فصلنامه مطالعات سیاست خارجی تهران
 

کلمة رئیس التحریر

حسین صفدری

 

ترامب زعیم غیر محنّک و مهزوم
1-وباء کورونا کان بمثابة محک اختبار للدول و القوى العالمیة لاکتشاف مدى جهوزیتها فی مواجهة الأزمات. أن تواجه الدول الفقیرة و النامیة و تلک التی تعانی ضغوط الحصار مشاکل و قیوداً فی إدارة الأوضاع الصحیة و الطبیة و المعاشیة لشعوبها فهذا أمر مفهوم و لیس بمستبعد.  فهواجس الناس فی الحصول على المستلزمات الصحیة و الأقنعة أو مواد التنظیف والتطهیر فی الأیام الأولى لانتشار وباء الکورونا کانت عبارة عن ظاهرة عالمیة شملت جمیع الدول٬ بید أنّ الخشیة من وقوع أزمة غذائیة و ما رافقها من تهافت شعبی واسع فی الولایات المتحدة على مراکز البیع و نهب البضائع و المواد الغذائیة فی مختلف الولایات فهذا یشیر إلى أنّ أزمة کورونا قد باغتت الساسة فی هذا البلد٬ أعنی البلد الذی یزعم قیادة العالم. فالرئیس ترامب و قبل وصوله إلى البیت الأبیض کان یرفع شعارات اقتصادیة مبشّراً بحلول للمشاکل المعاشیة التی یعانی منها الشعب٬ و الیوم نجد أنّ فشله فی إدارة الأزمة قد ظهر للعلن و تبیّن للجمیع عجزه. فأسباب فوزه فی انتخابات 2016 م تعود إلى ترکیزه على حلّ المشاکل الاقتصادیة و إعادة بناء البنى التحتیة و توفیر الأمن. لقد استطاع أن یوظّف العدید من المشاکل الاقتصادیة على نحوٍ أمثل٬ و بذلک ضمن تأیید الرأی العام له و حصل على الأصوات اللازمة للفوز فی الانتخابات. و لکن أول قرار اتّخذه بعد وصوله إلى البیت الأبیض لم‌یکن من ضمن الشعارات التی رفعها فی حملته الانتخابیة٬ بل کان البیان الأول الذی صدر عن المسؤولین فی حملته الانتخابیة یتعلّق بمسألة إخراج المسلمین من الولایات المتحدة. لقد حاول أن یثیر حملة من «الإسلاموفوبیا» لإخافة الشعوب من الإسلام و تصویره على أنّه یشکّل تهدیداً لبلدان العالم. لقد عمل المسؤولون الأمریکان فی عهد ترامب على فرض أجواء أمنیة فی البلاد٬ و الحدیث عن الإسلام و المسلمین [لا سیّما الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة] بوصفهم التهدید رقم واحد فی العالم٬ فانطلقت الدعایة العالمیة و تمّ توزیع المناصب فی البیت الأبیض على أکثر الرموز تطرّفاً ضدّ الإسلام و إیران. و لم‌یألوا هؤلاء أیّ جهد فی محاربة الإسلام و إیران٬ و بدأوا دون مواربة حملتهم الدعائیة المعادیة للإسلام و الجمهوریة الإسلامیة. و فی هذا الإطار کانوا بحاجة إلى خلق عدوّ وهمی لکی یضمنوا وقوف الشعوب و الرأی العام إلى جانبهم فی مساعیهم تلک. و لذا٬ فقد صوّروا الإسلام و المسلمین کتهدید استراتیجی و عالمی. الیوم٬ و نحن فی السنة الأخیرة من ولایة ترامب ضیف البیت الأبیض٬ فإنّنا نجد الإسلام المحمدی الأصیل أقوى من أیّ وقت مضى حیث القلوب الوالهة تهوی إلیه٬ و الجمهوریة الإسلامیة أکثر اقتداراً و منعة أمام أطماع البیت الأبیض على الرغم من الخطوات العدائیة المتواصلة للإدارة الأمریکیة٬ حیث خرجت الجمهوریة الإسلامیة منتصرة و مرفوعة الرأس من قضایا سوریة و العراق و لبنان و الیمن٬ و تواصل ممارسة دورها بکل شجاعة و جرأة٬ و فی نفس الوقت تمضی بثبات و بالاتکاء على قدراتها الذاتیة فی أزمة کورونا العالمیة٬ و لم تشهد أیّ مظاهر سلبیة من قبیل الهجوم على المحال التجاریة و لم تتعرّض لأیّ أزمة اجتماعیة أو مشاکل صحیة. هذا هو البعد الأهم فی سلسلة إخفاقات ترامب خلال إقامته الحالمة فی البیت الأبیض و هو أن یرى أزمة کورونا و الحوادث التی أعقبتها تهزّ اللحمة الاجتماعیة فی المجتمع الأمریکی٬ بینما یرى فی المقابل عدوّه اللدود إیران الذی یعانی من العقوبات الأمریکیة القاسیة واثقاً و مطمئناً و أکثر تصمیماً و هو یمضی فی طریق التقدّم و الرقی. 

