءات لم تجبر الرئيس بوتين على التراجع عن سياسته التي اعتمدها، بل جعلت الكرملين يظهر سياسة هجومية من خلال تبني ردود فعل مختلفة في أجزاء مختلفة من العالم بما في ذلك غرب آسيا.

7. البعد الاقتصادي ومحورية الطاقة في غرب آسيا؛ يستند مبدأ السياسة الخارجية الروسي الجديد على مبدأ البراغماتية والتدخل المحدود، فقد اشار فلا ديمير بوتين في المرسوم الرئاسي الذي اصدره في مايو 2012م في خصوص التدابير تنفيذ السياسة الخارجية، الى ضرورة العمل الجاد لخلق ظروف خارجية مواتية للتنمية الروسية على المدى الطويل، وتعزيز الدور الريادي لروسيا في الأسواق العالمية؛ ولذلك تكمن المهمة الاساسية الملقاة على كاهل مؤسسات السياسة الخارجية الروسية بتهيئة الظروف المناسبة لتحقيق التنمية الاقتصادية الآمنة والمستمرة في روسيا. وتشير الاحصائيات المعتبرة الى ان منطقة غرب آسيا تتوفر على خزين احتياطي نفطي بنسبة 62% من احتياطي النفط و 40% من احتياطي الغاز العالمي، ونتيجة لذلك، فأي تزعزع للاستقرار السياسي في المنطقة يؤدي تلقائيا إلى زيادة أسعار موارد النفط والغاز مما ينعكس إيجابا على عجلة الاقتصاد الروسي؛ لاتكاء الاقتصاد الروسي على صادرات النفط والغاز. وبسبب العسكرة الروسية المفرطة في المنطقة والأزمات المتلاحقة في المنطقة والتي تأثرت بالربيع العربي، اضطرت الدول المتطورة الأوروبية والآسيوية لتامين ما تحتاج اليه من طاقة من خلال استيراد النفط والغاز الروسيين.(Худяков 2013)

أما العالم العربي الذي يبلغ عدد سكانه أكثر من 300 مليون نسمة، ويبلغ إجمالي مساحته حوالي 13 مليون كيلومتر مربع فهو الاخر يحظى باهمية كبرى، وقد أدّت أحداث الصحوة الإسلامية في ديسمبر 2010م الى تغييرات أساسية في المنقطة لا على مستوى تغيير الأنظمة في هذه المناطق فقط، بل ساعدت على إحداث تحولات في اصلاح النهج السياسي على المستويين الاقليمي والعالمي. وقد حظي الشرق الاوسط دائما باهتمام خاص من قبل الساسة الروس لتامين الجانب الاقتصادي وتعزيز المصالح الروسية. ثم ان الخلافات بين الدول العربية والصراع الكبير في المنطقة أجبر الروس على تغيير سلوكهم السياسي في المنطقة، عماده إيجاد التفاعل بين الحكومات المختلفة، فضلا عن تعزيز مكانتهم التعاملات التجارية والاقتصادية، ورسم خارطة لمستقبل أفضل. ومن هنا حاول الروس تحسين الاستقرار السياسي من خلال استغلال فرصة العمل المشترك في إطار مجلس الأمن الدولي، ومنظمة العالم الاسلامي والأعضاء المراقبين، وهذا ما أكد عليه الرئيس فلادمير بوتين في فبراير سنة 2013م، مؤكدا على الدور الكبير الذي تلعبه روسيا في تعزيز الاستقرار في منطقة الشرق الاوسط. ومما لاريب ان لروسيا مصالح تقليدية في المنطقة.(Аветисян 2015)

8. لعب دور القوة صانعة القرار؛ تعتمد موسكو استراتيجية متعددة الأوجه في التطورات الحاصلة في الساحة وتدخلها المباشر في القضية السورية، انطلاقا من مكانتها العظمى والسياسات الكبرى في التي تعتمدها إقليميا ودوليا ومحاولتها لعب إن لم يكن الافضل فهو مساوٍ لما يلعبه الآخرون.