2-الهزیمة الثانیة لترامب کانت فی تبلور اتجاه عام فی الولایات المتحدة ینحو صوب التوازن و الاعتدال فی التعاطی مع الحوادث و التحولات العالمیة. ففی الاتزان و الابتعاد عن المقاربات الانفعالیة تقلیل من فرص بقاء ترامب فی البیت الأبیض. إنّ المجتمع الأمریکی الیوم ناقم على السلوک غیر المألوف لرئیسه الذی یزخر ملفه بدعم الإرهاب و حماته و یرى أنّ دعم دولة مثل العربیة السعودیة التی تقدّم الحریة و حقوق الإنسان للعالم فی صورة خاشقجی لا ینسجم و معاییر الدیمقراطیة. فنظرات الشعب الأمریکی موشحة بالعار و الخجل من الدعم التسلیحی الأمریکی السخی الذی یستخدم لقمع الشعب الیمنی الصامد و الباسل. و یجد الساسة الأمریکان أنّ اسم ترامب و وجوده على رأس السلطة فی البیت الأبیض صار یشکّل وصمة تلطخ اعتبارهم العام. طبعاً کان لمواقف ترامب و سیاساته الداخلیة أثر لیس بالقلیل فی تراجع موقعه٬ و لا ننسى کذلک سیاساته إزاء المسلمین و السود التی ساهمت فی انخفاض حظوظه. ذلک أنّ المهاجرین الملونین صاروا یشکّلون کتلة سکانیة متنامیة فی الولایات المتحدة. ففی عام 1945 م کانوا یشکّلون حوالی 12 فی المئة من المجتمع الأمریکی٬ أمّا الیوم و بعد مرور 75 عاماً وصلت نسبتهم إلى 37 فی المئة من السکان فی الولایات المتحدة. و إذا استمرّت هذه الوتیرة فإنّه یُتوقّع أن یشکّلوا أغلبیة حتى عام 2050م. فی عام 1950 م کان البیض یشکّلون 90 فی المئة من الشعب الأمریکی٬ فی حین أصبحت نسبتهم الیوم 77 فی المئة مع احتساب ذوی الأصول اللاتینیة (الهیسبانو)٬ و 60 فی المئة من مجموع السکان کحدّ أقصى من دون المکون اللاتینی. إذن٬ فی ضوء هذا التراکم السکانی٬ فإنّ الأمن الاجتماعی و مسار السلطة السیاسیة فی هذا البلد سیواجه مستقبلاً غامضاً بسبب السیاسات العنصریة لترامب بما یعرض لوحة پانورامیة لهزائم سیاساته [على الصعیدین الداخلی و الخارجی].