ومن جهة أخرى عمدت روسيا الى التركيز على الحل السياسي لحل النزاع في الازمة السورية جنبا الى جنب التقدم الذي تحرزه القوة الجوية الروسية. فاذا ما نجح الروس في المسارين العسكري والسياسي فلاريب أن مكانتهم الجيوسياسية سوف تتعزز ويزداد دورهم بشكل ملحوظ في الساحة الدولية، وان الكثير من دول الشرق الاوسط التي كانت تنظر الى روسيا كدولة منهارة سوف تعيد النظر في حسابتها والنظر اليها كلاعب اساسي ومؤثر، وحينها سوف تؤمن موسكو مجموعة من الاهداف في آن واحد.

9. تحقيق الاستقرار في موازين القوى والتركيز على فكرة وجود نظام متعدد الأقطاب في المعادلات الدولية؛ يسعى الروس في عهد الرئيس فلادمير بوتين وخاصة في السنوات الاخيرة الى الحصول على مكانة رفيعة في الساحة الدولية، وقد سعى المفكرون الروس لترجمة ذلك الهدف على ارض الواقع رافعين شعار روسيا العظمى وذلك من خلال رسم خطة تعيد لروسيا مكانتها بعد الحرب الباردة. فقد رفض الروس منذ تسعينيات القرن المنصرم وفي عهد الرئيس بوتين فكرة تنظيم العالم وفقا لمقولة القطب الواحد كحل لمشاكل العالم، ورأوا فيها تهديدا للمصالح الروسية. لقد أعرب عهد الرئيس بوتين عن التزامه بمبادئ البراغماتية في السياسة الخارجية لروسيا. ولقد أدرك الروس في عهد بوتين ان الشركاء الرئيسيين لا ينحصرون في الشركاء الغربيين فقط، بل هناك دولة كبرى أخرى يمكن التعامل معها في الجنوب والشرق، ومن هنا غيروا بوصلتهم باتجاه تلك البلدان، مع التركيز على أن تطوير العلاقة مع كل من الصين والهند وسائر دول الشرق الاوسط وجنوب شرق آسيا لا ينغي ان تفسر بان موسكو بصدد تشكيل تحالفات ضد العالم الغربي. (كولايي و نوري 1389: 229).

وقد أكد الباحث الروسي يفغيني بريماكوف (10)، بعد التركيز على فكرة وجود نظام متعدد الأقطاب بان موسكو تعتقد أن على موسكو التحرك لتعزيزمكانتها كاحد الاقطاب الرئيسة في النظام الدولي لتتمكن من إحياء مكانتها في الساحة الدولية. ويرى الكاتب ان روسيا بامكانها ان تلعب دورا كبيرا في النظام متعدد الاقطاب يتكافأ مع الدور الذي تلعبه أمريكا، والاتحاد الاوربي، والصين واليابان، وعلى الرغم من الضعف الاقتصادي، الا أنّ عضويتها الدائمة في مجلس الأمن وترسانتها النووية الكبيرة يؤهلانها لتسنّم مكانة رفيعة في النظام العالمي.

وقد حاولنا في هذه الدراسة رصد وتقييم الأهداف الاستراتيجية الروسية في منطقة غرب آسيا ضمن تسع فقرات، وتحليل السياسات والسلوك الروسي استنادا لمبدأ الواقعية والبراغماتية الروسية. إن السلوك الروسي الجديد في سوريا والاستمرار في دعم حكومة الاسد، بل زيادة الدعم والإعلان الرسمي لدعمها يمثل الاستراتيجية الروسية قبال التحرك الغربي في الازمة السورية، وهذه الخطوة أدّت الى اعتراف المعسكر الغربي بالدور الروسي في الساحة الدولية قبال الدور الغربي. وفي الواقع، إن حركة الكرملين (إرسال قوات الى سوريا) كشفت عن عزم القيادة الروسية القيام بدور نشط في المعادلات الاقليمية ومنطقة غرب آسيا، ولم تتخذ موقف المنتظر لما تؤول اليه الأمور على يد اللاعب الامريكي والرضا بما يرسمونه له، بل اعتمد بوتين أسلوبا يضطر معه البيت الأبيض للتفاوض مع روسيا لحلّ الأزمة في سوريا.

إن السلوك الروسي في روسيا يحمل استراتيجية متعدد الاوجه تقوم على أصل مبدأ توازن القوى ضد منطق الهيمنة والتهديد.