3-موضوع آخر لا یستطیع ترامب أن یخفی فشله وراءه هو تراجع الإمکانات الاقتصادیة و القوة الاقتصادیة لبلاده على صعید العالم. لفترة طویلة و حتى عام 1980 م کانت القوة الاقتصادیة للولایات المتحدة فی حالة نمو و تعاظم٬ حتى أنّ هذا النمو کان یعادل النمو فی الشرق. أمّا الیوم٬ فقد أصبحت سرعة النمو للقوى الاقتصادیة فی الشرق تعادل ضعفی سرعته فی الغرب. و من هنا أصبحت العولمة تقترن شیئاً فشیئاً بهواجس و تحدیات بالنسبة للولایات المتحدة٬ و کانت هذه الهواجس قائمة فی عهد الرئیس السابق أوباما أیضاً فقد صرّح فی آخر لقاء قمة له مع زعماء مجموعة العشرین بأنّنا کنّا مع العولمة و لم نکن نعلم بأنّ معدّل نموّه بهذه السرعة. فی ظلّ هذه الأوضاع٬ و عندما یکون متوسط الدخل السنوی فی الولایات المتحدة 46 ألف دولار و فی آسیا حوالی 6 آلاف دولار٬ فمن الطبیعی أن تتجه المشاغل إلى خارج البلاد و یزداد مستوى البطالة فیها. تشیر الأرقام الصادرة عن البنک العالمی إلى أنّ الحوافز الاقتصادیة فی الولایات المتحدة تشهد تراجعاً. فالکثیر من البنوک العالمیة قد فقدت حوافزها فی هذا البلد بما یعنی تحوّلاً فی الاقتصاد. و الإحصاءات التی تعلنها الحکومة الأمریکیة حول معدّل البطالة غیر دقیقة٬ لأنّها لاتشمل معدلات البطالة لدى السود٬ و علیه فمعدّلات البطالة أعلى بکثیر من الأرقام المعلنة. مسألة مهمة أخرى فی الولایات المتحدة و هی عدم المساواة فی المداخیل٬ لاسیّما بین المطالبین بالمساواة فی الولایات المتحدة و بالأخص بین البیض و الملونین. فمتوسط الثروة عند البیض یبلغ 137 ألف دولار٬ و عند السود 11 ألف دولار٬ و عند اللاتین الهیسبانو 13 ألف دولار. و لذلک نجد أنّ الهوة الاقتصادیة عمیقة٬ و الخشیة حقیقیة من العولمة.

4-الفشل الآخر الذی یلاحق ترامب یتعلّق بمزاعمه حول محاربة الإرهاب. فموضوع محاربة الإرهاب فی الولایات المتحدة اتّخذ منذ البدایة مساراً هزلیاً٬ إذ لم یصدّق أحد أنّ مؤسّسی القاعدة و داعش یمکن أن‌یحاربوا هذه التنظیمات حقّاً. فعندما تکشف هیلاری کلینتون وزیرة الخارجیة آنذاک و المرشحة السابقة للرئاسة الأمریکیة عن دور بلادها فی خلق هذه التنظیمات الإرهابیة٬ فلا یصدق أحد حدیث الولایات المتحدة و دورها فی محاربة الإرهاب و اجتثاثه. و خاصة بعد اغتیال الشهید الحاج قاسم سلیمانی الذی عُرف فی العالم ببطل محاربة داعش٬ و الذی سیبقى خالداً فی ذاکرة التاریخ بهذا اللقب. فمن یا ترى فی العالم لا یسخر من مزاعم الولایات المتحدة فی محاربة الإرهاب و هی التی أقدمت على اغتیال بطل محاربة الإرهاب فی بلد آخر و اعترفت بذلک بکل و قاحة و صلف؟
5-الحدیث عن ترامب بوصفه عامل عدم استقرار و انقسام فی الولایات المتحدة یشکّل خسارة کبرى له على صعید السیاسة الداخلیة. فالجنرال ماتیس وزیر الدفاع الأمریکی الأسبق اتّهم ترامب بإحداث انقسام و استقطاب فی المجتمع و قال: إنّه أول رئیس أمریکی أشاهد فی حیاتی لا یسعى إلى التوافق و الوحدة بین مکونات المجتمع. و أضاف: بل إنّه لم یُظهر أیّ حرکة فی هذا الاتجاه٬ و إنّما على العکس یسعى بشکل أکبر إلى إیجاد الانقسام و الاستقطاب فی المجتمع. و ختم تصریحه بالتأکید على أنّ‌الشعب الأمریکی هو الذی دفع ثمن فقدان قائد محنّک و جدیر فی السنوات الثلاث الأخیرة. 


تعداد مشاهده: 534