المتحصل: إن الشاخص الأبرز لنظرية الامن القومي الروسي (2016م) تتمثل ولاول مرة منذ انحلال الاتحاد السوفيتي وحتى الساعة، بان الساسة الروسي بدأوا ينظرون الى الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي يثملان تهديدا وتحديا للأمن الروسي، في تحليل علمي دقيق وجد الروس أنّ ظهور الجماعات الإرهابية المتطرفة كداعش، هو نتيجة لتطبيق المعايير المزدوجة للغرب في الحرب ضد الإرهاب.

وقد سعى الروس لتعزيز مكانة دولتهم (كقوة عظمى الأوراسية)، تنتهج منهجا خاصا بها يجمع بين الحفاظ على العلاقات الدولية مع المعسكر الغربي وفي الوقت نفسه ترسم لنفسها اهدافا سياسية خاصة. وقد تجلى اختلال التوازن في الساحة الدولية واضحا بدأ من الساحة الليبية ومازال مستمرا حتى الساعة، الامر الذي اوصل الروس الى نتيجة ضرورية مفادها أنّ التصدي للتمدد الغربي وسياسة الإقصاء يكمن في التعامل الروسي مع الدول المناهضة لسياسة المعسكر الغربي، ومن خلا تعزيز المنظومة الدفاعية الروسية.

إن دخول الروس المباشر في الازمة السورية يمثل استراتيجية الارتقاء بالمكانة الروسية في الساحة الدولية، وأنّ النجاح الاستراتيجي الروسي في سوريا يهدف الى تحقيق هدفين أساسيين: الأول: إنّ روسيا تمكنت من تجاوز حالة العزلة التي أوجدتها الأزمة الاوكرانية؛ والثاني أثبت الروس بأنّهم لاعب ذكي ومهم في المعادلات الدولية.

لقد اختار الروس الزمان المناسب جدا لتدخلهم المباشر في منطقة الشرق الاوسط مستفيدين من الجرائم البشعة التي ارتكبها الأرهابيون والتي وفرت غطاء شعبيا وجماهيريا في شتى بلدان الشرق الاوسط وغرب آسيا وخلق رأي عام شعبي داعم للتدخل الروسي، مضافا الى العزم الروسي الجاد في محاربة الارهاب والدعم غير المتناهي للرئيس بوتين للضربات الروسية. في المقابل نجد الحكومات الراعية للارهاب تسعى هي الاخرى لإيجاد طرق غير مباشرة للانتصار.

مواصلة روسيا لنهجها العسكري المستمر في سوريا قد تجبر الطرف الآخر للميل نحو التسوية السياسية للأزمة يشمل جميع المجموعات السورية، بما في ذلك شخص الرئيس بشار الأسد.

وبعد مرور خمس سنين على نشوب الازمة السورية تغيرت الحالة وتخلخت المعادلات حتى أصبحت الحكومة التركية أول الخاسرين في هذا المطاف، حيث أصبحت تواجه حالة من انعدام الامن في الداخل ووجود قوة عظمى على مقربة من حدودها الجنوبية.

ثم ان النجاح النسبي للروس وحلفائهم في سوريا رجّح كفة اللغة الدبلوماسية والحوار. فقد يستغل الروس فرصة المفاوضات مع الجانب الغربي لطرح قضية الازمة الاوكرانية والحظر الاقتصادي المفروض من قبل الغرب على الروس، وعليه يمكن للسياسة الروسية الواقعية في خصوص الأزمة السورية يمكن أن يكون عاملا مهما لتسوية القضايا الروسية مع المعسكر الدولي.

كذلك يمكن للروس الحفاظ على قواعدهم العسكرية في كل من طرطوس واللاذقية وحميم، وتعزيز مكانتهم العسكرية في المنطقة قبال اللاعبين الدوليين.

تهدف السياسات العظمى للروس ومن خلال لعب دور مساو إن لم يكن متقدم في السياسة الخارجية الى تحقيق مجموعة من الاهداف ذات وجوه، يقع إعادة المكانة الروسية في الساحة الدولية الى الواجهة في مقدمة تلك الأهداف. فاذا ما تمكّنت موسكو من تحقيق أهدافها السياسية والعسكرية في الازمة السورية فإنّها مما لاريب سوف تستعيد مكانتها ووزنها الجيوسياسي بصورة ملحوظة، وان الكثير من دول الشرق الاوسط التي كانت للامس القريب تنظر الى روسيا كدولة متفكّكة ستراجع حساباتها وتغير نظرتها الى الدب الروسي الناهض، وستنظر اليه كلاعب فاعل في الساحة الدولية، وستحقق موسكو استراتيجيتها الأمنية المتعددة الأوجه.

نكرر القول بان المشاركة العسكرية الروسية في سورية تنطوي على مجموعة من الاهداف الاستراتيجية ذات الابعاد المختلفة والقائمة على مبدأ توازن القوى، وان الروس يواصلون هذا النهج ولم يحيدوا عنه.

 

* نماذج من الإنجازات العسكرية الروسية في سوريا خلال العام الماضي:

- القضاء على أخطر الإرهابيين من المواطنين الروس وتعزيز الأمن الداخلي والإقليمي.

- تعزيز ثقة الجمهور الروسي.

- الحفاظ على شرعية وشعبية الرئيس فلاديمير بوتين كمعطى داخلي.

- ارتقاء السمعة الدولية وتحسين مصداقية روسيا في التعامل مع ظاهرة التطرّف.

- لعب دور صانع القرار في المنطقة المتأزمة لغرب آسيا.

- ابتزاز القوى العظمى واللاعبين الدوليين وفرض شروطها عليها.

- اختبار اسلحتها الاستراتيجية.

- اذعان الناتو والمعسكر الغربي بالدور العسكري الروسي.

- تعزيز مكانة الروس امام الرأي الشعبي العام لدول المنطقة.

- اذعان الدول الغربية بالقوة الروسية في المنطقة والسعي للتعاون معها.

- انشاء توازنات قبال التحولات الاوكرانية وتحذير الغرب في طريقته لادارة الازمة.

- توجيه الرأي العام من شبه جزيرة القرم نحو القضية السورية.

- اظهار القدرة الروسية امام دول شرق اوربا المنفصلة عن روسيا.

- اثبات إمكانية لعب أكثر من دور فاعل ومتعدد الأبعاد في آن واحد في الازمات المثارة.

- إثبات استحالة فرض العزلة الإقليمية والدولية على روسيا من قبل الغرب وأمريكا.

- استعراض القدرة الصاروخية الاستراتيجية للروس.

- استغلال فرصة اختبار أسلحة جديدة في المنطقة، والحصول على أسواق جديدة لتسويق الأسلحة الجديدة.

 

المصادر الفارسية

1- افشار، أسدالله ([شهر] آذر 25، 1394) «واكاوي تنش بين تركيه و روسيه [تحليل حالة التوتر بين تركيا وروسيا]». روزنامه [صحيفة] سياست روز.

www.siasatrooz.ir/vdcbssb9.rhba9piuur.html

2- «اهداف پوتين از مداخله نظامي در سوريه چيست [ماهو هدف بوتين من التدخل العسكري في سوريا]؟» ([شهر] شهريور 24، 1394[2015م]). فرهنگ نيوز.

www.farhangnews.ir/content/143724/%2024/6/1394

3- «بحران سوريه [الأزمة السورية]» (2016). اسپوتنيك فارسي.

ir.sputniknews.com/trend/news_syria_crisis/#ixzz3yHQ6dQ50

4- «چهار دليل «عمليات نظامي مسكو» در سوريه [أربعة أسباب لـ«عملية موسكو العسكرية» في سوريا» [شهر] دي 29، 1394[2016]). سايت [موقع] باشگاه خبرنگاران جوان.

www.yjc.ir/fa/news/5443146/4-

5- ذوالفقاري، مهدي (آذر 25، 1394[2015]) «راهبردهاي روسيه در سوريه چيست؟/ طرطوس و لاذقيه دو نقطه حياتي [ماهي استراتيجيات روسيا في سوريا؟/ طرطوس واللاذقية، نقطتان حيويتان]». خبرگزاري [وكالة] مهر.  

www.mehrnews.com/news/2939015

6- عبداله خاني، علي (1389[2010]) نظريههاي امنيت [نظريات الأمن]. انتشارات [إصدار] ابرار معاصر طهران

7- كرمي، جهانگير (مهر 22، 1394[2015]) «جنگ روسيه در خاورميانه: رويارويي با ناتو يا تحميل ميز مذاكره [«حرب روسيا في الشرق الأوسط: المواجهة مع الناتو أو  فرض طاولة الحوار]؟». سايت [موقع] تابناك. 

www.tabnak.ir/fa/news/539363

8- كولايي، الهه و نوري، علي رضا (تابستان [صيف]  1389 [2010]) «عملگرايي پوتين؛ تحول رويكردي در سياست خارجي روسيه [«راغماتية بوتين، والتحول المنهجي من السياسة الخارجية الروسية»]». فصلنامه سياست دانشكده حقوق و علوم سياسي دانشگاه تهران، شماره 40(2)

9- ميرحسيني، سيد محسن (1392[2013]) «نظام امنيت بينالمللي و منطقهاي [«نظام الأمن الإقليمي والدولي]». 

siyasatmadar.persianblog.ir/page/4/

10- نوري، علي رضا (شهريور 2، 1395[2016]) «ابعاد و اهداف حضور نظامي روسيه در ايران [مدى وأهداف التواجد العسكري الروسي في إيران]». سايت مؤسسه مطالعات ابرار معاصر تهران. 

www.tisri.org/default-2178.aspx

 

المصادر الانجليزية والروسية

1- Labs, Eric J. (Summer 1997) “Beyond Victory OffensiveRealmism and Expansion of War Aims”. Security Studies. 6(4):1 – 49.

2- Lukyanov, Fyodor (May/June 2016) “Putin’s Foreign Policy: The Quest to Restore Russia’s Rightful Place”. Foreign Affairs.  HTML:  https://www.foreignaffairs.com/articles/russia-fsu/2016-04-18/putins-foreign-policy

3- Mearshiemer, John (2001) The Tragedy of Great Power Politics. New York. Norton Company.

4- Pillar, Paul R. (August 17, 2016) “Russian Realism in the Middle East”. The National Interest. HTML: http://nationalinterest.org/blog/paul-pillar/russian-realism-the-middle-east-17385

5- Schweller, Randall L. (Spring 1996) “Neorealism,s Status Quo Bais: What Security Dilemma”. Security Studies. 5(3): 90 – 121.

6- Аветисян, Ж. Г. (2015) “Основные направления российской внешней политики на Ближнем Востоке и в Северной Африке в 2010-2014 гг.”. Теория и практика общественного развития. No. 17: 114-117.

7- «Интервью американскому журналисту Чарли Роузу для телеканалов CBS и PBS» (Cентября 29, 2015). kremlin.ru.   HTML:   http://kremlin.ru/events/president/news/50380

8- «Интервью Секретаря Совета Безопасности Российской Федерации Н.П.Патрушева журналистам информационного агентства «Ассошиэйтед Пресс» « (февраля 1, 2016). Официальный сайт Совета Безопасности Российской Федерации. HTML: http://www.scrf.gov.ru/news/1018.html

9- «Концепция национальной безопасности российской федерации» (Мая 12, 2009). Официальный сайт Совета Безопасности Российской Федерации.   HTML: http://www.scrf.gov.ru/documents/1.html

10- «Путин заявил о готовности Асада привлечь оппозицию к власти в Сирии» (Сентбря 15, 2015). rbc.ru. HTML: http://www.rbc.ru/politics/09/09/2016/57d11f679a79475d9dea03e9

11- «Сергей Лавров: «Обижаться мы не умеем»» (Февраля 29, 2016). Московский Комсомолец. HTML: http:// www.mk. ru/ politics/2016/02/09/sergey-lavrov-obizhatsya-my-ne-umeem.html

12- «Указ Президента Российской Федерации от 31 декабря 2015 года N 683 «О Стратегии национальной безопасности Российской Федерации» (Декабря 31, 2015). Российская газета. HTML: https://rg.ru/2015/12/31/nac-bezopasnost-site-dok.html

13- Худяков, И.Ф. (Июля 3, 2013) "Современная внешняя политика России на Ближнем Востоке. (в контексте сирийского конфликта)". HTML: https://www.pglu.ru/upload/iblock/23a/p140016.pdf

 

 

غرب‌‌‌آسیاالروسيةالسورية


قراءة: 1201